الزام النواصب بامامة علي بن ابي طالب عليه السلام

الشيخ مفلح بن الحسين (الحسن) بن راشد (رشيد) ابن صلاح البحراني

الزام النواصب بامامة علي بن ابي طالب عليه السلام

المؤلف:

الشيخ مفلح بن الحسين (الحسن) بن راشد (رشيد) ابن صلاح البحراني


المحقق: الشيخ عبدالرضا النجفي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٢

١

٢

٣

٤

عن عكرمة عن ابن عباس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم :

« من سره أن يحيى حيـاتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ؛ فليوال علياً من بعـدي ، وليوال وليه ، وليقتدِ بالأئمة من بعدي ؛ فإنهم عترتي .. خلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، وويـل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنـالهم الله شفاعتي »

حلية الأولياء ١ / ٨٦

٥

الشافعي :

ولمـا رأيـت النـاس قد ذهبت بهـم

مذاهبهــم في أبحــر الغي والجهـل

ركبت على اسـم الله في سفن النجــا

وهم أهـل بيت المصطفى خاتم الرسـل

وأمسكـت حبـل الله وهو ولاؤهــم

كما قـد أمرنـا بالتمســك بالحبل

إذا افترقت فـي الدين سبعون فرقــة

ونيف كما قـد جاء في محكم النقــل

ولم يــك ناج منهــم غير فرقــة

فقل ـ لي بها ـ يا ذا الرجاجة والعقل

أفـي الفــرق الهُلاّك آل محمــد

أم الفـرقة اللائي نجت منهم قل لي؟!

فإن قلت في الناجين فالقول واحــد

وإن قلت فـي الهُلاّك حدت عن العدل

إذا كان مولى القــوم منهــم فإنني

رضيت بهــم لا زال في طلهم ظلّي

فخل علياً لـي إمــامــاً ونسلـه

وأنت من الباقين في أوســع الحـلّ

٦

الإهداء

إلى التي حملتني لدنياي هذه كي أحظى بنور آل محمد صلوات الله عليه وعليهم السلام وبحّبهم .. ثم فطمتني بولائهم .. ووضعتني في كنفهم .. وأرضعنتي بحبهم .. وأرشفتني من منهلهم .. وغذّتني من نميرهم .. وناغتني بعلاهم .. وحدت بي إلى مكارمهم .. وغرست في قلبي بغض أعدائهم .. والبراءة من مناوئيهم .. ثم قادتني الى مراقدهم ومحافلهم .. ـ الى يومك هذا ـ متطفلاً من حتات سفرتهم .. مرتويا من شريعتهم .. حتى نمى وشبّ في سويداء القلب أسطر نورية من الولاء المحض مسبوكا ببراءة عن الند .. فكنت إذ كنت من رعايتها وعنايتها ، ورحم الله من قال :

لا عـذّب الله أمي إنّها رضـعت

حبّ الوصـيّ وغــذتنيه بـاللّبن

وكان لي والد يهوى أبــا حسن

فصرت من ذا وذي أهوى أبا حسن

* * *

فإلى أمي ..

التي كانت كذلك وفوق ذاك .. ـ في ذكراها السنوية الأولى ـ

أهدي ثواب وريقاتي هذه ـ لو كان لي أجر إذ كلّه منها ـ فإليها طاب ثراها وعطّر مرقدها ومثواها بضاعتي المزجاة .. ومنّ ربي عليّ برضاها وملقاها .. وأسبغ عليها شآبيب رحمته ورضوانه .. ورعاها بفيض لطفه وإحسانه .. وكساها بكسوة جنانه وغفرانه .. وعرّف بينها وبين مواليها محمد وآله .. في برزخه وجنانه ، إنه ولي الإجابة.

ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل

عبد الرضا

٧
٨

المـدخـل

٩
١٠

إطلالة * ..

وبه نستعين

الحمد لله عـدد ما في علمه ، وصلّى الله على محمد نبيّه وعلى

آله وأهله .. ولعنة الله على أعدائهم وشانئيهم الى يوم الدين ..

ونشكره سبحانه إذ منّ علينا ـ برحمته ولطفه ـ بولاية أوليائه

ومعــاداة ظالميهم ، ومن جحد حقهم ، ومن ظلــم وُلدهــم

وشيعتهم ، وخالص صحبهم صلوات الله وسلامه على موالينــا

أجمعين.

وبعد :

لابدّ لنا ـ ونحن أمام هذا السفر الجليل ، والمؤلّف الخطير ـ من الوقوف هنيأة

__________________

(*) لقد ارتأينا بما يتناسب مع كتابنا هذا ـ إصدارا وتنظيما ـ تقديم مقدمة مجملة ـ لا نعرف من تعرض لها أو طرق بابها ـ تعد كإطلالة على فصول الكتاب ، لعل الله سبحانه يمنّ علينا مستقبليا بتكميلها وتوسعتها .. وحبذنا تسميتها ـ بـ : شموع العقيدة .. حيث شاءوا هولاء طاب ثراهم أن يضيؤ الدرب ـ بعد أن سحقوا الذات ، وقتلوا الأنانية ، وأماتوا الأهواء ـ .. فلم يعربوا عن أسمائهم ولم يعرّفوا عن أنفسهم ، فجهل عملهم أو ردّد بين أكثر من واحد ، كل ذلك في سبيل عقيدتهم ومبادئهم .. واقتصر هنا على أعلام الشيعة خاصة حسب تتبعي القاصر الضئيل .. والله من وراء القصد ..

١١

لدراسة عدّة نقاط ؛ أهمّها هذه الظاهرة التي لم تكن وقفا على تاريخنا المعاصر فحسب ـ كما هو واضح ـ ولا حُكرا عليه ، بل كانت ولا زالت نلمس معالمها من خلال رغبة بعض العلاماء والكتّاب والاُدباء والساسة في إخفاء أسمائهم الحقيقية ، وراء اسماء قلميّة ، أو رموز وإشارات خاصّة يعمدون من خلالها الى اخفاء ما في نفوسهم من دواعي دينيّة أو سياسيّة أو اجتماعيّة أو .. غير ذلك.

وقد أكثر العرب القدامى في استعمال الكنى والألقاب وتفنّنوا فيها ، إذ نجدهم قد أطلقوها على الرجال والنساء والسيوف والجمال والرياح والخيول و .. وقد وضعوا لكلّ واحد منها الأسماء المختلفة لستر المسمّيات المميّزة (١).

وإذا ما نظرنا في أسباب هذه الألقاب وأمعنّا النظر في حوافزها ودوافعها التي أولدتها أو دعت إليه لوجدناها ـ حينذاك ـ متعدّدة ومتنوّعة لا تدخل تحت ضابطة معيّنة ، إذ نجد :

هناك طائفة نطق أصحابها في مواطن خاصّة بألفاظ صارت لهم شهرة يتلبسونها ، وألقابا يُدعون بها فلا ينكرونها ؛ كالقيرواني مثلا.

وآخرون ممن جاءهم اللقب أو الكنية نتيجة لعاهة فيه ، أو عيب جسمي يعتريه ؛ فأوجب لحوق ما لحقه وأشتهاره به ، كالأعشى ، والأحوص ، والبصير ..

وطائفة من الألقاب جاءت لتدلّ على الاستخفاف والاستهانة بالملقّب بها ؛ كابن العاهة ، وأنف الناقة ..

واُخرى القاب تنمّ عن تعظيم صاحبها وتبجيل المتحلّي بها ؛ كشيخ الطائفة ، والديباج ، وزين العابدين ، وذي الرياستين ..

وطورا اشتق اللقب من حرفة امتهنها صاحبها ، كالرفاء ، أو الصائغ ، أو

__________________

(١) طبعا هذا أحد دواعيها .. لاحظ كتاب المرصع لابن الأثير وغيره.

١٢

الخزّاز ..

أو بلد استوطنه ؛ كالكوفي ، والبغدادي ، والمصري .. أو غير ذلك.

وقد حكي لنا عن القدامى ـ سواء من كان منهم في العصر الجاهلي أو صدر الإسلام أو العهدين الأموي والعباسي ـ عن الكثيرين ممّن لا يعرفون إلاّ بألقابهم أو كناهم ، سواء اختاروها لأنفسهم أو اختيرت لهم ، وسواء أكان ذلك بشكل مقصود أو جاء بشكل عفوي ، وسواء ولدته واقعة معيّنة أو حادثة طارئة أم لا ..

كل ذلك بعد أن تمزّق نسج القبائل والعشائر وتركوا البراري والبوادي وتوطّنوا البلدان والمدن .. جاءتنا ألقاب وأسماء جديدة لم يكن يعرفها العرب آنذاك ، وقلّ الاهتمام بأسماء القبيلة أو العشيرة أو البطن أو .. غير ذلك .. هذا فيما لو كان صريحا أو شبه صريح .. ولسنا بصدد حده أو البحث عنه فعلا ، ولنا وقفة معها في مقام آخر .. كما لا غرض لنا فيها وبها في مقامنا هذا .. إذ هذا ما كان واضحا جليا وإن كان قد يكون منشاءه تخفّيا أو إشارة ورمزا.

* * *

وظاهرة التخفي وراء الأسماء المستعارة اتخذها العديد من أعلامنا ومؤلّفينا ـ قديما وحديثا ـ .. إذ نشروا من خلالها بنات أبكار أفكارهم ، وعلنوا بها مغازي أهدافهم ومقاصدهم.

ولا شك أنّ التاريخ العلمي لم يول اهتماما خاصّا ـ كما ينبغي ـ بالبحث عن مثل هذا النوع من النشاط الفكري ، والألقاب المستعارة ، والأسماء المتستّر بها ، أو الكنى والرموز ، أو المؤلّفات المجهولة المؤلف أو .. غير ذلك.

وقد يغلب الاسم المستعار الاسم الحقيقي للمؤلف بحيث لم يعدّ يعرف الرجل إلاّ به.

وهذا المنحى والمنهج سار عليه التأريخ حتّى في أزهى عصور الأدب والعلم

١٣

وعلى مدّ قرونه من زمن ( إخوان الصفا ) (١) في القرن الرابع الهجري ، بل وقبل ذلك .. والى يومك هذا.

* * *

وقد اُكثر من استعمال الكنى والألقاب ـ سواء للتستّر أم لغيره ـ حتى بدت لبعض الرجاليين والمفهرسين ضرورة التعريف بأصحابها ، من خلال الموسوعات الرجاليّة أو المعاجم العلميّة ـ مثل معجم ألقاب الشعراء للدكتور سامي مكّي ، ومعجم المؤلفين العراقيين لعواد سركيس ، ومعجم الرموز والإشارات للشيخ محمّد رضا المامقاني ، ومعجم الأسماء المستعارة وأصحابها ( لا سيّما في الأدب العربي الحديث ) ليوسف أسعد داغر ، والأسماء والتواقيع المستعارة في الأدب العربي و .. غير ذلك ـ.

وقد قام جمع من الباحثين ممن يهمه اقتفاء سير أعمال الأعلام ، وأجالة النظر في المخلفات العلمية والتراث الثقافي ؛ لدفع الإبهام عن أمثال هذه الموارد ، ومن ثمّ وضع النقاط على الحروف.

__________________

(١) أسم جمع ممن ربطتهم الإخوة والصداقة ظاهرا ، والعقيدة والهدف واقعا ، كانوا في البصرة وبغداد ، ووصفوا لأنفسهم مذهبا أقاموه على البحث والنظر للوصول الى الحق والحقيقية والكمال ، وكانوا يتخفّون به عن الآخرين ، ويجتمعون سرّا لطرح مباحث فلسفية ودينية ، وكذا يتذاكرون في العلوم الرياضيّة والطبيعيّة ، هدفهم ـ كما يدّعون ـ وحدة المذاهب!! والدعوة الى الاُخوةّ والصفا ، ونشر العلوم الفلسفية الطبيعية ، لم يكشف التأريخ هويّة معظم أعضائهم ، لهم واحد وخمسين رسالة في واحد وخمسين نوعا من أنواع الحكمة ؛ عللوا اختيارهم للعدد لموافقته لعدد الركعات في الصلوات اليومية ـ أعم من الواجب والمستحب ـ!! وجاءت رسائلهم على نحو الرمز على غرار كتاب كليلة ودمنة ، ولم يعرّفوا فيها أسماءهم ، سميّت برسائل : ( إخوان الصفا وخلاّن الوفا ) تعتبر دائرة معارف مشبعة بالآراء الفلسفية والعلميّة والاجتماعية والدينيّة.

١٤

ومع كل هذه المساعي المشكورة من أولئك تأليفا ومن هؤلاء بحثا ، وتعقيبا ؛ فقد أخفى التأريخ عنّا الكثير الكثير من قؤلاء الأعلام بالرغم من التتبّع والسعي الّذي قام به جمهرة من الباحثين ـ المشهود لهم بالبحث والتنقيب ـ .. إذ أخفي عنّا أسماء صريحة لعناوين مستعارة ، أو كتب مؤلّفة بأسماء غير واقعيّة.

* * *

والّذي نراه أنّ الأسباب والحوافز الّتي دعت العلماء والكتّاب المعاصرين الى التستّر وراء أسماء مستعارة ، أو إخفاء أسمائهم عمّا جرت به أقلامهم لا تختلف كثيرا عمّا اعتصم به القدماء من الاُدباء والشعراء في التخفّي والتعمية ، وعدم دعم بنات أفكارهم بإمضاء صريح ، أو اسم كامل يكشف عن شخصيتهم الحقيقيّة.

وقد يكون الإخفاء تاماً كما هو الغالب ، وقد يكون ناقصا ، كما لو ذكر اسمه الغير مشهور به ، أو أبدل الإسم بكنيته الواقعية ، أو تركه للقبه المعروف به بلقب آخر يشير إليه كمسقط رأسه ، أو معهد درسه .. أو غير ذلك ، وكذا ما لو اكتفى بذكر اللقب أو النسبة العامة دون تحديد المتلبس بها.

ولندرج بعض الدواعي الّتي تدعو الى التسميات المستعارة ، ونلخصها في النقاط التالية :

منها : أنّه قد يعمد الكاتب الى التخفّي بلحاظ مركزه في الهيأة الإجتماعية أو العلمية أو الدينية المرموقة التي يراها المجتمع له ، سواء أكان من رجال الدين أو الدنيا ، سياسيّا كان أو عسكريا ، ولذا تراه يعتصم بالتعمية والتستّر ليكون ذلك مدعاة له الى التعبير عمّا يجول في خواطره من أفكار أو آراء مع حفظ موقعيته.

ومنها : أنّه قد يلتجأ الى التستّر لمصلحته الماديّة الصرفة الّتي تدعوه الى الاختفاء وراء اسم أو أسماء مستعارة إيهاما للناس بأنهم أمام أشخاص

١٥

عديدين مختلفين.

ومنها : الدوافع العاطفية المشوبة بالحقد أو الظلم أو ..

ومنها : الأحاسيس والمشاعر الدقيقة ، أو ما تمليه الأعراف الإجتماعية ، أو المبادي الدينية كالحشمة والخفر أو الأدب .. ولذا كان من المستحبّ في فترة زمنية للمرأة الكاتبة توقيع ما تكتبه من شعر أو بحث باسم سيّدة أو بنت فلان أو .. غير ذلك ، ومن هنا قد يكون الجنس من البواعث للكاتب على تغيير اسمه أو تخفّيه وراء اسم مستعار ، بمعنى أنّ المرأة لو كانت من عائلة شريفة ومعروفة يشينها كتابة بعض الاُمور أو إبراز بعض الأحاسيس ، ممّا يدفعها ذلك الى التخفي سواء أكان عامل الحياء أو الحافز الإجتماعي أو الديني أو غيرها ، تمشيا مع الزّي أو العرف المتحكم.

ومن تلكم الموارد والحوافز لكتمان المؤلف اسمه كونه سيّدا كبيرا في قومه ، وله مكانة علمية أو دينية ، ويهوي الدخول في فنون أدبية أو فروع علمية لا تتلائم مع شأنه ومقامه ، فهو يأنف النزول الى مصاف الكتبة ، أو زمرة القاصّة ، أو روّاد الشعر والأدب .. فيتنكّر تحت اسم مستعار .. ولذا فلو شاهد الكاتب بعد فترة زمينة نجاحا لأثره الروائي أو الشعري ، أو لاقى كتابه أو مقاله إقبالا من القرّاء وتلقّفا من طلاّب العلم ، نجده يبرز عن اسمه الحقيقي ، ويحسر عن واقعه ..

وعلى كلّ ؛ فقد يحمل الكاتب ـ على حدّ قول أسعد داغر في معجم الأسماء المستعارة ـ على التستّر تحت اسم مستعار بواعث اُخرى .. منها ـ مثلا ـ : أن يكون اسمه أو شهرته أو كنيته باعثة على الاستهجان أو المجون أو العبث ، فيطلق الكاتب اسمه الرمزي ليتلبّس اسما جديدا.

وقد كثر اليوم اللجوء في الكتب والمجلات الى أن يتستّر الكاتب عن إبراز اسمه

١٦

الصريح وراء رموز أو إشارة خاصّة ، أو ينشر كتابه باسم مستعار ، بل قد يترك مكتوبه أو مقاله بدون اسم ظاهر أو توقيع صريح .. وكلّ هؤلاء على بيّنة كاملة ؛ من أن فقد البحث العلمي أو الأدبي للاسم الصريح يقلّل من قيمته وينقص من شأنه ـ مع أنهم قالوا : اُنظر الى ما قال لا من قال ـ ولذا تراهم يلتجئون الى مثل هذه الطرق الملتوية ، وذلك لأهداف تدعوهم الى ذلك.

وهذا ما حدث فعلا لجمع من الأعلام على مرّ التأريخ والى يومك هذا ، إذ نجد إطلاق اسم النجفي أو التبريزي أو الحائري على جمع ؛ أسماؤهم الواقعية المثبتة غير ذلك ، وبمرور الزمن يعرفون بالاسم الجديد ويقبر القديم.

وقد تنضم الى كلّ هذه دواعي اُخر وحوافز تدعو الكُتّاب والعلماء الى التستّر وراء أسماء غير واقعيّة كالتقيّة والخوف من الجهاز الحاكم والسلطة السياسيّة أو الدينّية ، أو التشرف بالأنتساب الى بلد معين أو مذهب أو فرد أو نحو ذلك.

* * *

وبعد كلّ هذا ؛ فالّذي نعتقده في غالب علمائنا الأبرار وأعلامنا الكُبار ممّن كتب في العقيدة ودافع عن المذهب .. ـ ومنهم مؤلف كتابنا هذا ـ هو أنّهم توخّوا بأعمالهم مرضاة الرب ـ جلّ وعلا ـ هربا من السمعة والرياء ، وطلبا للخلوص والإخلاص ليوم الخلاص ، لا يحدوهم إلاّ الحق ، ولا يهدفون إلاّ إيصال الكلمة الطيّبة إتماما للحجة ، وإلقاءً للعذر ، ودفاعا عن حريم الحقّ والحقيقة ، من دون أن يقصدوا من وراء ذلك أن يُعرفو أو يعرّفو .. بل تراهم يتشدّدون في التكتّم والإخفاء كي يكون عملهم أكثر خلوصا وأبعد عن الهوى والرياء ..

* * *

ثم إنه يحلو لنا الحديث عن موضوعين آخرين ـ قلّ من تعرّض لهما دراسة

١٧

او إحصاءً ـ وهما :

أولاً : بعض من عرف من أعلامنا ممن تستر بأسماء مستعارة أو رموز خاصة ، سواء أكان من القدماء أو المتأخرين ، من رجال الدين أو السياسة أو الصحافة والأدب و ..

وثانياً : وجود مجموعة من المصنفات التي لم يعرف مؤلّفوها ، أو نسبت إلى أكثر من واحد ، أو ذكر لها مؤلف خاص حدسا وتخمينا .. وهي غالبا ما تتناول موضوع الإمامة العامة والخلافة الدينية ، ـ ككتابنا الحاضر ـ ، وفيها ما هو في الحوار مع الفرق الاخرى كالرحلة المدرسية ، أو الطرائف ، أو مؤتمر علماء بغداد .. وتأتي تارة بنحو قصصي ، وأخرى بشكل المحاورة والجدل ، وهي مجموعة كثيرة من الكتب والأسفار نقتصر على ذكر أمثلة لها .. وموارد لتلك وهذه ..

أمّا الأوّل :

فإليك مسرد لجمع من أعلامنا ومفاخرنا ، لا نتوخّى ترجمتهم والتعرض لحياتهم العلمية ، ولا بيان مواقفهم السياسية أو اتجاهاتهم الفكرية أو الاجتماعية ولا .. إذ نعدّ ذلك خروجا موضوعيّا وتطويلا لسنا في صدده فعلا ، بل كلّ ما هناك ، إنا ندرج بعض مصادر الترجمة لمن رام التوسعة ، ونركز على ما نروم إليه من أنّ أمثال هؤلاء غالبا ما يكونون قد كرّسوا حياتهم وجوهرة أعمارهم لخدمة الدين والحقيقة بأيديهم وأقلامهم ، ومنهم من يبغي أهدافا اُخر ..

وهؤلاء الكُتاب والمؤلفون ـ ومنهم من كانت له مكانة سامية وشهرة واسعة ، وأصبح بعد ذلك كنار على علم ، إذ ما كان لله لينمو ـ كالبلاغي وابن طاووس

١٨

طاب ثراهما وغيرهما ـ ، فأنهم بحق ؛ مفاخر الطائفة وأعلام الدين ، وهم مدارس سيارة للهداية والإرشاد وتنوير الأفكار ، فهنيئا لهم وجزاهم الله خيرا ..

وقد رتبت عملي هذا على الحروف الهجائية ، فأقول :

منهم :

* آل كاشف الغطاء .. محمد حسين //

أبن الشيخ علي بن محمد رضا بن موسى بن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر ؛ صاحب كتاب كشف الغطاء.

( ١٢٩٤ ـ١٣٧٣ هـ )

تربّى في بيت العلم والاجتهاد ، وتتلمذ على الأساتذة الأفذاذ ؛ كالشيخ محمد حسن المامقاني ، والآخوند الخراساني ، والسيد اليزدي ، والآقا رضا الهمداني ، والشيخ محمد تقي الشيرازي وغيرهم طاب ثراهم ، كان له حظ من المرجعية بعد رحلة اُستاذه السيد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب العروة سنة ١٣٣٧ هـ ، له مواقف خالدة ومؤلفات رائعة في أبواب شتّى.

كنى عن نفسه بـ : ( ابي الحارث ) في بعض مقالاته ، وقد يوقع باسم : ( نجفي ) ، وكذا : ( ناصر الدين البغدادي ) ، وفي بعض ماكتبه في مجلة العرفان ـ التي كانت تصدر في صيدا ، لبنان ـ بـ : ( معلّم الجهلاء ) ، كما وله هناك من التواقيع : ( السيّار (١) ).

* إبراهيم .. عبد الله حلمي //

مؤلّف عراقي قاص.

__________________

(١) لاحظ مقدمة كتبه : جنة المأوى ، أصل الشيعة واُصولها ، وكتاب في السياسة والحكمة.

الأعلام ٦ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، أحسن الوديعة ٢ / ١٠٧ ، احسن الأثر : ٢٠ ، معجم المطبوعات : ١٦٤٩ ، معجم الأسماء المستعارة : ٣٤ ، ٤٣ ، ١٦١ وغيرها.

١٩

رمز لنفسه على روايته : ( عذراء الفرات ) المطبوعة في مطبعة الراعي في النجف الأشرف بـ : ( ع. ح. ا ) (١).

* ابن طاووس .. السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد //

.. ابن السيد سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحلي العلوي الحسني الحسيني الداودي المتوفى سنة ٦٧٣ هـ ، أخ السيد الشريف رضي الدين أبي القاسم علي ، صاحب الطرائف الآتي.

مصنّف مجتهد ، كثير التصنيف في الفقه والرجال والرواية وغيرها.

له كتاب « عين العبرة في غبن العترة » عبّر عن نفسه فيه بـ : ( عبد الله بن إسماعيل الكاتب ) ، وذلك تقيّة ، كما حكي عن تلميذه الشيخ ابن داود الحلي (٢) عن خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي قوله ، وكذا في كتابه ( بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية ) إن اسناد هذا الكتاب في الديباجة الى عبدالله بن اسماعيل الكاتب تقيّة منه على نفسه وتورية بأنه : عبدالله ، ومن ولد إسماعيل الذبيح (٣).

* ابن طاووس .. السيد رضي الدين أبو القاسم علي / /

ابن سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووسي العلوي الحلي الحسني الحسيني ، المولود في الحلة سنة ٥٨٩ هـ ، والمتوفى فيها سنة ٦٦٤ هـ.

وهو غنيّ عن التعريف علما وعملا ، وزهدا وورعا ، وفقها وجلالة .. له جملة

__________________

(١) فهرس القصة العراقية : ٤٨ ، عن معجم الأسماء المستعارة : ٣٥.

(٢) رجال ابن داود : ٤٦.

(٣) رياض العلماء : ١/٧٣ ـ٧٦ ، أعيان الشيعة : ١٠/٢٧٥ ـ ٢٨٥ ، شعراء الحلة : ١/١٠٧ ـ١١٣ ، روضات الجنات : ١٩ الحجرية .. وغيرها ، ولاحظ : مقدمة بناء المقالة الفاطمية : ٣٥ ـ ٤٧.

٢٠