بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بيان : صرار الليل طويئره صغيرة تصيح بالليل (١) وقد أجمع علماؤنا على طهارة ميتة غير ذي النفس كما حكاه جماعة ودلت عليه أخبار ، والاهاب الجلد مالم يدبغ.

٩ ـ الهداية : لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة (٢).

____________________

(١) هو الجدجد ، واسمه شبيه بصوته أكبر من الجندب ، قيل وبعض العرب يسميه الصدى.

(٢) الهداية ص ١٣.

٨١

٢

* (باب) *

* (حكم مايؤخذ من سوق المسلمين) *

* (ويوجد في أرضهم) *

١ ـ قرب الاسناد : عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الخفاف يأتي الرجل السوق ليشتري الخف لا يدري ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه ، وهو لا يدري؟ قال : نعم أنا أشتري الخف من السوق واصلي فيه ، وليس عليكم المسألة (١).

٢ ـ ومنه : بهذا الاسناد قال : سألته عن الجبة الفراء يأتي الرجل السوق من أسواق المسلمين فيشتري الجبة لا يدري أهي ذكية أم لا يصلي فيها؟ قال : نعم إن أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إن الدين أوسع من ذلك ، إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : إن شيعتنا في أوسع مما بين السمآء إلى الارض ، أنتم مغفور لكم (٢).

٣ ـ السرائر : نقلا من كتاب البزنطي قال : سألته عن رجل يشتري ثوبا من السوق لبيسا لايدري لمن كان ، يصلح له الصلاة فيه؟ قال : إن كان اشتراه من مسلم فليصل فيه ، وإن كان اشتراه من نصراني فلا يلبسه ولا يصلي فيه حتى يغسله (٣).

قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام مثله (٤).

٤ ـ ومنه : عن محمدبن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم

____________________

(١ و ٢) قرب الاسناد ص ١٧٠ ط حجر وص ٢٢٧ ط نجف.

(٣) السرائر ص ٤٦٩.

(٤) قرب الاسناد ص ٩٦ ط حجر.

٨٢

عن حماد بن عيسى قال : سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : كان أبي يبعث بالدراهم إلى السوق فيشترى بها جبنا فيسمي ويأكل ولا يسأل عنه (١).

بيان : قد ظهر من تلك الاخبار وغيرها أن ما يباع في أسواق المسلمين من الذبايح واللحوم والجلود والاطعمة حلال طاهر ، لا يجب الفحص عن حاله ولا أعرف فيه خلافا بين الاصحاب ، ولا فرق في ذلك عندهم بين ما يوجد بيد معلوم الاسلام أو مجهوله ، ولا في المسلم بين من يستحل ذبيحة الكتابي أم لا ، عملا بعموم الادلة.

واعتبر العلامة في التحرير كون المسلم ممن لا يستحل ذبايح أهل الكتاب والاول أظهر ، والظاهر أن المراد بسوق المسلمين ما كان المسلمون فيه أغلب وأكثر ، كما روي في الموثق (٢) عن إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال : إذا كان الغالب عليه المسلمين فلا بأس ، وربما يفسر بماكان حاكمهم مسلماوقد يحال على العرف ، والظاهر أن العرف أيضا يشهد بما ذكرنا.

____________________

(١) قرب الاسناد ص ١١ ط حجر وص ١٥ ط نجف.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٤١ ط حجر ، ولفظه قال : لا بأس بالصلاة في الفراء اليمانى وفيما صنع في أرض الاسلام ، قلت : فان كان فيها غير أهل الاسلام؟ قال : اذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس.

٨٣

٣

* (باب) *

* (نجاسة الدم وأقسامه وأحكامه) *

١ ـ السراير : نقلا من كتاب البزنطي ، عن عبدالله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل به القرح لا يزال يدمي كيف يصنع؟ قال : يصلي وإن كانت الدماء تسيل (١).

ومنه : عن البزنطي ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : قال : إن صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها ، يصلي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة (٢).

بيان : لاخلاف في العفو عن دم القروح والجروح في الجملة ، واختلف في تعيين الحد الموجب للترخص ، فقيل بالعفو عنه مطلقا إلى أن يبرأ سواء شقت إزالته أم لا ، وسواء كانت له فترة ينقطع فيها أم لا ، واختاره أكثر المحققين من المتأخرين ، واعتبر بعضهم سيلان الدم دائما ، وبعضهم السيلان في جميع الوقت (٣) أو تعاقب الجريات على وجه لا تتسع فتراتها لاداء الفريضة ، ومنهم من ناط العفو بحصول المشقة ، وأوجب في المنتهى إبدال الثوب مع الامكان والاول لا يخلو من قوة.

وقوله عليه‌السلام : «وإن كانت الدماء تسيل» ظاهر الدلالة على أولوية الحكم في صورة عدم السيلان ، وربما يتوهم من قوله : «فلا يزال يدمي» أن الحكم مفروض فيما هو دائم السيلان ، ورد بأنه ليس معنى لا يزال يدمي أن جريانها متصل دائما بل معناه أن الدم يتكرر خروجها منه ، ولوحينا بعد حين ، فاذا قيل فلان

____________________

(١) لم نجده في المطبوع من السرائر.

(٢) السرائر ص ٤٦٩. (٣) اى وقت الصلاة.

٨٤

لا يزال يتكلم بكذا فكان معناه عرفا أنه يصدر منه ذلك وقتا بعد وقت ، لا أنه دائمي.

ويستفاد من بعض الروايات أنه لا يجب إبدال الثوب ، ولا تخفيف النجاسة ولا عصب موضع الدم ، بحيث يمنعه من الخروج ، وظاهر الشيخ في الخلاف أنه إجماعي بين الطائفة ، فما ورد في الخبر الثاني يمكن حمله على الاستحباب.

ثم إنه ذكر العلامة في عدة من كتبه أنه يستحب لصاحب القروح و الجروح غسل ثوبه في كل يوم مرة كما يدل عليه هذا الخبر ، ويدل عليه أيضا رواية سماعة قال : سألته عن الرجل به القروح أو الجروح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ، قال : يصلي ولايغسل ثوبه إلا كل يوم مرة فانه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة (١).

وعلل الاستحباب بضعف السند ، وغفلوا عن هذا الخبر الصحيح الذي نقله ابن إدريس من كتاب البزنطي والاحوط العمل به.

٢ ـ السراير : نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : كان لا يرى بأسا بدم ما لم يدك يكون في الثوب ، فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك (٢).

توضيح وتنقيح : اعلم أن الدم لا يخلو إما أن يكون دم ذي النفس أم لا فان كان دم ذي النفس فلا يخلو إما أن يكون دما مسفوحا أي خارجا من العرق بقوة أم لا ، وعلى الثاني فلا يخلو إما أن يكون دما متخلفا في الذبيحة أم لا ، والاول ينقسم بحسب أحوال المذبوح إلى مأكول اللحم وغيره ، وإن لم لم يكن دم ذي النفس ، فلا يخلو من أن يكون دم سمك أو غيره ، فههنا أقسام ستة :

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٧٣ ط حجر.

(٢) السرائر ص ٤٧٧.

٨٥

الاول الدم المسفوح ، ولاريب في نجاسته.

الثاني الدم المتخلف بعد الذبح في حيوان مأكول اللحم والظاهر أنه حلال طاهر بغير خلاف يعرف.

الثالث الدم المتخلف في حيوان غيرمأكول اللحم وظاهر الاصحاب الحكم بنجاسته ، لعدم استثنائهم له عن الدم المحكوم بالنجاسة ، قال صاحب المعالم : و تردد في حكمه بعض من عاصرناه من مشايخنا ، وينشأ التردد من إطلاق الاصحاب الحكم بنجاسة الدم مما له نفس مدعين الاتفاق عليه ، وهذابعض أفراده ، ومن ظاهر قوله تعالى «أو دما مسفوحا» حيث دل على حل غير المسفوح وهو يقتضي طهارته ، ثم ضعف الثاني بوجوه لا تخلو من قوة ، وقال : عموم ما دل على تحريم الحيوان الذي هو دمه يتناوله ، وحل الدم مع حرمة اللحم أمر مستبعد جدا لا سيما مع ظهور الاتفاق بينهم على التحريم.

الرابع ماعدا المذكورات من الدماء التي لا تخرج بقوة من عرق ، ولا لها كثرة وانصباب ، لكنه له نفس ، فظاهر الاصحاب الاتفاق على نجاسته ، ويستفاد ذلك أيضا من بعض الاخبار ، وظاهر المعتبر والتذكرة نقل الاجماع عليه ، و يتوهم من عبارة بعض الاصحاب طهارته وهو ضعيف ، ولعل كلامهم مؤول.

الخامس دم السمك والظاهر أن طهارته إجماعي بين الاصحاب كما نقله جماعة كثيرة منهم ، وربما فهم من كلام الشيخ في المبسوط نجاسته وعدم وجوب إزالته ، ولعل كلامه مؤول كما يفهم من ساير كتبه ، وهذا الخبر من جملة ما استدل به على طهارته ، وأما حل دم السمك فالمشهور حله ، ويظهر من عبارة بعض الاصحاب التوقف فيه والحل أقوى.

السادس دم غير السمك مما لا نفس له ، وقد نقل جماعة من الاصحاب الاجماع على طهارة دم كل حيوان لا نفس له ، وربما فهم من كلام الشيخ و بعض الاصحاب النجاسة مع العفو عن إزالته ، وهو ضعيف ، وكلامهم قابل للتأويل.

٨٦

٣ ـ الهداية : وأما الدم إذا أصاب الثوب فلا بأس بالصلاة فيه ، مالم يكن مقداره مقدار درهم واف ، وهو ما يكون وزنه درهما وثلثا ، وما كان دون الدرهم الوافي فقد يجب غسله ، ولا بأس بالصلاة فيه ، ودم الحيض إذا أصاب الثوب فلا تجوز الصلاة فيه قليلا كان أو كثيرا [ ولا بأس بدم السمك في الثوب أن يصلي فيه قليلا كان أو كثيرا ] (١).

٤ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ، ما لم يكن مقداردرهم واف ، والوافي ما يكون وزنه درهما وثلثا ، وما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله ، ولا بأس بالصلاة فيه ، وإن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ، ومن البول والمنى قل أم كثر ، وأعد منه صلاتك علمت به أم لم تعلم.

وقد روي في المنى إذا لم تعلم من قبل أن تصلي فلا إعادة عليك ، ولا بأس بدم السمك في الثوب أن تصلي فيه قليلا كان أم كثيرا (٢).

٥ ـ وأروي عن العالم عليه‌السلام أن قليل الدم وكثيره إذا كان مسفوحا سواء ، و ما كان رشحا ، أقل من مقدار درهم ، جازت الصلاة فيه ، وما كان أكثر من درهم غسل.

وروي في دم الدماميل يصيب الثوب والبدن أنه قال : يجوز فيه الصلاة وأروي أنه لا يجوز.

٦ ـ وأروي أنه لا بأس بدم البعوض والبراغيث ، وأروي ليس دمك مثل دم غيرك ، ونروي قليل البول والغائط والجنابة وكثيرها سواء لابد من غسله إذا علم به فاذا لم يعلم به أصابه أم لم يصبه رش على موضع الشك الماء ، فان تيقن أن في ثوبه نجاسة ولم يعلم في أي موضع من الثوب غسله كله (٣).

تحقيق وتفصيل : اعلم أن العفو عما دون الدرهم ، نقل جماعة من

____________________

(١) الهداية ص ١٥ وما بين العلامتين زيادة من المخطوطة.

(٢) فقه الرضا ص ٦. (٣) فقه الرضا ص ٤١.

٨٧

الاصحاب عليه الاجماع ، إلا أنه يلوح من كلام ابن أبي عقيل نوع مخالفة فيه ، حيث حكى عنه في المختلف أنه قال : إذا أصاب ثوبه دم فلم يره حتى صلى فيه ، ثم رآه بعد الصلاة وكان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه ، ولم يعد الصلاة وإن كان أكثر من ذلك أعاد الصلاة ، ولو رآه قبل صلاته أو علم أن في ثوبه دما ولم يغسله حتى صلى غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا وقد روي أنه لا إعادة عليه ، إلا أن يكون أكثر من مقدار الدينار.

وكذا نقلوا الاجماع على عدم العفو عما زاد على الدرهم ، واختلفوا فيما كان بقدر الدرهم ، فذهب الاكثر إلى وجوب إزالته ، ونقل عن المرتضى وسلار القول بالعفو عنه ، والازالة أحوط ، مع أن إجمال معنى الدرهم وعدم انضباطه مما ينفي فائدة هذا الخلاف ، إذ لم يثبت حقيقة شرعية فيه ، وكلام الاصحاب مختلف في تفسيره وتحديده ، فالمشهور بينهم أن الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث وبعضهم وصفه بالبغلي.

وقال المحقق : هو نسبة إلى قرية بالجامعين ، وضبطه جماعة بفتح العين وتشديد اللام ، وقال ابن إدريس شاهدت درهما من تلك الدراهم تقرب سعته من سعة أخمص الراحة ، وهو ما انخفض منها ، وقال في الذكرى : هو باسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية ، وزنه ثمانية دوانيق ، وعن ابن الجنيد سعته كعقد الابهام الاعلى.

ثم إن المشهور بين الاصحاب عدم الفرق في العفو بين الثوب والبدن ، و ربما يستشكل في البدن لورود أكثر الروايات في الثوب ، وقوله «والوافي ـ إلى قوله : علمت به أم لم تعلم» ذكره الصدوق في الفقيه ، وفيه «وان كان الدم دون حمصة» وهو أظهر (١).

____________________

(١) أقول : الاصل في ذلك قوله تعالى «قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا يكون ميتة أودما مسفوحا أولحم خنزير» الانعام : ١٤٥ وقد نزل بمكة المكرمة ، وما نزل بعدها في المدينة من قوله تعالى « حرمت عليكم الميتة والدم ولحم

٨٨

ويحتمل أن يكون المراد في الاول السعة وهنا الوزن ، أو المراد بالاول ما إذا لطخ به الثوب أو البدن ، وبالثاني ما إذا اجتمع وارتفع وحصل له حجم ، أو يراد بالاول الثوب وبالثاني الدم الخارج من البدن.

ويؤيد الاخير بل الثاني أيضا مارواه الشيخ عن مثنى بن عبدالسلام (١) عن

____________________

الخنزير « ونحوها يشير بالالف واللام إلى ما ذكر قبلا في سورة الانعام ، فالدم اذا كان مسفوحا كان محرما واذا لم يكن مسفوحا لم يكن محرما.

والتحريم في اللغة هو المنع المطلق الشامل من جميع الجهات حتى مسه واصابته كالحمى ، فيستفاد من هذا العموم وجوب الاجتناب من الدم المسفوح اذا أصاب الثوب و الجسد ، وعدم الاجتناب منه اذا لم يكن مسفوحا.

والمسفوح هو المسفوك باندقاق ، فدم الشاة عند ذبحها مسفوح باندقاق وهو نجس محرم غير معفو ولو قدر أبرة وما بقى في جوفها حلال طاهر ولو كان أكثر من حمصة و دم الرعاف لا يكون الامندفقا ، فانه بانفجار العرق بامتلائه من الدم ، وأقله قطرة مسفوحة يتلطخ به باطن الانف ويخرج منه قدر الابر ونحوه ، فهذا الدم قليله وكثيره سواء كدم الحيض سواء ، وأما اذا لم يكن من انفجار العرق ، بل كان جرحا او قرحا في باطن الانف ، فرش منه الدم فهو طاهر شرعا ، ومن تطهر منه تطهر لاجل استقذاره.

وهكذا الدم المسفوح من سائر العروق اذا اندفق وأقله قطرة مسفوحة ، مادام رطبا تكون قدر حمصة ، وان وقعت على ثوب أو غيره صارت كالدرهم سعة.

فالاعتبار كما رواه الشلمغانى ـ وقد اجيز لنا العمل بمارواه ـ تحت الرقم ٥ بالسفح وعدمه ، فاذا كان الدم مسفوحا وأقله لا يكون الا قطرة فهو نجس سواء كان ما تلطخ به الجسد أو الثوب أقل من درهم أو أكثر ، أصاب الرطب منه قدر حمصة أو أكثر ، وما لم يكن مسفوحا بل كان رشا كان طاهرا سواء تلطخ به الثوب والجسد أقل من درهم أو أكثر أصاب الرطب منه دون الحمصة أو أكثر ، فاعتبار الدرهم والحمصة في الروايات لاجل تشخيص الدم الطاهر من غيره والفرق بين الرش والسفح فافهم ذلك.

(١) التهذيب ج ١ ص ٧٢ ط حجر.

٨٩

أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : إني حككت جلدي فخرج منه دم فقال : إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله ، وإلا فلا والوجه الاول ذكره السيد في المدارك وقال : الظاهر أن المراد بقدر الحمصة قدرها وزنا لاسعة ، وهو يقرب من سعة الدرهم ، ولا يخفى ما فيه ، إذ يمكن أن يلطخ بقدر الحمصة من الدم تمام الثوب ، ولاندري أي شي أراد بقربه من سعة الدرهم.

وأما استثناء دم الحيض ، وأنه لا يعفى عن قليله وكثيره فهو مقطوع به ، في كلام الاصحاب ، واستندوا إلى رواية أبي سعيد عن أبي بصير (١) قال : لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلا دم الحيض ، فان قليله وكثيره إن رآه وإن لم يره سواء ، وقالوا ضعف سنده منجبر بعمل الاصحاب ، وألحق الشيخ به دم الاستحاضة والنفاس ، والراوندي دم نجس العين ، وفي الجميع نظر.

وأما الاعادة مع العلم وعدمه ، فهو باطلاقه مخالف للمشهور ، ولساير الاخبار ، وظاهر الخبر اختصاص الحكم بدم الحيض ، ولم أر ذلك في كلامهم وسيأتي الكلام فيه ، والفرق بين المسفوخ والرشح غير معهود في الروايات ، و لا يمكن إثباته بهذا الخبر.

وقوله : «وأروي أنه لا يجوز» لعله محمول على ما إذا لم تعسر إزالته.

والفرق بين دمه ودم غيره أيضا مخالف للمشهور ويمكن أن يكون مبنيا على أنه جزء من حيوان لا يؤكل لحمه.

٧ ـ كتاب المسائل : بالاسناد المتقدم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع؟ قال : إن كان غليظا أو فيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرتين غدوة وعشية ، ولا ينقض ذلك الوضوء ، وإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ، ولا تصل فيه حتى تغسله (٢).

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٧٣.

(٢) راجع البحار ج ١٠ ص ٢٧٩.

٩٠

ايضاح : ماذكره من غسل القيح الغليظ ، لعله محمول على الاستحباب ، بل ما فيه خلط من الدم أيضا كما عرفت ، وحكى المحقق عن الشيخ أنه حكم بطهارة الصديد والقيح ، ثم قال : وعندي في الصديد تردد أشبهه النجاسة ، لانه ماء الجرح يخالطه يسير دم ، ولو خلا من ذلك لم يكن نجسا ، وخلافنا مع الشيخ يؤل إلى العبارة لانه يوافق على هذا التفصيل.

ثم قال : أما القيح فان مازجه دم ، نجس بالممازج ، وإن خلا من الدم كان طاهرا ، لا يقال : هو مستحيل عن الدم ، لانا نقول : لا نسلم أن كل مستحيل عن الدم لا يكون طاهرا كاللحم واللبن ، انتهى. وأما تقدير المعفو من الدم بالدينار فهو موافق لما حكيناه سابقا عن ابن أبي عقيل والدرهم والدينار متقاربان سعة.

٨ ـ كتاب المسائل : بالاسناد ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء فطبخ فيها لحم ووقع فيها وقية دم ، هل يصلح أكله؟ قال : إذا طبخ فكل فلا بأس (١).

بيان : ذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إذا وقع قليل من دم كالا وقية فما دون في القدر وهي تغلى على النار حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان ، ونحوه قال المفيد إلا أنه لم يقيد الدم بالقليل ، واستند إلى صحيحة سعيد الاعرج عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أيؤكل؟ قال : نعم ، قال : النار تأكل الدم (٢) ، ومثله روى زكريا بن آدم عن الرضا عليه‌السلام (٣).

وذهب ابن إدريس والمتأخرون إلى بقاء المرق على نجاسته ، وفي المختلف حمل الدم على ما ليس بنجس كدم السمك وشبهه ، واورد عليه أن العليل بأن

____________________

(١) المصدر ج ١٠ ص ٢٩٠.

(٢) الكافى ج ٦ ص ٢٣٥ ط الاخوندى ، الفقيه ج ٣ ص ٢١٦ ط نجف.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٧٩.

٩١

الدم تأكله النار يأبى عن ذلك ، إذ لو كان طاهرا لعلل بطهارته ، ولو قيل بأن الدم الطاهر يحرم أكله فتعليله بأكل النار ليذهب التحريم وإن لم يكن نجسا ، ففيه أن استهلاكه في المرق إن كفى في حله لم يتوقف على النار ، وإلا لم تؤثر النار في حله انتهى.

أقول : يمكن أن يحمل التقييد بالغليان على الاستحباب لرفع استقذار النفس ، وإن كان القول بالحل مطلقا لا يخلو من قوة.

٩ ـ دعائم الاسلام : عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام أنهما قالا في الدم يصيب الثوب : يغسل كما تغسل النجاسات ، ورخصا في النضح اليسير منه ، ومن سائر النجاسات ، مثل دم البراغيث وأشباهه قالا : فاذا تفاحش غسل (١).

ايضاح : اختلف الاصحاب في وجوب إزالة الدم المتفرق على الثوب أوالبدن إذا كان بحيث لو جمع بلغ الدرهم فقال ابن إدريس الاحوط للعبادة وجوب إزالته و الاقوى والاظهر في المذهب عدم الوجوب ، ونحوه قال في المبسوط والشرايع والنافع ، وقال في النهاية : لا تجب إزالته ما لم يتفاحش وهو خيرة المعتبر ، و قال سلار وابن حمزة : تجب إزالته ، واختاره العلامة في جملة من كتبه ، و الاول أقوى.

وقال في المعتبر : ليس للتفاحش تقدير شرعي وقد اختلف أقوال الفقهاء فيه ، فبعض قدره بالشبر وبعض بما يفحش في القلب ، وقدره أبوحنيفة بربع الثوب ، والوجه أن المرجع فيه إلى العادة ، لانها كالامارة الدالة على المراد باللفظ ، إذا لم يكن له تقدير انتهى.

ثم اعلم أن الرواية تدل على أن الرشح من غير الدم أيضا معفو ، كما قال به بعض الاصحاب ، وهو خلاف المشهور والاحوط الازالة قال في المختلف : قال ابن إدريس : قال بعض أصحابنا : إذا ترشش على الثوب أو البدن مثل رؤوس الابر من النجاسات فلا بأس بذلك ، والصحيح وجوب إزالتها قليلة كانت أو كثيرة

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ٢ ص ١١٧.

٩٢

وهو الاقوى عندي :

ثم قال : وقال السيد المرتضى في جواب المسائل الناصرية : نجاسة الخمر أغلظ من ساير النجاسات ، لان الدم وإن كان نجسا فقد ابيح لنا أن نصلي في ثوب إذا كان فيه دون قدر الدرهم ، والبول قد عفى عنه فيما ترشش عند الاستنجاء كرؤوس الابر ، والخمر لم يعف عنه في موضع أصلا.

٤

* (باب) *

* (نجاسة الخمر وساير المسكرات) *

* (والصلاة في ثوب اصابته) *

الايات : المائدة : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (١).

تفسير : المشهور أن الخمر موضوع للمسكر المأخوذ من عصير العنب بحسب اللغة.

وروي عن ابن عباس المراد به جميع الاشربة المسكرة ، ويدل عليه كثير من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

والميسر القمار ، والانصاب أحجار أصنام كانوا ينصبونها للعبادة ، ويذبحون عندها ، والازلام هي القداح التي كانوا يستقسمون بها وسيأتي تفاصيل تلك الامور في محالها ، وقال في القاموس : الرجس بالكسر القذر والمأثم ، وكل ما استقذر من العمل ، والعمل المؤدي إلى العذاب «من عمل الشيطان» لانه نشأ من تسويله وتزيينه ، وهو صفة أو خبر آخر «فاجتنبوه» أي ما ذكر أو تعاطيها أو الرجس

____________________

(١) المائدة ، ٩٠.

٩٣

أو عمل الشيطان أو كل واحد منها «لعلكم تفلحون» بسبب الاجتناب.

ثم اعلم أن المشهور بين الاصحاب نجاسة الخمر ، وساير المسكرات المايعة ، بل نسب إلى أكثر أهل العلم حتى حكي عن المرتضي رضي‌الله‌عنه أنه قال : لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم ، وعن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ أنه قال : الخمر نجسة بلا خلاف ، وقال في المختلف : الخمر وكل مسكر والفقاع والعصير إذا غلاقبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس ، ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخ المفيد ، والشيخ أبي جعفر ، والسيد المرتضى وسلار وابن إدريس.

وقال ابن أبي عقيل : من أصابه ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لانهما نجسان وقال الصدوق في المقنع والفقيه : لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته. وعزي في الذكرى إلى الجعفي وفاق (١) الصدوق وابن أبي عقيل.

واستدل القائلون بالنجاسة بعد الاجماع بالاية بوجهين : أحدهما أن الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة ، لترادفهما في الدلالة ، والثاني أنه أمر بالاجتناب (٢) وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب بجميع الانواع

____________________

(١) في طبعة الكمبانى (وقال) وهو تصحيف.

(٢) أقول : الظاهر من قوله تعالى : «انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس» الخ أى كل واحد منها رجس من عمل الشيطان ، ثم قوله تعالى : بعدها «فاجتنبوه» يرجع ضمير الفرد إلى كل واحد مما ذكر فالمعنى أن الخمر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ، الميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ، وهكذا ، ويظهر من ترتيب وتفريع قوله تعالى «فاجتنبوه» أن الخمر وسائر ما ذكر يجب الاجتناب منه لانه رجس من عمل الشيطان فكون الخمر نجسا بالمعنى الاصطلاحى ليس يستدل بلفظ الرجس من الاية حتى يقال

٩٤

لان معنى اجتنابها كونه في جانب غير جانبها ، فيستلزم المنع من أكله و ملاقاته ، وتطهير المحل بازالته ، ولا معنى للنجس إلا ذلك ، ذكرهما المحقق والعلامة.

ورد الاول بأن الرجس لا نسلم أنه مرادف للنجس ، وقول الشيخ في التهذيب : الرجس هو النجس بلا خلاف لا حجة فيه ، لان أهل اللغة لم يذكروا النجس في معناه ، بل ذكروا له معاني اخرى لا تقرب منه أيضا ، سوى ما ذكروا من القذر ، والظاهر أنه ليس النجس المصطلح بل هو ما يستقذره الطبع ، مع أن في الاية الكريمة وقع خبرا عن الخمر والميسر والانصاب والازلام جميعا في الظاهر.

فلا يخلو إما أن يقدر مضاف محذوف ليصح حمله على الجميع ، مثل التعاطي ونحوه وعلى هذا ظاهر أنه لا يصح جعله بمعنى النجس ، بل لابد من حمله على معنى آخر مثل المأثم ، لانه من بعض معانيه ، أو العمل المستقذر أو القذر الذي يعاف منه العقول ، كما يوجد في كلام جماعة من المفسرين ، أو يقال : إن المراد أن كل واحد رجس ، وحينئذ لا يصح الحمل على النجس ، وإلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين ، بل الحقيقي والمجازي ، أو يجعل الرجس المذكور خبرا عن الخمر فقط ، ويقدر لكل من الامور الاخر خبر آخر ، وعلى هذا أيضا لا يصح حمل الرجس على النجس ، لان القرينة على التقدير دلالة المذكور عليه ، ولو حمل الرجس على النجس يلزم أن يكون المقدر كذلك ولو فرض جواز الاكتفاء في الدلالة بمجرد الاشتراك في اللفظ ، وإن لم يكن المعنى في الجميع واحدا ، فلا ريب أنه المرجوح بالنسبة إلى الاحتمالات السابقة ، ولا أقل من الستاوي ، وعلى هذا كيف يستقيم الاستدلال.

____________________

انه مشترك لفظى ، بل بما تفرع عليه من وجوب الاجتناب وقوله تعالى «فاجتنبوه» بالنسبة إلى الخمر ، له اطلاق من حيث الشرب وغيره من أنواع الاقتراب كالبيع والشراء والاتخاذ والاصابة فافهم ذلك.

٩٥

والثاني بأن المتبادر من الاجتناب من كل شئ الاجتناب عما يتعارف في الاقتراب منه ، مثلا المتعارف من اقتراب الخمر الشرب منه ، وفي اقتراب الميسر اللعب به ، وفي اقتراب الانصاب عبادتها ، فعلى هذا يكون الامر بالاجتناب عن الخمر المتبادر منه الاجتناب عن شربه ، لا الاجتناب من جميع الوجوه ، كما يقولون : إن «حرمت عليكم الميتة» لا إجمال فيه ، إذ المتبادر تحريم أكلها.

١ ـ قرب الاسناد : عن أحمد بن عبدالله ابني محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب عن ابن رئاب قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الخمر والنبيذ والمسكر يصيب ثوبي أغسله أو اصلي فيه؟ قال : صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الاثر إن الله تبارك وتعالى إنما حرم شربها (١).

٢ ـ علل الصدوق : عن أبيه ، عن سعد ، عن محمد بن الحسين وعلي بن إسماعيل ويعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز قال : قال بكير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وأبوالصباح وأبوسعيد والحسن النبال ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قالوا : قلنا لهما : إنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها ، أنصلي فيها قبل أن نغسلها؟ قال : نعم لا بأس بها ، إنما حرم الله أكله وشربه ، ولم يحرم لبسه ومسه والصلاة فيه (٢).

بيان : الودك بالتحريك دسم اللحم ، ودهنه الذي يستخرج منه.

٣ ـ قرب الاسناد : عن محمد بن الوليد ، عن ابن بكير قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيبان الثوب قال : لا بأس به (٣).

٤ ـ ومنه : باسناده ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن رجل مر في ماء مطر قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٧٦ ط حجر ص ١٠٠ ط نجف.

(٢) علل الشرايع ج ٢ ص ٤٦.

(٣) قرب الاسناد ص ٨٠ ط حجر ص ١٠٥ ط نجف.

٩٦

قال : لا يغسل ثوبه ولا رجليه ، ويصلي ولا بأس (١).

قال : وسألته عليه‌السلام عن رجل مر بمكان قد رش فيه خمر قد شربته الارض وبقي نداه أيصلي فيه؟ قال : إن أصاب مكانا غيره فليصل فيه ، وإن لم يصب فليصل ولا بأس (٢).

٥ ـ ومنه ومن كتاب المسائل : قال : سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح أن تصلي المرأة وهو في رأسها؟ قال : لا حتى تغتسل منه (٣).

قال : وسألته عن الطعام يوضع على سفرة أو خوان قد أصابه الخمر أيؤكل عليه؟ قال : إذا كان الخوان يابسا فلا بأس (٤).

٦ ـ فقه الرضا : لا بأس أن تصلي في ثوب أصابه خمر ، لان الله حرم شربها ، ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابه ، وإن خاط خياط ثوبك بريقه وهوشارب الخمر ، إن كان يشرب غبا فلا بأس ، وإن كان مدمنا للشرب كل يوم فلا تصل في ذلك الثوب حتى يغسل ، ولا تصل في بيت فيه خمر محصور في آنية (٥).

٧ ـ كتاب المسائل : بالاسناد المتقدم عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالنبيذ؟ قال : لا (٦).

أقول : سيأتي بعض الاخبار المناسبة لهذا الباب في باب الاواني.

تبيين :

اعلم أن الخبر الاول يدل على جوازالصلاة في ثوب أصابته الخمر وظاهره الطهارة ، وإن أمكن أن تكون نجسة معفوا عنها ، وحمله القائلون بالنجاسة على التقية ، واورد عليه أنه لا تقية فيه إذ أكثر علماء العامة أيضا على نجاسة الخمر ، واجيب بأن التقية لعلها من السلاطين ، إذ سلاطين ذلك الوقت

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٨٣ ط حجر و ١١٦ ط نجف.

(٢) قرب الاسناد ص ١١٩ ط نجف.

(٣) قرب الاسناد ص ١٠١ ط حجر ، المسائل في البحار ج ١٠ ص ٢٦٩.

(٤) قرب الاسناد ص ١٥٦ ط نجف.

(٥) فقه الرضا ص ٣٨.

(٦) البحار ج ١٠ ص ٢٦٩.

٩٧

كانوا يزاولون الخمر ، ولا يجتنبون عنها ، فلعل الحكم بالنجاسة كان شاقا عليهم لتضمنه شناعة لهم وإزراء بهم ، ورد بأنهم عليهم‌السلام لو كانوا يتقون في ذلك لكانت تقيتهم في الحكم بالحرمة أوجب وأهم مع أنهم عليهم‌السلام كانوا يبالغون في ذلك كل المبالغة حتى أنهم حكموا بأن مدمن الخمر كعابدوثن ، إلى غير ذلك من التهديدات والتشديدات.

فان قلت : الحرمة لما كانت صريحة في القرآن المجيد ، وكانت من ضروريات الدين ، فالحكم بها لا فساد فيه ، إذلا لاحد أن ينكر على من حكم بها ، قلت : أصل حرمتها وإن كان كذلك لكن عظم حرمتها وكونها بالغة إلى ما بلغت من المراتب التي في أحاديثنا ليس في صريح القرآن ، ولا من ضروريات الدين ، فكان ينبغي أن يتقوا فيه ، فترك التقية في ذلك والتقية في الحكم بالنجاسة بعيد جدا ، بل الاظهر حمل أخبار النجاسة على التقية أوعلى الاستحباب.

وبالجملة لولا الشهرة العظيمة والاجماع المنقول لكان القول بالجواز متجها ولاريب أن الاحوط العمل بالمشهور.

والخبر الثاني أظهر في الدلالة على الطهارة ، لكنه يدل على طهارة ودك الخنزير أيضا ، ولم يقل به أحد ، وإن كان ظاهر الصدوق ـ رحمه‌الله ـ القول بجواز الصلاة فيه أيضا حيث قال في كتاب علل الشرايع : «باب علة الرخصة في الصلاة في ثوب أصابه خمر وودك الخنزير» فانه وإن لم يكن صريحا في الطهارة لكنه صريح في جواز الصلاة فيه ، ويمكن حمل الخبر على ما إذا ظن ملاقات الحاكة لها بالخمر وودك الخنزير ، وإن لم يعلم ذلك ، فان تلك الظنون غير معتبرة في النجاسة ، وإلا لزم الاجتناب من جميع الاشياء ، لا سيما ما يجلب من بلاد الكفر من الثياب والادوية والاطعمة ، كما روى الشيخ في الصحيح (١) عن معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٣٩ ط حجر.

٩٨

وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها و اصلي فيها؟ قال : نعم «فالمراد بقوله عليه‌السلام» ولم يحرم لبسه ومسه والصلاة فيه » عدم التحريم إذا ظن ذلك ولم يعلم ولا يخفى بعده.

والخبر الثالث أيضا ظاهره الطهارة ويمكن حمله على عدم البأس بلبس الثوب والتمتع به ، لا طهارته وجواز الصلاة فيه.

والخبر الرابع أيضا ظاهر الدلالة على الطهارة ، ويمكن حمله على أن صب الخمر كان قبل وقوع المطر [ وبعده قد طهر المكان فلا بأس بأن يصيب ماء المطر ] (١) حينئذ أو على أن صب الخمر في الماء كان في أثناء التقاطر ، وكذا إصابة ماء المطر الثوب أيضا كان في أثنائه ، أوعلى أن ماء المطر لعله كان كرا ، أو على أن القليل لاينجس بملاقاة النجاسة.

وجواب السؤال الثاني من علي بن جعفر أظهر في الطهارة ، ويدل على استحباب التنزه عنها مع الامكان ، ويمكن حمله على نفي البأس في الصلاة في ذلك المكان ، مع عدم السجود عليها ، وعدم ملاقاته بالرطوبة ، بأن تكون النداوة نداوة لا تسري.

لا يقال : لا حاجة إلى السؤال حينئذ ، لانه يجوز أن يتوهم أنه لا يصح الصلاة في مكان أصابته الخمر ، وإن لم يلاق برطوبة ، كما ورد أنه لايصلي في بيت فيه خمر ، لكنه بعيد ، وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال دليل العموم.

وجوابا السؤال الثالث والرابع ظاهران في النجاسة ، وإن أمكن حملهما على الاستحباب أوالتقية ، كما عرفت.

وأما ما في الفقه فالنهي مع الادمان ظاهره الكراهة بقرينة سابقه ، والنهي عن الصلاة في بيت فيه خمر فالمشهور أنه على الكراهة ، وظاهر الصدوق الحرمة وخبر التبيذ ظاهره الكراهة ، مع أنه على تقدير الحرمة أيضا لا يدل على النجاسة.

____________________

(١) مابين العلامتين ساقط من المطبوعة الاولى.

٩٩

٨ ـ دعائم الاسلام : سئل الصادق عليه‌السلام عن الشراب الخبيث يصيب الثوب قال : يغسل (١).

وسئل عن السفرة والخوان يصيبه الخمر أيؤكل عليه؟ قال : إن كان يابسا قدجف فلا بأس به (٢).

٥

* (باب) *

* (نجاسة البول والمنى وطريق تطهيرهما) *

* (وطهارة الوذى وأخواتها) *

١ ـ قرب الاسناد : بالاسناد المتقدم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن جنب أصابت يده من جنابته فمسحه بخرقة ، ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال : أن وجد ماءغيره فلا يجزيه أن يغتسل به ، وإن لم يجد غيره أجزأه (٣).

قال : وسألته عن الفراش يصيبه الاحتلام كيف يصنع به؟ قال : اغسله! فان لم تفعل فلا تنام عليه ، حتى ييبس ، فان نمت عليه وأنت رطب الجسد فاغسل ما أصاب من جسدك ، فان جعلت بينك وبينه ثوبا فلا بأس (٤).

قال : وسألته عن أكسية المرعزى والخفاف ينقع في البول أيصلي فيها؟ قال : إذا غسلت في الماء فلا بأس (٥).

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١١٧.

(٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٢٢.

(٣) قرب الاسناد ص ١١٠ ط حجر.

(٤) قرب الاسناد ص ١١٨ ط حجر وص ١٥٨ ط نجف

(٥) قرب الاسناد ص ١١٦ ط نجف.

١٠٠