بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك ، وأنزلهم جميعا منك منازلهم ، كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الاخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل أخاك بما يجب للاخ على أخيه.

وأما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده ، وتكلمهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك ، فيما جرى بينك [ وبينهم ] من معاملة ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حائل فانه بلغنا أنه قال : «من ظلم معاهدا كنت خصمه» فاتق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فهذه خمسون حقا محيطة بك لا تخرج منها في حال من الاحوال يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها ، والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين (١).

إنما أوردناه مكررا للاختلاف الكثير بينهما. وقوة سند الاول وكثرة فوائد الثاني.

٣ ـ ضا : روي لا تقطع أوداء أبيك فيطفى نورك ، وروي أن الرحم إذا بعدت غبطت وإذا تماست عطبت ، وروي سر سنتين بر والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلا عد مريضا ، سر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة ، سر أربعة أميال زر أخاك في الله ، سر خمسة أميال انصر مظلوما ، وسر ستة أميال أغث ملهوفا ، سر عشرة أميال في قضاء حاجة المؤمن. وعليك بالاستغفار.

ونروي : بروا أبا كم يبر كم أبناؤ كم. كفوا عن نساء الناس يعف نساء كم وأروي : الاخ الكبير بمنزلة الاب ، وأروي : أن رسول الله كان يقسم لحظاته بين جلسائه وما سئل عن شئ قط فقال : لا ، بأبي وامي ولا عاتب أحدا على ذنب أذنب ، ونروي : من عرض لاخيه المؤمن في حديثه فكأنما خدش وجهه ، ونروي أن سول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن ثلاثة : آكل زاده وحده ، وراكب الفلاة وحده ، والنائم في بيت وحده ، وأروي : أطرفوا أهاليكم في كل جمعة بشئ من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا بالجمعة.

____________________

(١) تحف العقول : ٢٦٠ ـ ٢٧٨.

٢١

* ( ( أبواب ) ) *

* «( آداب العشرة بين ذوى الارحام والمماليك )» *

* «( والخدم المشاركين غالبا في البيت )» *

٢

* ( باب ) *

* «( بر الوالدين والاولاد ، وحقوق بعضهم على بعض )» *

* «( والمنع من العقوق )» *

الايات : البقرة : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ألا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا (١).

الانعام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا ، وبالواليدن إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم (٢).

التوبة : يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الايمان ، ومن يتولهم منكم فاولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تشخون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (٣).

____________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) الانعام : ١٥١.

(٣) براءة : ٢٣ و ٢٤.

٢٢

الاسراء : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهر هما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا * ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين إنه كان للتوابين غفورا (١).

مريم : وبرا بوالديه ولم يكن جبارا شقيا (٢).

وقال : وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. (٣)

العنكبوت : ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فانبئك بما كنتم تعملون (٤).

لقمان : ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا (٥).

الاحقاف : ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (٦).

١ ـ كا : عن العدة عن البرقي ، عن أبيه ، عن عبدالله بن بحر ، عن عبدالله ابن مسكان ، عمن رواه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال وأنا عنده لعبد الواحد الانصاري في بر الوالدين في قول الله عزوجل «وبالوالدين إحسانا» فظننا أنها الاية التي في بني إسرائيل «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» فلما كان بعد سألته فقال : هي التي في لقمان « ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك

____________________

(١) الاسراء : ٢٥ ـ ٢٣.

(٢) مريم : ١٤.

(٣) مريم : ٣٢.

(٤) العنكبوت : ٨.

(٥) لقمان : ١٤ و ١٥.

(٦) الاحقاف : ١٥.

٢٣

بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما «فقال : إن ذلك أعظم [ من ] أن يأمر بصلتهما و حقهما على كل حال» وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم «فقال لا بل يأمر بصلتهما وإن جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلا عظما (١).

بيان : هذا الخبر من الاخبار العويصة الغامضة التي سلك كل فريق من الاماثل فيها واديا ، فلم يأتوا بعد الرجوع بما يسمن أن يغني من جوع ، وفيه إشكالات لفظية ومعنوية.

أما الاولى فهي أن الايات الدالة على فضل بر الوالدين كثيرة ، وما يناسب المقام منها ثلاث :

الاولى الاية التي في بني إسرائيل» وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا ».

الثانية الاية التي في سورة العنكبوت وهي» ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ».

الثالثة الاية التي في لقمان وهي» ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ».

فأما الاية الاولى فهي موافقة لما في المصاحف والاية المنسوبة إلى لقمان لا يوافق شيئا من الايتين المذكورتين في لقمان والعنكبوت وأيضا تصريح الراوي أولا بأن الكلام كان في قوله تعالى» وبالوالدين إحسانا «وجوابه عليه‌السلام بما لايوافقه مما لا يكاد يستقيم ظاهرا.

وأما الاشكالات المعنوية وسائر الاشكالات اللفظية فسيظهر لك عند ذكر التوجيهات وقد ذكر فيها وجوه نكتفي بايراد بعضها : الاول ما خطر في عنفوان شبابي ببالي وعرضتها على مشايخي العظام ، رضوان الله عليهم فاستحسنوها وهو أن قول الراوي» وبالوالدين إحسانا «بناء على زعمه

____________________

(١) الكافى ج ٢ : ١٥٩

٢٤

أن الاية التي أشار عليه‌السلام إليها هي التي في بني إسرائيل كما ذكره بعد ذلك ، ولم يذكر الامام عليه‌السلام ذلك بل قال أكد الله تعالى في موضع من القرآن تأكيدا عظيما في بر الوالدين ، فظننا أن مراده عليه‌السلام الاية التي في بني إسرائيل أو المراد» في معنى هذا العبارة ومضمونها «وإن لم يذكر بهذا اللفظ ، ويحتمل أن يكون عليه‌السلام قرأ هذه الاية صريحا وأشار إجمالا إلى تأكيد عظيم في برهما فظن الراوي أن المبالغة العظيمة في هذه العبارة فقال عليه‌السلام : لا بل أردت ما في لقمان وإنما نسب الراوي هذه العبارة إلى بني إسرائيل مع أنها قد تكررت في مواضع من القرآن المجيد منها في البقرة ومنها في الانعام ، ومنها في النساء ، لانه تعالى عقب هذه العبارة في بني إسرائيل بتفسير الاحسان وتفصيل رعاية حقهما حيث قال :« إما يبلغن عندك الكبر » إلى آخر مامر دون ما في سائر السور مع أنه يحتمل أن يكون الراوي سمع منه عليه‌السلام أن ما في سائر السور إنما هو في شأن الوالدين بحسب الايمان والعلم أعني النبي والوصي صلى الله عليهما وما في الاسرى في شأن والدي النسب كما قال علي بن إبراهيم : في تفسير آية الانعام إن الوالدين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما (١).

وقد مضت الاخبار الكثيرة في ذلك لكن الظاهر أنه من بطون الايات ولا ينافي ظواهرها.

وأما الاشكال الثاني فيمكن أن يكون» حسنا «مثبتا في قراءتهم عليهم‌السلام ونظيره في الاخبار كثير ، وقد مر بعضها وسائر الاجزاء موافق لما في المصاحف لكن قد اسقط من البين قوله :« حملته امه ـ إلى قوله ـ إلي المصير » اختصارا لعدم الحاجة إليه في هذا المقام أو إحالة على ما في المصاحف كما أنه لم يذكر» وصاحبهما في الدنيا معروفا «مع شدة الحاجة إليه في هذا المقام.

أو يكون نقلا بالمعنى إشارة إلى الايتين معا فذكر» حسنا «للاشارة على آية العنكبوت» وعلى أن تشرك «للاشارة إلى لقمان ، وكأنه لذلك أسقط عليه‌السلام الفاصلة والتتمة لعدمهما في العنكبوت فقوله» في لقمان «للاختصار أي في لقمان وغيرها ، أو

____________________

(١) تفسير القمى : ٢٠٨.

٢٥

المراد به لقمان وما يقرب منها بالظرفية المجازية كما يقال سجدة لقمان للمجاورة وكأنه عليه‌السلام ذكر السورتين والايتين معا فاختصرهما الرواة عمدا أو سهوا ومثله كثير.

« فقال» أي الامام عليه‌السلام «هي التي» أي الاية التي أشرت إليها وذكرت أن فيها المبالغة العظيمة في برهما ، أو الاية التي فسرتها لعبد الواحد التي «في لقمان».

«فقال إن ذلك» هذا كلام ابن مسكان ، يقول : قال الراوي المجهول الذي كان حاضرا عند سؤال عبدالواحد وهذا شائع في الاخبار يقول راوي الراوي قال مكان قول الراوي ، قلت ولا يلزم إرجاع المستتر إلى عبدالواحد ، وتقدير أنه كان حاضرا عند هذا السؤال أيضا ليحكم ببعده ولا يستبعد ذلك من له أدنى انس بالاخبار.

والحاصل أنه قال الراوي له عليه‌السلام «إن ذلك» أي الامر الذي في بني ـ إسرائيل «أعظم أن يأمر» أي بأن يأمر ، أو هو بدل لقوله «ذلك» وغرضه أن الاية التي في بني إسرائيل والامر بالاحسان فيها باطلاقها شامل لجميع الاحوال حتى حال الشرك والاية التي في لقمان استثنى فيها حال الشرك فتكون الاولى أبلغ وأتم في الامر بالاحسان ف «ان» في قوله «وإن جاهداك» وصلية ، وإن كانت في الاية شرطية.

«فقال» أي الامام عليه‌السلام في جوابه «لا» أي ليس الامر في الايتين كما ذكرت فان آية بني إسرائيل ليس فيها تصريح بعموم الاحوال ، بل فيها دلالة ضعيفة باعتبار الاطلاق ، وليس في آية لقمان استثناء حال الشرك بل فيها تنصيص على الاحسان في تلك الحال أيضا وإنما نهى عن الاطاعة في الشرك فقط وقال بعده «وصاحبهما في الدنيا معروفا» فأمر بالمصاحبة بالمعروف التي هي أكمل مراتب الاحسان في تلك الحال أيضا فعلى تقدير شمول الاطلاق في الاولى لتلك الحالة التنصيص أقوى في ذلك مع أن الدعاء بالرحمة في آخر آيات الاسرى مشعر بكونهما مسلمين.

٢٦

فقوله «بل يأمر» أي بل يأمر الله في آية لقمان «بصلتهما وإن جاهداه على الشرك» وقوله «ما زاد حقهما» جملة اخرى مؤكدة ، أي ما زاد حقهما بذلك «إلا عظما» برفع حقهما أو بنصبه ، فيكون زاد متعديا أي لم يزد ذلك حقهما إلا عظما ويحتمل أن يكون «يأمر» مبتدءا بتقدير «أن» وما زاد خبره.

الثانى : ما قاله صاحب الوافي قدس‌سره حيث قال إنما ظنوا أنها في بني إسرائيل لان ذكر هذا المعنى بهذه العبارة إنما هو في بني إسرائيل دون لقمان ولعله عليه‌السلام إنما أراد ذكر المعنى أي الاحسان بالوالدين دون لفظ القرآن ، وقوله عليه‌السلام «أن يأمر بصلتهما» بدل من قوله «ذلك» يعني أن يأمر الله بصلتهما و حقهما على كل حال ، التي من جملته حال مجاهدتهما على الاشراك بالله أعظم ، و المراد أنه وردالامر بصلتهما وإحقاق حقهما في تلك الحال أيضا ، وإن لم تجب طاعتهما في الشرك ، ولما استبان له عليه‌السلام من حال المخاطب أنه لا تجب صلتهما في حال مجاهدتهما على الشرك رد عليه ذلك بقوله «لا» وأضرب عنه باثبات الامر بصلتهما حينئذ أيضا ، وقوله «ما زاد حقهما إلا عظما» تأكيد لما سبق.

الثالث : ما ذكره بعض أفاضل المعاصرين أيضا ، وإن كان مآله إلى الثاني حيث قال «فلما كان بعد» أي بعد انقضاء ذلك الزمان في وقت آخر «سألته» عن هذا يعني قلت : هل كان الكلام في هذه الاية التي في بني إسرائيل؟ «فقال هي» يعني الاية التي كان كلامنا فيها هي «التي في لقمان» وبينها بقوله «ووصينا الانسان بوالديه حسنا» «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم» من الآلهة التي يعبدها الكفرة يعني باستحقاقها الاشراك وقيل المراد بنفي العلم به نفيه «فلا تطعهما».

وقوله «حسنا» ليس مذكورا في الاية لكن ذكره عليه‌السلام بيانا للمقصود ولعل هذا منشأ للظن الذي ظنه السائل وغيره ، قوله : «وإن جاهداك» مفصول عن قوله «ووصينا الانسان بوالديه» لكن ذكره عليه‌السلام هيهنا لتعلق الغرض به.

«فقال» يعني الصادق عليه‌السلام «إن ذلك» يعني الوارد في سورة لقمان «أعظم» دلالة على الامر باحسان الوالدين ، وأبلغ فيه ، من الوارد في سورة بني إسرائيل و

٢٧

قوله عليه‌السلام «أن يأمر بصلتهما وحقهما» أي رعاية حقهما «على كل حال» «وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم» بدل من اسم الاشارة بدل الاشتمال يعني : الامر بصلتهما على جميع الاحوال ، وإن كانت حال المجاهدة على الكفر كما هو المستفاد من آية لقمان أعظم في بيان حق الوالدين مما يستفاد من آية بني إسرائيل لعدم دلالتها على عموم الاحوال.

بيان ذلك أن المستفاد من آية بني إسرائيل الامر بالاحسان بالوالدين والامر لا يدل على التكرار كما تحقق في محله فضلا عن عموم الاحوال إذ فرق بين المطلق والعام ، وما في الاية من النهي عن التأفيف والزجر الدال على العموم إنما يدل على عموم النهي عن الاذى ووجوب الكف عنه في جميع الاحوال ولا يدل على وجوب تعميم الاحسان على أن في قوله تعالى «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» إشعارا باختصاص الامر بالاحسان. وما ذكر في سياقه بالمسلمين منهما للنهي عن الدعاء للكافر ، وإن كان أحد الابوين «وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه» (١).

واما دلالة آية لقمان على وجوب الاحسان بهما ، وإن كان في حال الكفر ، فلقوله تعالى «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما» حيث قال عز شأنه «لا تطعهما» ولم يقل «لا تحسن إليهما» بعد الامر بالاحسان. ثم قوله «وصاحبهما في الدنيا معروفا» كما لا يخفى على الفطن.

«فقال» يعني الصادق وإنما أعاد لفظ «فقال» هيهنا وفي السابق ، للتأكيد والفصل بين كلامه عليه‌السلام والاية «لا» نفيا لما عسى يتوهم في هذا المقام من أن غاية ما ثبت وجوب الاحسان بهما في حال الكفر ، وإن كان ناقصا بالنسبة إلى ما يجب في حال الاسلام ، أو مساويا بالنسبة إليه فإن المقام مظنة لهذا التوهم بناء على أن شرف الاسلام يقتضي زيادة الاحسان أو توهمه السائل وفهم الامام عليه‌السلام ذلك فنفاه ، يعني ليس الامر كما يتوهم بل الله سبحانه يأمر بصلتهما وإن جاهداه على الشرك ما زاد

____________________

(١) براءة : ١١٤.

٢٨

حقهما إلا عظما ، فان المبتلى الممتحن بالبلاء أحق بالترحم ، ولان الاحسان بهما في حال الكفر يوجب ميلهما ورغبتهما إلى الاسلام كما في واقعة النصراني وامه المذكورة في الحديث الذي يلي هذا الحديث (١).

ويمكن أن يقال يستفاد من الاية عظم حقهما في حال الشرك بناء على أن الراجح أن يكون قوله عز شأنه «وصاحبهما في الدنيا معروفا» معطوفا على جزاء الشرط ، لا الجملة الشرطية لمرجح القرب كما لا يخفى على المتدبر وكذا قوله «واتبع سبيل من أناب إلي» (٢).

ويحتمل أن يكون معنى قوله عليه‌السلام «لا» ليست الاية التي فسرتها ما في بني إسرائيل ، فيكون تأكيدا لنفي المفهوم في الكلام السابق ، وعلى هذا يجري في قوله «بل يأمر بصلتهما» الاحتمالان الاتيان في التفسير الثاني على هذا التفسير أيضا فتدبر.

وفي بعض نسخ الكافي «فقال إن ذلك أعظم من أن يأمر بصلتهما» بزيادة لفظة «من» ويمكن تفسير الحديث بناء على هذه النسخة بأن يقال قوله عليه‌السلام «ذلك» إشارة إلى ما في بني إسرائيل ، ويكون الكلام مسوقا على سبيل الاستفهام الانكاري فيكون المراد : ما في سورة بني إسرائيل أعظم في إفادة المراد من أن يأمر بصلتهما على كل حال ، وإن كان حال الكفر كما في آية لقمان حتى يكون مقصودي ذلك؟

ثم قال «لا» تأكيدا للنفي المستفاد من الكلام السابق ، فقال «بل يأمر بصلتهما ، وإن جاهداه على الشرك ما زاد حقهما إلا عظما» كما هو المستفاد من آية لقمان أعظم ، فالخبر محذوف للقرينة ، وعلى هذا حقهما مرفوع ، على أنه فاعل زاد فيكون حاصل الكلام : أن يأمر بصلتهما وإن جاهداه على الشرك كما هو المستفاد من آية لقمان ما زاد حقهما إلا عظما ، فيكون هذا الكلام أي المذكور في سورة لقمان

____________________

(١) يعنى تحت الرقم ١١.

(٢) لقمان : ١٥.

٢٩

أعظم دلالة من ذلك ففي الكلام تقديران.

وعلى هذا الاحتمال الاخير لا يدل على زيادة حق الوالدين في حال الكفر ويمكن إجراء هذين المعنيين على النسخة الاولى.

الرابع : ما ذكره بعض المشايخ الكبار مد ظلله قال : الذي يخطر بالبال أن فيه تقديما وتأخيرا في بعض كلماته وتحريفا في بعضها من النساخ أولا وأن قوله «وبالوالدين إحسانا» بعد قوله «ألا تعبدوا إلا إياه» والاصل والله أعلم «قال وأنا عنده لعبد الواحد الانصاري في بر الوالدين ، في قول الله عزوجل فظننا أنها الاية التي في بني إسرائيل : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» ومثل هذا يشتبه إذا كان في آخر سطر أنه من السطر الاول أو الثاني ونحو ذلك والبعد بينهما هنا نحو سطر.

وحاصل المعنى أنه عليه‌السلام ذكر لعبد الواحد بر الوالدين في قول الله عز وجل ، ولم يبين في أي موضع فظن أن مراده عليه‌السلام أنه في بني إسرائيل ، ويحتمل أن يكون «فقال إن ذلك» «فقلت إن ذلك» بقرينة قوله بعد «فقال لا» والمعنى على هذا أني قلت له عليه‌السلام : إن هذا عظيم وهو أنه كيف يأمر بصلتهما وحقهما على كل حال ، وإن حصلت المجاهدة منهما على الشرك ، والخطاب حينئذ حكاية للفظ الاية فقال عليه‌السلام : «لا» أي ليس بعظيم كما ظننت أن مجاهدتهما على الشرك تمنع من صلتهما وحقهما ، بل هو تعالى يأمر بصلتهما وإن حصلت منهما المجاهدة ، و حصول المجاهدة لا يسقط حقهما وصلتهما بل يزيده عظما فان حق الوالدين إذا لم يسقط مع المجاهدة على الشرك ، كان أعظم منه مع عدم المجاهدة.

والظاهر من السياق على هذا كون «إن» في «وإن جاهداك» وصلية في كلام الراوي ، وإن كانت في الاية شرطية ، وفي كلام الامام عليه‌السلام يحتمل أن تكون وصلية وقوله «فلا تطعهما» كلام مستقل متفرع على ما قبله ، وأن تكون شرطية وجواب الشرط «فلا تطعهما» ومع ملاحظة المحذوف من الاية لا يبعد الوصل باعتبار كون ما بينهما معترضا وإن كان الاظهر خلافه مع الذكر.

٣٠

ولفظ «حسنا» إن لم يكن زائدا من النساخ أو الراوي سهوا فقد وقع مثله كثيرا في الاحاديث بما ليس في القرآن الموجود ، وهم عليهم‌السلام أعلم بحقيقة القرآن نعم هو في آية العنكبوت ، ولا يمكن إرادتهما بعد قوله عليه‌السلام في سورة لقمان باعتبار الظرفية بخلاف سجدة لقمان فان الاضافة تصدق بأدنى ملابسة فاضيفت سجدة سورة السجدة إلى لقمان للقرب وعدم الفصل بسورة أو باعتبار إضافة السجدة ، بمعنى سورة السجدة إلى لقمان ثم توسعوا باضافة السجدة التي في السورة إلى لقمان.

ويمكن أن يكون على هذا الاية في الواقع كما ذكره عليه‌السلام من غير الزيادة التي في لقمان وهي «حملته امه وهنا» الخ إن ثبت هذا ، وتكون في محل آخر إلا أن يكون المقصود ذكر ما يتعلق بالمقام فقط ، مع حذف غيره ، والتنبيه على كون «وإن جاهداك» وصليا للكلام الاول ولفظ «يأمر» الثاني يحتمل أن يكون أصله يؤمر فهو من قبيل ما تقدم من التحريف.

هذا ما يتعلق بالحديث على التقدير المذكور وعلى ما في الحديث من قوله : «فقال» يحتمل وجهين :

أحدهما أن يكون ضميره راجعا إلى عبدالواحد وفيه أن عبدالواحد لم يذكر إلا في الكلام الاول.

وقوله : «فلما كان بعد سألته» كلام اخرى فرجوعه إلى عبدالواحد يحتاج إلى تكلف تقدير حضور عبدالواحد وقت سؤال غيره في وقت آخر ، فارجاع الضمير اليه مع عدم قرينة تدل على ذلك فهو كما ترى.

الثاني أن يكون معطوفا على «فقال» السابق والقائل حينئذ الامام والمعنى فقال بعد ذكر الاية أن هذه الاية أمر الوالدين فيها أعظم من أمرهما في آية بني إسرائيل لفهمه عليه‌السلام ما ظنه السائل فان في هذه الوصية وإن حصلت المجاهدة على الشرك ، فالمجاهدة لا تسقط حقهما بل يترتب عليها عدم الاطاعة في ذلك ، وهو أن يأمر تعالى بصلتهما وحقهما على كل حال حتى مع المجاهدة.

وعلى هذا فقوله «فقال لا» ضميره يحتمل أن يرجع إليه تعالى بمعنى أنه

٣١

تعالى قال بعد ما ذكر مفسرا من الامام عليه‌السلام : «لا» أي لا تطعهما بل هو تعالى يأمره بصلتهما وإن جاهداه على الشرك ، وليس هذا تكرارا لما تقدمه ، فانه يفيد أن عدم الاطاعة لهما ليس في كل شئ فيه برهما بل في الشرك فقط وكل ما فيه صلة لا يترك بسبب المجاهدة على الشرك.

ويحتمل بعيدا أن تكون «إن» في قوله «وإن جاهداه على الشرك» شرطية و جواب الشرط ما زاد حقهما إلا عظما ، والمعنى حينئذ أن المجاهدة على الشرك لا تسقط حقهما بل تزيده عظما والله تعالى أعلم بمقاصد أوليائه انتهى كلامه زيد فضله.

الخامس : ما ذكره بعض الشار حين فاقتفى أثر الفضلاء المتقدم ذكرهم في جعل ضمير «قال» في الموضعين راجعا إلى الامام عليه‌السلام إلا أنه حمل الوالدين على والدي العلم والحكمة ، وقال : «ذلك» في قوله «إن ذلك أعظم» إشارة إلى قوله تعالى وإن جاهداك و «أعظم» فعل ماض تقول أعظمته وعظمته بالتشديد إذا جعلته عظيما و «أن يأمر» مفعوله بتأويل المصدر ، والمراد بالامر بالصلة الامر السابق على هذا القول واللاحق له أعني قوله «اشكر لي ولوالديك» وقوله «وصاحبهما. واتبع» فأفاد عليه‌السلام بعد قراءة قوله «وإن جاهداك» أن هذا القول أعظم الامر بصلة الوالدين ، وحقهما على كل حال حيث يفيد أنه تجب صلتهما وطاعتهما ، مع الزجر والمنع منهما فكيف بدونه وإن جاهداك الخ.

ثم قرأ هذه القول وهو قوله تعالى «وإن جاهداك» وأفاد بقوله «لا» أنه ليس المراد منه ظاهره ، وهو مجاهدة الوالدين على الشرك ، ونهي الولد عن إطاعتهما عليه ، بل يأمر الولد بصلة الوالدين وإن منعه المانعان : أي أبوبكر وعمر عنهما وما زاد هذا القول حقهما إلا عظما وفخامة.

واستشهد لذلك برواية أصبغ المتقدمة (١) في باب أن الوالدين رسول الله

____________________

(١) أخرج حديث الاصبغ في كتاب الامامة الباب ١٥ تحت الرقم ٢٢ عن الكافى ج ١ : ٤٢٨ ، وفى تاريخ مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام الباب ٢٦ تحت الرقم ٥ عن تفسير القمى ص ٤٩٥ ; وهكذا سائر الاخبار الاتية.

٣٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام على أنه تأويل لبطن الاية ولا ينافي تفسير ظهرها بوجه آخر.

لكن يؤيده ما رواه مؤلف كتاب تأويل الايات الظاهرة نقلا من تفسير محمد ابن العباس بن ماهيار بسنده الصحيح عن عبدالله بن سليمان قال : شهدت جابر الجعفي عند أبي جعفر عليه‌السلام وهو يحدث أن رسول الله وعليا عليهما‌السلام الوالدان قال عبدالله بن سليمان : وسمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : منا الذي أحل [ الله ] له الخمس والذي جاء بالصدق. ومنا الذي صدق به ، ولنا المودة في كتاب الله عزوجل وعلي ورسول الله صلوات الله عليهما الوالدان ، وأمر الله ذريتهما بالشكر لهما.

وروى أيضا بسند صحيح آخر عن ابن مسكان ، عن زرارة ، عن عبدالواحد بن مختار قال : دخلت على أبي جعفر فقال : أما علمت أن عليا أحد الوالدين [ اللذين ] قال الله عزوجل : «أن اشكر لي ولوالديك» قال زرارة : فكنت لا أدري أية آية هي؟ التي في بني إسرائيل أو التي في لقمان قال : فقضى لي أن حججت فدخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فخلوت به فقلت : جعلت فداك حديث جاء به عبدالواحد قال : نعم ، قلت : أية آية هي؟ التي في لقمان أو التي في بني إسرائيل؟ فقال : التي في لقمان (١).

____________________

(١) وقال المؤلف العلامة قدس‌سره في ذيل هذا الحديث (ج ٣٦ ص ١٢) لعل منشأ شك زرارة أن الراوى لعله الحق الاية من قبل نفسه ، أو أن زرارة بعد ما علم أن المراد الاية التى في لقمان ذكرها.

ولكن فيه اشكال آخر ، حيث ان قول الله عزوجل : «أن اشكر لى ولوالديك» ليس الا في سورة لقمان ، وليس بمكرر حتى يشك زرارة أنها التى في بنى اسرائيل؟ أو غيرها؟ والذى يظهر : أن زرارة انما شك في أن كلمة «الوالدين» التى تأولها عليه‌السلام لعبد الواحد برسول الله وعلى عليهما الصلاة والسلام هى التي في بنى اسرائيل : «وبالوالدين احسانا» أو التى في لقمان : «ووصينا الانسان بوالديه ... أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير» لا أنه شك في قوله تعالى «وبالوالدين احسانا» أهى التى في بنى اسرائيل أو التى في لقمان كما يوهمه خبر الكافى ، ولا في قوله تعالى «أن اشكر لى ولوالديك» أنها في أى السورتين هى؟ كما يوهمه خبر كنز جامع الفوائد ، وبذلك يرتفع الاشكال من الحديثين فلا تغفل.

٣٣

وروى أيضا بسند آخر عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «ووصينا الانسان بوالديه» رسول الله وعلي صلوات الله عليهما.

ويظهر من هذه الاخبار أن في رواية الكافي تصحيفا وتحريفا وأن قوله «عمن رواه» تصحيف عن زرارة ، ويرتفع بعض الاشكالات الاخر أيضا لكن تطبيقه على الاية في غاية الاشكال وقد مر منا بعض التأويلات في الباب المذكور في كتاب الامامة (١) وإنما أطنبت الكلام في هذا الخبر لتعرف ما ذهب إليه أوهام أقوام ، وتختار ما هو الحق بحسب فهمك منها ، والله الموفق.

٢ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعلي ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن خالد بن نافع البجلي ، عن محمد بن مروان قال : سمعت أبا عبدالله يقول : إن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أوصني فقال : لا تشرك بالله شيئا وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان ، ووالديك فأطعهما و برهما حيين كانا أو ميتين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان (٢).

بيان : «لا تشرك بالله شيئا» أي لا بالقلب ولا باللسان ، أو المراد به الاعتقاد بالشريك ، فعلى الاول الاستثناء متصل أي إلا إذا خفت التحريق أو التعذيب فتتكلم بالشرك تقية ، وقلبك مطمئن بالايمان ، كما قال سبحانه في قصة عمار حيث اكره على الشرك ، وتكلم به «إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان» (٣) «ووالديك فأطعهما» الظاهر أن والديك منصوب بفعل مقدر ، يفسره الفعل المذكور

____________________

(١) ذكر المؤلف قدس‌سره في كتاب الامامة (ج ٢٣ ص ٢٧٠) حديثا عن الكافى يؤل فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام آية لقمان «ان اشكر لى ولوالديك» بوالدى العلم ، وبعده بيان مفصل للمنصف في توجيه ذلك فراجع.

(٢) الكافى ج ٢ : ١٥٨.

(٣) النحل : ١٠٦.

٣٤

والكلام يفيد الحصر والتأكيد إن قدر المحذوف بعده ، والتأكيد فقط إن قدر قبله.

كذا قيل وأقول : يمكن أن يقدر فعل آخر أي وارع والديك فأطعهما و «برهما» بصيغة الامر من باب علم ونصر حيين ما مر وميتين أي بطلب المغفرة لهما وقضاء الديون والعبادات عنهما ، وفعل الخيرات والصدقات ، وكل ما يوجب حصول الثواب عنهما.

«وإن أمراك أن تخرج من أهلك» أي من زوجتك بطلاقها و «مالك» بهبته «فان ذلك من الايمان» أي من شرائطه أو من مكملاته ، وظاهره وجوب طاعتهما فيما لم يكن معصية ، وإن كان في نفسه مرجوحا لا سيما إذا صار تركه سببا لغيظهما و حزنهما ، وليس ببعيد ، لكنه تكليف شاق بل ربما انتهى إلى الحرج العظيم.

قال المحقق الاردبيلي قدس الله روحه : (١) العقل والنقل يدلان على تحريم العقوق ، ويفهم وجوب متابعة الوالدين وطاعتهما من الايات والاخبار ، و صرح به بعض العلماء أيضا قال في مجمع البيان : «وبالوالدين إحسانا» أي قضى بالوالدين إحسانا أو أوصى بهما إحسانا وخص حال الكبر وإن كان الواجب طاعة الوالدين على كل حال لان الحاجة أكثر في تلك الحال وقال الفقهاء في كتبهم : للابوين منع الولد عن الغزو والجهاد مالم يتعين عليه بتعيين الامام ، أو بهجوم الكفار على المسلمين مع ضعفهم ، وبعضهم ألحقوا الجدين بهما.

قال في شرح الشرائع : وكما يعتبر إذنهما في الجهاد يعتبر في سائر الاسفار المباحة والمندوبة ، وفي الواجبة الكفائية مع قيام من فيه الكفاية فالسفر لطلب العلم إن كان لمعرفة العلم العيني كاثبات الواجب تعالى ، وما يجب له ويمتنع ، والنبوة والامامة والمعاد لم يفتقر إلى إذنهما ، وإن كان لتحصيل زائد منه على الفرض العيني كدفع الشبهات وإقامة البراهين المروجة للدين زيادة على الواجب كان فرضه كفاية فحكمه وحكم السفر إلى أمثاله من العلوم الكفائية كطلب التفقة [ أنه ] إن كان

____________________

(١) زبدة البيان : ٢٠٩.

٣٥

هناك قائم بفرض الكفاية اشترط إذنهما ، وهذا في زماننا فرض بعيد فان فرض الكفاية في التفقه لا يكاد يسقط مع وجود مائة مجتهد في العالم وإن كان السفر إلى غيره من العلوم المادية مع عدم وجوبها ، توقف على إذنهما.

هذا كله إذا لم يجد في بلده من يعلمه ما يحتاج إليه ، بحيث لا يجد في السفر زيادة يعتد بها لفراغ باله أو جودة استاد بحيث يسبق إلى بلوغ الدرجة التي يجب تحصيلها سبقا معتدا به وإلا اعتبر إذنهما أيضا ، ومنه يعلم وجوب متابعتهما حتى يجب عليه ترك الواجب الكفائي ولكن هذا مخصوص بالسفر ، فيحتمل أن يكون غيره كذلك إذا اشتمل على مشقة.

والحاصل أن الذي يظهر أن إحزانهما على وجه لم يعلم جواز ذلك شرعا مثل الشهادة عليهما ، مع أنه قد منع قبول ذلك أيضا بعض مع صراحة الاية في وجوب الشهادة عليهما مع أن فائدته القبول لان قبول شهادته عليهما تكذيب لهما عقوق و حرام (١) كما مر في الخبر ويظهر من الاية ، وطاعتهما تجب ولا تجوز مخالفتهما في أمر يكون أنفع له ولا يضر (٢) بحاله دينا أو دنيا أو يخرج عن زي أمثاله وما يتعارف منه ، ولا يليق بحاله بحيث يذمه العقلاء ، ويعترفون أن الحق أن لا يكون كذلك ، ولا حاجة له في ذلك ، ولا ضرر عليه بتركه.

ويحتمل العموم للعموم إلا ما أخرجه الدليل بحيث يعلم الجواز شرعا لاجماع ونحوه ، مثل ترك الواجبات العينية والمندوبات غير المستثنى ، وليس وجوب طاعتهما مقصورا على فعل الواجبات وترك المعصيات للفرق بين الولد وغيره ، فان ذلك واجب والظاهر عموم ذلك في الولد والوالدين.

قال الشيهد قدس الله سره في قواعده : قاعدة تتعلق بحقوق الوالدين ، لا ريب أن كل ما يحرم أو يجب للاجانب يحرم أو يجب للابوين وينفردان بامور : الاول : تحريم السفر المباح بغير إذنهما ، وكذا السفر المندوب ، وقيل بجواز

____________________

(١) قوله «عقوق وحرام» خبر قوله : ان احزانهما الخ.

(٢) في المصدر المطبوع ونسخة مخطوطة : يضر.

٣٦

سفر التجارة ، وطلب العلم إذا لم يمكن استيفاء التجارة والعلم في بلدهما كما ذكرناه فيما مر.

الثاني قال بعضهم : تجب عليه طاعتهما في كل فعل ، وإن كان شبهة فلو أمراه بالاكل معهما في مال يعتقده شبهة أكل لان طاعتهما واجبة وترك الشبهة مستحب.

والثالث : لو دعواه إلى فعل وقد حضرت الصلاة فليتأخر الصلاة وليطعهما لما قلناه.

الرابع : هل لهما منعه من الصلاة جماعة؟ الاقرب أنه ليس لهما منعه مطلقا بل في بعض الاحيان لما يشق عليهما مخالفته كالسعي في ظلمة الليل إلى العشاء والصبح.

الخامس : لهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين لما صح أن رجلا قال : يا رسول الله ابايعك على الهجرة والجهاد؟ فقال : هل من والديك أحد؟ قال : نعم كلاهما قال : أتبغي الاجر من الله؟ فقال : نعم ، قال : فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما.

السادس : الاقرب أن لهما منعه من فروض الكفاية إذا علم قيام العير أو ظن لانه حينئذ يكون كالجهاد الممنوع منه.

السابع : قال بعض العلماء : لو دعواه في صلاة النافلة قطعها لما صح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن امرأة نادت ابنها وهو في صلاته قالت : يا جريح! قال : اللهم امي و صلاتي ، قالت : يا جريح! فقال : اللهم امي وصلاتي فقال : لا يموت حتى ينظر في وجوه المومسات الحديث (١).

____________________

(١) كان جريح عابدا في بنى اسرائيل ، وكان له ام فكان يصلى فاذا اشتاقت اليه تقول : يا جريح ، ويقول : ياأماه الصلاة ، فاشتاقت أيضا مرة أخرى وقالت : يا جريح! فقال : يا أماه الصلاة ، فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه المومسات ـ يعنى الزانيات ـ.

وكانت زانية في بنى اسرائيل آوت إلى صومعة جريح فضربها وشتمها وأخرجها من صومعته ، فمكنت نفسها من راع حتى حبلت وأتت بولده على رؤس الاشهاد وقالت : هذا

٣٧

وفي بعض الروايات أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو كان جريح فقيها لعلم أن إجابة امه أفضل من صلاته ، وهذا الحديث يدل على قطع النافلة لاجلها ويدل بطريق أولى على تحريم السفر لان غيبة الوجه فيه أكثر وأعظم وهي كانت تريد منه النظر إليها والاقبال عليها.

الثامن : كف الاذى عنهما ، وإن كان قليلا بحيث لا يوصله الولد إليهما ويمنع غيره من إيصاله بحسب طاقته.

التاسع : ترك الصوم ندبا إلا باذن الاب ولم أقف على نص في الام.

العاشر : ترك اليمين والعهد إلا باذنه أيضا ما لم يكن في فعل واجب أو ترك محرم ، ولم أقف في النذر على نص خاص إلا أن يقال هو يمين يدخل في النهى عن اليمين إلا باذنه.

تنبيه : بر الوالدين لا يتوقف على الاسلام لقوله تعالى «ووصينا الانسان بوالديه حسنا» (١) «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا» (٢) وهو نص وفيه دلالة على مخالفتهما في الامر بالمعصية وهو كقوله عليه‌السلام : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فان قلت : فما تصنع بقوله تعالى «ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن» (٣) وهو يشمل الاب ، وهذا منع من النكاح ، فلا يكون طاعته واجبة فيه ، أو منع من

____________________

من جريح ، فاجتمع القوم عليه وعلى صومعته فهدموها وقلعوا آثارها.

فجاء القوم بجريح إلى الملك الذى كان لهم والصبى. فقال جريح للصبى : كلمنى باذن الله تعالى ، من والدك؟ وممن أنت؟ فقال الطفل أنا من فلان الراعى وذكر القصة فأقبل القوم والملك بالاعتذار اليه وبنوا صومعته من فضة وذهب وأقاموا الرجم عليها.

(١) العنكبوت : ٨. وبعده : «وان جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئك بما كنتم تعملون» والظاهر أن الاية اختلطت عليه.

(٢) لقمان : ١٤.

(٣) البقرة : ٢٣٢.

٣٨

المستحب فلا يجب [ طاعته ] في ترك المستحب.

قلت الاية في الازواج ، ولو سلم الشمول أو التمسك في ذلك بتحريم العضل فالوجه فيه أن للمرأة حقا في الاعفاف والتصون ، ودفع ضرر مدافعة الشهوة ، و الخوف من الوقوع في الحرام ، وقطع وسيلة الشيطان عنهم بالنكاح ، وأداء الحقوق واجب على الاباء للابناء ، كما وجب العكس وفي الجملة النكاح مستحب وفي تركه تعرض لضرر ديني أو دنيوي ، ومثل هذا لا يجب طاعة الابوين فيه. انتهى كلام الشهيد رحمه‌الله.

ثم قال المحقق : ويمكن اختصاص الدعاء بالرحمة بغير الكافرين إلا أن يراد من الدعاء بالرحمة في حياتهما بأن يوفق لهما الله ما يوجب ذلك من الايمان فتأمل.

والظاهر أن ليس الاذى الحاصل لهما بحق شرعي من العقوق مثل الشهادة عليهما لقوله تعالى «أو الوالدين» (١) فتقبل شهادته عليهما ، وفي القول بوجوبها عليهما مع عدم القبول ، لان في القبول تكذيبا لهما بعد واضح ، وإن قال به بعض.

وأما السفر المباح بل المستحب فلا يجوز بدون إذنهما ، لصدق العقوق ، و لهذا قاله الفقهاء.

وأما فعل المندوب فالظاهر عدم الاشتراط إلا في الصوم والنذر على ما ذكروه وتحقيقه في الفقه انتهى (٢).

٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ; وعلي ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وبالوالدين إحسانا» (٣) ما هذا الاحسان؟ فقال : الاحسان أن تحسن صحبتهما ، و

____________________

(١) النساء ١٣٥ والاية هكذا : «كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين».

(٢) انتهى ما في زبدة البيان للاردبيلى.

(٣) البقرة : ٨٣ : النساء : ٣٦ ، الانعام : ١٥١ ، أسرى : ٢٣.

٣٩

أن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين ، أليس يقول الله عزوجل «لن تنالوز البر حتى تنفقوا مما تحبون» (١) قال : ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : وأماقول الله عزوجل «إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهر هما» (٢) قال : إن أضجراك فلا تقل لهما اف ولا تنهر هما إن ضرباك قال «وقل لهما قولا كريما» قال : إن ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما فذلك منك قول كريم ، قال : «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة» قال لا تمل (٣) عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما (٤).

بيان : «وبالوالدين إحسانا» أي وأحسنوا بهما إحسانا «أن تحسن صحبتهما» أي بالملاطفة ، وحسن البشر ، وطلاقة الوجه ، والتواضع ، والترحم وغيرها مما يوجب سرورهما ، وفي إلحاق الاجداد والجدات بهما نظر «وإن كانا مستغنيين» أي يمكنهما تحصيل ما احتاجا إليه بمالها.

«لن تنالوا البر» ظاهر الخبر أن المراد بالبر في الاية بر الوالدين ، ويمكن أن يكون المرادأعم منه ويكون إيرادها لشمولها بعمومها له ، وعلى التقديرين الاستشهاد إما لاصل البر أو لان إطلاق الاية شامل للانفاق قبل السؤال وحال الغنى لعدم التقييد فيها بالفقر والسؤال ، فلا حاجة إلى ما تكلفه بعض الافاضل حيث قال :

كأن الاستشهاد بالاية الكريمة أنه على تقدير استغنائهما عنه لا ضرورة داعية إلى قضاة حاجتهما كما أنه لا ضرورة داعية إلى الانفاق من المحبوب ، إذ بالانفاق من غير المحبوب أيضا يحصل المطلوب إلا أن ذلك لما كان شاقا على النفس

____________________

(١) آل عمران : ٩٢.

(٢) أسرى : ٢٣.

(٣) لا تملا خ ظ.

(٤) الكافى ج ٢ : ١٥٧.

٤٠