بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أيوب النبي عليه‌السلام حين دعا ربه : يا رب كيف ابتليتني بهذا البلاء الذي لم تبتل به أحدا؟ فوعزتك إنك تعلم أنه ما عرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا عملت بأشدهما على بدني ، قال : فنودي : ومن فعل ذلك بك يا أيوب؟ قال : فأخذ التراب فوضعه على رأسه ، ثم قال : أنت يارب (١).

٣٧ ـ عدة الداعي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وهو محبط للعمل ، وهو داعية المقت من الله سبحانه (٢).

وقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك.

وعن الصادق عليه‌السلام عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أوحى الله تعالى إلى داود عليه‌السلام يا داود بشر المذنبين ، وانذر الصديقين ، قال : كيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين؟ قال : يا داود بشر المذنبين بأني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب ، وأنذر الصديقين أن يعجبوا بأعمالهم فانه ليس عبد يعجب بالحسنات إلا هلك وفي رواية اخرى فانه ليس عبد ناقشته الحسنات إلا هلك.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله تعالى : أنا أعلم بما يصلح به أمر عبادي وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادته فيقوم من رقاده ولذيد وساده ، فيجتهد ويتعب نفسه في عبادتي ، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له ، وإبقاء عليه ، فينام حتى يصبح ، فيقوم ماقتا لنفسه زاريا عليها ، ولو اخلى بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب باعماله فيأتيه ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ، ورضاه عن نفسه ، حتى يظن أنه قد فاق العابدين ، وجاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك ، وهو يظن أنه تقرب إلي.

ومن طريق آخر رواه صاحب الجواهر بزيادة على هذا الكلام تتمة له :

____________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٥.

(٢) عدة الداعي : ١٧٢.

٣٢١

فلا يتكل للعاملون على أعمالهم التي يعملونها ، فانهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين ما يطلبون من كرامتي ، والنعيم في جناتي ورفيع درجاتي في جواري ، ولكن رحمتي فليبغوا ، والفضل مني فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا ، فان رحمتي عند ذلك تداركهم ، وهي تبلغهم رضواني ومغفرتي ، والبسهم عفوي فاني أنا الله الرحمن الرحيم ، بذلك تسميت وعن الباقر عليه‌السلام قال : قال الله سبحانه : إن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الشئ من طاعتي فاصرفه عنه مخافة الاعجاب (١).

وقال المسيح عليه‌السلام : يا معشر الحواريين كم من سراج أطفأته الريح ، وكم من عابد أفسده العجب.

روى سعد بن أبي خلف ، عن الصادق عليه‌السلام قال : عليك بالجد ، ولا تخرجن نفسك عن حد التقصير في عبادة الله تعالى وطاعته ، فان الله تعالى لا يعبد حق عبادته (٣).

٣٨ ـ أسرار الصلاة : روى محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام قال : لابأس أن تحدث أخاك إذا رجوت أن تنفعه وتحثه ، وإذا سالك هل قمت الليلة أو صمت فحدثه بذلك ، إن كنت فعلته ، فقل : رزق الله تعالى ذلك ، ولا تقول لا ، فان ذلك كذب.

____________________

(١) عدة الداعي : ١٧٣.

(٢) عدة الداعي : ١٧٤.

٣٢٢

١١٨

( باب )

* «( ذم السمعة والاغترار بمدح الناس )» *

أقول : قد سبق معنى السمعة في باب الرئاء (١).

١ ـ لي : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من يتبع السمعة يسمع الله به (٢).

٣ ـ ع : ابن المتوكل ، عن السعدآبادي ، عن البرقي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن الفضل ، عن خاله محمد بن سليمان ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : لمحمد بن مسلم : لا تغرنك الناس من نفسك فان الامر يصل إليك دونهم الخبر (٣).

٣ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى» (٤) قال : قول الانسان صليت البارحة ، وصمت أمس ، ونحو هذا ، ثم قال عليه‌السلام ، إن قوما كانوا يصبحون فيقولون : صلينا البارحة

____________________

(١) السمعة في الاصل ما يسمع من صيت أو ذكر حسن وهي فعلة بمعنى مفعولة وفي عرف المحدثين والمتشرعة ما يفعل من العبادات ليسمعه الناس أي يذكرونه بالخير والجميل قيل : والفرق بينها وبين الرئاء ، أن الرياء هو التظاهر بما يخالف الباطن والسمعة هي إظهار ما يوافق الباطن بقصد الشهرة.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٩٢ وقوله يسمع الله به من باب التفعيل يقال : سمع بالرجل : أذاع عنه عيبا وندد به وشهره وفضحه.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٨٦.

(٤) النجم : ٣٣.

٣٢٣

وصمنا أمس ، فقال علي عليه‌السلام ، لكني أنام الليل والنهار ، ولو أجد بينهما شيئا لنمته (١).

ين : ابن أبي عمير وفضالة ، عن جميل مثله.

٤ ـ دعوات الراوندي : روي أن عابدا في بني إسرائيل سأل الله تبارك وتعالى فقال : يارب ما حالي عندك؟ أخير فأزداد في خيري أو شر فاستعتبك قبل الموت؟ قال : فأتاه آت فقال له : ليس لك عند الله خير ، قال : يارب وأين عملي؟ قال : كنت إذا عملت خيرا أخبرت الناس به ، فليسى لك منه إلا الذي رضيت به لنفسك تمام الخبر.

٥ ـ عدة الداعي : روى المفسرون عن ابن جبير قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله فيذكر مني وأحمد عليه ، فيسرني ذلك وأعجب به ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقل شيئا فنزل قوله تعالى : «قل إنما أنا بشر مثلكم» إلى قوله : «أحدا» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام قال : من عمل حسنة سرا كتبت له سرا فاذا أقر بها محيت وكتبت جهرا ، فاذا أقر بها ثانيا محيت وكتبت رئاء (٣).

____________________

(١) معاني الاخبار : ٢٤٣.

(٢) الكهف : ١١٠.

(٣) عدة الداعي : ١٦٢.

٣٢٤

١١٩

( باب )

* «( ذم الشكاية من الله ، وعدم الرضا بقسم الله ، والتأسف بما فات )» *

الايات : النساء : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما (١).

يوسف : وقال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون (٢).

١ ـ ب : هارون ، عن ابن صدقة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من شكى إلى أخيه فقد شكى إلى الله ، ومن شكا إلى غير أخيه فقد شكا الله (٣).

٤ ـ مع : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أحب السبحة إلى الله عزوجل سبحة الحديث وأبغض الكلام إلى الله عزوجل التحريف ، قيل : يا رسول الله ما سبحة الحديث؟ قال : الرجل يسمع حرص الدنيا وباطلها فيغتم عند ذلك فيذكر الله عزوجل ، وأما التحريف فكقول الرجل : إني مجهود ومالي وما عندي؟ (٤).

٣ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبي معاوية الاشتر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من شكى إلى مؤمن فقد شكا إلى الله عزوجل ، ومن شكا إلى مخالف فقد شكا

____________________

(١) النساء : ٣٢.

(٢) يوسف : ٨٦.

(٣) قرب الاسناد : ٥٢.

(٤) معاني الاخبار : ٢٥٨.

٣٢٥

الله عزوجل (١).

٤ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن النعمان بن أحمد القاضي ، عن محمد بن شعبة ، عن حفص بن عمر بن ميمون ، عن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن الباقر عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كثر همه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه ، ومن لاحى الرجال سقطت مروته وذهبت كرامته ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يزل جبرئيل ينهاني عن ملاحاة الرجال كما ينهاني عن شرب الخمر وعبادة الاوثان (٢).

٥ ـ ل : الاربعمائة قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إذا ضاق المسلم فلا يشكون ربه عزوجل ، وليشك إلى ربه الذي بيده مقاليد الامور وتدبيرها (٣).

٦ ـ لي : في خبر مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من لم يرض بما قسم الله له من الرزق ، وبث شكواه ، ولم يصبر ولم يحتسب ، لم ترفع له حسنة ، ويلقى الله وهو عليه غضبان إلا أن يتوب (٤).

٧ ـ لي : عن ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد العلوي ، عن أحمد بن القاسم عن أبي هاشم الجعفري قال : أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن علي ابن محمد عليهما‌السلام فأذن لي ، فلما جلست قال : يا هاشم أي نعم الله عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟ قال أبوهاشم : فوجمت (٥) ولم أدر ما اقول له ، فابتدأ عليه‌السلام فقال : رزقك الايمان فحرم به بدنك على النار ، ورزقك العافية فأعانك على الطاعة ، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل ، يا باهاشم إنما ابتدأتك بهذا لاني ظننت أنك تريد أن تشكو إلى من فعل بك هذا ، وقد أمرت لك بمائة

____________________

(١) معاني الاخبار : ٤٠٧.

(٢) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٢٥.

(٣) الخصال ج ٢ ص ١٦٢.

(٤) أمالي الصدوق : ٢٥٦.

(٥) وجم الرجل وجوما : سكت وعجز عن التكلم من كثرة الغم والخوف.

٣٢٦

دينار فخذها (١).

٨ ـ لي : عن ابن الوليد ، عن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ابن علي الخزاز ، عن الرضا عليه‌السلام قال : قال عيسى بن مريم للحواريين : يا بني إسرائيل لا تأسوا على مافاتكم من دنياكم إذا سلم دينكم ، كما لا يأسي أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا سلمت دنياهم (٢).

٩ ـ ن : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط عن سليم مولى طربال ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الدنيا دول فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك أتاك ولم تمتنع منه بقوة ، ثم أتبع هذا الكلام بأن قال : من يئس مما فات أراح بدنه ، ومن قنع بما اوتي قرت عينه (٣).

١٠ ـ محص : عن يونس بن عمار قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام قال : أيما مؤمن شكا حاجته وضره إلى كافر أو من يخالفه على دينه ، فانما شكا الله إلى عدو من أعداء الله ، وأيما مؤمن شكا حاجته وضره وحاله إلى مؤمن مثله كانت شكواه إلى الله عزوجل.

١٠ ـ نهج : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى اللة. ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله (٤).

١١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن داود الرقي عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عزوجل : إن من عبادي المؤمنين عبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغنا والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغنا والسعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم ، وإن من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة والسقم في

____________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٤٨.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٩٧.

(٤) لم نجده في العيون ، وروى مثله الشيخ في أماليه ج ١ ص ٢٢٩ بسند آخر.

(٥) نهج البلاغة الرقم ٤٢٧ من الحكم.

٣٢٧

أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فيصلح عليهم أمر دينهم ، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين.

وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضر به بالنعاس الليلة والليلتين ، نظرا مني إليه وإبقاء عليه ، فينام حتى يصبح ، فيقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها ، ولو اخلى بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك ، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن انه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حد التقصير ، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي.

فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي ، فانهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي ، والنعيم في جناتي ، ورفيع درجات العلى في جواري ولكن فبرحمتي فليثقوا ، وبفضلي فليفرحوا ، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تداركهم ، ومني يبلغهم رضواني ، ومغفرتي تلبسهم عفوي فاني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت (١).

توضيح : الغنا بالكسر والقصر وبالفتح والمد ضد الفقر ، والسعة بالفتح والكسر مصدر وسعه الشئ بالكسر يسعه سعة وهي تأكيد للغنا أو المراد بها كثرة الغنا ، وقد مر تأويل الاختبار مرارا فظهر أن اختلاف أحوالهم مبني على اختبارهم فيختبر بعضهم بالغنا ليظهر شكره أو كفرانه ، ولعلمه بأنه أصلح لدينه ، وبعضهم بالفقر ليظهر شكره أو شكايته ، ولعلمه بأنه أصلح لدينه ، وهكذا ، وبالجملة يختبر كلا منهم بما هو أصلح لدينه ودنياه.

والرقاد بالضم النوم أو هو خاص بالليل ، والوساد بالفتح المتكأ والمخدة كالوسادة مثلثة ، وإضافة اللذيذ إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ، والاجتهاد السعي والجد في العبادة ، والليالي منصوب بالظرفية «فأضر به النعاس» كأنه على الاستعارة

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٠.

٣٢٨

أي اسلطه عليه أو هو نظير قوله تعالى «فضربنا على آذانهم» (١) قال الراغب : الضرب إيقاع شئ على شئ : ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرهم كضرب الشئ باليد والعصا وضرب الارض بالمطر وضرب الدراهم اعتبارا بضربه بالمطرقة والضرب في الارض الذهاب فيه لضربها بالارجل ، وضرب الخيمة لضرب أوتادها وقال «ضربت عليهم الذلة» (٢) أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة لو ضربت عليه ومنه استعير «فضربنا على آذانهم» وضرب اللبن بعضه ببعض بالخلط (٣).

وفي القاموس نظر لهم رثى لهم وأعانهم ، وفي النهاية أبقيت عليه أقى إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه والاسم البقيا ، وقال : المقت أشد البغض وقال : زريت عليه زراية إذا عتبته.

والعجب ابتهاج الانسان وسروره بتصور الكمال في نفسه وإعجابه بأعماله بظن كمالها وخلوصها ، وهذا من أقبح الادواء النفسانية وأعظم الافات للاعمال الحسنة حتى روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب ، ولا ينشأ ذلك إلا من الجهل بآفات النفس وأدوائها ، وبشرائط الاعمال ومفسداتها ، وعظمة المعبود وجلاله ، وغنائه من طاعة المخلوقين «فيصيره العحب إلى الفتنة بأعماله أي إلى أن يفتتن بها ويحبها ويراها كاملة فائقة على أعمال غيره أو إلى الضلالة أو الاثم بسبب أعماله والاول أظهر.

قال في القاموس : الفتنة بالكسر إعجابك بالشئ ، والضلال ، والاثم ، والكفر والفضيحة ، والعذاب ، والمحنة.

« فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي» لانها وإن كانت كاملة فهي في جنب عظمة المعبود ناقصة ، وفي جنب الثواب الذي يرجونه قاصرة وكأن في العبارة إشعارا بذلك ، وأيضا قد عرفت أن شرائط الاعمال وآفاتها كثيرة يخفى أكثرها على الانسان ، وفى دلالة على جواز العمل بقصد الثواب كما

____________________

(١) الكهف : ١١.

(٢) البقرة : ٦١ ، آل عمران ١١٢.

(٣) المفردات : ٢٩٥.

٣٢٩

مر تحقيقه.

«فيما يطلبون» أي في جنب ما يطلبونه «عندي» وهي كرامتهم علي في الدنيا والاخرة ، وقربهم عندي «في جواري» مجاورة رحمتي أو مجاورة أوليائي أو في أماني «ولكن فبرحمتي» وفي مجالس الشيخ (١) «برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا» وفي غيره «ومن فضلي فليرجوا» وما في الكتاب أنسب بقوله تعالى : «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا» (٢) والباء متعلقة بفعل يفسره ما بعده ، والفاء لمعنى الشرط ، كأنه قيل إن وثقوا بشئ فبرحمتي فليثقوا.

«وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا» أي ينبغي أن يروا أعمالهم قاصرة ، ويظنوا بسعة رحمته وعفوه قبولها «فان رحمتي عند ذلك تداركهم» أي تتلافاهم بحذف إحدى التائين وفي المجالس وغيره «تدركهم» قال الجوهري ، الادراك اللحوق واستدركت ما فات وتداركته بمعنى وتدارك القوم أي تلاحقوا «ومني» بالفتح أي نعمتي «يبلغهم رضواني» أي يوصلهم إليه ، وفي المجالس «وبمني ابلغهم رضواني والبسهم عفوي» وفي فقه الرضا عليه‌السلام «ومنتي تبلغهم ورضواني ومغفرتي تلبسهم» (٣).

١٣ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن النعمان ، عن عمرو بن نهيك بياع الهروي قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام قال الله عزوجل : عبدي المؤمن لا أصرفه في شئ إلا جعلته خيرا له فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، أكتبه يا محمد من الصديقين عندي (٤).

____________________

(١) راجع أمالي الطوسي ج ١ ص ١٦٨ و ٢١٥.

(٢) يونس : ٥٨.

(٣) اخرجه المؤلف العلامة تارة في ج ٧٠ ص ٣٨٩ وتارة في ج ٧١ ص ١٤٦ فراجع.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦١.

٣٣٠

بيان : «بياع الهروي» أي بياع الثوب المعمول في هراة بخراسان «لا أصرفه في شئ» بالتخفيف وكأن «في» بمعنى «إلى» كقوله تعالى : «وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن» (١) أو على بناء التفعيل ، يقال : صرفته في الامر تصريفا فتصرف قلبته فتقلب ، والصديق الكثير الصدق في الاقوال والافعال بحيث يكون فعله لقوله موافقا ، أو الكثير التصديق للانبياء المتقدم في ذلك على غيره.

١٤ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية عن داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن فيما أوحى الله عزوجل إلى موسى ابن عمران عليه‌السلام : يا موسى بن عمران ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن فاني إنما أبتليه لما هو خير له واعافيه لما هو خير له وازوي عنه لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضاي وأطاع أمري (٢).

بيان : البلاء يكون في الخير والشر والاول هنا أظهر قال في النهاية : قال القتيبي : يقال من الخير أبليته ابليه إبلاء ، ومن الشر بلوته أبلوه بلاء والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر معا من غير فرق بين فعليهما ومنه قوله تعالى «ونبلوكم بالشر والخير فتنة» (٣) وقال في حديث الدعاء : وما زويت عني مما أحب أي صرفته عني وقبضته انتهى.

١٥ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن فضيل بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله عزوجل له قضاء إلا كان خيرا له ، وإن قرض بالمقاريض كان خيرا له ، وإن ملك مشارق الارض ومغاربها كان خيرا له (٤).

____________________

(١) الاحقاف : ٢٩.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦١.

(٣) الانبياء : ٣٥.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٦٢.

٣٣١

بيان : «للمرء المسلم» كأن المراد بالمسلم المعنى الاخص أي المؤمن المنقاد لله وربما يقرأ بالتشديد من التسليم «وإن قرض» على بناء المجهول من باب ضرب أو على بناء التفعيل للتكثير والمبالغة ، في المصباح قرضت الشئ قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين ، والمقراض أيضا بكسر الميم ، والجمع مقاريض ولا يقال : إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة ، وإنما يقال عند اجتماعهما : قرضته قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين ، وفي الواحد قطعته بالمقراض انتهى.

«وإن ملك» على بناء المجرد المعلوم من باب ضرب ، أو على بناء المفعول من التفعيل ، وربما يحمل التعجب هنا على المجاز إظهارا لغرابة الامر وعظمه فانه محل التعجب ، وأما التعجب حقيقة فلا يكون إلا عند خفاء الاسباب ، وهي لم تكن مخفية عليه عليه‌السلام.

١٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن سنان ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أحق خلق الله أن يسلم لما قضى الله عزوجل من عرف الله عزوجل ، ومن رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم الله أجره ، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره (١).

بيان : «أن يسلم» بفتح الهمزة بتقدير الباء أي بان يسلم على بناء التفعيل ويحتمل الافعال ، «بما قضى الله» أي من البلايا والمصائب وتقتير الرزق ، وأمثال ذلك مما ليس فيه اختيار ، «وعظم الله أجره» الضمير راجع إلى القضاء ، فالمراد بالاجر العوض على طريقة المتكلمين لا الثواب الدائم ، ويحتمل رجوع الضمير إلى «من» فالاجر يشملهما أي ثواب الرضا وأجر القضاء أو الاعم منهما أيضا فان الصفات الكمالية تصير سببا لتضاعف أجر سائر الطاعات أيضا.

وكذا قوله عليه‌السلام : «أحبط الله أجره» يحتمل الوجوه وقيل : يحتمل أن يكون المراد به إحباط ثواب الرضا وإحباط أجر القضاء أيضا ، ويؤيد الاول ما روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة صبر

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٢.

٣٣٢

أو لم يصبر.

١٧ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : الايمان أربعة أركان ، الرضا بقضاء الله والتوكل على الله ، وتفويض الامر إلى الله ، والتسليم لامر الله (١).

بيان : «الايمان أربعة أركان» أي مركب منها أوله هذه الاربعة ، وعليها بناؤه واستقراره فكأنه عينها.

١٨ ـ كا : عن علي : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن بعض أشياخ بني النجاشي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : رأس (٢) طاعة الله الصبر ، والرضا عن الله فيما أحب العبد أو كره ، ولا يرضى عبد عن الله فيما أحب أو كره إلا كان خيرا له فيما أحب أو كره (٣).

بيان : «رأس طاعة الله» أي أشرفها أو ما به بقاؤها ، فشبه الطاعة بانسان وأثبت له الرأس ، في القاموس : الرأس معروف وأعلا كل شئ وسيد القوم ، وفي بعض الروايات «كل طاعة الله».

«فيما أحب» أي العبد مثل الصحة والسعة والامن «أو كره» كالسقم والضيق «إلا كان» أي ما قضاه الله بقرينة المقام فان الرضا عن الله هو الرضا بقضائه وإرجاعه إلى الرضا بعيد والرضا به لا ينافي الفرار عنه والدعاء لدفعه لانهما أيضا بأمره وقضائه سبحانه.

١٩ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ابن مسكان عن ليث المرادي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزوجل (٤).

توضيح : يدل على أن الرضا بالقضاء تابع للعلم والمعرفة ، وأنه قابل للشدة والضعف مثلهما ، وذلك لان الرضا مبني على العلم بأنه سبحانه قادر

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص. ٤٧ (٢) وفي بعض النسخ : كل طاعة الله.

(٣ ـ ٤) الكافي ج ٢ ص ٦٠.

٣٣٣

قاهر عدل حكيم لطيف بعباده لا يفعل بهم إلا الاصلح ، وأنه المدبر للعالم ، وبيده نظامه ، فكلما كان العلم بتلك الامور أتم ، كان الرضا بقضائه أكمل وأعظم. وأيضا الرضا من ثمرات المحبة ، والمحبة تابعة للمعرفة ، فبعد حصول المحبة لا يأتي من محبوبه إليه شئ إلا كان أحلى من كل شئ.

٢٠ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن يحيى بن إبراهيم ، عن عاصم بن حميد ، عن الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضى عن الله فيما قضى عليه فما أحب أو كره لم يقض الله عزوجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له (١).

بيان : مضمونه موافق لحديث بعض الاشياخ ، فان قوله عليه‌السلام : «ومن صبر ورضى» الخ المراد به أن الصبر والرضا وقعا موقعهما فان المقضي عليه لا محالة خير له ، لا أنه إذا لم يصبر ولم يرض لم يكن خيرا له ، ولو حمل على هذا الوجه واعتبر المفهوم يحتمل أن يكون الرضا سببا لمزيد الخيرية ، ولو لم يكن إلا الاجر المترتب على الصبر والرضا لكفى في ذلك مع أنه قد جرب أن الراضي بالسوء من القضاء تتبدل حاله سريعا من الشدة إلى الرخاء.

وقيل : لابد من القول بأن المفهوم غير معتبر ، أو القول بان ما قضاه الله شر له لفقده أجر الصبر والرضا ، أو في نظره ، بخلاف الصابر والراضي ، فانه خير في نظرهما وفي الواقع.

٢١ ـ كا : عن العدة : عن سهل ، عن البزنظي ، عن صفوان الجمال ، عن أبي الحسن الاول عليه‌السلام قال : ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ، ولا يتهمه في قضائه (٢).

٢٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، قال : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : الزهد عشرة أجزاء

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٠.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦١.

٣٣٤

أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع ، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا (١).

بيان : يدل على أن للزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها مراتب تنتهي أعلاها إلى أدنى درجات الورع ، أي ترك المحرمات والشبهات ، وله أيضا مراتب تنتهي أعلاها إلى أدنى درجات الرضا بقضاء الله ، فهو أعلى درجات القرب والكمال.

٢٣ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن أسباط عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لقى الحسن بن علي عليهما‌السلام عبدالله بن جعفر فقال : يا عبدالله كيف يكون المؤمن مؤمنا وهو يسخط قسمه ويحقر منزلته والحاكم عليه الله ، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له (٢).

توضيح : «كيف» للانكار «مؤمنا» أي كاملا في الايمان مستحقا لهذا الاسم «وهو» الواو للحال «يسخط قسمه» القسم بالكسر وهو النصب أو بالفتح مصدر قسمه كضربه أو بكسر القاف وفتح السين جمع قسمة بالكسر مصدرا أيضا وعلى الاول الضمير البارز راجع إلى المؤمن وعلى الاخيرين إما راجع إليه أيضا بالاضافة إلى المفعول ، أو إلى الله.

«ويحقر منزلته» الضمير راجع إلى المؤمن أيضا أي يحقر منزلته التي أعطاه الله إياها بين الناس ، في المال والعزة وغيرهما ، وقيل : أي منزلته عند الله لانه تعالى جعل ذلك قسما له لرفع منزلته ، فتحقير القسم السبب لها تحقير لها وما ذكرنا أظهر ، ويمكن إرجاعه إلى القسم أو إلى الله بالاضافة إلى الفاعل «والحاكم عليه الله» الواو للحال ، وضمير عليه للمؤمن أو للقسم ، وقيل : «الحاكم» عطف على «منزلته» و «الله» بدل عن الحاكم أي يحقر الحاكم عليه ، وهو الله لان تحقير حكم الحاكم تحقير له ، ولا يخفى بعده. وفي القاموس : هجس الشئ في صدره يهجس خطر بباله أو هو أن يحدث نفسه في صدره مثل الوسواس ويدل

____________________

(١ ـ ٢) الكافي ج «ص ٦٢.

٣٣٥

على أن الرضا بالقضاء موجب لاستجابة الدعاء.

٢٤ ـ كا : عن العدة : عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن سنان ، عمن ذكره عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : بأي شئ يعلم المؤمن بأنه مؤمن؟ قال : بالتسليم لله ، والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط (١).

بيان : بأنه مؤمن أي متصف بكمال الايمان» بالتسليم «أي في أحكامه وأوامره ونواهيه» فيما ورد عليه «أي من قضاياه وتقديراته.

١٢٠

( باب )

*« ( اليأس من روح الله ، والامن من مكر الله ) » *

الايات : الاعراف : أفأمنوا مكرالله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون (٢).

هود : ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه أنه ليؤس كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور * إلا الذين صبروا وعملو الصالحات اولئك لهم مغفرة وأجر كبير (٣).

يوسف : يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (٤).

الحجر : قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون (٥).

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٦٢.

(٢) الاعراف : ٩٩.

(٣) هود ١٠ ١١.

(٤) يوسف : ٨٧.

(٥) الحجر : ٥٥ و ٥٦.

٣٣٦

أسرى : وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونآى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا (١).

الشعراء : إن هذا إلا خلق الاولين * وما نحن بمعذبين (٢).

وقال تعالى : أتتزكون فيما ههنا آمنين (٣).

وقال : فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين العنكبوت : والذين كفروا بآيات الله ولقائه اولئك يئسوا من رحمتي (٥). وقال تعالى : فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين (٦).

الروم : وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون (٧).

وقال تعالى : وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين (٨).

المؤمن : يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الارض إلى قوله تعالى : وقال الذين آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الاحزاب إلى قوله : يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم (٩).

السجدة : وإن مسه الشر فيؤس قنوط (١٠).

الطور : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم (١١).

تفسير : «رحمة» أي نعمة «ثم نزعناه» أي سلبناه منه «إنه ليؤس» شديد

____________________

(١) أسرى : ٨٣. (٢) الشعراء : ١٣٨ و ١٣٩.

(٣) الشعراء : ١٤٦. (٤) الشعراء : ١٨٧.

(٥) العنكبوت : ٢٣. (٦) العنكبوت : ٢٩.

(٧) الروم : ٣٦. (٨) الروم : ٤٩.

(٩) المؤمن : ٢٩ ٣٣.

(١٠) السجدة : ٤٩.

(١١) الطور : ٤٤.

٣٣٧

اليأس قنوط من أن تعود إليه تلك النعمة المنزوعة ، قاطع رجاءه من سعة فضل الله «كفور» عظيم الكفران لنعمه «ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته» كصحة بعد سقم ، وغنى بعد عدم ، وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى «ليقولن ذهب السيئات عني» أي المصائب التي ساءتني واحزنتني «إنه لفرح» أشر بطر مغتر بها «فخور» على الناس بما أنعم الله عليه ، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر والقيام بحقها.

١ ـ مع : عن الصادق عليه‌السلام ناقلا عن حكيم : اليأس من روح الله أشد بردا من الزمهرير (١).

٢ ـ ما : عن الحسين بن علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد المقري ، عن يعقوب بن إسحاق ، عن عمر بن عاصم ، عن معمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عثمان النهدي ، عن جندب الغفاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن رجلا قال يوما : والله لايغفر الله لفلان ، قال الله عزوجل : من ذا الذي تألى على أن لا أغفر لفلان ، فاني قد غفرت لفلان وأحبطت عمل المتألي بقوله : لا يغفر الله لفلان (٢).

٣ ـ نوادر الراوندي : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يبعث الله المقنطين يوم القيامة مغلبة وجوههم ، يعني غلبة السواد على البياض ، فيقال لهم : هؤلاء المقنطون من رحمة الله تعالى (٣).

____________________

(١) معاني الاخبار : ١٧٧.

(٢) أمالي الطوسي ج ١ ص ٥٧.

(٣) نوادر الراوندي ص ١٨.

٣٣٨

١٢١

( باب )

* ( كفران النعم ) *

الايات : يونس : وإذا مس الانسان الضر دعا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون (١).

وقال سبحانه : وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضرا مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون * هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجائهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلما أنجيهم إذا هم يبغون في الارض بغير الحق ، يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحيوة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون (٢).

هود : ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه أنه ليؤس كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني أنه لفرح فخور * إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة وأجر كبير (٣).

إبراهيم : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار (٤).

وقال تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار (٥).

النحل : وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فاليه تجأرون *

____________________

(١) يونس ١٢. (٢) يونس : ٢١ ٢٣.

(٣) هود : ١١٩. (٤) إبراهيم : ٢٨ و ٢٩.

(٥) إبراهيم : ٣٤.

٣٣٩

ثم إذا كشف الضرعنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون (١).

وقال تعالى : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون إلى قوله تعالى : أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون (٢).

وقال تعالى : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون (٣).

وقال تعالى : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون (٤).

أسرى : وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجيكم إلى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا * أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا * أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة اخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا (٥).

الكهف : واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا * كلتا الجنتين آتت اكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما اظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لا جدن خيرا منها منقلبا * قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا * لكنا هو الله ربي ولا اشرك بربي أحدا * ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا * فعسى ربي أن يؤتين

____________________

(١) النحل : ٥٣ ٥٥.

(٢) النحل : ٧١ ٧٢. (٣) النحل : ٨٣.

(٤) النحل : ١١٢. (٥) أسرى : ٦٧ ٦٩.

٣٤٠