بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الثامن نجاسة من عدا الشيعة الامامية من فرق أهل الخلاف ، فالمشهور الطهارة ، ونسب إلى السيد القول بنجاسة غيرالمؤمن مطلقاوإلى ابن إدريس من لم يعتقد الحق عد المستضعف.

التاسع ذهب جماعة إلى نجاسة كلب الماء ، وذهب الاكثر إلى الطهارة ولعله أقوى ، ويتفرع عليه طهارة الدواء المشهور بجند بيدستر (١) ونجاسته إذ الظاهر أنه خصية كلب الماء ، والاقوى عندي حرمته وطهارته ، والاجتناب منه أحوط.

____________________

(١) جند معرب «كند» من الفارسية ومعناه الخصية «وبيدستر» حيوان ذوحياتين في البحر والبر ، يسمونه الكلب.

١٢١

٨

* (باب) *

(حكم المشتبه بالنجس ، وبيان أن الاصل) *

* (الطهارة وغلبته على الظاهر) *

١ ـ قرب الاسناد : بالسند المتقدم عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الفأرة الرطبة وقد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلح الصلاة فيها قبل أن تغسل؟ قال : اغسل ما رأيت من أثرها ، ومالم تره فتنضحه بالماء (١).

وسألته عليه‌السلام عن الفأرة والد جاجة والحمامة وأشباههن تطا العذرة ثم تطا الثوب أيغسل؟ قال : إن كان استبان من أثرهن شئ فاغسله ، وإلا فلا بأس (٢).

قال : وسألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينضح على الثياب ماحاله؟ قال : إذا كان جافا فلا بأس (٣).

بيان : قوله : «فاغسله» أي جميع الثوب أو ما اشتبه فيه ، أو ما استبان من الاثر ، والاخير أظهر.

فان قيل : على الاخير ينافي ما سيأتي من وجوب غسل ما اشتبه فيه النجاسة قلنا : ظاهر الاخبار وأقوال الاصحاب أن غسل ما اشتبه فيه ، إنما يجب إذاعلم وصول النجاسة إلى المحل ، ولم يعلم محلها أصلا ، لا فيما إذا علم بعضه وشك

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٦ ط نجف.

(٢) قرب الاسناد ص ١١٧.

(٣) قرب الاسناد ص ١٥٨ ط نجف.

١٢٢

في البقية فان ظاهر الاخبار الكثيرة ، وكلام الاصحاب الاكتفاء بغسل ما علم وصول النجاسة إليه.

قوله : «إذا كان جافا» إنما قيد به لان مع الجفاف لا يعلم وصول النجاسة إليه غالبا ، وإن حصل الظن القوي بالنجاسة ، وأما مع العلم بالنجاسة فلا فرق بين الجفاف وغيره ، والظاهر أن هذا من المواضع التي غلب فيه الاصل على الظاهر.

٢ ـ فقه الرضا : وإن كان معه إناءان وقع في أحدهما ما ينجس الماء ولم يعلم في أيهما؟ يهرقهما جميعا ، وليتيمم (١).

ونروي أن قليل البول والغائط والجنابة وكثيرها سواء ، لابد من غسله إذا علم به ، فاذا لم يعلم به أصابه أم لم يصبه ، رش على موضع الشك الماء ، فان تيقن أن في ثوبه نجاسة ولم يعلم في أي موضع على الثوب غسل كله.

ونروي أن بول مالا يجوز أكله في النجاسة ذلك حكمه ، وبول مايؤكل لحمه فلا بأس به (٢).

بيان : يدل على وجوب الاجتناب من الاناءين المشتبه الطاهر منهما بالنجس كما ذهب إليه الاصحاب ، ولا يعلم فيه خلاف ، وأوجب جماعة من الاصحاب منهم الصدوقان والشيخان إهراقهما ، إلا أن كلام الصدوقين ربما أشعر باختصاص الحكم بحال إرادة التيمم وظاهر النصوص الوجوب.

وقال المحقق : الامر بالاراقة محتمل لان يكون كناية عن الحكم بالنجاسة وهو غير بعيد ، ولو أصاب أحد الاناءين جسم طاهر فهل يجب اجتنابه فيه أم لا؟ فيه وجهان أظهرها الثاني ، ومقتضى النص وكلام الاصحاب وجوب التيمم والحال هذه إذا لم يكن متمكنا من الماء الطاهر مطلقا وقد يخص ذلك بما إذا لم يمكن الصلاة بطهارة متيقنة بهما ، كما إذا أمكن الطهارة بأحدهما والصلاة

____________________

(١) فقه الرضا : ٥.

(٢) فقه الرضا ص ٤١.

١٢٣

ثم تطهير الاعضاء مما لاقاه ماء الوضوء والوضوء بالاخر ، وهو خروج عن مقتضى النصوص.

٣ ـ علل الصدوق : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : إنه أصاب ثوبي دم من الرعاف أو غيره أو شئ من مني ، فعلمت أثره إلى أن اصيب ماء فأصبت الماء وحضرت الصلاة ونسبت أن بثوبي شيئا ، فصليت ، ثم إني ذكرت بعد ، قال : تعيد الصلاة وتغسله ، قال : قلت : فان لم أكن رأيت موضعه وقدعلمت أنه قد أصابه فطلبته ولم أقدر عليه ، فلما صليت وجدته ، قال : تغسله وتعيد.

[ قلت : فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أرشيئاثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ] (١).

قال : قلت : ولم ذاك؟ قال : لانك كنت على يقين من نظافته ، ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ، قلت : فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدرأين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون على يقين من طهارته ، قال : قلت : هل علي إن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه فأقلبه؟ قال : ولا ولكنك إنما تريد بذلك أنت تذهب الشك الذي وقع في نفسك.

قال : قلت : فاني رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ، ثم رأيته فيه ، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة ، فانك لا تدري لعله شئ وقع عليك ، فليس لك أن تنقض بالشك اليقين (٢).

بيان : قوله عليه‌السلام : «ولكنك» أي لا يلزمك النظر ، وإن فعلت فانما تفعل لتذهب الشك عن نفسك ، لا لكونه واجبا.

قوله عليه‌السلام : «إذا شككت» أي إنما تعيد الصلاة إذا علمت قبل الصلاة إصابة النجس وشككت في خصوص موضعه ، ثم رأيت في أثناء الصلاة ، فهو عامد

____________________

(١) مابين العلامتين ساقط من الكمبانى. (٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٤٩.

١٢٤

يلزمه استيناف الصلاة قطعا أوناس يلزمه الاستيناف على المشهور ، أو المعنى أنه شك قبل الصلاة في أنه هل أصابته نجاسة أم لا ، ثم قصر في الفحص ورآها في أثناء الصلاة فتكون الاعادة للتقصير أو سواء قصر أولم يقصر ، ويكون ذكر الشك لحصول العلم بأن النجاسة كانت قبل الصلاة بقرينة قوله «وإن لم تشك ثم رأيته رطبا» فيدل على أن الجاهل إذ رأى النجاسة في أثناء الصلاة وعلم بتقدمها يستأنف كما قيل ، والمشهور عدم الاعادة.

قوله عليه‌السلام : «لعله شئ اوقع عليك» أي الان ولم تتيقن سبقه حتى يلزمك الاستيناف.

٤ ـ السراير : نقلا من كتاب محمدبن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم أنه قد نجسه شئ بعد المطر ، و إن أصابه بعد ثلاثة أيام غسله ، وإن كان الطريق نظيفا لم يغسله (١) ٥ ـ كتاب المسائل : بالاسناد المتقدم عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلي فيه؟ قال : لا بأس إلا أن ترى أثرا فتغسله (٢).

ومنه : قال : سألته عليه‌السلام عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه أيصلي قبل أن يغسله؟ قال : نعم ينفضه ويصلي فلا بأس (٣).

بيان : عدم البأس في الاول لغلبة الاصل على الظاهر ، وفي الثاني لذلك أولان ما يبقى من ذلك في الثوب في حكم الاثر ولا تجب إزالته.

أقول : قد مر بعض الاخبار المناسبة في باب العذرات وغيره.

____________________

(١) السرائرص ٤٧٨.

(٢) البحار ج ١٠ ص ٢٧٨.

(٣) البحارج ١٠ ص ٢٧٠.

١٢٥

تتميم نفعه عميم

اعلم أنه إذا اشتبه موضع النجاسة فلا يخلوإما أن يكون في ثوب واحد أم لا ، فان كان في ثوب واحد يجب غسل كل موضع يحتمل كونها فيه ، ولو قام الاحتمال في الثوب كله وجب غسله كله ، ولا خلاف فيه كما عرفت.

وإن كان في ثياب متعددة أو غيرها فلا يخلو إما أن يكون محصورا أم لا وعلى الثاني لا أثر للنجاسة ويبقى كل واحد من الاجزاء التي وقع الاشتباه فيها باقياعلى أصل الطهارة ، وعلى الاول فالظاهر من كلام جماعة من الاصحاب أنه لا خلاف في وجوب اجتناب ما حصل فيه الاشتباه ، ولم يذكروا عليه حجة ، ولعل حجتهم الاجماع إن ثبت.

ثم على تقدير وجوب الاجتناب هل يكون بالنسبة إلى ما يشترط فيه الطهارة حتى إذا كان ماء أو ترابا لم تجز الطهارة به ، ولو كان ثوبا لم تجز الصلاة فيه أو يصير بمنزلة النجس في جميع الاحكام ، حتى لولاقاه جسم طاهر تعدى حكمه إليه؟ فيه قولان أولهما لا يخلو من قوة كما اختاره جماعة من المتأخرين.

وفي تحقيق معنى المحصور إشكال فجماعة منهم جعلوا المرجع فيه العرف و مثلوا له بالبيت والبيتين ، ولغير المحصور بالصحراء ، وذكر بعضهم أنه يمكن جعل المرجع في صدق الحصر وعدمه إلى حصول الحرج والضرر بالاجتناب عنه وعدمه.

وربما يفسر غير المحصور بما يعسر حده وحصره ، ولا شاهد في المقام من جهة النص ، ولا يظهر من اللغة والعرف ذلك ، وفي ألفاظ الفقهاء اختلاف في التمثيل ، فبعضهم مثلوه بالبيت والبيتين ، وبعضهم بالبيتين والثلاثة وتحقيق الحكم فيه لا يخلو من إشكال.

١٢٦

٩

* (باب) *

* (حكم مالاقى نجسا رطبا أو يابسا) *

١ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : المؤمن لا ينجسه شئ (١).

بيان : لعل المعنى أنه لا ينجسه شئ إذا كان يابسا أو نجاسة لا تزول بالماء كالكافر ، وهذا جزء خبر رواه في الكافي عن علي بن إسماعيل ، عن الفضل ابن شاذان ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنما الوضوء حد من حدود الله ، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه؟ وإن المؤمن لا ينجسه شئ إنما يكفيه مثل الدهن (٢).

فالمعنى أنه لا ينجسه شئ من الاحداث بحيث يحتاج في إزالته إلى صب الماء الزايد على الدهن كمافي النجاسات الخبثية ، بل يكفي أدنى ما يحصل به الجريان ، وهذه إحدى مفاسد تبعيض الحديث فانه تفوت به القراين ويصير سببا لسوء الفهم فافهم.

٢ ـ قرب الاسناد : باسناده عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباههن تطا العذرة ، ثم تطا الثوب أيغسل؟ قال : إن كان استبان من أثرهن شئ فاغسله ، وإلا فلا بأس (٣).

____________________

(١) المحاسن ص ١٣٣.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٢١ ، ورواه في التهذيب ج ١ ص ٣٨ ط حجر ، وعلل الشرايع ج ١ ص ٢٦٤.

(٣) قرب الاسناد ص ١١٧ ط نجف.

١٢٧

قال : وسألته عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة فتصيب ثوبه ورجيله هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي ولا يغسل ما أصابه؟ قال : إذا كان يابسا فلا بأس (١).

٣ ـ ومنه ومن كتاب المسائل : بسنديهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المكان يغتسل فيه من الجنابة أو يبال فيه أفيصلح أن يفرش فيه؟ قال : نعم ، يصلح ذلك إذا كان جافا (٢).

٤ ـ دعائم الاسلام : رخصوا صلوات الله عليهم في مس النجاسة اليابسة الثوب والجسد ، إذا لم يعلق بهما شئ منها كالعذرة اليابسة والكلب والخنزير والميتة (٣).

٥ ـ كتاب عاصم بن حميد : عن أبي اسامة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يجنب وعليه قميصه ، تصيبه السماء فتبل قميصه وهو جنب ، أيغسل قميصه؟ قال : لا.

بيان : محمول على عدم إصابة المني الثوب ، أو عدم نجاسة البدن.

أقول : أوردنا بعض الاخبار في باب الميتة وباب الكلب والخنزير وغيرهما.

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٩٤ ط حجر.

(٢) قرب الاسناد ص ١٢١ ط حجر والبحار ج ١٠ ص ٢٧٠.

(٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ١١٧.

١٢٨

١٠

* (باب) *

* (ما يلزم في تطهير البدن والثياب وغيرها) *

١ ـ قرب الاسناد وكتاب المسائل : بسنديهما عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول فكيف يغسل؟ قال : يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الاخر (١).

قال : وسألته عن رجل استاك أو تخلل فخرج من فمه الدم أينقض ذلك الوضوء؟ قال : لا ، ولكن يتمضمض (٢).

قال : وسألته عن الرجل يصب من فيه الماء يغسل به الشئ يكون في ثوبه وهوصائم؟ قال : لا بأس (٣).

بيان : تحقيق الكلام في هذا الخبر يتوقف على بيان امور : الاول ما يعتبر في إزالة النجاسة عن الثوب وظاهر البدن ، فالمشهور بين الاصحاب أنه يعتبر في إزالته نجاسة البول عن الثوب بالماء القليل غسله مرتين ، و اكتفى بعضهم بالمرة ، والاول أقوى ، كمامر في خبر البزنطي في باب البول (٤).

والاكثر على عدم الفرق بين الثوب والبدن في الحكم المذكور ، ومنهم

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١٥٨ ط نجف و ١١٨ حجر.

(٢) قرب الاسناد ص ١٠٨ ط نجف وص ٨٣ ط حجر.

(٣) قرب الاسناد ص ١٠٣ ط حجر.

(٤) رواه من السرائر ص ٤٦٥.

١٢٩

من فرق بينهما ، واكتفى في البدن بالمرة والاول لايخلو من رجحان ، وظاهر جماعة من الاصحاب طرد التعدد المذكور في غير الثوب والبدن مما يشبههما ، فيعتبر الغسلتان فيما يمكن إخراج الغسالة منه بالعصر من الاجسام المشبهة بالثوب والصب مرتين فيما لا مسام له بحيث ينفذ فيه الماء ، كالخشب والحجر ، واستثنى البعض من ذلك الاناء كما سيأتي ، والاقتصار في التعدد على مورد النص لعله أقوى كماهو مذهب بعض الاصحاب ، ومنهم من اكتفى في التعدد بالانفصال التقديري ومنهم من اعتبر الانفصال حقيقة وهو أحوط بل أقرب.

وهل يعتبر التعدد إذا وقع المغسول في الماء الجاري أوالراكد الكثير؟ فيه قولان : والاحوط اعتبار التعدد ، وإن كان ظاهر بعض الاخبار العدم والمشهور بين الاصحاب توقف طهارة الثياب وغيرها مما يرسب فيه الماء على العصر إذا غسل بالماء القليل ، وهو أحوط والظاهر من كلام بعضهم وجوب العصر مرتين فيما يجب غسله كذلك.

واكتفى بعضهم بعصر بين الغسلتين ، وبعضهم بعصر واحد بعد الغسلتين ، و الاول أحوط ، وأكثر المتأخرين على اختصاص وجوب العصر بالقليل وسقوطه في الكثير ، وذهب بعضهم إلى عدم الفرق ، والاقرب عدم اشتراط الدلك ، وشرطه بعضهم في إزالة النجاسة عن البدن.

ويكفي الصب في بول الرضيع ولا تعتبر انفصال الماء عن ذلك المحل ، و الحكم معلق في الرواية على صبي لم يأكل ، وكذا في كلام الشيخ وغيره ، و يحكى عن ابن إدريس تعليق الحكم بالحولين ، وذكر جماعة من المتأخرين أن المراد بالرضيع من لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه و لم يتجاوز الحولين ، وقال المحقق : لا عبرة بما يلعق دواء أو في الغذاء في الندرة ، والاشهر اختصاص الحكم المذكور بالصبي وأما نجاسة غير البول إذا وصلت إلى غيرالاواني ، ففي وجوب تعدد الغسل خلاف ، والاحوط ذلك.

ثم اعلم أن أكثر الاصحاب اعتبروا الدق والتغميز فيما يعسر عصره ، قال

١٣٠

في المنتهي لوكان المنجس بساطا أوفراشا يعسر عصره غسل ماظهر في وجهه ، ولو سرت النجاسة في أجزائه وجب غسل الجميع ، واكتفى بالتقليب والدق عن العصر.

ثم أورد مارواه إبراهيم بن أبي محمود في الصحيح قال : قلت للرضا عليه‌السلام الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع به وهو ثخين كثير الحشو؟ قال : يغسل ما ظهر منه في وجهه (١) وحمله على ما إذا لم تسر النجاسة في أجزائه.

واستشهد بما روي عن إبراهيم بن عبدالحميد قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول فينفذ من الجانب الاخر ، وعن الفرو ومافيه من الحشو ، قال : اغسل ما أصاب منه ، ومس الجانب الاخر ، فان أصبت مس شئ منه فاغسله وإلا فانضحه بالماء (٢).

واستدل بعض المتأخرين بالرواية الثانية على وجوب الدق والتغميز ، وليس من الدلالة في شئ ، بل يدل على خلافه ، وخبر علي بن جعفر ظاهر الدلالة على عدم اعتبارهما ، فالقول بعدم الوجوب قوى ، وإن كان الاحوط رعايته.

ثم المشهور في كلام المتأخرين أن ما لا يمكن إخراج الغسالة منه كالتراب لاسبيل إلى طهارته بالماء القليل ، وقال الشيخ في الخلاف : إذا بال على موضع من الارض فتطهيرها أن يصب الماء عليه حتى يكاثره ويغمره ويقهره ، فيزيل لونه وطعمه وريحه ، فاذا زال حكمنا بطهارة المحل ، وطهارة الماء الوارد عليه ولا يحتاج إلى نقل التراب ، ولا قطع المكان ، واستدل عليه بنفي الحرج وبرواية الذنوب ولايخلو من قوة كما سنثسير إليه في شرح الاخبار الدالة عليه.

الثاني المشهور بين الاصحاب أنه يكفي في طهر البواطن كالفم والانف زوال عين النجاسة عنهابل لا يعلم في ذلك خلاف ، ويدل عليه رواية عمار (٣) الساباطي قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه؟

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٧١ ط حجر.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٥٥.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١١٩.

١٣١

يعني جوف الانف ، فقال : إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه ، فالمضمضة في هذه الرواية محمولة على الاستحباب ، والاحوط أن لا يتركها.

الثالث قوله «يصب من فيه الماء» ينبغي حمله على ما إذا لم يصر مضافا كما هو الغالب ، وروى العلامة في المنتهى هذا الرواية ، ثم قال : إنها موافقة للمذهب لان المطلوب للشارع هو الازالة بالماء ، وذلك حاصل في الصورة المذكورة و خصوصية الوعاء الذي يحوي الماءغير منظور إليها.

٢ ـ دعائم الاسلام : قالوا صلوات الله عليهم : كل ما يغسل منه الثوب يغسل منه الجسد إذا أصابه (١).

٣ ـ الهداية : الثوب إذا أصابه البول غسل بما جار مرة ، وإن غسل بماء راكد فمرتين ، ثم يعصر ، وبول الغلام الرضيع يصب عليه الماء صبا ، وإن كان قد أكل الطعام غسل ، والغلام والجارية في هذا سواء (٢).

٤ ـ معانى الاخبار : عن محمد بن هارون الزنجاني ، عن علي بن عبدالعزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، عن هيثم ، عن يونس ، عن الحسن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتي بالحسن بن علي عليهما‌السلام فبال فاخذ ، فقال : لا تزرموا ابني ، ثم دعا بماء فصبه عليه.

قال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ قال الاصمعي : الازرام القطع ، يقال للرجل إذا قطع بوله : قد أزرمت بولك ، وأزرمه غيره إذا قطعه ، وزرم البول نفسه إذا انقطع (٣).

أقول : ويدل على الاكتفاء بالصب في بول الرضيع ، إذا ظاهر تلك الاحوال يدل على كونه عليه‌السلام رضيعا.

٥ ـ المقنع : روي في امرأة ليس لها إلا قميص واحد ، ولها مولود يبول

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١١٨.

(٢) الهداية : ١٤.

(٣) معانى الاخبار : ٢١١.

١٣٢

عليها ، أنها تغسل القميص في اليوم مرة (١).

بيان : ذكر الشيخ والمتأخرون عنه أن المرأة المربية للصبى إذا كان لها ثوب واحد يكتفي بغسل ثوبها في اليوم مرة واحدة ، وأكثرهم عمموا الحكم بالنسبة إلى الصبية أيضا كما هو ظاهر الخبر ، وبعضهم خصوا بالصبي نظرا إلى أن المتبادر من المولود هو الصبي. وذهب جماعة من المتأخرين إلى أن نجاسة البدن غير معفو عنها في الصورة المذكورة ، وإن قلنا بالعفو عن نجاسة الثوب.

وألحق العلامة بالمربية المربى ، وفيه نظر ، وفي إلحاق الغايط بالبول أيضا إشكال ، والظاهر من كلام الشهيد عدم الفرق ، ووجه بأنه ربما كني عن الغايط بالبول ، كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به ، وليس بشئ ، فان التجربة شاهدة بعسر التحرز عن إصابة البول دون غيره ، فلا بعد في كون الحكم مقصورا عليه ، ومجرد الاحتمال لا يكفي لاثبات التسوية.

وقد ذكر الاصحاب أن المراد باليوم هنا ما يشمل الليلة ، وليس ببعيد لدلالة فحوى الكلام ، وإن كان لفظ اليوم لا يتناوله حقيقة وفي الثياب المتعددة المحتاج إليها لدفع البرد ونحوه إشكال والعلامة في النهاية قرب وجوب الغسل هنا ، فلا يكفي الصب مرة واحدة ، وإن كفى في بوله قبل أن يطعم الطعام عند كل نجاسة ، ولا يخلو من قوة لظاهر النص ، وذكر كثير من الاصحاب استحباب جعل غسل الثوب آخر النهار ، لتوقع الصلوات الاربع في حال الطهارة ، واحتمل بعضهم وجوبه.

____________________

(١) المقنع ص ٣.

١٣٣

١١

* (باب) *

* (أحكام الغسالات) *

١ ـ مجالس ابن الشيخ : عن محمد بن محمد بن مخلد ، عن محمد بن عمر والرزاز عن حامد بن سهل ، عن أبي غسان ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن ميمونة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أجنبت أنا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتسلت من جفنة ، وفضلت فيها فضلة ـ ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتسل منها ، فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنها فضلة مني أو قالت اغتسلت ، فقال : ليس الماء جنابة (١).

بيان : قد عرفت سابقا اختلاف الاصحاب في غسالة الخبث ، واستثنائهم ماء الاستنجاء ، وأن المشهور في غيره النجاسة ، وادعى المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الاجماع على أن غساله الخبث ، وإن قيل بطهارتها لا يرتفع بها الحدث وظاهر كلام الشهيد في الدروس أن بجواز رفع الحدث به قائلا.

والماء القليل المستعمل في رفع الحدث الاصغر طاهر مطهر بلا خلاف ، والمستعمل في رفع الحدث الاكبر طاهر إجماعا ، وفي جواز رفع الحدث به ثانيا خلاف فذهب الصدوقان والشيخان وجماعة إلى العدم ، وأكثر المتأخرين على الجواز ، ونقلوا الاجماع على جواز إزالة الخبث به ، وربما يوهم كلام بعضهم الخلاف فيه أيضا.

وأما المستعمل في الاغسال المندوبة ، فادعوا الاجماع على أنه باق على تطهيره ، ولو تقاطر الماء من رأسه أو جانبه الايمن فأصاب المأخوذ منه ، قال

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٦.

١٣٤

العلامة لم يجز استعماله في الباقي عند المانعين من المستعمل ، لانه يصير بذلك مستعملا ، وقال في المعالم ـ ونعم ماقال : فيه نظر ، فان الصدوق ـ رحمه‌الله ـ من جملة المانعين ، وقد قال في الفقيه : وإن اغتسل الجنب فنزى الماء من الارض فوقع في الاناء أو سال من بدنه في الاناء فلا بأس به ، وما ذكره منصوص في عدة أخبار وقد ذكر الشيخ في التهذيب جملة منها ، ولم يتعرض لهابتأويل أورد أو بيان معارض مع تصريحه فيه بالمنع من المستعمل ، وفي ذلك إيذان بعدم صدق الاستعمال به عنده أيضا.

ثم اعلم أن ما ذكر في هذا الخبر ليس من الغسالة في شئ بل هو فضلة الغسل ، وقال المحقق في المعتبر ، لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم يلاق نجاسة عينية ، وكذا الرجل لما ثبت من بقائه على التطهير انتهى ، وليس يعرف فيه بين الاصحاب خلاف ، بل ادعى الشيخ في الخلاف عليه إجماع الفرقة وإنما خالف فيه بعض العامة فقال : بكراهة فضل المرأة إذا خلت به.

ثم قال الشيخ في الخلاف : وروي ابن مسكان (١) عن رجل عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : أيتوضأ الرجل بفضل المرأة؟ قال : نعم ، إذا كانت تعرف الوضوء وتغسل يدها ، قبل أن تدخلها الاناء.

وكأن الشيخ أخذها من كتاب ابن مسكان ، لانها ليست في كتب الحديث المشهورة ، والعلامة سوى في هذا الحكم بين فضل الوضوء والغسل ، ولم يتعرض الشيخ ولا المحقق لفضل الغسل.

وقال الصدوق في المقنع والفقيه : ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد ، ولكن تغتسل بفضله ، ولا يغتسل بفضلها ، وقد وردت أخبار كثيرة في اشتراك الرجل والمرأة في الغسل ، وسيأتي بعضها ، وهذا الخبر يدل على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة لكنه عامي.

٢ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد ، عن محمدبن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل

____________________

(١) الخلاف ج ١ ص.

١٣٥

عن ابن بزيع ، عن يونس ، عن رجل من أهل المشرق ، عن العيزار ، عن الاحول قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فقال : سل عما شئت ، فارتجت علي المسائل فقال لي : سل عما بدالك ، فقلت : جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجي به ، فقال : لا بأس به ، فسكت ، فقال : أوتدري لم صار لا بأس به؟ قلت : لا والله جعلت فداك ، فقال عليه‌السلام : إن الماء أكثر من القذر (١).

٣ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يغتسل فوق البيت فكيف فيصيب الثوب مما يقطر ، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسل؟ قال : لا يصلي فيه حتى يغسله (٢).

بيان : لعله محمول على الاستحباب أو على إزالة المني مع الغسل.

٤ ـ البصائر : للصفار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن شهاب بن عبد ربه قال : أتيت أبا عبدالله عليه‌السلام فقال : سل وإن شئت أخبرتك ، قلت : أخبرني! قال : جئت لتسألني عن الجنب ، يغتسل فيقطر الماء من جسمه في الاناء أو ينضح الماء من الارض ، فيقع في الاناء؟ قلت : نعم جعلت فداك قال : ليس بهذا بأس كله (٣).

٥ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : إن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ما تصب عليك ، أخذت كفا فصببت على رأسك ، وعلى جانبيك كفا كفا ثم امسح بيدك وتدلك بدنك (٤).

٦ ـ محاسن البرقى : عن ابن العزرمى ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام أنه كان يشرب وهو قائم ، ثم شرب

____________________

(١) علل الشرايع ج ١ ص ٢٧١ ، وقد مر مع شرح ص ١٥.

(٢) قرب الاسناد ص ١١٦ ط نجف.

(٣) بصائر الدرجات ص ٢٣٨.

(٤) فقه الرضا ص ٤.

١٣٦

من فضل وضوئه وهو قائم ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صنع هكذا (١).

٧ ـ الذكرى والمعتبر : عن العيص بن القاسم قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء ، فقال : إن كان من بول وقذر فليغسل ما أصابه (٢).

٨ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في الساقية مستنقعا فيتخوف أن يكون السباع قد شربت منه ، يغتسل منه للجنابة ويتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره؟ والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ، ولا مدا للوضوء ، وهو متفرق وكيف يصنع؟ قال : إذا كانت كفه نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة ، و لينضحه خلفه ، وكفا أمامه ، وكفا عن يمينه ، وكفا عن يساره ، فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده به ، فان ذلك يجزيه إنشاء الله و إن كان للوضوء غسل وجهه ، ومسح يده على ذراعيه ، ورأسه ورجليه ، وإن كان الماء متفرقا يقدر على أن يجمعه جمعه ، وإلا اغتسل من هذا وهذا ، وإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فان ذلك يجزيه إنشاء الله (٣).

بيان : أقول : روى الشيخ في التهذيب والاستبصار (٤) هذا الخبر عن أحمد ابن محمد ، عن موسى بن القاسم الجبلي وأبي قتادة ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن الاول عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل من الجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره ، والماء لا ييلغ

____________________

(١) المحاسن ص ٥٨٠. وفيه : فالتفت إلى الحسن عليه‌السلام وقال : بأبى أنت وامى يا بنى انى رأيت جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صنع هكذا.

(٢) الذكرى : ٩ ، المعتبر : ٢٢.

(٣) قرب الاسناد ص ٨٤ ط حجر ، و ١١٠ ط نجف.

(٤) التهذيب ج ١ ص ١٠٤ الاستبصار ج ١ ص ١٥.

١٣٧

صاعا للجنابة ولا مدا للوضوء ، وهو متفرق فكيف يصنع؟ وهو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه؟ فقال : إذا كانت يده نظيفة إلى آخر مامر أقول : هذا الحديث من متشابهات الاخبار ، ومعضلات الاثار ، وهو يتضمن أسؤلة أربعة : الاول الخوف من أن تكون السباع شربت منه ، الثاني أنه لا يبلغ مدا للوضوء ، وصاعا للغسل ، وتفوت سنة الاسباغ ، الثالث أنه يخاف أن ترجع الغسالة إلى الماء في أثناء الغسل فيفسد بقية الغسل صحة أو كمالا ، الرابع أنه متفرق ولا يكفي كل واحد منها لغسله.

فظهر الجواب عن الاول ضمنا بعدم البأس وعن الثاني أيضا بعدم البأس للضرورة ، وعن الرابع بأنه إن أمكن جمعها جمعهاوإلا غسل رأسه مثلا من موضع ، ويمينه من موضع ، ويساره من موضع ، ولا بأس بهذه الفاصلة.

وأما الجواب عن الثالث فيمكن أن يوجه بوجوه : الاول أن يكون المراد رش الارض التي يغتسل عليها ، ليكون تشر بها للماء أسرع ، فينفذ الماء المنفصل عن أعضائه في أعماقها قبل وصوله إلى الماء الذي يغترف منه.

واورد عليه بأن رش الارض بالماء قبل الغسل يوجب سرعة جريان غسالته عليها لقلة تشربها حينئذ للغسالة. فيحصل نقيض ما هو المطلوب.

واجيب بأن التجربة شاهدة بأنك إذا رششت أرضا منحدرة شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء ، فانك تجد كل قطرة تلبس غلافا ترابيا وتتحرك على سطح تلك الارض على جهة انحدارها حركة ممتدة امتدادا يسيرا قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوض فيها ، بخلاف ما إذا كان في الارض نداوة قليلة ، فان تلك القطرات تغوص في أعماقها ولا تتحرك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة ، فظهر أن الرش محصل للمطلوب لا مناقض له.

الثانى أن المراد ترطيب الجسد وبل جوانبه بالاكف الاربع قبل الغسل ليجرئ ماء الغسل عليه بسرعة ، ويكمل الغسل قبل وصول الغسالة إلى ذلك الماء.

واعترض عليه بأن سرعة جريان ماءالغسل على البدن ، مقتض لسرعة

١٣٨

تلاحق أجزاء الغسالة وتواصلها ، وهو يعين على سرعة الوصول إلى الماء.

واجيب بأن انحدار الماء من أعالى البدن إلى أسافله أسرع من انحداره على الارض المائلة إلى الانخفاض ، لانه طالب للمركز على أقرب الطرق ، فيكون انفصاله عن البدن أسرع من اتصاله بالماء الذي يغترف منه ، هذا إذا لم تكن المسافة بين مكان الغسل وبين الماء الذي يغترف منه قليلة جدا ، فلعله كان في كلام السائل ما يدل على ذلك ، كذا ذكره الشيخ البهائي قدس الله لطيفه.

والاظهر في جواب السؤال الاخير أن يقال : مع يبوسة البدن تنفصل القطرات منه وتطفر ، وتصل إلى الماء مستقيم ، يتخيل وتر الزاوية قائمة تحدث من قامة المغتسل وسطح الارض إلى الماء ، ومع الرطوبة يميل الماء إلى جنسه ويجري على البدن حتى يصلى إلى الارض ثم يجري منه إلى أن يصل إلى الماء وظاهر أن ضلعي المثلث أطول من ضلع واحد ، كما بين في العشرين من المقالة الاولى من الاصول.

ويؤيد أحد هذين الوجهين ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان ، عن ابن مسكان قال : حدثني صاحب لى ثقة أنه سأل أبا عبدالله عليه‌السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل وليس معه إناء ، والماء في وهدة ، فان هو اغتسل رجل غسله في الماء ، كيف يصنع؟ قال : ينضح بكف بين يديه وكفا من خلفه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله ، ثم يغتسل والغسل بكسر العين وضمها الماء الذي يغتسل به.

الثالث أن يكون المنضوح أيضا البدن لكن لا لعدم عود الغسالة إلى الماء بل لترطيب البدن قبل الغسل ، لئلا ينفصل عنه ماء الغسل كثيرا ، فلا يفي بغسله لقلة الماء ، وهذا مجرب.

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١١٨ ، الاستبصار ج ١ ص ١٥ ، ورواه في السرائر ص ٤٦٥ عن نوادر البزنطى.

١٣٩

الرابع أن يكون المنضوح الارض ، أيضا لعدم عود ماء الغسل ، لكن لا لعدم جواز استعمال الغسالة ، بل لتطهير الارض مما يتوهم فيه من النجاسة.

الخامس أن يكون المنضوح البدن للغسل ، لا لتمهيد الغسل ، فالمراد أنه إذا كاء الماء قليلا يجوز أن يكتفى بأقل من صاع وبأربع أكف ، فاذا نضح كل كف على جانب من الجوانب الاربع يمكن أن يحصل أقل الجريان ، فيكون الاربع لغسل البدن فقط بدون الرأس ولا يخلو من بعد.

السادس أن يكون المنضوح الارض ، لكن لا لما ذكر سابقا ، بل لرفع ما يستقذر منه الطبع ، من الكثافات المجتمعة على وجه الماء بأن يأخذ من وجه الماء أربع أكف وينضح على الارض ، أو يأخذ مما يليه وينضح على الجانب الاخر من الماء ، فيكون المنضوح الماء ، ويمكن أن يعدهذا وجها سابعا.

ويؤيده على الوجهين ما رواه الشيخ والكليني في الحسن (١) عن الكاهلي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إذا أتيت ماء وفيه قلة فانضح عن يمينك و عن يسارك وبين يديك وتوضأ. والشيخ في الموثق عن أبي بصير (٢) قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام أنا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي ، وتبول فيه الدابة وتروث ، فقال : إن عرض في قلبك منه شئ فقل هكذا ـ يعني أفرج الماء بيدك ـ ثم توضأ فان الدين ليس بمضيق ، فان الله عزوجل يقول : «ماجعل عليكم في الدين من حرج» لكن حمل أكثر الاخبار على هذا المعنى لا يخلو من بعد.

قوله عليه‌السلام : «عسل رأسه» إنما حكم بغسل الرأس أي صب الماء عليه ثلاث مرات لان ما يصب على الرأس يجري على البدن وينفعه ، وقوله عليه‌السلام : «ثم مسح جلده» يدل على إجزاء المسح من الغسل عند قلة الماء ، وهو مخالف

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٣ ، التهذيب ج ص ١ ص ١١٦.

(٢) راجع شرح الحديث ص ٢١ في الذيل.

١٤٠