بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

والاول أظهر ، فيدل على أنه لا بأس بسب غير المؤمن إذا لم يكن قذفا بل يمكن أن يكون المراد بالمؤمن من لا يتظاهر بارتكاب الكبائر ، ولا يكون مبتدعا مستحقا للاستخفاف.

قال المحقق في الشرايع : كل تعريض بما يكرهه المواجه ، ولم يوضع للقذف لغة ولا عرفا يثبت به التعزير إلى قوله : ولو كان المقول له مستحقا للاستخفاف ، فلا حد ولا تعزير ، وكذا كل ما يوجب أذى كقوله : يا أجذم أو يا أبرص.

وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله في شرحه : لما كان أذى المسلم الغير المستحق للاستخفاف محرما فكل كلمة تقال له ويحصل له بها الاذى ، ولم تكن موضوعة للقذف بالزنا وما في حكمه لغة ولاعرفا ، يجب بها التعزير بفعل المحرم كغيره من المحرمات ومنه التعيير بالامراض ، وفي صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل سب رجلا بغير قذف يعرض به ، هل يجلد؟ قال : عليه التعزير (١) والمراد بكون المقول له مستحقا للاستخفاف أن يكون فاسقا متظاهرا بفسقه ، فانه لاحرمة له حينئذ لما روي عن الصادق عليه‌السلام إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة ، وفي بعض الاخبار من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب ، وفي الصحيح عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي ، فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبهم والقول فيهم ، والوقيعة ، وباهتوهم لئلا يطغوا في الفساد في الاسلام ، ويحذرهم الناس ، ولا يتعلمون من بدعهم ، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الاخرة (٢) والفسق في اللغة الخروج عن الطاعة مطلقا ، لكن يطلق غالبا في الكتاب والسنة على الكفر ، أو ارتكاب الكبائر العظيمة ، قال في المصباح : فسق فسوقا من باب قعد خرج عن الطاعة ، والاسم الفسق ، ويفسق بالكسر لغة ، ويقال : أصله خروج الشئ من الشئ على وجه الفساد ، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها

____________________

(١) الكافى ج ٧ ص ٢٤٠. (٢) الكافى ج ٢ ص ٣٧٥.

١٦١

وقال الراغب : فسق فلان خرج عن حد الشرع ، وهو أعم من الكفر ، والفسق يقع بالقليل من الذنوب ، وبالكثير ، لكن تعورف فيما كان كثيرا ، وأكثرما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه ، قال عز وجل : «ففسق عن أمر ربه» «ففسقوا فيها فحق عليها القول» «وأكثرهم الفاسقون» «أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا» فقابل بها الايمان ، وقال : «ومن يكفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون» «وأما الذين فسقوا فمأويهم النار» «والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون» «والله لا يهدي القوم الفاسقين» «وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون انتهى» (١).

فالفسق هنا ما قارب الكفر لانه ترقى عنه إلى الكفر ، ويظهر منه أن السباب أعظم من الغيبة مع أن الايذاء فيه أشد ، إلا أن يكون الغيبة بالسباب ، فهي داخلة فيه.

«وقتاله كفر» المراد به الكفر الذي يطلق على أرباب الكبائر ، أو إذا قاتله مستحلا أو لايمانه ، وقيل : كان القتال لما كان من أسباب الكفر أطلق الكفر عليه مجازا ، أو اريد بالكفر كفر نعمة التألف ، فان الله ألف بين المؤمنين ، أو إنكار حق الاخوة ، فان من حفها عدم المقاتلة. وأكل لحمه المراد به الغيبة ، كما قال عزوجل : «ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» (٢) شبه صاحب الغيبة بأكل لحم أخيه الميت زيادة في التنفير والزجر عنها وقيل : المراد بالمعصية الكبيرة.

«وحرمة ماله كحرمة دمه» جمع بين المال والدم في الاحترام ولاشك في أن إهراق دمه كبيرة مهلكة ، وكذا أكل ماله ، ومثل هذا الحديث مروي من طرق العامة ، وقال في النهاية : قيل : هذا محمول على من سب أو قاتل مسلما من غير تأويل ، وقيل : إنما قال على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الفسق والكفر

____________________

(١) مفردات غريب القرآن : ٣٨٠.

(٢) الحجرات : ١٢.

١٦٢

وقال الكرماني في شرح البخاري : هو بكسر مهملة وخفة موحدة أي شتمه أو تشاتمهما ، وقتاله أي مقاتلته كفر ، فكيف يحكم بتصويب المرجئة في أن مرتكب الكبيرة غير فاسق.

٣٤ ـ كا : عنه ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن رجلا من بني تميم أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أوصني ، فكان فيما أوصاه أن قال : لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة بينهم (١).

بيان : كسب العداوة بالسب معلوم ، وهذه من مفاسده الدنيوية.

٣٥ ـ كا : ابن محبوب ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في رجلين يتسابان قال : البادي منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم (٢).

بيان : في رواية اخرى : ما لم يتعد المظلوم ، وما هنا يدل على أنه إذا اعتذر إلى صاحبه وعفا عنه سقط عنه الوزر بالاصالة ، وبالسببية والتعزير أو الحد أيضا ولا اعتراض للحاكم لانه حق آدمي تتوقف إقامته على مطالبته ، ويسقط بعفوه.

٣٦ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما شهد رجل على رجل بكفر قط إلا باء به أحدهما ، إن كان شهد على كافر صدق ، وإن كان مؤمنا رجع الكفر عليه فاياكم والطعن على المؤمنين (٣).

بيان : «ما شهد رجل» بأن شهد ، عند الحاكم أوتى بصيغة الخبر نحو أنت كافر ، أو بصيغة النداء نحو يا كافر ، وقال الجوهري : قال الاخفش : «وباؤا بغضب من الله» أي رجعوا به أي صار عليهم انتهى ، وفي قوله : «فاياكم» إشارة إلى أن مطلق الطعن حكمه حكم الكفر في الرجوع إلى أحدهما ، وقوله : «إن كان» استيناف بياني ، وكفر الساب مع أن محض السب وإن كان كبيرة لايوجب الكفر

____________________

(١ ـ ٣) الكافى ج ٢ ص ٣٦٠.

١٦٣

يحتمل وجوها أشرنا إلى بعضها مرارا :

الاول أن يكون المراد به الكفر الذي يطلق على مرتكبي الكبائر في مصطلح الايات والاخبار ، الثاني أن يعود الضمير إلى الذنب أو الخطا المفهوم من السياق لا إلى الكفر ، الثالث عود الضمير إلى التكفير لا إلى الكفر ، يعني تكفيره لاخيه تكفير لنفسه ، لانه لما كفر مؤمنا فكأنه كفر نفسه ، واورد عليه أن التكفير حينئذ غير مختص بأحدهما لتعلقه بهما جميعا ، ولا يخفى ما فيه وفي الثالث من التكلف ، الرابع ما قيل : إن الضمير يعود إلى الكفر الحقيقي لان القائل اعتقد أن ما عليه المقول له من الايمان كفر ، فقد كفر لقوله تعالى : «ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله» (١) ويرد عليه أن القائل بكفر أخيه لم يجعل الايمان كفرا ، بل أثبت له بدل الايمان كفرا ، توبيخا وتعييرا به بترك الايمان ، وأخذ الكفر بدلا ، منه ، وبينهما بون بعيد ، نعم بمكن تخصيصه بما إذا كان سبب التكفير اعتقاده بشئ من اصول الذي يصير إنكاره سببا للكفر باعتقاد القائل ، كما إذا كفر عالم قائل بالاختيار عالما آخر قائلا بالجبر ، أو كفر قائل بالحدوث قائلا بالقدم أو قائل بالمعاد الجسماني منكرا له وأمثال ذلك ، وهذا وجه وجيه ، وإن كان في التخصيص بعد.

وقال الجزري في النهاية : فيه من قال لاخيه : يا كافر فقد باء به أحدهما لانه إما أن يصدق عليه أو يكذب ، فان صدق فهو كافر ، وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم ، والكفر صنفان أحدهما الكفر بأصل الايمان ، وهو ضده والاخر الكفر بفرع من فروع الاسلام ، فلا يخرج به عن أصل الايمان ، وقيل : الكفر على أربعة أنحاء : كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به ، وكفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه ، وكفر عناد وهو أن يعرف بقلبه ويعترف بلسانه ، ولا يدين به حسدا وبغيا ككفر أبي جهل وأضرابه ، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه.

____________________

(١) المائدة : ٥.

١٦٤

قال الهروي : سئل الازهري عمن يقول بخلق القرآن : أنسميه كافرا؟ فقال : الذي يقوله كفر ، فاعيد عليه السؤال ثلاثا ويقول مثل ما قال : ثم قال في الاخر : قد يقول المسلم كفرا ومنه حديث ابن عباس قيل له : «ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون» (١) قال : هم كفرة وليسوا كمن كفر بالله واليوم الاخر ، ومنه الحديث الاخر إن الاوس والخزرج ذكروا ما كان منهم في الجاهلية فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأنزل الله تعالى «وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله» (٢) ولم يكن ذلك على الكفر بالله ، ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الالفة والمودة.

ومنه حديث ابن مسعود : إذا قال الرجل للرجل : أنت لي عدو فقد كفر أحدهما بالاسلام ، أراد كفر نعمته لان الله ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا فمن لم يعرفها فقد كفرها ، وكذلك الحديث من أتى حائضا فقد كفر ، وحديث الانواء إن الله ينزل الغيث فيصبح به قوم كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا أي كافرين بذلك دون غيره حيث ينسبون المطر إلى النوء دون الله ، ومنه الحديث فرأيت أكثر أهلها النساء لكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله؟ قال : لا ، ولكن يكفرن الاحسان ويكفرن العشير أي يجحدون إحسان أزواجهن ، والحديث الاخر سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، والاحاديث من هذا النوع كثيرة وأصل الكفر تغطية الشئ تستهلكه.

٣٧ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء عن علي بن أبي حمزة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سمعته يقول : إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت ، فان وجدت مساغا ، وإلا رجعت على صاحبها (٣).

كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن عقبة ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر

____________________

(١) المائدة : ٤٤. (٢) آل عمران : ١٠١. (٣) الكافى ج ٢ ص ٣٦٠.

١٦٥

عليه‌السلام مثله (١).

بيان : قال في النهاية : في حديث أبي أيوب إذا شئت فاركب ثم سغ في الارض ما وجدت مساغا أي ادخل فيها ما وجدت مدخلا ، وروى في المصابيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الارض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ يمينا وشمالا فاذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فان كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ، وفي النهاية اللعن الطرد والابعاد من الله تعالى ومن الخلق السب والدعاء. وأقول : كأن هذا محمول على الغالب ، وقد يمكن أن يكون اللاعن والملعون كلاهما من أهل الجنة كما إذا ثبت عند اللاعن كفر الملعون واستحقاقه للعن وإن لم يكن كذلك ، فانه لا تقصير للاعن وقد يمكن أن يجري أكثر من اللعن بسبب ذلك كالحد والقتل والقطع ، بشهادة الزور ، ويحتمل أن يكون المراد بالمساغ محل الجواز ، والعذر في اللعن ، أو يكون المساغ بالمعنى المتقدم كناية عن ذلك ، فان اللاعن إذا كان معذور كان مثابا عليه ، فيصعد لعنه إلى السماء ويثاب عليه.

٣٨ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن سنان ، عن محمد بن علي ، عن محمد ابن الفضيل ، عن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إذا قال الرجل لاخيه المؤمن : اف ، خرج من ولايته ، وإذا قال : أنت عدوي ، كفر أحدهما ، ولا يقبل الله من مؤمن عملا ، وهو مضمر على أخيه المؤمن سواءا (٢).

بيان : لعل في السند تصحيفا أو تقديما وتأخيرا فان محمد بن سنان ليس هنا موضعه وتقديم محمد بن علي عليه أظهر «خرج من ولايته» أي من محبته ونصرته الواجبتين عليه ، ويحتمل أن يكون كناية عن الخروج عن الايمان ، لقوله تعالى : « إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٦٠ وفيه «ترددت بينهما».

(٢) الكافى ج ٢ ص ٣٦١ وفيه : عن محمد بن حسان.

١٦٦

آووا ونصروا اولئك بعضهم أولياء بعض » ثم قال : « والذين كفروا بعضهم أولياء بعض » (١) وقال سبحانه : « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض » (٢).

«وإذا قال أنت عدوي كفر أحدهما» لما مر من أنه إن كان صادقا كفر المخاطب ، وإن كان كاذبا كفر القائل ، وقد مر معنى الكفر ، «وهو مضمر على أخيه المؤمن سواءا» أي يريد به شرا أو يظن به ما هو برئ عنه ، أو لم يثبت عنده وليس المراد به الخطرات التي تخطر في القلب ، لان دفعه غير مقدور ، بل الحكم به وإن لم يتكلم وأما مجرد الظن فيشل التكليف بعدمه ، مع حصول بواعثه ، وأما الظن الذي حصل من جهة شرعية ، فالظاهر أنه خارج عن ذلك لترتب كثير من الاحكام الشرعية عليه ، كما مر ، ولا ينافي ما ورد أن الحزم مساءة الظن لان المراد به التحفظ والاحتياط في المعاملات دون الظن بالسوء.

٣٩ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن حماد بن عثمان ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة ، وكان قمنا أن لا يرجع إلى خير (٣).

بيان : «يطعن في عين مؤمن» أي يواجهه بالطعن والعيب ويذكره بمحضره قال في المصباح : طعنت عليه من باب قتل ومن باب نفع لغة قدحت وعبت طعنا وطعانا ، فهو طاعن وطعان في الاعراض ، وفي القاموس : عين فلانا أخبره بمساويه في وجهه انتهى ، والظاهر أنه أعم من أن يكون متصفا بها أملا ، والميتة بالكسر للهيئة ولاحالة ، قال الجوهري : الميتة بالكسر كالجلسة والركبة ، يقال : مات فلان ميتة حسنة ، والمراد بشر الميتة إما بحسب الدنيا كالغرق والحرق والهدم وأكل السبع وسائر ميتات السوء ، أو بحسب الاخرة كالموت على الكفر أو على المعاصي بلا توبة ، وفي الصحاح أنت قمن أن تفعل كذا بالتحريك أي خليق وجدير لا يثنى ولا يجمع ، ولا يؤنث ، فان كسرت الميم أو قلت قمين ثنيت وجمعت

____________________

(١) الانفال : ٧٢ ٧٣.

(٢) براءة : ٧١. (٣) الكافى ج ٢ ص ٣٦١.

١٦٧

«إلى خير» أي إلى التوبة وصالح الاعمال أو إلى الايمان.

٤٠ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن مفضل بن عمر قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان (١).

بيان : من روى على مؤمن بأن ينقل عنه كلاما يدل على ضعف عقله ، وسخافة رأيه ، على ما ذكره الاكثر ، ويحتمل شموله لرواية الفعل أيضا «يريد بها شينه» أي عيبه ، في القاموس : شانه يشينه ضد زانه يزينه ، وقال الجوهري : المروءة الانسانية ، ولك أن تشدد ، قال أبوزيد : مرء الرجل صار ذا مروءة انتهى ، وقيل : هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الانسان على الوقوف على محاسن الاخلاق وجميل العادات ، وقد يتحقق بمجانبة ما يؤذن بخسة النفس من المباحات كالاكل في الاسواق ، حيث يمتهن فاعله.

وقال الشهيد رحمه‌الله : المروة تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كالسخرية ، وكشف العورة التي يتاكد استحباب سترها في الصلاة ، والاكل في الاسواق غالبا ، ولبس الفقيه لباس الجندي بحيث يسخر منه «أخرجه الله من ولايته» في النهاية وغيره الولاية بالفتح المحبة والنصرة ، وبالكسر التولية والسلطان فقيل : المراد هنا المحبة وإنما لا يقبله الشيطان لعدم الاعتناء به ، لان الشيطان إنما يحب من كان فسقه في العبادات ، ويصيره وسيلة لاضلال الناس.

وقيل : السر في فدم قبول الشيطان له أن فعله أقبح من فعل الشيطان لان سبب خروج الشيطان من ولاية الله ، هو مخالفة أمره مستندا بأن أصله أشرف من أصل آدم عليه‌السلام ولم يذكر من فعل آدم ما يسوء به ويسقطه عن نظر الملائكة ، وسبب خروج هذا الرجل من ولايته تعالى هو مخالفة أمره عزوجل من غير أن يسندها إلى شبهة إذ الاصل واحد ، وذكره من فعل المؤمن ما يؤذيه

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٥٨.

١٦٨

ويحقره واداعاء الكمال لنفسه ضمنا ، وهذا إدلال وتفاخر وتكبر فلذا لا يقبله الشيطان لكونه أقبح فعالا منه ، على أن الشيطان لا يعتمد على ولايته له ، لان شانه نقض الولاية لا عن شئ ، فلذلك لا يقبله انتهى.

ولا يخفى ما في هذه الوجوه ، لا سيما في الاخيرين ، على من له أدنى مسكة بل المراد إما المحبة والنصرة ، فيقطع الله عنه محبته ونصرته ويكله إلى الشيطان الذي اختار تسويله ، وخالف أمر ربه ، وعدم قبول الشيطان له ، لانه ليس غرضه من إضلال بني آدم كثرة الاتباع والمحبين ، فيودهم وينصرهم إذا تابعوه ، بل مقصوده إهلاكهم وجعلهم مستوجبين للعذاب للعداوة القديمة بينه وبين أبيهم ، فاذا حصل غرضه منهم يتركهم ويشمت بهم ، ولا يعينهم في شئ لا في الدنيا كما قال سبحانه : «فمثله كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك» (١) وكما هو المشهور من قصة برصيصا وغيره ، ولا في الاخرة لقوله : «فلا تلوموني ولوموا أنفسكم» (٢) أو المراد التولي والسلطنة أي يخرجه الله من حزبه وعداد أوليائه ويعده من أحزاب الشيطان ، وهو لا يقبله لانه يتبرا منه كما عرفت ، ويحتمل أن يكون عدم قبول الشيطان كناية عن عدم الرضا بذلك منه ، بل يريد أن يكفره ويجعله مستوجبا للخلود في النار.

٤١ ـ كا : عنه ، عن أحمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالله بن سنان قال : قلت له : عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال : نعم ، قلت : تعني سفليه؟ قال : ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سره (٣).

بيان : الضمير في له للصادق عليه‌السلام وفي النهاية العورة كل ما يستحيى منه إذا ظهر انتهى ، وغرضه عليه‌السلام أن المراد بهذا الخبر إفشاء السر لا أن النظر إلى عورته ليس بحرام ، والمراد بحرمة العورة حرمة ذكرها وإفشائها ، والسفلين العورتين وكنى عنهما لقبح التصريح بهما.

____________________

(١) الحشر : ١٦. (٢) ابراهيم : ٢٢.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٣٥٨.

١٦٩

٤٢ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حسين بن مختار ، عن زيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام فيما جاء في الحديث عورة المؤمن على المؤمن حرام ، قال : ما هو أن يكشف فترى عنه شيئا إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه (١).

بيان : «ما هو» ما نافية ، والضمير للحرام أو للعورة بتأويل العضو أو النظر المقدر منه «شيئا» أي من عورتيه «أن تروي عليه» أي قولا يتضرر به «أو تعيبه» بالعين المهملة أي تذكر عيبه وربما يقرأ بالمعجمة من الغيبة.

٥٨

*(باب)*

*«(الخيانة ، وعقاب أكل الحرام)»*

الايات : الانفال : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (٢).

أقول : قد مضى في باب الامانة وباب جوامع المكارم.

١ ـ لى : علي بن أحمد ، عن الاسدي ، عن سهل ، عن عبدالعظيم الحسني عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : كان فيما ناجى موسى ربه : إلهي ما جزاء من ترك الخيانة حياء منك؟ قال : يا موسى له الامان يوم القيامة (٣).

٢ ـ لى : ابن المغيرة ، عن جده ، عن جده ، عن السكوني ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أربع لا تدخل بيتا واحدة منهن إلا خرب ، ولم يعمر بالبركة : الخيانة والسرقة وشرب الخمر والزنا (٤).

ما : ابن الغضائري ، عن الصدوق مثله (٥).

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٥٩. (٢) الانفال : ٢٧.

(٣) أمالى الصدوق : ١٢٥. (٤) أمالى الصدوق : ١٦٣.

(٥) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٥٤.

١٧٠

ثو : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني مثله (١).

ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن الحصين ، عن موسى بن القاسم البجلي رفعه إلى علي عليه‌السلام مثله وليس فيه بالبركة (٢).

٣ ـ لى : في خبر المناهي قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من خان جاره شبرا من الارض جعلها الله طوقا في عنقه من تخوم الارضين السابعة حتى يلقى الله يوم القيامة مطوقا ، إلا أن يتوب ويرجع ، وقال : من خان أمانة في الدنيا ولم يردها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي ، ويلقى الله وهو عليه غضبان ، وقال : من اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانه (٣).

٤ ـ ب : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الامانة تجلب الغناء والخيانة تجلب الفقر (٤).

٥ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ثلاث من كن فيه زوجه الله من الحور العين كيف شاء : كظم الغيظ والصبر على السيوف لله عزوجل ، ورجل أشرف على مال حرام فتركه لله عزوجل (٥).

٦ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد البرقي ، عن العرزمي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : يقول إبليس لعنه الله : ما أعياني في ابن آدم فلن يعيني منه واحدة من ثلاث : أخذ مال من غير حله ، أو منعه من حقه ، أو وضعه في غير وجهه (٦).

٧ ـ ل : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن الله يعذب ستة بستة إلى أن قال : و

____________________

(١) ثواب الاعمال : ٢١٧. (٢) الخصال ج ١ ص ١١٠.

(٣) امالى الصدوق : ٢٥٣. (٤) قرب الاسناد : ٥٥.

(٥) الخصال ج ١ ص ٤٢.

(٦) الخصال ج ١ ص ٦٥.

١٧١

التجار بالخيانة (١).

٨ ـ ل : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : استعمال الامانة يزيد في الرزق (٢).

٩ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في خبر المعراج قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : مررت بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون اللحم الخبيث ، ويدعون الطيب ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون الحرام ، ويدعون الحلال ، وهم من امتك يا محمد (٣).

١٠ ـ ثو : أبي ، عن على ، عن أبى ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لاتزال امتي بخير مالم يتخاونوا وأدوا الامانة وآتوا الزكاة فاذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (٤).

١١ ـ ختص : الحسن بن محبوب قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : يكون المؤمن بخيلا؟ قال : نعم ، قلت : فيكون جبانا؟ قال : نعم ، قلت : فيكون كذابا؟ قال : لا ، ولا خائنا ، ثم قال : يجبل المؤمن على كل طبيعة إلا الخيانة والكذب (٥).

١٢ ـ ختص : إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ما من مؤمن ضيع حقا إلا أعطى في باطل مثليه ، وما من مؤمن يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حوائجه قضيت أولم تقض إلا ابتلاه الله بالسعي في حاجة من يأثم عليه ، ولا يؤجربه ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما رضي الله إلا ابتلى أن ينفق أضعافها فيما يسخط الله (٦).

١٣ ـ ختص : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا من يحقر الامانة حتى يستهلكها إذا استودعها ، وليس منا من خان مسلما في أهله وماله (٧).

١٤ ـ مشكوة الانوار قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منا من خان بالامانة (٨).

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ١٥٩. (٢) الخصال ج ٢ ص ٩٤.

(٣) تفسير القمى : ٣٧٠. (٤) ثواب الاعمال : ٢٢٥.

(٥) الاختصاص : ٢٣١. (٦) الاختصاص : ٢٤٢.

(٧) الاختصاص : ٢٤٨. (٨) مشكاة الانوار : ٥٢.

١٧٢

٥٩

*(باب)*

*«(من منع مؤمنا شيئا من عنده أو (من) عند غيره أو استعان به أخوه فلم يعنه ، أو لم ينصحه في قضائه)»*

١ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى المنذر ، عن الحسين ابن محمد ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن أبي خلف ، عن صفوان بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أيما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة وهو يقدر على قضائها فمنعه إياها عيره الله القيامة تعييرا شديدا ، وقال له : أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاها في يديك فمنعه إياها زهدا منك في ثوابها ، وعزتي لا أنظر إليك في حاجة معذبا كنت أو مغفورا لك (١).

أقول : قد مر بعض الاخبار في باب المواساة.

٢ ـ ما : الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تخيب راجيك فيمقتك الله ويعاديك (٢).

٣ ـ ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن سهل ، عن محمد ابن الحسين بن زيد ، عن محمد بن سنان ، عن منذر بن يزيد ، عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يا أبا هارون إن الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لايجاوره خائن قال : قلت : وما الخائن؟ قال : من ادخر عن مؤمن درهما أو حبس عنه شيئا من أمر الدنيا قال : قلت : أعوذ بالله من غضب الله ، فقال : إن الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لايسكن جنته أصنافا ثلاثة : راد على الله عزوجل أوراد على إمام هدى أو من حبس حق امرئ مؤمن ، قال : قلت : يعطيه من فضل ما يملك؟ قال : يعطيه من نفسه وروحه ، فان بخل عليه بنفسه فليس منه إنما هو

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ١ ص ٩٦.

(٢) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٠٥.

١٧٣

شرك شيطان.

قال الصدوق رضوان الله عليه : الاعطاء من النفس والروح إنما هو بذل الجاه له إذا احتاج إلى معاونته ، وهو السعي له في حوائجه (١).

٤ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن فرات ابن أحنف ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره ، أقامه الله عزوجل يوم القيامة مسودا وجهه ، مزرقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ، ثم يؤمر إلى النار (٢). سن : محمد بن علي ، عن محمد بن سنان مثله (٣).

٥ ـ ثو : أبي ، عن سعد ، عن عباد بن سليمان ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن إسماعيل بن عمار الصيرفي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك المؤمن رحمة على المؤمن؟ فقال : نعم ، فقلت : وكيف ذلك؟ قال : أيما مؤمن أتاه أخوه في حاجة فانما ذلك رحمة من الله ساقها إليه وسيبها له ، فان قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها ، وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها ، فانما رد عن نفسه الرحمة التي ساقها الله إليه وسيبها له وذخرت الرحمة إلى يوم القيامة ، فيكون المردود عن حاجته ، هو الحاكم فيها إن شاء صرفها إلى نفسه وإن شاء إلى غيره ، يا إسماعيل فاذا كان يوم القيامة هوالحاكم في رحمة من الله عزوجل قد شرعت له فالى من ترى يصرفها؟ قال : فقلت : جعلت فداك لا أظنه يصرفها عن نفسه ، قال : لا تظن ولكن استيقن ، فانه لايردها عن نفسه ، يا إسماعيل من اتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلط الله عليه شجاعا ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفورا له أو معذبا (٤).

٦ ـ ثو : أبي رحمه الله ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطّاب ، عن أبي جميلة

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٧٣. (٢) ثواب الاعمال : ٢١٥.

(٣) المحاسن ص ١٠٠. (٤) ثواب الاعمال : ٢٢٢.

١٧٤

قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من مشى في حاجة أخيه المسلم ولم يناصحه فيها كان كمن خان الله ورسوله ، وكان الله عزوجل خصمه (١).

سن : محمد بن علي ، عن أبي جميلة مثله (٢).

٧ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن إدريس بن الحسن عن مصبح بن هلقام ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكل جهده ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. قال أبوبصير : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : ما تعني بقولك والمؤمنين؟ قال : من لدن أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى آخرهم (٣).

سن : إدريس مثله (٤).

٨ ـ ثو : أبي رحمه‌الله ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن مرار ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أيما رجل من شيعتنا أتاه رجل من إخواننا فاستعان به في حاجة فلم يعنه وهو يقدر ابتلاه الله عزوجل بأن يقضي حوائج عدو من أعدائنا يعذبه الله عليه يوم القيامة (٥).

سن : إدريس بن الحسن ، عن يونس مثله (٦).

٩ ـ ثو : محمد بن الوليد ، عن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن سعدان ابن مسلم ، عن الحسين بن أبان ، عن جعفر عليه‌السلام قال : من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في جاجته ابتلى بمعونة من لا يأثم عليه ولا يوجر (٧).

سن : سعدان بن مسلم ، عن الحسين بن أنس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (٨).

١٠ ـ ص : الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط ، عن أبي إسحاق الخراساني ، عن وهب بن منبه قال : رووان أن

____________________

(١ و ٣) ثواب الاعمال. ٢٢٣. (٢ و ٤) المحاسن ص : ٩٨.

(٥ و ٧) ثواب الاعمال : ٢٢٣.

(٦ و ٨) المحاسن : ٩٩.

١٧٥

رجلا من بني إسرائيل بنى قصرا فجوده وشيده ، ثم صنع طعاما فدعى الاغنياء وترك الفقراء ، فكان إذا جاء الفقير قيل لكل واحد منهم : إن هذا طعام لم يصنع لك ولا لاشباهك ، قال : فبعث الله ملكين في زى الفقراء فقيل لهما مثل ذلك ثم أمرهما الله تعالى بأن يأتيا في زي الاغنياء فادخلا واكرما واجلسا في الصدر فأمرهما الله تعالى أن يخسفا المدينة ومن فيها.

١١ ـ ختص : عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها إليه ، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا ، وهو موصول بولاية الله تبارك وتعالى وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلط الله تبارك وتعالى عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة ، مغفورا له أو معذبا فان عذره الطالب كان أسوء حالا (١).

١٢ ـ كتاب قضاء الحقوق للصورى قال الصادق عليه‌السلام : المؤمن المحتاج رسول الله تعالى إلى الغني القوي ، فاذا خرج الرسول بغير حاجته غفرت للرسول ذنوبه وسلط الله على الغني القوي شياطين تنهشه ، قال : يخلى بينه وبين أصحاب الدنيا فلا يرضون بما عنده حتى يتكلف لهم : يدخل عليهم الشاعر فيسمعه فيعطيه ما شاء فلا يؤجر عليه ، فهذه الشياطين التي تنهشه.

وعنه عليه‌السلام أنه قال لرفاعة بن موسى وقد دخل عليه : يا رفاعة ألا اخبرك بأكثر الناس وزرا؟ قلت : بلى جعلت فداك ، قال : من أعان على مؤمن بفضل كلمة ثم قال : ألا اخبركم بأقلهم أجرا؟ قلت : بلى جعلت فداك قال : من ادخر عن أخيه شيئا مما يحتاج إليه في أمر آخرته ودنياه ، ثم قال : ألا اخبركم بأوفرهم نصيبا من الاثم؟ قلت : بلى جعلت فداك قال : من عاب عليه شيئا من قوله وفعله أو رد عليه احتقارا له وتكبرا عليه ، ثم قال : أزيدك حرفا آخر يا رفاعة ، ما آمن بالله ولا بمحمد ولا بعلي من إذا أتاه أخوه المؤمن في حاجة لم يضحك في وجهه ، فان

____________________

(١) الاختصاص : ٢٥٠.

١٧٦

كانت حاجته عنده سارع إلى قضائها ، وإن لم يكن عنده تكلف من عند غيره حتى يقضيها له ، فإذا كان بخلاف ما وصفته فلا ولاية بيننا وبينه.

١٣ ـ ما : الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم عن الحسين بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ابن سالم ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أيما مؤمن سأل أخاه المؤمن حاجة وهو يقدر على قضائها فرده عنها سلط الله عليه شجاعا في قبره ينهش من أصابعه (١).

١٤ ـ دعوات الراوندى : قال الصادق عليه‌السلام : من أتاه أخوه المسلم يسأله عن فضل ما عنده فمنعه ، مثله الله له في قبره شجاعا ينهش لحمه إلى يوم القيامة.

١٥ ـ عدة الداعى : عن إسماعيل بن عمار قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : المؤمن رحمة؟ قال : نعم ، وأيما مؤمن أتاه أخوه في حاجته فانما ذلك رحمة ساقها الله إليه ، وسيبها له ، فان قضاها كان قد قبل الرحمة بقبولها ، وإن رده وهو يقدر على قضائها فانما رد عن نفسه الرحمة التي ساقها الله إليه وسيبها له ، وذخرت الرحمة للمردود عن حاجته ، ومن مشى في حاجة أخيه ولم يناصحه بكل جهده فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، وأيما رجل من شيعتنا أتاه رجل من إخوانه واستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر ، ابتلاه الله تعالى بقضاء حوائج أعدائنا ليعذبه بها ومن حقر مؤمنا فقيرا واستخف به واحتقره لقلة ذات يده وفقره شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، وحقره ، ولايزال ماقتا له ، ومن اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والاخرة ، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر خذله الله وحقره في الدنيا والاخرة.

١٦ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد وأبي علي الاشعري ، عن محمد بن حسان جميعا ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن سنان ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه ، يحتاج إليه ، وهو يقدر عليه

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٢٧٨.

١٧٧

من عنده أو من عند غيره ، أقامه الله عزوجل يوم القيامة مسودا وجهه ، مزرقة عيناه مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ، ثم يؤمر به إلى النار. (١).

بيان : «مزرقة عيناه» بضم الميم وسكون الزاي وتشديد القاف من باب الافعلال من الزرقة وكأنه إشارة إلى قوله تعالى «ونحشر المجرمين يومئذ زرقا» (٢) وقال البيضاوي : أي زرق العيون ، وصوفا بذلك لان الزرقة أسوء ألوان العين وأبغضها إلى العرب ، لان الروم كانوا أعدى أعدائهم ، وهم زرق ، ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكبد ، أصهب السبال ، أزرق العين ، أو عميا فان حدقة الاعمى تزراق انتهى (٣) وقال في غريب القرآن : «يومئذ زرقا» لان أعينهم تزرق من شدة العطش وقال الطيبي : فيه أسودان أزرقان : أراد سوء منظرهما وزرقة أعينهما ، والزرقة أبغض الالوان إلى العرب ، لانها لون أعدائهم الروم ، ويحتمل إرادة قبح المنظر وفظاعة الصورة انتهى ، وقيل : لشدة الدهشة والخوف تنقلب عينه ، ولا يرى شيئا و «إلى» في قوله «إلى عنقه» بمعنى «مع» أو ضمن معنى الانضمام ، ويدل على وجوب قضاء حاجة المؤمن مع القدرة ، وربما يحمل على ما إذا منعه لايمانه أو استحفافا به ، وكأن المراد بالمؤمن المؤمن الكامل.

١٧ ـ كا : عن ابن سنان ، عن يونس بن ظبيان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : يا يونس من حبس حق المؤمن أقامه الله عزوجل يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه ، يسيل عرقه أودية ، وينادي مناد من عندالله تعالى : هذا الظالم الذي حبس عن الله حقه ، قال فيوبخ أربعين يوما ثم يؤمر به إلى النار (٤).

بيان : المراد بحق المؤمن الديون ، والحقوق اللازمة ، أو الاعم منها ومما يلمزمه أداؤه من جهة الايمان على سياق سائر الاخبار «خمسمائة عام» أي مقدارها من اعوام الدنيا «أودية» في بعض النسخ «أودمه» فالترديد من الراوي وقيل : أو

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٦٧. (٢) طه : ١٠٢.

(٣) أنوار التنزيل ٢٦٨. (٤) الكافى ج ٢ ص ٣٦٧.

١٧٨

للتقسيم أي إن كان ظلمه قليلا يسيل عرقه ، وإن كان كثيرا يسيل دمه ، والموبخ المؤمنون أو الملائكة أو الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام أو الاعم ، وفيه دلالة على أن حق المؤمن حق الله عزوجل ، لكمال قربه منه أو لامره تعالى به.

١٨ ـ كا : عن محمد بن سنان ، عن مفضل بن عمر قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إياها قال الله عزوجل : ملائكتي أبخل عبدي بسكنا الدنيا؟ وعزتي وجلالي لا يكسن جناني أبدا (١).

بيان : ظاهر هذه الاخبار ، وجوب إعانة المؤمنين بكل ما يقدر عليه وإسكانهم وغير ذلك ، مما لم يقل بوجوبه أحد من الاصحاب ، بل ظاهرها كون تركها من الكبائر ، وهو حرج عظيم ينافي الشريعة السمحة ، وقد يؤول بكون المنع من أجل الايمان فيكون كافرا أو على ما إذا وصل اضطرار المؤمن حدا خيف عليه التلف أو الضرر العظيم الذي تجب إعانته عنده ، أو يراد بالجنان جنات معينة لا يدخلها إلا المقربون.

١٩ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله عن علي بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله عزوجل ساقها إليه ، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا ، وهو موصول بولاية الله عزوجل وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلط الله عليه شجاعا من نار ، ينهشه في قبره إلى يوم القيامة مغفور له أو معذب ، فان عذره الطالب كان اسوء حالا ، قال : وسمعته يقول : من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله تبارك وتعالى (٢).

بيان : قد مر سندا ومتنا في باب قضاء حاجة المؤمن إلى قوله : كان أسوء

____________________

(١) الكافى ج ٢ ٣٦٧.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٣٦٧.

١٧٩

حالا إلا أن فيه مغفورا له أو معذبا ومضى ما بعده في الباب السابق (١) ونقول زائدا على ما مضى أن قوله : «فقد وصله بولايتنا» يحتمل أن يكون المراد أنه وصل ذلك الفعل بولايتنا أي جعله سببا لولايتنا وحبناله ، وهو أي الفعل أو الولاية بتأويل سبب لولاية الله ، ويمكن أن يكون ضمير الفاعل في وصل راجعا إلى الفعل والمفعول إلى الرجل ، أي وصل ذلك الفعل الرجل الفاعل له بولايتنا «كان أسوء حالا» أي المطلوب والطالب كما مر ، والاول أظهر فالمراد بقوله : «عذره» قيل : عذره الذي اعتذر به ولا أصل له ، وكون حال المطلوب حينئذ أسوء ظاهر لانه صدقه فيما ادعى كذبا ، ولم يقابله بتكذيب إنكار ليخف وزره ، وأما على الثاني فقيل : كونه أسوء لتصديق الكذاب ، ولتركه النهي عن المنكر ، والاولى أن يحمل على ما إذا فعل ذلك للطمع وذلة النفس لا للقربة وفضل العفو.

٢٠ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد بن خالد وأبي علي الاشعري ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن سعدان ، عن حسين بن أمين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته [إلا] ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر (٢).

بيان : قوله : «والقيام» إما عطف تفسير للمعونة أو المراد بالمعونة ما كان من عند نفسه ، وبالقيام ما كان من غيره «إلا ابتلي» كذا في أثر النسخ فكلمة إلا إما زائدة أو المستثنى منه مقدر أي ما فعل ذلك إلا ابتلي ، وقيل : من للاستفهام الانكاري وفي بعض النسخ ابتلي بدون كلمة إلا موافقا لما في المحاسن وثواب الاعمال (٣) وهو أظهر ، وضمير «عليه» راجع إلى «من» بتقدير مضاف أي على معونته ، وفاعل يأثم راجع إلى من بخل ، ويحتمل أن يكون راجعا إلى «من»

____________________

(١) يريد من البابين باب قضاء حاجة المؤمن في الكافى ج ٢ ص ١٩٢ ، وباب من استعان به أخوه ولم يعنه ج ٢ ص ٣٦٥ ، وقد مر الحديث الاول : في كتاب العشرة ج ٧٤ ص ٣٣٠.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٣٦٥. (٣) مر تحت الرقم : ٩.

١٨٠