الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-172-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٢٦

مع أن أولئك الأشخاص لا يملكون تاريخا نظيفا ولا مشرفا ، لا في حياتهم السلوكية من حيث الالتزام بأحكام الدين ، ولا في مجال التحلي بمكارم الأخلاق ، وحميد الخصال.

فكان أن عملوا من أجل تبرير انحرافاتهم ومخالفاتهم ، وتبرئتهم مما ارتكبوه من جرائم ، وموبقات ، حتى ما هو مثل الزنى ، وشرب الخمر ، وقتل النفوس ، وسرقة بيت مال المسلمين ، وما إلى ذلك ، على اختراع إكسير يستطيع أن يحول تلك الجرائم والموبقات ، والمعاصي ، إلى خيرات ، وطاعات ومبرات ، وحسنات ، يستحقون عليها المثوبة ، وينالون بها رضا الله والجنة.

وكان هذا الأكسير هو دعوى :

أن الصحابة بساطهم مطوي ، وإن جرى ما جرى ، وإن غلطوا كما غلط غيرهم من الثقات (١).

و «الصحابة كلهم عدول ، سواء منهم من لابس الفتن ، ومن لم يلابس» وذلك بإجماع من يعتد به من الأمة (٢).

__________________

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٤٢ عن الذهبي في رسالته التي ألفها في الرواة الثقات.

(٢) راجع : الكفاية في علم الرواية ص ٤٦ ـ ٤٩ والباعث الحثيث ص ١٨٢ و ١٨١ وتدريب الراوي ج ٢ ص ٢١٤ والسنة قبل التدوين ص ٣٩٤ و ٤٠٣ وعنهم وعن فتح المغيث ج ٤ ص ٣٥.

وراجع : علوم الحديث لابن الصلاح ص ٢٦٤ و ٢٦٥ و ٢٦٨ وعلوم الحديث لصبحي الصالح ص ٣٥٣ الطبعة الثامنة وقواعد في علوم الحديث للتهانوي ص ٢٠٢ و ٢٠٣ والإصابة ج ١ ص ٩ و ١٠ والإحكام في أصول الأحكام ج ٢

٢٢١

وعمدة مستندهم في ذلك آيات كريمة ورد فيها ثناء على الصحابة في ظاهر الأمر ، مع أن الثناء ناظر إلى بعض منهم ، وهم خصوص المتصفين بصفة الإيمان ، مع مواصفات معينة أخرى أشارت إليها ، أو صرحت بها تلك الآيات بالذات.

وقد تحدثنا عن ذلك باختصار في كتابنا : «صراع الحرية في عصر المفيد» ، فراجع.

أضف إلى ذلك : أن تلك الآيات لم تتناول الأفراد بالنصوصية ، إنما غايتها عموم ، يرد التخصيص عليه بحسب الموارد ، مع أن دليل شمول الصحبة لمطلق من رأى النبي «صلى الله عليه وآله» ركيك جدا (١).

لفت نظر :

لا أدري إن كان قولهم بعدالة كل صحابي ، يشبه القول بعصمة الحاخامات لدى اليهود (٢) ، أو أنه مستوحى منهم ، أم لا؟.

٢ ـ من هو الصحابي؟ :

وقد يكون من بين من يراد تبرير جرائمه وموبقاته ، من كان حين وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» صغيرا جدا ، أو لم ير النبي «صلى الله عليه وآله»

__________________

ص ٨١ و ٨٢ وفواتح الرحموت ج ٢ ص ١٥٦ وإرشاد الفحول ص ٧٠ و ٦٩ و ٦٤ و ٦٥ والخلاصة في علوم الحديث ص ١٢٤ و ٩٤ و ٦٧ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٠٨.

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٤٩ عن العلم الشامخ للمقبلي ص ٢٩٧ ـ ٣١٢.

(٢) راجع : مقارنة الأديان (اليهودية) ص ٢٢٢.

٢٢٢

سوى مرة واحدة ، في ساعة من نهار ، وبصورة عابرة ، فجاءت المعالجة من قبل من يهمهم أمر هؤلاء ؛ فقررت : أن الصحابي هو كل من صحب النبي «صلى الله عليه وآله» سنة أو شهرا ، أو يوما ، أو ساعة ، أو رآه (١).

وعدوا من الصحابة صبيانا وأطفالا رأوا النبي «صلى الله عليه وآله» يوم الفتح ، وفي حجة الوداع ، وغيرهما (٢).

٣ ـ صحابية المرتد :

وحين يجدون : أن بعض من يعز عليهم من الصحابة يرتد عن الدين ، ويحارب النبي «صلى الله عليه وآله» ، ثم يعود فيظهر الإسلام ، كطليحة بن خويلد ، وبعضهم ارتد ، وأهدر النبي «صلى الله عليه وآله» دمه ، كما هو

__________________

(١) راجع : الكتابة في علم الرواية ص ٥١ وراجع ص ٥٠ والباعث الحثيث ص ١٧٩ و ١٨١ (متنا وهامشا) والإصابة ج ١ ص ٥ و ٧ و ٤ ونهاية الوصول ج ٣ ص ١٧٩ وإرشاد الفحول ص ٧٠ وأضواء على السنة المحمدية ص ٣٥٢ وتدريب الراوي ج ٢ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ و ٢١٥ ـ ٢١٦ والسنة قبل التدوين ص ٣٨٧ ومقدمة في علوم الحديث لابن الصلاح ص ٢٦٣ والخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص ١٢٤ و ١٢٥ وعلوم الحديث لصبحي الصالح ص ٣٥٢ ط ٨. وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٤ ص ١٨٨ وأسد الغابة ج ١ ص ١٣ ، وراجع : الأحكام في أصول الأحكام ج ٢ ص ٨٢ وفواتح الرحموت ج ٢ ص ١٥٨ وسلم الوصول ج ٣ ص ١٨٠ وعن فتح المغيث ج ٤ ص ٣١ و ٣٢ وعن تلقيح فهوم أهل الآثار ص ٢٧ ب.

(٢) راجع : الباعث الحثيث ص ١٨٤ والسنة قبل التدوين ص ٣٩٢ ومعرفة علوم الحديث ص ٢٤ وعلوم الحديث لصبحي الصالح ص ٣٥٦ و ٣٥٧ ط ٨ وراجع :

سلم الوصول ج ٣ ص ١٨٠.

٢٢٣

الحال بالنسبة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح.

وكذا الحال بالنسبة للأشعث بن قيس الذي ارتد عن الإسلام ، ثم لما أسر ، وأظهر التوبة في عهد أبي بكر أطلقه الخليفة ، وزوجه أخته في نفس الساعة (١).

إنهم حين يجدون ذلك ، يبادرون إلى ادعاء : أن الصحابي إذا ارتد ذهبت صحابيته ، فإذا عاد إلى الإسلام عادت إليه صحابيته ، من دون حاجة إلى أن يرى النبي «صلى الله عليه وآله» من جديد (٢) ، أي وتعود إليه عدالته أيضا!!

٤ ـ السكوت عما شجر بين الصحابة :

لقد كان ولا يزال الجهر بما فعله بعض الصحابة محرجا ، بل مخجلا لمن يعتقدون لزوم موالاتهم ، والارتباط بهم ، ويوجب سلب ثقة الناس بأناس يراد لهم أن يثقوا بهم ، بل يراد لهم أن يقدسوهم.

ولو فرض أنه يمكن إسكات بعض العوام ، بواسطة إطلاق بعض الشعارات البراقة والرنانة ، أو بواسطة بعض الفتاوى المختلقة ، أو بشيء من الترغيب أو الترهيب ، فإن ذلك لا يتيسر بالنسبة لجميع الناس ، فلا بد من اعتماد أسلوب آخر للخروج من المأزق.

__________________

(١) راجع : الإصابة ج ١ ص ٥١.

(٢) راجع الإصابة ج ١ ص ١٥٨ وص ٨ وترجمة طليحة وتدريب الراوي ج ٢ ص ٢٠٩ وراجع فواتح الرحموت ج ١ وسلم الوصول ج ٣ ص ١٨٠.

٢٢٤

فقالوا عن الصحابة : «الواجب علينا أن نكف عن ذكرهم إلا بخير» (١).

وقالوا : ينبغي للقاص «أن يترحم على الصحابة ، ويأمر بالكف عما شجر بينهم ، ويورد الأحاديث في فضائلهم» (٢).

وقد أخذوا على أبي عمر بن عبد البر : أنه قد شان كتابه «الاستيعاب» بذكر ما شجر بين الصحابة (٣).

٥ ـ من ينتقد الصحابة زنديق :

وحيث لم ينفع الأمر بالسكوت عما شجر بين الصحابة ، فقد لجأوا إلى أسلوب آخر للخروج من المأزق ، وهو اتهام من ينتقد الصحابة بالزندقة ، والخروج من الدين ، والإلحاد.

قال أبو زرعة : «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول «صلى الله عليه وآله» عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق.

وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله».

__________________

(١) السنة قبل التدوين ص ٣٩٧ عن المنهج الحديث في علوم الحديث ص ٦٢ عن شرح مسلم الثبوت.

(٢) القصاص والمذكرين ص ١١٥.

(٣) الباعث الحثيث ص ١٧٩ وعلوم الحديث لابن الصلاح ص ٢٦٢ وتقريب النواوي (مطبوع مع تدريب الراوي) ج ٢ ص ٢٠٧ والخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص ١٢٤.

٢٢٥

وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى. وهم زنادقة» (١).

وقال السرخسي : «من طعن فيهم فهو ملحد ، منابذ للإسلام ، دواؤه السيف ، إن لم يتب» (٢).

ومن الواضح : أن حملة الإسلام وتعاليمه إلى الأمم ليسوا هم الوليد بن عقبة ولا مروان بن الحكم ، ولا ابن أبي سرح ونظراؤهم ، وإنما هم علي «عليه السلام» وأهل البيت «عليهم السلام» وأبو ذر وسلمان وابن مسعود ، وأبي بن كعب ونظراؤهم من أعلام الأمة وعلمائها. وما كلام أبي زرعة وغيره هنا إلا مغالطة ظاهرة ، لا تسمن ولا تغني من جوع.

٦ ـ لا يفسق الصحابي بما يفسق به غيره :

أما بالنسبة إلى المعاصي التي ارتكبوها ، ولا يمكن دعوى التأويل والاجتهاد فيها ، فقد جاء تبريرها بدعوى : أن الصحابي لا يفسق بما يفسق به غيره (٣).

٧ ـ حتمية توبة الصحابي :

وإذا ارتكب الصحابي ما يوجب العقاب له أخرويا ، مما توعد الله عباده عليه بالعقاب بالنار ، ولم يمكن دفع ذلك عنه ، لا بدعوى الاجتهاد ،

__________________

(١) الكفاية في علم الرواية ص ٤٩ والسنة قبل التدوين ص ٤٠٥ عنه.

(٢) أصول السرخي ج ٢ ص ١٣٤.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢٠٤ عن الخصائص الصغرى ، عن شرح جمع الجوامع وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٣٧.

٢٢٦

والتأويل ، ولا بغير ذلك.

فإن علاج ذلك هو بالقول : إن التوبة حتمية الوقوع ممن يعصي منهم (١).

٨ ـ ذنب البدري يقع مغفورا :

ولبعض الشخصيات مزيد من الأهمية ، فلا يمكن تركها تعصي الله ثم ننتظر إلى أن تصدر التوبة منها ، وهي قد تتأخر بعض الوقت.

بل لا بد من مغفرة ذنوب هؤلاء فورا ، ففتشوا عن تاريخ هؤلاء الأشخاص ، فوجدوا أنهم ممن حضر بدرا ـ وإن لم يعلم عنه أنه قاتل ـ فجاءت المعالجة لتقدم معيارا جديدا يقول :

إن ما يقع من معاص لا يحتاج إلى التوبة ، إذا كان مرتكب ذلك ممن شهد بدرا لأن أهل بدر مغفور لهم (٢).

٩ ـ الصحابة مجتهدون :

وكان لا بد من تبرير أخطاء وقع فيها بعض الصحابة ، سواء في مواقفهم ، أو في فتاواهم ، حتى حارب بعضهم بعضا ، وأزهقت أرواح كثيرة ، وسفكت دماء غزيرة ، وخرج بعضهم على إمام زمانه ، وقاتلوه ، كما جرى في الجمل ، وصفين ، والنهروان ، فاخترعوا للصحابة مسألة الإجتهاد ، فكلهم مجتهدون (٣) ، ولا اعتراض على المجتهد ، بل هو إن أصاب فله

__________________

(١) راجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٣٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٠٣.

(٢) راجع : الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» الجزء الرابع حين الحديث حول غفران ذنب من شهد بدرا.

(٣) راجع : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٦٤ ـ ٣٦٦.

٢٢٧

أجران ، وإن أخطأ كان له أجر واحد.

وبهذا أدخلوا معاوية ، وطلحة والزبير الجنة ، ومنحوهم المزيد من الثواب على ما فعلوه وما ارتكبوه من جرائم في حق الإمام والأمة. وأصبح من حلل منهم الربا ، وشرب الخمر مأجورا ومثابا ، بل إن خالد بن الوليد ، الذي قتل مالك بن نويرة بدون جرم ، ثم نزا على زوجته في نفس الليلة مثاب ومأجور على ذلك أيضا.

والخلاصة : أن المصيب منهم له أجران ، كعلي «عليه السلام» وأصحابه. والمخطئ كمعاوية ، ومن معه لهم أجر واحد ، بل كان ما فعلوه بالاجتهاد ، والعمل به واجب ، ولا تفسيق بواجب (١).

وبتعبير آخر : «إن جميع من اشترك في الفتنة من الصحابة عدول ، لأنهم اجتهدوا في ذلك» (٢).

وقال الكيا الطبري : «وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن ، فتلك أمور مبنية على الاجتهاد ، وكل مجتهد مصيب ، والمصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مأجور» (٣).

__________________

(١) راجع : فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت ج ٢ ص ١٥٨ و ١٥٦ وسلم الوصول (مطبوع مع نهاية السؤل) ج ٣ ص ١٧٦ و ١٧٧ والسنة قبل التدوين هامش ص ٣٩٦ و ٤٠٤ و ٤٠٥.

(٢) السنة قبل التدوين ص ٤٠٤ وراجع : إختصار علوم الحديث (الباعث الحثيث) ص ١٨٢.

(٣) إرشاد الفحول ص ٦٩.

٢٢٨

والملفت للنظر هنا :

أننا نجد البعض لا تطاوعه نفسه على تخطئة الفئة الباغية على إمام زمانها ، فيقول : إن عليا «عليه السلام» وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق (١).

وكأنه يريد أن يوحي للقارئ بأن معاوية قريب أيضا لكن عليا أقرب ، كما أنه بتعبيره هذا يكون قد تجنب التصريح بكون علي «عليه السلام» مع الحق ، والحق معه.

ولا نستغرب على هؤلاء مثل هذا البغي والظلم ، فإنما هي شنشنة أعرفها من أخزم.

وقال المقبلي ، ونعم ما قال : «بعد أن تم لهم تعريف الصحبة ، ذيلوها باطّراح ما وقع من مسمى الصحابي ؛ فمنهم من يتستر بدعوى الإجتهاد ، دعوى تكذبها الضرورة في كثيرة (كذا) من المواضع ، ومنهم من يطلق ـ ويا عجباه من قلة الحياء ـ في ادعائهم الاجتهاد لبسر بن أرطأة ، الذي انفرد بأنواع الشر ؛ لأنه مأمور المجتهد معاوية ، ناصح الإسلام في سب علي بن أبي طالب وحزبه. وكذلك مروان ، والوليد الفاسق ، وكذلك الإجتهاد الجامع للشروط في البيعة ليزيد ، ومن أشار بها ، وسعى فيها ، أو رضيها» (٢).

وللعلامة أبي رية تعليقات هامة على كلام المقبلي هذا ، يذكر فيها أفاعيل بعض الصحابة مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وأمورا أخرى ، فراجع.

__________________

(١) إختصار علوم الحديث (الباعث الحثيث) ص ١٨٢.

(٢) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٥٢ عن الأرواح النوافخ (المطبوع مع العلم الشامخ) ص ٦٨٧ و ٦٨٨.

٢٢٩

كما أن ابن خلدون قد انتقد دعوى اجتهاد جميع الصحابة هذه ؛ فقال :

«إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن ، العارفين بناسخه ومنسوخه الخ ..» (١).

١٠ ـ إجماع الأئمة المهتدين :

وقال مالك بن أنس : «سن رسول الله «صلى الله عليه وآله» وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها تصديق لكتاب الله عز وجل ، واستكمال لطاعة الله ، وقوة على دين الله ، من عمل بها مهتد ، ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى» (٢).

وعن عمر بن الخطاب ، أنه قال لشريح ، حين ولاه القضاء : «فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فاقض بما استبان لك من أمر الأئمة المهتدين» (٣).

وقال الخطيب البغدادي ، بالنسبة للأمور التي لم يسمع من النبي «صلى الله عليه وآله» فيها شيء : إن كانوا قد قالوا رأيا واجتهادا ولم يسمع من النبي «صلى الله عليه وآله» فيه شيء فإجماع الأئمة (الأمة خ ل) على التحليل والتحريم يثبت به الحكم ، كأمر النبي «صلى الله عليه وآله» (٤).

__________________

(١) المقدمة لابن خلدون ص ٣٨٩.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٣٠٧.

(٣) شرف أصحاب الحديث ص ٧.

(٤) الكفاية في علم الرواية ص ٤٢١ ـ ٤٢٢.

٢٣٠

والمراد بالأئمة المهتدين حسب الظاهر هم الخلفاء الثلاثة الأول ، ما عدا عليا «عليه السلام» ، كما سنرى.

١١ ـ رأي الصحابي حيث لا نص :

قد ألمحنا سابقا إلى قول الخطيب : إن كانوا قد قالوا رأيا واجتهادا .. (١).

وذكر المقريزي أيضا : أن أبا بكر كان يقضي بما كان عنده من الكتاب والسنة ، فإن لم يكن عنده شيء ، سأل من بحضرته من الأصحاب ، فإن لم يكن عندهم شيء اجتهد في الحكم (٢).

وذكر بعض آخر : أن الصحابة كانوا يغيبون عن مجلس النبي «صلى الله عليه وآله» ، فكانوا يجتهدون فيما لم يحضروه من الأحكام (٣).

ومهما يكن من أمر : فقد ذهب الأكثرون إلى جواز الاجتهاد في عصر النبي «صلى الله عليه وآله» ووقوعه ، وقد ذكروا في ذلك أقوالا كثيرة ، وتفصيلات عديدة ، فلتراجع في مظانها (٤).

__________________

(١) الكفاية في علم الرواية ص ٤٢١ ـ ٤٢٢.

(٢) راجع : الخطط والآثار ج ٢ ص ٣٣٢ وتاريخ حصر الاجتهاد ص ٩٠ ـ ٩٣ وراجع : الغدير ج ٧ ص ١١٩ عن سنن الدارمي ج ١ ص ٥٨ وعن الصواعق المحرقة ص ١٠ وعن تاريخ الخلفاء ص ٧١ وعن أعلام الموقعين ص ١٩ وعن جامع بيان العلم ج ٢ ص ٥١ وعن ابن سعد في الطبقات.

(٣) المصادر السابقة.

(٤) راجع : إرشاد الفحول ص ٢٥٦ و ٢٥٧.

٢٣١

١٢ ـ الاجتهاد في مقابل النص كرامة للصحابة :

وتجد من العلماء من يقول :

إن الصحابة «كانوا مخصوصين بجواز العمل والفتوى بالرأي كرامة لهم ، فيجوز لهم العمل بالرأي في موضع النص ، وقد فعلوا ذلك في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ولم ينكر «صلى الله عليه وآله» ذلك عليهم ، وهذا من الأمور الخاصة بهم دون غيرهم» (١).

١٣ ـ الصحابة يشرعون وفتاواهم سنة :

وقد رأينا في أحيان كثيرة : أن بعض الصحابة يصرحون بأن ما يفتون به ما هو إلا رأي رأوه ، وقد ظهر خطأ كثير منهم في فتاواه وآرائه هذه ، ومخالفتها للنص القرآني ، ولما ثبت بالأسانيد الصحيحة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله».

فكان لا بد من علاج ذلك ، وتلافي سلبياته ، فجاءت النظرية الغريبة عن روح الإسلام لتقرر : أن للصحابة حق التشريع ، وأن فتاواهم سنة ، إلا ما أفتى به علي «عليه السلام».

ويتضح ذلك بمراجعة النصوص التالية :

قال أبو زهرة : «وجدنا مالكا يأخذ بفتواهم على أنها من السنة» (٢).

وقد رأينا أنهم يعقدون في كتب أصولهم بابا لكون قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالنسبة لغير الصحابي بالسنة.

__________________

(١) راجع : أصول السرخسي ج ٢ ص ١٣٤ و ١٣٥ ثم إنه ناقش هذه النظرية وردها.

(٢) ابن حنبل ص ٢٥١ ـ ٢٥٢ ومالك لأبي زهرة ص ٢٩٠.

٢٣٢

وقيل : «إن ذلك خاص بقول الشيخين أبي بكر وعمر» (١).

وخطب عثمان حينما بويع فقال : إن لكم عليّ بعد كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه «صلى الله عليه وآله» ثلاثا : «اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم ، وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملأ» (٢).

وقال البعض : السنة هي : «ما سنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» والصحابة بعده عندنا» (٣).

وأمثال ذلك كثير ، فراجع كتب أصول الفقه ، وكتابنا : الحياة السياسية للإمام الحسن «عليه السلام» ص ٨٦ ـ ٩٠.

لفت نظر :

ونعود فنذكر بأن اليهود يقولون : إن أقوال الحاخامات كالشريعة (٤).

١٤ ـ سنة الشيخين والخلفاء سوى علي عليه السّلام :

قد تقدم : أنهم يعقدون بابا في كتب الأصول يذكرون فيه :

أن قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالسنة ، وقيل : إن ذلك خاص بقول الشيخين أبي بكر وعمر.

__________________

(١) راجع على سبيل المثال : فواتح الرحموت ج ٢ ص ١٨٦ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧ وسلم الوصول في شرح نهاية السؤل ج ٤ ص ٤١٠ وراجع نهاية السؤل ج ٤ ص ٤١٠ وأصول السرخسي ج ٢ ص ١١٤ ـ ١١٥.

(٢) حياة الصحابة ج ٣ ص ٥٠٥ عن تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٤٤٦.

(٣) أصول السرخسي ج ٢ ص ١١٣ وراجع : نهاية السؤل ج ٤ ص ٤١٦.

(٤) مقارنة الأديان (اليهودية) ص ٢٢٢ تأليف الدكتور أحمد شلبي.

٢٣٣

وقال عمر بن عبد العزيز : «ألا إن ما سنه أبو بكر وعمر ، فهو دين نأخذ به ، وندعو إليه».

وزاد المتقي الهندي : «وما سن سواهما فإنا نرجيه» (١).

ورووا عن النبي «صلى الله عليه وآله» قوله : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» (٢).

وبهذا استدل الشافعي على حجية قول أبي بكر وعمر (٣).

مع أننا قد أشرنا إلى : أن هذا الحديث ـ لو صح ـ فالمقصود بالخلفاء الراشدين هم الأئمة الاثنا عشر «عليهم السلام» ، الذين ذكرهم النبي «صلى الله عليه وآله» مرات كثيرة ، كما في صحاح مسلم والبخاري وأبي داود وغير ذلك (٤).

والمقصود بسنة الخلفاء هو ما تلقوه عن رسول الله ، واستفادوه من كتاب الله من أحكام وسنن وتشريعات.

وأما إخراج عثمان ، فلعله لأجل تسهيل إخراج علي ، ولعله لأجل

__________________

(١) كنز العمال ج ١ ص ٣٣٢ عن ابن عساكر ، وكشف الغمة للشعراني ج ١ ص ٦ والنص له.

(٢) راجع : الثقات لابن حبان ج ١ ص ٤ ونهاية السؤل ج ٣ ص ٢٦٦ و ٢٦٧ وسلم الوصول في شرح نهاية السؤل ج ٤ ص ٤١٠ وأصول السرخسي ج ١ ص ١١٦ و ١١٤ وإرشاد الفحول ص ٣٣ والأحكام في أصول الأحكام للآمدي ج ٤ ص ٢٠٤ وحياة الصحابة ج ١ ص ١٢ وعن كشف الغمة للشعراني ج ١ ص ٦.

(٣) راجع المصادر التي في الهامش السابق.

(٤) راجع كتابنا : الغدير والمعارضون ص ٦١ ـ ٧٠.

٢٣٤

ظهور عوار سلوكه ، حتى إن الرعية لم تتحمل سياساته ، فقتلته ..

ويقول عثمان : «إن السنة سنة رسول الله وسنة صاحبيه» (١).

وفي قضية الشورى يعرض عبد الرحمن بن عوف على أمير المؤمنين علي «عليه السلام» : أن يبايعه على العمل بسنة النبي «صلى الله عليه وآله» ، وسنة الشيخين : أبي بكر وعمر ؛ فأبى «عليه السلام» ذلك ، فحولت البيعة إلى عثمان (٢).

وقد بلغ من تأثير الشيخين على الناس ، ونفوذهما فيهم : أننا نجد ربيعة بن شداد لا يرضى بأن يبايع عليا أمير المؤمنين «عليه السلام» على كتاب الله وسنة رسوله.

وقال : على سنة أبي بكر وعمر.

فقال له «عليه السلام» : «ويلك ، لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شيء» (٣).

وهذا الكلام لا يعني أن الشيخين قد عملا بكتاب الله وسنة رسوله بل معناه تعليم ذلك الجاهل ما ينبغي أن يكون بديهيا عنده بغض النظر عن

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٣ ص ١٤٤ والغدير ج ٨ ص ١٠٠ عنه وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ قسم ٢ ص ١٣٥. وراجع رواية صالح بن كيسان والزهري في تقييد العلم ص ١٠٦ و ١٠٧ وفي هامشه عن العديد من المصادر.

(٢) راجع قصة الشورى في أي كتاب تاريخي شئت. وراجع : أصول السرخسي ج ٢ ص ١١٤ والأحكام في أصول الأحكام للآمدي ج ٤ ص ١٣٣.

(٣) بهج الصباغة ج ١٢ ص ٢٠٣.

٢٣٥

حقيقة سلوك الشيخين في هذا المجال ..

ومهما يكن من أمر فقد قال ابن تيمية : «فأحمد بن حنبل وكثير من العلماء يتبعون عليا فيما سنه ، كما يتبعون عمر وعثمان فيما سناه ، وآخرون من العلماء ـ كمالك وغيره ـ لا يتبعون عليا فيما سنه. وكلهم متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه» (١).

١٥ ـ سنة كل إمام عادل :

ثم لما مست الحاجة إلى فتاوى وتبريرات أخرى اقتضتها سياسات الحكام ، وتصدى الحكام لسن بعض السنن ، جاء المبرر الآخر المنسوب إلى ابن عباس ، ليكون أكثر قبولا لدى أهل العلم ، وإن كنا لا نوافق على نسبته له ، ليقول :

«السنة سنتان : من نبي ، أو من إمام عادل» (٢).

١٦ ـ سنة وفتوى كل أمير :

وحين زاد تدخل الحكام في شرع الله ، وفي دينه ، واتسع نطاقه ، وتعدى دائرة الخلفاء ، وكان لا بد من تبرير ذلك أيضا ، قالوا :

إنه بعد موت أبي بكر ، وفتح سائر البلاد في عصر عمر ، وبعده ، تزايد تفرق الصحابة في البلاد. فكان أمير كل بلد يجتهد ، لو لم يكن فيها صحابي (٣).

__________________

(١) منهاج السنة ج ٣ ص ٢٠٥ وقواعد في علوم الحديث ص ٤٤٦.

(٢) كنز العمال ج ١ ص ١٦٠ عن الديلمي في الفردوس.

(٣) راجع : الخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٣٣٢ وتاريخ حصر الاجتهاد ص ٩٠ و ٩٢ و ٩٣.

٢٣٦

وكأنهم يريدون بصياغة الأمور على هذا النحو الإيحاء بأن ذلك قد كان بسبب الضرورة ، حيث لم يكن ثمة مخرج إلا ذلك ، مع أن المخرج موجود ، بمرأى منهم ومسمع وهو الأخذ بقول النبي «صلى الله عليه وآله» فيما يرتبط بالتمسك بالعترة.

فإنهم سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وهم أحد الثقلين ، اللذين لن يضل من تمسك بهما.

١٧ ـ رأي الصحابي أقوى في رأي غيره :

قد عرفنا : أن بعض الصحابة يصدرون فتاوى لم يستندوا فيها إلى آية ولا إلى رواية ، وإنما هو الرأي منهم ، وهو قد يخطئ ويصيب ، وصار يناقض بعضهم بعضا أحيانا ، بل قد نجد التناقض في آراء الصحابي الواحد.

يقول البعض : إن الصحابة كانوا يغيبون عن مجلس النبي «صلى الله عليه وآله» ، فكانوا يجتهدون فيما لم يحضروه من الأحكام ، ولعدم تساوي هؤلاء المجتهدين في العلوم والإدراكات ، وسائر القوى والملكات ، تختلف ـ طبعا ـ الآراء والإجتهادات ، ثم تزايدت تلك الإختلافات ، بعد عصر الصحابة (١).

فكان لا بد من علاج هذه الحالة ، وتلافي سلبياتها ، فكان أن اخترعوا لنا دعوى : «أن قول الصحابي إن كان صادرا عن الرأي ؛ فرأيهم أقوى من رأي غيرهم ؛ لأنهم شاهدوا طريق رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بيان

__________________

(١) راجع : الخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٣٣٢ وتاريخ حصر الإجتهاد ص ٩٠ و ٩٢.

٢٣٧

أحكام الحوادث ، وشاهدوا الأحوال التي نزلت فيها النصوص ، والمحال التي تتغير باعتبارها الأحكام ..» (١) ثم قرروا على هذا الأساس لزوم تقديم رأيهم على رأينا ، لزيادة قوة في رأيهم.

١٨ ـ قول الصحابي يعارض الحديث الصحيح :

وإذا خالفت فتوى الصحابي قولا صريحا ، وحديثا صحيحا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فان مالك بن أنس يعاملهما معاملة المتعارضين.

قال أبو زهرة : «إن مالكا يوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي.

وهذا ينسحب على كل حديث عنه «صلى الله عليه وآله» ، حتى لو كان صحيحا» (٢).

ونقل عن الشوكاني ما يقرب من ذلك أيضا (٣).

وقال الأسنوي عن قول الصحابي : «فهل يخص به عموم كتاب أو سنة؟ فيه خلاف لأصحاب الشافعي ، حكاه الماوردي».

و «قال في جمع الجوامع : وفي تخصيصه للعموم قولان.

قال الجلال : الجواز كغيره من الحجج. والمنع الخ ..» (٤).

وقال ابن قيم الجوزية عن أحمد بن حنبل : «وكان تحريه لفتاوى الصحابة

__________________

(١) أصول السرخسي ج ٢ ص ١٠٨.

(٢) ابن حنبل لأبي زهرة ص ٢٥١ ومالك لأبي زهرة ص ٢٩٠.

(٣) ابن حنبل لأبي زهرة ص ٢٥٤ و ٢٥٥ عن إرشاد الفحول ص ٢١٤.

(٤) نهاية السؤل ، وسلم الوصول بهامشه ج ٤ ص ٤٠٨.

٢٣٨

كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه ، بل أعظم ، حتى إنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل» برجال ثبت (١).

وقال التهانوي : «لا لوم على الحنفية إذا أخذوا في مسألة بقول ابن مسعود وفتواه ، وتركوا الحديث المرفوع ؛ لاعترافكم بأن فتوى الصحابي هو الحكم وهو الحجة ، وإذا تعارض الحديثان يعمل بالترجيح ؛ فإن رجح القياس أو مرجح آخر سواه قول الصحابي على الخبر المرفوع ، فينبغي أن يجوز عندكم الأخذ بقول الصحابي».

ولكنه عاد فقال : «إن غالب أقوال الصحابة وفتاواهم كان على سبيل التبليغ عن قول النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو فعله أو أمره ، وإذا كان كذلك فيجوز للمجتهد أن يرجح فتوى الصحابي على المرفوع الصريح أحيانا ، إذا ترجح عنده كون فتوى الصحابي مبنية على جهة التبليغ دون الرأي» (٢).

ولكن مراجعة فتاوى الصحابة توضح عدم صحة قوله : إنها كانت على سبيل التبليغ ، لكنه أراد تخفيف قبح هذا العمل.

١٩ ـ عمل الصحابي يوجب ضعف الحديث :

قال التهانوي : «عمل الصحابة أو صحابي بخلاف الحديث يوجب الطعن فيه ، إذا كان الحديث ظاهرا عليهم أو عليه» (٣).

__________________

(١) أعلام الموقعين ج ١ ص ٢٩.

(٢) قواعد في علوم الحديث ص ٤٦٠ و ٤٦١.

(٣) قواعد في علوم الحديث ص ٢٠٢.

٢٣٩

وقال السرخسي : «أما ترك العمل بالحديث أصلا ، فهو بمنزلة العمل بخلاف الحديث ، حتى يخرج به عن أن يكون حجة» (١).

٢٠ ـ مراسيل الصحابة :

كثيرا ما نجد أنهم قد نسبوا إلى بعض الصحابة أمورا يدّعى أنهم شهدوها ، أو سمعوها من النبي «صلى الله عليه وآله» أو من غيره ، تهدف إلى تأييد اتجاه سياسي ، أو مذهبي معين ، ثم يظهر البحث العلمي أن أولئك الصحابة ما كانوا قد ولدوا في تلك الفترة ، أو ما كانوا موجودين في بلد الحدث ، أو حين صدور ذلك القول أو الفعل ، فتأتي قاعدة جديدة لتحل المشكل ، وتحسم الأمر لصالح ذلك الاتجاه السياسي أو المذهبي.

حيث تقرر كما ذكره جماعة : أن مرسلات الصحابة حجة.

ثم يحاولون تبرير هذه القاعدة بدعاوى لا تثبت أمام النقد العلمي الصحيح فيقولون :

لأن الظاهر : أن ذلك الصحابي قد سمع ذلك من النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو من صحابي آخر سمعه من النبي «صلى الله عليه وآله» ، بل لقد قبل بعضهم مراسيل التابعين ، وتابعي التابعين أيضا (٢).

وكان أحمد بن حنبل يقدم الموقوف عن الصحابة والتابعين على

__________________

(١) أصول السرخسي ج ٢ ص ٧.

(٢) راجع تفصيل ذلك في : إرشاد الفحول ص ٦٤ و ٦٥ والخلاصة في أصول الحديث ص ٦٧ والكفاية في علم الرواية ص ٣٨٥ و ٣٨٤ وراجع ص ٤٠٤ وقواعد في علوم الحديث للتهانوي ص ١٣٨.

٢٤٠