الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-172-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٢٦

الحج إلى صخرة بيت المقدس :

ويذكر المؤرخون أنه : حين استولى ابن الزبير على مكة والحجاز بادر عبد الملك بن مروان إلى : «منع الناس من الحج ، فضج الناس ، فبنى القبة على الصخرة ، والجامع الأقصى ؛ ليشغلهم بذلك عن الحج ، ويستعطف قلوبهم ، وكانوا يقفون عند الصخرة ، ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة ، وينحرون يوم العيد ، ويحلقون رؤوسهم» (١).

وقد قال عبد الملك عن الصخرة : هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله (٢).

وكان ابن مسعود ، وعائشة ، وعروة بن الزبير ، وابن الحنفية ، وابن عمر ، ينكرون ما يقوله أهل الشام عن الصخرة ، من أن الله وضع قدمه عليها (٣).

فذكر ابن مسعود هنا وهو إنما توفي في خلافة عثمان ، يشير إلى أن أهل الشام الذين رباهم معاوية ، كانوا يقولون بهذه المقالة في وقت متقدم جدا ، حتى اضطر هؤلاء الأعلام إلى الإعلان عن إنكارهم لهذا الأمر ، بما فيهم ابن مسعود.

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ٢٨٠ و ٢٨١ وراجع : الأنس الجليل ج ١ ص ٢٧٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦١ ومآثر الأنافة ج ١ ص ١٢٩ وحياة الحيوان الكبرى ج ١ ص ٦٦ والسنة قبل التدوين ص ٥٠٢ ـ ٥٠٦.

(٢) التوحيد وإثبات صفات الرب ص ١٠٨.

(٣) الأباضية ، عقيدة ومذهبا ص ٩٨.

٤١

وقد اعترف البعض ببناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة ، لكنه زعم : أن ذلك قد كان لأجل أنه رأى عظم قبة القمامة وهيئتها ، فخشي أن تعظم في قلوب المسلمين (١).

ولكنه كما ترى تأويل بارد ، وتخيل فاسد ، إذ لما ذا اختار قبلة اليهود لإزالة ذلك من قلوب المسلمين؟!

ولماذا لا يختص ذلك ببيت المقدس دون سواه؟

ولماذا منع الناس من الحج إلى الكعبة؟

ولماذا الطواف ، والنحر ، والحلق ، والوقوف ، الخ؟!

ثم لماذا تحويل القبلة عن الكعبة إلى بيت المقدس على الظاهر ، كما سنرى؟! ولماذا؟ ولماذا؟

تحويل القبلة :

ثم إنهم قد حولوا قبلة المسلمين ، كما ينص عليه الجاحظ.

والظاهر هو : أنهم قد حولوها إلى بيت المقدس تجاه الصخرة ، التي هي قبلة اليهود ، كما ربما يقتضيه ما تقدم.

قال الجاحظ : «.. حتى قام عبد الملك بن مروان ، وابنه الوليد ، وعاملهما الحجاج ، ومولاهما يزيد بن أبي مسلم ، فأعادوا على البيت بالهدم ، وعلى حرم المدينة بالغزو ، فهدموا الكعبة ، واستباحوا الحرمة ، وحولوا قبلة واسط».

__________________

(١) أحسن التقاسيم ص ١٥٩.

٤٢

إلى أن قال :

«.. فاحسب : أن تحويل القبلة كان غلطا ، وهدم البيت كان تأويلا ، واحسب ما رووا من كل وجه : أنهم كانوا يزعمون .. الخ» .. (١).

ويقول الجاحظ أيضا : «وتفخر هاشم بأنهم لم يهدموا الكعبة ، ولم يحولوا القبلة ، ولم يجعلوا .. الخ ..» (٢).

ومما يدل على تحويل قبلة واسط أيضا : أن أسد بن عمرو بن جاني ، قاضي واسط ، «قد رأى قبلة واسط رديئة ، فتحرف فيها ، فاتهم بالرفض» (٣) ، فأخبرهم أنه رجل مرسل من قبل الحكام ليتولى قضاء بلدهم.

ونقول :

أولا : إن الظاهر هو أن تحويل القبلة كان إلى صخرة بيت المقدس ، التي جعل الحج أولا إليها ، بعد أن منع الحج إلى مكة والكعبة. كما تقدم.

بل لقد ادّعى البعض : أن القبلة أساسا قد كانت قبل الهجرة إلى الصخرة (٤).

وثانيا : إنه يظهر من قصة قاضي واسط : أن غير الشيعة قد قبلوا بالأمر الواقع ، وجروا على ما يريده الحكام ، والشيعة وحدهم هم الذين رفضوا

__________________

(١) رسائل الجاحظ ج ٢ ص ١٦.

(٢) آثار الجاحظ ص ٢٠٥.

(٣) نشوار المحاضرات ج ٦ ص ٣٦ وتاريخ بغداد ج ٧ ص ١٦.

(٤) راجع : الكشكول للبهائي ط مصر ص ٩٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٣٠.

٤٣

ذلك ، حتى أصبح تحري القبلة مساوقا للاتهام بالرفض.

وثالثا : لعل تحويل القبلة إلى بيت المقدس يفسر لنا ما ورد من استحباب التياسر لأهل العراق خاصة ، وهم الذين كان الحجاج يحكمهم من قبل بني أمية. أي ليكونوا أقرب إلى الكعبة حينئذ.

غير أن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» لم يتمكنوا من الجهر والتصريح بهذا الأمر ، فأشاروا إليهم باستحباب التياسر ، ثم لما كانوا يسألونهم عن السبب في ذلك تراهم يبررونه بما يبعد الشبهات عنهم (١).

ولكن ذلك ، فيما يظهر لم يدم طويلا ، فقد التفت خصوم الشيعة إلى ذلك ، ولذا تراهم يتهمون كل من يتحرى القبلة بالرفض ، كما تقدم.

تأويلات سقيمة :

يقول البعض : إن السر في استحباب التياسر هو أن علامات القبلة لأهل العراق لم تكن كافية لتعيينها بدقة ، بحيث تجعل التوجه إلى سمت شخص الكعبة ، فكان استحباب التياسر مكملا لتلك العلامات.

ولكن هذا مرفوض ، ولا يمكن قبوله ، إذ إنه لو صح هذا لوجب الحكم بوجوب التياسر لا استحبابه.

وقال بعض آخر : إن السر في ذلك هو أن سعة الحرم من أحد جوانبه أزيد من الجوانب الأخرى.

ونقول :

__________________

(١) راجع : وسائل الشيعة كتاب الصلاة ، أبواب القبلة.

٤٤

أولا : إنه إذا كان اللازم هو التوجه إلى شخص الكعبة ، فإن سعة الحرم وضيقه لا أثر له في شيء من ذلك.

ثانيا : ولو سلمنا : أن المطلوب هو التوجه إلى الحرم ، فإن سعته من أحد الجوانب ليست بمقدار يستحب معه التياسر الموجب للابتعاد عنه مئات الأميال أو أكثر أو أقل.

كعبة المتوكل في سامراء :

وبالمناسبة فها هو الخلف العباسي يقتدي بذلك السلف الأموي ، فإن الخليفة المتوكل ، الذي استحق من البعض لقب «محي السنة» قد اقتدى بسلفه الأموي ، فبنى في سامراء كعبة ، وجعل طوافا ، واتخذ منى وعرفات ، حتى يحج إليها أمراء جيشه ، ولا يفارقوه (١).

الحجاج والقرآن :

عن سلمة بن كهيل قال : «اختلفت أنا وذر المرهبي (من عباد أهل الكوفة ، ومن رجال الصحاح الست) في الحجاج ، فقال : مؤمن ، وقلت : كافر.

قال الحاكم : وبيان حجته ما أطلق فيه مجاهد بن جبير فيما حدثناه من طريق أبي سهل أحمد القطان ، عن الأعمش قال : والله ، لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول : يا عجبا من عبد هذيل (يعني عبد الله بن مسعود) يزعم

__________________

(١) راجع : أحسن التقاسيم ص ١٢٢ ـ ١٢٣ ولكن يحتمل أن يكون المقصود هو المعتصم العباسي ، فإن في عبارة المقدسي بعضا من الإبهام. وسواء كان المتوكل هو الذي فعل ذلك أو المعتصم ، فإن النتيجة واحدة.

٤٥

أنه يقرأ قرآنا (أو قال : يزعم أن قرآنه) من عند الله.

والله ، ما هو إلا رجز من رجز الأعراب ، والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه».

وزاد ابن عساكر وغيره : «ولأخلين منها (أي من قراءة ابن مسعود) المصحف ولو بضلع خنزير ، أو لأحكنها من المصحف ، ولو بضلع خنزير».

وقد استفظع ابن كثير هذا الكلام من الحجاج ، فراجع البداية والنهاية (١).

خليفة أموي ينتقم من المصحف :

ويذكر المؤرخون : أن الخليفة الأموي الوليد بن يزيد لعنه الله ، قرأ ذات يوم : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ ..)(٢) ، فرمى المصحف بالنشاب ، وهو يقول :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب خرّقني الوليد (٣)

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٩ ص ١٢٨ عن أبي داود وابن أبي خيثمة ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٦٥٦ وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) نفس الجلد والصفحة وتهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٢ والغدير ج ١٠ ص ٥١ عنهما ، وراجع : بهج الصباغة ج ٥ ص ٣١٧.

(٢) الآيتان ١٥ و ١٦ من سورة إبراهيم.

(٣) راجع : بهج الصباغة ج ٥ ص ٣٣٩ وج ٣ ص ١٩٣ والحور العين ص ١٩٠ ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٢٦ ، والأغاني ط دار إحياء التراث ج ٧ ص ٤٩.

٤٦

لا يجرؤ الناس على الصلاة :

ولا نجازف إذا قلنا : إنه في عهد الخلفاء الذين سبقوا خلافة علي أمير المؤمنين «عليه السلام» ، قد كانت السيطرة والهيمنة لتلك الفئة التي لم تكن تقيم للدين وزنا.

وأصبح الجو العام هو جو الاستهزاء والسخرية بالدين وبالمتدينين ، مع عدم اهتمام ظاهر من السلطات بردع هذا الفريق من الناس ، ومكافحتهم لأسباب مختلفة.

وكشاهد على ذلك نذكر :

أن حذيفة بن اليمان ، يقول : «ابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا» (١).

مع أن حذيفة كان صحابيا جليلا ، وكان من كبار القواد الذين كان لهم دور هام في فتوحات بلاد فارس ، وقد توفي في أوائل خلافة الإمام علي ، أمير المؤمنين «عليه السلام» ، أي بعد البيعة له «عليه السلام» بالخلافة بأربعين يوما على ما قيل.

فإذا كان أمثال حذيفة لا يستطيعون الإعلان بصلاتهم ، فما ظنك بالأعم الأغلب من الناس الذين لم يكن لهم مقام ولا مكانة حذيفة ونفوذه؟!.

ما هو إلا ملك! :

ويذكر ابن شبّة : «أن شريح بن الحارث النميري ، الذي كان عامل

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ٩١ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١١٦.

٤٧

رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قومه ، ثم عامل أبي بكر ، فلما قام عمر (رض) أتاه بكتاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فأخذه ووضعه تحت قدمه ، وقال : لا ، ما هو إلا ملك ، انصرف» (١).

التحالف على هدم الإسلام :

وآخر نص نذكره في هذا السياق : هو ما ذكره الزمخشري ، من أن أمويا وأنصاريا تفاخرا ؛ فذكر له الأموي الأمويين الذين توفي النبي «صلى الله عليه وآله» وهم عمال له.

فقال الأنصاري : صدقت ، ولكنهم حالفوا أهل الردة على هدم الإسلام.

فكأنما ألقمه حجرا (٢).

غيض من فيض :

كان ما تقدم من النصوص غيضا من فيض ، مما يدل على رأي واعتقاد وسياسة الحكام تجاه الإسلام ، ورموزه ، ومقدساته. وتجاه الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».

ولكنه ليس هو كل شيء ، فثمة نصوص بالغة الكثرة تدل على ذلك أو تشير إليه.

وحيث إن استيعابها خارج عن حدود الطاقة ، فإننا نكتفي بما أوردناه

__________________

(١) تاريخ المدينة لابن شبة ، المجلد الأول ص ٥٩٦.

(٢) ربيع الأبرار ج ١ ص ٧٠٨ ـ ٧٠٩.

٤٨

لننتقل في بحثنا إلى ما يزيد الحقيقة وضوحا ، ويستكمل ملامح الصورة التي أريد طمسها ، بطريقة أو بأخرى ، ولسبب أو لآخر.

فنقول :

الدوافع والأهداف :

وأما لماذا يحاولون النيل من المقدسات الإسلامية ، وبالأخص من شخصية الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، والحط من كرامته ، فلعل ذلك يعود إلى الأمور التالية :

١ ـ الكيد السياسي الأموي ضد الهاشميين ، خصومهم قديما وحديثا ، بما فيهم النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، والذي أصبح هو مصدر العزة والشرف والمجد لكل أحد ، ولا سيما الهاشميين.

٢ ـ تبرير كل انحرافات وتفاهات الهيئة الحاكمة ، والتقليل من بشاعة ما يرتكبونه من موبقات في أعين الناس.

على اعتبار : أنه ليس ثمة فواصل كبيرة بين مواقف وتصرفات هؤلاء ، وبين تصرفات ومواقف الرجل الأول والمثال ، فهي وإن اختلفت كمية وشكلا ، ولكنها لا تختلف مضمونا وهدفا.

٣ ـ إرادة دفن هذا الدين ، والقضاء عليه نهائيا ، ما دام أنه يضر بمصالحهم ، ويقف في وجه شهواتهم ، وأهوائهم ومآربهم ، إلا في الحدود التي لا تضر في ذلك كله ، بل تبرره وتقويه ، وترفده وتنمّيه.

٤ ـ الحصول على بعض ما يرضي غرورهم ، ويؤكد شوكتهم وعزتهم ، ويظهر قوتهم وجبروتهم.

٤٩

٥ ـ عدم وجود قناعة كافية لدى الكثيرين منهم بأن محمدا «صلى الله عليه وآله» نبي مرسل حقا ، وقد صرح بذلك أمير المؤمنين «عليه السلام» في بعض كلامه ، حيث يقول :

«.. إن العرب كرهت أمر محمد «صلى الله عليه وآله» وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ، ولو لا أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلّما إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوما واحدا ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها بكرا ، ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا ..» (١).

وهو أيضا ما عبر عنه يزيد الفجور والخمور صراحة بقوله ، حين تمثل بشعر ابن الزبعرى :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

وقد غنّى ابن عائشة هذه الأبيات أمام الوليد ، فقال له :

أحسنت والله ، إني لعلى دين ابن الزبعرى يوم قال هذا الشعر (٢).

وقال الوليد بن يزيد :

__________________

(١) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٩٩.

(٢) تاريخ الأمم والملوك ج ٦ ص ٣٣٧ وبهج الصباغة ج ٣ ص ١٩٤.

٥٠

تلعّب بالخلافة هاشمي

بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل لله يمنعني طعامي

وقل لله يمنعني شرابي (١)

وقال بعد أن ذكر الخمر :

فلقد أيقنت أني

غير مخلوق لنار

سأروض الناس حتى

يركبوا(...) (٢) الحمار

ذروا من يطلب الج

نة يسعى لتبار (٣)

٦ ـ هذا كله ، بالإضافة إلى حقد دفين على الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، وبغض حقيقي له ، بسبب ما فعله بآبائهم ، وإخوانهم ، وعشائرهم ، الذين حاربوا الإسلام وكادوه بكل ما قدروا عليه.

وقد ظهر ذلك منهم بصورة واضحة حينما أراد «صلى الله عليه وآله» أن يصرح بإمامة أخيه ، ووصيه ، وابن عمه علي «عليه السلام» ، ويأخذ البيعة له منهم ، فقال لهم «صلى الله عليه وآله» حينئذ :

«ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر». حسبما قدمناه عن قريب في الصفحة ٣٤ من هذا الكتاب.

__________________

(١) الحور العين ص ١٩٠ ومروج الذهب ج ٣ ص ٢١٦ وبهج الصباغة ج ٥ ص ٣٣٩ وج ٣ ص ١٩٤ والبيت الثاني مقتبس من بيت قاله أبو بكر بن أبي قحافة ، وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله في فصل ما بين بدر وأحد.

(٢) هناك كلمة يقبح التصريح بها ، وهي اسم ذكر الرجل.

(٣) الحور العين ص ١٩٠ ـ ١٩١ والأغاني ط دار إحياء التراث ج ٧ ص ٤٦.

٥١
٥٢

الفصل الثاني :

سياسات تستهدف الجذور

٥٣
٥٤

الأسوة والقدوة :

إن من المقبول والمسلم به لدى الجميع ، نظريا على الأقل : أن قول النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ وفعله ، وتقريره حجة ، ودليل على الحكم الشرعي ، وقد قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(١).

وقال : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٢).

وذلك يعني : أنه لا بد من تتبع أقواله ، وأفعاله ومواقفه «صلى الله عليه وآله» ، لمعرفة ما يتوجب على المكلفين معرفته في نطاق التزامهم بالحكم الشرعي ، والتأسي بالرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».

كما أن ذلك يعني : أن النبي «صلى الله عليه وآله» معصوم في كل قول أو فعل ، أو موقف يصدر عنه ، ولا تختص عصمته بمقام التبليغ القولي للأحكام ، كما ربما يوهمه بعض ما يزعمونه في هذا المقام.

ولأجل ذلك فإن من المفترض أن يتناقل الناس كل ما يصدر عن النبي «صلى الله عليه وآله» من قول وفعل عبر الأجيال ، وأن يدونوه ويحفظوه ،

__________________

(١) الآية ٢١ من سورة الأحزاب.

(٢) الآية ٧ من سورة الحشر.

٥٥

وأن يجمعوه ويفسروه ، لا سيما وأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نفسه قد ذكر : أنه قد أوتي القرآن ومثله معه.

وكان جبرائيل «عليه السلام» ينزل عليه «صلى الله عليه وآله» ، فيعلمه السنة كما يعلمه القرآن (١).

ولا نرى أننا بحاجة إلى ذكر ما يدل على ذلك ، فإنه بحمد الله أكثر من أن يحاط به.

الحث على كتابة الحديث :

هذا ، وقد حث «صلى الله عليه وآله» على كتابة ورواية ما يصدر عنه من علوم ومعارف ، وقد وصل إلينا من ذلك الشيء الكثير ، مما هو مبثوث في عشرات المصادر والمراجع (٢).

__________________

(١) راجع الزهد والرقائق (قسم ما رواه نعم بن حماد) ص ٢٣ والكفاية في علم الرواية ص ١٢.

(٢) راجع على سبيل المثال لا الحصر ما يلي : جامع بيان العلم ج ١ ص ٧٦ و ٣٤ و ٨٥ و ٨٤ و ٧٢ وج ٢ ص ٣٤ وكشف الأستار ج ١ ص ١٠٩ وتيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص ٤٤ والغدير ج ٨ ص ١٥٤ وتحفة الأحوذي (المقدمة) ج ١ ص ٣٤ و ٣٥ ومروج الذهب ج ٢ ص ٢٩٤ والبحار ج ٢ ص ١٤٤ و ١٥٢ و ٤٧ وج ٧١ ص ١٣٩ و ١٣٠ والبداية والنهاية ج ١ ص ٦ وج ٥ ص ١٩٤ وتقييد العلم ص ٦٥ ـ ٧٠ و ٧٢ و ٨٥ و ٨٦ و ٨٨ و ٨٩ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٦٥٣ ولسان الميزان ج ٢ ص ٢٩٨ وج ٤ ص ٢١ وج ١ ص ١٧٢ ـ ١٧٣ ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٨٧ ومسند أحمد ج ١ ص ١٠٠ و ٢٣٨ وج ٢ ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ و ٤٠٣ و ١٦٢ و ١٩٢ و ٢١٥ وج ٤ ص ٣٣٤ وج ٥ ص ١٨٣ والمعجم الصغير ج ١ ص ١٦٢

٥٦

الصحابة وغيرهم يكتبون الحديث :

وقد كتب الصحابة ، وكتب غيرهم ، ممن عاش في القرن الأول الهجري الكثير الكثير عنه «صلى الله عليه وآله» ، وكانوا يأمرون ويحثون غيرهم على الكتابة أيضا ، وكان كثير منهم يملك صحفا وكتبا يجمع فيها طائفة من

__________________

و ١١٤ والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ١٠٦ وفتح الباري ج ١ ص ١٨٤ و ١٨٢ و ١٩٩ و ٢٠٣ و ٢٤٦ و ٢٤٧ والعقد الفريد ج ٢ ص ٢١٩ والبيان والتبيين ج ٢ ص ٣٨ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥ ـ ١٢٧ وذكر أخبار أصبهان ج ٢ ص ٢٢٨ وحسن التنبيه ص ١٩٤ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٥١ و ١٥٢ و ١٣٩ والمنار ج ١ ص ٧٦٣ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٤ ـ ٢٤٩ و ٢٥٠ و ١٩٩ و ٢٢٥ و ٢٢٣ و ٢٢٧ و ٣١٦ و ٣١٧ والثقات ج ١ ص ١٠ وتدريب الراوي ج ٢ ص ٦٦ والأدب المفرد ص ١٢٩ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٢٥٤ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤٢ وتأويل مختلف الحديث ص ٩٣ وأدب الإملاء والاستملاء ص ٥ والمعارف ص ٢٠٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٧ ومن ص ٧٥ حتى ص ١٩٥ وج ٤ ص ١٠٠ والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص ١٤٥ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ٣١٨ ـ ٣٢٠ والضعفاء الكبير للعقيلي ج ٣ ص ٨٣ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٧ ص ٣٧٧ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٦٨ و ٢٧٣ و ٤٤٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٣٧ وعن البخاري ج ١ ص ١٤٨ والباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص ١٣٢ و ١٣٣ وعلوم الحديث لأبي الصلاح ص ١٦١ وشرف أصحاب الحديث ص ٣٥ و ١٤ ـ ٢٣ و ٣١ و ٨٠ وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢١٩ و ٢٢٠ وصحيح البخاري ج ١ ص ١٥ و ١٨ و ٢٠ و ٢١ ط سنة ١٣٠٩.

٥٧

أحاديث الرسول «صلى الله عليه وآله» وسننه (١).

__________________

(١) إن كل ما تقدم يمكن مراجعته في عدد من المصادر التي ذكرناها في الهامش المتقدم ، ونزيد على ذلك ما يلي : بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٢٢ ـ ٢٢٩ عن مصادر كثيرة موردا فهرسا للصحف والكتب للصحابة والتابعين ، وراجع : الجامع الصحيح للترمذي ، كتاب الأحكام باب اليمين مع الشاهد وعلوم الحديث ومصطلحه ص ٢٢ و ٢٣ وجامع العلم ج ١ ص ٨٤ و ٧٥ وج ٢ ص ٣٤ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٢٣ و ٤٢ و ١٢٣ والمحجة البيضاء ج ٥ ص ٣٠٢ والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ١٨٣ و ٤٢٥ و ٢٥٩ وج ٨ ص ٤١ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٣١٩ و ٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٥٤ و ٢٥٦ و ٢٦٠ ـ ٢٦٢ و ٢٧٧ و ٣١٢ وأدب الإملاء والاستملاء ص ١٢ ـ ١٨ وإحياء علوم الدين ج ٣ ص ١٧١ والعلل ومعرفة الرجال ج ١ ص ١٠٤ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٥١ و ١٥٢ والسنن الكبرى ج ١٠ ص ٣٢٤ وج ٤ ص ٨٥ ـ ٩٠ ومشكل الآثار ج ١ ص ٤٠ و ٤١ والغدير ج ٨ ص ١٥٦ والبحار ج ١٢ ص ١٥٢ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٨ و ١٢٧ و ١٢٤ والمعرفة والتاريخ ج ٢ ص ٢٧٩ و ١٤٢ و ١٤٣ و ٦٦١ وربيع الأبرار ج ٣ ص ٢٣٦ وتأويل مختلف الحديث ص ٢٨٦ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٥٩٩ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج ٣ ص ١٧٩ ولسان الميزان ج ٦ ص ٢٢ والكفاية في علم الرواية ص ٨٢ وعلوم الحديث ص ١٣ و ١٤ و ٢٥ ـ ٢٢ وتقييد العلم ص ٩٦ و ٦٠ ـ ٦٣ و ٩٠ و ٩٢ و ١٣٦ و ٣٩ و ٧٢ ـ ٨٩ و ٩١ و ٩٣ ـ ١١٥ وشرف أصحاب الحديث ص ٩٧ وتهذيب التهذيب ج ٤ ص ٢٣٦ وج ٧ ص ١٨٠ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٣٩٠ ـ ٣٩٨ والطبقات الكبرى ج ٥ ص ٣٧١ و ٣٦٧ و ١٧٩ وج ٢ ص ٣٧١ وج ٦ ص ٢٢٠ ط صادر. وفي ط ليدن ج ٤ قسم ٢ ص ٨ و ٩ وج ٧ ص ١٤ وط مؤسسة دار التحرير للطباعة والنشر ج ٦ ص ١٧٩ و ١٧٤ والأسماء والصفات ص ٣٠

٥٨

وقد سافر كثير منهم ومن التابعين إلى الأقطار المختلفة في طلب حديث الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» (١).

عمر وأبو بكر كتبا الحديث :

وحتى الخليفة أبو بكر ، فإنه قد كتب عن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» خمس مئة حديث ، لكنه عاد فمحاها فور وفاته «صلى الله عليه وآله» (٢).

وقد كان الصحابة يعقدون حلقات المذاكرة لحديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» في المسجد ، وقد يصل عدد بعض الحلقات إلى أكثر من

__________________

وأضواء على السنة المحمدية ص ٥٠ وصحيح البخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍. ج ٤ ص ١٢٤ و ١٢١ وج ١ ص ٢١ والزهد والرقائق ص ٣٥١ و ٥٤٩ وفيه في جزء نعيم بن حماد ص ١١٧ وشرح معاني الآثار ج ٤ ص ٣١٨ ـ ٣٢٠ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٧ ص ١٧٨ وج ٥ ص ٤٥١ و ٤٥٢ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٤٥ و ١٧٨ و ١٨٩ والضعفاء الكبير ج ٣ ص ٨٣ و ٣١٤ ومختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ١٠ وعلوم الحديث لابن الصلاح ص ١٦١ واختصار علوم الحديث (الباعث الحثيث) ص ١٣٢ و ١٣٣ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٣٩٠ وعن تاريخ المذاهب الفقهية ص ٢٤ وعن السير الحثيث ص ٩.

(١) راجع : الرحلة في طلب الحديث ص ١١٠ وما بعدها إلى آخر الكتاب وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٠٨ ـ ٢١٠ عن العديد من المصادر وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٢٣ حتى ص ٢٢٦ عن العديد من المصادر.

(٢) راجع : تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٧٤ عن مسند الصديق لعماد الدين ابن كثير ، عن الحاكم. وراجع : النص والاجتهاد ص ١٥١ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦١ الطبعة الأولى وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٢٢١.

٥٩

ثلاثين رجلا ، وذلك في أول إمرة عمر بن الخطاب (١).

بل إن عمر بن الخطاب نفسه قد كتب ـ فيما يروى عنه ـ لعتبة بن فرقد بعض السنن (٢) ، ووجد في قائم سيفه صحيفة فيها صدقة السوائم (٣).

وإن كنا نعتقد : أن هذا النص يهدف إلى مساواته برسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حيث قد رووا : أنه قد وجد في قائم سيف رسول الله «صلى الله عليه وآله» صحيفة مشابهة (٤).

علي عليه السّلام وولده وشيعته :

أما أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ، الذي لم يكن يفارق رسول الله «صلى الله عليه وآله» في سفر ولا حضر ، إلا في غزوة تبوك ، فقد كان مهتما برواية وتدوين حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» اهتماما بالغا حتى لقد قيل له :

ما بالك أكثر أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» حديثا؟!

فقال : كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكت ابتدأني (٥).

وقد كتب عليه الصلاة والسلام عن النبي «صلى الله عليه وآله» كتبا

__________________

(١) راجع : حلية الأولياء ج ١ ص ٣٣١ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧١٠.

(٢) مسند أحمد ج ١ ص ١٦.

(٣) (السوائم : المواشي والإبل الراعية) الكفاية في علم الرواية ص ٣٥٤.

(٤) راجع مكاتيب الرسول.

(٥) أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ٩٨ وترجمة الإمام علي «عليه السلام» ، لابن عساكر (بتحقيق المحمودي أيضا) ج ٢ ص ٤٥٦.

٦٠