الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ١

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-172-6
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٢٦

أسماء كثيرين ممن كانوا يمارسون القصص في الصدر الأول.

حتى النساء :

وحتى النساء ، فإنهن قد مارسن مهنة القصص ، فقد روى ابن سعد : أن أم الحسن البصري كانت تقص على النساء أيضا (١).

اهتمام الحكام بالقصاصين :

وكان الحكام يهتمون بأمر القصاصين بصورة واضحة ، وقد تجلى هذا الاهتمام في جهات عديدة :

١ ـ فقد تقدم : أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان يجلس إلى القصاصين ، ويستمع إليهم ، وكذلك معاوية ، وعمر بن عبد العزيز.

٢ ـ وقد جعلوا للقصاصين جعلا (أي أجرا) على عملهم (٢).

وكان عمر بن عبد العزيز ـ حسبما يقولون ـ يعطي القاص الذي رتبه للقيام بهذه المهمة دينارين شهريا ، فلما ولي هشام بن عبد الملك جعل له ستة دنانير (٣).

٣ ـ كان منصب القصاص منصبا رسميا يتدخل فيه الخليفة بنفسه ، نصبا وعزلا ، كما تقدم عن عمر ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز. وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا عن عوف بن مالك ، وعبادة بن الصامت ، حيث قالا :

__________________

(١) راجع : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٣٨.

(٢) تاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ١٥ و ١٦ والخطط والآثار للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٤.

(٣) تاريخ المدينة ج ١ ص ١٥ وراجع : الحوادث والبدع ص ١٠٣.

١٤١

لا يقص إلا أمير ، أو مأمور الخ.

ويدل عليه أيضا كلام غضيف بن الحارث مع عبد الملك بن مروان (١) ، فراجع.

وقد ذكر المقريزي طائفة ممن تولوا منصب (قصاص) في القرون الأولى على التعاقب ، فليراجعه من أراد ذلك (٢).

أما من كان يقص بدون إذن من الحاكم ، فقد كان يعرض نفسه للمؤاخذة من قبل الحكام (٣).

ولعل القاص الذي ينصبه الحاكم هو الذي كان يقال له : «قاص الجماعة» (٤).

ويشير إلى ذلك : أن أبا الهيثم كان قاص الجماعة في عهد بني أمية ، فلما جاء بنو العباس عزلوه ، فاعترض على ذلك واستنكره (٥).

٤ ـ إن الخلفاء كما أنهم كانوا يجعلون للجماعة قاصا ، فإنهم كانوا يجعلون للجند قاصا أيضا ، لأجل تحريكهم ، وبعث الحماس فيهم ، (٦)

__________________

(١) راجع تاريخ المدينة ج ١ ص ١٠ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٨.

(٢) راجع : الخطط والآثار ج ٢ ص ٢٥٤.

(٣) راجع : أنساب الأشراف ج ٤ قسم ١ ص ٣٤ ـ ٣٥.

(٤) راجع : المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٢٢٠ وتاريخ المدينة ج ١ ص ١٦ و ١٤.

(٥) راجع المعرفة والتاريخ ج ٢ ص ٤٣٦.

(٦) راجع : تمدن إسلام وعرب در قرن چهارم هجري ج ٢ ص ٨٠ و ٨٥ والجرح والتعديل ج ٦ ص ١٦٣.

١٤٢

وتوجيههم سياسيا ، حسبما يتوافق مع أهداف الحاكم وطموحاته.

وقد صرح الحسن بن عبد الله : أن الملك هو الذي يتولى منصب قاص الجند (١).

٥ ـ لقد كان الخليفة يتدخل حتى في كيفية ونوع ومقدار العمل الذي يسمح به للقاص ، وتقدم أن عمر وعثمان قد عينا لتميم الداري الوقت والمدة والمكان.

كما أن عمر بن عبد العزيز ـ الذي تلمّذ على يدي مسلم بن جندب القاص ـ (٢) قد كتب إلى صاحب الحجاز : أن مر قاصك : أن يقص على كل ثلاثة أيام مرة. أو قال : قاصكم (٣).

٦ ـ لقد كان الأمراء أنفسهم يمارسون عمل القصص ، حتى قيل ـ بل لقد جعلوا ذلك رواية عن النبي «صلى الله عليه وآله» ـ كما عن عبادة بن الصامت ، وعوف بن مالك :

«لا يقص إلا أمير ، أو مأمور ، أو مختال. أو قال : أو متكلف» (٤).

__________________

(١) راجع : الجيش والقتال في صدر الإسلام ص ١٣٥.

(٢) راجع : التاريخ الكبير ج ٣ ص ٣٥٤ والمعرفة والتاريخ ج ١ ص ٥٩٦.

(٣) القصاص والمذكرين ص ٢٨. لعل الصحيح : أخبار القصاص والمذكرين.

(٤) راجع : قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٢٤ عن الطبراني والمعجم الصغير ج ١ ص ٢١٦ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ٨ و ٩ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٣٦ عن أحمد ، وأبي داود ، والطبراني في الكبير والأوسط ، والهيثمي. والقصاص والمذكرين ص ٢٥ و ٢٨ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٢٣٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٣٣ وج ٦ ص ٢٩ وربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨

١٤٣

القصاصون في خدمة سياسات الحكام :

وغني عن القول هنا :

أن القصاصين قد قاموا بدور فاعل في تثبيت دعائم الحكومات الظالمة ، وأصبحوا أبواقا لها للدعاية والإعلام ، يشيعون في الناس ما يريد الحكام إشاعته ، مما يخدم مصالحهم ، ويوصلهم إلى أهدافهم.

ويكفي أن نذكر هنا :

١ ـ أن معاوية حين جاء لحرب الإمام الحسن «عليه السلام» في العراق ، استصحب معه القصاص ؛ فكانوا يقصون في كل يوم ، يحضون أهل الشام عند وقت كل صلاة ؛ فقال بعض شعرائهم :

من جسر منبج أضحى غب عاشرة

في نخل مسكن تتلى حوله السور (١)

٢ ـ ويقولون أيضا : إن معاوية حينما بلغه :

أن عليا «عليه السلام» قنت فدعا على أهل حربه ، أمر القاص الذي

__________________

وسنن الدارمي ج ٢ ص ٣١٩ ومختصر تاريخ دمشق ج ٧ ص ٢٤٠ وج ١٠ ص ٣٣٨ و ٣٣٩.

وراجع : مجمع الزوائد ج ١ ص ١٩٠ والنهاية في اللغة ج ٤ ص ٧٠ ولسان العرب ج ٧ ص ٧٤ و ٧٥ وعن تحذير الخواص ص ٥٩. والحوادث والبدع للطرطوشي ص ١٠١ ط تونس سنة ١٩٥٩.

(١) تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٠٨ وراجع : سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٤٦ وفي هامشه عن ابن عساكر.

١٤٤

يقص بعد الصبح وبعد المغرب : أن يدعو له ولأهل الشام (١).

٣ ـ وكان عبد الملك شكا إلى العلماء!! ما انتشر عليه من أمر رعيته ، وتخوفه من كل وجه ، فأشار عليه أبو حبيب الحمصي القاضي بأن يستنصر عليهم برفع يديه إلى الله تعالى.

فكان عبد الملك يدعو ويرفع يديه ، وكتب بذلك إلى القصاص ؛ فكانوا يرفعون أيديهم بالغداة والعشي (٢).

٤ ـ وكان محمد بن واسع الأزدي من جملة القصاص والوعاظ في جيش قتيبة بن مسلم في خراسان ، وكان يقول قتيبة في حقه : إنه بالنسبة إليه أفضل من ألف سيف ورمح. فراجع (٣).

٥ ـ قال عبد الملك بن مروان لغضيف بن الحارث : «إنا قد أجمعنا الناس على أمرين : قال : وما هما؟

قال : رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، والقصص بعد الصبح والعصر الخ» (٤).

٦ ـ كما أن القصاصين قد قاموا بدور مهم في إحداث الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد ، في زمن عضد الدولة ، فمنعهم من القصص. وذلك في

__________________

(١) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٣ والولاة والقضاة هامش ص ٢٠٣ عن رفع الإصر ص ٤٧.

(٢) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٢٥٤.

(٣) راجع : البيان والتبيين ج ٣ ص ٢٧٣ والعقد الفريد ج ٢ ص ١٧٠.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ١٠٥ وتحذير الخواص ص ٧٠.

١٤٥

سنة ٣٦٧ ه‍ (١).

وكذلك جرى في سنة ٣٩٨ ه‍. ق.

ثم سمحوا لهم بمزاولة أعمالهم بشرط تركهم التعرض للفتن (٢).

جرأة القصاصين وسيطرتهم :

كان القصاصون جريئين على الله ورسوله ، فلم يكونوا يتورعون عن وضع الحديث ، حتى لقد قال ابن حبان :

«كانوا إذا حلوا بمساجد الجماعات ، ومحافل القبائل مع العوام والرعاع أكثر جسارة في الوضع» (٣). أي في وضع الحديث على لسان رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وقد حدّث ابن عون ، فقال : «أدركت المسجد ، مسجد البصرة ، وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار ، وسائر المسجد قصاص» (٤).

__________________

(١) راجع : البداية والنهاية ج ١١ ص ٢٨٩ وطبقات الحنابلة ج ١ ص ١٥٨ والمنتظم ج ٧ ص ٨٨ وسير أعلام النبلاء ج ١٦ ص ٥٠٩ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٣٨٠ ه‍) ص ١٥٣.

(٢) راجع : المنتظم ج ٧ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٨٠ ـ ٤٠٠ ه‍) ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨ وشذرات الذهب ١٤٩ و ١٥٠ وبقية المصادر في كتابنا : صراع الحرية في عصر المفيد ص ٢٤ و ٢٥ الطبعة الأولى.

(٣) عن المجروحين ج ٢ ص ٣٠ ، أ.

(٤) القصاص والمذكرين ص ١٦.

١٤٦

ودعا عطاء بن أبي رباح بخمسة قصاص ، فقال : قصوا في المسجد الحرام.

قال : وهو جالس إلى أسطوانة.

قال : فكان خامسهم عمر بن ذر (١) وأما سيطرتهم على عقول الناس ، فذلك أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس ، ويوضح ذلك كثير من الحالات والقضايا التي حصلت لبعض المعروفين ، الذين كانوا يرفضون طريقتهم ، وينظرون إليهم بعين الريب والشنآن.

ولكن كانت كلماتهم تجذبهم ، وأحاديثهم تسحرهم ، رغم علمهم بكونها موضوعة ومكذوبة.

ومن غريب ما يذكر هنا : أن أم الإمام أبي حنيفة لا تقبل بفتوى ولدها ، ولكنها ترضى بقول قاص يقال له : زرعة (٢).

كما أن أحد الكبار المعروفين يحتج لبعض الأمور بقول أحد القصاصين من مسلمة أهل الكتاب ، وهو تميم الداري (٣).

وحين حاول الشعبي أن ينكر على أحد القصاصين في بلاد الشام ما يأتي به من ترهات ، قامت عليه العامة تضربه ، ولم يتركه أتباع ذلك القاص ، حتى قال برأي شيخهم نجاة بنفسه (٤).

__________________

(١) المصدر السابق ص ٣٢.

(٢) القصاص والمذكرين ص ٩٠ وتاريخ بغداد ج ٣ ص ٣٦٦.

(٣) عيون الأخبار لابن قتيبة ج ١ ص ٢٩٧.

(٤) السنة قبل التدوين ص ٢١١ عن تمييز المرفوع عن الموضوع ص ١٦ ب. والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.

١٤٧

بل لقد بلغ الاحترام والتقديس لمجلس القصص والقصاصين أن تخيل البعض :

أن الكلام أثناء القصص لا يجوز ، كما لا يجوز الكلام في خطبة الجمعة ، حتى أعلمه عطاء : أن الكلام أثناء القصص لا يضر (١).

وقال مالك : «.. وليس على الناس أن يستقبلوهم كالخطيب» (٢).

القصاصون على حقيقتهم :

إنه وإن كان كثير من الأعيان والمعروفين كانوا يحضرون مجالس القصاصين ، ويستمعون إليهم (٣) ، وقد استمر ذلك إلى وقت متأخر نسبيا ، إلا أن أمرهم قد افتضح ، وظهر لأكثر الناس ما كان خافيا.

وبدأ الناس يجهرون بالحقيقة ، ويصرحون بها ، ونحن نذكر هنا بعضا من ذلك ليتضح الأمر ، ويسفر الصبح لذي عينين ، فنقول :

١ ـ قال أبو قلابة : «ما أمات العلم إلا القصاص ، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئا» (٤).

__________________

(١) المصنف للصنعاني ج ٣ ص ٣٨٨.

(٢) الحوادث والبدع ، لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي ص ٩٩ ط تونس سنة ١٩٥٩ م.

(٣) راجع : القصاص والمذكرين وغيره.

(٤) ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٨ والقصاص والمذكرين ص ١٠٧ وراجع ص ١٠٨ وأضواء على السنة المحمدية ص ١٢٤.

١٤٨

وقريب من ذلك ما عن أيوب السختياني (١).

٢ ـ لقد ذكر أحد الصحابة لواحد من القصاصين : أن ظهور القصاص كان هو السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطع أرحامهم (٢).

٣ ـ عن أحمد بن حنبل : أكذب الناس السؤال ، والقصاص (٣).

٤ ـ وقال محمد بن كثير عن القصاص : أكذب الخلق على أنبيائه (٤).

٥ ـ وصرح البعض : أن السبب في انتشار الإسرائيليات في كتب التاريخ والتفسير هم القصاصون (٥).

٦ ـ وقال إبراهيم الحربي : «الحمد لله الذي لم يجعلنا ممن يذهب إلى قاص ، ولا إلى بيعة ، ولا إلى كنيسة» (٦).

٧ ـ وقال ابن قتيبة : «إن القصاص على قديم الزمان كانوا يميلون وجوه العامة إليهم ، ويستدرون ما عندهم بالمناكير ، والغريب ، والأكاذيب من الحديث» (٧).

__________________

(١) السنة قبل التدوين ص ٢١٣ عن الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ص ١٤٧.

(٢) راجع : مختصر تاريخ دمشق ج ١٠ ص ٢٠٢ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٩ وغير ذلك.

(٣) القصاص والمذكرين ص ٨٣ وراجع : طبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٥٣ وعن قوت القلوب ج ٢ ص ٣٠٨. والحوادث والبدع ص ١٠٢.

(٤) القصاص والمذكرين ص ٨٤ وراجع : تحذير الخواص ص ٨٠.

(٥) تاريخ المذاهب الإسلامية ج ١ ص ١٥.

(٦) القصاص والمذكرين ص ١٠٩.

(٧) تأويل مختلف الحديث ص ٣٥٥ ـ ٣٥٧.

١٤٩

٨ ـ ويقول آخر : «كانوا يضعون الأحاديث في قصصهم قصدا للتكسب والارتزاق ، وتقربا للعامة بغرائب الروايات ، ولهم في هذا غرائب وعجائب ، وصفاقة وجد لا توصف» (١).

٩ ـ وعن أيوب : ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص (٢).

١٠ ـ ولما قص إبراهيم الحربي أخرجه أبوه (٣).

مع تفاصيل أخرى :

ولا يقتصر الأمر على ما ذكر ، فإنهم يقولون عن القصاصين أيضا :

١ ـ ما هم إلا غوغاء يستأكلون أموال الناس بالكلام (٤).

٢ ـ إنهم لا يحفظون الحديث (٥).

٣ ـ إنهم ينسبون ما يسمعونه من الناس إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويخلطون الأحاديث بعضها ببعض ، ويتصنعون البكاء ، والرعدة. ومنهم من يصفر وجهه ببعض الأدوية ، وبعضهم يمسك معه ما إذا شمه سال دمعه ، ويتظاهرون بالصعقة ، ويعملون على استمالة النساء ، وغير ذلك (٦).

__________________

(١) الباعث الحثيث ص ٨٥.

(٢) القصاص والمذكرين ص ٨٥.

(٣) القصاص والمذكرين ص ١٠٧.

(٤) ربيع الأبرار ج ٣ ص ٥٨٩.

(٥) القصاص والمذكرين ص ٦٢ ـ ٦٣.

(٦) راجع : القصاص والمذكرين ص ٧٨ و ٧٩ فما بعدها إلى آخر الباب.

١٥٠

٤ ـ وقد أحدثوا وضع الأخبار (١).

٥ ـ وعامة ما يحدث به القصاص كذب (٢).

وحسبك من جرائمهم على الحق وعلى الدين :

١ ـ أن قصة الغرانيق من صنعهم (٣).

٢ ـ ومنهم من روى : أن يوسف حل تكته ، فلاح له أبوه (٤).

٣ ـ وأن قصة داود وأوريا من وضعهم (٥).

٤ ـ وأن قراءة القرآن بالإلحان قد جاءت من قبلهم (٦).

٥ ـ ووضع بعضهم في ساعة واحدة أحاديث كثيرة حول فضل صيام يوم عاشوراء ، حسب اعترافه (٧).

إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.

موقف علي عليه السّلام من القصاصين :

أما بالنسبة لموقف علي «عليه السلام» المتشدد جدا من القصاصين ، الذين كان منهم شخصيات مشهورة ، وذات قيمة لدى بعض الفئات ،

__________________

(١) القصاص والمذكرين ص ١٨.

(٢) المصدر السابق ص ١٩.

(٣) القصاص والمذكرين ص ٨٥.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق ص ٩٦ و ٩٧.

(٧) المصدر السابق ص ٨٤.

١٥١

فلسوف يأتي الحديث عنه إن شاء الله في فصل : «لا بد من إمام».

ونكتفي هنا بالإشارة إلى موقف السائرين على نهج أمير المؤمنين علي «عليه السلام» ، وذلك في الفقرة التالية.

السائرون على نهج علي عليه السّلام :

إننا إنصافا للحقيقة وللتاريخ نسجل :

أن المواقف السلبية من القصاصين لمن عدا شيعة أهل البيت «عليهم السلام» قد جاءت متأخرة نسبيا عن موقف أتباع مدرسة أهل البيت «عليهم السلام» ، الذين كانوا يسجلون إنكارهم وإدانتهم لهذا الاتجاه في صور ومستويات مختلفة.

وقد تجد ذلك قد ورد على صورة نصائح ربما جاءت خافتة إلى حد ما ، وذلك انسجاما مع مقتضيات الواقع الذي كان يفرض قدرا من التحاشي عن الجهر بما يخالف سياسات الحكم ، ولو بهذا المستوى الضعيف والضئيل.

ولا نريد هنا أن نسبر أغوار التاريخ لنلتقط الدلائل والشواهد الكثيرة والغزيرة من هنا وهناك ، بل نكتفي بذكر نماذج تشير إلى ذلك ، وهي التالية :

١ ـ روى مسلم بسنده عن عاصم قال : «كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ـ ونحن غلمة أيفاع ـ فكان يقول لنا : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص ، وإياكم وشقيقا. وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج ، وليس بأبي وائل» (١).

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ١٥ والقصاص والمذكرين ص ١٠٧.

١٥٢

٢ ـ عن عبد الله بن خباب بن الأرت قال : مر بي أبي ، وأنا عند رجل يقص ، فلم يقل لي شيئا حتى أتيت البيت. فاتزر ، وأخذ السوط يضربني ، حتى حجره الزنو ، وهو يقول : أمع العمالقة؟! أمع العمالقة؟! ثلاثا. إن هذا قرن قد طلع ، إن هذا قرن قد طلع ، يقولها ثلاثا (١).

٣ ـ بل إن ابن مسعود الذي يقال : إنه يميل إلى علي «عليه السلام» ، رغم أننا نجد : أنه كان يتأثر خطى عمر بن الخطاب بصورة ملفتة وواضحة ، قد سجل أيضا إدانته للقصاص من أهل الكتاب (٢) ، فما ظنك بغيره من أهل العلم والمعرفة بالدين؟!

٤ ـ وتقدم قول أبي قلابة : ما أمات العلم إلا القصاص ، وإن الرجل يجلس إلى القاص السنة ، فلا يتعلم منه شيئا.

٥ ـ وتقدم أيضا قول أحد الصحابة : إن القصاص هم السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطيعة أرحامهم. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.

__________________

(١) القصاص والمذكرين ص ١٠٤ وخباب صحابي معروف ، وقد مات «رحمه الله» وعلي «عليه السلام» في صفين.

(٢) مجمع الزوائد ج ١ ص ١٨٩.

١٥٣
١٥٤

الباب الثاني

تدوين التاريخ : الآثار والنتائج ..

الفصل الأول : بين الدوافع والأهداف والآثار والنتائج

الفصل الثاني : لا بد من إمام

الفصل الثالث : إجراءات وضوابط مشبوهة

الفصل الرابع : الضوابط العلمية للمبنى العلمي

١٥٥
١٥٦

الفصل الأول :

بين الدوافع والأهداف والآثار والنتائج

١٥٧
١٥٨

آثار ونتائج :

وقد استمر المنع من كتابة الحديث وروايته عشرات السنين ، وأصبح التحاشي عنه هو الصفة المميزة لعلماء الأمة وطليعتها المثقفة.

بل لقد صارت كتابة الحديث عيبا أيضا ، حتى في أوائل عهد بني مروان (١).

ومضت السنون والأحقاب ، ومات الصحابة الأخيار ، بل أوشك التابعون على الانقراض أيضا.

ونشأت أجيال وأجيال لم تسمع أحدا يذكر شيئا عن نبيها ، ولا عن مواقفه ، وتعاليمه ، وسيرته ومفاهيمه.

وتربت هذه الأجيال على النهج الفكري الذي أراده لها الحكام والمتسلطون ، والموتورون والحاقدون ، وتلامذة أهل الكتاب ، المعجبون بهم. وذهب الدين وتلاشى ، حتى لم يبق من الإسلام إلا اسمه ، ومن الدين

__________________

(١) راجع : تقييد العلم ص ١١٤ و ١١٠ وراجع سنن الدارمي ج ١ ص ١٢٦ وعن المحدث الفاضل ج ٤ ص ٢٣ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٧٣. كان حكم بني مروان بعد حكم آل أبي سفيان ، الذي انتهى بمعاوية بن يزيد.

١٥٩

إلا رسمه ، حسبما روي عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام (١) ، الذي لم يعش إلا إلى سنة أربعين من الهجرة.

ثم ازداد البلاء بعد ذلك ، وبرح الخفاء إلى حد الفضيحة ، فاضطر عمر بن عبد العزيز إلى القيام بعمل رمزي ضعيف وضئيل ، لم يكن له أي أثر يذكر على الصعيد العملي ، على مستوى الأجيال والأمة.

ثم بدأت الحركة الحقيقية باتجاه التدوين في أواسط القرن الثاني للهجرة ، حسبما تقدم توضيحه.

وخلاصة الأمر : أن الحال قد تردت خلال أقل من ثلاثين سنة من وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى ذلك الحد الذي أشار إليه سيد الوصيين «عليه السلام».

وطمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة (٢).

وكان ذلك في حين أن الصحابة وعلماءهم كانوا لا يزالون على قيد الحياة ، وكان الناس ينقادون إلى الدين وأحكامه ، ويطيعون رموزه وأعلامه.

فكيف ترى أصبحت الحال بعد أن فتحت الفتوح ، ومصّرت

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة الحكمة رقم ٣٦٩ والحكمة رقم ١٩٠.

(٢) راجع : المصنف للصنعاني ج ٢ ص ٦٣ ومسند أبي عوانة ج ٢ ص ١٠٥ والبحر الزخار ج ٢ ص ٢٥٤. وكشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ٢٦٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٢٨ و ٤٣٢ و ٤٤١ و ٤٤٤ ومروج الذهب ج ٣ ص ٨٥ والغدير ج ٨ ص ١٦٦ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٢.

١٦٠