الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-172-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٢٦

الفصل الثاني :

لا بد من إمام

٢٠١
٢٠٢

ضرورة وجود الإمام :

ولسنا بعد ذلك كله بحاجة إلى التأكيد على أنه كان لا بد لهذا الدين من رائد وحافظ ، وإمام يحفظ له مسيرته ، وينشر تعاليمه ، ويربي الناس تربية إلهية صالحة وقويمة. ويكون هو الضمانة الحقيقية له على مر العصور ، وكر الأيام والدهور.

وقد كان أئمة أهل البيت الأطهار «عليهم السلام» هم هذه الضمانة ، التي بها حفظ الدين وأحكامه ، وبهم سلمت رسومه وأعلامه. وكيف لا ، وهم سفينة نوح ، وأحد الثقلين الذين لا يضل من تمسك بهما ، واهتدى بهديهما.

وهذا ما يفسر لنا ما روي عن الإمام الباقر «عليه السلام» في قوله للحكم بن عيينة (عتيبة) ، وسلمة بن كهيل : شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا (١).

ويقول «عليه السلام» عن الحسن البصري : «فليذهب الحسن يمينا وشمالا ؛ فو الله ، ما يوجد العلم إلا ههنا» (٢).

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ص ٢١٠ و ٢٠٩ والكافي ج ١ ص ٣٩٩ وبصائر الدرجات ص ٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٥ ص ١٩٦.

(٢) الكافي ج ١ ص ٥٠ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٨ ص ٤٢ ـ ٤٣ و ٨.

٢٠٣

وعنه «عليه السلام» : فليذهب الناس حيث شاؤوا ، فو الله ليس الأمر إلا ههنا ، وأشار إلى بيته» (١).

وعنه «عليه السلام» أيضا : كل شيء لم يخرج من هذا البيت فهو وبال (٢).

موقف الأئمة عليهم السّلام من رواية الحديث وكتابته :

لا أعتقد : أننا بحاجة إلى التذكير بموقف الأئمة من رواية الحديث وكتابته ، فإن ذلك أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس.

فعلي «عليه السلام» هو الذي رفع الحظر عن رواية حديث النبي «صلى الله عليه وآله» (٣) وهو الذي يقول : تزاوروا ، وأكثروا مذاكرة الحديث ، فإن لم تفعلوا يندرس الحديث (٤).

وهو الذي يقول : «قيدوا العلم ، قيدوا العلم» ، مرتين. ونحوه غيره (٥).

وقد قال «عليه السلام» : «من يشتري مني علما بدرهم؟.

قال الحارث الأعور : فذهبت ، فاشتريت صحفا بدرهم ، ثم جئت بها».

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٩٩ وبصائر الدرجات ص ١٢.

(٢) الاختصاص ص ٣١.

(٣) راجع : سر گذشت حديث (فارسي) هامش ص ٢٨ وراجع : كنز العمال ج ١٠ ص ١٧١ و ١٧٢ و ١٢٢.

(٤) معرفة علوم الحديث ص ٦٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٨٩.

(٥) تقييد العلم ص ٨٩ و ٩٠ وفي هامشه قال : «وفي حض علي «عليه السلام» على الكتابة انظر معادن الجوهر للأمين العاملي ١ ، ٣».

٢٠٤

قال الراوي : «فكتب له علما كثيرا» (١).

وعنه «عليه السلام» : «إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بأسناده ، فإن يك حقا كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلا كان وزره عليه» (٢).

ومثل ذلك كثير عنه «عليه السلام» (٣).

كما أن الإمام الحسن «عليه السلام» دعا بنيه ، وبني أخيه ، فقال : «يا بنّي ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ؛ فتعلموا العلم ؛ فمن لم يستطع منكم أن يرويه ؛ فليكتبه ، وليضعه في بيته» (٤).

وقد كتب علي «عليه السلام» عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتبا كثيرة ، كما هو أشهر من أن يحتاج إلى تفصيل وبيان.

وقد حث الأئمة «عليهم السلام» شيعتهم على هذا الأمر ، كما يظهر بأدني مراجعة لكتب حديثهم وروايتهم.

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٥٩ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ١١٦ وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٥٧ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٦ وتقييد العلم ص ٩٠ وفي هامشه عمن تقدم ، وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة ص ١٠ وعن المحدث الفاضل ج ٤ ص ٣.

(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ١٢٩ عن الحاكم ، وأبي نعيم ، وابن عساكر.

(٣) راجع على سبيل المثال : كنز العمال ج ١٠ كتاب العلم.

(٤) تقييد العلم ص ٩١ ونور الأبصار ص ١٢٢ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٣ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٣٠ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٩٩ والعلل ومعرفة الرجال ج ١ ص ٤١٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٧ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧ عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل ، وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن : تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٩٩ (ولم أجده) وعن ربيع الأبرار ١٢ عن علي «عليه السلام».

٢٠٥

بل إن الأئمة «عليهم السلام» كانوا يطّلعون على بعض الكتب التي كانت تؤلف في زمنهم ، ويبدون ملاحظاتهم عليها.

ونرى أن ذكر الشواهد والمصادر لكل ذلك ، مع هذه الكثرة الكاثرة فيها ليست في محلها ، وهي تضييع للوقت وللجهد.

موقف الأئمة عليهم السّلام من الإسرائيليات ورواتها :

وقد واجه الأئمة «عليهم السلام» ترهات بنى إسرائيل ، بالكلمة وبالموقف ، بصرامة وبحزم.

وأعلنوا للملأ زيف تلك الأباطيل ، وكذّبوا من جاؤوا بها بصراحة ووضوح في مناسبات كثيرة.

بل إن أمير المؤمنين عليا «عليه السلام» ، لم يكتف بالتكذيب والتفنيد ، وإنما هدد وتوعد بالجلد أحيانا ، كما حصل منه لمن يروي قصة أوريا ، وفق زعم القصاصين ، كما سيأتي.

وقد وصف «عليه السلام» كعب الأحبار ، فقال : إنه لكذاب (١).

وكان كعب منحرفا عن علي عليه الصلاة والسلام (٢).

هذا بالإضافة إلى أنه قد طرد القصاصين من المساجد ، كما سنرى.

وقد كذب الإمام الباقر «عليه السلام» كعب الأحبار في بعض

__________________

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ١٦٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٧ والبحار ط قديم ج ٨ ص ٦٧٥.

(٢) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٧.

٢٠٦

أباطيله ، كروايته : أن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل صباح (١).

وذلك من أجل أن يتوصل إلى تبرير جعل الصخرة التي في بيت المقدس قبلة لأهل نحلته من اليهود ، وأنها هي القبلة الأولى والأعلى ، بملاحظة أن الكعبة التي هي قبلة المسلمين تسجد للصخرة كل صباح.

هذا ، وللإمام الصادق «عليه السلام» موقف يكذب فيه أباطيل أهل الكتاب أيضا (٢).

كما أنه «عليه السلام» قد قال وهو يتحدث عن العلماء : «ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ، ويكثر به حديثه ، فذاك في الدرك الخامس من النار» (٣).

الشيعة في مواجهة الفكر الإسرائيلي :

وقد اقتدى الشيعة الأبرار رضوان الله تعالى عليهم بأئمتهم «عليهم السلام» ، في محاربة الفكر الإسرائيلي الدخيل ، وتصدوا لرموزه ، وللمروجين له

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٠ والبحار ج ٤٦ ص ٣٥٤ ، ويبدو أن كعبا قد استمر على تعظيم الصخرة ، حتى إنه حينما كان مع عمر في بيت المقدس ، وسأله عمر : أين يجعل المسجد والقبلة ، قال : خلف الصخرة ، فقال له عمر : ضاهيت اليهودية يا كعب. فراجع هذه القضية بنصوصها المتقاربة في : الأنس الجليل في أخبار القدس والخليل ج ١ ص ٢٥٦ والأموال لأبي عبيد ص ٢٢٥ والإصابة ج ٤ ص ١٠٥ والأسرار المرفوعة ص ٤٥٧.

(٢) البحار ج ٧١ ص ٢٥٩ ط إيران وج ٤٦ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤ وسفينة البحار ج ٢ ص ١٦٧ ، والكافي ج ٤ ص ٢٣٩.

(٣) البحار ج ٢ ص ١٠٨.

٢٠٧

بحزم ، وشجاعة ، وصلابة ، رغم ما كان يتمتع به أولئك الأفاكون من حصانة قوية من قبل الحكام على أعلى المستويات ، لقد واجههم الشيعة ، وتصدوا لهم ، عملا بالتكليف الشرعي ، الذي أكده ما روي عن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، من أنه قال :

«إن الله قضى بالجهاد على المؤمنين في الفتنة بعدي ..».

إلى أن قال : «.. يجاهدون على الإحداث في الدين ، إذا عملوا بالرأي في الدين ، لا رأي في الدين الخ ..» (١).

ونذكر هنا بعض النماذج لمواقف أتباع مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» ، وهي التالية :

١ ـ لقد أعلن ابن عباس بالنكير على أولئك الذين يسألون أهل الكتاب ، مع وجود كتاب الله بين ظهرانيهم (٢).

٢ ـ وروي نظير ذلك عن ابن مسعود أيضا (٣).

__________________

(١) تفسير فرات ص ٦١٤ ط جديد.

(٢) راجع : صحيح البخاري ج ٤ ص ١٩٣ و ١٧٣ وج ٢ ص ٧١ والمصنف للصنعاني ج ١٠ ص ٣١٤ وج ١١ ص ١١٠ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ٥١ والفصل في الملل والأهواء والنحل ج ١ ص ٢١٦ والبداية والنهاية ج ٢ ص ١٣٤ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٩٢ والدر المنثور ج ١ ص ٨٣ عن البخاري ، وعبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان.

(٣) راجع : المصنف للصنعاني ج ٦ ص ١١٢ وج ١١ ص ١٦٠ وج ١٠ ص ٣١٣ وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ٥٠ والبداية والنهاية ج ٢ ص ١٣٤ وفتح الباري ج ١٣ ص ٢٨١ وراجع : سنن الدارمي ج ١ ص ١٢٢ وتقييد العلم ص ٥٣ و ٥٦.

٢٠٨

٣ ـ وقد تصدى ابن عباس ، وحذيفة بن اليمان لتكذيب كعب الأحبار صراحة في بعض الموارد (١).

٤ ـ أما أبو ذر ذلك الرجل الصابر المجاهد ، فالكل يعلم موقفه من كعب الأحبار في مجلس الخليفة الثالث عثمان ، حينما جاؤوا بتركة عبد الرحمن بن عوف ، وتصدى كعب الأحبار لإصدار فتاواه في دين الله ؛ فضربه أبو ذر رحمه الله بعصاه ، وقال له : «يا ابن اليهودية ، تعلمنا ديننا»؟!

أو «متى كانت الفتيا إليك يا ابن اليهودية؟!» (٢).

ثم كان جزاء هذا الصحابي الجليل هو النفي والتشريد ، ومكابدة المحن والبلايا ، حتى مات مظلوما غريبا في الربذة ، منفاه (٣).

علي عليه السّلام يواجه القصاصين بالحقيقة :

أما موقف علي «عليه السلام» من القصاصين ، فتوضحه النصوص التالية :

__________________

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ١٦٥ عن الكاف الشاف ص ١٣٩.

(٢) راجع : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٠ ومسند أحمد ج ١ ص ٦٣ وراجع : حلية الأولياء ج ١ ص ١٦٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٣٣٦ وج ٤ ص ٢٨٤ والغدير ج ٨ ص ٣٥١ عنه. وراجع : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٥٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ٥٤ وج ٨ ص ٢٥٦ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٦٧ ـ ٦٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٢٣٢ والأوائل ج ١ ص ٢٧٩ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٣٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ١٥٧ و ١٥٨ و ٢٥٩ وعن كنز العمال ج ٣ ص ٣١٠. وأشار إليه العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ج ٩ ص ٢٥٨ و ٢٥١.

(٣) راجع كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ١ ص ١١١ ـ ١٤١.

٢٠٩

١ ـ عن الحارث ، عن علي ، أنه دخل المسجد ، فإذا بصوت قاص ، فلما رآه سكت ، قال علي «عليه السلام» : من هذا؟!

قال القاص : أنا.

فقال علي «عليه السلام» : أما أني سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : سيكون بعدي قصاص لا ينظر الله إليهم (١).

٢ ـ عن سعيد بن أبي هند : أن عليا «عليه السلام» مر بقاص ، فقال : ما يقول؟!

قالوا : يقص!

قال : لا ، ولكن يقول : إعرفوني (٢).

٣ ـ عن أبي عبد الرحمن السّلمي ، قال : مر علي بن أبي طالب «عليه السلام» برجل يقص ، فقال : أعرفت الناسخ من المنسوخ؟

قال : لا.

قال : هلكت وأهلكت (٣).

٤ ـ عن أبي يحيى ، قال :

مر بي علي وأنا أقص ؛ فقال : هل عرفت الناسخ من المنسوخ؟

قلت : لا.

__________________

(١) كنز العمال ج ١٠ ص ١٧٢ عن أبي عمير بن فضالة في أماليه.

(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ١٧٢ عن مسدد ، وصحح.

(٣) الدر المنثور ج ١ ص ١٠٦ عن أبي داود في ناسخه ، وعن النحاس في ناسخه ، وعن سنن البيهقي ونثر الدر ج ١ ص ٣١٢ وذكر أخبار أصبهان ج ١ ص ٨٩.

٢١٠

قال : أنت أبو إعرفوني (١).

علي عليه السّلام يضرب القصاصين ويطردهم :

لم يقتصر موقف علي «عليه السلام» من القصاصين على الإدانة الكلامية ، بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك ، فجاء متميزا وحاسما في الوقت نفسه ، وقد تجلى ذلك في أنه «عليه السلام» قد استعمل في مواجهتهم الأساليب التالية :

١ ـ تعريتهم أمام الناس ، وتعريفهم بنواياهم ، وذلك ببيان حقيقة حبهم للظهور ، كما تقدم.

٢ ـ تهجين عملهم عن طريق نشر أقوال النبي «صلى الله عليه وآله» فيهم حيث إنه «صلى الله عليه وآله» قال : سيكون بعدي قصاص لا ينظر الله إليهم.

٣ ـ إظهار جهلهم ، وقلة معرفتهم ، ثم ما يترتب على ذلك من هلاك لهم أنفسهم ، ثم إهلاك للآخرين. وقد تقدمت الأمور الثلاثة الآنفة الذكر.

٤ ـ طردهم من المساجد.

٥ ـ ضربهم.

ويوضح هذين الأمرين النصوص التالية :

ألف : عن أبي البختري ، قال : دخل علي بن أبي طالب المسجد ، فإذا

__________________

(١) كنز العمال ج ١٠ ص ١٧١ عن المروزي في العلم. وراجع : ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨.

٢١١

رجل يخوّف ، فقال : ما هذا؟

فقالوا : رجل يذكّر الناس.

فقال : ليس برجل يذكّر الناس ، ولكنه يقول : أنا فلان بن فلان ، إعرفوني.

فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟!

فقال : لا.

قال : فاخرج من مسجدنا ، ولا تذكّر فيه (١).

والمذكر هو القاص في اصطلاحهم ، كما يظهر من الكتب التي تتحدث عن القصاصين ، فراجع تلبيس ابليس ، والقصاص والمذكرين لابن الجوزي.

ب : وحين قدم البصرة طرد القصاصين من المسجد ، حيث إنه لا ينبغي القصص في المسجد (٢).

ج : عن أبي عبد الله «عليه السلام» ، أنه قال : «إن أمير المؤمنين «عليه السلام» رأى قاصا في المسجد فضربه ، وطرده» (٣).

__________________

(١) كنز العمال ج ١٠ ص ١٧١ عن المروزي في العلم ، والنحاس في ناسخه ، والعسكري في المواعظ ، والدر المنثور ج ١ ص ١٠٦ والجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ٦٢.

(٢) عن قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٢ وراجع : الحوادث والبدع ص ١٠٠.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٢٦٣ وتهذيب الأحكام للطوسي ج ١٠ ص ١٤٩ والوسائل ج ١٢ ص ١١١ وج ١٨ ص ٥٧٨ وج ٣ ص ٥١٥ وج ١٠ ص ٤٦٨ وج ١١ ص ٥٦٧ وج ٨ ص ١٤ و ٨٢ وسفينة البحار ج ٢ ص ٤٣٣ وراجع : الصافي ج ٤ ص ٢٩٦ ومجمع البيان ج ٨ ص ٤٧٢ وتفسير البرهان ج ٤ وراجع : الدر المنثور ج ١ ص ١٠٦.

٢١٢

٦ ـ التهديد بالضرب الوجيع ، وبإقامة الحدود عليهم ويوضح ذلك :

ألف : ما روي ، من أنه حينما بلغه «عليه السلام» ما يقوله القصاصون في قصة أوريا قال : «من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص ، جلدته ماءة وستين جلدة ، وذلك حد الفرية على الأنبياء» (١).

ب : وسيأتي أنه «عليه السلام» قد امتحن أحد القصاصين ، فأجابه ، ولو أنه عجز عن الجواب لكان قد أوجعه ضربا (٢) على حد تعبيره.

موقف سائر الأئمة عليهم السّلام من القصاصين :

ولا يختلف موقف سائر الأئمة «عليهم السلام» عن موقف أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من القصاصين ، ويوضح ذلك النصوص التالية :

١ ـ إن الإمام السجاد «عليه السلام» قد نهى الحسن البصري عن مزاولة عمل القصص. فاستجاب للنهي (٣).

٢ ـ وفي محاورة جرت بين الإمام الحسن «عليه السلام» وبين أحد القصاصين ، نجد الإمام الحسن يكذب ذلك الرجل في دعواه كونه قصاصا تارة ، ومذكرا أخرى ؛ باعتبار أن هاتين الصفتين هما للنبي «صلى الله عليه

__________________

(١) راجع : سمير الليالي ص ٣٢٤ والإسرائيليات في كتب التفسير والحديث ص ٢٠٤ عن تفسير النسفي ج ٤ ص ٢٩ ـ ٣٠ وراجع : ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨ والصافي ج ٤ ص ٢٩٦ ومجمع البيان ج ٨ ص ٤٧٢.

(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ١٧٢ عن وكيع في الغرر ، والقصاص والمذكرين ص ٢٣.

(٣) راجع وفيات الأعيان ج ١ ص ٧٠.

٢١٣

وآله» ، فلما سأله عن نفسه أي شيء هو؟.

قال له «عليه السلام» : المتكلف من الرجال (١). أي الذي يتكلف أمرا ليس له.

٣ ـ وعن الإمام الباقر «عليه السلام» في تفسير قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا)(٢) أن منهم القصاص (٣).

٤ ـ وذكر للإمام الصادق «عليه السلام» : أن بعض القصاص يقول : هذا المجلس لا يشقى به جليس.

فقال «عليه السلام» : هيهات هيهات أخطأت استاهم الحفرة (٤). أي أنهم أرادوا شيئا فوقعوا في غير ما أرادوا.

٥ ـ كما أنه «عليه السلام» قد لعنهم ، واعتبرهم يثيرون الناس ضدهم «عليهم السلام».

ثم إنه «عليه السلام» قد حرم الاستماع إلى القصاصين.

هذا بالإضافة إلى أنه «عليه السلام» قد اعتبر أنهم هم الغاوون أتباع الشعراء ، كما نصت عليه الآية الكريمة (٥).

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٧ و ٢٢٨.

(٢) الآية ٦٨ من سورة الأنعام.

(٣) راجع : تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٦٢.

(٤) البحار ج ٧٤ ص ٢٥٩.

(٥) بحار الأنوار ج ٦٩ ص ٢٦٤ و ٢٦٥ وراجع : وسائل الشيعة ج ٦ ص ١١١.

٢١٤

شرط الإجازة للقصاصين :

ومما تقدم نعرف : أن معرفة الناسخ من المنسوخ شرط في السماح للقصاص بأن يقص على الناس.

وثمة شرط آخر : وهو أن يكون عارفا بالدين ، واقفا على مراميه وأهدافه ، كما يظهر من سؤال أمير المؤمنين للقاص الذي امتحنه ، فأجاب ، فسمح له بمواصلة عمله ، ولو لا ذلك لكان «عليه السلام» قد أوجعه ضربا.

ولأجل أن البعض لم يكن يعرف الناسخ من المنسوخ ، فإنه «عليه السلام» قد حكم عليه بأنه قد هلك وأهلك. وبيّن أن من لا يعرف ذلك ويتصدى لهذا العمل الخطير فإنه يكون طالبا للدنيا وللشهرة بين الناس.

أما حين يطمئن «عليه السلام» إلى أن القاص جامع للشروط المطلوبة ، فإنه «عليه السلام» يسمح له بمزاولة عمله ذاك ، فقد : «قال علي «عليه السلام» للقاص : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟!

قال : نعم.

قال : قال : قص» (١).

ومعنى ذلك ، هو أن القصاصين كانوا إلى جانب وعظهم الناس ، يقومون بمهمات أخرى ، وهي بيان الأحكام الشرعية ، وتفسير القرآن ، إلى جانب أمور تقدمت ، وستأتي الإشارات إليها في الموارد المختلفة.

وتقدم في فصل : «القصاصون يثقفون الناس رسميا» : أن الإمام الباقر «عليه السلام» قد قال لسعد الإسكاف : «وددت أن على كل ثلاثين ذراعا

__________________

(١) القصاص والمذكرين ص ١٠٥.

٢١٥

قاصا مثلك».

وأن أبان بن تغلب كان قاص الشيعة.

وأن عدي بن ثابت الكوفي كان إمام مسجد الشيعة وقاصهم.

إمتحان القصاصين :

ثم إننا قد رأينا أمير المؤمنين «عليه السلام» يجري امتحانا لأحد القصاصين ، فلو لم ينجح في الامتحان لكان «عليه السلام» قد أوجعه ضربا.

فقد رووا : أنه «عليه السلام» انتهى إلى قاص يقص ، فقال : تقص ، ونحن حديثو عهد (برسول الله «صلى الله عليه وآله»)؟! أما إني سائلك فإن تجيب فما سألتك وإلا أدبتك.

(وفي نص آخر : أما إني أسألك عن مسألتين ، فإن أصبت وإلا أوجعتك ضربا).

فقال القاص : سل يا أمير المؤمنين عما شئت.

فقال : ما ثبات الإيمان وزواله؟

قال : ثبات الإيمان الورع ، وزواله الطمع.

قال علي : فذلك فقص.

قيل : إن هذا القاص هو نوف البكالي (١).

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٩ ص ٣١ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٧٢ عن وكيع في الغرر ، والقصاص والمذكرين ص ٢٣.

٢١٦

الفصل الثالث :

إجراءات وضوابط مشبوهة

٢١٧
٢١٨

معايير لحفظ الإنحراف :

وبعد ، فإن التصدي للفكر الإسرائيلي ، وإن أفلح في حفظ وصيانة الإسلام إلى حد بعيد ، ولكن آثار هذا الحفظ إنما ظهرت ، أو فقل :

قد اقتصرت على التيار الذي كان يقوده الأئمة «عليهم السلام» وشيعتهم ، ومن تخرج من مدرستهم ، واختار طريقتهم ونهجهم.

أما الآخرون ؛ الذين كانوا في الخط الآخر ، فقد استمروا في التحرك في دائرة السياسة المعلنة ، والمصرح بها من قبل الحكام ، فأخذوا عن أهل الكتاب الشيء الكثير مما هو محرف ومدسوس ، ونفذوا والتزموا بالإسلام الذي راق للحكام ، وروجوا له.

فكان أن شحنوا كتبهم ومجاميعهم الحديثية بالشيء الكثير من الفتاوى ، والمعارف ، والعقائد ، والسياسات ، والسير والتواريخ ، التي تنسجم مع ما يريده أولئك الحكام ، مما أتحفهم به أهل الكتاب ، أو غيرهم من المرتزقة والمتزلفين.

نعم ، لقد شحنوا بها كتبهم ، ومجاميعهم ، من دون أي تحقيق ، أو تمحيص ، إلا فيما يمس القشر ، ولا يتعرض لما دونه في شيء ؛ لأنها قد جاءت محكومة لضوابط ومعايير من شأنها أن تكرس الإنحراف ، وتقوي من تياره ، وتعمق

٢١٩

جذوره ، لأنها إنما وضعت لتأكيد تلك الأباطيل والترهات ومن خلالها ، ومن أجل حفظ الإنحراف وتكريسه لا لإزالته والتخلص منه.

أما المعايير الحقيقية والضوابط الأصيلة ، القادرة على كشف الزيف ، وإحقاق الحق ، فقد كانت مرفوضة من هؤلاء الناس جملة وتفصيلا ، حتى إن ما ورد من الأمر بعرض الحديث على كتاب الله سبحانه قد رفض ، وضرب به عرض الجدار ، بل قد اعتبروه من وضع الزنادقة ، كما سيأتي في الفصل التالي إن شاء الله تعالى.

نماذج يسيرة :

ونحن من أجل جلاء الحقيقة ، والتعريف بحقيقة المؤامرة ، نذكر هنا نماذج يسيرة من ضوابط تهدف لحفظ الإنحراف ، ومعايير لتكريس الباطل وترسيخه ، بكل ما فيه من فتاوى باطلة ، وروايات مختلقة ، أو محرفة ، وأساطير وترهات عن أهل الكتاب وغيرهم.

بالإضافة إلى أساليب تبرير المواقف اللاإنسانية واللاشرعية ، التي صدرت وتصدر عمن يهمهم حفظهم ، والاحتفاظ بهم بأي ثمن كان ، والنماذج التي نريد تقديمها إلى القارئ الكريم هي التالية :

١ ـ الصحابة كلهم عدول :

لقد كان الكثيرون من الصحابة ، ممن تهتم السلطة وبعض الفئات والإتجاهات المذهبية والسياسية بإعطائهم دورا متميزا وأساسيا ، سواء على الصعيد السياسي ، أو العقيدي ، أو في مجال الحديث ، والرواية ، أو الفتيا ، أو على صعيد المواقف ، تأييدا وتأكيدا ، أو غير ذلك.

٢٢٠