شرح طيّبة النّشر في القراءات العشر

شهاب الدين أبي بكر بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الجزري الدمشقي

شرح طيّبة النّشر في القراءات العشر

المؤلف:

شهاب الدين أبي بكر بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الجزري الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٤

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الكريم القائل في محكم تبيانه الحكيم : « ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا » والصلاة والسلام على من نزل عليه الروح الأمين بكلام رب العالمين وعلى آله وصحبه المكرمين ومن تبعهم إلى يوم الدين. وبعد :

فقد حظي كتاب شرح طيبة النشر في القراءات العشر لإمام الحفّاظ وحجة القرّاء أحمد ابن الجزري بمكانة لامعة بين طلبة العلم الشرعي وخاصة من يحفدون لجمع القراءات.

فكان موردا ينهلون من معينه ومرجعا يهديهم إلى الرشاد ، حيث تفيض من بين صفحاته معلومات سلسبيلة تروي الظمآن وتنعش الروح وتثلج الصدر وتنير الفكر.

سيما وأن المؤلف رحمه الله تعالى بيّن بإتقان ملموس وإخلاص مرموق شرحا برّاقا لمتن طيبة النشر يتغذى به بصر كل مماقل له.

ثم أتى فضيلة الشيخ العلامة علي محمد الضّباع جزاه الله خيرا وأسدل عليه ثوبا مزركشا بالضبط والإيضاح فازداد بهاء بحلّته النفيسة. ومعاذ الله أن يتجرأ طويلب علم مثلي بالزيادة على ما أفاد به عالمان جليلان جزاهما الله تعالى عنا خير الجزاء ، وإنما حاولت قدر المستطاع إزالة كل ما يتعثر به طالب هذا العلم الشريف أو يلحظ منه غموضا ، فكان دأبي بعون الله تعالى أن تنقشع هذه الغياهب من الإشكال لينال لبانته وفؤاده مفعم بالأمان.

لقد كان نهجي تدوين بعض التعليقات والتشكيل لبعض الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، وسعيت سعيا حثيثا إلى تليين الرموز الجزلة فعمدت إلى تنظيمها في جداول تسهّل على الطالب الإحاطة بها دونما تعقيد.

٣

ومحاولتي هذه عن تجربة عشتها خلال دراستي لهذا الكتاب الغزير بكل ما ضمّ بين دفتيه من فوائد مع ما يحوي من اختصار في مبناه.

وإني أنصح لوجه الله تعالى كل من أراد التمكن منه والاستزادة من المعلومات الجمّة والشاملة أن يشبع مقلتيه وحجاه من كتاب النشر في القراءات العشر للمؤلف رحمه الله تعالى فزيادة مبناه تدل على زيادة معناه والله الموفق لكل خير. وختاما فهذا مما كان يجيش في ذاتي أفضته من فؤادي إلى قلمي ليرشح على الأسطر الهادئة مدادا يفوح منه شذا الرجاء والتوسّل للحق المبين سبحانه وتعالى أن يحفّ أعمالي بالقبول ، وأن يجعلني أهلا لخدمة كتابه العزيز ، وأن يغفر ويتجاوز عن تقصيري ، وأن ينفعنا بكتابه الكريم كي يكون حجة لنا لا علينا ، وأن يجعلنا تحت لواء سيد العالمين وإمام العالمين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أنس مهرة

٤

ترجمة يسيرة عن المؤلف

ابن الجزري

(٧٨٠ نحو ٨٣٥ ه‍ ـ ١٣٧٨ نحو ١٤٣٢ م)

أحمد بن محمد بن محمد أبو بكر شهاب الدين ابن الجزري مقرئ ، دمشقي المولد والوفاة.

أخذ عن أبيه وغيره وسمع القراءات الاثنتي عشرة ، وتصدر للتدريس ومات بعد أبيه المتوفّى رحمه‌الله سنة ٨٣٣ بقليل. له (الحواشي المفهمة في شرح المقدمة) وهي المقدمة الجزرية. (الأعلام ١ / ٢٢٧).

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم :

قال محمّد هو ابن الجزري

يا ذا الجلال ارحمه واستر واغفر

الحمد لله على ما يسّره

من نشر منقول حروف العشرة

ثمّ الصّلاة والسّلام السّرمدي

على النّبيّ المصطفى محمّد

وآله وصحبه ومن تلا

كتاب ربّنا على ما أنزلا

وبعد : فالإنسان ليس يشرف

إلاّ بما يحفظه ويعرف

لذاك كان حاملوا القرآن

أشراف الأمّة اولي الإحسان

وأنّهم في النّاس أهل الله

وأنّ ربّنا بهم يباهى

وقال في القرآن عنهم وكفى

بأنّه أورثه من اصطفى

وهو في الاخرى شافع مشفّع

فيه وقوله عليه يسمع

يعطى به الملك مع الخلد إذا

توّجه تاج الكرامة كذا

يقرا ويرقى درج الجنان

وأبواه منه يكسيان

فليحرص السّعيد في تحصيله

ولا يملّ قطّ من ترتيله

وليجتهد فيه وفي تصحيحه

على الّذي نقل من صحيحه

فكلّ ما وافق وجه نحو

وكان للرّسم احتمالا يحوي

وصحّ إسنادا هو القرآن

فهذه الثّلاثة الأركان

وحيثما يحتلّ ركن أثبت

شذوذه لو أنّه في السّبعة

فكن على نهج سبيل السّلف

في مجمع عليه أو مختلف

٧

وأصل الاختلاف أنّ ربّنا

أنزله بسبعة مهوّنا

وقيل في المراد منها أوجه

وكونه اختلاف لفظ أوجه

قام بها أئمّة القرآن

ومحرزو التّحقيق والإتقان

ومنهم عشر شموس ظهرا

ضياؤهم وفي الأنام انتشرا

حتّى استمدّ نور كلّ بذر

منهم وعنهم كلّ نجم درّي

وها همو يذكرهمو بياني

كلّ إمام عنه راويان

(فنافع)بطيبة قد حظيا

فعنه قالون وورش رويا

هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم المدني. ولد في حدود سنة سبعين ، وأصله أصبهاني وكان أسود حالكا ؛ انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة وأجمع الناس عليه بعد التابعين ، وكان إذا تكلم تشم من فيه رائحة المسك لأنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقرأ في فيه (١). توفي سنة تسع وستين ومائة على الصحيح. وطيبة اسم المدينة سماها بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان اسمها يثرب فنهى (٢) عن ذلك ، وهي أفضل البقاع عند الإمام مالك رحمه الله تعالى ، وقوله حظيا : أمي حصلت له بها حظوة بخت كبير وقبول كثير حتى أقرأ بها أكثر من سبعين سنة ، وقال مالك : قراءة نافع سنة.

وقالون : هو عيسى بن مينا الزرقي ، لقبه نافع بقالون لجودة قراءته لأنه بلغة الروم جيد ، وكان قارئ المدينة ونحويها. ولد سنة عشرين ومائة ، ومات سنة عشرين ومائتين.

وورش : هو أبو سعيد عثمان بن سعيد القبطي المصري ، ولد سنة عشر ومائة ، ولقب بورش لشدة بياضه ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بمصر مع التجويد وحسن الصوت ، ومات سنة سبع وتسعين ومائة رحمه الله تعالى ، وقوله : رويا : أي روى كل منهما عن نافع بنفسه بغير واسطة.

__________________

(١) أي في الرؤيا.

(٢) لم أعثر على تخريجه فيما توفر لديّ من كتب الحديث وإنما ذكر هذا المعنى ياقوت الحموي في معجم البلدان والقرطبي في تفسيره وكذلك ابن كثير في تفسير ولم يخرج أحد منهم هذا الحديث ويروونه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله تعالى أعلم.

٨

(وابن كثير)مكّة له بلد

بزّ وقنبل له على سند

هو أبو سعيد عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان ابن فيروزان بن هرمز الداري المكي إمام الناس في الإقراء بمكة. ولد سنة خمس وأربعين ، وكان فصيحا بليغا أبيض اللحية طويلا أسمر جسيما ، يخضب بالحناء ذا سكينة ووقار ، لقي بعض الصحابة ، ومات سنة مائة وعشرين. ومكة هي البلد الحرام ، وأم القرى ، ومهبط الوحي ، وأفضل البقاع عند الجمهور.

والبزي : هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع ابن أبي بزة المكي ، كان إماما في القراءة محققا ضابطا لها ثقة قيما ؛ انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة وكان مؤذن المسجد الحرام. ولد سنة مائة وسبعين ومات سنة مائتين وخمسين.

وقنبل : هو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة بجيمين بضم أولاهما مع إسكان الراء ، وقنبل لقب له ، كان إماما في القراءة متقنا ضابطا ؛ انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز ، ورحل إليه الناس من الأمصار. ولد سنة مائة وخمس وتسعين ، ومات سنة مائتين وإحدى وتسعين ، يقال رجل قنبل : أي غليظ شديد ولذا اختلف في تلقيبه بذلك ، والضمير في قوله له عائد على ابن كثير يعني هما راويان له على معنى الاختصاص ، أو تكون اللام بمعنى عن كما في قوله تعالى : (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) (١) أي عن الذين آمنوا ، وقوله على سند : أي معتمدين على سند منهما إليه فيكون الجار والمجرور في موضع الحال منهما ؛ والسند الذي بينهما وبين ابن كثير أنهما قرآ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن علقمة القواس ، وقرأ هو على أبي الإخريط ، وقرأ على إسماعيل بن عبد الله ، وقرأ على ابن كثير.

ثمّ (أبو عمرو)فيحيى عنه

ونقل الدّوري وسوس منه

هو زبان بن العلا بن عمار بن العريان بن عبد الله المازني البصري ، اختلف في اسمه كثيرا ، كان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الثقة والأمانة والدين. ولد سنة ثمان وستين ومات سنة مائة وخمس (٢) وخمسين.

__________________

(١) الأحقاف الآية «١٢»

(٢) نحو وأربع.

٩

ويحيى : هو ابن المبارك بن المغيرة أبو محمد اليزيدي ، كان ثقة إماما في القراءة وعلامة في اللغات والأدب ، مات سنة مائتين واثنتين.

والدّوري : هو أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان البغدادي الضرير شيخ الإقراء في وقته مع الثقة والضبط والإتقان ، مات سنة مائتين وست وأربعين.

والسّوسي : هو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله الرقي ، ثقة ضابط مقرئ جليل ، مات سنة مائتين وإحدى وستين وقد قارب التسعين.

ثمّ (ابن عامر)الدّمشقي بسند

عنه هشام وابن ذكوان ورد

هو أبو عمران عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي ، إمام جامع دمشق وقاضيها وشيخ الإقراء بها ، إمام كبير وتابعي جليل ؛ ولد سنة إحدى وستين ومات سنة مائة وثمان عشرة.

وهشام : هو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة السلمي الدمشقي ، ولد سنة مائة وثلاث وخمسين ، وكان عالم دمشق وخطيبها ومقريها ومحدثها ومفتيها ثقة ضابطا ، مات سنة مائتين وخمس وأربعين.

وابن ذكوان : هو أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القوشي الدمشقي ، ولد سنة مائة وثلاث وسبعين ، وكان شيخ الإقراء بالشام على الإطلاق ، مات سنة مائتين واثنتين وأربعين ، وقوله : بسند نصب على الحال : أي ملتبسين بسند ، وقوله : ورد : أي جاء ، تقول ورد عن فلان كذا أي جاء ، وروى : يعني كل منهما جاء راويا عن ابن عامر بسند لا أنهما رويا عنه نفسه ، وذلك أنهما قرآ على أبي سليمان أيوب بن تميم ، وعلى أبي محمد سويد بن عبد العزيز ، وعلى أبي العباس صدقة بن خالد ، وقرأ الثلاثة على أبي عمرو يحيى بن الحارث الذماري ، وقرأ هو على ابن عامر رحمه الله تعالى :

ثلاثة من كوفة (فعاصم)

فعنه شعبة وحفص قائم

أي ثلاثة من الأئمة العشرة من مدينة الكوفة ، وهم عاصم وحمزة والكسائي كما سيأتي. والكوفة في الأصل : الرملة الحمراء وبها سميت الكوفة ، وهي مما مصّر زمن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه.

١٠

فعاصم : هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد السلمي جلس موضعه ورحل إليه العالم من الأقطار ، جمع بين الإتقان والفصاحة والتجويد وحسن الصوت ، مات سنة مائة وسبع وعشرين.

وشعبة : هو أبو بكر شعبة بن عياش بن سالم بن الحناط بالنون الأسدي الكوفي ، واختلف في اسمه وهو الأشهر ، ولد سنة خمس وتسعين ، وكان من الأئمة الأعلام حجة ثقة ، مات سنة مائة وثلاث وتسعين.

وحفص : هو أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي الغاضري البزّاز ولد سنة تسعين. وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم. قال ابن معين : الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية حفص ، مات سنة مائة وثمانين ، وقوله قائم : أي قائم بالقراءة ، يقال قام بأمر كذا : أي نهض به وتولاه :

(وحمزة)عنه سليم فخلف

منه وخلاّد كلاهما اغترف

هو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي الزيات. ولد سنة ثمانين ، وكان إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم والأعمش ، وكان ثقة كبيرا حجة مجوّدا (١) فرضيّا نحويّا حافظا للحديث ، ورعا زاهدا خاشعا ناسكا ، مات سنة مائة وست وخمسين ، رحمه الله تعالى.

وسليم : هو أبو عيسى سليم بن عيسى بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ، كان إماما في القراءة أخص أصحاب حمزة وأضبطهم ، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة ، مات سنة مائة وثمان وثمانين.

وخلف : هو أبو محمد خلف بن هشام البزار وسيأتي ترجمته عند ذكره (٢).

وخلاد : هو أبو عيسى خلاد بن خالد الشيباني مولاهم الكوفي ، كان إماما ثقة في القراءة محققا مجودا ضابطا أجل أصحاب سليم وأضبطهم ، مات سنة

__________________

(١) أي متمكن بعلم الفرائض والإرث.

(٢) الترجمة في الصحيفة ـ ١٢ ـ.

١١

مائتين وعشرين ، وقوله منه : أي من سليم ، وقوله كلاهما : أي خلف وخلاد ، وقوله : اغترف من الاغتراف : وهو تناول الماء باليد : أي أنهما أخذا القراءة من سليم بلا واسطة لما كان بحرا من بحور القراءة.

ثمّ (الكسائيّ)الفتى عليّ

عنه أبو الحارث والدّوريّ

هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن تميم بن فيروز الكسائي الكوفي ، كان إمام الناس في القراءة في زمانه وأعلمهم بالقراءات وبالنحو ولغة العرب ، رحل إليه الخلق وكثر عليه الآخذون حتى كان يجمعهم في مجلس واحد ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ ؛ وكان ذا كرم وحشمة وجاه عريض ، أدب الخليفتين الأمين والمأمون ، مات سنة مائة وتسع وثمانين وبه تم القراء السبعة.

وأبو الحارث : هو الليث بن خالد البغدادي ، كان ثقة محققا للقراءة قيما بها ضابطا ، مات سنة مائتين وأربعين.

والدّوري : هو أبو عمر حفص بن عمر المتقدم (١) عن أبي عمرو ، وقوله : الفتى : الكريم السخي ، وعنه : أي رويا عنه بلا واسطة.

ثمّ (أبو جعفر)الحبر الرّضى

فعنه عيسى وابن جمّاز مضى

هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني تابعي جليل ، أخذ القراءة عن الصحابة ، وكان كبير القدر ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة. وقال أبو الزناد : لم يكن بالمدينة أقرأ للسنة من أبي جعفر. وقال مالك : كان أبو جعفر رجلا صالحا. وقال نافع : لما غسل أبو جعفر بعد وفاته نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف ، فما شك أحد ممن حضره أنه نور القرآن ؛ ورؤي في المنام على صورة حسنة ، فقال : بشر أصحابي وكل من قرأ القرآن على قراءتي أن الله قد غفر لهم ، مات سنة مائة وثلاثين ، وهو ثامن القراء بالنسبة إلى هذا الترتيب.

__________________

(١) الصحيفة ـ ٨ ـ السطر «١٠».

١٢

وأما عيسى : فهو أبو الحارث عيسى بن وردان المدني الحذاء ، كان رئيسا في القراءة ضابطا محققا من أصحاب نافع في القراءة على أبي جعفر ومن قدماء أصحابه ، وقد مات في حدود سنة ستين ومائة.

وابن جماز : هو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز الزهري مولاهم المدني ، كان مقرئا جليلا ضابطا مشارا إليه في قراءة أبي جعفر ونافع ، مات بعيد سنة مائة وخمس وسبعين. والحبر بالفتح على المشهور ، ويجوز كسره وهو العالم ، والرضى مصدر وصف به للمبالغة : أي مرضي ، وقوله : عنه : أي رويا عنه بلا واسطة ، وقوله : مضى : أي ذهب ، ويقال : أمضى الأمر : أي أنفذه.

تاسعهم (يعقوب)وهو الحضرميّ

له رويس ثمّ روح ينتمي

أي تاسع القراء العشرة على ترتيب الناظم : هو أبو محمد يعقوب ابن إسحاق بن يزيد بن عبد الله بن إسحاق الحضرمي مولاهم البصري ، كان إماما كبيرا ثقة عالما ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بعد أبي عمرو ، وكان إمام جامع البصرة. قال أبو حاتم السجستاني : كان أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهب النحو ، مات سنة مائتين وخمس.

ورويس : هو أبو عبد الله محمد بن المتوكّل اللؤلؤي البصري المعروف برويس ، كان إماما في القراءة ضابطا مشهورا من أحذق أصحاب يعقوب ، مات سنة مائتين وثمان وثلاثين.

وروح : هو أبو الحسن روح بن عبد المؤمن بن عبدة الهذلي مولاهم البصري النحوي ، كان ثقة ضابطا مقرئا حاذقا من أوثق أصحاب يعقوب ، مات سنة مائتين وخمس وثلاثين ، وقوله : له : أي عنه ، وينتمي : أي ينتسب في القراءة.

والعاشر البزّار وهو (خلف)

إسحاق مع إدريس عنه يعرف

أي من الشموس المشار إليهم بقوله : فمنهم عشر شموس : هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البزار بالراء. ولد سنة خمسين ومائة ، وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين ، وكان إماما جليلا عالما ثقة زاهدا ، مات سنة مائتين وتسع وعشرين.

١٣

وإسحاق : هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله الوراق المروزي البغدادي ، كان قيما بالقراءة ضابطا ثقة ، انفرد برواية اختيار خلف عنه ، مات سنة مائتين وست وثمانين.

وإدريس : هو أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد ، كان إماما ضابطا محققا ثقة ، سئل عنه الدار قطني ، فقال ثقة وفوق الثقة بدرجة ، روى عن خلف روايته واختياره ، مات سنة مائتين واثنتين وتسعين ، وقوله : عنه : أي عن خلف ، ويعرف بالرواية والقراءة.

وهذه الرّواة عنهم طرق

أصحّها في نشرنا محقّق

يعني العشرين ؛ لأنه ذكر عن كل قارئ راويين فبلغوا بذلك عشرين إلا أن الدوري منهم روى عن أبي عمرو وعن الكسائي ؛ فهم من حيث الذات تسعة عشر ، ومن حيث الرواية عشرون ، والطرق جمع طريق ، وهي لغة : السبيل والمذهب ، واصطلاحا هي الرواية عن الرواة عن أئمة القرآن وإن سفلوا ، فتقول مثلا : هذه قراءة نافع من رواية قالون من طريق أبي نشيط من طريق بن بويان (١) من طريق الفرضي ، ولا يقال رواية نافع كما لا يقال قراءة قالون ولا طريق قالون كما لا يقال رواية أبي نشيط ؛ فما كان عن أحد الأئمة العشرة أو من هو مثلهم يقال قراءة ، وما كان عن أحد رواتهم يقال رواية ، وما كان عمن بعدهم وهلم جرا يقال طريق سواء كان من مؤلفي الكتب أو غيرهم ؛ فيقال طريق الداني مثلا وطريق الشاطبي ، وطريق أبي العز ، وطريق الكندي ونحو ذلك ، وقد يعد بعض الراويين طريقا بالنسبة إلى قراءة ، ويعد رواية بالنسبة إلى أخرى كإدريس هو بالنسبة إلى قراءة حمزة في رواية خلف طريق وبالنسبة إلى خلف في اختياره رواية.

إذا علم ذلك ، فليعلم أن المؤلف أثابه الله تعالى نظر في هذه الروايات العشرين وجعل في كتابه النشر أصح طرق وردت عنهم ، فاختار منها عن كل راو طريقين ، وعن كل طريق طريقين فيكون عن كل راو من العشرين أربع طرق غالبا. وحيث لم يتأتّ له ذلك من رواية خلف وخلاد عن حمزة جعل عن خلف

__________________

(١) بويان بموحدة مضمومة فواو فياء تحتية.

١٤

أربعة عن إدريس عنه وعن خلاد بنفسه أربعة ، وفي رواية رويس عن التّمّار عنه أربعة ، وفي رواية إسحاق عن خلف أربعة اثنين عن نفسه واثنين عن ابن أبي عمر عنه ، وفي رواية إدريس أربعة عن نفسه ليتم عن كل راو أربعة ويكون عن الرواة العشرين ثمانون طريقا ثم تتشعب هذه الطرق فيما بعد فتبلغ عدة الطرق عن الأئمة العشرة تقريبا من ألف طريق كلها مذكورة في النشر مسماة. فهذا ملخص معنى ما في هذا البيت والبيت الآتي بعده ، وأصح الطرق التي عن هؤلاء الرواة مذكور في النشر محقق واضح.

باثنين في اثنين وإلاّ أربع

فهي زها ألف طريق تجمع

تقدم بيانه في البيت السابق : أي بطريقين في طريقين كما تقدم بيانه ونزيده الآن إيضاحا ؛ مثاله في ورش ذكره من طريقين وهما الأزرق والأصبهاني ، وعن الأزرق طريقين وهما النحاس وابن سيف ، وعن الأصبهاني طريقين وهما هبة الله والمطوعي فصارت طريقين في طريقين ، وقوله : فهي زها ألف الخ بيان كون تلك الطرق الثمانين تبلغ ألف طريق أو نحوها أن قالون مثلا ذكره من طريقين : أبي نشيط والحلواني. فأبو نشيط من طريقي ابن بويان والقزّاز ، فابن بويان اجتمع له إحدى وعشرون طريقا ، والقزاز إحدى عشرة طريقا فيكون لأبي نشيط اثنان وثلاثون طريقا. وأما الحلواني فذكره من طريق ابن أبي مهران وجعفر بن محمد ؛ فابن أبي مهران من تسع وعشرين طريقا وجعفر من أربع طرق فيكون لقالون خمسة وستون طريقا ، وخذ على ذلك ؛ ومن أعظم فوائد معرفة الطرق تحقيق الخلاف وعدم التخليط والتركيب بما لم يقرأ به ، فقد وقع في التيسير مع اختصاره مواضع خرج فيها عن طرقه وتبعه على ذلك الشاطبي كما نبه عليه في النّشر مع أنه لم يكن في التيسير عن الأربعة عشر راويا الذين هم عن السبعة سوى أربعة عشر طريقا فليعلم من ذلك قدر ما زاد المؤلف على كتاب التيسير والشاطبية من الطرق والروايات ولله الحمد وهو المستعان ؛ وإذا جمعت طرق العشرة الأئمة من النشر تبلغ أكثر من تسعمائة وثمانين طريقا كما فصلت عن راو راو والله أعلم (١).

__________________

(١) إذا أردت الاستزادة فعليك بمراجعة كتاب النشر في القراءات العشر للمؤلف رحمه‌الله : المجلد الأول من الصحيفة «٩٨» إلى «١٩٣».

١٥

جعلت رمزهم على التّرتيب

من نافع كذا إلى يعقوب

أي جعل الناظم أثابه الله تعالى لتسعة من هؤلاء العشرة ورواتهم رمزا يعرف به قراؤهم ورواتهم على الترتيب في الكلام الآتي في البيت الآتي وهي تسع كلمات كل كلمة على ثلاثة أحرف ، الحرف الأول للقارئ والحرفان الآخران لكل راو من راوييه على الترتيب الذي رتبهم في نظمه السابق. بيان ذلك أبج الأولى من الكلمات التسع ، الألف منها لنافع والباء لقالون لأنه المذكور بعد نافع ، والجيم لورش لأنه بعد قالون ثم كذا في دهز الدال لابن كثير والهاء للبزى والزاى لقنبل ، وهكذا في كلمة كلمة وقارئ قارئ وراو راو حتى يعقوب وكلمته ظغش ، فالظاء ليعقوب والغين لرويس والشين لروح.

(أبج دهز حطّى كلم نصع فضق

رست ثخذ ظغش) على هذا النّسق

أي على هذا النظام من الترتيب وإنما جعل رمزهم كذلك ليسهل على أهل هذه الصناعة فإنهم ألفوا ذلك بمناسبة ما رتبته الشاطبية ، واستمد ذلك عنهم وما أراد أن يخالف هذه الطريقة ليكون من يحفظها قادرا على استخراج ما في الشاطبية ، وكذلك من يحفظ الشاطبية يقدر على استخراج ما فيها وجعلت الكلمتان الأخيرتان دليلا على رمز أبي جعفر ويعقوب ورواتهما لأن حروفهما جعلت في الشاطبية دليلا على الجمع ، فجعل الناظم رمز الجمع كلمات (١).

__________________

(١)

ملحوظة : هذا الجدول يبيّن اسم كل قارئ ثم رمزه ثم اسم الرواة ثم رمزهم ولم يذكر للبزّاز رمزا لأنه عند ما يذكر قراءته يصرّح باسمه أو أحد رواته ، أو قد يذكره بالرموز الكلميّة وستأتك في الصحيفة ـ ١٨ ـ إن شاء الله تعالى.

١٦

والواو فاصل ولا رمز يرد

عن خلف لأنّه لم ينفرد

أي أنه جعل الواو فاصلة بين أحرف الخلاف وذلك أنه لما استكمل القراء ورواتهم سبعة وعشرين حرفا لم يبق إلا الواو فجعلها للفصل ، ولو لم يجعل ذلك لاختلطت المسائل وعسر التمييز في أكثرها فجعلت لذلك عند الاحتياج إليها ، وربما لم يأت بها عند أمن اللبس كقوله : مالك نل ظلا روى السراط مع البيت ؛ وأما عند اللبس فلا بد من الإتيان بها نحو قوله : صحب بميت بلد ، والميت هم البيت ونحو : وجزمه مدا شفا ويحسب ، ونحو ذلك فلا بد من الإتيان بها ، وقد تكون الواو في الفصل زائدة كما مثل به وقد تكون من نفس الكلمة نحو قوله :

... وبعد مؤمنا فتح

ثالثه بالخلف ثابتا وضح

وقد تكون من حرف القرآن نحو : لا تأثيم لا لغو مدا كنز ، ولا يقبل أنث حق وأعدنا أقصرا ، وقوله فاصل ؛ يعني فاصلة ، والحروف يجوز تذكيرها وتأنيثها باعتبار اللفظ واعتبار المعنى ، وعدل عن قول الشاطبية فيصلا إلى فاصل لأنه المشهور إلى هذه الصيغة من أجل سناد التأسيس الذي هو من عيوب القافية ولا رمز يرد الخ ، أشار إلى وجه كونه لم يذكر لخلف رمزا وهو أنه لم يكن له حرف من حروف الخلاف انفرد فيها عن قراءة واحد من السبعة أو رواتهم بل انفرد عن حمزة والكسائى وشعبة إلا في حرفين أحدهما (وحرام على قرية أهلكناها) في الأنبياء (١) قرأه على رواية حفص وغيره ، والثاني في سورة النور (٢) قرأه على قراءة غيرهم ، وكذلك في وجه السكت بين السورتين على ما ذكره أبو العز القلانسى ومن تبعه ، ولذلك ذكره الناظم صريحا كما سيأتي ، وكذلك ذكر خلاف إدريس عنه في يعكفون في الأعراف (٣) صريحا ؛ فإنه لم يبق له من الحروف ما يجعل له رمزا فإن الحروف استغرقت الأئمة التسعة السابقين ورواتهم كما تقدم ولم يبق منها سوى الواو وجعلت فاصلة ؛ ولما كانت موافقته تارة لحمزة وهو الأكثر ، وتارة للكسائي ، وتارة لشعبة جعل له مع كل رمزا على حدة كما سيأتي ، لذلك

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية «٩٦».

(٢) سورة النور الآية «٣٦».

(٣) سورة الأعراف الآية «١٣٩».

١٧

جعله داخلا في رمز حمزة والكسائي ومعهما وشعبة ومعهما وحفص ومع الكوفيين كما سيأتي بيانه قريبا.

وحيث جاء رمز لورش فهو

لأزرق لدى الأصول يروى

ومن هنا أخذ في بيان اصطلاحه فذكر في ذلك أنه إذا جاز رمز لورش وهو الجيم فلا يخلو إما أن يكون في الأصول وهي الأبواب المذكورة إلى الفرش كما سيأتي فإنها على ورش من طريق الأزرق ويكون من طريق الأصبهاني كقالون ، وذلك لأن الخلاف من طريقى الأزرق والأصبهاني في الأصول كثير فلا بد من إفراده لئلا يقع التركيب ، فإن اتفق الأزرق والأصبهاني في حرف سمى ورش باسمه ؛ وأما إذا وقع رمز ورش في الفرش فالمراد به ورش من الطريقين ، ولم يخرج عن ذلك إلا في حرف واحد وهو « اصطفى » في الصافات (١) ذكر فيه الخلاف عن ورش وهو مفرع على الطريقين ، فالوصل للأصبهاني والقطع للأزرق كالجماعة واغتفر له ذلك لأنه لا تركيب فيه.

والأزرق : هو أبو يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصرى ، كان عدلا أستاذا كبيرا محققا ثقة ضابطا قام بالقراءة بعد ورش بمصر وتلقى الناس روايته من طريقه بالقبول ، وأجمع أهل مصر والمغرب والأندلس عليها ، ولذلك لم يذكر في التيسير ولا في التبصرة ولا في الهادى ولا في الهداية ولا في الكافي ولا في العنوان ولا في الشاطبية ولا في أكثر كتبهم غيرها ؛ ولهذا كانت متقنة محررة عندهم ، بخلاف من ذكرها غيرهم كالعراقيين فإنها عندهم غير محققة ولا منقحة ولا صحيحة أيضا ، وتوفى الأزرق في حدود الأربعين ومائتين.

والأصبهانيّ كقالون وإن

سمّيت ورشا فالطّريقان إذن

هو أبو بكر محمد بن عبد الرحيم بن سعيد بن يزيد بن خالد الأسدي الأصبهاني ، كان إماما في رواية ورش ضابطا لها ثقة رحل بسببها إلى مصر فقرأها على أصحابه وأصحاب أصحابه ، ثم رجع إلى بغداد فكان أول من أدخلها العراق وأخذها عنه الناس حتى صاروا لا يعرفون رواية ورش إلا من طريقه ولذلك تنسب

__________________

(١) سورة الصّافات الآية «١٥٤».

١٨

إليه دون من أخذها هو عنه ، مات في بغداد سنة مائتين وست وتسعين ؛ مثال ما وقع في الأصول من ذلك قوله في باب البسملة وهو أول ما وقع فيه : فاسكت فصل والخلف كم حماجلا ، فإنه يدل على أن لكل من ابن عامر وأبي عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق ثلاثة أوجه وهي السكت والوصل والبسملة كما سيأتي ، فيكون للأصبهاني عن ورش مثل قالون له البسملة فقط ، وذلك من قوله في أول الباب : (١) بسمل بين السورتين بي نصف ؛ ومثال ما سمى فيه ورش من الأصول ليدخل الطريقان قوله في صلة ميم الجمع : وقبل همز القطع ورش ؛ ومثاله أيضا قوله : في باب الهمزتين من كلمتين : وسهل الأخرى رويس قنبل ورش وثامن ، وقيل تبدل مدا زكا جودا الخ كما سيأتي (٢) (٣)

__________________

(١) باب البسملة ص ـ ٤٩ ـ.

(٢) باب الهمزتين من كلمتين ص ـ ١٠٠ ـ.

(٣) إليك الجدول التالي عن الرموز الكلميّة حيث شرع المؤلف بالحديث عنها وتبيانها وستحظى بإيضاح ملموس وتيسير في استيعاب وحفظ الرموز خلال الجدول :

١٩

(فمدنيّ)ثامن ونافع

(بضريهم)ثالثهم والتّاسع

يعني إذا ذكر المدني فالمراد به نافع وأبو جعفر الذي هو ثامن القراء على ما تقدم ترتيبه ، وذلك لأنهما كانا بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام : والمدني نسبة إلى المدينة ؛ وكذلك إذا ذكر البصرى فالمراد به أبو عمرو الذي وهو ثالث القراء ترتيبا ، ويعقوب الذي هو تاسعهم أيضا لأن كلا منهما كان من البصرة. والبصرة بفتح الباء : المدينة المشهورة التي مصّرت زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وحكى كسر صادها ؛ ومعناها في الأصل الحجارة البيض الرخوة وبها سميت البصرة ، والنسبة إليها بكسر الباء على الفصيح وهو مما خرج عن القياس في باب النسب ، وقيل للفرق بين النسب إلى الحجارة وإلى البلد.

وخلف في الكوف والرّمز (كفى)

وهم بغير عاصم لهم (شفا)

أي في الكوفة ؛ والكوف والكوفات من أسماء الكوفة ، يريد أن خلفا داخل في الكوفيين الذين هم عاصم وحمزة والكسائي كما تقدم من قوله ثلاثة من كوفة ، فعاصم وإنما أدخله فيهم لأن مادة قراءته منهم ولا يخرج عن قراءتهم ولا عن قراءة أحدهم كما تقدم قوله والرمز كفا : أي ورمز الكوفيين وخلف فيهم كفا. فيكون مدلول كفا لعاصم وحمزة والكسائي وخلف ، واختار ذلك لهم لخفته وسهولة دلالته عليهم من حيث الاشتقاق الأكبر ولدلالته على الكفاية وهي مما يثنى به على القراءة كقوله : كفلها الثقل كفا ، أو على القارئ كقوله : فرح ظهر كفا أو عليهما ، نحو قوله : وقبلا كسر أو فتحا ضم حق كفا ؛ قوله وهم الخ يعني رمز هؤلاء بغير أن يكون معهم عاصم شفا فيكون مدلول شفا لحمزة والكسائي وخلف ، واختار لهم ذلك لأنه كثيرا ما يرد في الشاطبية لحمزة والكسائي فيكون معينا لحافظ أحد الكتابين كما ذكره في الرمز الحرفي ولحسن دلالته أيضا ولكثرة التصرف في معانيه ، فإنه يأتي اسما بمعنى حرف الشيء وطرفه ، كقوله تعالى « شفا جرف هار » وبمعنى البقية وبمعنى القليل كقولهم : ما بقى منهم إلا شفا ، ويأتي نحو شفا الله ، وقد استعمله الناظم بحسب ما يناسبه من المعاني تارة اسما وتارة فعلا وتارة قد يحتملهما.

وهم وحفص (صحب)ثمّ (صحبه)

مع شعبة وخلف وشعبه

٢٠