كيف نفهم الرّسالة العمليّة - ج ١

محمد مهدي المؤمن

كيف نفهم الرّسالة العمليّة - ج ١

المؤلف:

محمد مهدي المؤمن


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-28-0
الصفحات: ١٦٨
  الجزء ١   الجزء ٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

تتمة الدرس السادس عشر

الإمامة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وكيف يكون إماماً للمسلمين وخليفةً لرسول ربّ العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أقرّت كتب السّيرة والتاريخ ، واعترفت ودوّنت أيدي مواليه ومؤيّديه في كتبهم مقولته الشّهيرة وإقرار الصّريح : « إنّ لي شيطاناً يعتريني » (١) ، و « أقيلوني فلست بخيركم وعليُّ فيكم » (٢) ، وهكذا مقولة صاحبه الخليفة الثاني عن بيعته أنّها كانت فلتةً (٣) لا ينبغي للمسلمين أن يعودوا لمثلها ، وأيضاً مقولته

__________________

(١) الطبقات الكبرى ج ٣ / ٢١٢ ، تاريخ مدينة دمشق ج ٣ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، الإمامة والسياسة ج ١ / ٣٤.

(٢) التفسير الصافي ج ٢ / ٥٦ ، الفضائل ( ابن شاذان ) ص ١٣٣ ، الطرائف ص ٤٠٢ الصراط المستقيم ج ٢ / ٢٩٤ ، الصوارم المهرقة ص ٤٥ و ٢١٦ ، بحار الأنوار ج ١٠/ ٢٨ وج ٢٩ / ٥١٩ وج ٣٠ / ٥٠٤.

(٣) مسند أحمد ج ١ / ٥٥ ، صحيح البخاري ج ٨ / ٢٥ و ٢٦ ، المصنف عبدالرزاق ج ٥ / ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، ص ٤٤٥ ، المصنف ابن أبي شيبة ج ٧ / ٦١٥ ـ ٦١٦ وج ٨ / ٥٧٠ ، صحيح ابن حبان ج ٢ / ١٤٨ و ١٥٥

١٤١

الشّهيرة عن نفسه في أكثر من سبعين موضوعاً وموطناً « لولا عليٌّ لهلك عمر » (١) ، و « كلُّ النّاس أفقه من عمر » (٢) ، و « لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن » (٣) ، فضلاً عن الخليفة الثالث الذي امتلئتْ بطون الكتب بمثالبه وأخطائه وزلاته ؟!

أنّى لهؤلاء وأمثالهم أن يتقلّدوا ازمام أمور المسلمين ويكونوا خلفاء رسول ربّ العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يجرّون وراءهم أذيالَ الضّعف والجهل والنُّقصان ؟!

وأنّى لهم أن يتقدموا على جامع الكمالات ، وبحر الفضائل ، والإنسان الكامل ، والمحيط بلا ساحل ، والشّمس المضيئة ،

__________________

و ١٥٧ و ١٥٨ ، شرح نهج البلاغة ج ٢ / ٢٣ و ٢٦ و ٢٩ وج ٩ / ٣١ وج ١١ / ١٣ وج ١٣ / ٢٢٤ وج ٢٠ / ٢١.

(١) شرح نهج البلاغة ج ١٢ / ٢٠٥ ، نظم درر السمطين ص ١٣٠ و ١٣٢ ، فتح الملك العلى : ص ٧١ ينابيع المودة ج ١ / ٢١٦ ح ٢٨ وج ٣ / ١٤٧.

(٢) السنن الكبرى ( البيهقي ) ج ٧ / ٢٣٣ ، مجمع الزوائد ج ٤ / ٢٨٤ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ وج ١٢ / ١٥ وج ١٧ / ١٧١ ، كنز العمال ج ١٦ / ٥٣٧ ح ٤٥٧٩٦ و ٤٥٧٩٨ ، كشف الخفاء ج ١ / ٢٦٩ وج ٢ / ١١٧ ـ ١١٨ ، تفسير ابن كثير ج ١ / ٤٧٨ ، الدر المنثور ج ٢ / ١٣٣ ، فتح القدير ج ١ / ٤٣٣.

(٣) شرح نهج البلاغة ج ١ / ١٨ ، نظم درر السمطين : ص ١٣٢ ، انساب الأشرف ص ١٠٠ ، ينابيع المودة ج ١ / ٢٢٧ ح ٥٧ و ٥٨ ، بحار الأنوار ج ٤٠ / ١٤٩.

١٤٢

والقمر المنير ، ووارث علوم الأنبياء ، الذي ينحدر عنه السّيل ولا يرقىٰ اليه الطير ، ومن نزل في حقه وشأنه أفضل الآيات ، والسُّور البيّنات ، منها قوله ـ تعالى ـ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، و ( وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (٢) ، و ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ) (٣) ، ومئات الآيات البيّنات الّتي تحدّثت عنه وعن فضائله بالكناية « والكناية أبلغ من التصريح ».

وكيف أخّروا الذي قدّمه الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال في حقّه وشأنه وفضله وكماله ما يفوق الإحصاء ، ولا تناله أيدي العاديّن ، ولا تبلغه عقول المسترشدين ، حتى ملأت فضائله العالم بأسره ، وملأت الخافقين ، وامتلأت بها كتب المخالفين والمعاندين قبل أن تنطق بها كتب مواليه ومحبّيه ، وتدوّنها أيدي شيعته ؟!

كيف تجرّؤا على ذلك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أفقهكم عليٌّ ، (٤) أقضاكم عليٌّ (٥) أعلمكم علي » (٦) ، وقال أيضاً : « علي مني

__________________

(١)سورة المائدة : ٥٥.

(٢) سورة الرعد : ٤٣.

(٣) سورة الإنسان : ٨ ـ ٩.

(٤) لم أجده.

١٤٣

وأنا منه » (٧) وقال : « من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاهُ ، أللّهم والِ مَنْ والاه ، وعادِ من وعاداه ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهْ ، واخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ » (٨) وذلك بعد أن نزلت الآية المباركة : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ ) (٩) ، وقال : « عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ » ولم يقل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدور عليٌّ حيثما دار الحق ، بل

__________________

(٥) فتح الباري ج ١٠ / ٤٨٧ ، شرح نهج البلاغة ج ١ / ١٨ وج ٧ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ج ٥١ / ٣٠٠ ، تاريخ ابن خلدون ج ١ / ١٩٧ ، المغني ابن قدامة ج ٢ / ١٨ ، الشرح الكبير ج ٢ / ١٨.

(٦) تهذيب الاحكام ج ٦ / ٣٠٦ ، وسائل الشيعة ج ٢٧ / ٢٨٢ ح ٢ ، بحار الأنوار ج ٤٠ / ٣٠٦.

(٧) فضائل الصحابة ص ١٥ ، مسند أحمد ج ٤ / ١٦٤ ـ ١٦٥ ، سنن ابن ماجة ج ١ / ٤٤ ح ١٩٩ ، المصنف ابن أبي شيبة ج ٧ / ٤٩٥ ح ٨ ، كتاب السنة ( أبي عاصم ) ص ٥٨٤ ح ١٣٢٠ ، السنن الكبرى ( النسائي ) ج ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٧ خصائص أميرالمؤمنين : ص ٨٧ ـ ٩٠ ، مسند أبي يعلى ج ١ / ٢٩٣ ذ ح ٣٥٥.

(٨) شرح نهج البلاغة ج ٢ / ٢٩٨ وج ٣ / ٢٠٨ ، بشارة المصطفى ص ٢٠٠ ، مناقب الخوارزمي ص ٧ ، مسند أحمد ج ١ / ١١٨ ـ ١١٩ ، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٠٥ ، كنز العمال ج ١٣ / ١٣١ ح ٣٦٤١٧ وص ١٥٨ ح ٣٦٤٨٧ ، تاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ / ٢٠٨ ـ ٢١٢ وص ٢١٩ و ٢٢٨ ، البداية والنهاية ج ٧ / ٣٧٠ وص ٣٨٤ ينابيع المودة ج ٢ / ٢٨٢ و ٢٨٣ ح٨١٠ وص ٢٨٤ ح ٨١١.

(٩) سورة المائدة : ٦٧.

١٤٤

قال : « يدور الحقّ حيثما دار علي » (١) لأنّ عليّاً عليه‌السلام مظهر الحقّ ، وميزانه ، يعرف الحقّ بعليٍّ عليه‌السلام ، وهو الحق المطلق والعدالة التّامّة ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي أنت مني بمنزلة هارونَ من موسى » (٢) ، وقد أبدى عن جهله وكشف عن عورته من زعم أنّ هذه الخلافة تختصّ بالمدينة المنوَّرة وفي زمن الرَّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه شبّه عليّاً عليه‌السلام بهارون عليه‌السلام ، وقد خلّف موسى عليه‌السلام في حياته ومات قبل أخيه موسى عليه‌السلام ، لأنّ هذا القائل لم يفقه إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إلا أنّه لا نبيَّ بعدي » وهو واضح غاية الوضوح وصريح في أنّ هذه المنزلة إنّما تكون بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا في حياته الشّريفة ـ وإن كان عليٌّ عليه‌السلام خليفته في حياته وبعد مماته ـ ، إضافةً إلى أنّها نصّ صريح في أنّه عليه‌السلام بمنزلة الأنبياء ، ولو انقطاع النّبوّة وختمها به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان عليٌّ نبيّاً قطعاً.

وكيف تجاهلوا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ لا يُحبُّك إلا مؤمن ولا

__________________

(١) الاستغاثة ج ١ / ٩ ، ج ٢ / ٦٣ ـ ٦٤ ، إعلام الورى ج ١ / ٣١٦ ، مواقف الشيعة ج ٣ / ١١٢ الجمل ص ٣٦ ، عوالى اللئالىء ج ٢ / ١٣١ ، بحار الأنوار ج ٣٨ / ٢٩.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ج ٥٤ / ٢٢٦ ، ج ٧٠ / ٣٦ ، ينابيع المودة ج ١ / ٢٤٠ وج ٢ / ٨٦ ح ١٦١ وص ١٥٣ ح ٤٢٦ وص ٣٠٢ ح ٨٦٥ ، علل الشرائع ج ٢ / ٤٧٤ ، الخصال ص ٥٧٢ فمن ح ١.

١٤٥

يُبغضك إلا منافق » (١) ، وقوله : « يا عليّ أنت وشيعتك معي في الجنّة » (٢) ، و « يا عليّ أنت وشيعتك على منابر من نورٍ يوم القيامة » (٣) ، « حُبُّ عليٍّ إيمانٌ وبغضه كُفرٌ » ، و « حبُّ عليٍّ عبادةٌ » ، ومئات الأحاديث الَّتي اكتضّت بها جوامع الحديث ، وملأت بطون الكتب وذاعت وشاعت حتى تجاوزت العدَّ والتواتر والإحصاء ، رغم كتمان الأعداء لها حقداً منهم لعليّ عليه‌السلام وكتمان الأصدقاء لها خوفاً من القتل والتّشريد والسّجن والتعذيب بأيدي بني أميّة وبني العبّاس وأزلامهم الحاقدين لعليٍّ عليه‌السلام وبني هاشم ؟!

ألم يقرؤا ويسمعوا ويروا سيرة عليٍّ عليه‌السلام وفيها ما يكفي ويزيد دليلاً وشاهداً على حقانيّة عليٍّ عليه‌السلام بالخلافة ، وبطلان خلافة من

__________________

(١) مسند أحمد ج ١ / ٩٥ و ١٢٨ ، سنن الترمذي ج ٥ / ٣٠٦ ح ٣٨١٩ ، سنن النسائي ج ٨ / ١١٦ ، مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٣ ، فتح الباري ج ١ / ٦٠ ، السنن الكبرى ( النسائي ) ج ٥ / ١٣٧ وج ٦ / ٥٣٤ ح ١١٧٤٩ ، تاريخ بغداد ج ٨ / ٤١٦ ح ٤٥٢٣ وج ١٤ / ٤٢٦ ح ٧٧٨٥ ، تاريخ مدينة دمشق ج ٣٨ / ٣٤٩.

(٢) كنز العمال ج ١١ / ٣٢٣ ح ٣١٦٣١ ، مسند زيد بن علي ص ٤٥٦ ، الايضاح ص ٤٧٦ المسترشد ص ٤٠١.

(٣) امالي الصدوق : ص ١٥٦ ، روضة الواعظين : ص ١١٣ ، الغارات ج ١ / ٦٢ ، مناقب أمير المؤمنين ( محمد بن سليمان الكوفي ) ج ١ / ٢٥٠ و ٢٩٢ ح ٧٦٢.

١٤٦

تقدّموا عليه ؟! هل خفي عليهم برازه لعمرو بن عبد ودّ العامري في الخندق وهو يستخفّ ويستهزىء بالمسلمين ويدعوهم إلى البراز ، وقد أخذ الخوف منهم كلّ مأخذ وصاروا كأنّ على رؤوسهم الطّير ؟! وهو في العشرين من عمره فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليًّ عليه‌السلام : اخرج إليه ثم قال عنه : « برز الإيمان كلّه إلى الشّركِ كلّه » (١) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن قتل عليٌّ عمرواً : « لضربة عليٍّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين » ؟!

وأين كانوا حين انهزم جيش المسلمين في اُحد بمكرٍ وحيلة من خالد بن الوليد قائد جيش المشركين ، ولم يصمد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى عليٌّ عليه‌السلام والزُّبير ، وقيل : نفرٌ قليل من المسلمين ، فهجم المشركون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهمّوا بقتله وعليٌّ في جنبه وجواره لم يفارقه طرفة عين ، يذّب عنه بنفسه وروحه وجسده حتى لقد انكسرتْ رباعيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشُجَّ جبينه المبارك ، وكان الأول والثاني في مقدّمة الفارّين من المعركة ؟!

أينَ هم فتح خيبر حيث ذهب الأول بالرّاية فعاد هارباً خائباً ، وذهب الثاني فعاد هارباً إثْرَ صاحبه وأخيه ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) مناقب أميرالمؤمنين ( محمد بن سليمان الكوفي ) ج ١ / ٢٢٣ ، كنز الفوائد ص ١٣٧ ، الطرائف ص ٣٥ ، وص ٦٠ ح ٥٧ ، بحار الأنوار ج ٢٠ / ٢١٥ وج ٣٩ / ٣ ، وج ١٠٨ / ٢٨٨.

١٤٧

في الثّلاثة : « لاُعطينَّ الرَّاية غداً لرجلٍ ـ رجلاً ـ يحبُّ اللهَ ورسولَهُ ، ويُحبُّه الله ورسوله » (١) فأعطاها لعليٍّ عليه‌السلام الَّذي لم يتوانَ ولم يتأخّر في فتح خبير ، وقتل مرحبهم ذلك البطل الَّذي كانت تتغنّى بشجاعته النساء ، وتتباهى بقوته أبطال اليهود ورجالها ؟!.

وفي هذا اليسير الذي يُعدّ دون القطرة في جنب المحيط كفايةٌ لأهل النّظر والبصيرة ولمن أراد أن يعتبر ( أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٢) ، وقد ولّى زمن الضّحك على الذُّقون واختلاق الأساطير ، والأكاذيب ، والقصص الخيالية والأفلام الكرتونية الّتي تحكي عن البطولات الوهميّة ، والفضائل الخياليّة ، والمواقف الزّائفة لهذا وذاك ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٣) ؟!

ولله درُّ الشاعر حيث قال :

ويُقَدَّمُ الاُمويُّ وهو مؤخَّرُ

ويُؤَخَّر العَلَويُّ وهو مقدَّمُ

__________________

(١) الدعوات ( قطب الدين الراوندي ) ص ٦٣ ، فضائل الصحابة ص ١٦ ، مسند أحمد ج ١ / ٩٩ وص ١٨٥ وج ٤ / ٥٢ ، صحيح البخاري ج ٥ / ٧٦ ، صحيح مسلم ج ٥ / ١٩٥ وج ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن ابن ماجة ج ١ / ٤٥ ح ١٢١ ، سنن الترمذي ج ٥ / ٣٠٢ ذ ح ٣٨٠٨.

(٢) سورة ق : ٣٧.

(٣) سورة يونس : ٣٥.

١٤٨

وأخيراً فالأئمة والخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر بعدد نقباء بني إسرائيل ، وقد وردت أسماؤهم في الأحاديث المرويَّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلُّ واحد منهم دَلَّ على الّذي يليه وصرَّح باسمه وكنيته ، ودعا النّاس إليه من بعده ، وهم :

١ ـ عليُّ بن أبي طالبٍ عليه‌السلام.

٢ ـ الحسن بن عليٍّ عليه‌السلام.

٣ ـ الحسين بن علي عليه‌السلام.

٤ ـ علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام.

٥ ـ محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

٦ ـ جعفر بن محمد الصّادق عليه‌السلام.

٧ ـ موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام.

٨ ـ عليُّ بنُ موسى الرَّضا عليه‌السلام.

٩ ـ محمد بن عليٍّ الجواد عليه‌السلام.

١٠ ـ عليُّ بن محمد الهادي عليه‌السلام.

١١ ـ الحَسن بن عليٍّ العسكريّ عليه‌السلام.

١٢ ـ الحجة بن الحسن المهدي عليه‌السلام وعجّل الله فرجه.

وكلُّهم معصومون شأنهم في ذلك شأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأنبياء ، وعلمهم من الله تعالى.

والحمد لله ربّ العالمين

١٤٩

الدرس السابع عشر

الإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بعد ماتبيّن : أولاً ـ أنّ الغاية من بعثة الأنبياء جميعاً هي إقامة العدل الإلهي وتحكيم الشريعة السّماوية لإسعاد الناس في الدّين والدّنيا والآخرة ، وإصلاح الكون وإعماره.

ثانياً : وأنّ الغاية أيضاً من بعثة الأنبياء هي التمهيد والإعداد لظهور النبيّ الخاتم وخروجه وبعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثالثاً : وأنّ النُّبوّة لا يمكن أن تنقطع بموت النبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون أن تتحقق الغاية الاُولى والهدف الأسمى ، بل لا بدّ من ائمة هادين مهديّين معصومين يخلفونه شأنهم شأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقودون الاُمة نحو تحقيق الهدف الأسمى وغاية الغايات.

رابعاً : وأنّ الغاية من بعثة النّبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي الإعداد

١٥٠

والتمهيد لظهور خاتم الأوصياء ، الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف وتوجيه الأنظار إليه وإلى حكمه وعدله وتطهيره للأرض من دنس الشّرك والنّفاق والظلم والطُّغيان والاستبداد.

لما بيِّنت النّقاط الأربع السّابقة تتبيّن أهمّية البحث والتحقيق في حياة هذا الإمام الّذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بإذن الله ـ تعالى ـ ، بعد ما مُلئتْ ظلماً وجوراً ، ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (١) ، ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢).

وهذا هو الوعد الإلهيُّ الّذي قطعه في التّوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٣) ، ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) ، ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٥.

(٢) سورة التوبة : ٣٣ ، سورة الصفّ : ٩.

(٣) سورة الأنبياء : ١٠٥.

(٤) سورة القصص : ٥.

١٥١

ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) (١) وهي كُلّها وعود وبشارات إلهيّة بظهور الإمام المنتظر عجل الله ـ تعالى ـ فرجه الشريف.

ولهذا فقد أجمع المسلمون ، وأطبقتْ جميع فرقهم على خروج المهدي المنتظر في آخر الزَّمان ، وامتلأت كتبهم بأحاديث المهدي عجّل الله فرجه الشريف وبشارة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به وبظهوره وظهور دولته الكريمة حتى تجاوزت حدّ التواتر ولم تنلها يد الإحصاء والاستقصاء ، نسوق بعضاً يسيراً منها في هذه الوجيزة للاستشهاد والاستدلال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لَمْ يَبْقَ من الدُّنيا إلا يومٌ واحدٌ لَطوَّلَ اللهُ ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي يُواطىءُ اسمه اسمي وكُنيتُهُ كُنيتي يملأُ الأرضَ عَدْلاً وقِسْطاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجَوْراً » (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهديُّ من وُلْدي » (٣).

__________________

(١) سورة النور : ٥٥.

(٢) سنن أبي داود ج ٢ / ٣٠٩ ح ٤٢٨٢ ، المعجم الأوسط ( الطبراني ) ج ٢ / ٥٥ ، الجامع الصغير السيوطي ج ٢ / ٤٣٨ ح ٧٤٩٠.

(٣) الجامع الصغير السيوطي ج ٢ / ٦٧٢ ح ٩٢٤٥ ، كنز العمال ج ١٤ / ٢٦٤ ح ٣٨٦٦٦.

١٥٢

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهديُّ طاووسُ أهلِ الجنّة » (١).

بعض صفاته عليه الصَّلاة والسَّلام :

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنبر « يخرج رجلٌ من وُلْدي في آخِرِ الزّمان أبيضَ مشرب حمزةً مُبْدِحُ البطنِ ، عريضَ الفَخِذَينِ ، عظيمَ مشاش المنكبَينِ ، بظهره شامتان : شامّةٌ على جلده ، وشامةٌ على شِبْهِ شامةِ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، له اسمانِ : اسمٌ يَخفىٰ ، واسمٌ يُعْلَنُ ، فأمّا الّذي يخفى فأحمدُ ، وأمّا الّذي يُعلَنُ فمحمّدُ ، فإذا هزَّ رأيته أضاء لها ما بينَ المشرقِ والمغرب ، ووضع يده على رؤوسِ العباد ، فلا يبقىٰ مؤمن إلا صار قلبُهُ أشدَّ من زُبَرِ الحديد ، وأعطاهُ اللهُ قُوّةَ أربعينَ رجلاً ، ولا يبقىٰ ميّـتٌ إلا دخلتْ عليه تلك الفرحةُ في قلبه وفي قبره وهم يتزاورون في قبورهم ، ويتباشرونَ بقيام المهديّ عليه‌السلام » (٢).

من خصائصه عليه‌السلام.

أوّلاً : المسيح عيسى بن مريمٍ عليهما‌السلام سينزل من السّماء ويُصلِّي خلفه وينصره.

__________________

(١) ينابيع المودة ج ٢ / ٨٢ ح ١٢٤ وج ٣ / ٢٦٦ ح ٢٣ ، معجم احاديث الامام المهدي ج ١ / ٢٠٥ ح ١١٤.

(٢) الخرائج والجرائح ج ٣ / ١١٤٩ ح ٥٨ ، بحار الأنوار ج ٥١ / ٣٥ ح ٤.

١٥٣

ثانياً : « يخرج المهديُّ وعلى رأسه غمامة فيها منادٍ يُنادي : هذا المهديُّ خليفةُ اللهِ فاتّبعوه » (١).

ثالثاً : أصحابه (٣١٣) بعدد أصحاب بدروهم أفضل منهم « لا يستوحشون إلى أحدٍ ، ولا يفرحون بأحدٍ ، يَدْخُلُ فيهم على عِدَّة أصحاب بدرٍ ، لم يَسْبِقْهُمُ الأوّلونَ ، ولا يُدْرِكُهُمُ الآخرونَ ، وعلى عِدَّة أصحاب طالوت الَّذينَ جاوزوا معه النَّهرَ ».

رابعاً : هو خاتم الأوصياء « المهديُّ منّا ، يُخْتَم الدّينُ بنا كما فُتح بنا » (٢).

خامساً : إنكاره إنكار لنُبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أنكر المهديُّ من وُلْدِي فقد أنكرني ».

سادساً : يظهر بمكّة المكرَّمة ، ويكون خروجه في المسجد الحرام عند الكعبة المشرَّفة.

سابعاً : عند خروجه يكون جبرئيل عليه‌السلام عن يمينه ،

__________________

(١) بيان الشافعي : ص١١٥ ، عقد الدرر ص ١٣٥ ، فرائد السمطين ج ٢ / ٣١٦ ح ٥٦٩ الفصول المهمة ص ٢٩٨ ، معجم احاديث الامام المهدي ج ١ / ٢٠٨ ح ١١٨.

(٢) كنز العمال ج ١٤ / ٥٩٨ ضمن ح ٣٩٦٨٢ ، كشف الخفاء ج ٢ / ٢٨٨ ، كشف الغمة ج ٣ / ٢٧٣ ، ينابيع المودة ج ٣ / ٢٦٢ ح ٦ ، بحار الأنوار ج ٥١ / ٨٤.

١٥٤

وميكائيل عليه‌السلام عن شماله.

ثامناً : يظهر و « له هَيبةٌ موسىٰ ، بَهاءُ عيسى ، وحُكْمُ داوود ، وصَبْرُ أيُّوب » (١). و « عليه جُيُوبُ النُّور تتوقَّد من شعاع ضياء القُدس » (٢).

تاسعاً : في بعض الأخبار أنّه عليه الصَّلاة والسَّلام يظهر في يوم عاشوراء.

عاشراً : له غيبتان صغرى وكبرى ، والكبرى طويلة ، فعمره الشّريف طويل ، وهذا ليس محالاً على الله ـ تعالى ـ لا عقلاً كاجتماع النقيضين وارتفاعهما ، وكاجتماع الضدّين ، ولا نقلاً ، كما أنّه ليس محالاً عادياً مخالفاً للقوانين الطبيعيّة ، لأنّه أمر ممكن من جميع الجهات يشهد على إمكانه طول عمر نوح عليه‌السلام ، والخضر وإلياس وعيسى عليه‌السلام.

الحادي عشر : أنّه يخرج وعليه درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعه ذوالفقار أمير المؤمنين ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ، ومعه كتب الأنبياء الماضين كالتوراة والانجيل والزَّبور والصُّحف ، ويحمل

__________________

(١) بحارالأنوار ج ٣٦ / ٣٠٣ ح ١٤١.

(٢) الامامة والتبصرة ص ١١٤ ، كمال الدين ص ٣٧١ ، بحار الأنوار ج ٥١ / ١٥٢.

١٥٥

مواريث الأنبياء كالتّابوت الّذي فيه السّكينة وخاتم سليمان عصى موسى.

الثّاني عشر : أنّ النّاس ينتفعون به في غيبيته كما ينتفعون بالشمس إذا حجبتها السُّحُب والغيوم.

الثالث عشر : أنّ الأرض تُخرج خيراتها وبركاتها وهكذا السّماء والنبات والحيوان والطّيور.

الرَّابع عشر : أنّ هناك علامات عامّة وعلامات خاصّة والعلامات العامّة كثيرة كما في الأحاديث والأخبار ، وهي قد تقع وقد لا تقع لمصلحة يراها الله تعالى ، والّتي تقع إمّا علامات بعيدة أو قريبة ، وأمّا الخاصة وتسمّى العلامات الحتميّة والمحتومة فهي خمسة خروج السُّفياني ، والخسف بالبيداء لجيش السُّفياني ، والصَّيحة ، وخروج اليماني والخراساني ، وكلّها تكون قريبة العهد لظهوره عجل الله فرجه الشريف أو بعضها متزامن لظهوره عليه‌السلام.

« اللّهُمَّ كن لِوليّك الحُجَّةِ بنْ الحسن ، صلواتُك عليه وعلى آبائه في هذه السَّاعة وفي كلّ ساعةٍ ، وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تُسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً » (١).

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) منازل الآخرة : ص ٢٨٧.

١٥٦

الدرس الثامن عشر

المعاد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

س) : ما معنى المعاد ؟

ج) : المعاد في اللغة هو إعادة الشّيء بعد زواله وانقراضه وإعدامه ، وفي الأديان السَّماويّة لا سيّما في مذاهبنا ومعتقدنا هو الاعتقاد بأنّ ـ الله تعالى ـ سيعيد الإنسان والجنّ وكلّ مخلوق مكلّف وحتى بعض الحيوان والطّير بأجسادهم وأرواحهم الّتي كانوا عليها في دار الدُّنيا ، ويقيم لهم الكتاب والميزان ليحاسبهم على أعمالهم الّتي صدرتْ منهم في حياتهم الدُّنيا فيجزي المحسن بإحسانه ويجزى المسيء بإساءته وإن شاء غفر له أو شفَّع فيه بعض عبادة الصّالحين ، ثمّ يُدخل من شمله الإحسان الإلهي في الجنّة ويُدخل من سواهم في النّار.

وهناك بعد الموت برزخ بين الدُّنيا والآخرة ويسمّى عالم البرزخ فما هو عالَم البرزخ ؟

١٥٧

ج) : عالَم البرزخ هو الَّذي تعيش فيه أرواح الأموات ، وتنتقل اليه نفوسهم في جسد برزخي مثالي يختلف عن الجسد المادّي ، ويحاسب في عالَم البرزخ على معتقداته بعض أعماله ، فإن كان مؤمناً محسناً عاش هناك سعيداً منعّماً ، وهو مقام من تمحّض فيه الإيمان ، وإن كان كافراً أو مشركاً أو منفقاً ومسيئاً عاش هناك شقيّاً معذَّباً وهو مقام من تمحّض الكفر ، وهناك قسم ثالث من النّاس كانوا في دار الدُّنيا مستضعفين لم يمحّضوا الإيمان ولم يمحّضوا الكفر وخلطو عملاً صالحاً وآخر سيّئاً فإنّهم ممّن يُلْهَى عنهم في البرزخ أي تعيش أرواحهم في أجسادهم البرزخيّة المثالية لا معذَّبين ولا متنعّمين ، حتّى تقوم السّاعة ويُنفخ في الصُّور نفخة ثانية قتقوم على هيئتها في الدُّنيا وتأتي المحشر للحساب والجزاء ، فالقبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حُفَر النيران ، طبعاً هذا لمن تمحّض الكفر ، وقال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١).

س) : هل الميّت ينتفع بشيءٍ من الدُّنيا ؟

ج) : نعم الميّت المؤمن تأتي روحه في قالب الجسد

__________________

(١) سورة المؤمنون : ١٠٠.

١٥٨

البرزخي إلى دار الدُّنيا في الليالي والأيّام الشريفة وتجلس على قبره تنتظر أن يصلها خير من أهله ، وممّا ينتفع به الميت : « إذا ماتَ ابنُ آدم انقطع عمله إلا بثلاث : علم ينتفع به النّاس ، أو صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له أو يستغفر له » (١).

والأدلّة العقليّة والنقليّة على المعاد كثيرة إذ القرآن الكريم نطق بذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ) (٢). ( فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) ، ( كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٤) ، ( فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٥) ، ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٢ / ٥٣ ح ١٣٩ وج ٣ / ٢٨٣ ح ١٧ ، بحار الأنوار ج ٢ / ٢٢ ح ٦٥ ، مسند أحمد ج ٢ / ٣٧٢ ، صحيح مسلم ج ٥ / ٧٣ ، سنن أبي داوود ج ١ / ٦٥٩ ح ٢٨٨٠.

(٢) سورة القيامة : ٣ ـ ٤.

(٣) سورة الروم : ٥٠.

(٤) سورة البقرة : ٧٣.

(٥) سورة الإسراء : ٥١.

١٥٩

أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (١) ، ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا. فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا. إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ) (٢).

ومن الأدلّة العقلية : برهان الرُّوح وهو أن الرُّوح من الله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (٣) وهي مجرَّدة لا تنعدم بمعنى أنّها قابلة للبقاء الدّائم والأبدي ، ولهذا فالإنسان يعيش بجسده ويحيا بروحه ، فالحياة حياة الرُّوح ، بل الحياة للرُّوح وليس الجسد سوى جماد وقالبٍ قوامه وحياته بالرُّوح ، فإذا انعدم الجسد أو انقراض أو صار الجسد تراباً فالرُّوح باقية وهي الأساس في الحساب والكتاب.

برهان العدالة : وهو باختصار أن الدُّنيا دار عمل وَجِدٍّ واجتهاد وكفاح ، ومن النّاس من يشقى في هذه الدُّنيا ويقع عليه الظلم ، ولا توجد قوة تأخذ حقّه من الظالم وهو كثير جدّاً فلابدّ من وجود عالم يرجع فيه النّاس ليحاسَبوا ويجازوا على أعمالهم بعدالة تامّة ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ

__________________

(١) سورة الروم : ٢٧.

(٢) سورة النازعات : ٤٢ ـ ٤٤.

(٣) سورة الحجر : ٢٩ ، سورة ص : ٧٢.

١٦٠