بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٠
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٩ ـ شى : عن [ أبي ] إسحاق المدائني قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال له : جعلت فداك إن الله يقول : « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » إلى « أو ينفوا » فقال : هكذا قال الله تعالى ، فقال له : جعلت فداك فأي شئ الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه الاربع؟ قال : فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : أربع ، فخذ أربعا بأربع :

إذا حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا فقتل قتل ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب (١) وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الارض.

فقال له الرجل : جعلت فداك وما حد نفيه؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره ، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى عليه بأنه منفي فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه ، فاذا خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك. فيفعل به ذلك سنة ، فانه سيتوب من السنة وهو صاغر.

فقال له الرجل : جعلت فداك فان أتى أرض الشرك فدخلها ، قال : يضرب عنقه إذا أراد الدخول في أرض الشرك (٢).

٢٠ ـ شى : في رواية أبي إسحاق المدائني ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قلت : فان توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قال : قوتل أهلها (٣).

٢١ ـ ختص : عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من فتك بمؤمن يريد ماله ونفسه فدمه مباح للمؤمن في تلك الحال (٤).

____________________

(١) وفى الدعائم ج ٢ ص ٤٧٥ عن على عليه‌السلام أن أتى بمحارب فأمر بصلبه حيا وجعل خشبة قائمة مما يلى القبلة وجعل قفاه وظهره مما يلى الخشبة ووجهه مما يلى الناس مستقبل القبلة ، فلما مات تركه ثلاثة أيام ، ثم أمر به فأنزل : فصلى عليه ودفن.

(٢ ـ ٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٣١٧.

(٤) الاختصاص : ٢٥٩.

٢٠١

٢٢ ـ نوادر الراوندى : [ باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أشار على أخيه المسلم بسلاحه لعنته الملائكة حتى ينحيه.

وقال : قال عليه‌السلام أيضا : من شهر فدمه هدر ] (١).

٩٣

* ( باب ) *

* ( من اجتمعت عليه الحدود بأيها يبدء ) *

١ ـ ب : عن علي ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اخذ وعليه ثلاثة حدود : الخمر والزنا والسرقة ، بأيها يبدء من الحدود؟ قال : بحد الخمر ، ثم السرقة ثم الزنا (٢).

____________________

(١) نوادر الراوندى ص ٣٣ وما بين العلامتين ساقط من الاصل.

(٢) قرب الاسناد ص ١١٢ ط حجر.

وفى دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٦٤ ، عن على عليه‌السلام أن رجلا رفع اليه قد أصاب حدا ووجب عليه القتل فأقام عليه الحد فقتله قال أبوجعفر عليه‌السلام : وكذلك لو اجتمعت عليه حدود كثيرة فيها القتل لكان يبدء بالحدود التى دون القتل ، ثم يقتل.

٢٠٢

٩٤

* ( باب ) *

* ( النهى عن التعذيب بغير ما وضع الله ) *

* ( من الحدود ) *

١ ـ ع : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن أول ما استحل الامراء العذاب لكذبه كذبها أنس بن مالك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنه سمر يد رجل إلى الحائط » ومن ثم استحل الامراء العذاب (١).

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٢٢٧.

أقول : عن أنس قال : قدم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله نفر من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا بل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الابل فبعث في آثارهم فاتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا.

وفى رواية فسمر أعنيهم وفى رواية : أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتوا ، رواه في مشكاة المصابيح ٣٠٧ وقال : متفق عليه.

٢٠٣

٩٥

* ( باب ) *

* ( أنه يقتل أصحاب الكبائر في الثالثة الرابعة ) *

١ ـ ن (١) ع : في علل محمد بن سنان ، عن الرضا عليه‌السلام قال : علة القتل في إقامة الحد في الثالثة (٢) لاستخفافهما ، وقلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنهما مطلق لهما الشئ ، وعلة اخرى أن المستخف بالله وبالحد كافر ، فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر (٣).

أقول : قد مضى بعض الاخبار في باب شرب الخمر.

٢ ـ ضا : أصحاب الكبائر كلها إذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة وشارب الخمر في الرابعة (٤).

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٩٧.

(٢) زاد في العيون ههنا [ على الزانى والزانية ].

(٣) علل الشرايع ج ٢ ص ٢٣٣.

(٤) فقه الرضا ص ٤٢.

٢٠٤

٩٦

* ( باب ) *

* ( السحر والكهانة ) *

الايات : البقرة : واتعبوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ـ وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ـ وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ـ وما يعلمان من أحد حتى يقولا : إنما نحن فتنة فلا تكفر! فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ـ وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله ـ ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (١) الآيات.

____________________

(١) البقرة : ١٠٢ ـ وبعده : ـ ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ».

أقول : ضمير الجمع في قوله تعالى « واتبعوا » راجع إلى فريق من بنى اسرائيل عرفهم الله في سابق الايات بأنهم تفانوا في حب الدنيا وزخارفها الفاينة وحرصوا على الحياة فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وكذبوا أنبياء الله وقتلوهم أحيانا ، ونقضوا عهد الله وميثاقه.

ثم بعد ذلك اتبعوا شياطين الانس ـ وهم السحرة ـ في الافتراء على ملك سليمان و حشمته بأنها كانت بالسحر وأن الكتاب الذى أعطاه الله عزوجل وأنزله من السماء عليه تشييدا لملكه الموهوب له ـ الذى لا ينبغى لاحد من بعده ـ وتأييدا وتثبيتا لاركان عزته التى لا ترام ، انما هى هذه الصحائف التى ورثناها بعده ، فلذلك نعمل العجائب كما كان يعمل ، الا أنه كان يعرف جميع أسرار السحر ، ونحن لا نعلم ولا نعرف منها الا هذا النذر اليسير.

فبسبب اتباعهم ـ أعنى السحرة الشياطين ـ في هذا الافتراء رخصوا لانفسهم أن يتعاطوه ، و فاموا في الطلب ، وخاضوا في السحر واشتروا صحائفه وتعلموه وعملوا به ، مع علمهم بأن

٢٠٥

____________________

ذلك حرام محرم في مذهبهم ، وأن متعاطى ذلك ومشتريه ماله في الاخرة من خلاق.

والظاهر عندى ـ بعد تتبع ما ورد من لفظ التلاوة وتصاريفها في القرآن المجيد ـ أن التلاوة هى القراءة بالترتيل والطمأنينة مع طنطنة خاصة تنشأ من تعظيم نفس المتكلم وخشوعه بالنسبة إلى عظمه ما يتلوه ، كأن خطيبا يخطب في مهم اجتماعى ويلقى كلمته على السامعين ليعوه ويحفظوه ، فتارة يخفض صوته وتارة يعلو بها حسبما اقتضى المقام ، ليقع المعنى في قلب السامع موقعه ، ويأخذ بسمه مآخذه ، وربما كرر جملة من كلامه مع ترتيل وتتابع بين كلماته بحيث يسع المخاطب أن يعرف مغزى الكلام.

وهذا النحو من القراءة ، وهى التلاوة ، خاص عند الناس بالقاء الفرامين المولوية والمواعظ الحكمية ، والخطابات التى يلقونها في أندية العلماء ، تحقيقا لامر اجتماعى أو أدبى أو غير ذلك ، مما يراد بها التأثير في السامعين والاخذ بأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم.

ومن أجل ذلك نفسه كثر استعمال التلاوة في قراءة القرآن وسائر الكتب المنزلة من عند الله عزوجل ، ولذلك أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواضع من القرآن العزيز أن يتلوه على الناس من دون أن يأمره بالقراءة عليهم ، حتى في آية واحدة اللهم الا في قوله تعالى « لتقرأه على الناس على مكث » وفيه مفهوم التلاوة.

والمراد بالشياطين شياطين الانس ، سموا شيطانا لكفرهم بالله ، وآياته وافترائهم على ملك سليمان بأنه كان بالسحر ، ثم ادعاؤهم افتراء على الله أن السحر نازل من السماء إلى سليمان ، فهو جائز تعليمه وتعلمه ، ثم قراءتهم صحف السحر والاباطيل بصورة التلاوة كما يتلى كتب الله المنزلة تمويها على العوام ، مع ما كانوا يؤذون الناس بسحرهم و يفرقون به بين المرء وزوجه.

وفى قوله تعالى : « وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر » نزل السحر منزلة الكفر ، وبين وجه كفر الشياطين بأنهم « يعلمون الناس السحر » فقوله هذا بمنزلة أن يقال : « وما سحر سليمان مدى ملكه وحشمته ولكن الشياطين

٢٠٦

....

____________________

سحروا »

وقيل في قوله تعالى : « وما أنزل على الملكين » الخ أن « ما » نافية ، والظاهر أنها موصولة ، يشير إلى أن الله عزوجل أنزل ملكين ببابل ـ وكان عاصمة السحرة يومئذ ـ فتصورا وتمثلا بصورة رجلين وتسميا باسم هاروت وماروت ، وأظهرا علم السحر وأسراره لعامة الناس حتى يعرفوا أن شياطين السحرة كاذبون في دعواهم بأن السحر علم سماوى نزل على سليمان لتشييد ملكه وسلطانه ، ويتبين لهم أن السحر ليس الا مخرقة وتمويه أباطيل لا حقيقة لها بصورة خارقة للعادة.

وهذان الملكان ـ هاروت وماروت ـ حيثما علما أحدا من الناس السحر وأظهروه على حقيقته كانا يقولان « انما نحن فتنة » أى بوتقة خلاص وامتحان انما نعلمك السحر ليخلص الحق من مزاج الباطل ، ويعرف السحر من معجزة الحق ، ويظهر الساحر الكاذب الكافر من النبى الصادق المؤمن للحق ، « فلا تكفر » أنت بعد تعلم أسرار السحر أى لا تسحر ولا تعمل السحر.

فكان الناس يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه لما كانت الشياطين تفعل ذلك كثيرا بأهالى بابل ، ويأخذون على ذلك الاجر تارة من هذا للتفريق بين زوجين معينين وتارة منهما أو من أحدهما لحل ذلك والتأليف بينهما ، فبعد ما ظهرت العامة بأسرار السحر ـ خصوصا ما كان شايعا فيهم من التفريق بين المرء وزوجه ـ سقط الساحرون من شوكتهم وقدرتهم ، وبلغ أمر الله وكان امر الله قدرا مقدورا.

وقوله « وما انزل » عطف على قوله « ما تتلوا الشياطين » والمعنى أن بنى اسرائيل لخبثهم وحرصهم على المال والجاه اغتنموا الفرصة واتبعوا ما أنزل على الملكين من السحر كما اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان فضموا سحر الشياطين مع سحر الملكين وسحروا على الناس ، وأخذوا بذلك أموالهم وفعلوا وفعلوا وليس ما فعلوا الا الكفر بآيات الله وكتبه ، ولقد علموا من دينهم ومذهبهم أنه لمن اشترى وطلب السحر ،

٢٠٧

__________________

ماله في الاخرة من خلاق ، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون.

فيعرف من جملة ذلك أن عرفان السحر وتعلمه وتعليمه لعامة الناس احقاقا للحق وابطالا لما يدعونه السحرة من الاعجاز والقدرة السماوى والسيطرة الالهى ، لا بأس به ، بل هو مما أنزل الله لتحقيقه ملكين ، فمن فعل ذلك ، فقد شرك الملكين في نيتهما وعملهما وله مثوبة ذلك ، وأما تعاطى السحر لغير ذلك من الاغراض فهو الكفر بالله العظيم ، والشراء والاشتراء هو ما نسميه الان في عرفنا « بالعرض والتقاضى » فالشراء أن يعرض صاحب المتاع متاعه للبيع ، والاشتراء أن يطلب المتاع ويتقاضاه من له الحاجة إلى ذلك المتاع ، فاذا باعه ذاك الشارى وابتاعه هذا المشترى فقدتم.

ولذلك يقول : « لمن اشتراه » أى من طلب السحر متاعا ليصرفه في حاجة نفسه فيغرق مثلا بين عدوه وزوجته ، أو ليصرفه لحاجة غيره فيبيعه منه بثمن « ماله في الاخرة من خلاق » أى من نصيب.

ولذلك نفسه يقول : « ولبئس ماشروا به أنفسهم » أى أنهم بفعلهم السحر قد عرضوا أنفسهم للبيع بثمن قليل وقد كانت غاليا ثمنها الجنة ، لكنهم لا يعلمون « ولو أنهم آمنوا » أى لم يكفروا أى لم يسحروا بل لم يشتروا السحر ، « واتقوا » من الله وعذابه « لمثوبة من عند الله » تنالهم في حلهم السحر وتكذيب السحرة اقتداءا بما فعل الملكان النازلان « خير » لهم « لو كانوا يعلمون ».

وقوله : « وما هم بضارين به من أحد الا باذن الله » اشارة إلى أن فعل السحر انما هو تأثير سبب خفى على عامة الناس ظاهر سببيته على الخاصة ، فمن توصل بالسبب الخفى على مسببه ، ليس قد ظهر على سر الخلقة بذاته ولا هو ممن أظهره الله على ذلك كما أظهر على ذلك سليمان ، بل الله عزوجل كما أذن اذنا تكوينيا في تأثير الاسباب الظاهرة أذن في تأثير الاسباب الخفية ، ومن توصل بأحد من الاسباب ـ الظاهرة أو الخفية ـ فقد أخذ باذن الله عزوجل.

وفعل السحر ـ أعنى التوصل بالاسباب الخفية على مسبباتها ـ وان كانت مبغوضا

٢٠٨

الاعراف : فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم (١).

يونس : ولا يفلح الساحرون (٢).

وقال تعالى : قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين (٣).

طه : قال بل القوا فاذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ـ إلى قوله تعالى : إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى (٤).

الشعراء : هل انبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون (٥).

الفلق : ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد (٦).

____________________

لله عزوجل تشريعا اذا كانت بداعى السيطرة والجاه وأخذ الاموال والافساد في الارض لكنه ماذون بالاذن التكوينى ابتلاء واختبارا للناس ، هو الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.

وقوله : « ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم » عطف على قوله « فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه » والمعنى ما كانوا يتعلمونه من السحر كانت على قسمين قسم منها ما كان يضر بالغير فيفرقون به بين المرء وزوجه ، وقسم منها ما يضر بأنفسهم ولا ينفعهم.

(١) الاعراف : ١١٦.

(٢) يونس : ٧٧.

(٣) يونس : ٨١.

(٤) طه : ٦٦ ـ ٦٩.

(٥) الشعراء : ٢٢١.

(٦) الفلق : ٣ و ٤.

٢٠٩

١ ـ لى : عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن أبي وهب ، عن أبي سعيد هاشم ، عن : أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أربعة لا يدخلون الجنة : الكاهن ، والمنافق ، ومدمن الخمر ، والقتات : وهو النمام (١).

٢ ـ ب : عن البزاز ، عن أبي البخترى ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر ، وكان آخر عهده بربه ، وحده أن يقتل إلا أن يتوب (٢).

٣ ـ ب : عن النهدى ، عن أبيه ، عن عيسى بن سقفى وكان ساحرا يأتيه الناس فيأخذ على ذلك الاجر ، قال : فحججت فلقيت أبا عبدالله عليه‌السلام بمنى ، فقلت له : جعلت فداك! أنا رجل كانت صناعتي السحر ، وكنت آخذ عليه الاجر ، وكان معاشي ، وقد حججت ، وقد من الله علي بلقائك ، وقد تبت إلى الله تعالى ، فهل لي في شئ منه مخرج؟ قال : فقال : أبوعبدالله عليه‌السلام : نم حل ولا تعقد (٣).

٤ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن البطائنى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من تكهن أو تكهن له ، فقد برئ من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قلت : فالقيافة قال : ما احب أن تأتيهم ، وقل ما يقولون شيئا إلا كان قريبا مما يقولون ، وقال : القيافة فضله من النبوة ذهبت

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٢٤٣ راجع ص ١٢٥ فيما سبق.

(٢) قرب الاسناد ص ٧١ ط حجر.

(٣) قرب الاسناد ص ٢٥ ، قيل : خصه بعض علمائنا بالحل بغير السحر كالقرآن والذكر والتعويذ ونحوها ، وهو حسن اذ لا تصريح بجواز الحل بالسحر ، وفيه أن حل السحر انما هو بسحر ضده ، فلا ريب في جوازه ، مع ما قد عرفت في تفسير الاية من أن المراد باشتراء السحر الاكتساب به.

٢١٠

في الناس (١).

٥ ـ ل : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن هاشم ، عن النوفلى ، عن السكونى ، عن الصادق ، عن أبيه ، عليهما‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لارقى (٢) إلا في ثلاثة : في حمة ، (٣) أو عين ، أو دم لا يرقأ (٤).

٦ ـ ل : عن أحمد بن محمد بن الهيثم ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب عن ابن بهلول ، عن أبيه ، عن الحسين بن مصعب قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : يكره النفخ في الرقى والطعام وموضع السجود (٥).

أقول : قد مضى في باب شرب الخمر (٦) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر ، ومدمن سحر ، وقاطع رحم.

٧ ـ ل : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول :

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٣ وزاد بعده في الوسائل : « حين بعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٢) يقال : رقاه يرقيه رقيا ورقية : عوذه ونفث في عوذته ، وقد يعدى بعلى فيقال رقى عليه تضمينا له لمعنى قرأ ونفث والنفث : القاء البزاق عند الرقية ، أو هو كالنفخ ، وسيأتى في الحديث أن النفخ مكروه ، والاسم من الرقى : الرقية كاللقمة ، والجمع رقى كهدى.

(٣) الحمة ـ كثبة ـ السم ، وقيل : الابرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها وتاؤها عوض عن اللام المحذوفة ، لان أصلها ( حمو ) أو « حمى » والجمع حمات وحمى ، وفى مطبوعة الوسائل ج ٦ ص ١٠٩ ط الحديثة « لارقا الا في ثلاثة : « في حمى ـ بشد الميم ـ أو عين أو دم لا يرقى » وفيه تصحيف.

(٤) الخصال ج ١ ص ٧٦.

(٥) المصدر نفسه ج ١ ص ٧٦.

(٦) راجع ص ١٢٩ مما سبق والحديث منقول عن الخصال ج ١ ص ٨٥.

٢١١

المنجم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنية ملعون ، ومن آواها وأكل كسبها ملعون.

وقال عليه‌السلام : المنجم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كافر ، والكافر في النار (١).

قال الصدوق ـ رضي الله عنه ـ : المنجم الملعون هو الذي يقول : بقدم الفلك ولا يقول بمفلكه وخالقه عزوجه (٢).

٨ ـ ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا ينفخ الرجل في موضع سجوده ، ولا ينفخ في طعامه ، ولا في شرابه ، ولا في تعويذه (٣).

٩ ـ ع : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل ، فقيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال : لان الشرك أعظم من السحر ، ولان السحر والشرك مقرونان.

وروي أن توبة الساحر أن يحل ولا يعقد (٤).

١٠ ـ لى : في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن إتيان العزاف ، وقال : من أتاه فصدقه فقد برئ مما انزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

١١ ـ سر : عن ابن محبوب في المشيخة عن الهيثم بن واقد قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشئ يسرق أو شبه ذلك ، فنسأله؟ فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مشى

____________________

(١ و ٢) الخصال ج ١ ص ١٤٣.

(٣) الخصال ج ٢ ص ١٥٦.

(٤) علل الشرايع ج ١ ص ٢٣٣.

(٥) أمالى الصدوق ص ٢٣٩.

٢١٢

إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل الله من كتاب (١).

١٢ ـ شى : عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قوله تعالى : « وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون » (٢) قال : كانوا يقولون : نمطر بنوء كذا ونوء كذا ، ومنها أنهم كانوا يأتون الكهان فيصدقونهم بما يقولون (٣).

____________________

(١) السرائر : ٤٧٣.

(٢) يوسف : ١٠٦.

(٣) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٩٩.

والمراد بالشرك في الاية : الشرك الخفى ، كاعتقادهم بالانواء ، ومثل ذلك ما روى عن أبى عبدالله (ع) انه قال : قول الرجل لولا فلان لهلكت ، ولولا فلان لضاع عيالى جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه ، فقيل له : لو قال : لولا أن من الله على بفلان لهلكت؟ قال : لا بأس بهذا.

قال الجزرى في النهاية ج ٤ ص ١٧٨ : قد تكرر ذكر الانواء والنوء في الحديث والانواء هى ثمان وعشرون منزلة ينزل القمر في كل ليلة في منزلة منها ، ومنه قوله تعالى : « والقمر قدرناه منازل » يسقط في المغرب كل ثلاث عشر ليلة منزلة مع طلوع الفجر ، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في المشرق ، فتنقضى جميعها مع انقضاء السنة.

وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر ، وينسبونه اليها فيقولون : مطرنا بنوء كذا. وانما سمى نوءا ، لانه اذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ، يقال ، ناء ينوء نوءا : أى نهض وطلع.

وقال الجوهرى في الصحاح : ٧٩ ، النوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما ، وهكذا

٢١٣

١٣ ـ نوادر الراوندى : [ باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل ، فقيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله! ولم ذاك؟ قال : لان الشرك والسحر مقرونان (١).

وبهذا الاسناد قال علي عليه‌السلام : أقبلت امرءة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله! إن لي زوجا وله علي غلظة ، وإني صنعت به شيئا لاعطفه علي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اف لك! كدرت دينك! لعنتك الملائكة الاخيار ، لعنتك الملائكة الاخيار ، لعنتك الملائكة الاخيار ، لعنتك ملائكة السماء ، لعنتك ملائكة الارض.

فصامت نهارها وقامت ليلها ولبست المسوح ، ثم حلقت رأسها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حلق الرأس لا يقبل منها حتى ترضى الزوج ] (٢).

____________________

كل نجم منها إلى انقضاء السنة ما خلا الجبهة ، فان لها أربعة عشر يوما.

قال أبوعبيدة : ولم نسمع في النوء أنه السقوط الا في هذا الموضع ، وكانت العرب تضيف الامطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها وقال الاصمعى : إلى الطالع منها في سلطانه ، فتقول مطرنا بنوء كذا ، وجمع النوء أنواء ونوآن مثل بطن وبطنان.

(١) نوادر الراوندى ص ٤.

(٢) المصدر نفسه ص ٢٥ وما بين العلامتين محله بياض في الاصل.

٢١٤

٩٧

* ( باب ) *

* ( حد المرتد وأحكامه ، وفيه أحكام قتل الخوارج والمخالفين ) *

الايات : البقرة : [ ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة واولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (١).

آل عمران : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول

____________________

(١) البقرة : ٢١٧ ، قال الطبرسى : هذا تحذير عن الارتداد ببيان استحقاق العذاب عليه ، وقوله « فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة » معناه انها صارت بمنزلة مالم يكن لايقاعهم اياها على خلاف الوجه المأمور به ، لان احباط العمل وابطاله عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذى يستحق عليه الثواب وليس المراد أنهم استحقوا على أعمالهم الثواب ثم انحبط ، لانه قد دل الدليل على أن الاحباط على هذا الوجه لا يجوز.

أقول : المراد بقرينة ساير الايات الواردة في مورد الحبط وهكذا نفس الايات المبحوث عنها أن المراد من الحبط هو ايقاف العمل وتوقيفه بمعنى أنه لا يترتب عليه أثر العمل من حيث الاثابة حكما موقتا ، أى ما دام العمل محبوطا ، ولازم معنى الحبط هذا أنه اذا تاب المتخلف ورجع عن فعله المحبط خرج العمل عن الحبط وترتب عليه آثاره كملا ، الا اذا مات المرتد على كفره كما فرض في هذه الاية « ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر » الخ أو فعل فعلا لا يقبل الله معه توبته كما فرض في آية آل

٢١٥

حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * اولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم

____________________

عمران : ٢٢ « ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم اولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الاخرة » فلا توبة حتى يخرج العمل عن الحبط ، فكيون الحبط تاما دائما في الدنيا و الاخرة كما حكم به في الاية.

والحبط بهذا المعنى أعنى الايقاف والتوقيف شايع في الحكومات ، مؤيد بالعقل فانكار المنكرين من المتكلمين انما هو لاجل أنهم لم يتحققوا معنى الحبط الذى ورد في القرآن العزيز.

وهذا المعنى مصرح به في الروايات منها ما عن الدعائم ج ٢ ص ٤٨١ عن أبى جعفر محمد بن على عليهما‌السلام أنه قال من كان مؤمنا يعمل خيرا ، ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له كل شئ عمل في ايمانه ، فلا يبطله كفره اذا تاب بعد كفره.

مثال ذلك عند الحكومات : أن الرجل يحل عليه الدين فلا يؤديه ، فيحتكم الدائن عند الحكومة ، فيحكم له بتوقيف دار المديون حتى يخرج عن دينه فلا يمكن من التصرف فيها حتى اذا خرج المديون عن دينه وأدى ما عليه حكم الحاكم بالغاء التوقيف فصار يتمكن من التصرف في داره كما كان قبل ذلك.

ومثل ذلك أن الرجل يثور على الحكومة بالطغيان ، فلا ينجح ثورته ، فيفر إلى خارج الثغر حصنا لدمه ، فيحكم الحكومة بمصادرة أمواله ، أو توقيفها حتى يستسلم ، وقد يكون بعد استسلامه وتوبته يحكم الحاكم بلغو المصادرة والتوقيف ، ولا بدع في ذلك ، فانه نحو من العقوبة.

فالحبط هو الغاء الاثر من حيث الانتفاع بالعمل ، وهو جار في المؤمنين ، وأما البطلان من رأس كما توهمه المتكلمون فهو يختص بالكفار كما قال الله عزوجل « أولئك الذين ليس

٢١٦

ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم * إن الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم واولئك هم الضالون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا ولو افتدى به اولئك لهم عذاب أليم ومالهم من ناصرين (١).

____________________

لهم في الاخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون » هود : ١٦ ، و قال حاكيا عن موسى (ع) حين قال قومه « اجعل لنا الها كما لهم آلهة » : « ان هؤلاء متبر ماهم فيه وباطل ما كانوا يعملون » الاعراف : ١٣٩ ، كما عبر عنهم كثيرا بالمبطلين.

وقولهم في توجيه ما رود من ذلك في الايات « أنها صارت بمنزلة مالم يكن لايقاعهم اياها على خلاف الوجه المأمور به ، وأن الثواب في علمه تعالى على ذلك العمل مشروط بعدم وقوع الفسق الفلانى أو الكفر بعد الايمان بعده » غير مقبول بعد ما كان العمل في ظرفه صحيحا واجدا لشرائطه ، ففى قوله تعالى « لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون » الحجرات : ٢ ، حكم يحبط أعمالهم الصحيحة المقبولة التى استحقوا على فعلها الثواب عند الجهر بندائه صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون أن يشعروا أنفسهم بأنهم فعلوا ما يحبط الاعمال.

على أن الايات التى وردت في الحبط كلها تتضمن أن الاعمال المحبوطة كانت صحيحة مقبولة ذات ثواب وجزاء حسن ، والا لم يكن في حبطها ضرر عليهم حيث لم يكونوا لينتفعوا بها قبل الحبط أيضا.

فاذا تحقق معنى الحبط كانت الاية حاكمة بأن من ارتد عن دينه ومات كافرا ، حبطت أعماله وتجب البراءة عنه ، وأما اذا رجع عن ارتداده فهل يقبل توبته أم لا ، فسنتعرض له في الايات الاتية بعدها.

(١) آل عمران : ٨٦ ـ ٩١ والايات نزلت في أهل الكتاب متعرضة لليهود و جحودهم وكفرهم بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بعثته بعد ما كانوا يؤمنون به قبل بعثته ، قال عزوجل :

٢١٧

____________________

« كيف يهدى الله قوما كفروا » بالنبى وبما جاء به من البينات « بعد ايمانهم » به قبلا « و » هم الذين « شهدوا أن الرسول حق وجاءهم » في التبشير ببعثته « البينات ، والله لا يهدى القوم الظالمين » فكفرهم هذا كفر بعد ايمان حيث كان ايمانهم ـ والنبى لم يبعث بعد ـ ايمان حق.

وأما جزاء كفرهم هذا فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين في جهنم لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.

« الا الذين تابوا من بعد ذلك » أى بعد كفرهم وهى ارتداد واقعا لاول مرة فآمنوا ثانيا « وأصلحوا » ما أفسدوه بانكارهم وعدوانهم من اماتة الحق وصد الناس عن سبيل الله باغوائهم فاعترفوا بان كفرهم وجحودهم ذلك كان عن ظلم وهوى متبع « فان الله غفور رحيم » يقبل توبتهم.

ويتصور مثل ذلك من الكفر بالنبى بعد الايمان بالنسبة إلى الذين لم يؤمنوا به صلى‌الله‌عليه‌وآله في ظرف يهوديتهم ونصرانيتهم ـ كما في عصرنا هذا ـ اذا دخلوا في الاسلام ثم ارتدوا ، فيكون ارتدادهم هذا كفرا بعد ايمان ان لم يتوبوا قتلوا ، وان تابوا وأصلحوا فان الله غفور رحيم يقبل توبتهم ويتفرع على ذلك لزوم استتابته.

فتلخص من الاية أن توبة المرتد عن دين الله اذا كان من أهل الكتاب انما تقبل للمرة الاولى ، بانهم يستتابون فان تابوا فان الله غفور رحيم ، وان لم يتوبوا بل أصروا على كفرهم وجحودهم ، وازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم بعد ذلك ، واولئك هم الضالون.

فقوله : « ان الذين كفروا بعد ايمانهم » تجديد عنوان لقوله : « قوما كفروا بعد ايمانهم » وقوله « ثم ازدادوا كفرا » تماديهم في الكفر والجحود والاصرار على غيهم وعدوانهم لدين الله ، بعد التوبة بعد الاستتابة أو الفرار عن حوزة الاسلام إلى دار الكفر مثلا والمكر بالمسلمين والفساد في الارض فلن تقبل توبتهم ، ولا يمهلون بعد ذلك ولا يستتابون ، بل يقتلون حيث ظفر بهم.

٢١٨

النساء : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (١) ].

____________________

(١) النساء : ١٣٧. والاية تشهد بسياقها وسياق ما قبلها أنها خاصة بالذين آمنوا وتابوا عن شرك فطرى قال : « يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى انزل من قبل » من التورات والانجيل ، وهذا يشهد بأنهم ما كانوا مؤمنين بالكتاب الذى أنزل من قبل « ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر » وهذا أيضا يشهد بأنهم كانوا مشركين لا يقرون بالمعاد « فقد ضل ضلالا بعيدا ».

ثم قال : « ان الذين آمنوا » أى بعد الشرك الفطرى « ثم كفروا » وارتدوا « ثم آمنوا » أى رجعوا عن الارتداد وتابوا إلى الحق « ثم كفروا » وارتدوا ثانيا « ثم ازدادوا كفرا » بعدم التوبة أو الفرار إلى دار الشرك أو الفساد في الارض « لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ».

فعلى هذا تقبل توبة المرتد اذا كان على فطرة الشرك مرتين : مرة بابتداء الدعوة واسترجاعه عن الشرك إلى الايمان لاول مرة ، فان تاب وقبل الاسلام فهو ، والا قتل حيث ظفر به ، فايمانه هذا كايمان أهل الكتاب في دينهم من الانقلاع عن الشرك إلى التوحيد.

ومرة ثانية اذا ارتد عن الاسلام إلى الشرك ، بمعنى أنه كفر بعد الايمان ودخل تحت قوله تعالى : « كيف يهدى الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا بأن الرسول حق » الخ ، وقد كان جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها ، الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا.

فيجب على الامام أن يستتيبه كما فعل في أهل الكتاب لاول مرة حرفا بحرف. تحقيقا لمعنى قوله تعالى « ثم آمنوا » حيث صدق ايمانهم بعد الكفر بعد الايمان ، وقد ورد في الاستتابة أن ينظر ثلاثة أيام في الحبس ليرجع ، فان لم يرجع قتل كما كان يقتل في

٢١٩

١ ـ ب : عن البزاز ، عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : ميراث المرتد لولده (١).

٢ ـ ل : عن القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة عن أبيه ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا ارتدت المرءة عن الاسلام استتيبت ، فان تابت وإلا خلدت في السجن ، ولا تقتل كما يقتل الرجل إذا ارتد ، ولكنها تستخدم خدمة شديدة ، وتمنع من الطعام والشراب إلا ما تمسك به نفسها ، ولا تطعم إلا جشب الطعام ، ولا تكسى إلا غليظ الثياب وخشنها

____________________

شركه الفطرى مثل ما كان يفعل بأهل الكتاب اذا أصروا على كفرهم وجحودهم.

فأما اذا آمن ثانيا ثم كفر بعد ذلك ، فلم تتعرض الاية لحاله بأنه هل يقبل ايمانه بعد ذلك أيضا أولا يقبل ، بل انما تعرض لحال من كفر بعد ذلك وازاداد كفرا ، حيث قال ، « لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا » فاذا ارتدوا وزادوا في طغيانهم فلا ريب أنهم لا يستتابون ولا يمهلون بل يقتلون حيث ظفر بهم وتجب البراءة منهم ، وأما اذا لم يزيدوا في طغيانهم ، بل كفروا بالكفر الساذج فقد دخلوا في الشرك كما كانوا فيه أول مرة فان تاب من نفسه بمعنى أنه بادر إلى التوبة ، يقبل توبته ظاهرا ويوكل أمره إلى الله ومشيئة لعل الله يقبل توبته ولا نعلم ، وان لم يتب ولم يبادر إلى التوبة فأمره مراعى ان شاء الامام استتابه وان لم يشأ لم يستتبه ، فان تاب بعد الاستتابة فهو ، وان لم يتب أولم يشأ أن يستتيبه قتله فانه مشرك.

فقد فرق الله عزوجل بين المشرك عن فطرة وبين أهل الكتاب بأنه أهمل أمر المشرك في المرة الثانية من ارتداده وحكم في أهل الكتاب بعد قبول توبتهم في المرة الثانية.

(١) قرب الاسناد ص ٦٣ ط حجر.

٢٢٠