حكم ومواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام - ج ٢

مرتضى الميلاني

حكم ومواعظ من حياة الانبياء عليهم السلام - ج ٢

المؤلف:

مرتضى الميلاني


الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-465-066-x
الصفحات: ٣٣٦

وكانت الفكرة هي ما تخوّف ابوهم منها في بادئ الأمر ، فادّعوا بان الذئب قد اكل يوسف وجاؤوا اليه بدلائل مزيفة !.

( وجاؤوا اباهم عشاء يبكون * قالوا يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاؤوا على قميصه بدم كذب ... ) (١).

اما الاب الذي كان ينتظر مجيء ولده بفارغ من الصبر ، عندما لم يرى ولده مع اخوته وسمع مقولتهم ، اهتز وارتجف وبكى ولده لشدة حزنه عليه ، واخذ قميص ولده الملطخ بدم الغزال ووضعه على وجهه وطفق يبكي حتى غشي عليه وسقط الى الارض كالخشبة اليابسة ، وبقي مغشيا عليه حتى السحر ، فلما هب النسيم ومر بوجهه افاق من غشيته.

وبالرغم من احتراق قلبه وبكائه الشديد ، لم يجر على لسانه ما يدل على الجزع وعدم الشكر بل قال : ( فصبر جميل ) ثم قال : ( والله المستعان على ما يصفون ) واسأله ان يرزقني الصبر والتحمل والقدرة اكثر فاكثر على فراقه.

ولم يقل على موته ، لانه كان يعلم ان يوسف لم يُقتل ، بل قال اطلب الصبر على مفارقة : ولدي يوسف ... وعلى ما تصفون.

نجاة يوسف من البئر :

قضى يوسف في ظلمة البئر الموحشة والوحدة القاتلة ساعات مرة ، ولكنه بايمانه بالله ودعائه وتوسله المستمر شع في قلبه نور الامل ، والهمه الله تعالى القوة والقدرة على تحمل الوحدة الموحشة وان ينتصر في هذا الامتحان.

__________________

١ ـ يوسف : ١٦ ـ ١٨.

١٤١

بقي يوسف في البئر يومين او ثلاثة ايام ، وبينما هو كذلك اذ جاءت قافلة وحطت رحلها بالقرب من البئر ، وجاء احدهم الى البئر وادلى بدلوه ليستسقي من ماء البئر.

التفت يوسف الى صوت وحركة من اعلى البئر ، ثم رأى الحبل والدلو يسرعان الى النزول ، فانتهز الفرصة وتعلق بالحبل بشدة.

فاحس المامور بجلب الماء ان الدلو قد ثقل اكثر مما ينبغي ، فلما سحبه بقوة الى الاعلى فوجيء بغلام كانه فلقة القمر ، فصرخ وقال : يا بشرى هذا غلام ...

انتشر خبر يوسف شيئا فشيئا بين اهل القافلة ، ولكن الذي وجده اخفاه من اجل ان لا يذاع هذا الخبر وينتشر كي يمكن بيع هذا الغلام في مصر ( وأسرّه بضاعة والله عليم بما يعملون ) (١).

يوسف في بيت العزيز :

عندما وصلت القافلة الى مصر عرضوا يوسف للبيع ، فاشتراه عزيز مصر الذي كان وزيرا لفرعون ، ولم يكن يرزق ولدا وكان في غاية الشوق للولد ، وحينما رأى هذا الصبي الجميل تعلق قلبه به ليكون مكان ولده.

جاء به الى بيته وقال العزيز لامراته ( اكرمي مثواه ) ، اي تصدي بنفسك امره وتربيته واجعلي له مقاما كريما عندك عسى ان ينفعنا في امورنا او نتخذه ولدا لنا.

بقي يوسف في بيت العزيز وواجه في هذا المحيط الجديد ، الذي يعد

__________________

١ ـ يوسف : ١٩.

١٤٢

واحدا من المراكز المهمة السياسية في مصر ، ومن جهة اخرى كان يرى قصور الطغاة المدهشة وثرواتهم ، ومن جهة اخرى كانت تتجسد في ذهنه صورة اسواق النخاسين وبيع المماليك والعبيد ، وكان يفكر في كيفية القضاء على هذه الظواهر ونجاة الناس من المستضعفين منهم.

نعم لقد تعلم الكثير في فترة بقائه في هذا المحيط المفعم بالضوضاء ، وكان في نفس الوقت مشغولا بتهذيب نفسه وبنائها ، وبقي كذلك في بيت العزيز حتى بلغ اشده وآتاه الله علما وحكما بعدما وصل الى مرحلة البلوغ الجسمي والروحي.

عشق العزيزة :

لم ياسر جمال يوسف الملكوتي عزيز مصر فحسب ، بل اسر حتى قلب امرأة العزيز واصبح بسرعة مسخرا لجماله !

وامتدت مخالب العشق الى اعماق قلبها ، وبمرور الزمن وكلما ترعرع يوسف وكبر يزداد جمالا ورشاقة ، وفي المقابل تزداد امرأة العزيز عشقا ومحبة واشتعالا يوما بعد يوم.

لكن يوسف هذا الطاهر التقي ، لم يفكر سوى بالله ، ولم يتعلق قلبه بغير عشق الله سبحانه ، ولم تتمكن امرأة العزيز من الوصول الى قلبه والى هدفها مع اتباع كل الوسائل المغرية والاساليب الجذابة ، ولكنها فشلت ولم تتمكن من اغوائه واغرائه ، وبقيت هكذا الى ان نفذ صبرها وانتظارها بحيث اخبرت يوسف اخيرا عما في قلبها وراودته عن نفسه.

واتبعت جميع الاساليب والطرق للوصول الى هدفها ، وسعت لكي تلقي في قلبه اثرا من هواها وترغيبها وطلبها ، كما ذكر لنا القرآن الكريم ( وراودته

١٤٣

التي هي في بيتها ). وطلبت مه ان ينال منها بطرق المسالمة والمساومة ، وبدون اي تهديد ، وابدت محبتها القصوى له بمنتهى اللين ، ولكنها فشلت ولم توفق للنيل منه.

ساعة الصفر :

واخيرا حانت ساعة الصفر وفكرت في ان تخلو به وتوفر له جميع ما يثير غريزته ، ولبست من الثياب الفضفاضة ، وعطرت نفسها بعطور عبقة شذية ، وتجميلات مرغبة ، حتى تستولي على يوسف وتاسره.

( وغلقت الابواب وقالت هيت لك ).

نعم بعد ان هيئت نفسها على احسن ما يرام وغلقت جميع الابواب واحكمتها لئلا يجد اي طريق للفرار ، وتقدمت نحوه وقالت : ( هيت لك ) وقال لها : ( معاذ الله انه ربي احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون ).

وفي هذا الحال ، وحين رأى يوسف ان هذه تجره نحو الاثم ، ولم يرى طريقا للخلاص منها ، توجه اليها وقال بهذا الكلام « معاذ الله ».

وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امرأة العزيز غير المشروع ... واعلمها انه لن يستسلم لارادتها ....

وافهمنا ضمنا ، كما افهم غيرها ، ان مثل هذه الظروف الصعبة لا يمكن النجاة من وساوس الشيطان واغراءاته ، الا بالالتجاء الى الله والتمسك بالعروة الوثقى ، الله الذي يعلم الجهر وما اخفى ، والمطلع والمهيمن على كل شيء ، وحاضر في كل مكان في السر والعلانية.

١٤٤

معنى هم بها :

ومعنى قوله تعالى : ( ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه ) المراد هنا بالهم الثاني هو قصده ان يضربها للدفاع عن نفسه ، اي بعدما همت به لارتكاب الفاحشة معه ، هم بها ليضربها ، ودفعها عن نفسه ، كما يقال : هممت بفلان اي بضربه وايقاع مكروه به ، والدليل على التفرقة بين الهمين شهادته تعالى على انه من عباده المخلصين وقيام الحجة عقلا على عصمة الانبياء عليهم‌السلام.

وعلى هذا فيكون معنى رؤية البرهان ان الله سبحانه اراه برهانا على انه ان اقدم على ما هم به وضربها ، اهلكه اهلها او قتلوه ، او ادعت عليه المراودة على القبيح وقذفته بانه دعاها اليه وضربها لامتناعها منه ، فأخبره الله سبحانه انه صرف عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل.

وكذلك هم بها بمعنى : الهم ان يختار للدفاع عن نفسه سبيل الفرار فقصد باب البيت ليفتحه ويخرج من عندها ويهم بالفرار.

فتصميم امرأة العزيز على هذا العمل كان لعدم انتصارها في عشقها وبروز روح الانتقام فيها ثأرا لهذا العشق.

وتصميم يوسف كان دفاعا عن نفسه ، وعدم التسليم لطلب تلك المرأة.

هذا مختصرا ، وهناك اقوال عديدة وتفاسير مختلفة ومفصلة ومنها افتراءات واكاذيب اسرائيلية ، للاطلاع عليها راجع تفسير الميزان (١).

الانتصار على النفس :

وهنا يبلغ امر يوسف وامرأة العزيز الى ادق مرحلة واخطرها ، وتحول الى

__________________

١ ـ تفسير الميزان : ج ١١ ص ١٢٢ ـ ١٤٠.

١٤٥

مرحلة صعبة ، وعذاب مستمر يحتاج الى صبر وتحمل وتوكل على الله.

بعدما تمكن يوسف ان ينجو من هذه المرحلة الصعبة جدا والتي ساعده الله وانجاه منها بما انقدح في ذهنه ورأى ببصره وبصيرته برهان ربه ، وانتصر على نفسه الامارة بوجه مشرق.

قال يعطي المفسرين ان سبب انتصاره يقود الى اسباب ثلاث :

الاول : انه التجأ الى ربه واستعاذ به ، وقال : ( معاذ الله ).

الثاني : التفاته الى ـ الزاد والملح ـ الذي اكله عند عزيز مصر ، وما تناوله في بيته فاثر فيه فلم ينس فضله طيلة حياته ، هذا مع ما حصل عليه من نعم الله التي لا تحصى والتي انقذته من غيابة الجب الموحشة واوصلته الى محيط الامان والهدوء ، كل هذه جعلته يفكر بها ، ولا يستسلم للتيارات العابرة. واللذةالزائلة.

الثالث : بناء شخصيته وعبوديته المقرونة بالاخلاص لله تعالى ، والتي عبر عنها القرآن : ( انه من عبادنا المخلصين ).

وهذا الدرس كبير ومهم لجميع الناس الاحرار الذين يريدون ان ينتصروا على عدوهم الخطير في ميادين الجهاد ، جهاد النفس.

نرى امرأة العزيز تتوسل بيوسف بعدة اسباب وتغلق الابواب دونه وتراوده بقولها : هيت لك ـ ، واما هو ، فقد قابلها بقوله : ( معاذ الله ) فلم يجبها بتهديد ولم يقل : باني اخاف العزيز ، او لا اخونه ، الى غير ذلك من الاعتذارات ، بل استمسك بعروة التوحيد ، ولم يكن في قلبه احد سوى ربه ، ولم يقل سوى معاذ الله ....

الفضيحة :

نعم : لم تيأس امرأة العزيز « زليخا » من يوسف ، وارادت ان ترمي بنفسها

١٤٦

عليه عسى ان يستسلم لها ، ولكن يوسف احس بالخطر مرة ثانية وهرب منها واسرع نحو الباب ليفتحه ويخرج ، واسرعت زليخا خلفه لتمنعه من الخروج ، وسحبت قميصه من خلفه ، فقدته من دبر ، اي مزقته طولا » ( واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر ).

وعلى كل حال تمكن يوسف من الوصول نحو الباب وفتحه ، فرآه عزيز مصر خلف الباب فجاة ، ( والفيا سيدها لدى الباب ).

وفي هذه اللحظة الحرجة رأت زليخا نفسها امام زوجها واحست بالفضيحة من جهة ، وشعلة الانتقام تتأجج في داخلها على يوسف من جهة اخرى ، كان اول شيء توجهت اليه ان تخاطب زوجها بمظهر الحق متهمة يوسف اذ : ( قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم ) (١).

ولكن يوسف هنا وفي هذه اللحظة الحرجة لم يجد من الرد بدا ووجد السكوت حراما لئلا تثبت التهمة عليه ، فاماط اللثام عن عشق زليخا وقال : ( قال هي راودتني عن نفسي ).

من الطبيعي ان مثل هذا الحادث عسير جدا ولا يمكن ان يصدقه كل احد ، اي ان شابا يافعا غير متزوج لا يعد آثما ، وفي مقابله امرأة متزوجة ذات شخصية مرموقة ، فلذلك كانت شعلة الاتهام تحوم حول يوسف اكثر من امرأة العزيز.

ولكن حين ان الله عزوجل حامي المخلصين والصالحين فلا يرضى ان يحترق هذا الشاب المجاهد بشعلة الاتهام ، لذلك انجاه بحضور شاهد من اهلها مع دليل قاطع وقوي ( وشهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل

__________________

١ ـ يوسف : ٢٥.

١٤٧

فصدقت وهو من الكاذبين * وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين ) (١).

اي دليل اقوى من هذا الدليل ، فقد ركضت خلف يوسف وقدت قميصه من دبر ، لانه كان يريد الفرار منها فامسكت بثوبه فقدته.

ولكن من هو هذا الشاهد الذي انقذ يوسف في اللحظة الحاسمة؟ سوف يأتي انشاء الله ...

كان هذا سندا على طهارة يوسف وبرائته من الجريمة ، وفي نفس الوقت دليلا على افتضاح المجرم !

اما عزيز مصر لما رأى الحقيقة قِبَل هذا الحكم ، وخوفا من ان يذيع هذا الحادث المؤسف على الملا ، ويسقط ماء وجهه ، رأى من الصلاح جعل القضية طي الكتمان والسر ، فالتفت الى زوجته قائلا لها ... ( انه من كيدكن ان كيدكن عظيم ) ، والتفت الى يوسف قائلا له : ( يوسف اعرض عن هذا ) اي اكتم هذا الأمر ولا تخبر به احدا ، ثم التفت مرة ثانية الى امرأته وقال : ( واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين ) (٢).

هل كان هذا اول مرة وآخر مرة من امرأة العزيز في مراودته ليوسف؟ كلا ، بل كانت هناك محاولات متعددة قبل هذه الحادثة وبعدها في جلب يوسف لها ، وقد استولى عليها الوله وسلب منها الحب والغرام كل حلم وحزم ، ولم تكن المراودة مرة او مرتين الى ان انتشر حبها ليوسف بين اكثر نساء مصر وخاصة بين نساء القصور والامراء واصبح حديث الساعة في محافلهن ومجالسهن ، واخذن يعيّرن بذلك عزيزة مصر وقلن انها تولهت الى فتاها وافتتنت به فراودته عن نفسه

__________________

١ ـ يوسف : ٢٦.

٢ ـ يوسف : ٢٩.

١٤٨

( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ضلال مبين ).

وكان ذلك مكرا منهن بها على ما في طبع اكثر النساء من الحسد والعجب والغيرة ، فان المرأة تغلبها العواطف الرقيقة والاحساسات اللطيفة.

يوسف ونساء مصر :

شاع خبر مراودة العزيزة لفتاها بين نساء مصر حتى وصل الى مسامع امرأة العزيز ، التي لا هم لها الا ان تفوز في طلب يوسف وبلوغ ما تريده منه ، فاستيقظت من رقدتها وعلمت بمكرهن ، فارسلت اليهن للحضور لديها.

تهيئن ولبسن افخر ثيابهن وزينتهن ، لانهن ايضا لسن باقل من امرأة العزيز عشقا ليوسف ، فاستغلت ـ زليخا ـ هذه الفرصة.

ثم لما حضرن عند العزيزة واخذن مقاعدهن ، وجرى الانس والمحادثة واخذن في التفكه اتت كل واحد منهن سكينا مع الفاكهة عند ذلك امرت يوسف ان يخرج اليهن وقد كان مستورا عنهن.

فلما طلع يوسف عليهن ووقعت عليه اعينهن طارت عقولهن وبهتن وذهلن حتى جرحن ايديهن مكان الفاكهة واخذت الدماء تسيل من ايديهن ولا يشعرن بذلك ، وقلن ( حاش لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم ).

فالتفتت اليهن العزيزة وقالت : ( فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) ثم هددت يوسف تجلدا وحفظا لمقامها عندهن واصرارا منها على اخضاعه ومطاوعته لها فقالت : ( ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن

١٤٩

وليكونا من الصاغرين ) (١).

ولهذا انقلب المجلس دفعة ، وانقطعت قيود الاحتشام فانبسطن وتظاهرن بالقول في حسن يوسف وجماله وكل تتكلم بما في ضميرها منه ....

دخول يوسف الى السجن :

واما يوسف فلم ينظر الى تلك الوجوه الحسان ولا التفت الى شيء من لطيف كلامهن ، ولم يلتفت الى ما كانت امرأة العزيز تسمعه من القول والتهديد ، وانما رجع الى ربه وتوجه نحوه تعالى ودعاه ان ينجيه منهن ومن مكرهن حتى لو ادى ذلك الى السجن وقال رافعا رأسه الى السماء مناجيا ربه : ( قال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه ).

رباه ... انني اتقبل السجن الموحش رعاية لامرك وحفظا لطهارة نفسي ، في هذا السجن تتحرر فيه روحي وتطهر نفسي.

وحيث ان وعد الله حق ، وانه يعين المجاهد لنفسه او لعدوه ، فانه لم يترك يوسف لوحده ( فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم ) (٢).

انتهى المجلس العجيب لنسوة مصر مع يوسف في قصر العزيز والعزيزة ، ووصل الخبر الى سمع العزيز ، اتضح لهم ان يوسف لم يكن شابا عاديا ، بل كان طاهرا لدرجة لا يمكن لاي قوة ان تجره الى الانحراف والتلوث ومقاومته امام وساوس نسوة مصر ، واستعداده لدخول السجن وعدم الاستسلام لتهديدات العزيزة.

__________________

١ ـ يوسف : ٣٢.

٢ ـ يوسف : ٣٤.

١٥٠

فكان الراي ان يُبعَد يوسف عن الانظار لينسى الناس اسمه وشخصه ، وفي نفس الوقت يحافظون على سمعتهم وصونا لاسرتهم من العار والهوان ، وليشيع بين الناس ان المذنب هو يوسف ، وفعلا ادخل يوسف السجن مؤقتا حتى تهدأ الامور وينسى الناس.

ومن جملة السجناء الذين دخلوا مع يوسف السجن فتيان يقال : انهما كانا عبدين من عبيد الملك.

بعد فترة من الزمن ويوسف جالس في السجن يعبد الله ، جاء هذا الفتيان الى يوسف وقال احدهما : اني رأيت فيما يرى النائم اعصر خمرا ، وقال الثاني : اني رأيت احمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه.

فاجابهما يوسف بعدما نصحهما وارشدهما الى توحيد الله ودعا لهما ، ثم التفت اليهما وقال : ( يا صاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمرا واما الآخر فيصلب فتاكل الطير من رأسه ... ).

المراد هنا من ـ فيسقي ربه خمرا ـ بمعنى هذا الذي سوف يخرج من السجن ويطلق صراحه سوف يسقي الملك خمرا ويصبح ساقي للملك ، لذلك طلب منه يوسف ان يذكره عند الملك ليطلق سراحه في قوله تعالى : « اذكرني عند ربك » اي توسل يوسف بغير الله ، ولكن الغلام نسى وانساه الله ان يخبر الملك واصبح يوسف منسيا وضل في السجن ما يقارب سبع سنوات.

خروج يوسف من السجن :

بقي يوسف سنين في السجن المظلم كأي انسان منسي ، ولم يكن لديه من عمل سوى بناء شخصيته ، وارشاد السجناء وعيادة المرضى وتسلية الموجعين منهم الى ان حان الفرج.

١٥١

لقد رأى ملك مصر رؤيا مهولة ، فاحضر عند الصباح المعبرين للرؤيا ، فقص عليهم رؤياه ثم التفت اليهم وطلب منهم تعبير رؤياه ، ولكن الجميع دهشوا لهذه الرؤيا ولم يتمكنوا من تعبيرها ، وقالوا له : ( اضغاث احلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين ).

والرؤيا التي رآها الملك وكما يصفها القرآن لنا هي : ( وقال الملك اني ارى سبع بقرات سمان ياكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات ... ).

ولما اظهروا عجزهم عن تأويل هذه الرؤيا ، هنا تذكر ساقي الملك الذي خرج من السجن ما حدث له ولصاحبه في السجن مع يوسف ، ونجا من السجن كما بشره يوسف.

قال الساقي للملك : يوجد في زاوية السجن رجل حي الضمير طاهر القلب ومؤمن بالله مفسرا للارحام ، يستطيع ان يكشف الحجاب عن هذه الرؤيا ، هنا طلب الملك الاسراع بالذهاب الى السجن واخبار السجين بالرؤيا والاتيان بالخبر.

مضى الساقي الى السجن مسرعا ليرى صديقه القديم ، الذي لم يف له بوعده.

عندما وصل اليه قال له : يوسف ايها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان ... ونقل له رؤيا الملك ، وطلب منه تفسير الرؤيا.

بدون اي تردد واي شرطا او اجرا لتعبيره ، عبر الرؤيا فورا وقال له : تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم منه فذروه في سنبله ولا تستعملون منه الا القليل مما تاكلون ، ويجب عليكم ان تقتصدون في مصرفه ، ثم يأتي بعد ذلك سبع سنين شداد تموت مزارعكم وتنقطع الامطار وتحصل المجاعة والقحط عند

١٥٢

ذلك تأكلون مما ادخرتم وتنجون من الموت جوعا ، ثم يأتي بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وتنزل البركة وتمطر السماء فترتفع المجاعة وتكثر الخيرات ...

لقد كان تعبير يوسف لرؤيا الملك دقيقا ومدروسا ومنطقيا الى درجة انه جذب الملك وحاشيته اليه.

لقد فهم الملك اجمالا ان يوسف لم يكن رجلا يستحق السجن ، بل هو شخص اسمى مقاما من الانسان العادي ، فعند ذلك امر الملك باحضاره واطلاق صراحه فبعث من يأتي به.

الاعتراف بالذنب :

لم يوافق يوسف على الخروج من السجن دون ان يثبت براءته وطهارته امام الجميع ، كما يُثبت ضمنا تلوث النظام الحكومي وما يجري في قصر الملك وقصر وزيره ! فالتفت الى رسول الملك وقال له : ارجع الى الملك واسأله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن.

عندما جاء الرسول واخبر الملك بطلب يوسف ، احضر النسوة وكانت العزيزة حاضرة ايضا وسألهن وقال : ( ما خطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه ) ، هل كان عنده من تقصير او ذنب؟ فتيقظ الوجدان ونطقن بالحق جميعا وقلن : ( حاش لله ما علمنا عليه من سوء ) واعترفن بذنبهن.

وقالت العزيزة حيث كانت حاضرة تسمع وترى ، فلم تجد القدرة في نفسها على السكوت ، ودون ان تُسأل واحست بضميرها يستيقظ والوقت قد حان لان تعترف وتنزه يوسف ، وخاصة انها رأت كرم يوسف المنقطع النظير من خلال رسالته الى الملك ، اذ لم يعرض فيها بالطعن في شخصيتها ولم يذكرها بسوء ، بل كان كلامه مغلقا تحت عنوان « نسوة مصر ».

١٥٣

فصرخت وقالت : ( الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين ).

نعم واخيرا اعترفت العزيزة بذنبها وطلبت من الله عزوجل العفو والتوبة وقالت : ( وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي غفور رحيم ). وقد تركت العشق المجازي والمادي ، وتمسكت بالعشق الحقيقي الروحاني وهو « عشق الله » والاخلاص لعبودية الله الواحد الاحد ، اله يوسف ويعقوب.

وبهذا ثبتت براءة يوسف وخرج من السجن واصبح من المقربين للملك ، ومن المخلصين للرعية ، ومتنفذا للمستضعفين ، وملجأ للمحرومين.

يوسف عزيز مصر :

بعد ان خرج يوسف من السجن قال الملك : ( ائتوني به استخلصه لنفسي ) ، فان الملك امر باحضاره لكي يجعله مستشاره الخاص ونائبه في المهمات ، فيستفيد من علمه ومعرفته وخبرته في الادارة لحل المشاكل المستعصية.

ولما سمع الملك من يوسف كلامه واجوبته على الاسئلة التي تحكي عن علمه وفراسته ، ازداد حبا له وقال : ان لك اليوم عندنا منزلة رفيعة وسلطات واسعة وانك في موضع الثقة والاعتماد عندنا ، وانك لابد ان تتصدى للمناصب الهامة في هذا البلد ، وتهتم باصلاح الامور الفاسدة ، وانك الوحيد القادر على ان يتغلب على هذه الازمة الاقتصادية التي ستواجه بلدنا حسب تفسيرك للرؤيا.

فوافق يوسف واختار منصب الامانة على خزائن مصر ، وقال : اجعلني مشرفا على خزائن هذا البلد فاني عليم حفيظ وعلى معرفة باسرار المهنة.

١٥٤

كان يوسف يعتقد ان جانبا كبيرا من الاضطرابات الحاصلة في ذلك المجتمع الكبير ، والظلم والجور كله ناشئ من القضايا الاقتصادية ، واراد من هذا حل تلك المشاكل ومساعدة المستضعفين من الناس واسترداد حقوقهم المغصوبة من الظالمين ، لاجل هذا طلب من الملك منصب الامانة على الخزائن فوافق الملك على طلبه واستلم المنصب الجديد.

لقاء يوسف باخوته :

لما اشتد القحط والجفاف على مصر والبلدان المحيطة بها واشتد الضيق والجوع بالشعوب ، اخذوا يرسلون تجارهم واولادهم لشراء الحبوب والطعام من خزائن الملك ، ومن جملة الذين دخلوا مصر اخوة يوسف ، وذلك بعدما اضطر يعقوب ان يرسل جميع اولاده ـ ما عدا بنيامين ـ الذي ابقاه عنده بعد غياب يوسف لشراء الطعام.

فلما وصلت القافلة ودخلوا على يوسف ، فعرفهم ولم يعرفوه ، ( وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ).

رحب بهم يوسف وطلبوا منه المساعدة بعدما شرحوا له قصة ابيهم والالم الذي يحيط به على فقد ابنه الذي اكله الذئب.

كان اخوة يوسف عشرة فاعطاهم عشرة احمال من الحنطة والحبوب ، فزاد عليهم حملان آخران ، وقال لهم : اني ارى في وجوهكم النبل والرفعة ، فاطلب منكم ان تأتوني باخيكم الذي بقي عند ابيه في سفرتكم القادمة الى مصر ، وختم كلامه بتهديد مبطن لهم ، وهو انني سوف امنع عنكم الحبوب اذا لم تأتوني باخيكم ، وكان يوسف يحاول بشتى الطرق ان يلتقي باخيه بنيامين ويبقيه عنده.

١٥٥

رجع اخوة يوسف الى كنعان فرحين حاملين معهم المتاع الثمين ، ولكنهم كانوا يفكرون كيف يوافق ابوهم على ارسال اخيهم معهم.

فلما رجعوا الى ابيهم اخبروه وقالوا له : يا ابانا منع منا الكيل ، ولا سبيل لنا للحصول عليه الا ان ترسل معنا اخانا حتى نحصل على حبوب كثيرة ، وكن على يقين من اننا سوف نحافظ عليه ونمنعه من الاذى.

فلما استمع الاب الشيخ كلامهم استولى عليه الخوف ، وتذكر يوسف حيث لم تنمحي ذاكرته عن مخيلته وقال لهم :

كيف اطمئن ان ابعث معكم ولدي وفلذة كبدي العزيز الى بلاد بعيدة ، واخاف عليه ان يضيع كما ضاع اخيه يوسف.

ولكن بعد الاصرار من الاولاد اضطر الى قبول مطاليبهم بشرط ان يعطوه مواثيق قوية على ارجاعها اليه ، فوافقوا على الشرط واليمين ، وارسل معهم ابنه « بنيامين » ، وخاصة بعدما فتحوا متاعهم شاهدوا بضاعتهم ردت اليهم وقالوا لابيهم انظر هذه نقودنا ردت الينا ، هل هناك كرم وفضل مثل هذا؟ ان يقوم حاكم اجنبي وفي ظروف القحط والجفاف ، بمساعدتنا ويبيع لنا الحبوب والمؤن ثم يرد الينا ما دفعناه ثمنا له.

فيا ابانا ليس هناك مجال للتفكير والتاخير ، ابعث معنا اخانا لكي نسافر ونشتري الطعام ، وسوف نكون جادين في حفظ اخينا .. فوافق بعد هذا الاصرار واليمين والعهد.

لقاء يوسف وبنيامين :

واصل الاخوة سيرهم نحو مصر وبعد ان قطعوا مسافات شاسعة وطويلة بين كنعان مقر اقامتهم ومصر ، وصلوا الاراضي المصرية ودخلوها ، ومن هناك

١٥٦

ذهبوا الى مقر اخيهم يوسف ودخلوا عليه واخبروه بمجيء اخاهم الصغير معهم حسب طلبه وبرغم امتناع ابيه في البداية ، ولكنهم اصروا عليه وبعد ذلك تمت الموافقة.

اما يوسف فانه قد استقبلهم بحفاوة وكرم ، ودعاهم لتناول الطعام معه وعلى مائدته ، وامرهم ان يجلس كل اثنين منهم على طبق من الطعام ، ففعلوا وجلس كل واحد مع اخيه وبقي بنيامين وحدة فتألم من وحدته وبكى وقال : لو كان اخي يوسف حيا لعطف علي واجلسني الى جنبه.

فقال يوسف لهم : ان اخاكم بقي وحيدا وانني ساجلسه بجنبي على المائدة ونأكل سوية من الطعام ، ثم بعد ذلك استدعاهم الى غرف المنام ليناموا ، ومرة اخرى بقي بنيامين وحده ، فدعاه يوسف الى غرفته وبسط له الفراش لينام الى جنبه ، لكنه لاحظ في تقاسيم وجهه الحزن والالم وسمعه يذكر يوسف دائما متأوها.

عند ذلك نفذ صبر يوسف وكشف له عن حقيقة نفسه ، ويصف القرآن الكريم هذا الموقف ويقول : ( ولما دخلوا على يوسف ءآوى اليه اخاه قال اني انا اخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ).

فعندما كشف يوسف عن واقع حاله ، قال لاخيه الذي كان الالم يعصر قلبه للمعاملة السيئة التي لاقاها من اخوته ، لا تحزن يا اخي واطمأن سوف يندمون عن قريب وسوف تبقى معي ولن اتركك تذهب معهم ، وسوف تذهب محاولاتهم وحيلهم ادراج الرياح.

وبدا يوسف بتنفيذ خطته لابقاء اخيه بنيامين عنده ، وامر بان يُعطي لكل واحد منهم حصة من الطعام والحبوب ، وبعد ذلك وضع الكيل المخصوص الثمين في رحل اخيه بسرية تامة ، وعند ذلك افتُقد الكيل الملكي الخاص ، وبحث عنه

١٥٧

الموظفون والعمال كثيرا ولكن دون جدوى ، وحينئذ اذن المؤذن باعلى صوته : ايها العير انكم لسارقون.

وعندما سمع اخوة يوسف هذا النداء ارتعدت فرائصهم واستولى عليهم الخوف ، حيث لم يخطر ببالهم ان يتهموا بالسرقة ، بعد هذه الحفاوة التي قوبلوا بها من جانب يوسف ، فقالوا للموظفين والعمال ؛ ماذا فقدتم؟

قالوا : فقدنا صواع الملك ونظن انه عندكم ، لانه لا يوجد غيركم في هذا المحل ، وان الملك قد وضع جائزة ، وهي حمل بعير من الطعام لمن وجدها.

فاشتد اضطراب الاخوة لسماعهم هذه الامور وزادت مخاوفهم ، وقالوا للموظفين ، فتشوا رحالنا ، ومن وجد الصواع في رحله هو ان يؤخذ ويسجن بدل الصواع ، وهذا جزاء السارق.

وحينئذ امر يوسف الموظفين والعمال بتفتيش رحالهم وبداوا من رحال اخوة بنيامين ، ولما انتهوا الى رحل بنيامين اخيرا وجدوه في رحله وامتعته.

بعد ان عُثر على الصاع في متاع بنيامين استولى عليهم الارتباك والدهشة وصعقتهم هذه الواقعة وتحيروا ماذا يقولون ، فمن جهة قام اخوهم بعمل قبيح وسرق صواع الملك ، وهذا يعود عليهم بالخزي والعار ، ومن جهة اخرى خافوا على تضعضع اعتبارهم ونفوذهم عند الملك ، وخصوصا حاجتهم الشديدة الى الطعام ، واضافة الى كل هذا ، كيف يجيبون على استفسارات ابيهم وكيف يقنعونه بذنب ابنه وعدم تقصيرهم في ذلك.

وتوجه الاخوة الى بنيامين وعاتبوه عتابا شديدا ، فقالوا له : الا تخجل من فعلك القبيح قد فضحتنا وفضحت اباك يعقوب وآل يعقوب ، قل لنا كيف ولماذا سرقت الصاع ووضعته في رحلك.

قال لهم بنيامين بكل برود ، حيث كان عالما بالقضية : ان الذي قام بهذا

١٥٨

العمل ووضع الصاع في رحلي ، هو نفسه الذي وضع الاموال في متاعكم في المرة السابقة ، لكن الاخوة لم ينتبهوا لهول الواقعة ما قاله بنيامين.

بعد ان عَلِم اخوة يوسف من ارتكاب اخيهم السرقة وقد شوه سمعتهم عند عزيز مصر ، ارادوا ان يبرءوا انفسهم ، وقالوا للعزيز : فهذا قيامه بالسرقة ليس بأمر عجيب منه فان اخاه يوسف قد ارتكب مثل هذا العمل القبيح (١) ونحن نختلف عنهما في النسب ، فهذا ويوسف اخوة من ام ونحن من ام ولكن ابينا واحد ....

اتهام يوسف بالسرقة :

روي ان يعقوب عندما ولد له يوسف دفعه الى اخته ابنة اسحاق تحضنه ، فاحبته حبا شديدا ، واحبه يعقوب ايضا حبا شديدا ، فقال لاخته : اخيّة ، سلمي اليّ يوسف فو الله ما اقدر ان يغيب عني ساعة ، فقالت : والله ما انا بتاركته ساعة ، فاصر يعقوب على اخذه منها.

فقالت : اتركه عندي اياما لعل ذلك يسليني ، ثم عمدت الى منطقة اسحاق ، وكانت عندها ، فحزمتها على وسط يوسف ثم قالت : فقد فقدت المنطقة فانظروا من اخذها ، فكشفوا اهل البيت فوجدوها مع يوسف ، وكان من مذهبهم ان صاحب السرقة يأخذ السارق له لا يعارضه فيه احد ، فاخذت يوسف فامسكته عندها حتى ماتت ، واخذه يعقوب بعد موتها.

فهذا الذي تاول اخوة يوسف في قولهم : « ان يسرق فقد سَرق اخ له من قبل ». وقيل غير هذا ...

__________________

١ ـ ( ان يَسرق فقد سرق اخ له من قبل ).

١٥٩

وحينما سمع كلامهم يوسف تأثر تأثيرا شديدا لكنه كتمه في نفسه ولم يبدها لهم ، بل قال لهم : انكم احقر واشر مكانا ممن تتهمونه وتنسبون اليه السرقة ، وانتم احقر الناس عندي ( قال انتم شر مكانا ).

صدر الحكم على بنيامين كما هو المرسوم عندهم ، ان يبقى عند العزيز ويقوم بخدمته ويكون عبدا له كسائر عبيده.

حاول الاخوة ان يستنقذوا اخاهم بشتى الطرق ، وقالوا للعزيز يوسف الذي كان مجهول الهوية عندهم : ان ابانا شيخ كبير فخذ احدنا مكانه واترك هذا لنا كي نرجعه الى ابيه فانه شيخ كبير ولا طاقة له بفراق ولده العزيز ، فنرجوا منك ان تترحم علينا وعلى ابيه.

فرفض يوسف طلبهم وقال لهم : معاذ الله ان ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده ، فان العدل والانصاف ان يكون المعاقب هو السارق ولو فعلنا لعدنا من الظالمين.

فبعد ان فشلوا في تبرئة اخيهم ، وبعد ان رفض العزيز استعباد احدهم بدل بنيامين ، استولى عليهم اليأس وصمموا على الرجوع والعودة الى كنعان لكي يخبروا اباهم بما حدث.

وعندما وصلوا الى مدينتهم ودخلوا على ابيهم ، رآهم منهوكي القوى والالم والحزن بادي على وجوههم ولم يكن معهم بنيامين واخيه الاكبر ، سألهم ما الخبر؟ اخبروه بالواقعة بالتفصيل ، استولى عليه الحزن والغضب وقال لهم : ان اهوائكم الشيطانية هي التي استولت عليكم وزينت لكم الأمر بهذه الصورة التي انتم تصفون.

ولكن بعد العتاب المليء بالحزن والاسى رجع يعقوب الى قرارة نفسه وقال : فصبر جميل لكني على امل بان الله سبحانه وتعالى سوف يعيد لي

١٦٠