بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وحياة لغيرهما من الناس ، إذا علموا أن القصاص واجب لا يجسرون على القتل مخافة القصاص «يا اولي الالباب» اولى العقول «لعلكم تتقون».

ثم قال عليه‌السلام : عباد الله هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا وتفنون روحه ألا ابنئكم باعظم من هذا القتل وما يوجبه الله على قاتله مما هو أعظم من هذا القصاص؟ قالوا : بلى يا ابن رسول الله قال : أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلا لا ينجبر ولا يحيى بعده أبدا ، قالوا : ما هو؟ قال : أن يضله عن نبوة محمد وعن ولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ، ويسلك به غير سبيل الله ويغريه باتباع طرائق أعداء علي عليه‌السلام والقول بامامتهم ، ودفع علي عن حقه وجحد فضله وألا يبالي باعطائه واجب تعظيمه فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نار جهنم (١).

٨ ـ ل : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد ابن إبراهيم النوفلي ، عن الحسين بن المختار باسناده يرفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ملعون ملعون من كمه أعمى ، ملعون ملعون من عبد الدينار والدرهم ، ملعون ملعون من نكح بهيمة (٢).

مع : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن ابن يزيد ، عن محمد بن إبراهيم النوفلي مثله.

ثم قال الصدوق : قوله : «من كمه أعمى» يعني من أرشد متحيرا في دينه إلى الكفر وقرره في نفسه حتى اعتقده ، وقوله : «من عبد الدينار والدرهم» يعني به من يمنع زكاة ماله ويبخل بمواساة إخوانه ، فيكون قد آثر عبادة الدينار والدرهم على عبادة خالقه (٣).

أقول : قد مضت أخبار كثيرة في باب البدع والمقاييس في ذلك.

____________________

(١) الاحتجاج ص ١٧٤.

(٢) الخصال : ج ١ ص ٦٤.

(٣) معاني الاخبار ص ٤٠٢.

٢٢١

٩ ـ سن : عدة من أصحابنا ، عن ابن أسباط ، عن عمه يعقوب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من اجترأ على الله في المعصية وارتكاب الكبائر فهو كافر ، ومن نصب دينا غير دين الله فهو مشرك (١).

١٠ ـ شي : عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : «ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة» (٢) يعني ليستكملوا الكفر يوم القيامة «ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم» يعني كفر الذين يتولونهم قال الله : «ألا ساء ما يزرون» (٣).

١١١

( باب )

* «( من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره )» *

الايات : البقرة : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (٤).

تفسير : «أتأمرون الناس بالبر» في تفسير الامام عليه‌السلام أي بالصدقات وأداء الامانات «وتنسون أنفسكم» أي تتركونها «وأنتم تتلون الكتاب» أي التوراة الامرة لكم بالخيرات الناهية عن المنكرات «أفلا تعقلون» ما عليكم من العقاب في أمركم بما به لا تأخذون ، وفي نهيكم عما أنتم فيه منهمكون.

نزلت في علماء اليهود ورؤسائهم المردة المنافقين المحتجنين أموال الفقراء المستأكلين للاغنياء ، الذين كانوا يأمرون بالخير ويتركونه ، وينهون عن الشر ويرتكبونه (٥).

____________________

(١) المحاسن ص ٢٠٩.

(٢) النحل : ٢٥.

(٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٥٧.

(٤) البقرة : ٤٤.

(٥) تفسير الامام ص ١١٣.

٢٢٢

أقول : في القاموس احتجن المال ضمه واحتواه.

وقال علي بن إبراهيم : نزلت في الخطباء والقصاص وهو قول أميرالمؤمنين عليه‌السلام : وعلى كل منبر خطيب مصقع يكذب على الله وعلى رسوله وعلى كتابه (١).

وفي المجمع عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مررت ليلة اسري بي على اناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم (٢).

وفي مصباح الشريعة عن الصادق عليه‌السلام قال : من لم ينسلخ من هواجسه ، ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ، ولم يهزم الشيطان ، ولم يدخل في كنف الله وأمان عصمته ، لا يصلح للامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لانه إذا لم يكن بهذه الصفة فكلما أظهر يكون حجة عليه ، ولا ينتفع الناس به ، قال تعالى : «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم» ويقال له : يا خائن أتطالب خلقي بما خنت به نفسك ، وأرخيت عنه عنانك (٣).

١ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يوسف البزاز ، عن المعلى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم عمل بغيره (٤).

بيان : «من وصف عدلا» أي بين للناس أمرا حقا موافقا لقانون العدل أو أمرا وسطا غير مائل إلى إفراط أو تفريط ولم يعمل به ، أو وصف دينا حقا ولم يعمل بمقتضاه كما إذا إدعى القول بامامة الائمة عليهم‌السلام ولم يتابعهم قولا وفعلا ويؤيد الاول قوله عليه‌السلام : «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»

____________________

(١) تفسير القمي ص ٣٨.

(٢) مجمع البيان ج ١ ص ٩٨.

(٣) مصباح الشريعة ص ٤٢.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٩٩.

٢٢٣

وقوله سبحانه : «لم تقولون مالا تفعلون» (١) وما ورى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : مررت ليلة اسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقارض من نار ، فقلت : من أنتم؟ قالوا : كنا نأمر بالخير ولا نأتيه ، وننهي عن الشر ونأتيه ، ومثله كثير.

٢ ـ كا : عن محمد ، عن أحمد ، عن ابن عيسى ، عن ابن سنان ، عن قتيبة الاعشى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، أنه قال : من أشد الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا وعمل بغيره (٢).

٣ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن من أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا وخالفه إلى غيره (٣).

بيان : وإنما كانت حسرته أشد لوقوعه في الهلكة مع العلم ، وهو أشد من الوقوع فيها بدونه ، ولمشاهدته نجاة الغير بقوله ، وعدم نجاته به ، وكان أشديه العذاب والحسرة بالنسبة إلى من لم يعلم ولم يعمل ولم يأمر ، لا بالنسبة إلى من علم ولم يفعل ولم يأمر ، لان الهداية وبيان الاحكام وتعليم الجهال والامر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها واجبة كما أن العمل واجب ، فاذا تركهما ترك واجبين ، وإذا ترك أحدهما ترك واجبا واحدا.

لكن الظاهر من أكثر الاخبار بل الايات اشتراط الوعظ والامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعمل ، ويشكل التوفيق بينها وبين سائر الايات والاخبار الدالة على وجوب الهداية والتعليم ، والنهي عن كتمان العلم ، وعلى أي حال الظاهر أنها لا تشمل ما إذا كان له مانع من الاتيان بالنوافل مثلا ، ويبين للناس فضلها وأمثال ذلك.

٤ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن

____________________

(١) الصف : ٢.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٠.

٢٢٤

عبدالله بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال في قول الله عزوجل : «فكبكبوا فيها هم والغاوون» (١) قال : يا بابصير هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره (٢).

بيان : «فكبكبوا» أقول : قبلها في الشعراء «وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أينما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون» وفسر المفسرون «ما كنتم تعبدون» بآلهتهم «فكبكبوا فيها هم والغاوون» قالوا : أي الالهة وعبدتهم ، والكبكبة تكرير الكب لتكرير معناه كأن من القى في النار ينكب مرة بعد اخرى حتى يستقر في قعرها.

قوله عليه‌السلام : هم قوم أي ضمير «هم» المذكور في الاية راجع إلى قوم أو «هم» ضمير راجع إلى مدلولهم في الاية ، والمعنى إن المراد بالمعبودين في بطن الاية المطاعون في الباطل ، كقوله تعالى : «ان لا تعبدوا الشيطان» (٣) وهم قوم وصفوا الاسلام ، ولم يعملوا بمقتضاه ، كالغاصبين للخلافة حيث ادعوا الاسلام ، وخالفوا الله ورسوله في نصب الوصي ، وتبعهم جماعة ، وهم الغاوون ، أو وصفوا الايمان وادعوا اتصافهم به ، وخالفوا الائمة الذين ادعوا الايمان بهم ، وغيروا دين الله ، وأظهروا البدع فيه ، وتبعهم الغاوون.

ويحتمل أن يكون «هم» راجعا إلى الغاوين ، فهم في الاية راجع إلى عبدة الاوثان أو معبوديهم أيضا لكنه بعيد عن سياق الايات السابقة ، وقال علي بن إبراهيم بعد نقل هذه الرواية مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : وفي خبر آخر : قال : هم بنو امية «والغاوون» بنو فلان أي بنو العباس (٤).

٥ ـ كا : عن محمد ، عن أحمد ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن علي

____________________

(١) الشعراء : ٩٤.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٣٠٠ ، ومثله في المحاسن ص ١٢٠.

(٣) يس : ٦٠.

(٤) تفسير القمي ص ٤٧٣.

٢٢٥

ابن عطية ، عن خيثمة قال : قال لي أبوجعفر عليه‌السلام : أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند الله إلا بعمل ، وأبلغ شيعتنا أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم يخالفه إلى غيره (١).

بيان : ما عند الله أي من المثوبات والدرجات والقربات.

١١٢

( باب )

* «( الاستخفاف بالدين ، والتهاون بأمر الله )» *

الايات : الكهف : ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما انذروا هزوا (٢).

طه : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما (٣).

الروم : ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بايات الله وكانوا بها يستهزؤن (٤).

الصافات : بل عجبت ويسخرون * وإذا ذكروا لا يذكرون * وإذا رأوا آية يستسخرون * وقالوا إن هذا إلا سحر مبين (٥).

ص : وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار (٦).

الزخرف : فلما جائهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون (٧).

الجاثية : وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين (٨).

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٠٠.

(٢) الكهف : ٥٦. (٣) طه : ١١٥.

(٤) الروم : ١٠. (٥) الصافات : ١٥١٢.

(٦) ص : ٦٢ ٦٣. (٧) الزخرف : ٤٧.

(٨) الجاثية : ٩.

٢٢٦

وقال تعالى : وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن إلى قوله تعالى : ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحيوة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون (١).

النجم : أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وأنتم سامدون (٢).

١ ـ ل : ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن عمه ، عن محمد بن زياد ، عن ابن عميرة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إن لولد الزنا علامات أحدها بغضنا أهل البيت وثانيها أنه يحن إلى الحرام الذي خلق منه ، وثالثها الاستخفاف بالدين ، ورابعها سوء المحضر للناس ، ولا يسئ محضر إخوانه إلا من ولد على غير فراش أبيه إو حملت به امه في حيضها (٣).

٢ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إني أخاف عليكم استخفافا بالدين وبيع الحكم؟ وقطيعة الرحم ، وأن تتخذوا القرآن مزامير ، تقدمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين (٤).

٣ ـ ثو : عن أبيه ، عن سعد ، عن جعفر بن محمد بن عبدالله ، عن عبدالله بن ميمون ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إياكم والغفلة ، فانه من غفل فانما يغفل عن نفسه ، وإياكم والتهاون بأمر الله عزوجل ، فانه من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة (٥).

____________________

(١) الجاثية : ٣٣ ٣٥.

(٢) النجم : ٥٩ ٦١.

(٣) الخصال ج ١ ص ١٠٢.

(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ٤٢.

(٥) ثواب الاعمال ص ١٨٤.

٢٢٧

سن : جعفر بن محمد الاشعري ، عن القداح مثله (١).

٤ ـ سن : النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له.

١١٣

( باب )

* «( الاعراض عن الحق والتكذيب به )» *

الايات : البقرة : فان تولوا فانما هم في شقاق (٢).

آل عمران : ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون (٣).

وقال : فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين (٤).

وقال : فان تولوا فان الله عليم بالمفسدين (٥).

وقال : فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (٦).

الانعام : وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين * فقد كذبوا بالحق فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن (٧).

وقال تعالى : انظر كيف نصرف الايات ثم هم يصدفون (٨).

وقال تعالى : فمن أظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (٩).

التوبة : وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والاخرة ومالهم

____________________

(١) المحاسن ص ٩٦. (٢) البقرة : ١٣٧.

(٣) آل عمران : ٢٣. (٤) آل عمران : ٣٢.

(٥ و ٦) آل عمران : ٦٣ و ٦٤. (٧) الانعام : ٤ و ٥.

(٨) الانعام : ٤٦.

(٩) الانعام : ١٥٧.

٢٢٨

من ناصرين (١).

هود : وإن تولوا فاني أخاف عليكم عذاب يوم كبير (٢).

الحجر : وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين (٣).

طه : إنا قد اوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى إلى قوله تعالى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى (٤).

وقال تعالى : من أعرض عنه فانه يحمل يوم القيمة وزرا (٥).

الانبياء : بل أكثرهم لا يعلمون الحق ، فهم معرضون (٦).

الحج : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفانبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير (٧).

المؤمنون : قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون إلى قوله تعالى : بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون (٨).

الفرقان : فقد كذبتم فسوف يكون لزاما (٩).

الشعراء : وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين * فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما به يستهزؤن (١٠).

وقال تعالى : فكذبوه فاهلكناهم إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين (١١).

____________________

(١) براءة : ٧٤. (٢) هود : ٣.

(٣) الحجر : ٨١. (٤) طه : ٤٨ ٥٦.

(٥) طه : ١٠٠. (٦) الانبياء : ٢٤.

(٧) الحج : ٧٢. (٨) المؤمنون : ٦٦ ٧١.

(٩) الفرقان : ٧٧. (١٠) الشعراء : ٥ و ٦.

(١١) الشعراء : ٨.

٢٢٩

وقال تعالى : فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة (١).

النمل : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (٢).

العنكبوت : وإن تكذبوا فقد كذب امم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين (٣).

لقمان : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا فبشره بعذاب اليم (٤).

وقال تعالى : وما يجحد باياتنا إلا كل ختار كفور (٥).

فاطر : وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جائتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير * ثم اخذت الذين كفروا فكيف كان نكير (٦).

وقال تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جائهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الامم فلما جائهم نذير ما زادهم إلا نفورا (٧).

يس : وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (٨).

ص : قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون (٩).

المؤمن : كذلك يؤفك الذين كانوا بايات الله يجحدون إلى قوله تعالى : ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون * الذين كذبوا بالكتاب ربما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون (١٠).

____________________

(١) الشعراء : ١٨٩. (٢) النمل : ١٤.

(٣) العنكبوت : ١٨. (٤) لقمان : ٧.

(٥) لقمان : ٣٢. (٦) فاطر : ٢٥ ٢٦.

(٧) فاطر : ٤٢.

(٨) يس : ٤٦.

(٩) ص : ٦٧ ٦٨.

(١٠) المؤمن : ٦٣ ٧٠.

٢٣٠

الجاثية : ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم (١).

محمد : إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملي لهم (٢).

ق : بل كذبوا بالحق لما جائهم فهم في أمر مريج (٣).

الطور : فويل يومئذ للمكذبين * الذين هم في خوض يلعبون (٤).

الرحمن : فبأي آلاء ربكما تكذبان (٥)؟

نوح : رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا (٦).

الجن : ومن يعرف عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا (٧).

المدثر : وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين إلى قوله تعالى : فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة (٨).

المرسلات : ويل يومئذ للمكذبين (٩).

العلق : أرأيت إن كذب وتولى * ألم يعلم بأن الله يرى * كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية * ناصية كاذبة خاطئة * فليدع نادية * سندع الزبانية (١٠).

١ ـ قس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى :

____________________

(١) الجاثية : ٧ ٨. (٢) القتال : ٢٥.

(٣) ق : ٥. (٤) الطور : ١١ ١٢.

(٥) في آيات عديدة. (٦) نوح : ٥ ٧.

(٧) الجن : ١٧. (٨) المدثر : ٤٥ ٥١.

(٩) في آيات عديدة.

(١٠) العلق : ١٣ ١٨.

٢٣١

«وخاب كل جبار عنيد» (١) قال : العنيد المعرض عن الحق (٢).

٢ ـ جا : بالاسناد إلى أبي قتادة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إن الحق منيف فاعملوا به ، ومن سره طول العافية فليتق الله (٣).

٣ ـ ف : عن أبي محمد عليه‌السلام قال : ما ترك الحق عزيز إلا ذل ولا أخذ به ذليل إلا عز (٤).

١١٤

( باب )

* «( الكذب وروايته وسماعه )» *

الايات : المائدة : ومن الذين هادوا سماعون للكذب إلى قوله تعالى : يحرفون الكلم من بعد مواضعه إلى قوله تعالى : سماعون للكذب (٥).

التوبة : فأعقبهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (٦).

النحل : وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون (٧).

الكهف : إن يقولون إلا كذبا (٨).

الحج : واجتبنوا قول الزور (٩).

الاحزاب : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في

____________________

(١) إبراهيم : ١٥. (٢) تفسير القمي : ٣٤٤.

(٣) مجالس المفيد : (٤) تحف العقول : ٤٨٩ في ط.

(٥) المائدة : ٤٢٤١. (٦) براءة : ٧٧.

(٧) النحل : ٦٢. (٨) الكهف : ٥.

(٩) الحج : ٣٠.

٢٣٢

المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا (١).

الزمر : إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار (٢).

المؤمن : إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب (٣).

الجاثية : ويل لكل أفاك أثيم (٤).

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم عن إسحاق بن عمار ، عن أبي النعمان قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : يا با النعمان لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية ، ولا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا ، ولا تستأكل الناس بنا فتفتقر ، فانك موقوف لامحالة ومسؤل ، فان صدقت صدقناك وإن كذبت كذبناك (٥).

بيان : «كذبة» أي كذبة واحدة فكيف الاكثر ، والكذب الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه ، سواء طابق الاعتقاد أم لا ، على المشهور ، وقيل : الصدق مطابقة الاعتقاد ، والكذب خلافه وقيل الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد معا والكذب خلافه ، والكلام فيه يطول ، ولا ريب في أن الكذب من أعظم المعاصي وأعظم أفراده وأشنعها الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة عليهم‌السلام.

«فتسلب الحنيفية» الحنيفية مفعول ثان لتسلب أي الملة المحمدية المائلة عن الضلالة إلى الاستقامة ، أو من الشدة إلى السهولة ، أي خرج عن كمال الملة والدين ولم يعمل بشرايطها لا أنه يخرج من الملة حقيقة ، وقد مر نظائره ، أو هو محمول على ما إذا تعمد ذلك ، لاحداث بدعة في الدين ، او للطعن على الائمة الهادين.

____________________

(١) الاحزاب : ٦٠.

(٢) الزمر : ٣.

(٣) المؤمن : ٢٨.

(٤) الجاثية : ٧.

(٥) الكافي : ج ٢ ص ٣٣٨.

٢٣٣

وفي النهاية الحنيف المائل إلى الاسلام ، الثابت عليه ، والحنيفية عند العرب من كان على دين إبراهيم وأصل الحنف الميل ، ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة انتهى.

والكذب يصدق على العمد والخطا ، لكن الظاهر أن الاتم يتبع العمد والكذب عليهم يشمل افتراء الحديث عليهم ، وصرف حديثهم إلى غير مرادهم والجزم به ، ونسبة فعل إليهم لا يرضون به ، أو ادعاء مرتبة لهم لم يدعوها كالربوبية وخلق العالم ، وعلم الغيب ، أو فضلهم على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمثال ذلك أو نسبة ما يوجب النقص إليهم كفعل ينافي العصمة وأشباهه.

«ولا تطلبن أن تكون راسا فتكون ذنبا» الفاء متفرع على الطلب وهو يحتمل وجوها :

الاول : أن يكون الذنب كناية عن الذل والهوان عند الله وعند الصالحين من عباده.

الثاني : أن يكون المراد به التاخر في الاخرة عمن طلب الرياسة عليهم وقد نبه على ذلك بتشبيه حسن وهو أن الركبان المترتبين الذاهبين في طريق إذا بدا لهم الرجوع أو اضطروا إليه يقع لضيق الطريق لا محالة المتأخر متقدما والمتقدم متأخرا ، وكذا القطيع من الغنم وغيره إذا رجعوا ينعكس الترتيب.

الثالث : أن يكون المعنى تكون ذنبا وذليلا ولا يتحصل مرادك في الدنيا أيضا فان الطالب لكل مرتبة من مراتب الدنيا يصير محروما منها غالبا ، والهارب من شئ منها تدركه.

الرابع : أن يكون المعنى أن الرياسة في الدنيا لاوساط الناس ، لا يكون إلا بالتوسل برئيس أعلى منه إما في الحق أو في الباطل ، ولما كان في غير دولة الحق لا يمكن التوسل بأهل الحق في ذلك ، فلابد من التوسل بأهل الباطل فيكون ذنبا وتابعا لهم ومن أعوانهم وأنصارهم ، محشورا في الاخرة معهم لقوله تعالى : «احشروا الذين ظلموا وازواجهم» (١) إلا أن يكون ماذونا من قبل إمام الحق خصوصا أو عموما ، ويفعل

____________________

(١) الصافات : ٢٢.

٢٣٤

ذلك بنيابتهم على الوجه الذي أمروا به ، وهذا في غاية الندرة ، وأكثر الوجوه مما خطر بالبال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وربما يقرء «ذئبا» بالهمزة بدل النون أي آكلا للناس أموالهم ، وهو مخالف للنسخ المضبوطة.

«ولا تستأكل الناس بنا» أي لا تطلب أكل أموال الناس بوضع الاخبار الكاذبة فينا ، أو بافتراء الاحكام ونسبتها إلينا «فتفتقر» أي في الدنيا والاخرة والاخير أنسب بما هنا ، لكن كان في ما مضى «ولا تقل فينا مالا نقول في أنفسنا فإنك موقوف».

٢ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن مهران ، عن ابن عميرة ، عمن حدثه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول لولده : اتقوا الكذب الصغير منه والكبير ، في كل جد وهزل ، فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترئ على الكبير ، أما علمتم أن رسول الله قال : ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا ، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا (١).

بيان : في المصباح جد في الامر يجد جدا من باب ضرب وقتل اجتهد فيه والاسم الجد بالكسر ، ومنه يقال فلان محسن جدا أي نهاية ومبالغة في الكلام جدا من باب ضرب هزل ، والاسم منه الجد بالكسر أيضا ، والاول هو المراد هنا للمقابلة ، وهزل في كلامه هزلا من باب ضرب مزح ولعب والفاعل هازل وهزال مبالغة ، والظاهر أن كل واحد من الجد والهزل متعلق بالصغير والكبير وتخصيص الاول بالصغير ، والثاني بالكبير بعيد.

وظاهره حرمة الكذب في الهزل أيضا ويؤيده عمومات النهي عن الكذب مطلقا ولم أذكر تصريحا من الاصحاب في ذلك ، وروي من طريق العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك فويل له ثم ويل له ، وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمزح ولا يقول إلا حقا ولا يؤذي قلبا ولا يفرط فيه.

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٣٨.

٢٣٥

فالمزاح على حد الاعتدال مع عدم الكذب والاذى لا حرج فيه بل هو من خصال الايمان ولا ريب أن ترك الكذب في المزاح إذا لم يكن من المعاريض المجوزة التي يكون مقصود القائل فيها حقا كما سيأتي أولى وأحوط ، لكن الحكم بالتحريم بمجرد هذه الاخبار مشكل ، لا سيما إذا لم يترتب عليه مفسدة ويظهر خلافه قريبا ، وإنما المقصود محض المطايبة فان أكثر هذه الاخبار مسوقة لبيان مكارم الاخلاق والزجر عن مساويها أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة محرمة أو مكروهة ، والمراد بالكبير إما الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة عليهم‌السلام كما سيأتي أنها من الكبائر أو الاعم منها ومما تعظم مفسدته وضرره على المسلمين وقوله «اجترئ على الكبير» أي على الكبير من الكذب بأحد المعنيين أو الكبير من المعاصي أعم من الكذب وغيره ، فان الكذب كثيرا ما يؤدي إلى ذنوب غيره كما أن الصدق يؤدي إلى البر والعمل الصالح حتى يكتب صديقا.

ويخطر بالبال وجه آخر : وهو أن يكون المراد بالكبير الرب العليم القدير أي لا تجتر على الكذب الصغير بأنه صغير فانه معصية الله ، ومعصية الكبير كبيرة وما سيأتي بالاول أنسب قال الراغب الصديق من كثر من الصدق ، وقيل بل يقال ذلك : لمن لم يكذب قط ، وقيل بل لمن لا يأتي منه الكذب لتعوده الصدق وقيل من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ، والصديقون هم قوم دون الانبياء في الفضيلة ، وقيل : لعل معنى يكتب على ظاهره ، فانه يكتب في اللوح المحفوظ أو في دفتر الاعمال أو في غيرهما أن فلانا صديق وفلانا كذاب ليعرفهما الناظرون إليه بهذين الوصفين ، أو معناه يحكم لهما بذلك أو يوجب لهما استحقاق الوصف بصفة الصديقين وثوابهم ، وصفة الكذابين وعقابهم ، أو معناه أنه يلقي ذلك في قلوب المخلوقين ويشهره بين المقربين.

٣ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل جعل للشر

٢٣٦

أقفالا وجعل مفاتيح تلك الاقفال الشراب والكذب شر من الشراب (١).

بيان : الشر في الاول صفة مشبهة وفي الثاني أفعل التفضيل ، والمراد بالشراب جميع الاشربة المسكرة ، وكان المراد بالاقفال الامور المانعة من ارتكاب الشرور من العقل وما يتبعه ويستلزمه من الحياء من الله ومن الخلق والتفكر في قبحها وعقوباتها ومفاسدها الدنيوية والاخروية ، والشراب يزيل العقل ، وبزوالها ترتفع جميع تلك الموانع ، فتفتح جميع الاقفال ، وكأن المراد بالكذب الذي هو شر من الشراب ، الكذب على الله وعلى حججه عليهم‌السلام فانه تالى الكفر وتحليل الاشربة المحرمة ثمرة من ثمرات هذا الكذب فان المخالفين بمثل ذلك حللوها.

وقيل : الوجه فيه أن الشرور التابعة للشراب تصدر بلا شعور ، بخلاف الشرور التابعة للكذب وقد يقال : الشر في الثاني أيضا صفة مشبهة و «تعليله والمعنى أن الكذب أيضا شر ينشأ من الشراب ، لئلا ينافي ماسيأتي في كتاب الاشربة أن شرب الخمر أكبر الكبائر.

٣ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحسن الصيقل قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إنا قد روينا عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول يوسف عليه‌السلام :« أيتها العير إنكم لسارقون » (٢) فقال : والله ما سرقوا وماكذب ، وقال إبراهيم» بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون » (٣) فقال : والله ما فعلوا وما كذب.

قال : فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما عندكم فيها يا صيقل؟ قال : قلت : ما عندنا فيها إلا التسليم ، قال : فقال : إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين وأحب الكذب في الاصلاح ، وأبغض الخطر في الطرقات ، وأبغض الكذب

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٣٣٨.

(٢) يوسف : ٧٠.

(٣) الانبياء : ٦٣.

٢٣٧

في غير الاصلاح ، إن إبراهيم عليه‌السلام إنمال قال : «بل فعله كبيرهم هذا» إرادة الاصلاح ودلالة على أنهم لا يعقلون ، وقال يوسف عليه‌السلام : إرادة الاصلاح (١).

بيان : «في قول يوسف عليه‌السلام» هذا لم يكن قول يوسف عليه‌السلام وإنما كان قول مناديه ، ونسب إليه لوقوعه بأمره ، والعير بالكسر الابل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة ، «وقال إبراهيم عليه‌السلام» عطف على الجملة السابقة بتقدير روينا وقيل : قال : هنا مصدر فان القال والقيل مصدران كالقول فهو عطف على «قول يوسف». «بل فعله كبيرهم» اريد بالكبير الكبير في الخلقة أوا لتعظيم ، قيل كانت لهم سبعون صنما مصطفة ، وكان ثمة صنم عظيم مستقبل الباب من ذهب في عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ، ولعل إرجاع الضمير المذكر العاقل إلى الاصنام من باب التهكم أو باعتبار أنها تعقل وتفهم وتجيب بزعم عبادها.

وأما ضمير الجمع في قوله «والله ما فعلوا» فراجع إلى الكبير ، باعتبار إرادة الجنس الشامل للتعدد ولو فرضا ، أو إلى الاصنام للتنبيه على اشتراك الجميع في عدم صلاحية صدور ذلك الفعل منه ، وقيل : إنما أتى بالجمع لمناسبة ما سرقوا أو مبنى على أن الفعل الصادر عن أحد من الجماعة قد ينسب إلى الجميع نحو قوله تعالى : «فنادته الملائكة» (٢) بناء على أن المنادي جبرئيل فقط ، وقيل : ويمكن أن يكون إرجاع ضمير «فاسئلوهم» أيضا من هذا القبيل إذ لو كان المقصود نطق كل واحد في الزمان المستقبل ، تكون زيادة «كانوا» في المضارع لغوا ، وإن كان العرض النطق في الزمان الماضي لا يترتب عليه صحة السؤال ، إذ لا يلزم من جواز نطقهم قبل الكسر جواز ذلك بعده.

«أحب الخطر في ما بين الصفين» في النهاية يقال خطر البعير بذنبه يخطر أذا رفعه وحطه إنما يفعل ذلك عند الشبع والسمن ومنه حديث مرحب فخرج يخطر بسيفه يهزه معجبا بنفسه متعرضا للمبارزة ، أو أنه كان يخطر في

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١ ٣٤.

(٢) آل عمران : ٣٩.

٢٣٨

مشيته أي يتمايل ويمشي مشية المعجب ، وسيفه في يده أي كان يخطر سيفه معه.

«إرادة الاصلاح» لعل المراد إرادة إصلاح حال قومه برجوعهم عن عبادة الاصنام ، وجه الدلالة أن العاقل إذا تفكر في نسبة الكسر إليها وعلم أنه لا يصح ذلك إلا من ذي شعور عاقل قادر وعلم أن هذه الاوصاف منتقية منها وعلم أنها لا تقدر على دفع الاستخفاف والضرر من أنفسها علم أنها ليست بمستحقة للالوهية والعبادة ، ويكون ذلك داعيا إلى الرجوع عنهاورفض العبادة لها.

وللعلماء فيه وجوه اخرى

الاول : أنه من المعاريض التي يقصد بها الحق وإلزام الخصم وتبكيته فلم يكن قصده عليه‌السلام أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم وإنما قصد أن يقرره لنفسه على اسلوب تعريضي مع الاستهزاء والتبكيت كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق : أنت كتبت؟ فقلت : بل كتبته أنت ، كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته لصاحبك الامي والتعرض مما يجوز عقلا ونقلا لمصلحة جلب نفع أو دفع ضرر أو استهزاء في موضعه ونحوها.

الثاني : أنه عليه‌السلام غاظته الاصنام حين رآها مصطفة مزينة ، وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم وتوقيرهم له ، فأسند الفعل إليه ، لانه هو السبب في استهانته وكسره لها والفعل كما يسند إلى المباشر يسند إلى السبب أيضا.

الثالث : أن ذلك حكاية لما يقود إليه مذهبهم كأنه قال : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فان من حق من يعبد ويدعي إليه أن يقدر على أمثال هذه الافعال لا سيما الكبير الذي يستنكف أن يعبد معه هذه الصغار.

الرابع : ما وري عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله : «بل فعله» ثم يبتدئ «كبيرهم هذا» أي فعله من فعله وهذا من باب التورية إذ له ظاهر وباطن ، وباطنه ما ذكر ، وظاهره إسناد الفعل إلى الكبير ، وفهمهم تعلق به ومراده عليه‌السلام

٢٣٩

هو الباطن.

الخامس : ما روي عن بعضهم أنه كان يقف عند قوله : «كبيرهم» ثم يبتدئ بقول : «هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون» وأراد بالكبير نفسه ، لان الانسان أكبر من كل صنم ، وهذا أيضا من باب التورية وقيل : إنه يتم بدون الوقف أيضا بأن يكون هذا إشارة إلى نفسه المقدسة ، والمغايرة بين المشير والمشار إليه كاف بحسب الاعتبار.

السادس : إن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون فاسئلوهم فيكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطا بكونهم ناطقين ، فلما لم يكونوا ناطقين لم يكونوا فاعلين ، والغرض منه تسفيه القوم وتقريعهم وتوبيخهم لعبادة من لا يسمع ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر من نفسه بشئ.

ويؤيده ما روي في كتاب الاحتجاج أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل في قصة إبراهيم : «قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون» قال : ما فعله كبيرهم ، وما كذب إبراهيم ، قيل : وكيف ذلك فقال : إنما قال : إبراهيم فاسئلوهم إن كانوا ينطقون ان نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا ، فما نطقوا وما كذب إبراهيم (١).

وقال البيضاوي : وما روي أن لابراهيم عليه‌السلام ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته.

«وقال يوسف عليه‌السلام إرادة الاصلاح» كأن المراد الاصلاح بينه وبين إخوته في حبس أخيه بنيامين عنده ، وإلزامهم ذلك بحيث لا يكون لهم محل منازعة ولم يتيسر له ذلك إلا بأمرين : أحدهما نسبة السرقة وثانيهما التمسك بحكم آل يعقوب في السارق ، وهو استرقاق السارق سنة ، وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ما سرق ، فلم يتمكن من أخذ أخيه في دين الملك ، فلذلك أمر فتيانه بأن يدسوا الصاع في رحل أخيه وأن ينسبوا السرقة إليه ون يستفتوا في

____________________

(١) الاحتجاج ص ١٩٤.

٢٤٠