الزام النواصب بامامة علي بن ابي طالب عليه السلام

الشيخ مفلح بن الحسين (الحسن) بن راشد (رشيد) ابن صلاح البحراني

الزام النواصب بامامة علي بن ابي طالب عليه السلام

المؤلف:

الشيخ مفلح بن الحسين (الحسن) بن راشد (رشيد) ابن صلاح البحراني


المحقق: الشيخ عبدالرضا النجفي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٢

أبي طالب عليه‌السلام وأولاده ، وقتلوا ذرّيّته وشيعته ، ومنعوا من كلّ (١) حديث يتضمّن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، ولعنوه على المنابر حتى تولى عمر بن عبد العزيز ، فرفع اللعن (٢) عنه (٣) ، ومع ذلك ، لم يزد ذكره ، إلاّ علوّا ، وشرفه إلاّ سموّا (٤).

روى (٥) ابو عثمان الجاحظ (٦) ـ وهو من علماء السنّة وكان (٧) أشدّهم عنادا وعداوة لأهل البيت عليهم‌السلام أن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية : يا أمير المؤمنين (٨)! قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن (٩) هذا الرجل؟! فقال : لا والله حتى يربوا عليه (١٠) الصغير ويهرم عليه (١١) الكبير (١٢) (١٣).

__________________

(١) لا توجد كلمة : كل في الطبعة الحجرية.

(٢) لا توجد كلمة : اللعن ، في نسخة (ر).

(٣) لاحظ : معجم البلدان : ٤/٢٣٨ ، فتوح البلدان : ٤٥ ، الكامل لابن الأثير : ٣/٢٥٥ / ، حياة الحيوان : ١/٦٨ ، ربيع الأبرار : ١/٣١٦ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤/٥٦ ـ ٥٨ ، الغدير : ٢/١٠١ ـ ١١٣ عن عدة مصادر .. وغيرها.

(٤) من قوله : ومع ذلك .. الى هنا لا يوجد في مطبوع الكتاب ، ولا نسخة ( ألف ).

(٥) في نسخة ( ألف ) و (ر) : وروى.

(٦) في نسخة ( ألف ) : الحافظ ، بدلا من : الجاحظ.

(٧) لا يوجد في نسخة ( ألف ) : وكان.

(٨) لا يوجد : يا أمير المؤمنين ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ).

(٩) لا توجد : لعن ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ).

(١٠) في نسخة (ر) : عليها ، بدلا من : عليه.

(١١) في نسخة (ر) : عليها ، بدلا من : عليه.

(١٢) في مطبوع الكتاب : حتى يهرم عليها الكبير ، ويكبر عليها الصغير.

(١٣) مروج الذهب : ٣/٢٢٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤/٥٧ ، و ٥/١٢٩ ـ ١٣١.

٢٢١

ولقد صرّح أكثر علماءهم بأنّ (١) عليّا عليه‌السلام أحق بهذا الأمر من (٢) غيره ، وإنّما (٣) مالوا عنه وعن أولاده حبّا للدّنيا (٤) ، كما قال أبو فراس بن (٥) حمدان في هذا المعنى شعرا (٦) :

والله (٧) ما جهل الأقوام موضعها

لكنّهم ستروا وجه الذي علموا (٨)

وأنا أذكر بعض من صرّح بذلك ، وإنما انحرف (٩) عن آل محمد صلوات الله عليهم ميلا الى الدنيا :

فمنهم : عمرو بن العاص ؛ وذلك أنه لما كتب اليه معاوية يستعينه على حرب أمير المؤمنين عليه‌السلام ورغّبه في الأموال و ولاّه (١٠) مصر ، فشاور عبداً له يقال له : وردان ، ـ وكان غلاماً (١١) عاقلا ـ فقال له وردان : إنّ مع عليّ (١٢) آخرة

__________________

(١) في مطبوع الكتاب ونسخة ( ألف ) : بعضهم أن ..

(٢) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : بالأمر عن..

(٣) في نسخة (ر) زيادة : ما هنا ، ولا وجه لها.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢/٥٧ ـ ٥٨ ، ٩/١٩٦ ، السقيفة للجوهري : ٢/٥١ ، ٥٢ ، ٧٠.

(٥) في بعض النسخ : من ، بدلا من : بن ، ولها وجه.

(٦) قوله : في هذا المعنى شعرا .. لا توجد في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ).

(٧) في الطبعة الحجرية : وتالله.

(٨) وتما القصيدة في ديوانه المخطوط ، المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له المسمّى بـ : منن الرحمن : ١/١٤٣ ، أنظر الغدير : ٣/٣٩٩.

(٩) في المطبوع ونسخة ( ألف ) : مال ، بدلا من : انحرف ، و : عنهم ، بدلا من : آل محمد (ص).

(١٠) في نسخة (ر) ونسخة ( ألف ) زيادة : به.

(١١) لا توجد كلمة : غلاما ، في نسخة (ر) و ( ألف ).

(١٢) في نسخة (ر) : عليا معه.

٢٢٢

ولا دنيا معه ، وهي التي تبقى لك وتبقى لها ، وإن مع معاوية دنيا ولا آخرة معه (١) ، وهي التي لا تبقى لأحد (٢) ، فإختر لنفسك (٣) ما شئت ، فتبسّم عمرو ، ثمّ (٤) قال :

يـا قـاتـل الله وردانـا وفـطنتـه

لقد أصاب الذي في القلب (٥) وردان

لمّا تعرّضت للـدّنيا (٦) عرضت لها

بحرص نفس وفي الأطباع أذهــان

نفس تعفّ وأخرى الحرص يغلبها (٧)

والمرء يأكل تبناً (٨) وهو غرْثان (٩)

أمـّا عـليّ فـدين ليـس يـشركه

دنــيا وذاك لـه دنـيا وسـلطان

فاخترت من طمعي دنـيا على بصر

ومـا معي بـالّذي اختـار برهـان

أني لأعرف ما فيهـــا وأبصـره

وفيّ أيضا لمن (١٠) أهواه ألــوان

لكنّ نفسي تحــبّ العيش في شرف

وليش يرضى بــذلّ العيش إنسان

ثمّ إن عمرا رحل الى معاوية ، فلما بلغ مفرق الطريقين (١١) ـ طريق الشام

__________________

(١) في الطبعة الحجرية : له ، بدلا من : معه.

(٢) في نسخة (ر) : على أحد.

(٣) لا توجد كلمة : لنفسك ، في نسخة ( ألف ) و (ر).

(٤) في المطبوع : واو ، بدلا من : ثمّ.

(٥) في مطبوع الكتاب : قلب.

(٦) في نسخة (ر) : الدنيا.

(٧) في نسخة (ر) : يقتلها ، بدلا من : يغلبها.

(٨) في الطبعة الحجرية : نتنا ، وفي نسخة (ر) : شيئا.

(٩) الغرث : الجوع ، انظر : جمهرة اللغة : ٤٢٢.

وفي نسخة (ر) : غرمان ، وفي الطبعة الحجرية : عرثان.

(١٠) في نسخة ( ألف ) و (ر) : لماّ ، بدلا من : لمن.

(١١) في نسخة (ر) : فلماّ صار في بعض الطريق بمفرق .. ألى آخر.

٢٢٣

والعراق ـ قال (١) له وردان : طريق العراق طريق الآخرة ، وطريق الشام طريق الدنيا .. فاختر لنفسك أيّهما (٢) تسلك؟ فقال : طريق الشام (٣).

فهذا عمرو بن العاص وعبده اعترفا أن الحق مع عليّ (٤) ، وما مال عمرو الى معاوية إلاّ لطلب الدنيا والرئاسة (٥).

ومنهم : عبد العزيز بن مروان (٦) بن عبد العزيز.

روى أبو عثمان الجاحظ (٧) المتظاهر بالتّعصب على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال عمر بن عبد العزيز : كنت أحضر بجنب المنبر في المدينة (٨) ـ وأبي يخطب ـ فكنت أسمعه يمرّ في خطبة تهدر شقاشقه (٩) حتى يأتي الى لعن (١٠) عليّ عليه الصلاة

__________________

(١) في نسخة (ر) : فقال.

(٢) في الطعبة الحجرية ونسخة ( ألف ) : فأيهما .. بدلا من : فأختر لنفسك أيّهما.

(٣) لاحظ : كتاب الصفّين لابن مزاحم : ٣٤ ـ ٤٠ ، الكامل للمبرد : ١/٢٢١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢/٦١ ـ ٦٤ و ١٢/٢٢٢ ، تاريخ اليعقوبي : ٢/١٨٤ ـ ١٨٦ ، رغبة الآمل من كتاب الكامل : ٣/١٠٨ ، قصص العرب : ٢/٣٦٨ ، المناقب للخوارزمي ١٢٩ ـ ١٣٢ .. وغيرها.

(٤) في نسخة (ر) : لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٥) لا توجد كلمة : والرئاسة ، في الطبعة الحجرية ونسخة ( ألف ).

(٦) هنا زيادة كلمة : أبو عمر ، في المطبوع ونسخة ( ألف ) ، ولا وجه لها.

(٧) لا توجد كلمة : الجاحظ ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ).

(٨) في نسخة ( ألف ) والمطبوع بدلا من : بجنب المنبر .. الى آخره : منبر الكوفه!.

(٩) تهدر شقاشقه : ردّد صوته في حنجرته .. ، قاله في صحاح اللغة : ٢/٨٥٣ ، وفي صحاح الجوهري ٣/١٥٠٣ : شقق الكلام .. إذا أخرجه أحسن مخرج ... وإذا قالوا للخطيب : ذوشقشقة .. فإنما يشبّه بالفحل [ أي هدر ] ، وانظر : القاموس المحيط ٣/٢٥٠.

(١٠) في الطبعة الحجرية : طعن .. بدلا من : لعن ، ولا توجد : الى ، في نسخة ( ألف ).

٢٢٤

والسلام ، فيحجم ، ويعرض له من الفهاهة (١) والحصر ما الله أعلم به (٢) ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوما : يا أبت! أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي (٣) أراك أفصح خطيب يوم حفلك (٤) حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت لَكِنَاً عيّا؟!

فقال : يابنيّ! إن من ترى (٥) تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضائل (٦) هذا الرجل ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم واحد.

فوقعت (٧) كلمته في صدري موقعا عظيما (٨) ، فأعطيت الله عهدا إن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنّ ذلك ولابدّلنّه (٩).

فلمّا منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك اللعن (١٠) وجعلت مكانه : ( إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإِيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ

__________________

(١) الفهاهة : العيّ ، رجل فهّ بينّ الفهاهة إذا كان عييّا ، كما في جمهرة اللغة : ١/١٦٢ ، وفي النهاية : ٣/٤٨٢ : .. أراد بالفهة : السّقطة والجهلة..

(٢) في نسخة (ر) : به أعلم ، ولا توجد : به ، في نسخة ( ألف ).

(٣) في نسخة ( ألف ) : فما لي.

(٤) لا توجد في الطبعة الحجرية ونسخة ( ألف ) : يوم حفلك .. والحفل : الإجتماع والاحتشاد للقوم فيه. لاحظ : الصحاح : ٤/١٦٧٠ وغيره.

(٥) لا توجد كلمة : ترى ، في نسخة (ر).

(٦) في المطبوع من الكتاب ونسخة ( ألف ) : فضل.

(٧) في الطعبة الحجرية وكذا نسخة ( ألف ) : فوقّرت .. بدلا من : فوقعت.

(٨) لا توجد في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : موقعا عظيما.

(٩) جملة : ذلك ولابدّلنّه .. لا توجد في مطبوع الكتاب.

(١٠) في الطبعة الحجرية : الطعن .. بدلا من : اللعن.

٢٢٥

يَعِظُكُم لَعَلّكُم تَذَكَّرُونَ ) (١) وكتبت به (٢) الى الآفاق فصار سنة الى الآن (٣).

فانظروا ـ هداكم الله ـ الى اعتراف عبد العزيز بن مروان ـ الذي نقله عنه (٤) الجاحظ (٥) ونقله عنه ابن أبي الحديد المدايني (٦) ـ ؛ كيف اعترف أنّ الحقّ لعليّ عليه‌السلام ، وإنما شبّهوا على العامة فانقادوا لهم اختيارا ، وانقادت العلماء اظطرارا ، وتابعوهم خوفا وطمعا.

ومما رواه ابن أبي الحديد (٧) عن ابن الكلبي (٨) ـ وهما من علماء السنّة ـ قال ابن أبي الحديد : أنا أذكر هاهنا (٩) الخبر [ المروي ] المشهور عن عمر [ بن عبد العزيز ] وهو من رواية ابن الكلبي (١٠) ، قال : بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه (١١) إذ (١٢) دخل عليه حاجبه ، ومعه (١٣) امرأة أدماء ، طويلة ، حسنة

__________________

(١) سورة النحل (١٦) : ٩٠.

(٢) في الحجرية : بها ، بدلا من : به ، وهو خلاف الظاهر.

(٣) انظر : الكامل لابن الأثير : ٥/٤٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤/٥٨.

(٤) لا توجد : عنه في نسخة (ر).

(٥) في نسخة ( ألف ) : الحافظ.

(٦) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢/٦١ ـ ٦٤.

(٧) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢٠/٢٢٢ ـ ٢٢٥ باختلاف يسير أشرنا لغالبه.

(٨) في نسخة (ر) : وروى ابن أبي الحديد عن الكلبي..

(٩) لا يوجد في نسخة ( ألف ) : أنا أذكر هاهنا. وقد جاء في المصدر.

(١٠) لا يوجد من قوله : قال ابن .. الى ابن الكلبي ، في نسخة (ر).

(١١) في الطبعة الحجرية : مجلس.

(١٢) لا يوجد : إذ .. في شرح النهج.

(١٣) لا توجد : معه ، في نسخة ( ألف ).

٢٢٦

الجسم والقامة ، ورجلان متعلّقان بها ، ومعهم (١) كتاب من ميمون بن مهران ، ـ وكان ميمون عاملا لعمر بن عبد العزيز على بلاد الجزيرة وما والاها (٢) ـ الى عمر (٣) ، فدفعوا إليه الكتاب ، ففضّه فإذا فيه (٤) :

بسم الله الرحمن الرحيم

الى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران

سلام الله (٥) عليك ورحمة الله وبركاته!

أما بعد ؛ فإنه (٦) ورد علينا أمر ضاقت به الصدور ، وعجزت عنه الأوساع (٧) ، و (٨) هربنا بأنفسنا عنه (٩) ، و وكلناه الى عالمه ، لقول الله عزّوجلّ : ( وَ لَو رُدُّوْهُ إلىَ الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم ) (١٠) وهذه المرأة والرجلان ، أحدهما زوجها والآخر أبوها ، وإنّ أباها ـ يا أمير المؤمنين! ـ زعم أنّ زوجها حلف بطلاقها أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام خير هذه الأمة

__________________

(١) في نسخة (ر) : معهما.

(٢) من قوله : وكان ... الى هنا لا يوجد في المطبوع وكذا المصدر.

(٣) لا بوجد في الطبعة الحجرية ونسخة (ر) : الى عمر. كما لا يوجد من قوله : وكان ميمون .. الى هنا في نسخة ( ألف ).

(٤) في الطبعة الحجرية : وكان فيه .. بدلا من : ففضّه فإذا فيه ..

(٥) لم يرد لفظ الجلالة في المصدر.

(٦) في نسخة (ر) : فقد .. بدلا من : فإنّه.

(٧) الأوساع ، جمع : وسع ، وهو الطاقة. انظر القاموس المحيط ٣/٩٣ وغيره.

(٨) الواو زيدت من المصدر.

(٩) لا يوجد في المطبوع من الكتاب : هربنا بأنفسنا عنه ، وفي نسخة (ر) جاءت العبارة هكذا : فهرهبنا [ كذا ] عنه بأنفسنا ، ولا توجد : عنه ، في نسخة ( ألف ).

(١٠) سورة النساء (٤) : ٨٣.

٢٢٧

وأولاها برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه يزعم أن ابنته طلقت منه ، وأنه لا يجوز له (١) في دينه أن يتّخذه (٢) صهرا ، وهو يعلم أنها حرام عليه كأمّه (٣) ، وأن الزوج يقوله له (٤) : كذبت واثمت .. فقد والله (٥) برّ قسمي ، وصدقت مقالتي ، وأنها (٦) إمرأتي على رغم أنفك وغيظ قلبك ، فاجتمعوا اليّ يختصمون في ذلك ، فسألت الرجل (٧) عن يمينه ، فقال : نعم ، قد كان ذلك ، وقد حلفت بطلاقها أن علياً (٨) خير هذه الأمة وأولادها برسول الله [ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] ، عرفه من عرفه وأنكره (٩) من أنكره ، فليغضب من غضب ، وليرض من رضي ، وتسامع الناس بذلك ، فاجتمعوا له (١٠) ، وان كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتّى ، وقد علمت ـ يا أمير المؤمنين! ـ إختلاف الناس في أهوائهم ، وتسرّعهم الى ما فيه (١١) الفتنة ، فأحجمنا عن الحكم لتحكم (١٢) بما أراك الله ، وأنهما تعلّقا بها (١٣) ،

__________________

(١) لا توجد : له ، في الطبعة الحجرية.

(٢) لا يوجد الضمير المتصل في نسخة (ر).

(٣) كلمة : كأمّه ، لا توجد في نسخة (ر).

(٤) كلمة : له ، مزيدة من المصدر.

(٥) حذف لفظ الجلالة من مطبوع الكتاب ، ونسخة ( ألف ) ، والمصدر ، وفيه : لقد.

(٦) في نسخة (ر) : وهي ، بدلا من : وأنّها.

(٧) لا يوجد في المطبوع من الكتاب ونسخة ( ألف ) : فسألت الرجل.

(٨) في نسخة (ر) : علي بن أبي طالب.

(٩) في نسخة ( ألف ) : عرف من عرفه وأنكر..

(١٠) لا توجد كلمة : له .. في نسخة (ر).

(١١) لا توجد كلمة : ما فيه .. في نسخة (ر).

(١٢) في شرح النهج : لنحكم.

(١٣) جاءت العبارة في نسخة (ر) هكذا : وأنما تعلق بها أبواها ، وحلف أن لا يدعها معه ..

٢٢٨

وأقسم أبوها أن لا يدعها معه (١) ، وأقسم (٢) زوجها أن لا يفارقها ولو ضربت عنقه (٣) إلاّ أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والإمتناع منه ، فرفعناهم إليك ـ يا أمير المؤمنين! (٤) ـ أحسن الله توفيقك وأرشدك (٥) ..

وكتب في أسفل الكتاب هذه الأبيات :

إذا ما المـشكـلات وردن يـوماً

فـحـارت (٦) في تأمّـلها العـيون

وضاق القوم ذرعـا عن (٧) نـباها

فأنت لهـا ـ أبـا حفص ـ أمـين

لأنك قـد حـويت العـلم طـرّا

وأحكمك التـجارب والشـؤون (٨)

وخلّفك الإلـه عـلى البرايـا (٩)

فـحظّك فـيهـم الحـظّ الّثمـين

قال : فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أميّة وأفخاذ قريش ، ثمّ قال لأب المرأة : ما تقول أيّها الشيخ (١٠)؟ قال : يا أمير المؤمنين! هذا الرجل زوّجته ابنتي ، وجهزتها إليه بأحسن ما تجهّز (١١) به مثلها ، حتى أذا أمّلت خيره ،

__________________

(١) قوله : وأقسم أبوها .. الى هنا لا يوجد في مطبوع الكتاب.

(٢) في نسخة (ر) : وحلف .. بدلا من : وأقسم.

(٣) في المصدر : عنقها.

(٤) لا توجد : يا أمير المؤمنين .. في نسخة ( ألف ).

(٥) في نسخة (ر) : وتسديدك ..

(٦) في نسخة (ر) : وضاقت.

(٧) في الطبعة الحجرية : من ، بدلا من : عن ، وفي (ر) : في.

(٨) في نسخة (ر) : الفنون ، وفي الطبعة الحجرية : من الشؤون.

(٩) في شرح النهج : الرعايا ، بدلا من : البرايا.

(١٠) في نسخة (ر) : يا شيخ.

(١١) في نسخة (ر) : تجهيز ، بدلا من : ما تجهزّ به ، وفي نسخة ( ألف ) : ما يتجهّز مثلها. وفي المصدر : يجهّز.

٢٢٩

ورجوت صلاحه (١) ، حلف بطلاقها كاذبا ، ثمّ اراد الإقامة (٢) معها.

فقال له (٣) عمر : يا شيخ! لعلّه لم يطلّق امرأته ، وكيف حلف؟ فقال الشيخ : سبحان الله! إنّ (٤) الذي حلف عليه لأبين حنثا (٥) و أوضح (٦) كذبا من أن يختلج في صدري منه شكّ ـ مع كبر (٧) سنّي وعلمي ـ لأنه زعم أن علياً خير هذه (٨) الأمة ، وإلاّ (٩) وامرأته طالق ثلاثا.

فقال للزوج : ما تقول!؟ أهكذا حلفت (١٠)؟

قال : نعم ـ فقيل أنّه لمّا قال نعم كاد (١١) المجلس يرتج بأهله ، وبنو أميّة ينظرون إليه شزراً (١٢) إلاّ أنهم لم ينطقوا بشيء ، كلّ ينظر الى وجه

__________________

(١) في نسخة ( ألف ) : خيرهم ، ورجوت صلاحهم.

(٢) في الطبعة الحجرية : المقام ، بدلا من : الإقامة.

(٣) لا توجد : له ، في نسخة (ر).

(٤) لا توجد : إنّ ، في المصدر.

(٥) لاتوجد في نسخة (ر) : لأبين حنثا ، وفي الطبعة الحجرية : أبين خبثا ، وفي نسخة ( ألف ) : ليبيّن حنثا.

(٦) في نسخة (ر) : ولأوضح ..

(٧) كلمة : كبر من نسخة ( ألف ) ، ولم ترد في غيرها ، كما لم ترد في المصدر المطبوع.

(٨) لا توجد : هذه ، في نسخة (ر).

(٩) كذا في المصدر ونسخة ( ألف ) ، ولا توجد : إلا ، في مطبوع الكتاب. والظاهر : وإلا فإمرأته..

(١٠) في نسخة ( ألف ) : طلّقت ، بدلا من : حلفت.

(١١) في نسخة (ر) : قيل لما قال : نعم كاد ..

(١٢) الشزر : هو النظر بمؤخّر العين .. قاله في جمهرة اللغة : ٢/٧٠٤ ، وفي النهاية : ٢/٤٧٠ : الشزر : النظر عن اليمين والشمال. وليس بستقيم الطريقة .. قال : وأكثر ما يكون النظر الشزر في حال الغضب والى الأعداء. وفي الطبعة الحجرية : شرزا ، وهو تصحيف.

٢٣٠

عمر (١) ـ فأكبّ عمر مليّا ينكت (٢) بيده (٣) الأرض والقوم (٤) صامتون ينظرون ما يقوله ، ثمّ رفع رأسه ، وقال :

إذا ولّى الحكـومـة بين قــوم

اصـاب الحـقّ والتمـس السـدادا

ومـا خـير الأنام (٥) إذا تـعدّى

خـلاف الحـقّ واجـتنب الرشـادا

ثمّ قال للقوم : ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا فلم ينطقوا بشيء (٦) ، فقال : سبحان الله! قولوا!؟ فقال رجل من بني أميّة : هذا حكم في فرج ، ولسنا نجتري على القول فيه ، وأنت عالم بالقول (٧) ، مؤتمن لهم وعليهم ، فقال (٨) : قل ما عندك فإن القول ما لم يكن (٩) يحقّ باطلا ويبطل حقا جائز عليّ في مجلسي ، قال : لا (١٠) أقول شيئا ، فالتفت عمر (١١) الى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي

__________________

(١) في نسخة (ر) : وجعلوا ينظروا الى وجه عمر.

(٢) في نسخة (ر) : ينكب. وفي نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : ينكث.

(٣) لا توجد كلمة : بيده ، في نسخة (ر) ، وفي نسخة ( ألف ) : ينكث الارض بيده. والصواب ما أثبتناه ، حيث يقال : نكت الأرض بالقضيب هو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهوم. أما النكث فهو نقض العهد ، والنكب هو الإمالة. انظر : النهاية : ٥/١١٥ وغيرها.

(٤) في نسخة (ر) : الأرض بأصبعه والناس ..

(٥) في المصدر : الإمام ، بدلا من : الأنام.

(٦) حملة : فلم ينطقوا بشيء ، لا توجد في مطبوع الكتاب ، ونسخة ( ألف ) ، وكذا المصدر.

(٧) في نسخة (ر) : أعلم بالقوم.

(٨) لا يوجد في المصدر : فقال.

(٩) لا توجد في الطبعة الحجرية : فإن القول ما لم يكن .. وفيه : ما .. وكذا نسخة (ر). ولا توجد : يكن ، في نسخة ( ألف ).

(١٠) في نسخة (ر) : ما ، بدلا من : لا.

(١١) لا توجد كلمة : عمر ، في الطبعة الحجرية ونسخة ( ألف ) وكذا المصدر.

٢٣١

طالب فقال له : ما تقول يا عقيليّ (١) فيما حلف به (٢) هذا الرجل (٣)؟! فاغتنمها العقيليّ (٤) ، فقال : يا أمير المؤمنين! إن جعلت قولي حكما و (٥) حكمي جائزا (٦) قلت ، وإن لم يكن ذلك (٧) فالسكوت أوسع لي وأبقى (٨) للمودّة ، قال : قل : وقولك حكم ، وحكمك ماض (٩).

فلما سمع ذلك بنو أميّة قالوا : ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذا جعلت الحكم الى غيرنا (١٠) ونحن من لحمتك (١١) وأولي رحمك ، فقال عمر : اسكتوا عجزا (١٢) ولؤما ، عرضت ذلك عليكم آنفا (١٣) فما انتدبتم ، قالوا : لأنك لم تعطنا (١٤) ما أعطيت العقيلي ، ولا حكمتنا كما حكّمته ، فقال عمر : أن كان اصاب وأخطأتم ،

__________________

(١) لا توجد كلمة : ياعقيلي ، في الطبعة الحجرية ، ونسخة ( ألف ) وكذا المصدر.

(٢) في نسخة (ر) : عليه ، بدلا من : به.

(٣) كرّر هنا كلمة : ياعقيلي ، في نسخة (ر). وقد حذفت في نسخة ( ألف ) من أوله ، وأثبتت هاهنا ، وكذا في المصدر .. والمعنى واحد.

(٤) كلمة : العقيلي .. مزيدة في الطبعة الحجرية ، ومحذوفة في نسخة ( ألف ) ، كما سلف.

(٥) في بعض النسخ : أو ، بدلا من الواو ، وكذا في المصدر.

(٦) كذا في المصدر ونسخة ( ألف ) ، وفي غيرهما : جايرا.

(٧) في نسخة ( ألف ) و (ر) : كذلك.

(٨) في الطبعة الحجرية : أولى وأبقى .. ولا يوجد في نسخة (ر) : لي.

(٩) في مطبوع الكتاب : فقد جعلت حكمك ماضيا ، وفي الطبعة الحجرية : وعلمك ، بدلا من : حكمك ، ولا يوجد في نسخة (ر) : وحكمك ماض.

(١٠) في نسخة ( ألف ) : لغيرنا.

(١١) في نسخة (ر) : لهمتك.

(١٢) في المصدر : أعجزاً.

(١٣) في نسخة (ر) : أولا.

(١٤) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : فقالوا ما أعطيتنا.

٢٣٢

وجزم (١) وعجزتم ، وأبصر وعميتم ، فما ذنب عمر .. لا أباً لكم؟ أتدرون ما مثلكم (٢)؟ قالوا : لا ندري ، قال : لكنّ (٣) العقيليّ يدري ما مثلكم (٤).

ثمّ قال : ما تقول يا رجل؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين (٥) ، مثلهم كما قال الأول (٦) :

دعـيتم الى أمـر فلمــا عـجزتم

تـناوله مـن لا يـداخـلــه عجز

فلما رأيـتـم ذاك ابـدت نفوسكم

نداما (٧) وهل يغني عن (٨) القدر الحذر؟

فقال له (٩) عمر : أحسنت وأصبت فيما (١٠) سألتك عنه ، قال : يا أمير المؤمنين! برّ قسمه ولم تطلّق امرأته ، قال : وأنّى علمت (١١) ذاك (١٢)؟ قال : نشدتك الله يا

__________________

(١) في نشرح النهج : وحزم.

(٢) في نسخة ( ألف ) : من مثلكم.

(٣) لا توجد : لكن ، في نسخة (ر).

(٤) لا توجد كلمة : ما مثلكم ، في مطبوع الكتاب ، ولانسخة ( ألف ) والمصدر.

(٥) من قوله : ما تقول .. الى هنا لا يوجد في نسخة (ر).

(٦) في نسخة (ر) : الشاعر ، بدلا من : الأول.

(٧) في الطبعة الحجرية : قداما ، بدلا من : نداما.

(٨) في المصدر : من ، بدلا من : عن.

(٩) لا توجد : له ، في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية ، وكذا في المصدر.

(١٠) في المطبوعة : وأطبت بدلا من : اصبت ، وفي نسخة ( ألف ) : وأطنبت فيما ، ولا توجد في (ر) فيما ، وفيها : يا عقيلي قل جواب ما .. ، وفي المصدر : فقل.

(١١) في نسخة (ر) : قال عمر : من أين علمت ..

(١٢) كذا في المصدر ، وفي سائر النسخ : ذلك

٢٣٣

أمير المرمنين! ألم تعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة عليها‌السلام وهو عندها في بيتها عايدا لها ـ : « يا بنيّة (١) ما علّتك؟ » ، قالت : « الوَعَك يا أبتاه! » ـ وكان علي [ عليه‌السلام ] غائبا في بعض جوائج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال لها « أتشتهين شيئا؟ » قالت : « نعم ، أشتهي عنبا وأنا أعلم أنه عزيز ، وليس هذا (٢) بوقت عنب » ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الله قادر على (٣) أن يجيئنا به (٤) » ، ثمّ قال : « الّلهمّ أئتنا (٥) به مع أفضل أمّتي عندك منزلة » ، فطرق علي عليه‌السلام الباب فدخل ومعه مكتل (٦) قد ألقى عليه طرف ردائه ، فقال له (٧) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا يا علي؟ قال عليه‌السلام : عنب (٨) إلتمسته لفاطمة [ صلوات الله عليها ] ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٩) : « الله أكبر ، الله أكبر الّلهمّ (١٠) كما سررتني بأن خصصت علياً بدعوتي فاجعل فيه شفاء لبُنيّتي (١١) » ، ثم قال : « كُلي على اسم الله يا بنيّة! » ،

__________________

(١) لا توجد : يا بنية .. في نسخة (ر).

(٢) لا توجد كلمة : هذا ، في الطبعة الحجرية ، ولا نسخة ( ألف) ، وكذا في المصدر ، وفيه : وقت.

(٣) لا توجد كلمة : على ، في نسخة (ر).

(٤) في الطبعة الحجرية : يجيبنا ، بدلا من : يجيئنا به.

(٥) في نسخة (ر) : ائتني.

(٦) في نسخة (ر) : مكيل.

(٧) لا توجد : له ، في نسخة (ر).

(٨) في نسخة (ر) : عنبا.

(٩) لا توجد في المصدر ونسخة (ر) : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(١٠) لا توجد كلمة : اللهم ، في نسخة (ر) ولا كلمة : كما ، في نسخة ( ألف ).

(١١) في مطبوع الكتاب ونسخة (ر) : ابنتي ، وفي المصدر : بنيتي.

٢٣٤

فأكلت وما خرج رسول الله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى استقلّت (٢) وبرءت.

فقال عمر : صدقت وبررت ، أشهد لقد (٣) سمعته و وعيته ، يا رجل! خذ بيد امرأتك ، فإن عرض لك أبوها فاهْشم أنفه (٤) ، ثمّ قال عمر (٥) : يا بني عبد مناف! والله (٦) ما نجهل ما يعلمه (٧) غيرنا ، ولا بنا (٨) عمىً في ديننا ، ولكنّنا كما قال الأُوَل (٩) :

تــصيّدت الدنـيا رجالا بـفخّها

فلم يدركوا خيرا بل أستقبحوا (١٠) الشرّا

وأعـماهم حبّ الغـنى وأصـمّهم

فـلم يـدركـوا إلاّ الخسـارة والوزرا

قيل : فكأنما ألقم (١١) بنو أميّة (١٢) حجرا ، ومضى الرجل بامرأته.

__________________

(١) في نسخة (ر) : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بدلا من : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) لا توجد : استقلت ، في نسخة ( ألف ) و (ر) ولا الحجرية.

(٣) في نسخة (ر) : أني ، بدلا من : لقد.

(٤) في نسخة ( ألف ) و (ر) وكذا المطبوع : وجههه.

(٥) لا توجد في الطبعة الحجرية والمصدر : عمر.

(٦) في نسخة ( ألف ) ومطبوع الكتاب بتقديم وتأخير : والله يا بني عبد مناف.

(٧) في المصدر : نعلم ، بدلا من : يعلمه.

(٨) في نسخة (ر) : ما بنا إلاّ .. بدلا من : ولا بنا ..

(٩) في نسخة ( ألف ) و (ر) : كما قال الشاعر..

(١٠) في نسخة ( ألف ) و (ر) ومطبوع الكتاب : احتقبوا.

(١١) في نسخة ( ألف ) : ألقوا.

(١٢) في المصدر : بني أمية.

٢٣٥

وكتب عمر بن عبد العزيز (١) الى ميمون بن مهران :

عليك سلام ؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو (٢).

أما بعد ؛ فإني قد (٣) فهمت كتابك ، و ورد الرجلان والمرأة ، وقد صدّق الله (٤) يمين الزوج (٥) و (٦) أبرّ قسمه ، وأثبته على نكاحه ، فاستيقن ذلك واعمل عليه ، والسلام عليك ورحمة الله (٧) وبركاته (٨). انتهى الخبر.

قوله : تصيّدت الدنيا رجالا بفخّها .. اعتراف منه أنه : إنما تقدم على غيره ؛ لأن الدنيا تصيّدتهم فمالوا إليها ، وأعرضوا عن الآخرة حبّا للعاجل على الآجل (٩) ..

اُنظروا ـ رحمكم الله تعالى ـ كيف اعترف عمر بن عبد العزيز أن الحق لغيرهم ، وإنما توالى الخلافة (١٠) هو وغيره على أهل الحقّ (١١) لأنّ (١٢) الدنيا تصيّدتهم

__________________

(١) كلمة : بن عبد العزيز .. مزيدة في نسخة (ر).

(٢) قوله : عليك السلام .. الى هنا لا يوجد في نسخة ( ألف ) و (ر) ولا الطبعة الحجرية.

(٣) في نسخة ( ألف ) : فقد .. بدلا من : فإني قد.

(٤) في نسخة (ر) : وصدق ، وفي الطبعة الحجرية : صادق .. بدلا من : وقد صدّق الله .. ، ولا يوجد لفظ الجلالة في نسخة ( ألف ).

(٥) في نسخة (ر) : الرجل والزوج ، ولا توجد كلمة : الرجل ، في المطبوعة.

(٦) كذا في المصدر ونسخة ( ألف ) ، ولا توجد الواو في غيرهما.

(٧) في المطبوع : ورحمته .. بدلا من : ورحمة الله.

(٨) الى هنا كلام ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة : ٢٠/٢٢٢ ـ ٢٢٥.

(٩) من قوله : قوله : .. الى هنا ، لا يوجد في مطبوع الكتاب ونسخة (ر).

(١٠) كلمة الخلافة مزيدت في نسخة (ر).

(١١) جملة : على أهل الحق. لا توجد في نسخة (ر).

(١٢) من قوله : أن الحق .. الى : لأن ، لا توجد في مطبوع الكتاب ، وفيه : إن الدنيا.

٢٣٦

وأعماهم حبّها ، وأصمتهم ومالوا الى لذّتها العاجلة (١)؟! ولا لذّة في الدنيا (٢) أعظم من الأمر والنهي ، كما قال الشاعر (٣) :

لقد صبرت عن لذّة المال أنفس

وما صبرت عن لذّة الأمر والنهي

فقوله : يا بني عبد مناف (٤)! والله ما نجهل ما يعلمه غيرنا .. اعتراف منه أنه يعلم الحقّ لهذا الرجل (٥) ، فأعمتهم الدنيا وأصمّتهم كما ذكر في شعره (٦) ، وأذا كان هذا شأن (٧) عمر بن عبد العزيز ـ وهو المشهور بالورع والعبادة ، وهو الذي رفع السبّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو الذي ردّ فدك والعوالي على أولاد فاطمة صلوات الله عليها ، وانكر على أبي بكر وعمر فعلهما في منعهما (٨) من الإرث ، واعترف أنه تصيّدته الدنيا ، وتولّى الخلافة لحبّ (٩) الدنيا (١٠) على من هو أحق بالأمر منه ـ فما ظنّكم بغيره الذي لم يبلغ من الزهد والورع مبلغه ، بل

__________________

(١) في نسخة (ر) : ومالوا الى الدنيا.

(٢) في نسخة (ر) : فيها بدلا من : في الدنيا.

(٣) في نسخة (ر) : كما قيل شعر .. بدلا من : كما قال الشاعر.

(٤) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : والله يا بني عبد مناف .. بدلا من : يا بني عبد مناف والله .. ولا يوجد في نسخة (ر) : والله .. وقد جمع بين الندائين.

(٥) في نسخة (ر) : ان الحقّ لعلي عليه‌السلام.

(٦) لا يوجد في نسخة (ر) : كما ذكر في شعره ..

(٧) لا يوجد في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية كلمة : شأن.

(٨) في نسخة (ر) : منعها.

(٩) في المطبوع : بحب ، ولا توجد : الخلافة.

(١٠) لا يوجد من قوله : وتولى .. الى هنا في نسخة ( ألف ).

٢٣٧

ولا تورّع بورعه (١)؟!!

فهل يظنّ عاقل أنّ أحدا من هؤلاء العلماء (٢) العرافين ـ الذين رووا هذه الأخبار المتضمّنة لمناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومثالب من تقدّمه ـ يعتقدون أن الأمر لغيره؟!! ولا يتوّهم ذلك عاقل ، ولكن الدنيا تصيّدتهم ، كما قال عمر بن عبد العزيز (٣).

ثمّ جاءت بنو العباس (٤) بعد بني أميّة فنسجوا على منوالهم ، واقتدوا بأفعالهم في تتبّع أولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام وشيعته ، وقتلهم في كل فجّ ومخرج ، بحيث لا يقدر أحد (٥) على التظاهر بولايتهم ، ولا يقول (٦) بإمامتهم ، وأمروا (٧) العلماء بإحداث مذاهب غير مذهبهم ، فأحدثوا هذه المذاهب الأربعة التي لم تكن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) ، ولا عهد أحد من الصحابة ، ولا على عهد (٩) بني أميّة ، وعملوا فيها بالقياس والرأي والإستحسان ، مع أنهم قد رووا عن الخطيب الخوارزمي (١٠) ، وابن شيرويه

__________________

(١) في نسخة (ر) : ولا تورع تورعه .. ولا توجه كلمة : الورع ( الأولى ). والعبارة كلا لا توجد في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية ، وفيها : ورعه.

(٢) كلمة : علماء ، مزيدة من نسخة ( ألف ).

(٣) من قوله : فهل يظنّ .. الى هنا لا يوجد في نسخة (ر).

(٤) في نسخة (ر) بدلا من : ثم جاءت بنو العباس .. قال : وأما الذين تخلفوا..

(٥) في نسخة (ر) : ما صار أحدا يقدر .. ، وفي نسخة ( الف ) : بحيث لا صار أحد يقدر ..

(٦) في نسخة (ر) : والقول.

(٧) في المطبوع : وافرط .. بدلا من : وأمروا.

(٨) في المطبوع : الرسول.

(٩) في نسخة (ر) : في زمن ، بدلا من : علا عهد .. في كلا الموضعين.

(١٠) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : في تاريخه .. بدلا من : الخوارزمي. وقد سلفت

٢٣٨

الديلمي (١) وهما من أكابر (٢) علماء السنة ـ أن النبيّ عليه وآله السلام قال : « ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور (٣) فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام (٤) ».

ولقد أحدثوا في مذاهبهم الأربعة اشياء تنكرها (٥) العقول ، ولم يرد بها (٦) المنقول ، وإنما أخذوها بالقياس والإستحسان فُذهبوا الى أشياء قبيحة (٧) شنيعة ، مثل : سقوط الحدّ عن منْ لفّ على ذكره (٨) خرقة ونكح أمّه وأخته أو بنته (٩) مع علمه بالنسب والتحريم ، ومثل إلحاق نسب المغربي بالمشرقية ، كما إذا زوّج الرجل ابنته ـ وهي في المشرق والأب والزوج (١٠) في المغرب ـ ، ثمّ أتت بولد بعد ستة أشهر حين العقد ـ وهي

__________________

مصادره عنه وعن غيره في أول الكتاب ، فراجع

(١) فردوس الأخبار : ٢/٦٣ ، ٩٨ ـ ٩٩ ، حديث ٢١٧٦ ، ٢١٧٧ ، ٢١٧٩ ، وكذا حديث ٢١٨٠.

(٢) لا توجد كلمة : أكابر .. في مطبوع الكتاب ، ولا نسخة ( الف ).

(٣) في الطبعة الحجرية : يفسدون الأمر ، وفي نسخة ( ألف ) : يقيسون الأمر. وقد جاء الذيل في سنن الدارمي كتاب المقدمة حديث ١٩٠ ، فلاحظ.

(٤) تاريخ بغداد : ٣/٣٠٧ ، فردوس الأخبار للديلمي : ٢/٦٣ حديث ٢٣٥٧ باختلاف يسير.

(٥) في المطبوع ونسخة ( ألف ) : ما تنكره ، بدلا من : أشياء تنكره.

(٦) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : لم يرد به.

(٧) لا توجد كلمة : قبيحة ، في نسخة ( ألف ) و (ر).

(٨) في نسخة ( ألف ) والطبعة الحجرية : من لف ذكره في ..

(٩) كما جاء في الكشاف : ٢/٥٧٣ ، والفصول المختارة : ١/١٢٢ .. وغيرهما.

(١٠) في نسخة (ر) : بالمشرف والزوج والأب.

٢٣٩

في مشرق والزوج في المغرب (١) ـ إلتحق نسب ذلك الولد (٢) بالرجل وهو (٣) لم يرها ولم تره (٤) ، ولو وصل الى بلد المرأة بعد خمسين سنة فرأى جماعة كثيرة (٥) من أولادها وأولاد أولادها إلتحقوا كلّهم به ، وهو لم يجتمع بالمرأة ولم يرها (٦).

فهل هذا المذهب تقبله العقول ، أو يرضى به الله تعالى والرسول؟

ومثل إلحاق الولد بأبين (٧) وبمائة أب ، وبأمّين (٨) ، وكيف يتفق ان يكون الولد من أمّين؟!!

ومثل قولهم : إن الولد يبقى في بطن أمّه سنتين عند أبي حنيفة ، وأربع سنين عند الشافعي ، وسبع سنين عند مالك (٩) .. فهل هذا تقبله العقول ، أو يرضى به الله والرسول (١٠)؟!

ووصف بعض الفقهاء لبعض الملوك صفة (١١) صلاة الحنفي ـ وعنده بعض

__________________

(١) من قوله : ثمّ أتت .. الى هنا لا يوجد في مطبوع الكتاب ، ولا نسخة ( ألف ).

(٢) في الطبعة الحجرية : نسبه ، بدلا من : نسب ذلك الولد.

(٣) هنا زيادة كلمة : بالمغرب ـ بعد : وهو ـ في المطبوع ، ولها وجه.

(٤) انظر : تاريخ بغداد : ١٣/٣٧٣ ، الصراط المستقيم : ٣/٢١٦ .. وغيرهما.

(٥) لا توجد كلمة : كثيرة ، في نسخة (ر).

(٦) الصراط المستقيم : ٣/٢١٦.

وهنا فرق ليس بمهم بين نسخة (ر) والمطبوع من الكتاب وسائر النسخ ، ذكرنا المهم منه.

(٧) في الطبعة الحجرية : باثنين ، وفي بعض النسخ : بأمّين ، وفي نسخة ( ألف ) : بأبوين.

(٨) لا توجد كلمة : بأمّين ، في المطبوع من الكتاب ، ولا نسخة ( ألف ).

(٩) لاحظ : وفيات الأعيان : ٤/١٣٥ ، وقم ٥٥٠ ، وفيه : ثلاث سنين.

(١٠) من قوله : أو يرضى .. الى هنا لا يوجد في الطبعة الحجرية ، ولا نسخة ( ألف ).

(١١) لا توجد في نسخة (ر) كلمة : صفة.

٢٤٠