بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

[ ضا ] ظ روي : الكبر رداء الله من نازع الله رداه قصمه ، وروي أن ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع رفعاه ، ومن تكبر وضعاه ، وأروي عن العالم عليه‌السلام أنه قال : عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة ، والعجب كل العجب لمن شك في الله ، وهو يرى الخلق ، والعجب لمن أنكر الموت وهو يرى من يموت كل يوم وليلة ، ولم يذكر الاخرة وهو يرى النشأة الاولى ، ولمن عمل لدار الفناء ، وهو يرى دار البقاء.

١٢ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : التواضع أصل كل خير نفيس ومرتبة رفيعة ولو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب والتواضع مايكون في الله ، ولله ، وما سواه مكر ، ومن تواضع لله شرفه الله على كثير من عباده.

ولاهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماء من الملائكة وأهل الارض من العارفين قال الله عزوجل : «وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم» (١) وأصل التواضع من جلال الله وهيبته وعظمته ، وليس لله عزوجل عبادة يقبلها ويرضاها إلا وبابها التواضع ، ولايعرف مافي معنى حقيقة التواضع إلا المقربون المستقلين (٢) بوحدانيته قال الله عزوجل : «وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما» (٣) وقد أمر الله عزوجل أعز خلقه وسيد بريته محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتواضع ، فقال عزوجل : «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» (٤) والتواضع مزرعة الخشوع والخضوع والخشية والحياء وإنهن لا يأتين إلا منها وفيها ، ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى (٥).

١٣ ـ كش : قال أبوالنصر : سألت عبدالله بن محمد بن خالد ، عن محمد بن مسلم فقال : كان رجلا شريفا موسرا فقال أبوجعفر عليه‌السلام : تواضع يا محمد فلما انصرف

____________________

(١) الاعراف : ٤٦. (٢) في المصدر : المتصلين.

(٣) لقمان : ٦٣ (٤) الشعراء : ٢١٥.

(٥) مصباح الشريعة ص ٣٨.

١٢١

إلى الكوفة أخذ قوصرة من تمر مع الميزان ، وجلس على باب مسجد الجامع وصار ينادي عليه فأتاه قومه فقالوا له : فضحتنا ، فقال : إن مولاي أمرني بأمر فلن اخالفه ، ولن أبرح حتى أفرغ من بيع مافي هذه القوصرة ، فقال له قومه : إذا أبيت إلا أن تشتغل ببيع وشراء فاقعد في الطحانين ، فهيأ رحى وجملا وجعل يطحن (١).

١٤ ـ ين : ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أفطر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشية الخميس في مسجد قبا ، فقال : هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولة الانصاري بعس من لبن مخيض بعسل (٢) فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال : شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه لا أشربه ولا احرمه ، ولكني أتواضع لله فان من تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر خفضه الله ، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن أكثر ذكر الله أحبه الله.

١٥ ـ ين : محمد بن سنان ، عن بسطام الزيات ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام من الحبشة قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : احدثك يا رسول الله ، دخلت على النجاشي يوما من الايام وهو في غير مجلس الملك ، وفي غير رياشه وفي غير زيه : فحييته بتحية الملك ، وقلت له : يا أيها الملك مالي أراك في غير مجلس الملك ، وفي غير رياشه ، وفي غير زيه؟ فقال : إنا نجد في الانجيل : من أنعم الله عليه بنعمة فليشكر الله ، ونجد في الانجيل أن ليس من الشكر لله شئ يعداه مثل التواضع ، وأنه ورد علي في ليلتي هذه أن ابن عمك محمدا قد أظفره الله بمشركي أهل بدر ، فأحببت أن أشكر الله بما ترى.

١٦ ـ ين : محمد بن سنان ، عمن أخبره ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن موسى بن عمران حبس عنه الوحي ثلاثين صباحا ، فصعد على جبل بالشام يقال له أريحا فقال : يارب لم حبست عني وحيك وكلامك؟ ألذنب أذنبته فها أنا بين يديك فاقتص لنفسك رضاها ، وإن كنت إنما حبست عني وحيك وكلامك

____________________

(١) رجال الكشى ص ١٤٧. (٢) راجع بيانه تحت الرقم ٢٥ في هذا الباب.

١٢٢

لذنوب بني إسرائيل فعفوك القديم ، فأوحى الله إليه أن ياموسى تدري لم خصصتك بوحيي وكلامي من بين خلقي؟ فقال : لا أعلمه يارب ، قال ياموسى : إني اطلعت على خلقي اطلاعة فلم أر في خلقي شيئا أشد تواضعا منك ، فمن ثم خصصتك بوحيي وكلامي من بين خلقي ، قال : وكان موسى عليه‌السلام إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الايمن بالارض ، وخده الايسر بالارض.

١٧ ـ ضا : روي أن الوحي احتبس على موسى بن عمران ثلاثين صباحا وذكر مثله (١).

١٨ ـ ين : بعض أصحابنا ، عن علي بن شجرة ، عن عمه بشير النبال ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قدم أعرابي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يارسول الله تسابقني بناقتك هذه؟ قال : فسابقه فسبقه الاعرابي فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنكم رفعتموها فأحب الله أن يضعها ، إن الجبال تطاولت لسفينة نوح وكان الجودي أشد تواضعا فحط الله بها على الجودي.

١٩ ـ ين : ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن في السماء ملكين موكلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبر وضعاه.

٢٠ ـ الدرة الباهرة : قال الصادق عليه‌السلام : التواضع أن ترضى من المجلس بدون شرفك ، وأن تسلم على من لا قيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقا ، ورأس الخير التواضع.

٢١ ـ نهج : قال عليه‌السلام : بالتواضع تتم النعمة (٢) وقال عليه‌السلام : ما أحسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله وأحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله (٣).

٢٢ ـ عدة الداعى : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة لا يزيد الله بهن إلا خيرا :

____________________

(١) فقه الرضا ص ٥٠. (٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٩٤.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٤١.

١٢٣

التواضع لايزيد الله به إلا ارتفاعا ، وذل النفس لايزيد الله به إلا عزا ، والتعفف لايزيد الله به إلا غنا.

٢٣ ـ كا : عن على ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه ، وهو في بيت له جالس على التراب ، وعليه خلقان الثياب ، قال : فقال جعفر عليه‌السلام : فأشفقنا كمه حين رأيناه على تلك الحال ، فلما رأى مابنا وتغير وجوهنا قال : الحمد لله الذي نصر محمدا وأقر عينه ، ألا ابشركم؟ فقلت : بلى أيها الملك فقال : إنه جاء في الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك فأخبرني أن الله عزوجل قد نصر نبيه محمدا وأهلك عدوه ، واسر فلان وفلان وفلان [ وفلان ] التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك ، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك ، وهو رجل من بني ضمرة.

فقال له جعفر : أيها الملك فمالي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان فقال : ياجعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عندما يحدث لهم من نعمة ، فلما أحدث الله تعالى لي نعمة بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدثت لله هذا التواضع ، فلما بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لاصحابه : إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة ، فتصدقوا يرحمكم الله ، وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرحمكم الله ، وإن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله (١).

تبين ، النجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وبالشين المعجمة لقب ملك الحبشة ، والمراد هنا الذي أسلم وآمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واسمه أصحمة بن بحر أسلم قبل الفتح ، ومات قبله ، صلى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما جاء خبر موته ، وقال الفيروز آبادي : النجاشي بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح وتكسر نونها أو هو أفصح أصحمة ملك الحبشة انتهى ، وجعفر بن أبي طالب هو أخو أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان أكبر منه عليه‌السلام بعشر سنين ، وهو من كبار الصحابة ، ومن الشهداء الاولين ، وهو

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢١.

١٢٤

صاحب الهجرتين : هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، واستشهد يوم موتة سنة ثمان وله إحدى وأربعون سنة ، فوجد فيما أقبل من جسده تسعون ضربة مابين طعنة برمح وضربة بسيف ، وقطعت يداه في الحرب ، فأعطاه الله جناحين يطير بهما في الجنة فلقب ذا الجناحين ، وقد مرت تفاصيل جميع ذلك في أبوابها.

وقال الجوهري : ثوب الخلق أي بال يستوي فيه المذكر والمؤنث لانه في الاصل مصدر الاخلق وهو الاملس ، والجمع خلقان انتهى «فأشفقا منه» أي خفنا من حاله ومما رأينا منه أن يكون أصابه سوء ، يقال : أشفق منه أي خاف وحذر وأشفق عليه أي عطف عليه ، والعين الجاسوس «وأهلك عدوه» أي السبعين الذين قتلوا منهم أبوجهل وعتبة وشيبة واسر أيضا سبعون ، وبدر اسم موضع بين مكة والمدينة ، وهو إلى المدينة أقرب ، ويقال : هو منها على ثمانية وعشرين فرسخا وعن الشعبي أنه اسم بئر هناك ، قال : وسميت بدرا ، لان الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر كذا في المصباح ، وقال : الاراك شجر من الخمط يستاك بقضبانه الواحدة أراكة ويقال : هي شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق والاغصان خوارة العود ، ولها ثمر في عناقيد يسمى البرين ، يملا العنقود الكف.

«لكأني أنظر إليه» أي هو في بالي كأني أنظر إليه الان ، وحيث للتعليل ويحتمل المكان بدلا من الضمير ، وبنو ضمرة بفتح الضاد وسكون الميم رهط عمرو ابن امية الضمري ، وقيل : لكأني حكاية كلام العين ، وهو بعيد ، بل هو إشارة إلى ماذكروا أن والد النجاشي كان ملك الحبشة ولم يكن له ولد غيره ، وكان للنجاشي عم له اثنا عشر ولدا ، وأهل الحبشة قتلوا والد النجاشي وأطاعوا عمه وجعلوه ملكا وكان النجاشي في خدمة عمه فقالت الحبشة للملك : إنا لانأمن هذا الولد أن يتسلط علينا يوما ويطلب منا دم والده فاقتله ، قال الملك : قتلتم والده بالامس ، وأقتل ولده اليوم؟ أنا لا أرضى بذلك ، وإن أردتم بيعوه من رجل غريب يخرجه من دياركم ، ففعلوا ذلك فبعد زمان اصيب الملك بصاعقة فمات ، ولم يكن أحد من أولاده قابلا للسلطنة فاضطروا إلى أن أتوا وأخذوا النجاشي من

١٢٥

سيده قهرا بلا ثمن وردوه إلى بلادهم ، وملكوه عليهم ، فجاء سيده وادعى عليهم ورفع أمره إلى النجاشي وهو لا يعرفه ، فحكم له عليهم وقال : اعطوه إما الغلام وإما ثمنه فأدوا إليه الثمن.

والتواضع هو إظهار الخشوع والخضوع والذل والافتقار إليه تعالى عند ملاحظة عظمته ، وعند تجدد نعمه تعالى أو تذكرها ، ولذا استحبت سجدة الشكر في هذه الامة ، وورد مثل هذا التذلل بلبس أخس الثياب وأخشنها ، وإيصال مكارم البدن إلى التراب في بعض صلوات الحاجة ، «تزيد صاحبها كثرة» أي في الاموال والاولاد والاعوان في الدنيا ، وفي الاجر في الاخرة «وإن التواضع» أي عدم التكبر والترفع وإظهار التذلل لله وللمؤمنين ، يوجب رفع صاحبه في الدنيا والاخرة.

٢٤ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن في السماء ملكين موكلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبر وضعاه (١).

بيان : رفعاه أي بالثناء عليه أو باعانته في حصول المطالب ، وتيسر أسباب العزة والرفعة في الدارين ، وفي التكبر بالعكس فيهما.

٢٥ ـ كا بالاسناد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمان بن الحجاج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أفطر رسول الله عشية خميس في مسجد قبا ، فقال : هل من شراب فأتاه أوس بن خولي الانصاري بعس مخيض بعسل ، فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال : شرابان يكتفي بأحدهما من صاحبه لا أشربه ولا احرمه ، ولكن أتواضع لله ، فان من تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر خفضه الله ، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ، ومن بذر حرمه الله ، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله (٢).

ين : في كتاب الزهد ، عن ابن أبي عمير مثله إلا أنه قال : بعس من لبن مخيض بعسل (٣).

____________________

(١ و ٢) الكافي ج ٢ ص ١٢٢.

(٣) مر بلفظه تحت الرقم : ١٤.

١٢٦

بيان : في القاموس قباء بالضم ويذكر ويقصر موضع قرب المدينة ، وقال : العساس ككتاب الاقداح العظام والواحد عس بالضم ، وقال : مخض اللبن يمخضه مثلثة الاتي أخذ زبده ، فهو مخيض ، وممخوض بعسل أي ممزوج بعسل ، وقيل : إنما امتنع صلى‌الله‌عليه‌وآله لان اللبن المخيض الحامض (١) الممزوج بالعسل لا لذة فيه ، فيكون إسرافا ، فالمراد بالتواضع لله الانقياد لامره في ترك الاسراف ولا يخفى بعده ، ويدل على أن التواضع بترك الاطعمة اللذيذة مستحب ويعارضه أخبار كثيرة ويمكن اختصاصه بالنبي والائمة كما يظهر من بعض الاخبار ، والاقتصاد التوسط وترك الاسراف والتقتير ، والتبذير في الاصل التفريق ويستعمل في تفريق المال في غير الجهات الشرعية إسرافا وإتلافا وصرفا في المحرم «ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله» لان كثرة ذكر الموت توجب الزهد في الدنيا والميل إلى الاخرة ، وترك المعاصي ، وسائر ما يوجب حبه تعالى.

٢٦ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن داود الحمار عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله ، وقال : من أكثر ذكر الله أظله الله في جنته (٢).

بيان : هذه الفقرة بدل من الفقرة الاخيرة في الخبر السابق ، وذكر الله أعم من أن يكون باللسان أو الجنان ، وأعم من أن يكون بذكر أسمائه الحسنى

____________________

(١) المخض التحريك ، وكأنه تحريك شئ هو في الظرف ، قال في القاموس : مخض الشئ : حركه شديدا ، والبعير هدر بشقشقته ، وبالدلو : نهز بها في البئر ، انتهى وقال في أقرب الموارد : في الحديث «مر عليه بجنازة تمخض مخضا» أى تحرك تحريكا سريعا فعلى هذا اللبن المخيض بالعسل ، هو الحليب الذى صب فيه العسل ، ومخض به ليمتزج العسل مع الحليب ، وهو من ألذ أنواع الشراب ، وهذا القائل لعله نظر إلى كلام الفيروز آبادى ونحوه «مخض اللبن : أخذ زبده فهو مخيض» فتوهم أن لفظ اللبن في الحديث هو الذي يؤخذ منه الزبد ، أعنى الماست ، فاذا مخض هذا اللبن صار حامضا من أثر حرارة التحريك وليس كذلك.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٢٢.

١٢٧

وصفاته العليا أو بتلاوة كتابه. أو بذكر شرائعه وأحكامه ، أو بذكر أنبيائه وحججه فانه قد ورد «أذا ذكرنا ذكر الله». «أظله الله في جنته» أي آواه تحت قصورها وأشجارها أو أوقع عليه ظل رحمته ، أو أدخله في كنفه وحمايته ، كما يقال فلان في ظل فلان.

٢٧ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن فضال ، عن العلا ، عن محمد ابن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يذكر أنه أتى رسول الله ملك فقال : إن الله تعالى يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا قال : فنظر إلى جبرئيل عليه‌السلام وأومأ بيده أن تواضع : فقال : عبدا متواضعا رسولا. فقال الرسول : مع أنه لاينقصك مما عند ربك شيئا ، قال : ومعه مفاتيح خزائن الارض (١).

ايضاح : «قال فنظر إلى جبرئيل» أي قال أبوجعفر : فنظر الرسول إلى جبرئيل مستشيرا منه وإن كان عالما ، وكان لا يحب الملك ، وكان هذا أيضا من تواضعه ، فأومأ جبرئيل بيده أن تواضع! وأن مفسرة ويحتمل أن يكون المستتر في «قال» راجعا إلى الرسول ، و «إلي» بالتشديد وكأن الاول أظهر كما أنه في مشكوة الانوار (٢) قال : فنظر إلى جبرئيل عليه‌السلام فأومأ إليه بيده أن يتواضع وعلى التقديرين من «قال» إلى قوله «تواضع» معترضة «فقال عبدا» أي اخترت أن أكون عبدا «فقال الرسول» أي الملك «مع أنه» أي الملك أو اختياره «مما عند ربك» أي من القرب والمنزلة ، والمثوبات والدرجات ، «قال ومعه» أي قال أبوجعفر عليه‌السلام وكان مع الملك عند تبليغ هذه الرسالة المفاتيح أتى بها ليعطيه إياها إن اختار الملك ، ويحتمل أن يكون ضمير قال راجعا إلى الملك ، ومفعول القول محذوفا والواو في قوله «ومعه» للحال أي قال ذلك ومعه المفاتيح ، وقيل ضمير قال راجع إلى الرسول أي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أقبل وإن كان معه المفاتيح ، ولا يخفى مافيه.

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢٢. (٢) مشكوة الانوار ص ٢٢٥.

١٢٨

والمفاتيح جمع المفتاح كالمفتاح جمع المفتح ، والمفاتيح يمكن حملها على الحقيقة أي بآلة يمكن بها التسلط على خزائن الارض والاطلاع عليها ، أو يكون تصويرا لتقدير ذلك ، وتحقيقا للقول بأنك إذا اخترت ذلك كان سهل الحصول لك كهذه المفاتيح تكون بيدك فتفتح بها ، أو يكون الكلام مبنيا على الاستعارة أي أتى بامور يتيسر بها الملك وعبر عنها بالمفتاح مجازا كخاتم سليمان ، وبساطه مثلا ، وأشباه ذلك مما يسهل معه الاستيلاء على جميع الارض ، أو العلم بطريق الوصول إليها والقدرة عليها.

٢٨ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلم على من تلقى وأن تترك المراء وإن كنت محقا ولا تحب أن تحمد على التقوى (١).

بيان : «بالمجلس دون المجلس» أي ترض بمجلس هو أدون من المجلس الذي هو لائق بشرفك بحسب العرف أو يجلس أي مجلس اتفق ، ولا تتقيد بمجلس خاص ، والاول أظهر «على من تلقى» أي على كل من تلقاه أي من المسلمين واستثني منه التسليم على المرأة الشابة إلا أن يأمن على نفسه وسيأتي تفصيل ذلك في أبواب العشرة إنشاء الله «وأن تترك المراء» أي المجادلة والمنازعة ، وأما إظهار الحق بحيث لا ينتهي إلى المراء فهو حسن ، بل واجب ، وقيل : إذا كان الغرض الغلبة والتعجيز يكون مراء ، وإن كان الغرض إظهار الحق فليس بمراء قال في المصباح : ماريته اماريه مماراة ومراء جادلته ، ويقال : ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا للقول وتصغيرا للقائل ، ولا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فانه يكون ابتداء واعتراضا انتهى «ولا تحب أن تحمد على التقوى» فان هذا من آثار العجب وينافي الاخلاص في العمل كما مر.

٢٩ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن يقطين ، عمن رواه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه‌السلام أن ياموسى

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢٢.

١٢٩

أتدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال : يارب ولم ذاك؟ قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : ياموسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك : ياموسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب أو قال : على الارض (١).

بيان : «بكلامي» أي بأن اكلمك بلا توسط ملك «إني قلبت عبادي» أي اختبرتهم بملاحظة ظواهرهم وبواطنهم ، كناية عن إحاطة علمه سبحانه بهم وبجميع صفاتهم وأحوالهم ، قال في المصباح : قلبته قلبا من باب ضرب حولته عن وجهه ، وقلبت الرداء حولته ، وجعلت أعلاه أسفله ، وقلبت الشئ للابتياع قلبا أيضا تصفحته فرأيت داخله وباطنه ، وقلبت الامر ظهرا لبطن اختبرته انتهى وقيل : ظهرا بدل من عبادي واللام في «لبطن» للغاية فهي بمعنى الواو مع المبالغة «أو قال» الترديد من الراوي ويدل على استحباب وضع الخد على التراب أو الارض بعد الصلاة.

٣٠ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : مر علي بن الحسين عليهما‌السلام على المجذومين وهو راكب حماره وهم يتغدون ، فدعوه إلى الغداء فقال : أما إني لولا أني صائم لفعلت ، فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغدوا عنده وتغدى معهم (٢).

تبيان : في القاموس : الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الاعضاء وهيئاتها وربما انتهى إلى تأكل الاعضاء وسقوطها عن تقرح ، جذم كعني فهو مجذوم ومجذم أجذم ووهم الجوهري في منعه ، وكأن صومه عليه‌السلام كان واجبا حيث لم يفطر مع الدعوة أن يتأنقوا وفي بعض النسخ يتنوقوا أي يتكلفوا فيه ويعلموه لذيذا حسنا ، في القاموس : تأنق فيه عمله بالاثقان كتنوق وقال : تنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ كتنوق انتهى «فتغدوا عنده» أي في

____________________

(١ و ٢) الكافى ج ٢ ص ١٢٣.

١٣٠

اليوم الاخر أو اطلق التغدي على التعشي للمشاكلة «وتغدى معهم» هذا ليس بصريح في الاكل معهم في إناء واحد كما هو ظاهر الخبر الاتي برواية المشكوة (١) فلا ينافي الامر بالفرار من المجذوم ، مع أنه يمكن أن يكونوا مستثنين من هذا الحكم لقوة توكلهم وعدم تأثر نفوسهم بأمثال ذلك ، أو لعلهم بأن الله لايبتليهم بأمثال البلايا التي توجب نفرة الخلق.

ثم اعلم أن الاخبار في العدوى مختلفة ، فقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عدوى ولا طيرة» وقد ورد «فر من المجذوم فرارك من الاسد» وقيل في الجمع بينهما : أن حديث الفرار ليس للوجوب بل للجواز أو الندب احتياطا « خوف ما يقع في النفس من العدوى ، والاكل والمجالسة للدلالة على الجواز وايد ذلك بما روي من طرق العامة عن جابر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أكل مع المجذوم ، فقال : آكل ثقة بالله وتوكلا عليه ، ومن طرقهم أيضا أن امرأة سألت بعض أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الفرار من الجذوم فقالت : كذ والله وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا عدوى وقد كان لنا مولى أصابه ذلك وكان يأكل في صحافي ويشرب من قداحي وينام على فراشي ، وقال بعض العامة : حديث الاكل ، ناسخ لحديث الفرار ، ورده بعضهم بأن الاصل عدم النسخ على ان الحكم بالنسخ يتوقف على العلم بتأخر حديث الاكل وهو غير معلوم ، وقال بعضهم للجمع : حديث الفرار على تقدير وجوبه إنما كان لخوف أن تقع العلة بمشية الله فيعتقد أن العدوى حق.

٣١ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن هارون بن

____________________

(١) عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : فان على بن الحسين عليهما‌السلام اذا مشى لايسبق يمينه شماله ، فقال ولقد مر على المجذومين يأكلون فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فمضى ، ثم قال : ائتونى في المنزل ، فأتوه فأطعمهم وأعطاهم ، وزاد فيه ابن أبى عمير عنه عليه‌السلام أنه تغدى معهم. راجع ص ٢٢٦ من المشكوة ، ج ٢ ص ٢٨٥ من أمالى الشيخ الطوسي.

١٣١

خارجة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه (١).

بيان : «دون شرفه» أي عند المجلس الذي يقتضي شرفه الجلوس فيه أو أدون منه والاخير أظهر وأحسن.

٣٢ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن فضال ومحسن بن أحمد ، عن يونس بن يقعوب قال : نظر أبوعبدالله عليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا «وهو يحمله فلما رآه الرجل استحيى منه فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لولا أهل المدينة لاحببت أن أشتري لعيالي الشئ ثم أحمله إليهم (٢).

٣٣ ـ ايضاح : يدل على استحباب شراء الطعام للاهل ، وحمله إليهم ، وأنه مع ملامة الناس الترك أولى (٣).

٣٤ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن القاسم ، عن عمروبن أبى المقدام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فيما أوحى الله عزوجل إلى داود عليه‌السلام : يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون ، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون (٤).

بيان : التواضع ترك التكبر ، والتذلل لله ولرسوله ولاولي الامر وللمؤمنين وعدم حب الرفعة والاستيلاء ، وكل ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدين موجبا» للقرب كان الاخر موجبا للبعد.

٣٥ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم رفعه ، عن

____________________

(١ و ٢) الكافى ج ٢ ص ١٢٣.

(٣) قد مر في ج ١٤ الباب ٧ ص ١٤٧ أنه قال أبوعبدالله عليه‌السلام وقد رأى معاوية ابن وهب بالمدينة وهو يحتمل بقلا : انه يكره للرجل السرى أن يحمل الشئ الدنى فيجترء عليه ، وفيه روايات أخر فراجع.

(٤) الكافى ج ٢ ص ١٢٣.

١٣٢

أبي بصير قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام في السنة التي قبض فيها أبوعبدالله عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك ما لك ذبحت كبشا «ونحر فلان بدنة؟ فقال : يا أبا محمد إن نوحا» كان في السفينة وكان فيها ماشاء الله ، وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء وخلى سبيلها نوح ، فأوحى الله عزوجل إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن ، فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل ، قال : فقال نوح عند ذلك : يا ماري أتقن ، وهو بالسريانية رب أصلح! قال : فظننت أن أبا الحسن عرض بنفسه (١).

تبيين «في السنة التي قبض فيها» أي بعد القبض ، وكان أول إمامته لا قبله كما قيل : والمراد بفلان أحد الاشراف الذين كانوا يعدون أنفسهم من أقرانه «وكان» أي نوح عليه‌السلام «فيها» أي في السفينة «ماشاء الله» من الزمان أي زمانا » طويلا » ، ويحتمل أن يكون ما شاء الله اسم كان أي ماشاء الله حفظه من المؤمنين والحيوانات والاشجار والحبوب وكل ما يحتاج إليه بنو ادم ، والاول أظهر واختلف في مدة مكثه عليه‌السلام في السفينة فقيل : سبعة أيام كما روي عن الصادق عليه‌السلام وفي رواية اخرى مائة وخمسون يوما ، وقيل : ستة أشهر ، وقيل : خمسة أشهر.

« وكانت السفينة مأمورة» أي بأمر الله تعالى يذهب به حيث أراد ، وقيل : بأمر نوح قالوا : كان إذا أراد وقوفها قال : بسم الله فوقفت ، وإذا أراد جريها قال : بسم الله فجرت ، كما قال تعالى : «بسم الله مجريها ومرسيها» (٢) «فطافت بالبيت» كأنه لما دخلت السفينة الحرم ، أحرم عليه‌السلام بعمرة مفردة ، وطواف النساء للاحلال منها ، بأن أتى ببقية الافعال قبله ، والتخصيص لبيان أن في شرعه أيضا « كان طواف النساء ، ويحتمل أن يكون في شرعه عليه‌السلام هذا مجزيا عن طواف الزيارة ، والاول أظهر ، بل يحتمل أن يكون الاحرام للحج وأتى بجميع أفعاله كما مر في كتاب النبوة عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إن

____________________

(١) الكافى ج ٢ ١٢٤. (٢) هود : ٤١.

١٣٣

سفينة نوح مأمورة وطافت بالبيت حيث غرقت الارض ثم أتت منى في أيامها ثم رجعت السفينة وكانت مأمورة ، وطافت بالبيت طواف النساء (١) فهذا الخبر كالتفسير لخبر المتن.

وفي القاموس «طاولني فطلته» كنت أطول منه في الطول والطول جميعا » وتطاول تطالل ، واستطال امتد وارتفع وتفضل وتطاول ، وقال : شمخ الجبل : علا وطال والرجل بأنفه تكبر انتهى ، وهذه الجملة إما على الاستعارة التمثيلية إشارة إلى أن الناس لما ظنوا وقوعها على أطول الجبال وأعظمها ولم يظنوا ذلك بالجودي ، وجعلها الله عليه ، فكأنها تطاولت وكأن الجودي خضع ، فاذا كان التواضع الخلقي مؤثرا «في ذلك فالتواضع الارادى أولى بذلك ، ويحتمل أن يكون الله تعالى أعطاها في ذلك الوقت الشعور وخاطبها للمصلحة فالجميع محمول على الحقيقة ، وقد يقال : للجمادات شعور ضعيف بل لها نفوس أيضا وفهمه مشكل وإن أومأ إليه بعض الايات والروايات.

قوله عليه‌السلام : « وهو جبل عندكم » أقول : في تفسير العياشي وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له : الجودي (٢) وأقول : قد مر تفسير الجودي والاقوال فيه وسائر ما يتعلق بتلك القصة في كتاب النبوة ، والجؤجؤ كهدهد الصدر ، واللام في الجبل للعهد أي الجودي وكأنه كان ظهر في السفينة اضطراب عند الوقوع على الجودي خافوا منه الغرق فلذا شرع عليه‌السلام في التضرع والدعاء كما روى علي بن إبراهيم في حديث طويل عن الصادق عليه‌السلام إلى أن قال : فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا» ومن الارض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال : فرفع نوح يده ثم قال : يارهمان اتقن وتفسير هارب أحسن فأمر الله الارض أن تبلع ماءها (٣).

وروى الصدوق في العيون (٤) وغيره عن الرضا عليه‌السلام أن نوحا عليه‌السلام لما

____________________

(١) راجع الكافى ج ٤ ص ٢١٦. (٢) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٥٠.

(٣) تفسير القمى ٣٠٤. (٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ٥٥ ، الامالى ٢٧٤.

١٣٤

ركب السفينة أوحى الله عزوجل إليه يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفا ثم سلني النجاة انجك من الغرق ومن آمن معك ، قال : فلما استوى نوح ومن معه في السفينة ، ورفع القلس عصفت الريح عليهم ، فلم يأمن نوح الغرق فأعجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية : هلوليا ألفا ألفا يا ماريا اتقن ، قال : فاستوى القلس واستمرت السفينة الخبر.

قوله «عرض بنفسه» التعريض توجيه الكلام إلى جانب وإرادة جانب آخر ، وهو خلاف التصريح أي غرضه من هذا التمثيل بيان أنه اختار الكبش للتواضع ، وهو مورث للعزة في الدارين ، ويدل على أن اختيار أقل الامرين في المستحبات إذا كان مستلزما للتواضع أحسن مع أن الاخلاص فيه أكثر ، وعن الرئاء والسمعة والتكبر أبعد ، ويحتمل أن يكون في ذلك تقية أيضا ولايبعد كون الكبش في الهدي والاضحية أفضل لدلالة الاخبار الكثيرة عليه ، وسيأتي القول فيه في محله إنشاء الله تعالى.

٣٦ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قال : التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه.

وفي حديث آخر قال : قلت : ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا؟ فقال : التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتي إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين (١).

تبيان : «أن تعطي الناس» أي من التعظيم والاكرام والعطاء «ما تحب أن تعطاه» منهم من جميع ذلك «التواضع درجات» أي التواضع لله وللخلق درجات أو ذودرجات باعتبار كمال النفس ونقصها «أن يعرف المرء قدر نفسه» بملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه «بقلب سليم» من الشك ، والشرك ، والرئاء

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٢٤.

١٣٥

والعجب ، والحقد ، والعداوة ، والنفاق ، فانها من أمراض القلب قال تعالى : «في قلوبهم مرض».

«لايحب أن يأتي إلى أحد» من قبل الله أو من قبله أو الاعم «إلا مثل ما يؤتي إليه» كان المناسب للمعنى الذي ذكرنا أن يؤتى إليه على المعلوم ، وكأن الظرف فيهما مقدر ، والتقدير لا يحب أن يأتى إلى أحد بشئ إلا مثل ما يؤتى به إليه ويؤيده ما سيأتي من رواية علي بن سويد المدني ويمكن أن يقرأ على بناء التفعيل في الموضعين من قولهم أتيت الماء تأتية وتأتيا أي سهلت سبيله ليخرج إلى موضع ذكره الجوهري لكنه بعيد «درأها» أي دفعها «بالحسنة» أي بالخصلة أو المداراة أو الموعظة الحسنة إشارة إلى قوله تعالى : ويدرؤن بالحسنة السيئة » (١) وقال البيضاوي : يدفعونها بها فيجازون الاساءة بالاحسان أو يتبعون الحسنة السيئة فتمحوها.

٥٢

(باب)

« ( رحم الصغير ، وتوقير الكبير واجلال ذى الشيبة المسلم ) »

١ ـ ما : فيما أوصى به أمير المؤمنين عند وفاته : وارحم من أهلك الصغير ووقر منهم الكبير (٢).

٢ ـ ما : ابن حشيش ، عن محمد بن أحمد الاسفرائني ، عن عبدالرحمان بن محمد بن عبدالله ، عن عبدالله بن محمود ، عن صخربن محمد ، عن الليث بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بجلوا المشايخ ، فان من إجلال الله تبجيل المشايخ (٣).

____________________

(١) الرعد : ٢٢ ، راجع تفسير البيضاوى ٢١٣.

(٢) أمالى الطوسى ج ١ ص ٦. (٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣١٨.

١٣٦

ثو : أبي ، عن سعد ، عن سلمة بن الخطاب ، عن علي بن حسان ، عن محمد بن حماد ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالله يرفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عرف فضل شيخ كبير فوقره لسنه آمنه الله من فزع يوم القيامة ، وقال : من تعظيم الله عزوجل إجلال ذي الشيبة المؤمن (١).

٤ ـ جع : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أكرم شاب شيخا إلا قضى الله له عند سنه من يكرمه ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : البركة مع أكابركم ، وقال عليه‌السلام : الشيخ في أهله كالنبي في امته.

عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من إكرام جلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، عن أنس قال : أوصاني رسول الله بخمس خصال فقال فيه : ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة ، وقال عليه‌السلام : ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا (٢).

٥ ـ نوادر الراوندى : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن ابائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تعالى جواد يحب الجواد ومعالي الامور ويكره سفسافها (٣) وإن من عظم جلال الله إكرام ثلاثة : في الشيبة في الاسلام ، والامام العادل ، وحامل القران غير الغالي فيه ولا الجافي عنه.

وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من وقر ذا شيبة لشيبته آمنه الله تعالى من فزع يوم القيامة.

وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لاستحيي عبدي وأمتي يشيبان في الاسلام ثم اعذبهما.

وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عرف فضل كبير لسنه فوقره آمنه الله تعالى من فزع يوم القيامة (٤).

____________________

(١) ثواب الاعمال ١٧١. (٢) جامع الاخبار ص ١٠٧.

(٣) السفساف : الردئ من كل شى ، والنخالة من الدقيق ونحوه.

(٤) نوادر الراوندى ص ٧.

١٣٧

٦ ـ ما : الغضائري ، عن التلعكبري ، عن محمد بن همام ، عن عبدالله الحميري عن الطيالسي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : ما رأيت شيئا «أسرع إلى شئ من الشيب إلى المؤمن وإنه وقار للمؤمن في الدنيا ونور ساطع يوم القيامة به وقر الله خليله إبراهيم فقال : ما هذا يا رب قال له : هذا وقار ، فقال : يا رب زدني وقارا قال أبوعبدالله عليه‌السلام : فمن إجلال الله إجلال شيبة المؤمن (١).

٥٣

*(باب)*

*«(النهى عن تعجيل الرجل عن طعامه ، أو حاجته)»*

١ ـ ل : الاربعمائة ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تعجلوا الرجل عند طعامه حتى يفرغ ، ولا عند غائطه حتى يأتي على حاجته (٢).

٢ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم (٣).

بيان : من إجلال الله أي تعظيم الله فان تعظيم أوامره سبحانه تعظيم له ، والشيبة بياض الشعر ، وكان فيه دلالة على أن شعرا واحدا أيضا سبب للتعظيم ، قال الجوهري : الشيب والمشيب واحد ، وقال الاصمعي : الشيب بياض الشعر ، والمشيب دخول الرجل في حد الشيب من الرجال ، والاشيب المبيض الرأس. وإجلاله تعظيمه وتوقيره واحترامه ، والاعراض عما صدر عنه لسوء خلقه لكبر سنه وضعف قوته لاسيما إذا كان أكثر تجربة وعلما وأكيس حزما وأقدم إيمانا وأحسن عبادة.

٣ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا (٤).

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٣١٠

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٦٣. (٣ و ٤) الكافى ج ٢ ص ١٦٥.

١٣٨

بيان : ليس منا أي من المؤمنين الكاملين أو من شيعتنا الصادقين ، والمراد بالصغير إما الاطفال فانهم لضعف بنيتهم وعقلهم وتجاربهم مستحقون للترحم ويحتمل أن يراد بالكبر والصغر الاضافيان أي يلزم كل أحد أن يعظم من هو أكبر منه ، ويرحم من هو أصغر منه ، وإن كان بقليل.

٤ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن أبان ، عن الوصافي قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : عظموا كباركم ، وصلوا أرحامكم ، وليس تصلونهم بشئ أفضل من كف الاذى عنهم (١).

بيان : الوصافي اسمه عبدالله بن الوليد.

٥٤

*(باب)*

*«(ثواب اماطة القذى عن وجه المؤمن ، والتبسم في وجهه)»*

*«(وما يقول الرجل اذا اميط عنه القذى ، ومعنى قول الرجل)»*

*«(لاخيه جزاك الله خيرا ، والنهى عن قول الرجل لصاحبه)»*

*«(لاو حياتك وحياة فلان)»*

١ ـ ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا اخذت منك قذاة فقل : أماط الله عنك ما تكره (٢).

٢ ـ لى : في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى أن يقول الرجل للرجل : لا وحياتك وحياة فلان (٣).

٣ ـ مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن يزيد عن الحسين بن أعين أخي مالك قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الرجل للرجل : جزاك الله خيرا» ما يعني به؟ أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الخير نهر في الجنة

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) الخصال ج ٢ ص ١٦٩.

(٣) أمالى الصدوق ٢٢٥.

١٣٩

مخرجه من الكوثر ، والكوثر مخرجه من ساق العرش ، عليه منازل الاوصياء وشيعتهم ، على حافتي ذلك النهر جواري نابتات كلما قلعت واحدة نبتت اخرى باسم ذلك النهر ، وذلك قول الله عزوجل في كتابه : «فيهن خيرات حسان» (١) فاذا قال الرجل لصاحبه : جزاك الله خيرا ». فانما يعني به تلك المنازل التي أعدها الله عزوجل لصفوته وخيرته من خلقه (٢).

٤ ـ دعوات الراوندى : عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : نزعك القذاة ، عن وجه أخيك عشر حسنات ، وتبسمك في وجه حسنة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.

٥ ـ نهج : سئل عليه‌السلام ، عن الخير ما هو؟ فقال : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك ، وأن يعظم حلمك ، وأن تباهي الناس بعبادة ربك فان أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت الله (٣).

٥٥

(باب)

*«(حد الكرامة ، والنهى عن رد الكرامة ، ومعناها)»*

١ ـ ب : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن الصادق ، عن أبيه عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا عرض على أحدكم الكرامة فلا يردها فانما يرد الكرامة الحمار (٤).

٢ ـ مع ، ن : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الجبلي ، عن ابن أسباط عن الحسن بن الجهم قال : قال الرضا عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لا يأبى الكرامة إلا حمار ، قلت : ما معنى ذلك؟ قال : التوسعة في المجلس ، والطيب

____________________

(١) الرحمن : ٧. (٢) أمالى الصدوق ص ٢٥٥.

(٣) نهج البلاغة تحت الرقم ٩٤ من الحكم.

(٤) قرب الاسناد ص ٤٤.

١٤٠