حكم ومواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام - ج ٢

مرتضى الميلاني

حكم ومواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

مرتضى الميلاني


الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-465-066-x
الصفحات: ٣٣٦

فلما توفي داود عليه‌السلام ودفنه سليمان واستتم بناء المسجد ، بناه بالرخام وزخرفه بالذهب ورصعه بالجواهر.

وساعده على ذلك جميعه الجن والشياطين ، فلما فرغ اتخذ ذلك اليوم عيدا عظيما وقرب قربانا ، فتقبله الله منه ، وكان ابتداؤه اولا ببناء المدينة ، فلما فرغ منها ابتدأ بعمارة المسجد.

وقيل : ان سليمان هو الذي ابتدأ بعمارة المسجد.

وفاة النبي داود عليه‌السلام

ثم ان داود عليه‌السلام كان له جارية تغلق الابواب كل ليلة وتأتيه بالمفاتيح فيقوم الى عبادته ، فاغلقتها ليلة فرأت في الدار رجلا فقالت : من ادخلك الدار؟ فقال : انا الذي ادخل على الملوك بغير اذن.

فسمع داود قوله فقال : انت ملك الموت؟ قال : نعم ، قال : فهلا ارسلت الي لاستعد للموت؟.

قال : قد ارسلت اليك كثيرا ، قال : من كان رسولك؟ قال : اين ابوك واخوك وجارك ومعارفك؟ قال : ماتوا ، قال : فهم كانوا رسلي اليك ، لانك تموت كما ماتوا ! ثم قبضه ، فلما مات ورث سليمان ملكه وعلمه ونبوته.

وكان لداود عليه‌السلام تسعة عشر ولدا ، فورثه سليمان دونهم ، وكان عمر داود لما توفي ـ مائة سنة ـ وكانت مدة ملكه اربعين سنة. (١)

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ج ١ ص ١٥٧.

٢٤١
٢٤٢

( ١٦ )

حكم و مواعظ من حياة

النبي سليمان عليه‌السلام

٢٤٣
٢٤٤

قصة النبي سلمان عليه‌السلام

قال الله عزوجل فيما جاء في قصة سليمان النبي عليه‌السلام :

( ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب * قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث اصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد * هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب * وان له عندنا لزلفى وحسن مآب ) (١).

هذه الآيات المباركة تتحدث عن احداث من قصة سليمان عليه‌السلام وتبني لنا ان كل انسان مهما امتلك من قوة وقدرة ، فانها ليست منه ، بل ان كل ما عنده هو من الله سبحانه وتعالى.

والحكم والمواعظ التي تزيل حجب الغرور والغفلة عن اعين الانسان ، ويجعله يشعر بصغر حجمه واحتياجه الى رحمة الباري عزوجل وتسديده وهوايته ، نستفيدها من الانبياء والرسل والاوصياء ، ومنهم النبي سليمان ، حيث نقف لحظات على سيرة حياته المليئة بالمواعظ والحكم والعبر والدروس البناءة ، كي نجعلها امام اعيننا ونتعض بها وتكون خير طريق فيه صلاح ديننا

__________________

١ ـ ص : ٣٤ ـ ٤٠.

٢٤٥

ودنيانا في كل زمان ومكان.

ومرة اخرى نرى نساجي قصص الخيال ، وتجار القصص نسجوا قصصا خيالية وهمية اخرى وتهم ما انزل الله بها من سلطان ، ولصقوها بهذا النبي الكبير ما لا يليق بالنبوة وينافي مقام العصمة ، ويتنافى اساسا مع المنطق والعقل والادراك.

فعلى من يبحث ويتحقق في القرآن المجيد من العلماء والفقهاء ان يقفوا امام هذه القصص الخرافية التي تسيء الى مقام العصمة والطهارة للانبياء والاوصياء عليهم‌السلام وسد كافة الابواب امامهم ....

خلافة النبي سليمان عليه‌السلام

روى الثعلبي : انه نزل كتاب من السماء على داود عليه‌السلام مختوما بخاتم من ذهب فيه ثلاث عشرة مسألة ، فأوحى الله الى داود ان سل عنها ابنك سليمان فان اخبر بهن فهو الخليفة من بعدك.

قال : فدعى داود سبعين قسا وسبعين حبرا ، واجلس سليمان بين ايديهم ، فقال :

اخبرني يا بني ما اقرب الاشياء؟ وما ابعد الاشياء؟ وما آنس الاشياء؟ وما اوحش الاشياء؟ وما احسن الاشياء ، وما اقبح الاشياء؟ وما اقل الاشياء؟ وما اكثر الاشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر الذي اذا ركبه الرجل حمد آخره؟ والامر الذي اذا ركبه الرجل ذم آخره؟.

قال سليمان : اما اقرب الاشياء فالآخرة ، واما ابعد الاشياء ، فما فاتك من الدنيا.

واما آنس الاشياء ، فجسد فيه روح ناطق.

٢٤٦

واما اوحش الاشياء ، فجسد بلا روح.

واما احسن الاشياء ، فالايمان بعد الكفر.

واما اقبح الاشياء ، فالكفر بعد الايمان.

واما اقل الاشياء ، فاليقين.

واما اكثر الاشياء ، فالشك.

واما القائمان ، فالسماء والارض.

واما المختلفان ، فالليل والنهار.

واما المتباغضان ، فالموت والحياة.

واما الأمر الذي اذا ركبه الرجل حمد آخره ، فالحلم على الغضب واما الأمر الذي اذا ركبه الرجل ذم آخره ، فالحقد على الغضب.

قال : ففك ذلك الخاتم فاذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء.

فقال القسيسون والاحبار : ما الشيء الذي اذا صلح صلح كل شيء من الانسان ، واذا فسد فسد كل شيء منه؟ فقال : القلب ، فرضوا بخلافته. (١)

وما استخلف داود سليمان حتى اختبر عقله ، واستخلف داود سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة ، ومكث في ملكه اربعين سنة ، وملك ذي القرنين وهو ابن اثني عشر سنة ، ومكث في ملكه ثلاثين سنة.

الامتحان الصعب :

نرى هنا ايضا ان الله عزوجل يمتحن نبيه سليمان عليه‌السلام كما امتحن الانبياء من قبله ، وكان امتحانهم من الله فيه حكم ومواعظ ودروس للناس جميعا.

__________________

١ ـ ذكره الثعلبي في العرائس : ١٦١.

٢٤٧

وهنا نرى في قصة النبي سليمان عليه‌السلام ومن خلال الآيات المباركة المذكورة في القرآن الكريم نرى امتحان سليمان بواسطة جسد خالي من الروح القي على كرسيه وامام عينه ( ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب ) (١).

وقد اورد المفسرون والمحدثون تفسيرات متعددة في هذا المجال وافضلها ما يلي :

ان سليمان عليه‌السلام كان متزوجا من عدة نساء ، وكان يأمل ان يُرزق باولاد صالحين شجعان ليساعدون على ادارة شؤون البلاد وجهاد الاعداء.

فحدث نفسه يوما قائلا : لاطوفن على نسائي كي ارزق بعدد من الاولاد لعلهم يساعدوني في تحقيق اهدافي ، وغفل ان يقول : « ان شاء الله ».

بعد تمام حديثه مع نفسه ، وغفل عن تلك العبارة التي تبين توكل الانسان على الله سبحانه وتعالى في كل الامور والاحوال ، فلم يرزق سوى ولد ميت ناقص الخلقة ، جيء به والقي على كرسي سليمان عليه‌السلام.

بعد ذلك غرق سليمان عليه‌السلام في تفكير عميق ، وتألم لكونه غفل عن الله تعالى لحظة واحدة ، واعتمد على قواه الذاتية ، فتاب الى الله وعاد اليه.

وهناك تفسير آخر لهذه الآية المباركة هو :

ان الله تعالى امتحن سليمان بمرض شديد ، بحيث طرحه على كرسيه كالجسد بلا روح من شدة المرض.

وفي نهاية الأمر تاب سليمان الى الله ، واعاد الله اليه صحته ، وعاد كما كان سابقا ، هذا المراد من قوله : « ثم اناب ».

بعد رجوعه الى الله كرر توبته وطلب سليمان من ربه ملكا عظيما لم

__________________

١ ـ ص : ٣٤.

٢٤٨

يحصل عليه احد من قبله : ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب ) (١).

فاستجاب له الله عزوجل وسخر له الشياطين والجن والانس كل بناء وغواص ، وعلمه منطق الطير ومكن له في الارض ، فعلم الناس في وقته وبعده ، ان ملكه لا يشبه ملك الملوك والسلاطين والمالكين بالغلبة والجور.

الامتيازات الخمسة :

وقد منح الله عزوجل للنبي سليمان عليه‌السلام ملكا يتميز بامتيازات خاصة ونِعَم كبيرة كما وضحتها لنا الآيات المباركة ، ويمكن ايجازها في خمسة اقسام وهي :

١ ـ تسخير الرياح : كما تقول الآية : ( وسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث اصاب ) (٢).

من الطبيعي ان الملك الواسع الكبير يحتاج الى واسطة سريعة للاتصال مع مناطق ملكه وتفقد مملكته بسرعة في الاوقات الضرورية.

اما كيف كانت هذه الرياح تطيع اوامره؟

وما هي هذه الواسطة التي كان يركبها ، وما هي العوامل التي كانت تحفظهم من السقوط ومن الانخفاض والارتفاع الذي يحدث بواسطة الهواء؟ وما هي الاسرار الخفية التي كانت موضوعة تحت تصرف سليمان في ذلك العصر؟

تفاصيل كل هذه التساؤلات ليست واضحة لنا ، وكل ما نعرفه ، ان الله عزوجل قادر ان يلهم انبيائه ويعطيهم القدرة الكاملة في التصرف لتسهيل امورهم والقيام بمهامهم التي من اجلها بعثهم الله تعالى.

__________________

١ ـ ص : ٢٥.

٢ ـ ص : ٣٦.

٢٤٩

وهذه الامور تعد شيئا بسيطا في مقابل قدرة الباري عزوجل.

٢ ـ النعمة الثانية التي انعمها الله على عبده سليمان هي :

تسخير الموجودات المتمردة ووضعها تحت تصرفه لتنجز له بعض اعماله التي يحتاج لها ، وذلك في قوله تعالى :

( والشياطين كل بناء وغواص ) (١) اي ، ان مجموعة منها منشغلة في البر ببناء البيوت وما يحتاج اليه سليمان من ابنية ، وجماعة اخرى منشغلة بالغوص في البحر لتستخرج المواد الثمينة من اللؤلؤ والمرجان وغير ذلك.

٣ ـ سيطرته على مجموعة من القوى التخريبية من الشياطين والانس والجن.

هناك احتمال ان كلمة الشياطين المراد منها العصاة والمتمردين من بني الانسان ، وكذلك المجموعات المتمردة والمخربة الذين كانوا مكبلين بالقيود وفي السجون ، والشياطين التي كانت ممنوعة من اداء اي نشاط : ( وآخرين مقرّنين في الاصفاد ) (٢) كل هؤلاء سيطر عليها سليمان عليه‌السلام واستعملها لتطوير مملكته.

٤ ـ النعمة الرابعة التي انعمها الله سبحانه وتعالى على نبيه سليمان عليه‌السلام هي : اعطاؤه الصلاحيات الواسعة والكاملة في توزيع العطايا والنعم على من يريد ومنعها عمن يريد حسب ما تقتضيه المصلحة ، وذلك في قوله تعالى : ( هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ) (٣). وعبارة ( بغير حساب ) اشارة من الباري عزوجل انه اعطى لسليمان عليه‌السلام صلاحيات واسعة يتمتع بها فيما فيه خير

__________________

١ ـ ص : ٣٧.

٢ ـ ص : ٣٨.

٣ ـ ص : ٣٩.

٢٥٠

الدنيا والآخرة له ولمن يريد.

٥ ـ والنعمة الخامسة والاخيرة التي منحها الله سبحانه وتعالى بها على سليمان عليه‌السلام هي : المراتب المعنوية اللائقة التي شملته ، كما ورد ذلك في قوله تعالى : ( وان له عندنا لزلفى وحسن مآب ) (١).

وهذه الآية المباركة تشير ايضا الى الرد المناسب على اولئك الذين يدنسون قدسية الانبياء العظام بادعاءات باطلة وواهية ، يستقونها من كتاب التوراة الحالي المحرف.

وعبارة « حسن مآب » التي تبشره بحسن العاقبة والمنزلة الرفيعة عند الله ، هي ، في نفس الوقت ـ اشارة الى زيف الادعاءات المحرفة التي نسبتها كتب التوراة اليه ....

وكذلك النعم التي حصل عليها سليمان من اجل ادارة مملكته القوية والامكانيات المادية والاقتصادية والسياسية الواسعة ، لا تتنامى مع المقامات المعنوية والقيم الالهية والانسانية ، كما ورد في الآية المباركة ... وان له عندنا لزلفى وحسن مآب ... فان ذلك لم يزد سليمان الا تخشعا وتعبدا لله تعالى.

المواهب العظيمة :

لقد من الله عزوجل ثلاث مواهب عظيمة خص بها نبيه سليمان عليه‌السلام ، وأحد هذه المواهب تسخير الرياح له ، حيث قال تعالى : ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) (٢).

من الملفت هنا ، هو انه ، نرى الله عزوجل قد سخر لداود الاب جسما

__________________

١ ـ ص : ٤٠.

٢ ـ سبأ : ١٢.

٢٥١

خشنا وصلبا جدا وهو الحديد ، بان الانه له ، ونرى انه تعالى فقد سخر لسليمان الابن موجودا لطيفا للغاية ، جسم صلب يلين لداود ، وامواج الهواء اللطيفة تُجعل محكمة وفعالة لسليمان ... فتامل !!

اما كيفية تحرك الريح ، وما هي الوسيلة التي كان يتحرك عليها سليمان ، هل هي كرسيا ام بساطا ام غير ذلك؟ فليس بواضح لنا ، وهذا لا يصعب على الله جل جلاله. قدرة.

لقد استطاع الانسان بقدرته الحقيرة امام قدرة الله تعالى ان يحرك البالونات والطائرات التي تحمل آلاف المسافرين ، والاقمار الصناعية الثقيلة الى عنان السماء ، أفيمكن القول بان تحريك بساط سليمان او اي وسيلة اخرى ، بواسطة الريح ، تشكل مشكلة للباري جلت قدرته؟!

والموهبة الثانية التي خص الله بها سليمان عليه‌السلام كما تقول الآية المباركة : ( واسلنا له عين القطر ) (١).

« اسلنا » بمعنى الاجراء من الجريان ، و « القطر » بمعنى النحاس ، والمقصود : اننا اذبنا له هذا الفلز وجعلناه كينبوع الماء. وقال البعض بان « القطر » يعني انواع الفلزات والرصاص ، اذيبت باجمعها لسليمان ، ليصنع منها ما يحتاجه لتطوير مملكته والدفاع عنها ...

وايضا نقول : كيف يكون النحاس والفلزات الذائبة كينبوع الماء بين يدي سليمان ، هل كانت عيون من المعادن الفلزية الذائبة ، او عيون البراكين الفعالة ، او بشكل آخر؟ كل هذا ليس واضح لدينا كيف كان ذلك ، والذي نعلمه هو ان ذلك كان من الالطاف الالهية والاعجاز لهذا النبي العظيم.

__________________

١ ـ نفس المصدر.

٢٥٢

والموهبة الثالثة لسليمان عليه‌السلام ، وكما ذكرنا ـ تسخير مجموعة كبيرة من الجن لخدمته كما تقول الآية : ( ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير ) (١).

الجن ـ كما هو معلوم من اسمه ، ذلك المخلوق المستور عن الحس البشري ، له عقل وقدرة ومكلف بتكاليف الهية ، كما يستفاد من آيات القرآن الكريم.

لقد صيغت حول الجن اساطير وحكايات خرافية كثيرة ، لو حذفناها لكان اصل وجودهم والصفات الخاصة بهم التي وردت في القرآن موضوعا لا يخالف العلم والعقل مطلقا.

وعلى كل حال ، يستفاد من الآية المباركة اعلاه ، ان تسخير هذه القوة العظيمة كان ايضا بأمر من الله ، وانهم كانوا يتعرضون للعقاب حين ظهور اي تقصير منهم في اداء مهامهم.

والجدير بالملاحظة :

هو انه لادارة حكومة كبيرة ، ودولة واسعة كدولة سليمان ، تحتاج الى عوامل عديدة وقوة عاملة كبيرة ، واهم هذه العوامل وكما ذكرناها ، وذكرتها الآيات اعلاه هي :

١ ـ توفر واسطة نقل سريعة مهيأة على الدوام ، لكي يستطيع رئيس الحكومة التنقل والتفقد في جميع اطراف دولته.

٢ ـ مواد اولية يستفاد منها لصناعة المعدات اللازمة لحياة الناس والصناعات المختلفة.

__________________

١ ـ نفس المصدر.

٢٥٣

٣ ـ قوة عاملة فعالة ، تستطيع الاستفادة من تلك المواد بدرجة مناسبة ، لسد حاجات البلاد.

وهذا الموضوع ، وهذه اللوازم ، لا تختص فقط بعصر سليمان عليه‌السلام وحكومته ، بل نحتاجها في كل عصر وزمان ، اليوم وغدا ، وفي كل مكان ولاجل ادارة دولة بطريقة صحيحة وفعالة ومتطورة ، يسعد فيها المجتمع البشري ككل ..

ملاحظات :

روي انه اول من اتخذ السكر سليمان عليه‌السلام.

وقيل : كان ملك سليمان عليه‌السلام ما بين الشامات الى بلاد اصطخين.

وروي انه كان سليمان عليه‌السلام يطعم اضيافه اللحم بالحوّاري (١) ، وعياله الخشكار ، وياكل هو الشعير غير منخول. (٢)

الصدوق باسناده الى زيد الشحام ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : ( اعملوا آل داود شكرا ) (٣) قال : كانوا ثمانين رجلا وسبعين امرأة ، ما اغب المحراب رجل واحد منهم يصلي فيه ، وكانوا آل داود ، فلما قبل داود عليه‌السلام ولى سليمان عليه‌السلام.

قال : يا ايها الناس عُلمنا منطق الطير ، وسخر الله له الجن والانس ، وكان لا يسمع بملك في ناحية الارض الا اتاه حتى يذله ويدخله في دينه ، وسخر له الريح ، فكان اذا خرج الى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والانس ، وكان اذا

__________________

١ ـ الخبز الحوّاري : المطبوخ بالدقيق الابيض ، الذي نخل مرة بعد مرة. والخشكار : الدقيق المنخول ، او الخبز اليابس.

٢ ـ البحار : ج ١٤ ص ٧٠.

٣ ـ سبأ : ١٣.

٢٥٤

اراد ان يغزو امر بمعسكره فضرب له بساطا من الخشب ، ثم جعل عليه الناس والدواب وآلة الحرب كلها حتى اذا حمل معه ما يريد ، امر العاصف من الريح فدخلت تحت الخشب فحمله حتى ينتهي به الى حيث يريد ، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا (١).

وروي انه آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليهما‌السلام وذلك لما اعطي في الدنيا. (٢)

وان اول من كسا البيت الثياب سليمان بن داود عليهما‌السلام كساه القباطي. (٣)

كان سليمان عليه‌السلام مع ما هو فيه من الملك يلبس الشَعر ، واذا جنه الليل شد يديه الى عنقه ، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا ، وكان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده ، وانما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر.

مواعظ وحكم :

الاجل :

من المواعظ المهمة للانسان هو الموت والاجل المحدد ، حيث قال الله تعالى :

( فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) (٤).

وقال امير المؤمنين عليه‌السلام : ولو ان احدا يجد الى البقاء سلما ، او لدفع الموت سبيلا ، لكان سليمان بن داود عليه‌السلام الذي سخر له ملك الجن والانس مع النبوة

__________________

١ ـ البحار : ج ١٤ ص ٧١.

٢ ـ السرائر : ٤٦٧.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه : ٢١٣.

٤ ـ الاعراف : ٣٤.

٢٥٥

وعظيم الزلفة ، « اي عظيم الدرجة » ، فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال الموت ، واصبحت الديار منه خالية ، والمساكن معطلة ، ورثها قوم آخرون. (١)

استسقاء النملة :

روي انه خرج سليمان يستسقي ومعه الجن والانس فمر بنملة عرجاء ناشرة جناحها ، رافعة يديها ، وتقول :

اللهم انا خلق من خلقك ، لا غنى بنا عن رزقك ، فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم ، واسقنا.

فقال سليمان عليه‌السلام لمن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم ، وفي خبر آخر : قد كفيتم بغيركم (٢).

ثواب التسبيحة :

روى ابن شهر آشوب في البيان :

فيحكى ان سليمان عليه‌السلام مر بحراث فقال الحارث لقد اوتي ابن داود ملكا عظيما ، فسمعه سليمان ، فنزل ومشى الى الحراث وقال : انما مشيت اليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال :

لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما اوتي آل داود ، لان ثواب التسبيحة يبقى ، وملك سليمان يفنى. (٣)

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ١ ـ ٣٤١.

٢ ـ رواه المسعودي في اثبات الوصية.

٣ ـ عدة الداعي : ١٩١. عنه البحار : ج ١٤ ص ٨١.

٢٥٦

هذا من فضل ربي :

ان عبيد الدنيا وطلابها الذين غرتهم الدنيا حين ينالون القوة والاقتدار ، ينسون كل شيء ، وينسون الله عزوجل ، وكل ما يقع في ايديهم يحسبونه من عند انفسهم وبقدرتهم ، لا من غيرهم ولا من الله كما كان قارون يقول : « انما اوتيته على علم عندي » ...

في حين ان عباد الله من المؤمنين والمتقين والانبياء والصالحين لم يقولوا هذا الكلام بل يقولوا هو من عند الله ، كل هذه النعم والبركات من فضل الله تعالى كما كان النبي سليمان عليه‌السلام يرى جميع النعم التي يتمتع بها هي من نعم الله عليه.

وعندما شاهد عرش ملكة سبأ عنده قال :

( هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم ) (١).

هذا هو معيار معرفة الموحدين الخلص ، وهذه سيرة السالكين والمقربين الى الله عزوجل والداعين له ، ونرى النبي سليمان ايضا قال : ( وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه ... ) (٢).

ومع الاسف نرى الكثير من المتظاهرين بالشكر والطواغيت ومن الذين اعتادوا على كتابة هذه العبارة والآية المباركة ( هذا من فضل ربي ) على قصورهم ودورهم ـ الطاغوتية ـ دون ان يعتقدوا بذلك ويعملوا به ...

ولكن ومع هذا ، المهم هو ان تكتب هذه العبارة على ابواب البيوت ، وعلى

__________________

١ ـ النمل : ٤٠.

٢ ـ النمل : ١٩.

٢٥٧

جبهة الانسان ، وعلى قلبه وفي قلبه ... ايضا وان يشكر الله ، لا شكرا باللسان فحسب ، بل شكرا مقرونا بالعمل وفي جميع الاحوال وجميع وجوده ، الحمد لله وله الشكر على كل حال.

منطق سليمان :

وقال الصادق عليه‌السلام : اعطي سليمان بن داود عليه‌السلام مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع ، فكان اذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية ، واذا قعط لعماله وجنوده واهل مملكته ، تكلم بالرومية ، فاذا خلا مع نسائه يكلم بالسريانية والنبطية ، واذا اقام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية ، واذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية. (١)

كيف احضر عرش بلقيس :

لم يكن هذا اول عمل خارق للعادة ، ولا الوحيد من نوعه ، في قصة سليمان عليه‌السلام ، بل هناك الكثير من هذه الاعمال الخارقة حدثت في حياة الانبياء والاوصياء ، وحتى في زماننا هذا وايامنا هذه ، وما سيحدث في المستقبل اكثر ...

هل ترون ان هذه الاعمال الخارقة للعادة من قبل الانبياء وخلفائهم محال؟! وتنكرونها كليا؟! فهذا الأمر لا ينسجم مع اصل التوحيد ، ولا مع قدرة الله الحاكم على قوانين الوجود ....

هذا العلم الذي وصل اليه الانسان اليوم من غزو الفضاء وصنع الفضائيات حيث نرى الانسان يتكلم في المشرق ويسمع كلامه ويرى صورته من في

__________________

١ ـ تفسير القمي : ٤٧٦.

٢٥٨

المغرب ، باقل من رمشة عين ، بل انت جالس في المغرب وتتحدث مع من يجلس في المشرق وتراه مباشرة وفي آن واحد ... اليس هذا من عظمة الله عزوجل وقدرته ، وأليس هذا هو التوحيد؟! فتأمل.

سليمان عليه‌السلام والنملة :

قال الطبرسي رحمه الله : وادي النمل هو واد بالطائف ، وقيل : بالشام.

بينما كان سليمان عليه‌السلام يسير مع جنوده مروا بوادي النمل ، فخرجت رئيستهم ونادت بقية النمل ، ان ادخلوا بيوتكم لا يحطمنكم جنود سليمان ، وذلك في قوله تعالى : ( حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها ... ) (١).

لما سمعها سليمان عليه‌السلام وقف بجنوده حتى دخل النمل مساكنهم فتبسم ضاحكا من قولها ، وسبب ضحكه ، التعجب لانه رأى ما لا عهد له به ، وقيل : فتبسم من حذرها.

وهذا يدل على ان سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الارض ولم تحملهم الريح ، لان الريح لو حملتهم بين السماء والارض لما خافت النملة ان يطؤوها بارجلهم ، ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان عليه‌السلام.

فان قيل : كيف عرفت النملة سليمان وجنوده حتى قالت هذه المقالة؟

قلنا : اذا كانت مأمورة بطاعته فلابد ان يخلق الله لها من الفهم ما تعرف به امور طاعته ، ولا يمنع ان يكون لها فهم ما تستدرك به ذلك.

__________________

١ ـ النمل : ١٩.

٢٥٩

وقد علمنا انها تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين مخافة ان تصيبه الندى فينبت ، الا الكزبرة فانها تكسرها باربع ـ قطع ـ لانها تنبت اذا قطعت بنصفين ، فمن هداها الى هذا فانه يهديها الى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها.

وروي لما سمع سليمان قول النملة دعاها وقال :

علي بالنملة ، فلما اتي بها قال سليمان : يا ايتها النملة اما علمت اني نبي الله ، واني لا اظلم احدا؟ قالت النملة : بلى ، قال سليمان : فَلِمَ حذرتيهم ظلمي؟ قالت النملة : خشيت ان ينظروا الى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن الله تعالى ذكره ويعبدون غيره (١).

سليمان عليه‌السلام والعصفور :

روي ان سليمان عليه‌السلام رأى عصفورا يقول لعصفورة : لِمَ تمنعين نفسك مني؟ ولو شئت اخذت قبة سليمان بمنقاري فالقيتها في البحر ، فتبسم سليمان عليه‌السلام من كلامه ، ثم دعاهما وقال للعصفور : اتطيق ان تفعل ذلك؟ فقال : لا يا رسول الله ، ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته ، والمحب لا يلام على ما يقول.

فقال سليمان عليه‌السلام للعصفورة : لِمَ تمنعينه من نفسك وهو يحبك؟ فقالت : يا نبي الله انه ليس محبا ولكنه مدع ، لانه يحب معي غيري.

فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان ، وبكى بكاء شديدا واحتجب عن الناس اربعين يوما يدعو الله ان يفرغ قلبه لمحبته وان لا يخالطها بمحبة غيره (٢).

وروي انه عليه‌السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته : ادني مني حتى اجامعك

__________________

١ ـ البحار : ج ١٤ ص ٩٢.

٢ ـ البحار : ج ١٤ ص ٩٥.

٢٦٠