بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ما قلت ثم خرجت إليه فصافحته وضحكت في وجهه؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من شرار الناس من اتقي لسانه ، قال : وسمعته يقول : قد كنى الله عزوجل في الكتاب عن الرجل ، وهو ذوالقوة وذوالعزة ، فكيف نحن (١).

٧ ـ ختص : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الناس من انتفع به الناس ، وشر الناس من تأذى به الناس ، وشر من ذلك من أكرمه الناس اتقاء شره ، وشر من ذلك من باع دينه بدنيا غيره (٢).

٨ ـ ين : حماد بن عيسى ، عن العقرقوفي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم عند عائشة فاستأذن عليه رجل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بئس أخو العشيرة وقامت عائشة فدخلت البيت وأذن له رسول الله فدخل فأقبل رسول الله عليه حتى إذا فرغ من حديثه خرج ، فقالت له عائشة : يا رسول الله بينا أنت تذكره إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن من أشر عبادالله من يكره مجالسته لفحشه.

٩ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو ذات يوم عند عائشة إذ استأذن عليه رجل فقال رسول الله : بئس أخو العشيرة ، فقامت عائشة فدخلت البيت فأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل ، فلما دخل أقبل عليه رسول الله بوجهه وبشره إليه يحدثه حتى إذا فرغ وخرج من عنده ، قالت عائشة : يا رسول الله بينما أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذا أقبلت عليه بوجهك وبشرك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك : إن من شرار عباد الله من تكره مجالسته لفحشه (٣).

بيان : في القاموس عشيرة الرجل بنو أبيه الادنون ، أو قبيلته ، وفي المصباح تقول : هو أخو تميم أي واحد منهم انتهي ، وقرأ بعض الافاضل العشيرة بضم العين وفتح الشين تصغير العشرة بالكسر أى المعاشرة ولا يخفى ما فيه ، وبشره بالرفع

____________________

(١) السرائر ص ٤٧٥. (٢) الاختصاص : ٢٤٣.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٣٢٦.

٢٨١

و «إليه» خبره ، والجملة حالية كيحدثه ، وليس في بعض النسخ «عليه» أولا فبشره مجرور عطفا على وجهه ، وهو أظهر ، ويتحتمل زيادة إليه آخرا كما يومي إليه قولها «إذا أقبلت عليه بوجهك وبشرك» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن من شرار عباد الله» إما عذر لما قاله أولا أو لما فعله آخرا أو لهما معا فتأمل جدا.

ونظير هذا الحديث رواه مخالفونا عن عروة بن الزبير قال : حدثتني عائشة أن رجلا استأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة ، فلما دخل عليه ألان له القول ، قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول؟ قال : يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أوتركه اتقاء فحشه.

قال عياض قوله : «لبئس» ذم له في الغيبة ، ولارجل عيينة بن حصن الفرازي ولم يكن أسلم حينئذ ، ففيه لا غيبة على فاسق ومبتدع وإن كان قد أسلم ، فيكون عليه‌السلام أراد أن يبين حاله وفي ذلك الذم يعني «لبئس» علم من أعلام النبوة فانه ارتد وجي ء به إلى أبي بكر وله مع عمر خبر ، وفيه أيضا أن المداراة مع الفسقة والكفرة مباحة وتستحب في بعض الاحوال بخلاف المداهنة المحرمة والفرق بينهما أن المدراة بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا ، والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا والنبي صلى الله على واله بذل له من دنياه حسن العشرة وطلاقة الوجه ، ولم يرو أنه مدحه حتى يكون ذلك خلاف قول لعائشة ولا من ذي الوجهين ، وهو عليه‌السلام منزه عن ذلك وحديثه هذلا أصل في جواز المداراة وغيبة أهل الفسق والبدع.

وقال القرطبي : قيل أسلم هو قبل الفتح وقيل بعده ، ولكن الحديث دل على أنه شر الناس منزلة عند الله تعالى ، ولا يكون كذلك حتى يختم له بالكفر والله سبحانه أعلم بما ختم له ، وكان من المؤلفة ، وجفاة الاعراب ، وقال النخعي : دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بغير إذن ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنى الاذن؟ فقال : ما استأذنت على أحد من مضر فقالت عائشة : من هذا يا رسول الله؟ قال : هذا أحمق مطاع ، وهو على ما ترين سيد قومه ، وكان يسمى الاحمق المطاع ، وقال الابى :

٢٨٢

هذا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله تعليم لغيره لانه أرفع أن يتقى فحش كلامه.

١٠ ـ كا : عن على بن أبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شر الناس عندالله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم (١).

بيان : يكرمون على بناء المجهول.

١١ ـ كا : عن على ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من خاف الناس لسانه فهو في النار (٢).

١٢ ـ كا : عن العدة ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : شر الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم (٣).

٧٢

*(باب)*

المكر والخديعة والغش ، والسعى في الفتنة

الايات : الانفال : ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (٤).

النمل : ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمر نا هم وقومهمه أجمعين (٥).

فاطر : والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر اولئك هو يبور.

وقال تعالى : استكبار في الارض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (٦).

المؤمن : وما كيد الكفارين إلا في ضلال (٧).

____________________

(١ ٣) الكافى ج ٢ ص ٣٢٧.

(٤) الانفال : ٣٠. (٥) النمل : ٥٠ و ٥١.

(٦) فاطر : ١٠ ، ٤٣. (٧) المؤمن : ٢٥.

٢٨٣

الطور : أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون إلى قوله تعالى : يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا ينصرون (١).

نوح : ومكروا مكرا كبارا (٢).

١ ـ ل ، لى : عن الصادق عليه‌السلام قال : إن كان العرض على الله عزوجل حقا فالمكر لماذا (٣).

٢ ـ ن ، لى : ما جيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن معبد ، عن ابن خالد عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان مسلما فلا يمكر ولا يخدع ، فاني سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول : إن المكر والخديعة في النار ثم قال عليه‌السلام : ليس منا من غش مسلما وليس منا من خان مسلما ، ثم قال عليه‌السلام : إن جبرئيل الروح الامين نزل علي من عند رب العالمين ، فقال : يا محمد عليك بحسن الخلق فان سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والاخرة ، ألا وإن أشبهكم بي أحسنكم خلقا (٤).

٣ ـ لى : في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا ، ويحشر يوم القيامة مع اليهود ، لانهم أغش الخلق للمسلمين ، وقال عليه‌السلام : من بات وفي قلبه غش لاخيه المسلم ، بات في سخط الله ، وأصبح كذلك حتى يتوب (٥).

أقول : قد مضي في باب جوامع المساوي ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال لا يطمعن ذو الكبر في الثناء الحسن ، ولا الخب في كثرة الصديق (٦) وفي باب اصول الكفر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال كفر بالله العظيم من هذه الامة عشرة ، وذكر منهم الساعي في الفتنة.

____________________

(١) الطور : ٤٢ ٤٦. (٢) نوح : ٢٢.

(٣) الخصال ج ٢ ص ٦١ ، أمالى الصدوق ص ٥.

(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ٥٠ ، الامالى ١٦٣.

(٥) أمالى الصدوق ص ٢٥٧. (٦) راجع الخصال ج ٢ ص ٥٣.

٢٨٤

٤ ـ ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : المؤمن لايغش أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتهمه ولا يقول له أنا منك برئ (١).

٥ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره (٢).

صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام مثله (٣).

٦ ـ مع : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لاخلابة يعني الخديعة ، يقال : خلبته أخلبه خلابة إذا خدعته (٤).

٧ ـ ثو : ما جيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن محمد بن عقبة رفعه عن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام أنه كان يقول : المكر والخديعة في النار (٥).

٨ ـ ثو : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا من ماكر مسلما (٦).

٩ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم رفعه قال : قال علي عليه‌السلام : لو لا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمرك العرب (٧).

١٠ ـ ثو : العطار ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن حبيب بن سنان ، عن زاذان قال : سمعت عليا صلوات الله عليه يقول : لو لا أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إن المكر والخديعة والخيانة في النار ، لكنت أمكر العرب (٨).

١١ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦١. (٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ٢٩.

(٣) صحيفة الرضا عليه‌السلام ص ٤. (٤) معانى الاخبار ص ٢٨٢.

(٥) ثواب الاعمال ص ٢٤١. (٨٦) ثواب الاعمال ٢٤٢.

٢٨٥

سالم رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو لا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس (١).

بيان : في القاموس المكر الخديعة ، وقال : خدعه كمنعه خدعا ويكسر ختله وأراد به المكروه من حيث لا يعلم ، كاختدعه فانخدع والاسم الخديعة ، وقال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال الله عزوجل : «والله خير الماكرين» ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى : «ولا يحيق المكسر السيئ إلا بأهله» وقال في الامرين : «ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون» وقال بعضهم : من مكر الله تعالى إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله ، وقال : الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه انتهى (٢).

وفي المصباح خدعته خدعا فانخدع والخدع بالكسر اسم منه ، والخديعة مثله ، والفاعل خدوع مثل رسول ، وخداع أيضا وخادع والخدعة بالضم ما يخدع به الانسان مثل اللعبة لما يلعب به انتهى.

وربما يفرق بينهما حيث اجتمعا بأن يراد بالمكر احتيال النفس واستعمال الرأي فيما يراد فعله مما لا ينبغي ، وإرادة إظهار غيره وصرف الفكر في كيفيته وبالخديعة إبراز ذلك في الوجود وإجراؤه على من يريد وكأنه عليه‌السلام إنما قال ذلك لان الناس كانوا ينسبون معاوية لعنه الله إلى الدهاء والعقل ، وينسبونه عليه‌السلام إلى ضعف الرأي ، لما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنية على الكذب والغدر والمكر ، فبين عليه‌السلام أنه أعرف بتلك الحيل منه ، ولكنها لما كانت مخالفة لامر الله ونهيه ، فلذا لم يستعملها كما روى السيد رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه أنه قال :

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٦. (٢) مفردات القرآن : ٤٧١ و ١٤٣.

٢٨٦

ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر اهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، مالهم قاتلهم الله؟! قديرى الحول القلب وجه الحيلة ، ودونه مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين (١).

والحريجة التقوى ، وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام : وذلك لجهل الفريقين بثمرة الغدر ، وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس ، فانه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به ، وكان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي ، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة واستخراجها بالاراء ، إلا أن تفطن الغادر بالحيلة التي هو غير موافقة للقوانين الشرعية والمصالح الدينية ، والكيس هو التفطن بالحيلة الموافقة لهما ، ولدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدره بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم ، ولم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور ، وأنه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة بخلاف حيلة الكيس ومصلحته ، فانها تجر إلى العدل انتهى.

وقد صرح عليه‌السلام بذلك في مواضع يطول ذكرها وكونه عليه‌السلام أعرف بتلك الامور وأقدر عليها ظاهر ، لان مدار المكر على استعمال الفكر في درك الحيل ، ومعرفة طرق المكروهات ، وكيفية إيصالها إلى الغير على وجه لا يشعربه ، وهو عليه‌السلام لسعة علمه كان أعرف الناس بجميع الامور ، والمراد بكونهما في النار كون المتصف بهما فيها والاسناد على المجاز.

١٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيئ كل غادر يوم القيامة بامام ما يل شدقه حتى يدخل النار ويجئ كل ناكث بيعة إمام أجذم حتى يدخل النار (٢).

____________________

(١) نهج البلاغة الرقم ٤١ من الخطب.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٣٣٧.

٢٨٧

بيان : في المقاموس الغدر ضد الوفاء ، غدره وبه كنصر وضرب وسمع غدرا وأقول يطلق الغدر غالبا على نقض العهد والبيعة ، وإرادة إيصال السوء إلى الغير بالحيلة بسبب خفي وقوله : بامام متعلق بغادر ، والمراد بالامام إمام الحق ويحتمل أن يكون الباء بمعنى مع ، ويكون متعلقا بالمجيئ ، فالمراد بالامام إمام الضلالة كما قال بعض الافاضل : «يجيئ كل غادر» يعني من أصناف الغادرين على اختلافهم في انواع الغدر «بامام» يعن إمام يكون تحت لوائه كما قال الله سبحانه : «يوم ندعوا كل اناس بامامهم» وإمام كل صنف من الغادرين من كان كاملا في ذلك الصنف من الغدر او باديا به ، ويحتمل أن يكون المراد بالغادر بامام من غدر ببيعة إمام في الحديث الاتي خاصة ، وامام هذا الحديث فلا لا قتضائه التكرار وللفصل فيه بيوم القيامة ، والاول أظهر لانهما في الحقيقة حديث واحد يبين أحدهما الاخر ، فينبغي أن يكون معناهما واحدا انتهى.

وفي المصباح : الشدق بالفتح والكسر جانب الفم ، قاله الازهري وجمع المفتوح شدوق ، مثل فلس وفلوس ، وجمع المكسور أشداق مثل حمل وأحمال وقيل : لما كان الغادر غالبا يتشبث بسبب خفي لاخفاء غدره ، ذكر علي عليه‌السلام أنه يعاقب بضد ما فعل ، وهو تشهيره بهذه البلية التي تتضمن خزيه على رؤوس الاشهاد ليعرفوه بقبح عمله ، والنكث نقض البيعة والعهد ، والفعل كنصر وضرب في المصاباح نكث الرجل العهد نكثا من باب قتل نقضه ونبذه فانتكث مثل نقضه فانتقض ، والنكث بالكسر ما نقض ليغزل ثانية والجمع أنكاث. قوله «أجذم» قال الجزري : فيه من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة وهو أجذم ، أي مقطوع اليد من الجذم : القطع ، ومنه حديث علي عليه‌السلام من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم ، ليست له يد.

قال : القتيبتي الاجذم ههنا الذي ذهبت أعضاؤه كلها ، وليست اليد أولى بالعقوبة من باقي الاعضاء ، يقال : رجل أجذم ومجذوم إذا تهافتت أطرافه من الجذام ، وهو الداء المعروف ، قال الجوهري : لا يقال : للمجذوم أجذم ، وقال

٢٨٨

ابن الانباري ردا على ابن قتيبة : لو كان العذاب لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية لما عوقب الزاني بالجلد والرجم في الدنيا وبالنار في الاخرة ، قال ابن الانباري : معنى الحديث أنه لقي الله وهو أجذم الحجة لا لسان له يتكلم ولا حجة له في يده ، وقول علي عليه‌السلام : ليست له يد أي لا حجة له ، وقيل : معناه لقيه منقطع السبب يدل عليه قوله : القرآن سبب بيد الله وسبب بأيديكم فمن نسيه فقد قطع سببه وقال الخطابي : معنى الحديث من ذهب إليه ابن الاعرابى وهو أن من نسي القرآن لقي الله خالي اليد صفرها عن الثواب ، فكني باليد عما تحويه وتشتمل عليه من الخير ، قلت وفي تخصيص على عليه‌السلام بذكر اليد معنى ليس في حديث نسيان القرآن لان البيعة تباشرها اليد من بين الاعضاء انتهى وأقول : في حديث القرآن أيضا يحتمل أن يكون المراد بنسيانة ترك العمل بما يدل عليه من مبايعة ولي الامر ومتابعته ، فيرجع معناه إلى الخبر الاخر.

١٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن فريقين من أهل الحرب لكل واحدة منها ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزوا معهم تلك المدينة ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر ، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا ، ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم ، ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار (١).

بيان : في المصباح وحد يحد حدة من باب وعد انفرد بنفسه ، وكل شئ على حدة أي متميز عن غيره ، وفي الصحاح أعط كل واحد منهم على حدة أي على حياله ، والهاء عوض عن الواو ، وفى القاموس يقال : جلس وحده وعلى وحده وعلى وحدهما ووحديهما ووحدهم ، وهذا على حدته وعلى وحده أي توحده «على أن يغزوا» يصيغة الجمع أي المسلمون «معهم» أي مع الملك الغادر وأصحابه

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٧.

٢٨٩

«تلك المدينة» أي أهل تلك المدينة المغدور بها ، وفي بعض النسخ «ملك المدينة» أي الملك المغدور به أو «على أن يغزو» بصيغة المفرد أي الملك الغادر معهم أي مع المسلمين والباقي كما مر «ولا يأمروا بالغدر» عطف على يغدروا ، ولا لتأكيد النفي أي لا ينبغي للمسلمين أن يأمروا بالغدر ، لان الغدر عدوان وظلم ، والامر بهما غير جائز ، وإن كان المغدور به كافرا «ولا يقاتلوا مع الذين غدروا» أي لا ينبغي لهم أن يقاتلوا مع الغادرين المغدورين ولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم سواء كانوا من أهل هاتين القريتين أو غيرهم ، وفيه دلالة على جواز قتالهم في حال الغيبة «ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار» ومعنى لا يجوز لا ينفذ ولا يصح تقول جاز العقد وغيره إذا نفذ ومضى على الصحة يعني عهد المشركين ، وصلحهم معهم على عزو فريقهم غير نافذ ولا صحيح ، فلهم أن يقاتلوهم حيث وجدوهم أو المعنى أن الصلح الذي جرى بين الفريقين لا يكون مانعا لقتال المسلمين الفرقة التي لم يصالحوا مع المسلمين ، فان الصلح مع أحد المتصالحين لا يستلزم الصلح مع الاخر أو المعنى أن ما صالحوا عليه الكفار من إعانتهم لا يلزمهم العمل به ، فيكون تأكيدا لما مر والاول أظهر.

١٤ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن ابى الحسن العبدي ، عن سعد بن ظريف ، عن الاصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة : يا أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ألا إن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة ، ألا وإن الغدر والفجورة والخيانة في النار (١).

بيان : في القاموس الدهي والدهاء النكر ، وجودة الرأي والادب ورجل داه وده وداهية ، والجمع دهاة ودهاه دهيا ودهاه نسبه وإلى الدهاء أو عابه وتنقصه أو أصابه بداهية ، وهي الامر العظيم ، والدهى كغني العاقل انتهى (٢) وكأن المراد هنا طلب الدنيا بالحيلة واستعمال الرأي في غير المشروع مما يوجب الوصول

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٨. (٢) القاموس ج ٤ ص ٣٢٩.

٢٩٠

إلى المطالب الدنيوية وتحصيلها ، وطالبها على هذا النحو يسمى داهيا وداهية للمبالغة ، وهو مستلزم للغدر بمعنى نقض العهد وترك الوفاء.

«ألا إن لكل غدرة فجرة» أي اتساع في الشر وانبعاث في المعاصي أو كذب أو موجب للفساد أو عدول عن الحق في القاموس الفجر الانبعاث في المعاصي والزنا كالفجور فيهما ، فجر فهو فجور من فجر بضمتين وفاجر من فجار وفجرة وفجر فسق وكذب وعصى وخالف ، وأمرهم فسد وأفجر كذب وزنى وكفر ومال عن الحق انتهى وربما يقرأ بفتح اللام للتأكيد وغدرة بالتحريك جمع غادر كفجرة وفاجر ، وكذا الفقرة الثانية ، ولا يخفى بعده «ولكل فجرة كفرة» بالفتح فيهما أي سترة للحق أو كفران للنعمة وسترلها ، أو المراد بها الكفر الذي يطلق على أصحاب الكبائر كما مر ، وفي القاموس الكفر ضد الايمان ويفتح وكفر نعمة الله وبها كفورا وكفرانا جحدها وسترها ، وكافر جاحد لانعم الله تعالى والجمع كفار وكفرة ، وكفر الشئ ستره ككفره ، وقال : الخون أن يؤتمن الانسان فلا ينصح خانه خونا وخيانة وقد خانه العهد والامانة.

وأقول : روى في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه : والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ، ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة ، وكل فجرة كفرة ، ولك غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ، ولا استغمز بالشديدة.

وقال ابن أبي الحديد : الغدرة على فعلة الكثيرة الغدر ، والكفرة والفجرة الكثير الكفر والفجور ، وكلما كان على هذا البناء فهو الفاعل فان سكنت العين تقول رجل ضحكة أي يضحك منه ، وقال ابن ميثم رحمه‌الله : وجه لزوم الكفر ههنا أن الغادر على وجه استباحة ذلك واستحلاله كما هو المشهور من حال عمرو بن العاص ومعاوية في استباحة ما علم تحريمه بالضرورة من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وجحده هو الكفر ويحتمل أن يريد كفر نعم الله وسترها باظهار معصيته ، كما هو المفهوم منه لغة وإنما وحد الكفرة لتعدد الكفر بسبب تعدد الغدر.

٢٩١

١٥ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا من ماكر مسلما (١).

بيان : ليس منا أي من أهل الاسلام مبالغة أو من خواص أتباعنا وشيعتنا وكأن المراد بالمماكرة المبالغة في المكر ، فان ما يكون بين الطرفين يكون أشد أو فيه إشعار بأن المكر قبيح ، وإن كان في مقابلة المكر.

٧٣

*(باب)*

*«(الغمز والهمز واللمز والسخرية والاستهزاء)»*

الايات : التوبة : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم (٢).

الزمر : أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (٣).

المؤمن : يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور (٤).

الحجرات : يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون (٥).

القلم : ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم (٦).

المطففين : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٣٦. (٢) براءة : ٧٩.

(٣) الزمر : ٥٦. (٤) المؤمن : ١٩.

(٥) الحجرات : ١١. (٦) القلم : ١١ ١٠.

٢٩٢

إن هؤلاء لضالون * وما ارسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون (١).

الهمزة : ويل لكل همزة لمزة.

١ ـ صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن موسى بن عمران عليه‌السلام سأل ربه ورفع يديه فقال : يا رب أين ذهبت اوذيت فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى إن في عسكرك غمازا ، فقال : يا رب دلني عليه فأوحى الله تعالى إليه إني أبغض الغماز فكيف أغمر (٢).

٧٤

*(باب)*

*«(السفيه والسفلة)»*

الايات : البقرة : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه (٣).

١ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن السفه خلق لئيم ، يستطيل على من دونه ، ويخضع لمن فوقه (٤).

بيان : السفه خفة العقل ، والمبادرة إلى سوء القول والفعل بلا روية ، وفي النهاية السفه في الاصل الخفة والطيش ، وسفه فلان رأيه إذا كان مضطربا لا استقامة له ، والسفيه الجاهل وفي القاموس السفه محركة خفة الحلم ، أو نقيضه ، أو الجهل وسفه كفرح وكرم علينا جهل كتسافه ، فهو سفيه ، والجمع سفهاء ، وسافهه شاتمه وسفه صاحبه كنصر غلبه في المسافهة انتهى.

وقوله : «خلق لئيم» بضم الخاء وجر لئيم بالاضافة ، فالوصفان بعده للئيم ، ويمكن أن يقرأ لئيم بالرفع على التوصيف فيمكن أن يقرأ بكسر الفاء

____________________

(١) المطففين ٢٩ ٣٦. (٢) صحيفة الرضا عليه‌السلام ص ١١.

(٣) البقرة : ١٣٠. (٤) الكافى ج ٢ ص ٣٢٢.

٢٩٣

وفتحها وضم الخاء وفتحها فالاسناد على أكثر التقادير في الاوصاف على التوسع والمجاز أو يقدر مضاف في السفه على بعض التقادير ، أو فاعل لقوله : «يستطيل» أي صاحبه فتفطن ، وقيل : السفه قد يقابل الحكمة الحاصلة بالاعتدال في القوة العقلية ، وهو وصف للنفس يبعثها على السخرية والاستهزاء والاستخفاف والجزع والتملق وإظهار السرور عند تألم الغير ، والحركات الغير المنتظمة ، والاقوال والافعال التي لا تشابه أقوال العقلاء وأفعالهم ، ومنشاؤه الجهل ، وسخافة الرأي ونقصان العقل ، وقد يقابل الحلم بالاعتدال في القوة الغضبية ، وهو وصف للنفس يبعثها على البطش والضرب والشتم والخشونة والتسلط والغلبة والترفع ومنشاؤه الفساد في تلك القوة ، وميلها إلى طرف الافراط ، ولا يبعد أن ينشأ من فساد القوة الشهوية أيضا انتهى.

وأقول : الظاهر أن المراد به مقابل الحلم كما مر في حديث جنود العقل والجهل.

٢ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في رجلين يتسابان فقال : البادي منهما أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ، ما لم يتعد المظلوم (١).

بيان : «البادي منهما أظلم» أي إن صدر الظلم عن صاحبه أيضا فهو أشد ظلما لا بتدائه ، أو لما كان فعل صاحبه في صورة الظلم اطلق عليه الظلم مجازا «مالم يتعد المظلوم» سيأتي الخبر في باب السباب (٢) باختلاف في أول السند وفيه : ما لم يعتذر إلى المظلوم. وعلى ما هنا كأن المعنى ما لم يتعد المظلوم ما ابيح له من مقابلته فالمراد بوزر صاحبه الوزر التقديري ، ويؤيد ما هنا ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المتسابان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم ، قال الطيبي : أي اللذين يشتمان كل منهما الاخر وما شرطية أو موصولة «فعلى البادي» جزاء أو خبر أي إثم ما قالا على البادي إذا لم يعتد المظلوم فاذا تعدى يكون عليهما انتهى.

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٢٢. (٢) مرفى الصفحة ١٦٣.

٢٩٤

وقال الراوندي رحمه‌الله في شرح هذا الخبر في ضوء الشهاب : السب الشتم القبيح وسميت الاصبع التي تلي الابهام سبابة لاشارتها بالسب ، كما سميت مسبحة لتحريكها في التسبيح ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ما يتكلم به المتسابان ترجع عقوبته على البادي لانه السبب في ذلك ، ولو لم يفعل لم يكن ، ولذلك قيل : البادي أظلم ، والذي يجيب ليس بملوم كل الملامة كما قال تعالى : «ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل» (١) على أن الواجب على المشتوم أن يحتمل ويحلم ولا يطفئ النار بالنار ، فان النارين إذا اجتمعا كان أقوى لهما فيقول تغليظا لامر الشاتم : إن ما يجري بينهما من التشاتم عقوبته تركب البادي لكونه سببا لذلك ، هذا إذا لم يتجاوز المظلوم حده في الجواب ، فاذا تجاوز وتعدى كانا شريكين في الوزر والوبال ، والكلام وارد مورد التغليظ وإلا فالمشتوم ينبغي أن لا يجيب ولا يزيد في الشر ، ولا تكون عقوبة فعل المشتوم على الشاتم ، إن للشاتم في فعله أيضا نصيبا من حيث كان سببه وإلا فكل مأخوذ بفعله انتهى.

وأقول : الحاصل أن إثم سباب المتسابين على البادي أما إثم ابتدائه فلان السب حرام وفسق لحديث سباب المؤمن فسق ، وقتاله كفر ، وأما إثم سب الراد فلان البادي هو الحامل له على الرد ، وإن كان منتصرا فلا إثم على المنتصر لقوله تعالى : «ولمن انتصر بعد ظلمه» الاية لكن الصادر منه هو سب يترتب عليه الاثم إلا أن الشرع أسقط عنه المؤاخذة ، وجعلها على البادي للعلة المتقدمة وإنما أسقطها عنه ما لم يتعد فان تعدى كان هو البادي في القدر الزايد والتعدى بالرد قد يكون بالتكرار مثل أن يقول البادي : يا كلب فيرد عليه مرتين ، وقد يكون بالافحش كما لو قال له : يا سنور فيقول في الرد : يا كلب وإنما كان هذا تعديا لان الرد بمنزلة القصاص ، والقصاص إنما يكون بالمثل ، ثم الراد أسقط حقه على البادي ويبقى على البادي حق الله لقدومه على ذلك ، ولا يبعد تخصيص تحمل البادي إثم الراد بما إذا لم يكن الرد كذبا والاول قذفا ، فانه إذا كان

____________________

(١) الشورى : ٤١.

٢٩٥

الرد كذبا مثل أن يقول البادي : يا سارق وهو صادق فيقول الراد : بل أنت سارق ، وهو كاذب أو يكون الاول قذفا مثل أن يقول البادي : يا زاني فيقول الراد : بل أنت الزاني ، فالظاهر أن إثم الرد على الراد.

وبالجملة إنما يكون الانتصار إذا كان السب مما تعارف السب به عند التأديب كالاحمق والجاهل والظالم وأمثالهم ، فأمثال هذه إذا رد بها لا إثم على الراد ، ويعود إثمه على البادي.

وأقول (١) : الايات والاخبار الدالة على جواز المعارضة بالمثل كثيرة فمن الايات قوله تعالى «فمن اعتدى عليكم» قال الطبرسي رحمه‌الله : أي ظلمكم «فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» أي فجازوه باعتدائه ، وقابلوه بمثله ، والثاني ليس باعتداء على الحقيقة ، ولكن سماه اعتداء لانه مجازاة اعتداء ، وجعله مثله ، و إن كان ذلك جورا ، وهذا عدلا ، لانه مثله في الجنس وفي مقدار الاستحقاق ، و لانه ضرر كما أن ذلك ضرر ، فهو مثله في الجنس والمقدار والصفة قال : وفيها دلالة على أن ممن غصب شيئا وأتلفه يلزمه رد مثله ، ثم إن المثل قد يكون من طريق الصورة في ذوات الامثال ، ومن طريق المعنى ، كالقيمة فيما لامثل له (٢).

وقال المحقق الاردبيلي رحمه‌الله : واتقوا الله باجتناب المعاصي فلا تظلموا ولا تمنعوا عن المجازاة ، ولا تتعدوا في المجازاة عن المثل والعدل وحقكم ، ففيها دلالة على تسليم النفس وعدم المنع عن المجازاة والقصاص ، وعلى وجوب الرد على الغاصب المثل أو القيمة ، وتحريم المنع والامتناع عن ذلك ، وجواز الاخذ بل وجوبه إذا كان تركه إسرافا ، فلا يترك إلا أن يكون حسنا ، وتحريم التعدى والتجاوز عن حده بالزيادة صفة أو عينا ، بل في الاخذ بطريق يكون تعدياولا يبعد أيضا جواز الاخذ خفية أو جهرة من غير رضاه على تقدير امتناعه من الاعطاء كما قاله الفقهاء من طريق المقاصة ولا يبعد عدم اشتراط تعذر إثباته عند الحاكم ، بل على تقدير الامكان أيضا ، ولا إذنه بل يستقل وكذا في غير المال من الاذى فيجوز

____________________

(١) في الكمبانى تقديم وتأخير.

(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٢٨٧ ، والاية في البقرة : ١٩٤.

٢٩٦

الاذى بمثله من غير إذان الحاكم وإثباته عنده ، وكذا القصاص إلا أن يكون جرحا لا يجري فيه القصاص أو ضربا لايمكن حفظ المثل أو فحشا لا يجوز القول والتلفظ به مما يقولون بعدم جوازه مطلقا مثل الرمي بالزنا (١).

ويدل عليه أيضا قوله سبحانه «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به» (٢) قال في المجمع قيل : نزلت لما مثل المشركون بقتلى احد وحمزة رضي‌الله‌عنهم وقال المسلمون لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالاحياء فضلا عن الاموات ، وقيل إن الاية عامة في كل ظلم كغصب أو نحوه ، فانما يجازي بمثل ما علم «ولئن صبرتم» أي تركتم المكافاة والقصاص ، وجرعتم مرارته «لهو خير للصابرين».

ويدل عليه أيضا قوله سبحانه «والذين إذا اصابهم البغي هم ينتصرون» (٣) في المجمع أي ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا ، وقيل جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون في قوله «وإذا ما غضبوا هم يغفرون» وصنف ينتصرون ، ثم ذكر تعالى حد الانتصار ، فقال «وجزاء سيئة سيئة مثلها» قيل : هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله تقول أخزاك الله من غير أن تعتدي ، وقيل يعني القصاص في الجراحات والدماء وسمي الثانية سيئة على المشاكلة «فمن عفى وأصلح فأجره على الله» أي فمن عفى عما له المؤاخذة به وأصلح أمره فيما بينه وبين ربه فثوابه على الله «إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل» معناه من انتصر لنفسه وانتصف من ظالمه بعد ظلمه ، أضاف الظلم إلى المظلوم أي بعد أن ظلم وتعدي عليه فأخذ لنفسه بحقه فالمنتصرون ما عليهم من إثم وعقوبة وذم «إنما السبيل» أي الاثم والعقاب «على الذين يظلمون الناس» ابتداء «و يبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب أليم» أي مولم «ولمن صبر» أي تحمل المشقة في رضا الله وغفر فلم ينتصر «إن ذلك» الصبر والتجاوز «لمن عزم الامور» أي من ثابت الامور التي أمر الله بها فلم تنسخ ، وقيل عزم الامور هو

____________________

(١) زبدة البيان ص ٣١٠ الطبعة الحديثة. (٢) النحل : ١٢٦.

(٣) الشورى ٣٩ ما بعدها ذيلها.

٢٩٧

الاخذ بأعلاها في باب نيل الثواب.

وقال المحقق الاردبيلي قدس الله روحه بعد ذكر بعض تلك الايات : فيها دلالة على جواز القصاص في النفس والطرف والجروح ، بل جواز التعويض مطلقا حتى ضرب المضروب ، وشتم المشتوم ، بمثل فعلهما ، فيخرج ما لا يجوز التعويض والقصاص فيه ، مثل كسر العظام ، والجرح والضرب في محل الخوف والقذف ونحو ذلك وبقي الباقي ، وأيضا تدل على جواز ذلك من غير إذن الحاكم والاثبات عنده والشهود وغيرها ، وتدل على عدم التجاوز عما فعل به ، وتحريم الظلم والتعدي ، وعلى حسن العفو ، وعدم الانتقام ، وأنه موجب للاجر العظيم انتهى. (١).

وأقول : ربما يشعر كلام بعض الاصحاب بعدم جواز المقابلة ، وأنه أيضا يستحق التعزير كما مر في كلام الراوندي وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله عند شرح قول المحقق قدس‌سره قيل : لا يعزر الكافر مع التنابز بالالقاب والتعيير بالامراض إلا أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الامام بما يراه : القول بعدم تعزيرهم على ذلك مع أن المسلم يستحق التعزير به ، هو المشهور بين الاصحاب ، بل لم يذكر كثير منهم فيه خلافا وكأن وجهه تكافؤ السب والهجاء من الجانبين ، كما يسقط الحد عن المسلمين بالتقاذف لذلك ولجواز الاعراض عنهم في الحدود والاحكام فهنا أولى ونسب القول إلى القيل مؤذنا بعدم قبوله ، ووجهه أن ذلك فعل محرم يستحق فاعله التعزير ، والاصل عدم سقوطه بماقبلة الاخر بمثله ، بل يجب على كل منهما ما اقتضاه فعله ، فسقوطه يحتاج إلى دليل كما يسقط عن المتقاذفين بالنص انتهى.

ولا يخفى عليك ضعفه بعد ما ذكرنا ، وأما رواية أبي مخلد السراج عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دعا آخر ابن المجنون فقال له الاخر : أنت ابن المجنون ، فأمر الاول أن يجلد صاحبه عشرين جلدة وقال له : اعلم أنك ستعقب مثلها عشرين فلما جلده أعطى المجلود السوط فجلده

____________________

(١) زبدة البيان كتاب الجنايات في الاية التاسعة.

٢٩٨

عشرين نكالا ينكل بهما فيمكن أن يكون لذكر الاب وشتمه لا المواجه فتامل.

٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد عيسى ، عن بعض أصحابه عن أبي المغرا ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لا تسفهوا فان أئمتكم ليسوا بسفهاء ، وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : من كافأ السفيه بالسفه فقد رضي بما أتي إليه حيث احتذا مثاله (١).

بيان : «لا تسفهوا» نقل عن المبرد وتغلب أن سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ، فان كسرت الفاء هنا كان المفعول محذوفا أي لا تسفهوا أنفسكم والخطاب للشيعة كلهم ، والغرض من التعليل هو الترغيب في الاسوة وكأنه تنبيه على أنكم إن سفهتم نسب من خالفكم السفه إلى أئمتكم كما ينسب الفعل إلى المؤدب «وقال» الظاهر أنه من تتمة الخبر السابق ، ويحتمل أن يكون خبرا آخر مرسلا «من كافأ» يستعمل بالهمز وبدونها ، والاصل الهمز «بم أتى إليه» على بناء المجرد أي جاء إليه من قبل خصمه ، فالمستتر راجع إلى الموصول ، أو التقدير أتى به إليه فالمستتر للخصم ، وفي المصباح أنه يأتيي متعديا وقد يقرأ اتي على بناء الافعال أو المفاعلة.

«حيث احتذى» تعليل للرضا ، وفي القاموس احتذى مثاله اقتدى به ، وفيه ترغيب في ترك مكافأة السفهاء ، كما قال تعالى : «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما» (٢).

٤ ـ مع : عن أبيه ، عن الحميري ، عن البرقي ، عن بعض أصحابه رفعه عن ابن طريف ، عن ابن نباتة ، عن الحارث الاعور قال : قال علي عليه‌السلام للحسن ابنه عليه‌السلام في مسائله التي سأله عنها : يا بني ما السفه؟ فقال : اتباع الدناة ، و مصاحبة الغواة (٣).

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٢٢.

(٢) الفرقان : ٦٣.

(٣) معاني الاخبار ٢٤٧.

٢٩٩

٥ ـ ل : ما جيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن السياري رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام أنه سئل عن السفلة فقال : من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور (١).

٦ ـ ل : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن الفضل بن عامر ، عن موسى بن القاسم عن ذريج المحاربي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله (ص) : ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك : السفلة ، وزوجتك ، وخادمك (٢).

٧ ـ ل : أبي ، عن العطار ، عن الاشعري ، عن موسى بن عمر ، عن أبي علي ابن راشد رفعه إلى الصادق عليه‌السلام أنه قال : خمس هن كما أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا لملول وفاء ، ولا لكذاب مروة ، ولايسود سفيه (٣).

٨ ـ ما : ابن بشران ، عن عثمان بن أحمد ، عن جعفر الحناط ، عن عبدالصمد ابن يزيد ، عن فضيل بن عياض قال [سئل] ابن المبارك : من الناس؟ قال : العلماء قال : من الملوك؟ قال الزهاد : قال : فمن السفلة؟ قال : الذي يأكل بدينه (٤).

٩ ـ مع : عن الصادق عليه‌السلام قال : من لم يبال ما قال وما قيل له ، فهو شرك شيطان (٥).

١٠ ـ ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : احذروا السفلة فان السفلة من لا يخاف الله عزوجل ، فيهم قتلة الانبياء ، وفيهم أعداؤنا (٦).

١١ ـ ف : عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره (٧).

١٢ ـ سر : أبوعبدالله السياري ، عن أبي الحسن الاول عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى عمر فقال : إن امرأته نازعته فقالت له : يا سفلة ، فقال لها : إن كان

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٣٢.

(٢) الخصال ج ١ ص ٤٣. (٣) الخصال ج ١ ص ١٣٠.

(٤) أمالى الطوسى ج ٢ ص ١٢. (٥) معانى الاخبار ص ٤٠٠.

(٦) الخصال ج ٢ ص ١٦٩. (٧) تحف العقول ٥١٢.

٣٠٠