حياة امام محمد الجواد عليه السلام

باقر شريف القرشي

حياة امام محمد الجواد عليه السلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٢

منهم لذّتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه ، وحلاوة اللسان (١).

لقد درس الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام نفسية المجتمع ، ووقف على دخائل النفوس وميولها واتّجاهاتها ، وأعطى صوراً حيّة عن جميع المناحي الاجتماعية ، والتي منها الصداقة بين الناس ، فقد حلّلها تحليلاً واقعياً بما لا يختلف على امتداد التاريخ وفي مختلف العصور.

رواياته عن الإمام الصادق :

وروى عن الإمام الصادق حديثاً جاء فيه أنّ رجلاً سأل أباه عن مسائل فكان ممّا أجابه به ، أن قال : قل لهم : هل كان فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم الله اختلاف؟ فإن قالوا : لا فقل لهم : فمن حكم بحكم فيه اختلاف فهل خالف رسول الله؟ فيقولون : نعم ، فإن قالوا : لا فقد نقضوا أوّل كلامهم ، فقل لهم : ما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم ، فإن قالوا : مَن الراسخون في العلم؟ فقل : مَن لا يختلف في عمله ، فإن قالوا : مَن ذاك؟ فقل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب ذاك .. إلى أن قال : وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف أحداً فقد ضيّع مَن في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده ، قال : وما يكفيهم القرآن؟ قال : بلى لو وجدوا له مفسّراً ، قال : وما فسّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : بلى قد فسّره لرجل واحد ، وفسّر للأمّة شأن ذلك الرجل ، وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، إلى أن قال : والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد ، فمن حكم بحكم ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزّ وجل ، ومن حكم بحكم فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت .. (٢).

____________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٥٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ١٣١.

٨١

وقد عرض هذا الحديث لموضوع الخلافة ، وحفل بأوثق الأدّلة العقلية على إمامة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وبطلان ما يذهب إليه المنكرون لإمامته.

روايته عن أبيه :

روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : حدّثني أبو جعفر الثاني عليه‌السلام قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : دخل عمرو ابن عبيد على أبي عبد الله عليه‌السلام فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية ( الذِينَ يجتنُبِونَ كَبَائرَ الإثْمِ والفَواحِشِ ) ثمّ أمسك.

قال له أبو عبد الله : ما أسكتك؟

قال عمرو : أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل.

قال أبو عبد الله : نعم يا عمرو ، أكبر الكبائر الإشراك بالله ، يقول الله : ( مَن يُشرِكْ باللهِ فقد حرَّم الله عليهِ الجنَّة ) وبعده اليأس من روح الله لأنّ الله عزوجل يقول : ( لاَ ييأسُ مِن رَوْح اللهِ إلاَّ القومُ الكافرون ) ثمّ الأمن من مكر الله لأنّ الله عزوجل يقول : ( فلا يَأمنُ مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ) ومنها عقوق الوالدين لأنّ الله سبحانه جعل العاق جبّاراً شقياً ، وقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ لأن الله عزوجل يقول : ( فجزاؤُهُ جهنَّم خالداً فيها ) وقذف المحصنة لأن الله عزوجل يقول : ( لُعنُوا فِي الدنيا والآخرةِ ولهم عذابٌ عظيمٌ ) وأكل مال اليتيم لأنّ الله عزوجل يقول : ( إنما يأكلون في بطُونِهِم ناراً وسيصلون سعيراً ) والفرار من الزحف لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومَن يُولِّهم يومئذٍ دبُرهُ إلاَّ متحرِّفاً لقتالٍ أو متحيزاً إلى فئةٍ فقد باء بغضَبٍ من الله ومأواهُ جهنَّمُ وبئس المصير ) وأكل الربا لأنّ الله عزوجل يقول : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقومُ الذي يتخبطُهُ الشيطانُ من المسِّ ) والسحر لأن الله عزوجل يقول : ( ولقد علموا لمن اشتراه مالهُ في الآخرة من

٨٢

خلاقٍ ) والزنا لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومن يفعل ذلك يلق آثاماً * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ) واليمين الغموس الفاجرة لأنّ الله عزوجل يقول : ( الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ) والغلول لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة ) ومنع الزكاة المفروضة لأنّ الله عزوجل يقول : ( فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة لأنّ الله عزوجل يقول : ( ومن يكتُمها فإنَّه آثم قلبُهُ ) وشرب الخمر لأنّ الله عزوجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان ، وترك الصلاة متعمّداً أو شيئاً مما فرض الله عزوجل لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ترك الصلاة متعمداً أو شيئاً ممّا فرض الله عزّ وجلّ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله ، ونقض العهد ، وقطيعة الرحم لأنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( لهُمُ اللعنَةُ ولهُمْ سُوءُ الدار ) قال : فخرج عمرو له صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال : برأيه ونازعكم في الفضل والعلم .. (١).

وحذّر هذا الحديث الشريف من اقتراف الجرائم التي تمسخ ضمير الإنسان ، وتهدّد الحياة الاجتماعية بالخطر ، وتقف عائقاً في طريق حضارة الإنسان وتقدّمه.

التوحيد :

وأثيرت ـ في عصر الإمام الجواد ـ كثير من الشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين على الإسلام لزعزعة العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين ، وتشكيكهم في مبادئ دينهم العظيم .. وقد أجاب الإمام الجواد عليه‌السلام عن كثير من تلك الشبه ، وفنّدها كان من بينها :

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

٨٣

١ ـ وفد على الإمام أبي جعفر عليه‌السلام بعض المتضلّعين في علم الفلسفة والكلام فقدّم له السؤال التالي :

( أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى ، له أسماء وصفات في كتابه؟ فأسماؤه وصفاته هي هو ).

وحلّل الإمام عليه‌السلام سؤاله إلى وجهين ، كما حلّل الوجه الثاني منهما إلى وجهين ، وقد صحّح بعض تلك الوجوه ، وأبطل البعض الآخر منها لأنّها تتنافى مع واقع التوحيد قال عليه‌السلام :

( إنّ لهذا الكلام وجهين : إن كنت تقول : هو هي ، أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك.

وإن كنت تقول : لم تزل هذه الصفات والأسماء ( فإن لم تزل ) يحتمل معنيين : فإن قلت : لم تزل عنده في علمه ، وهو مستحقّها فنعم وإن كنت تقول : لم يزل تصويرها : وهجاؤها ، وتقطيع حروفها ، فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله ، ولا خلق ، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ، ويعبدونه ، وهي ذكره ، وكان الله ولا ذكر ، والذكور بالذكر هو الله القديم ، الذي لم يزل والأسماء والصفات مخلوقات المعاني ، والمعنى بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف ، إنّما يختلف ويأتلف المتجزي ، فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا الله كثير ، ولا قليل ، ولكنّه القديم في ذاته لأنّ ما سوى الواحد متجزئ والله واحد لا يتجزّى ، ولا متوهّم بالقلّة والكثرة وكلّ متجزّي متوهّم بالقلّة والكثرة فهو مخلوق دالّ على خالق له ، فقولك : إنّ الله قدير خبرت انّه لا يعجزه شيء ، فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه ، وكذلك قولك : عالم إنّما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه. فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء ، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالماً ).

٨٤

( وألمّ كلام الإمام بجوهر التوحيد فأبطل أن تكون أيّة صفة من صفاته تعالى مستلزمة للعدد والكثرة وذلك ما يترتّب عليها من الآثار الفاسدة المستحيلة بالنسبة له تعالى ، فلا حدوث في صفاته ، ولا تجزّئ في ذاته فصفاته عين ذاته ، كما دلّل على ذلك في علم الكلام .. أمّا تحليل هذه الفقرات من كلامه فإنّه يستدعي بحوثاً مطوّلة ، وقد آثرنا الإيجاز فيها.

وبهر السائل من إحاطة الإمام بهذه البحوث المعقّدة وراح يسأله قائلاً :

( كيف سمّي ربّنا سميعاً .. ).

فأجابه الإمام جواباً رائعاً دفع به الشبهة قائلاً :

( إنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سمّيناه بصيراً لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك ، ولم نصفه بنظر لحظ العين ، وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة ، وأحقر من ذلك .. وموضع الشقّ منها ، والعقل والشهوة ، والسفاد والحدب على نسلها ، وإفهام بعضها عن بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال ، والمفاوز والأودية والقفار ، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف ، وإنّما الكيفيّة للمخلوق المكيّف. وكذلك سمّي ربّنا قويّاً لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوّته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصاً كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزاً فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ ، ولا ندّ ، ولا كيف ، ولا نهاية ، ولا إخطار محرم على القلوب أن تمثّله ، وعلى الأوهام أن تحدّه وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أدات خلقه وسمات بريّته ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً .. ) (١).

__________________

١ ـ التوحيد : ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

٨٥

إنّ صفات الله تعالى الإيجابية السلبية وليست على غرار الصفات التي يتّصف بها الممكن الذي يفتقر في وجوده إلى علّة تفيض عليه الوجود ، كما يفتقر عدمه إلى علّة بالإضافة إلى أنّ صفات الممكن مثل البصر والسمع إنّما تقوم بجوارح الإنسان ويستحيل عليه ذلك تعالى إذ ليست له جوارح ولا أبعاض.

إنّ من صفات الله تعالى أنه ( لطيف ) وذلك لعلمه بالأشياء اللطيفة كالبعوضة وما هو أصغر وأدقّ منها ، وقد ألهمها الله هداها فهي تسير سيراً عجيباً في منتهى الروعة والدقّة ، تحافظ على حياتها وعلى نوعيّتها ، وتحدب على نسلها فترعاه وتعاهده بالطعام. إنّ هذه الحركات من الحيوانات الصغيرة لتنادي بوجود خالقها العظيم الذي ألهمها هداها.

إنّ من صفات الله تعالى أنّه ( قويّ ) ولكن ليست هذه القوّة كالقوة التي يتّصف بها الإنسان ، وهي قوّة البطش والانتقام فإنّ هذه الصفة قابلة للزيادة والنقصان والتغيير ويستحيل أن يتّصف بذلك الله تعالى عن مشابهة مخلوقاته.

إنّ صفات الله تعالى وذاته لا تتحمّلها ، الأوهام ولا العقول والأفكار لأنّها إنّما تتصوّر الممكنات الخاضعة لهذا اللون من التصوّر ويمتنع عليه تعالى ذلك كما دلّل عليه في البحوث الفلسفية والكلامية.

وعلى أي حال فقد أثبت الإمام في هذه البحوث أنّه من عمالقة الفلسفة والكلام في الإسلام وإنّا نسأل في أيّة مدرسة درس الإمام علم الفلسفة والكلام حتى صار من أقطاب هذا الفنّ وأجاب بهذه الأجوبة الدقيقة التي يعجز عن الإتيان بمثلها كبار الفلاسفة والعلماء ، إنّه لا تعليل لذلك سوى ما تقول به الشيعة إنّ الله تعالى منحه العلم والفضل وآتاه الحكم صبياً.

٢ ـ سأل محمد بن عيسى الإمام أبا جعفر عليه‌السلام عن التوحيد قائلاً : إنّي أتوهّم

٨٦

شيئاً ، فأجابه الإمام :

( نعم غير معقول ، ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام ، وهو خلاف ما يتصوّر في الأوهام إنّما يتصوّر شيء غير معقول ولا محدود .. ) (١).

إنّ وهم الإنسان إنّما يتعلّق بالأمور الخاضعة للوهم والتصوّر أمّا الأمور التي لا تخضع لذلك فإنّه من المستحيل أن يتعلّق بها الوهم والخيال حسب ما قرّر في علم الفلسفة ، فالله تعالى في ذاته وصفاته لا يصل له الوهم ولا الخيال لأنّهما إنّما يدركان الأمور الممكنة دون واجب الوجود.

٣ ـ روى الحسين بن سعيد قال : سئل أبو جعفر الثاني عليه‌السلام يجوز أن يقال لله إنّه شي؟ فقال عليه‌السلام :

( نعم يخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه .. ) (٢).

إنّ الشيئية التي تطلق على الممكنات لا تطلق عليه تعالى إلاّ بشرط تجريده من حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه الذين هما من أبرز صفات الممكن.

٤ ـ سأل أبو هاشم الجعفري عن قوله تعالى : ( لاَ تُدرِكُهُ الأبصارَ وهُوَ يُدرِكُ الأبصارَ ) ، فقال عليه‌السلام :

( يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند ، والبلدان التي لم تدخلها ، ولم تدركها ببصرك ، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟ .. ) (٣).

__________________

١ ـ التوحيد : ص ١٦٤.

٢ ـ التوحيد : ص ٦٤.

٣ ـ التوحيد : ٦٩ ، نُسِب هذا الحديث إلى الإمام الباقر عليه‌السلام وهو اشتباه.

٨٧

إنّ ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمله من سعة الخيال فضلاً عن إدراكها بالعين الباصرة فإنّ كلاً منهما محدود بحسب الزمان والمكان وذات الله تعالى لا يجري عليها الزمان والمكان فإنّه تعالى هو الذي خلقهما.

وعلى أي حال فإنّ العقول في جميع تصوّراتها محدودة لا يمكن أن تكتشف الأمور التي لا تخضع للحدّ زماناً ومكاناً ، يقول الشافعي : ( إنّ للعقل حدّاً ينتهي إليه كما أن للبصر حدّاً ينتهي إليه ).

٥ ـ سأل أبو هاشم الجعفري الإمام أبا جعفر الجواد قال : ما معنى الواحد؟ فأجابه عليه‌السلام :

( الذي اجتمعت الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزوجل :

( ولَئنِ سألْتَهُم مَن خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ليقُولُنَّ اللهُ .. ) (١).

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن البحوث الرائعة التي أدلى بها الإمام عليه‌السلام عن التوحيد ، وهي تكشف عن مدى ثرواته العلمية الهائلة.

مسائل فقهية :

وتشكّل الأحاديث التي تُروى عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام مصدراً خصباً لاستنباط الأحكام الشرعية لدى فقهاء الشيعة الإمامية؛ لأنّها من السنة التي فسّرت ـ عندهم ـ بقول المعصوم وفعله وتقريره ، وقد أثرت عنه طائفة كبيرة من الأخبار دوّنت في موسوعات الفقه والحديث وقد شملت معظم أبواب الفقه نذكر بعضها :

الصلاة :

أمّا بحوث الصلاة وفروعها فهي من أوسع أبواب الفقه ، وكان من بين تلك

__________________

١ ـ التوحيد : ص ٤٤.

٨٨

الفروع التي عرض لها الإمام أبو جعفر عليه‌السلام ما يلي :

١ ـ روى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في السنجاب (١) ، والفنك (٢) والخزّ (٣) وقلت : جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك ، فكتب بخطّه إليّ صلِّ فيها (٤).

واستدلّ الفقهاء بهذا الخبر ونحوه ممّا ورد في هذا الموضوع على جواز الصلاة في جلود هذه الحيوانات ، وهناك روايات أخرى دالّة على المنع من الصلاة فيها ، ولسنا بصدد النظر في ترجيح إحدى الطائفتين من هذه الأخبار على الأخرى فإنّ ذلك من شأن الكتب الفقهيّة الاستدلالية وليس هذا الكتاب منها.

٢ ـ روى قاسم الصيقل قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأُصلّي فيها ، فكتب إليّ اتّخذ ثوباً لصلاتك ، فكتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الوحشية الذكية فكتب إليّ : كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك الله فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس (٥).

__________________

١ ـ السنجاب : حيوان على حدّ اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يُتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعّمون ، وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد إلى الشجرة العالية ، وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق ، جاء ذلك في مجمع البحرين.

٢ ـ الفنك : دويبة برية يؤخذ منها الفرو ، يقال : إنّ فروها أطيب من جميع أنواع الفراء ، جاء ذلك في مجمع البحرين.

٣ ـ الخزّ : دابة من دواب الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب ، ترعى في البر ، وتنزل في البحر ، لها وبر يُعمل منه الثياب ، تعيش في الماء ، جاء ذلك في مجمع البحرين.

٤ ـ وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٢٥٣.

٥ ـ وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٤٨٩.

٨٩

٣ ـ واستدلّ الفقهاء على جواز الصلاة بالنعل الطاهرة الذكية بما رواه عليّ بن مهزيار قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام صلى حين زالت الشمس يوم التروية ستّ ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما (١) وروى عبد الله بن رزين أنّه رأى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يصلي في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند بيت فاطمة عليه‌السلام يخلع نعليه ، ويصلي وإنّه رآه في ذلك الموضع الذي كان.

٤ ـ واستند الفقهاء على جواز مناجاة الله في أثناء الصلاة برواية محمد بن عليّ بن الحسين عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي يناجي به ربه عزوجلّ (٢).

هذه بعض الأخبار التي أثرت عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام في الصلاة.

الزكاة :

وردت عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام عدّة أخبار في فروع الزكاة كان من بينها ما يلي : استدلّ الفقهاء على جواز إخراج القيمة دون العين فيما تجب فيه الزكاة بما روي عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام فقد روى محمد بن خالد البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير ، وما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوى أن لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجابه : أيّما تيسّر يخرج (٣).

الخمس :

وتلتزم الشيعة الإمامية بلزوم الخمس ووجوبه الذي هو من أهمّ الضرائب

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ٣ ص ٣٠٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ٧ ص ٢٦٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ص ١٣١.

٩٠

الإسلامية التي فرضها الله على المسلمين لازدهار اقتصادهم ، ومعالجة الفقر والبؤس ، ونصف من الخمس المسمّى بحقّ الإمام ينفق على إقامة معالم الشريعة الإسلامية وازدهار الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام ، وهو يجب في مواضع ـ ذكرها الفقهاء ـ منها ما يفضل عن مؤنة سنة الإنسان له ولعياله من أرباح التجارات ، والصناعات والزراعات ونحوها ، وقد استدلّ الفقهاء على ذلك بما أثر عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام من الأخبار والتي منها :

١ ـ روى عليّ بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : اخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع؟ وكيف ذلك؟ فكتب عليه‌السلام بخطّه : الخمس بعد المؤنة (١).

٢ ـ روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن مهزيار قال : ( كتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ، قال : إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه ، وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار ، وسأفسّر لك بعضه إن شاء الله : إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا قال تعالى : ( خُذْ مِن أموالهم صدَقةً تُطهِّرهمْ وتزكِّيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليمٌ * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذُ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقُلِ اعْمَلُوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم

____________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٣٤٨.

٩١

تَعمَلُونَ ) (١).

ولم أوجب عليهم ذلك ، في كلّ عام ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحوه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة سافسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن موالي ، ومنّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ، ولما ينوبهم في ذاتهم ، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام قال الله تعالى : ( واعلمُوا أَنَّما غنمتُم من شيءٍ فأنَّ للهِ خُمُسهُ وللرَّسُولِ ولذي القُربى واليتامَى والمساكينِ وابنِ السبيلِ إن كُنتُمْ آمنتم باللهِ وما أنزلنَا على عبدنا يومَ الفرقانِ يومَ التقى الجمعان والله على كلِّ شيءٍ قديرٍ ) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها. والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة ، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين ، فإنّ نيّة المرء خير من عمله ، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلات في كلّ عام فهو نصف السدس ، ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤنته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك .. ) (٢).

ومنيت هذه الصحيحة بكثير من الغموض وعدم وضوح المراد منها وقد

__________________

١ ـ سورة الجمعة : ج ١٠٣ ـ ١٠٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٣٥٠.

٩٢

ذكرت عليها عدّة إشكالات تصدّى بعض المحقّقين من الفقهاء إلى تفنيدها ، وذكر المحقّق الفقيه البحراني ما نصّه : فالحقّ ما ذكره جملة من الأصحاب من أنّ الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال (١).

الحجّ :

واستند فقهاء الشيعة الإمامية في فتاواهم في بعض فروع الحجّ ، ومسائله إلى ما أثر عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام فيها ، وفيما يلي ذلك :

١ ـ استند الفقهاء في استحباب الحجّ للصبي بما رواه محمّد بن الفضيل قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن الصبي متى يحرم به؟ قال : إذا أثغر (٢) وقد تعرّض الفقهاء إلى كيفيّة حجّه بالتفصيل.

٢ ـ وأفتى فقهاء الإمامية بأنّ المخالف إذا حجّ ثمّ استبصر لم يعد حجّه إلاّ أن يخلّ بركن عندنا (٣) وقد وردت رواية عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام تقضي بالإعادة فقد روى عليّ بن مهزيار قال : كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر عليه‌السلام : إنّي حججت وأنا مخالف ، وكنت صرورة فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، قال : فكتب إليه : أعد حجّك (٤) وحمل الشيخ الأمر بإعادة الحجّ على الاستحباب (٥).

٣ ـ واتّفق فقهاء الإمامية بأنّ حجّ التمتّع أفضل أنواع الحجّ لمن أراد أن يحجّ

__________________

١ ـ الحدائق الناضرة.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٣٧.

٣ ـ اللمعة الدمشقية : ج ٢ ص ١٧٧.

٤ ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٤٣.

٥ ـ نفس المصدر.

٩٣

حجاً مندوباً ، وقد استندوا في ذلك إلى ما ورد عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام وغيره من أئمّة العترة الطاهرة عليه‌السلام فقد روى أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السائق للهدي ، وكان يقول : ليس يدخل الحاج بشيء أفضل من المتعة (١).

٤ ـ من التروك اللازمة في الحجّ التظليل للرجل الصحيح سائراً أمّا المرأة فيجوز لها الظلّ (٢) وقد ورد عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام في ذلك ما رواه بكر بن صالح قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إنّ عمّتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلّل عليّ وعليها؟ فكتب عليه‌السلام : ظلّل عليها وحدها (٣).

هذه بعض فروع الحجّ التي وردت أحكامها عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه‌السلام.

النذر :

وسئل الإمام أبو جعفر الجواد عليه‌السلام عن بعض مسائل النذور وفروعه فأجاب عنها ، وكان ممّا سئل عنه.

١ ـ سئل الإمام الجواد عليه‌السلام عن الرجل يقول : عليّ مائة بدنة أو ما لا يطيق ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذلك من خطوات الشيطان (٤).

إنّ القدرة على الامتثال ـ كما يقول الفقهاء ـ شرط في صحّة التكليف ويستحيل أن يتعلّق بغير المقدور ، فمتعلّق النذر في هذه المسألة لمّا كان غير مقدور ولا

__________________

١ ـ وسائل الشيعة :

٢ ـ اللمعة : ج ٢ ص ٣٢٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ٩ ص ١٥٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ج ١٦ ص ٢٢١.

٩٤

يطيقه المكلّف كان النذر باطلاً.

٢ ـ رفع رجل من بني هاشم رسالة إلى الإمام الجواد عليه‌السلام جاء فيها : ( إنّي كنت نذرت نذراً منذ سنين أن أخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا ممّا يرابط فيه المتطوّعة نحو مرابطتهم بجدّة وغيرها من سواحل البحر ، افترى جعلت فداك انّه يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني أو افتدي الخروج إلى ذلك بشيء من أبواب البرّ لأصير إليه إن شاء الله؟ ).

فأجابه عليه‌السلام برسالة جاء فيها :

( إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته وإلاّ فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البرّ ، وفّقنا الله وإيّاك لما يحب ويرضى .. ) (١).

ولم ينعقد هذا لنذر لأنّ متعلّقة غير راجح ، وقد حثّ الإمام على أن يصرف نفقات مرابطته في وجوه البرّ والتي منها الإحسان إلى الفقراء.

كفارة مخالفة العهد :

وأفتى فقهاء الإمامية بأن من حنث ما عاهد عليه الله تجب عليه الكفّارة المخيّرة وهي : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، وقد استندوا في ذلك إلى ما روي عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام فقد روى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في رجل عاهد الله عند الحجر أن لا يقرب محرماً أبداً فلمّا رجع عاد إلى المحرم ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يعتق أو يصوم أو يتصدّق على ستين مسكيناً وما ترك من الأمر أعظم ويستغفر الله ويتوب إليه (٢).

__________________

١ ـ تهذيب الأحكام : ج ٨ ص ٣١١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ١٦ : ص ٢٤٨.

٩٥

الوقف :

سئل الإمام أبو جعفر عليه‌السلام عن بعض مسائل الوقف فأجاب عنها ، وعلى ضوء أجوبته أفتى الفقهاء ، وكان من بين ما سئل عنه :

١ ـ إنه سئل عن الوقف الذي يكون على أسرة وهي منتشرة في أنحاء مختلفة في البلاد فهل يجب على متولّي الوقف أن يوصل إليهم حقّهم من واردات الوقف ، فأجاب عليه‌السلام بعدم لزوم ذلك عليه ، وإنّ الوارد يختصّ بمن حضر البلد الذي فيه الوقف ، وهذا نصّ السؤال والجواب :

روى عليّ بن محمد بن سليمان النوفلي قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أسأله عن أرض وقفها جدّي على المحتاجين من ولد فلان ابن فلان ، وهم كثيرون متفرّقون في البلاد ، فأجاب : ذكرت الأرض التي وقفها جدّك على فقراء ولد فلان ، وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف وليس لك أن تتّبع من كان غائباً (١).

٢ ـ روى عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها ، أو يدعها موقفة؟ فكتب عليه‌السلام : اعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقّي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وإنّ ذلك رأي إن شاء الله ، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له (٢) وحمل الحرّ العاملي الرواية على عدم قبض الإمام للضيعة كما هو الظاهر منه حتى يصحّ البيع.

٣ ـ روى عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام أعلمه أنّ إسحاق بن إبراهيم وقف ضيعته على الحجّ ، وأمّ ولده وما فضل عنها للفقراء ، وإنّ محمد بن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٣ ص ٣٠٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ١٣ ص ٣٠٤.

٩٦

إبراهيم أشهد على نفسه بمال يفرّق في إخواننا ، وإنّ في بني هاشم من يعرف حقّه ، يقول بقولنا ممّن هو محتاج ، فترى أن يصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصدقة؟ لأنّ وقف إسحاق إنّما هو صدقة ..

فكتب عليه‌السلام في الجواب : ( فهمت رحمك الله ما ذكرت من وصية إسحاق بن إبراهيم ( رضي الله عنه ) ، وما أشهد بذلك محمد بن إبراهيم ( رضي الله عنه ) ، وما استأمرت به من إيصالك بعض ذلك إلى من كان له ميل ومودّة من بني هاشم ممّن هو مستحقّ فقير ، فأوصل ذلك إليهم يرحمك الله ، فهم إذا صاروا إلى هذه الخطّة أحقّ من غيرهم لمعنى لو فسّرته لك لعلمته إن شاء الله ) (١).

وأدرج الحرّ العاملي هذه الرواية تحت عنوان ( جواز إعطاء فقراء بني هاشم من الصدقة سوى الزكاة من الوقف على الفقراء ) (٢).

الزواج :

وأثرت عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام في الزواج عدّة أخبار استند إليها الفقهاء في فتواهم ، وكان من بينها عدم ولاية العمّ على ابنة أخيه في الزواج فقد روى محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : ما تقول في صبية زوجها عمّها ، فلمّا كبرت أبت التزويج فكتب عليه‌السلام : ( لا تكره على ذلك والأمر أمرها ) (٣).

الطلاق :

وسئل الإمام أبو جعفر عليه‌السلام عن الطلاق المخالف لفقه أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٣ ص ٣٢٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ٩ ص ٢١٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٢٠٧.

٩٧

فأجاب عليه‌السلام بعدم صحّته إن كان المطلّق ممّن يدين بالولاء لهم ، ويسير على وفق ما أثر عنهم ، وإن كان المطلّق لا يرى ذلك فطلاقه صحيح ، وهذا نصّ جوابه عن هذا السؤال الذي سأله عنه إبراهيم بن محمد الهمداني : ( فهمت ما ذكرت من أمر بنتك وزوجها ( إلى أن قال ) ومن حنثه بطلاقها غير مرّة فانظر فإن كان ممّن يتولاّنا ، ويقول : بقولنا فلا طلاق عليه لأنّه لم يأت أمراً جهله ، وإن كان ممّن لا يتولاّنا ولا يقول : بقولنا فاختلعها منه ، فإنّه نوى الفراق ) (١).

الرضاع :

وإذا توفّرت في الرضاع الشروط المعتبرة التي ذكرها الفقهاء فيترتّب عليه ما يترتّب على النسب من الآثار الوضعيّة ، ففي الحديث : ( الرضاع لحمة كلحمة النسب ) وكان من بين مسائل الرضاع التي عرضت على الإمام أبي جعفر عليه‌السلام وأجاب عنها ما رواه عليّ بن مهزيار قال : سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام انّ امرأة أرضعت لي صبياً فهل يحلّ لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي : ما أجود ما سألت من هاهنا يؤتى أن يقول الناس : حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره ، فقلت له : الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي ، هي ابنة غيرها ، فقال : لو كن عشراً متفرّقات ما حلّ لك شيء منهنّ ، وكنّ في موضع بناتك (٢).

حلّية زواج الزاني بالمزني بها :

وسئل الإمام أبو جعفر الجواد عليه‌السلام عن الزاني هل له أن يتزوّج بالمزني بها ، فأجاب عليه‌السلام بالجواز بعد استبرائها ، وهذا نصّ السؤال مع جوابه روى الحسن بن عليّ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ص ٣٢٠.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٢٩٦.

٩٨

بن شعبة عن أبي جعفر محمد بن عليّ الجواد عليه‌السلام أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحلّ له أن يتزوّجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ، ثمّ يتزوّج بها إن أراد ، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراماً ثمّ اشتراها فأكل منها حلالاً (١).

حرمان ابن الزنا من الميراث :

من الآثار الخطيرة التي تترتّب على اقتراف جريمة الزنا ان ابن الزنا لا يلحق بأبويه ويحرم من ميراثهما ، وقد أثر عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام في ذلك ما رواه محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام معي يسأله عن رجل فجر بامرأة ، ثم إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق الله به ، فكتب بخطّه وخاتمه : الولد لغية لا يورث (٢).

الشفعة :

من البحوث الفقهيّة : الشفعة وقد سئل الإمام أبو جعفر عليه‌السلام عن بعض أحكامها فأجاب عنها ، فقد روى الثقة الفقيه عليّ بن مهزيار قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة فذهب على أن يحضر المال فلم ينضّ ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام فإن أتاه بالمال وإلاّ فليبع ، وبطلت شفعته في الأرض وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة ، وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم فإن وافاه وإلاّ فلا شفعة له (٣) ، وقد أدرج الشيخ الحرّ هذا الخبر تحت هذا العنوان : ( باب أنّ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٥ ص ٤٧٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٥٦٧.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٣٢٤.

٩٩

الثمن إذا كان في المصر انتظر به ثلاثة أيام وإن كان في بلد آخر انتظر به قدر الذهاب والعودة وزيادة ثلاثة أيام ، فإن زاد بطلت الشفعة ).

الميراث :

وسئل الإمام أبو جعفر عليه‌السلام عن بعض فروع الميراث فأجاب عنها ، ونعرض لبعضها :

١ ـ روى محمد بن علي بن الحسن بإسناده عن البزنطي قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : رجل هلك ، وترك ابنته وعمّه ، فقال : المال للابنة ، قال : وقلت له : رجل مات وترك ابنة له وأخاً له ، أو قال : ابن أخيه قال : فسكت طويلاً ثمّ قال : المال للابنة (١).

٢ ـ روى عليّ بن مهزيار قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن دار كانت لامرأة وكانت لها ابن وابنة فغاب الابن في البحر ، وماتت المرأة فادّعت ابنتها أنّ أمّها كانت صيّرت هذه الدار لها وباعت أشقاصاً منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا ، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن ، وما يتخوّف أن لا يحلّ شراؤها ، وليس يعرف للابن خبر ، فقال لي : ومنذ كم غاب؟ قلت : منذ سنين كثيرة ، قال : ينتظر به غيبة عشرة سنين ، ثمّ يشتري (٢). فقلت : إذا انتظر به غيبة عشر سنين يحلّ شراؤها؟ قال : نعم (٣).

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المسائل الفقهية التي أدلى بها الإمام الجواد عليه‌السلام حينما سئل عنها وهي تكشف ـ بوضوح ـ عن أنّ الإمام عليه‌السلام قد كان

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٤٤٦.

٢ ـ علّق الشيخ الحرّ على ذلك بقوله : أقول : لا يلزم من جواز البيع بعد عشر سنين الحكم بموته لجواز بيع الحاكم مال الغائب مع المصلحة ذكر ذلك جماعة من علمائنا.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١٧ ص ٥٨٤.

١٠٠