بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم (١) وقال عليه‌السلام : للظالم من الرجال ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية ، ومن دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة (٢) ، وقال عليه‌السلام : إذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه ، وإذا رأيتم شر فاذهبوا عنه فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : يا ابن آدم اعمل الخير ودع الشر فاذا أنت جواد قاصد ، ألا وإن الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفر ، وظلم لا يترك ، وظلم مغفور لا يطلب ، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله ، قال الله سبحانه : «إن الله لا يغفر أن يشرك به» وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا ، القصاص هناك شديد ، ليس هو جرحا بالمدى ، ولا ضربا بالسياط ، ولكنه ما يستصغر ذلك معه (٣) ، وقال عليه‌السلام في وصيته لابنه الحسن عليهما‌السلام : ظلم الضعيف أفحش الظلم.

٥٠ ـ كنز الكراجكى : روى عبدالله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه : ابن آدم اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي ، فلا أمحقك فيمن أمحق ، وإذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك ، واعلم أن الخلق الحسن يذيب السيئة كما يذيب الشمس الجليد ، وإن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل ، وروي أن في التوراة مكتوبا من يظلم يخرب بيته ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تعالى يمهل الظالم حتى يقول أهملني ، ثم إذا أخذه أخذة رابية ، وقال صلى الله عليه وآله إن الله تعالى حمد نفسه عند هلاك الظالمين فقال : «فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين» (٤) وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك ، فانما يسعى في مضرته ونفعك ، وليس جزاء من سرك أن تسوءه ، و من سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر بئرا لاخيه وقع فيها ، ومن هتك حجاب أخيه انتهكت عورات بيته بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد ، وقال عليه‌السلام :

____________________

(١) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٨٥. (٢) المصدر ج ١ ص ٣٤٦.

(٣) المصدر ج ٢ ص ٥١. (٤) الانعام : ٤٥.

٣٢١

اذكر عند الظلم عدل الله فيك ، وعند القدرة الله عليك.

٥١ ـ إعلام الدين : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله يمهل الظالم حتى يقول قد أهملني ، ثم يأخذه أخذة رابية إن الله حمد نفسه عند هلاك الظالمين ، فقال : «فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين».

٥٢ ـ كتاب الامامة والتبصرة : عن هارون بن موسى ، عن محمد بن موسى عن محمد بن علي بن خلف ، عن موسى بن إبراهيم ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الظلم ندامة.

٥٣ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن المفضل بن صالح ، عن سعد بن ظريف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الظلم ثلاثة : ظلم يغفره الله ، وظلم لا يغفره الله ، وظلم لا يدعه الله ، فأما الظلم ألذي لا يغفره ، فالشرك وأما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله ، وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد (١).

بيان : الظلم وضع الشئ في غير موضعه ، فالمشرك ظالم ، لانه جعل غير الله تعالى شريكا له ، ووضع العبادة في غير محلها ، والعاصي ظالم لانه وضع المعصية موضع الطاعة ، فالشرك كأنه يشمل كل إخلال بالعقايد الايمانية ، والمراد المغفرة بدون التوبة كما قال عزوجل «إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (٢) وأما الظلم الذي يغفره : أي يمكن أن يغفره بدون التوبة كما قال «لمن يشاء» وأما الظلم الذي لا يدعه : أى لا يترك مكافاته في الدنيا أو الاعم ولعله للتفنن في العبارة لانه ليس من حقه سبحانه حتى يتعلق به المغفرة أو المعنى لا يدع تداركه للمظلوم ، إما بالانتقام من الظالم أو بالتعويض للمظلوم ، فلا ينافي الاخبار الدالة على أنه إذا أراد تعالى أن يغفر لمن عنده من حقوق الناس يعوض المظلوم حتى يرضى ، والمداينة بين العابد أي المعاملة بينهم كناية عن مطلق حقوق الناس ، فانها تترتب على المعاملة بينهم ، أو المراد به المحاكمة بين العباد

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٠. (٢) النساء : ٤٨.

٣٢٢

في القيامة ، فان سببها حقوق الناس ، قال الجوهري : داينت فلانا إذا عاملته فاعطيت دينا وأخذت بدين ، والدين الجزاء والمكافاة ، يقال : دانه دينا أي جازاه.

٥٤ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن الحجال ، عن غالب بن محمد ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «إن ربك لبالمرصاد» قال : فنطرة على الصراط ، لا يجوزها عبد بمظلمة (١).

بيان : «إن ربك لبالمرصاد» (٢) قال في المجمع : المرصاد الطرق مفعال من رصده يرصده رصدا رعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه ، أي عليه طريق العباد فلا يفوته أحد ، والمعنى أنه لا يفوته شئ من أعمالهم ، لانه يسمع ويرى جميع أقوالهم وأفعالهم كما لا يفوت من هو بالمرصاد وروي عن علي عليه‌السلام أنه قال : معناه إن ربك قادر على أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم وعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد ، و قال عطا : يعنى يجازي كل أحد وينتصف من الظالم للمظلوم ، وروى عن ابن عباس في هذه الاية قال : إن على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله فان جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة ، فان جاء بها تامة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة فان جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن العمرة فان جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسئل عن المظالم ، فان خرج منها وإلا يقال : انظروا فان كان له تطوع أكمل به أعماله ، فاذا فرغ انطلق به إلى الجنة (٣).

وفي القاموس المرصاد الطرق والمكان يرصد فيه والعدو ، وقال : القنطرة الجسر ، وما ارتفع من البنيان ، والمظلمة بكسر اللام ما تطلبه عند الظالم ، وهو اسم ما أخذ منك ذكره الجوهرى.

٥٥ ـ كا : عن الاشعرى ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣١. (٢) الفجر : ١٤.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٨٧.

٣٢٣

بان عمار قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر الله له ما أذنب ذلك اليوم ، ما لم يسفك دما أو يأكل مال يتيم حراما (١).

بيان : ظاهره أن من دخل الصباح على تلك الحالة وهي أن لا يقصد ظلم أحد غفر الله له كل ما صدر عنه من الذنوب غير القتل ، وأكل مال اليتيم وكأن المراد بعدم النية العزم على العدم ، ولا ينافي ذلك صدوره من في أثناء اليوم لكن ينافي ذلك الاخبار الكثيرة الدالة على المؤخذة بحقوق الناس وقد مر بعضها وتخصيص هذه الاخبار الكثيرة بل ظواهر الايات أيضا بمثل هذا الخبر مشكل وإن قيل بأن الله تعالى يرضي المظلوم ، ويمكن توجيهه بوجوه : الاول أن يكون الغرض استثناء جميع حقوق الناس سواء كان في أبدانهم أو في أموالهم ، وذكر من كل منهما فردا على المثال ، لكن خص أشدهما ففي الابدان القتل ، وفي الاموال أكل مال اليتيم ، فيكون حاصل الحديث أن من أصبح غير قاصد بالظلم ، ولم يأت به في ذلك اليوم غفر الله له كل ما كان بينه و بين الله تعالى من الذنوب كما هو ظاهر الخبر الاتي.

الثاني أن يكون التخصيص لانهما من الكبائر والباقي من الصغائر كما هو ظاهر أكثر أخبار الكبائر ، وما سواهما من الكبائر من حقوق الله ، ويمكن شمول سفك الدم للجراحات أيضا ، ولا استبعاد كثيرا في كون هذا العزم في أول اليوم مع ترك كبائر حقوق الناس مكفرا لحقوق الله ، وسائر حقوق الناس ، بأن يرضي الله الخصوم.

الثالث أن يكون المعني : من أصبح ولم يهم بظلم أحد ، ولم يأت به في أثناء اليوم أيضا غفر الله له ما أذنب من حقوقه تعالى ما لم يسفك دما قبل ذلك اليوم ولم يأكل مال يتيم قبل ذلك اليوم ، ولم يتب منهما ، فان من كانت ذمته مشغولة بمثل هذين الحقين لا يستحق لغفران الذنوب ، وعلى هذا يحتمل أن يكون ذلك اليوم ظرفا للغفران لا للذنب ، فيكون الغفران شاملا لما مضى أيضا كما هو ظاهر

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣١.

٣٢٤

الخبر الاتي وقد يأول الغفران بأن الله يوفقه لئلا يصر على كبيرة ولا يخفى بعده.

ثم اعلم أن قوله : «حراما» يحتمل أن يكون حالا [عن كل من السفك والاكل فالاول للاحتراز عن القصاص وقتل الكفار والمحاربين ، والثاني للاحتراز عن الاكل بالمعروف وأن يكون حالا] عن الاخير لظهور الاول.

٥٦ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن أبي نجران ، عن عمار بن حكيم ، عن عبدالاعلى مولى آل سام قال : قال أبوعبدالله مبتدئا : من ظلم سلط الله عليه من يظلمه ، أو على عقبه أو على عقب عقبه ، قال : قالت : هو يظلم فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟ فقال : إن الله عزوجل يقول «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا» (١).

بيان : ولما كان استبعاد السائل عن إمكان وقوع مثل هذا ، لا عن أنه ينافي العدل فأجاب عليه‌السلام بوقوع مثله في قصة اليتامي ، أو أنه لما لم يكن له قابلية فهم ذلك وأنه لا ينافي العدل ، أجاب بما يؤكد الوقوع ، أو يقال : رفع عليه‌السلام الاستبعاد بالدليل الاني وترك الدليل اللمي ، والكل متقاربة.

وأما تفسير الاية فقال البيضاوي : أمر للاوصياء بأن يخشوا الله ويتقوه في أمر التيامى ، فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف ، بعد وفاتهم ، أو للحاضرين المريض عند الايصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوهم أن يضربهم بصرف المال عنهم أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الاقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم ، هل يجوزون حرمانهم أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية. و «لو» بما في حيزه جعل صلة «للذين» على معنى وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافا خافوا عليهم الضياع ، وفي ترتيب الامر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه ، وبعث على الترحم وان يحب لاولاد غيره ما يحب لاولاده ، وتهديد المخالف بحال أولاده «فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا» أمرهم بالتقوى الذي

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٢ والاية في النساء : ٩.

٣٢٥

هو نهاية الخشية ، بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبتدأ والمنتهى إذ لا ينفع الاول دون الثاني ، ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لاولادهم بالشفقة وحسن الادب أو للمريض ما يصده عن الاسراف في الوصية ( ما يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة ، ويذكره التوبة وكلمة الشهادة أو لحاضري القسمة عذرا جميلا ووعدا حسنا ، أو أن يقولوا في الوصية ) ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث ، وتضييع الورثة انتهى (١).

وقال الطبرسي رحمة الله عليه في ذكر الوجوه في تفسير الاية : وثانيها أن الامر في الاية لولى مال اليتيم يأمره بأداء الامانة فيه ، والقيام بحفظه ، وكما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم عن ابن عباس ، وإلى هذا المعنى يؤل ما روي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : إن الله تعالى أوعد في مال اليتيم عقوبتين ثنتين : أما إحداهما فعقوبة الدنيا قوله : «وليخش الذين لو تركوا الاية» قال : يعني بذلك ليخش أن اخلفه في ذريته كما صنع بهؤلاء اليتامى (٢).

وأقول : أما دفع توهم الظلم في ذلك فهو أنه يجوز أن يكون فعل الالم بالغير لطفا لاخرين مع تعويض أضعاف ذلك الالم بالنسبة إلى من وقع عليه الالم بحيث إذا شاهد ذلك العوض رضي بذلك الالم كأمراض الاطفال ، فيمكن أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن من ظلم أحدا أو أكل مال يتيم ظلما بأن يبتلي أولاده بمثل ذلك فهذا لطف بالنسبة إلى كل من شاهد ذلك أو سمع من مخبر عليم صدقه ، فيرتدع عن الظلم على اليتيم وغيره ، ويعوض الله الاولاد بأضعاف ما وقع عليهم أو أخذ منهم في الاخرة مع أنه يمكن أن يكون ذلك لطفا بالنسبة إليهم أيضا فيصير سببا لصلاحهم وارتداعهم عن المعاصي ، فانا نعلم أن اولاد الظلمة لو بقوا في نعمة أبائهم لطغوا وبغوا وهلكوا ، كما كان آباؤهم ، فصلاحهم أيضا في ذلك ، وليس في شئ من ذلك ظلم على أحد ، وقد تقدم بعض القول منا في ذلك سابقا.

٥٧ ـ كا : عن العدة ، عن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال : ما انتصر الله من ظالم إلا بظالم ، وذلك قول الله عزوجل : « وكذلك نولي بعض الظالمين

____________________

(١) انوار التنزيل ص ٩١. (٢) مجمع البيان ج ٣ ص ١٢.

٣٢٦

بعضا «(١).

بيان : الانتصار الانتقام ، » وكذلك نولي «أقول : قبله قوله تعالى : « ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس ، وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثويكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم » ثم قال سبحانه : « وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون » (٢) وقال الطبرسي رحمه‌الله : الكاف للتشبيه أي كذلك المهل بتخلية بعضهم على بعض للامتحان الذي معه يصح الجزاء على الاعمال ، توليتنا بعض الظالمين بعضا بأن نجعل بعضهم يتولى أمر بعض للعقاب الذي يجري على الاستحقاق ، وقيل : معناه أنا كما وكلنا هؤلاء الظالمين من الجن والانس بعضهم إلى بعض يوم القيامة وتبرأنا منهم ، فكذلك نكل الظالمين بعضهم إلى بعض يوم القيامة ، ونكل الاتباع إلى المتبوعين ، ونقول للاتباع قولوا للمتبوعين حتى يخلصوكم من العذاب عن الجبائي ، وقال غيره : لما حكى الله سبحانه ما يجري بين الجن والانس من الخصام والجدال في الاخرة ، قال : « وكذلك» أي وكما فعلنا بهؤلاء من الجمع بينهم في النار ، وتولية بعضهم بعضا نفعل مثله بالظالمين جزاء على أعمالهم ، وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط على قوم ولى أمرهم شرارهم بما كانوا يكسبون من المعاصي أي جزاء على أعمالهم القبيحة ، وذلك معنى قوله : «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (٣) ومثله ما رواه الكلبي عن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض كتب الحكمة أن الله تعالى يقول : إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، ولكن توبوا إلى اعطفهم عليكم ، وقيل : معنى نولي بعضهم بعضا نخلي بينهم وبين ما يختارونه من غير نصرة لهم ، وقيل : معناه

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٤. (٢) الانعام : ١٢٨ و ١٢٩.

(٣) الرعد : ١١.

٣٢٧

نتابع بعضهم بعضا في النار انتهى (١).

وأقول : ما ذكره عليه‌السلام أوفق بكلام ابن عباس والكلبى ومطابق لظاهر الاية.

٥٨ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب عن ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : دخل رجلان على أبي عبدالله عليه‌السلام في مداراة بينهما ومعاملة ، فلما أن سمع كلامهما قال : أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم ، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم ثم قال : من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به ، أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع ، وليس يحصد أحد من المر حلوا ولا من الحلو مرا فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما (٢).

بيان : في القاموس تدارؤا تدافعوا في الخصومة ، ودارأته : داريته ودافعته ولا ينته ضد «فلما أن سمع» أن زائدة لتأكيد الاتصال «ما ظفر أحد بخير» أقول : هذه العبارة تحتمل عندي وجوها :

الاول أن ظفر من باب علم ، والظفر الوصول إلى المطلوب ، والباء في قوله : «بخير» للالية المجازية كقولك قام زيد بقيام حسن ، وفي «بالظلم» صلة للظفر و «من» صلة لافعل التفضيل ، والظلم مصدر مبنى للفاعل أو للمفعول ، والحاصل أنه لم يظفر أحد بنعمة يكون خيرا من أن يظفر بظلم ظالم له أو بمظلومية من ظالم فانه ظفر بالمثوبات الاخروية كما سنبينه.

الثاني أن يكون كالسابق لكن يكون الباء في قوله : «بخير» صلة للظفر وفي قوله : «بالظلم» للالية المجازية و «من» للتعليل متعلقا بالظفر ، والظلم مصدر مبنى للفاعل ، أي ما ظفر أحد بأمر خير بسبب ظفره بظلم أحد.

الثالث ما قيل : إن الخير مضاف إلى من بالفتح ، ولا يخفى ما فيه.

الرابع أن يكون من اسم موصول وظفر فعلا ما ضيا ، ويكون بدلا لقوله :

____________________

(١) مجمع البيان ج ٤ ص ٣٦٦. (٢) الكافى ج ٢ ص ٣٣٤.

٣٢٨

«أحد» كما في قوله تعالى : «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا» (١) وهذا مما خطر أيضا بالبال ، لكن الاول أحسن الوجوه ، وعلى التقادير قوله : «أما إنه» استيناف بياني لسابقه ويؤيده ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك ، فانه يسعى في مضرته ونفعك.

«وليس يحصد أحد من المر حلوا» [هذا تمثيل لبيان أن جزاء الشر لايكون نفعا وخيرا وجزاء الخير وثمرته لا يكون شرا ووبالا في الدارين].

٥٩ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن وهب بن عبد ربه وعبدالله الطويل عن شيخ من النخع قال : قلت لابي جعفر عليه‌السلام : إني لم أزل واليا منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا ، فهل لي من توبة؟ قال : فسكت ثم أعدت عليه فقال : لا حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه (٢).

بيان : النخع بالتحريك قبيلة باليمن منهم مالك الاشتر «حتى تؤدي» أي مع معرفتهم وإمكان الايصال إليهم ، وإلا فالتصدق أيضا لعله قائم مقام الايصال كما هو المشهور ، إلا أن يقال : أرباب الصدقة أيضا ذوو الحقوق في تلك الصورة ، ولعله عليه‌السلام لما علم أنه لا يعمل لقوله ، لم يبين له المخرج من ذلك والله يعلم.

٦٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلا الله (٣).

بيان : «لا يجد صاحبها عليها عونا» أي لا يمكنه الانتصار في الدنيا لا بنفسه ولا بغيره ، وظلم الضعيف العاجز أفحش ، وقيل : المعنى انه لا يتوسل في ذلك إلى أحد ولا يتسعين بحاكم بل يتوكل على الله ، ويؤخر انتقامه إلى يوم الجزاء والاول أظهر ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : قال الله عزوجل : «اشتد غضبي على من ظلم أحدا لا يجد ناصر غيري» وروي أيضا عنه صلى الله على وآله أن العبد إذا ظلم فلم ينتصر ولم يكن من ينصره ورفع طرفه إلى السماء فدعا الله تعالى قال جل جلاله : لبيك عبدي أنصرك عاجلا وآجلا ، اشتد غضبي على من ظلم

____________________

(١) آل عمران : ٩٧. (٢ و ٣) الكافى ج ٢ ص ٣٣١.

٣٢٩

أحدا لا يجد ناصر غيري.

٦١ ـ كا : عنه عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن حفص بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من خاف القصاص كف عن ظلم الناس (١).

بيان : قيل المراد بالقصاص قصاص الدنيا ولا يخفى قلة فائدة الحديث حينئذ بل المعنى أن من خاف قصاص الاخرة ومجازاة أعمال العباد ، كف نفسه عن ظلم الناس ، فلا يظلم أحدا ، والغرض التنبيه على أن الظالم لا يؤمن ولا يوقن بيوم الحساب ، فهو على حد الشرك بالله ، والكفر بما جاءت به رسل الله عليهم‌السلام ويحتمل أن يكون المراد القصاص في الدنيا لكن للتنبيه على ما ذكرنا ، أي من خاف من قصاص الدنيا ترك ظلم الناس ، مع أنه لا قدر له في جنب قصاص الاخرة فمن لا يخاف قصاص الدنيا ويجترئ على الظلم ، فمعلوم أنه لا يخاف عقاب الاخرة ولا يؤمن به ، فيرجع إلى الاول مع مزيد تنبيه وتأكيد.

٦٢ ـ كا : عن على ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أصبح لا يهم بظلم أحد غفر الله له ما اجترم (٢).

بيان : في القاموس جرم فلان أذنب كأجرم واجترم فهو مجرم ، و «ما» يحتمل المصدرية والموصولة.

[كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده] (٣).

٦٣ ـ كا : عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة (٤).

بيان : الظلمات جمع ظلمة وهي خلاف النور وحملها على الظلم باعتبار تكثره معنى أو للمبالغة ، والمراد بالظلمة إما الحقيقة لما قيل من أن الهيئات النفسانيه التي هي ثمرات الاعمال الموجبة للسعادة أو الشقاوة أنوار وظلمات مصاحبة للنفس ، وهي تنكشف لها في القيامة التي هي محل برزو الاسرار ، وظهور الخفيات فتحيط بالظلام على قدر مراتب ظلمه ظلمات متراكمة ، حين يكون المؤمنون

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٥. (٢ ٤) الكافى ج ٢ ص ٣٣٢.

٣٣٠

في نور يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، أو المراد بها الشدائد والاهوال كما قيل في قوله تعالى «قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر» (١).

٦٤ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما من أحد يظلم بمظلمة إلا أخذه الله بها في نفسه أو ماله ، وأما الظلم الذي بينه وبين الله فاذا تاب غفر له (٢).

بيان : ذكر النفس والمال على المثال لمامر وسيأتي من إضافة الولد ، وفيه إشعار بأن رد المظالم ليس جزءا من التوبة بل من شرائط صحته.

٦٥ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين أن ائت هذا الجبار فقل له إني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الاموال ، وإنما استعملك لتكف عني أصوات المظلومين فاني لن أدع ظلامتهم ، وإن كانوا كفارا (٣).

بيان : الظلامة بالضم ما تطلبه عند الظالم ، وهو اسم ما أخذ منك ، وفيه دلالة على أن سلطنة الجبارين أيضا بتقديره تعالى ، حيث مكنهم منها وهيأ لهم أسبابها ولا ينافي ذلك كونهم معاقبين على أفعالهم ، لانهم غير مجبورين عليها ، مع أنه يظهر من الاخبار أنه كان في الزمن السابق السلطنة الحق لغير الانبياء والاوصياء أيضا لكنهم كانوا مأمورين بأن يطيعوا الانبياء فيما يأمرونهم به ، وقوله : «فانى لن أدع ظلامتهم» تهديد للجبار بزوال ملكه ، فان الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم.

٦٦ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من أكل مال أخيه ظلما ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة (٤).

____________________

(١) الانعام : ٦٣. (٢) الكافى ج ٢ ص ٣٣٢.

(٣ و ٤) الكافى ج ٢ ص ٣٣٣.

٣٣١

بيان : في القاموس الجذوة مثلثة القبسة من النار ، والجمرة ، والمراد بالاخ إن كان المسلم فالتخصيص لان أكل مال الكافر ليس بتلك المثابة ، وإن كان حراما ، وكذا إن كان المراد به المؤمن فان مال المخالف أيضا ليس كذلك ، وإن كان المراد به من كان بينه وبينه اخوة ومصادقة فالتخصيص لكونه الفرد الخفي لان الصداقة مما يوهم حل أكل ماله مطلقا لحل بعض الاموال في بعض الاحوال كما قال تعالى : «أو صديقكم» (١) فالمعنى فكيف من لم يكن كذلك ، وكأن الاوسط أظهر ، وأكل الجذوة إما حقيقة بأن يلقى في حلقه النار ، أو كناية عن كونه سببا لدخول النار.

٦٧ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة ابن يزيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم (٢).

بيان : «العامل بالظلم» الظاهر الظلم على الغير ، وربما يعمم بما يشمل الظلم على النفس «والمعين له» أي في الظلم وقد يعم «والراضي به» أى غير المظلوم وقيل : يشمله ويؤيده قوله تعالى : «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار» (٣) قال في الكشاف النهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم والتشبه بهم والتزيي بزيهم ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم ، وفي خبر مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الفقيه وغيره أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مدح سلطانا جائرا أو تخفف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من دل جائرا على جوركان قرين هامان في جهنم.

٦٨ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال : من عذر ظالمال بظلمه سلط الله

____________________

(١) النور : ٦٢. (٢) الكافى ج ٢ ص ٣٣٣.

(٣) هود : ١١٣.

٣٣٢

عليه من يظلمه وإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته (١).

بيان : «من عذر ظالما» يقال : عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور ، أي غير ملوم ، والاسم العذر بضم الذال للاتباع ، وتسكن والجمع أعذار ، والمعذرة بمعنى العذر وأعذرته بالالف لغة «وإن دعا لم يستجب له» أي إن دعا الله تعالى ان يدفع عنه ظلم من يظلمه لم يستجب له لانه بسبب عذره صار ظالما خرج عن استحقاق الاجابة ، أو لما عذر ظالم غيره يلزمه أن يعذر ظالم نفسه ، ولم يأجره الله على ظلامته لذلك ، أو لانها وقعت مجازاة ، قيل : لا ينافي ذلك الانتقام من ظلمه كما دل عليه الخبر الاول (٢).

٦٩ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو حتى يكون ظالما (٣).

بيان : «فما يزال يدعو» أقول : يحتمل وجوها :

الاول أنه يفرط في الدعاء على الظالم حتى يصير ظالما بسبب هذا الدعاء كأن ظلمه بظلم يسير كشتم أو أخذ دراهم يسيرة ، فيدعو عليه بالموت والقتل والفناء أو العمى أو الزمن ، وأمثال ذلك ، أو يتجاوز في الدعاء إلى من لم يظلمه كانقطاع نسله أو موت أولاده وأحبائه أو استيصال عشيرته ، وأمثال ذلك ، فيصير في هذا الدعاء ظالما.

الثاني أن يكون المعنى أنه يدعو كثيرا على العدو المؤمن ولا يكتفي بالدعاء لدفع ضرره ، بل يدعو بابتلائه ، وهذا مما لا يرضى الله به ، فيكون في ذلك ظالما على نفسه ، بل على أخيه أيضا ، إذ مقتضى الاخوة الايمانية أن يدعو له بصلاحه ، وكف ضرره عنه ، كما ذكره سيد الساجدين عليه‌السلام في دعاء دفع العدو وما ورد ومن الدعاء بالقتل والموت والاستيصال فالظاهر أنه كان للدعاء على المخالفين

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٤. (٢) مر تحت الرقم ٥٣.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٣٣٣.

٣٣٣

وأعداء الدين ، بقرينة أن أعداءهم كانوا كفارا لامحاله كما يومئ إليه قوله تعالى : «ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم» (١) وسيأتي عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له : بئس الاخ أنت لاخيك كف أيها المستر على ذنوبه وعورته واربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عليك ، واعلم أن الله عزوجل أعلم بعبده منك.

الثالث ما قيل : إنه يدعو كثيرا ولا يعلم الله صلاحه في إجابته ، فيؤخرها فييئس من روح الله ، فيصير ظالما على نفسه ، وهو بعيد.

الرابع أن يكون المعنى أنه يلح في الدعاء حتى يستجاب له فيسلط على خصمه فيظلمه فينعكس الامر ، وكانت حالته الاولى أحسن له من تلك الحالة.

الخامس أن يكون المراد به لا تدعوا كثيرا على الظلمة فانه ربما صرتم ظلمة فيستجيب فيكم ما دعوتم على غيركم.

السادس ما قيل : كأن المراد من يدعو للظالم يكون ظالما لانه رضي بظلمه كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه.

وأقول : هذا أبعد الوجوه.

٨٠

*(باب)*

*«(آداب الدخول على السلاطين والامراء)»*

١ ـ دعوات الراوندى : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا دخلت على سلطان جائر فاقرأ حين تنظر إليه قل هو الله أحد ثلاث مرات ، واعقد بيدك اليسرى ، ولا تفارقها حتى تخرج.

____________________

(١) يوسف : ١١.

٣٣٤

٨١

(باب)

*«(أحوال الملوك والامراء ، والعراف ، والنقباء ، والرؤساء وعدلهم وجورهم)»*

الايات : آل عمران : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير وقال تعالى : وتلك الايام نداولها بين الناس (١).

يوسف : وكذلك مكنا ليوسف في الارض يتبوء منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولاجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون (٢).

اسرى : فاذا جاء وعد اوليهما بعثنا عليم عبادا لنا اولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (٣).

الكهف : ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الارض وآتيناه من كل شئ سببا إلى قوله تعالى : قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا (٤).

النمل : قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون (٥).

____________________

(١) آل عمران : ٢٦ ، ١٤٠. (٢) يوسف : ٥٦ ٥٧.

(٣) اسرى : ٥ ٦. (٤) الكهف : ٨٣ ٨٨.

(٥) النمل : ٣٤.

٣٣٥

محمد : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (١).

١ ـ ل : العطار ، عن أبيه ، عن الاشعرى ، عن ابن معروف ، عن ابن غزوان عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان من امتي إذا صلحا صلحت امتي ، وإذا فسدا فسدت امتي قيل : يا رسول الله ومن هما؟ قال : الفقهاء والامراء (٢).

٢ ـ نوادر الراوندى : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله ، إلا أن فيه القراء مكان الفقهاء (٣).

كتاب الامامة والتبصرة : عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن علي بن محمد بن أبي القاسم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن الصادق عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله.

٣ ـ ل : ابن الوليد ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن محمد بن عبد الجبار رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : رجلان لا تنالهما شفاعتي : صاحب سلطان عسوف غشوم ، وغال في الدين مارق (٤).

٤ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان لا تنالهما شفاعتي : سلطان غشوم عسوف ، وغال في الدين مارق منه ، غير تائب ولا نازع (٥).

كتاب الامامة والتبصرة : عن الحسن بن حمزة العلوي ، عن على بن محمد بن أبي القاسم ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله.

٥ ـ ل : أبي ، عن الحميرى ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن

____________________

(١) القتال : ٢٢ ٢٣.

(٢) الخصال ج ١ ص ٢٠. (٣) نوادر الراوندى ص ٢٧.

(٤) الخصال ج ١ ص ٣٣. (٥) قرب الاسناد ص ٣١.

٣٣٦

فضالة ، عن سليمان بن درستويه ، عن عجلان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ثلاثة يدخلهم الله الجنة بغير حساب وثلاثة يدخلهم الله النار بغير حساب : فأما الذين يدخلهم الله الجنة بغير حساب فإمام عادل وتاجر صدوق وشيخ أفنى عمره في طاعة الله عزوجل ، وأما الثلاثة الذين يدخلهم النار بغير حساب فامام جائر و تاجر كذوب وشيخ زان (١).

٦ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن الاصبهانى ، عن المنقري ، عن حفص ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إني لارجو النجاة لهذه الامة لمن عرف حقنا منهم إلا لاحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن (٢).

٧ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن معروف ، عن إسماعيل ابن همام ، عن ابن غزوان ، عن السكوني عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : تكلم النار يوم القيامة ثلاثة أميرا وقارئا وذا ثروة من المال فتقول للامير : يا من وهب الله له سلطانا فلم يعدل فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم ، وتقول للقارئ : يا من تزين للناس وبارز الله بالمعاصي فتزدرده ، وتقول للغنى : يا من وهبه الله دنيا كثيرة واسعة فيضا وسأله الحقير اليسير قرضا فأبى إلا بخلا فتزدرده (٣).

٨ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ابن اذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول احذروا على دينكم ثلاثة : رجلا قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك ، قلت : يا أمير المؤمنين أيهما أولى بالشرك؟ قال : الرامى ، ورجلا استخفته الاحاديث كلما حدثت احدوثة كذب مدها بأطول منها ، ورلا آتاه الله عزوجل سلطانا فزعم أن طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، وكذب ، لانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، لا

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٤٠. (٢) الخصال ج ١ ص ٥٩.

(٣) الخصال ج ١ ص ٥٥.

٣٣٧

ينبغي للمخلوق أن يكون حبة لمعصية الله ، فلا طاعة في معصيته ، ولا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الامر ، وإنما أمر الله عزوجل بطاعة الرسول لانه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية ، وإنما أمر بطاعة اولي الامر لانهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته (١).

٩ ـ ل : عن سفيان الثوري قال : قال الصادق عليه‌السلام : لامروة لكذوب ، ولا إخاء لملوك (٢).

١٠ ـ ل : أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب عن ابن بهلول ، عن أبيه ، عن عبدالله الفضل قال : قال ابوعبدالله عليه‌السلام : ثلاثة من عازهم ذل : الوالد والسلطان والغريم (٣).

١١ ـ ل : فميا أوصى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام يا علي أربعة من قواصم الظهر : إما يعصي الله ويطاع أمره ، وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه ، وفقر لا يجد صاحبه له مداويا ، وجار سوء في دار مقام (٤).

١٢ ـ ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد ، عن محمد بن جعفر باسناده قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليس للبحر جار ، ولا للملك صديق ولا للعافية ثمن ، وكم من منعم عليه وهو لا يعلم (٥).

١٣ ـ ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن موسى بن عمر ، عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه‌السلام أنه قال : خمس هن كما أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا لملوك وفاء ، ولا لكذاب مروة ، ولا يسود سفيه (٦).

١٤ ـ ل : أبي ، عن الحميري ، عن هارون ، عن ابن زياد ، عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : إن في جهنم رحى تطحن أفلا تسألوني

____________________

(١) الخصال ج ١ ٦٨. (٢) الخصال ج ١ ص ٨٠.

(٣) الخصال ج ١ ص ٩١. (٤) الخصال ج ١ ص ٩٦.

(٥) الخصال ج ١ ص ١٠٦. (٦) الخصال ج ١ ص ١٣٠.

٣٣٨

ما طحنها؟ فقيل له : فما طحنها يا أمير المؤمنين؟ قال : العلماء الفجرة ، والقراء الفسقة ، والجبابرة الظلمة ، والوزراء الخونة ، والعرفاء الكذبة ، وإن في النار لمدينة يقال لها : الحصينة ، افلا تسألوني ما فيها؟ فقيل : وما فيها يا أمير المؤمنين؟ فقال : فيها أيدي الناكثين (١).

ثو : ما جيلويه ، عن عمه ، عن هارون [مثله] (٢).

١٥ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن أسلم الجبلي باسناده يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل يعذب ستة بست : العرب بالعصبية ، والدهاقنة بالكبر ، والامراء بالجور ، والفقهاء بالحسد والتجار بالخيانة ، وأهل الرستاق بالجهل (٣).

١٦ ـ ل : حمزة العلوى ، عن أحمد الهمداني ، عن يحيى بن الحسن ، عن محمد بن ميمون ، عن القداح ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ، ويعز من أذله الله والمستأثر بفئ المسلمين المستحل له (٤).

أقول : قد مر بعض الاخبار في باب أصناف الناس.

١٧ ـ ل : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي القاسم الكوفي ، عن عبدالمؤمن الانصاري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لعنت سبعة لعنهم الله وكل نبي مجاب قبلي فقيل : ومن هم يا رسول الله؟ فقال : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمخالف لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمتسلط بالجبرية ليعز من أذل الله ، ويذل من أعز الله ، والمستأثر على المسلمين بفيئهم مستحلا له ، والمحرم

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٤٢ (٢) ثواب الاعمال ص ٢٢٧.

(٣) الخصال ج ١ ص ١٥٨. (٤) الخصال ج ١ ص ١٦٤.

٣٣٩

ما أحل الله عزوجل (١).

أقول قد مضى بسند آخر في باب شرار الناس.

١٧ ـ في : السناني ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن ابن ظبيان ، عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقل الناس وفاء الملوك ، وأقل الناس صديقا الملوك وأشقى الناس الملوك (٢).

١٨ ـ لى : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن الخشاب ، عن علي بن النعمان عن ابن مسكان ، عن الشحام ، عن الصادق عليه‌السلام قال : من تولى أمرا من امور الناس فعدل وفتح بابه ورفع شره ونظر في امور الناس كان حقا على الله عزوجل أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة (٣).

١٩ ـ لى : ابن موسى ، عن الاسدي ، عن صالح بن أبي حماد ، عن ابن بريع ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل قال : قال الصادق عليه‌السلام : إذا أراد الله عزوجل برعية خيرا جعل لها سلطانا رحيما ، وقيض له وزيرا عادلا (٤).

٢٠ ـ لى : ابن المغيرة ، عن جده ، عن جده ، عن السكوني ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان من امتي إذا صلحا صلحت امتي وإذا فسدا فسدت امتي : الامراء والقراء (٥).

٢١ ـ لى : السناني ، عن الاسدي ، عن البرمكي ، عن عبدالله بن أحمد عن أبي أحمد الازدي ، عن عبدالله بن جندب ، عن أبي عمر العجمي ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله جل جلاله : أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدي فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة ، وأيما قوم عصوني جعلت

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٦.

(٢) أمالى الصدوق ص ١٤ ، وفيه : أقل الناس صدقا المملوك خ ل.

(٣ ٤) أمالى الصدوق ص ١٤٨. (٥) أمالى الصدوق ص ٢٢٠.

٣٤٠