بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

والبترية هم أصحاب كثير النوا والحسن بن صالح بن حي وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبوالمقدام ثابت الحداد ، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه‌السلام ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ، ويثبتون لهما أمامتهما ، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب عليه‌السلام يذهبون في ذلك إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ويثبتون لكل من خرج من ولد علي بن أبي طالب عليه‌السلام عند خروجه الامامة (١).

٩ ـ دلائل الامامة للطبري الامامي : عن حسن بن معاذ الرضوي ، عن لوط بن يحيى الازدي ، عن عمارة بن زيد الواقدي قال : حج هشام بن عبدالملك ابن مروان سنة من السنين ، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر ، وابنه جعفر بن محمد عليهم‌السلام فقال جعفر بن محمد في بعض كلامه : الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ، وأكرمنا به ، فنحن صفوة الله على خلقه ، وخيرته من عباده ، فالسعيد من اتبعنا ، والشقي من عادانا وخالفنا ومن الناس من يقول : إنه يتولانا وهو يوالي أعداءنا ، ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم أعداؤنا فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به.

قال أبوعبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام فاخبر مسيلمة [بن عبدالملك] أخاه بما سمع ، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق ، وانصرفنا إلى المدينة ، فانفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه ، فأشخصنا فلما وردنا دمشق حجبنا ثلاثة أيام ثم أذن لنا في اليوم الرابع ، فدخلنا وإذا هو قد قعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطين متسلحين ، وقد نصب البرجاس (٢) حذاه وأشياخ قومه يرمون.

____________________

(١) رجال الكشي ص ٢٠٢.

(٢) البرجاس : بالضم : غرض في الهواء يرمي به وأظنه مولدا قاله الجوهري وقال في برهان قاطع : البرجاس بضم الباء وسكون الجيم والالف الممدوة : الغرض مطلقا كان في الهواء ، أو منصوبا في الارض ، والعرب تخصه بالاول ويسمى الثاني هدفا.

١٨١

فلما دخلنا وأبي أمامي يقدمني عليه بدأه وأنا خلفه على يد أبي (١) حتى حاذيناه فنادى أبي : يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض وإنما أراد أن يهتك بأبي وظن أنه يقصر ويخطئ ، ولا يصيب إذا رمى ، فيشتفي منه بذلك ، فقال له أبي : قد كبرت عن الرمي فان رأيت إن تعفيني فقال : وحق من أعزنا بدينه ونبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا اعفيك ثم أومى إلى شيخ من بني امية أن أعطه قوسك.

فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال : أجدت يا با جعفر! وأنت أرمى العرب والعجم كلا زعمت أنك قد كبرت عن الرمي ، ثم أدركته ندامة على ما قال ، وكان هشام لم يكن أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهم به وأطرق إطراقة يرتوي فيه رأيا ، وأبي واقف بحذاه. مواجها له ، وأنا وراء أبي.

فلما طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهم به ، وكان أبي عليه وعلى آبائه السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يتبين للناظر الغضب في وجهه ، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له : يا محمد اصعد! فصعد أبي إلى سريره وأنا أتبعه فلما دنى من هشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له : يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش مادام فيهم مثلك ، لله درك من علمك هذا الرمي ، وفي كم تعلمته؟ فقال له أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أميرالمؤمنين مني ذلك عدت فيه.

فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت ، وما ظننت إن في الارض

____________________

(١) في المصدر المطبوع : ما زال يستدنينا منه حتى حاذيناه وجلسنا قليلا فقال لابي : يا أبا جعفر لو رميت مع أشياخ قومك الغرض وإنما أراد أن يضحك بأبي ظنا منه الخ. وهكذا بين النسختين اختلافات.

١٨٢

أحدا يرمي مثل هذا الرمي ، أين رمي جعفر من رميك؟ فقال : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام والدين إذ أنزل الله على نبيه في قوله : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا» (١) والارض لا تخلو ممن يكمل هذه الامور التي يقصر عنها غيرنا.

قال : فلما سمع ذلك من أبى انقلبت عينه اليمنى فأحولت واحمر وجهه وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه فقال لابي : ألسنا بني عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي : نحن كذلك. ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص به أحدا غيرنا ، فقال : اليس الله جل ثناؤه بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها؟ من أين ورثتم ما ليس لغيركم ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة وذلك قول الله تبارك وتعالى : «وما من غائبة في السماء والارض» إلى آخر الاية (٢) فمن أين ورثتم هذا العلم؟ وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء؟ فقال : من قوله تعالى لنبيه : «لا تحرك به لسانك لتعجل به» (٣) [ فالذي أبداه فهو للناس كافة و ] الذي لم يحرك به لسانه أمر الله أن يخصنا به من دون غيرنا ، فلذلك كان يناجى أخاه عليا من دون أصحابه ، وأنزل الله بذلك قرآنا في قوله : « وتعيها اذن واعية ٣ (٤) فقال رسول الله صلى عليه عليه وآله لاصحابه : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي فلذلك قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالكوفة : علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ، خصه به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكنون سره فكما خص الله أكرم الخلق عليه كذلك خص نبيه أخاه عليا من مكنون سره وعلمه بما لم يخص به أحدا من قومه ، حتى صار إلينا ، فتوارثنا من دون أهلها.

فقال هشام بن عبدالملك : إن عليا كان يدعي علم الغيب ، والله لم يطلع

____________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) النمل : ٧٥ ، والمصدر خال من ذكر الاية وسيأتي.

(٣) القيامة : ١٦. (٤) الحاقة : ١٢.

١٨٣

على غيبه أحدا فمن أين ادعى ذلك؟ فقال أبي : إن الله جل ذكره أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله : «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ» (١) «وهدى وموعظة للمتقين» وفي قوله : «كل شئ أحصيناه في إمام مبين» (٢) وفي قوله : «وما فرطنا في الكتاب من شئ» (٣) وفي قوله : «وما من غائبة في السماء والارض إلا في كتاب مبين» (٤) وأوحى الله إلى نبيه عليه‌السلام أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شئ إلا يناجي به عليا ، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ، ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لاصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي فانه مني وأنا منه ، له مالي وعليه ما علي ، وهو قاضي ديني ومنجز موعدي.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تاويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي عليه‌السلام ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه : أقضاكم علي. أي هو قاضيكم وقال عمر بن الخطاب : لولا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره.

فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال : سل حاجتك ، فقال : خلفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي ، فقال : قد آمن الله وحشتهم برجوعك إليهم ، ولا تقم أكثر من يومك ، فاعتنقه أبي ودعا له وودعه ، وفعلت أنا كفعل أبي ، ثم نهض ونهضت معه ، وخرجنا إلى بابه ، وإذا ميدان ببابه ، وفي آخر الميدان اناس قعود عدد كثير.

____________________

(١) النحل : ٨٩ ، وذيلها : «وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين» وفي سورة آل عمران : «هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين» ولعله سقط ذيل الاولى و صدر الثانية.

(٢) يس : ١٢. (٣) الانعام : ٣٨.

(٤) النمل : ٧٥.

١٨٤

قال أبي : من هؤلاء؟ قال الحجاب : هؤلاء القسيسون والرهبان ، وهذا عالم لهم يقعد اليهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم ، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه ، وفعلت أنا فعل أبي ، فاقبل نحوهم حتى قعد نحوهم ، وقعدت وراء أبي ، ورفع ذلك في الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي.

فاقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه فجاء إلى صدر المجلس ، فقعد فيه وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم فأدار نظره ثم قال لابي : أمنا أم من هذه الامة المرحومة؟ فقال أبي : بل من هذه الامة المرحومة فقال : من أين أنت من علمائها أم من جهالها؟ فقال له أبي : لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال له : أسالك؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعون من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن امه ، يطعم ولا يحدث ، قال : فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ثم قال : كلا زعمت إنك ليست من علمائها ، فقال له أبي : ولا من جهالها (١) وأصحاب هشام يسمعون ذلك؟

فقال لابي : أسألك عن مسألة اخرى؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة ، عند جميع أهل الجنة ، لا تنقطع ، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي أن قرآننا (٢) أبدا غض طري موجود غير معدوم عند جميع المسلمين لا ينقطع ، فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال : كلا زعمت إنك لست من علمائها فقال له أبي : ولا من جهالها.

فقال : أسألك عن مسألة؟ فقال له : سل قال : أخبرني عن ساعة من ساعات

____________________

(١) في المصدر : فقال أبي : قلت لست من جهالها : وهكذا فيما ياتي.

(٢) في المصدر : الفرات.

١٨٥

الدنيا ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار ، فقال له أبي : هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يهدأ فيها المبتلي ، ويرقد فيها الساهر ، ويفيق المغمي عليه ، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين ، وفي الاخرة للعاملين لها ، ودليلا واضحا وحجابا بالغا على الجاحدين المنكرين التاركين لها.

قال : فصاح النصراني صيحة ثم قال : بقيت مسألة واحدة ، والله لاسألنك عن مسألة لا تهتدي إلى الجواب عنها أبدا فأسألك؟ فقال له أبي : سل فانك حانث في يمينك ، فقال : أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد ، عمر أحدهما خمسون ومائة سنة ، والاخر خمسون سنة في دار الدنيا.

فقال له أبي : ذلك عزير وعزرة ولدا في يوم واحد ، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عاما مر عزير على حماره راكبا على قرية بأنطاكيه ، وهي خاوية على عروشها ، فقال : أنى يحيى الله هذه بعد موتها ، وقد كان اصطفاه وهداه فلما قال ذلك القول ، غضب الله عليه فأماته الله مائه عام سخطا عليه بما قال ، ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه.

فعاد إلى داره. وعزرة أخوه لا يعرفه ، فاستضافه فاضافه ، وبعث إلى ولد عزرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سن ابن خمس وعشرين سنة ، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ، ويقولون ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور ، ويقول له عزرة وهوشيخ ابن مائة وخمس وعشرين سنة ما رأيت شابا في سن خمس وعشرين سنه أعلم بما كان بيني وبين أخي عزيز أيام شبابي منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الارض؟ فقال عزير لاخيه عزرة : أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني ، فاماتني مائة سنة ، ثم بعثني ليزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شئ قدير ، وها هو حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله لي كما كان يعيدها فأيقنوا ، فأعاشه الله بينهم خمسا وعشرين سنه ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد.

١٨٦

فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقام النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم : جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى يهتكني ويفضحني ويعلم المسلمون أن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لاكلمتكم من رأسي كلمة ولا قعدت لكم أن عشت سنة.

فتفرقوا وأبي قاعد مكانه ، وأنا معه ، ورفع ذلك الخبرإلى هشام بن عبدالملك فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه فوافانا رسول هشام بالجايزة ، وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ، ولا نحتبس لان الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بين أبي وبين عالم النصارى.

فركبنا دوابنا منصرفين ، وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين بل هو الكذاب لعنه الله فيما يظهران من الاسلام وردا علي فلما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية فكرهت أن انكل بهما لقرابتهما ، فاذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس : برئت الذمة ممن يشاريهم أو يبايعهم أو يصافحهم أو يسلم عليهم ، فانهما قد ارتدا عن الاسلام ، ورأى أميرالمؤمنين أن يقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما أشر قتلة.

قال : فورد البريد إلى مدينة مدين ، فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا له منزلا ، ويشتروا لدوابنا علفا ، ولنا طعاما ، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا ، وشتمونا وذكروا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقالوا : لا نزول لكم عندنا ، ولا شري ولا بيع ، يا كفار! يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين.

فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ، ولين لهم القول ، وقال لهم اتقوا الله ولا تغلطون ، فلسنا كما بلغكم ، ولا نحن كما تقولون ، فاسمعونا (١)

____________________

(١) أي شتمونا.

١٨٧

فقال أبي : فهبنا كما تقولون ، افتحوا لنا الباب ، وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس ، فقالوا : أنتم أشر من اليهود والنصارى والمجوس ، لان هؤلاء يؤدون الجزية ، وأنتم ما تؤدون ، فقال لهم أبي : افتحوا لنا الباب وأنزلونا ، وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم ، فقالوا : لا نفتح ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا مياعا (١) وتموت دوابكم تحتكم.

فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا قال : فثنى أبي برجله عن سرجه وقال لي : مكانك يا جعفر لا تبرح ، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين ، وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع؟ فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وحده ثم وضع أصبعيه في اذنيه ، ثم نادى باعلا صوته :

«وإلى مدين أخاهم شعيبا» إلى قوله : «بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين» (٢) نحن والله بقية الله في أرضه. فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والنساء والصبيان ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح وأبي مشرف عليهم ، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى باعلا صوته : اتقوا الله يا أهل مدين ، فانه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليه‌السلام حين دعى على قومه فان أنتم لم تفتحوا الباب ولم تنزلوه ، جائكم من العذاب وأتى عليكم ، وقد أعذر من أنذر.

ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا وكتب العامل بجميع ذلك إلى هشام ، فارتحلنا في اليوم الثاني فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطموه (٣) فاخذوه

____________________

(١) لعله اتباع كما يقال : كثير بثير ، وشزر مزر ، وأكثر ما يكون بلا واو.

(٢) هود : ٨٤ ٨٦.

(٣) يعني أن يأخذوه ويدفنوه في حفيرة حيا ، كما هو نص المصدر.

١٨٨

فطموه رحمة الله عليه وصلواته ، وكتب إلى عامل المدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي شئ من ذلك (١).

١٠٥

( باب )

* «( جوامع مساوي الاخلاق )» *

الايات : المائدة : وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون (٢).

الانفال : ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط (٤).

الرعد : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار (٤).

الكهف : ومن أظلم ممن ذكر بايات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا (٥).

ق : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد * مناع للخير معتد مريب * الذي جعل مع الله إلها آخر فالقياه في العذاب الشديد (٦).

١ ـ ل : العطار ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن ابن أبي عثمان ، عن أحمد بن عمر ، عن يحيى الحلبي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام

____________________

(١) دلائل الامامة ص ١٠٤ ١٠٨ ط النجف.

(٢) المائدة : ٦٢. (٣) الانفال : ٤٧.

(٤) الرعد : ٢٥.

(٥) الكهف : ٥٧.

(٦) ق : ٢٤ ٢٦.

١٨٩

يقول : لا يطمعن ذو الكبر في الثناء الحسن ، والخب في كثرة الصديق ، ولا السيئ الادب في الشرف ، ولا البخيل في صلة الرحم ، ولا المستهزئ بالناس في صدق المودة ، ولا القليل الفقه في القضاء ، ولا المغتاب في السلامة ، ولا الحسود في راحة القلب ، ولا المعاقب على الذنب الصغير في السؤدد ، ولا القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة (١).

٢ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن أسلم الجبلي باسناده يرفعه إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل يعذب ستة بست : العرب بالعصبية ، والدهاقة بالكبر ، والامراء بالجور ، والفقهاء بالحسد ، والتجار بالخيانة ، واهل الرستاق بالجهل (٢).

سن : أبي ، عن داود النهدي ، عن ابن أسباط ، عن الحلبي رفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام مثله (٣).

ختص : عن أبي عبدالله ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام مثله (٤).

٣ ـ ل : أبي وابن الوليد معا ، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا ، عن الاشعري ، عن جعفر بن محمد بن عبيدالله ، عن أبي يحيى الواسطي عمن ذكره أنه قال لابي عبدالله عليه‌السلام : أترى هذا الخلق كله من الناس؟ فقال : ألق منهم التارك المسواك. والمتربع في موضع الضيق ، والداخل فيما لايعنيه ، والمماري فيما لا علم له به ، والتمرض من غير علة ، والمتشعث من غير مصيبة ، والمخالف على أصحابه في الحق ، وقد اتفقوا عليه ، والمفتخر يفتخر بآبائه وهو خلو من صالح أعمالهم فهو بمنزلة الخليج (٥) يقشر لحاء عن لحاء حتى يوصل إلى جوهريته

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٥٣.

(٢) الخصال : ج ١ ص ١٥٨.

(٣) المحاسن : ص ١٠.

(٤) الاختصاص : ٢٣٤.

(٥) شجر كالطرفاء حبه كالخردل.

١٩٠

وهو كما قال الله عزوجل : «إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا» (١).

سن : أبي ، عن أبي الحسن الواسطي عمن ذكره مثله (٢).

٤ ـ ل : أبي ، عن أحمد بن إدريس عن الاشعري. عن موسى بن جعفر عن ابن معبد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتعوذ في كل يوم من ست : من الشك والشرك والحمية والغضب والبغي والحسد (٤).

٥ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني جبرئيل عليه‌السلام إن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ، ما يجدها عاق ولاقاطع رحم ، ولا شيخ زان ، ولا جار إزاره خيلاء (٤) ، ولا فتان ، ولا منان ولا جعظري ، قال : قلت : فما الجعظري؟ قال : الذي لا يشبع من الدنيا وفي حديث آخر : ولا حيوف وهو النباش ، ولا زنوف وهو المخنث ، ولا جواض ولا جعظري وهو الذي لا يشبع من الدنيا (٥).

٦ ـ ل : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن الفارسي ، عن الجعفري ، عن عبدالله بن الحسين بن زيد ، عن أبيه ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله عزوجل لما خلق الجنة خلقها من لبنتين : لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وجعل حيطانها الياقوت ، وسقفها الزبرجد ، وحصاؤها اللؤلؤ

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٣٩.

(٢) المحاس ص ١١.

(٣) الخصال ج ١ ص ١٦٠.

(٤) الازار : حلة واسعة كانوا يعقدونها على أوساطهم سترا للفرج والفخذ ، وربما لبسوا حلة طويلة من دون ان يقطعوها حلتين (ازارا ورداء) ويجرون الزائد منها على الارض تكبرا وتعظما وخيلاء.

(٥) معاني الاخبار ص ٣٣٠.

١٩١

وترابها الزعفران ، والمسك الاذفر ، فقال لها : تكلمي! فقالت : لا إله إلا أنت الحي القيوم ، قد سعد من يدخلني فقال الله عزوجل : بعزتي وعظمتي وجلالي وارتفاعي لا يدخلها مدمن خمر ولا سكير ولا قتات وهو النمام ، ولا ديوث وهو القلطبان ، ولا قلاع وهو الشرطي ، ولا زنوق وهو الخنثى ، ولا خيوف وهو النباش ، ولا عشار ، ولا قاطع رحم ، ولا قدري (١).

٧ ـ ل : أبي وابن الوليد معا ، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار معا عن الاشعري ، عن محمد بن الحسين رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا سكير ولا عاق ولا شديد السواد ولا ديوث ولا قلاح وهو الشرطي ولا زنوق وهو الخنثى ، ولا خيوف وهو النباش ولا عشار ولا قاطع رحم ولا قدري.

قال الصدوق رضي‌الله‌عنه : يعني الشديد الذي لا يبيض شئ من شعر راسه ولا من شعر لحيته من كبر السن ويسمى الغربيب (٢).

٨ ـ لي : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن هاشم ، عن الدهقان ، عن درست ، عن ابن سنان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : لا تمزح فيذهب نورك. ولا تكذب فيذهب بهاؤك ، وإياك وخصلتين : الضجر والكسل ، فانك إن ضجرت لم تصبر على حق وإن كسلت لم تؤد حقا ، قال عليه‌السلام : وكان المسيح عليه‌السلام يقول : من كثر همه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه ، ومن لاحا الرجال ذهبت مروته (٣).

٩ ـ ل : عن أبيه ، عن محمد العطار وأحمد بن إدريس معا ، عن سهل ، عن محمد بن الحسن بن زيد ، عن عمرو بن عثمان ، عن ثابت بن دينار ، عن ابن ظريف عن ابن نباتة قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : الصدق أمانة ، والكذب خيانة والادب رياسة ، والحزم كياسة ، والسرف مثواة ، والقصد مثراة ، والحرص مفقرة

____________________

(١ ـ ٢) الخصال ج ٢ ص ٥٤.

(٣) أمالي الصدوق ص ٣٢٤.

١٩٢

والدناءة محقرة ، والسخاء قربة ، واللوم غربة ، والدقة استكانة ، والعجز مهانة والهوى ميل ، والوفاء كيل ، والعجب هلاك والصبر ملاك (١).

١٠ ـ لى : ابن المتوكل ، عن محمد العطار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ، عن عمه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : ثلاث من لم يكن فيه فلا يرجى خيره ابدا : من لم يخش الله في الغيب ، ولم يرعو عند الشيب ، ولم يستحي من العيب (٢).

١١ ـ ل : ابن الوليد ، عن سعد ، عن البرقي ، عن محمد بن سنان ، عن العلا ابن فضيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ثلاث إذا كن في الرجل فلا تجرح إن تقول إنها في جهنم : الجفاء والجبن والبخل ، وثلاث إذا كن في المرأة فلا تجرح أن تقول انها في جهنم : البذاء والخيلاء والفجر (٣).

١٢ ـ ل : عن العطار ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير عن أبان بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النضري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ستة لا تكون في المؤمن : العسر والنكر واللجاجة والكذب والحسد والبغي (٤).

١٣ ـ ل : عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن موسى بن عمر ، عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه‌السلام إنه قال : خمس هن كما أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا لملوك وفاء ، ولا لكذاب مروة ، ولا يسود سفيه (٥).

١٤ ـ مع : عن الطالقاني ، عن البزوفري ، عن إبراهيم بن هيثم ، عن أبيه عن جده ، عن المعافا بن عمران ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح بن هاني

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٩٤.

(٢) أمالي الصدوق : ٢٤٧.

(٣) الخصال ج ١ ص ٧٦.

(٤) الخصال ج ١ ص ١٥٨.

(٥) الخصال ج ١ ص ١٣٠.

١٩٣

عن أبي السرد (١) قال : سأل أميرالمؤمنين عليه‌السلام ابنه الحسن بن علي فقال : يا بني ما العقل؟ قال : حفظ قلبك ما استودعه ، قال : فما الحزم؟ قال : أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك ، قال : فما المجد؟ قال : حمل الغارم وابتناء المكارم قال : فما السماحة قال : إجابة السائل وبذل النائل ، قال : فما الشح قال : أن ترى القليل سرفا وما أنفقت تلفا ، قال : فما السرقة؟ قال : طلب اليسير ومنع الحقير ، قال : فما الكلفة؟ قال : التمسك بمن لا يؤمنك ، والنظر فيما لا يعنيك ، قال : فما الجهل؟ قال : سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها ، والامتناع عن الجواب ونعم العوان الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا.

ثم أقبل على الحسين ابنه عليه‌السلام فقال له : يا بني ما السؤدد؟ قال : احشاش العشيرة (٢) واحتمال الجريرة ، قال : فما الغنى؟ قال : قلة أمانيك والرضا بما يكفيك ، قال : فما الفقر؟ قال : الطمع وشدة القنوط ، قال : فما اللؤم؟ قال : احراز المرء نفسه واسلامه عرسه ، قال : فما الخرق؟ قال : معاداتك أميرك ومن يقدر على ضرك ونفعك.

ثم التفت إلى الحارث الاعور فقال : يا حارث علموا هذه الحكم أولادكم فانها زيادة في العقل والحزم والرأي (٣).

١٥ ـ ل : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس عن الاشعري ، عن أبي عبدالله الرازي. عن ابن أبي عثمان ، عن أحمد بن عمر ، عن يحيى الحلبي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول سبعة يفسدون أعمالهم : الرجل الحليم ذو العلم الكثير لا يعرف بذلك ولا يذكر به ، والحكيم الذي يدبر ماله كل كاذب منكر لما يؤتي إليه والرجل الذي يأمن ذا المكر والخيانة ، والسيد الفظ الذي لا رحمة له ، والام

____________________

(١) في المصدر عن أبيه شريح.

(٢) يقال : أحش فلانا : أعانه على جمع الحشيش ، وعن حاجته : أعجله عنها ، و في المصدر المطبوع : اصطناع العشيرة ، ومعناه اسداء المعروف اليهم.

(٣) معاني الاخبار ص ٤٠١.

١٩٤

التي لا تكتم عن الولد السر وتفشي عليه (١) والسريع إلى لائمة إخوانه ، والذي يجادل أخاه مخاصما له (٢).

١٦ ـ ص : بالاسناد ، عن الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن اورمة ، عن مصعب بن يزيد ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاء نوح عليه‌السلام إلى الحمار ليدخل السفينة فامتنع عليه ، قال : وكان إبليس بين أرجل الحمار فقال : يا شيطان ادخل فدخل الحمار ودخل الشيطان ، فقال إبليس : اعلمك خصلتين؟ فقال نوح : لا حاجة لي في كلامك فقال إبليس : إياك والحرص فانه أخرج آدم من الجنة ، وإياك والحسد ، فانه اخرجني من الجنة فاوحى الله إليه [اقبلهما] وإن كان ملعونا.

١٧ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن موسى ، عن الاسدي ، عن سهل عن عبدالعظيم الحسني ، عن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام قال : جاء إبليس إلى نوح فقال : إن لك عندي يدا عظيمة فانتصحني فاني لا أخونك ، فتأثم نوح بكلامه ومساءلته ، فأوحى الله إليه أن كلمه وسله فاني سانطقه بحجة عليه ، فقال نوح : تكلم ، فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحا أو حريصا أو حسودا أو جبارا أو عجولا تلقفناه تلقف الكرة ، فان اجتمعت لنا هذه الاخلاق سميناه شيطانا مريدا فقال نوح صلوات الله عليه : ما اليد العظيمة التي صنعت؟ قال : إنك دعوت الله على أهل الارض فالحقتهم في ساعة بالنار ، فصرت فارغا ولولا دعوتك لشغلت بهم دهرا طويلا.

١٨ ـ ثو : عن أبيه ، عن علي بن موسى ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن ابن فضال ، عن عبدالله بن إبراهيم ، عن الحسين بن زيد ، عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أسرع الخير ثوابا البر وإن أسرع الشر عقابا البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر من الناس إلى مايعمى عنه من نفسه

____________________

(١) يعني بالسر : النكاح ، كما في قوله تعالى «ولكن لا تواعدوهن سرا» على ما قيل.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٥.

١٩٥

أو يعير الناس بما لا يستطيع تركه ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه (١).

١٩ ـ سن : عن أبيه ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن الدهقان ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أول ما عصي الله به ست : حب الدنيا ، وحب الرئاسة ، وحب الطعام ، وحب النساء ، وحب النوم ، وحب الراحة (٢).

٢٠ ـ سن : عن أبيه ، عن ابن المغيرة ومحمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن رجلا من خثعم جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أي الاعمال أبغض ألى الله؟ فقال : الشرك بالله؟ فقال : ثم ماذا؟ قال : قطيعة الرحم ، قال : ثم ماذا ، قال : الامر بالمنكر والنهي عن المعروف (٣).

٢١ ـ شي : عن عمرو بن جميع رفعه إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : مكتوب في التوراة : من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا ، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو الله ، ومن أتى غنيا فتواضع لغنائه ذهب الله بثلثي دينه ومن قرء القرآن من هذه الامة ثم دخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزؤا ومن لم يستشر يندم ، والفقر الموت الاكبر (٤).

٢٢ ـ جا : عن عمر بن محمد الصيرفي ، عن علي بن مهرويه ، عن داود بن سليمان عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة أخافهن على امتي الضلالة بعد المعرفة ، ومضلات الفتن ، وشهوة البطن والفرج (٥).

٢٣ ـ جا : ابن قولويه ، عن الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني عن يونس ، عن سعدان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بينما موسى ابن عمران عليه‌السلام جالس إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو الوان ، فلما دنى من

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ١٥١.

(٢ و ٣) المحاسن : ص ٢٩٥.

(٤) تفسير العياشي ج ١ ص ١٢٠ في آية البقرة : ١٣١.

(٥) مجالس المفيد ص ٧٢.

١٩٦

موسى عليه‌السلام خلع البرنس وأقبل عليه فسلم عليه ، فقال له موسى : من أنت؟ قال : أنا إبليس قال موسى : فلا قرب الله دارك فيم جئت؟ فقال : إنما جئت لاسلم عليك لمكانك من الله عزوجل.

فقال له موسى : فما هذا البرنس؟ قال : أختطف به قلوب بني آدم قال موسى : فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ فقال : اذا أعجبته نفسه واستكثر عمله ، وصغر في عينيه ذنبه ، ثم قال له : اوصيك بثلاث خصال : يا موسى لا تخل بامرأة ولا تخل بك فانه لا يخلو رجل بامرأة ولا تخلو به إلا كنت صاحبه دون أصحابي وإياك أن تعاهد الله عهدا فانه ما عاهد الله أحد إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء به ، وإذا هممت بصدقة فامضها فانه إذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبينها ، ثم ولى إبليس وهو يقول : يا ويله ويا عوله علمت موسى ما يعلمه بني آدم (١).

٢٤ ـ جا : عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن معروف عن ابن مهزيار ، عن فضالة ، عن عبدالله بن زيد ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال لي لا يغرنك الناس عن نفسك ، فان الامر يصل إليك دونهم ، ولا تقطع عنك النهار بكذا وكذا فان معك من يحفظ عليك ، ولا تستقل قليل الخير فانك تراه غدا حيث يسرك ولا تستقل قليل الشر فانك تراه غدا حيث يسوؤك ، وأحسن فاني لم أر شيئا أشد طلبا ولا أسرع دركا من حسنة لذنب قديم ، إن الله جل اسمه يقول : «إن الحسنات يذهبن بالسيئات ذلك ذكرى للذاكرين» (٢).

٢٥ ـ ختص : الصدوق ، عن أبيه ، عن الحسن بن محمد بن عامر ، عن عمه عبدالله ، عن محمد بن زياد ، عن ابن أبي عمير قال : قال الصادق عليه‌السلام : من لم يبال بما قال وما قيل له فهو شرك الشيطان ، ومن شغف بمحبة الحرام وشهوة الزنا فهو

____________________

(١) مجالس المفيد ص ١٠١.

(٢) مجالس المفيد ص ١١٦ ، ومثله في ص ٥٠.

١٩٧

شرك الشيطان ، ثم قال عليه‌السلام : إن لولد الزنا علامات أحدها بغضنا أهل البيت وثانيها أنه يحن إلى الحرام الذي خلق منه ، وثالثها الاستخفاف بالدين ورابعها سوء المحضر للناس ، ولا يسئ محضر إخوانه إلا من ولد على غير فراش أبيه أو من حملت به امه في حيضها (١).

٢٦ ـ نوادر الراوندي : باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ، ولا صلاة لمن لا يتم ركوعها وسجودها (٢).

وبهذا الاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه لا ينبغي لاولياء الله تعالى من أهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم [أن يكونوا أولياء الشيطان من أهل دار الغرور الذين كان لهم سعيهم وفيها رغبتهم] (٣) ثم قال : بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر ، بئس القوم قوم يقذفون الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، بئس القوم قوم لا يقومون لله تعالى بالقسط ، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون الناس في القسط (٤) بئس القوم قوم جعلوا طاعة إمامهم دون طاعة الله ، بئس القوم قوم يختارون الدنيا على الدين ، بئس القوم قوم يستحلون المحارم والشهوات بالشبهات. قيل : يا رسول الله فأي المؤمنين أكيس؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثرهم في الموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا ، اولئك هم الاكياس (٥).

٢٧ ـ الدرة الباهرة : قال الصادق عليه‌السلام : يهلك الله ستا بست : الامراء بالجور والعرب بالعصبية ، والدهاقين بالكبر ، والتجار بالخيانة ، وأهل الرساتيق

____________________

(١) الاختصاص : ٢١٩ ، وترى مثله في معاني الاخبار ص ١١٣.

(٢) نوادر الراوندي ص ٥.

(٣) ما بين العلامتين أضفناه من المصدر.

(٤) زاد في المصدر : بئس القوم قوم يكون الطلاق عندهم أوثق من عهد الله تعالى.

(٥) نوادر الراوندي ص ٢٩.

١٩٨

بالجهالة ، والفقهاء بالحسد.

وقال أبوالحسن الثالث عليه‌السلام : الحسد ماحق الحسنات ، والزهو جالب المقت ، والعجب صارف عن طلب العلم داع إلى الغمط (١) والجهل ، والبخل أذم الاخلاق ، والطمع سجية سيئة.

٢٨ ـ نهج : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي اياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء ، وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة ، ويكون غدا جيفة ، وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله ، وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى من يموت ، وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرى وهو يرى النشأة الاولى وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء (٢).

٢٩ ـ عده الداعي : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : إياكم وفضول المطعم فانه يسم القلب بالفضلة ، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ، ويصم الهمم عن سماع الموعظة ، وإياكم وفضول النظر فانه يبذر الهوى ، ويولد الغفلة ، وإياكم واستشعار الطمع ، فانه يشوب القلب بشدة الحرص ، ويختم على القلب بطابع حب الدنيا ، وهو مفتاح كل معصية ، ورأس كل خطيئة ، وسبب إحباط كل حسنة (٣).

٣٠ ـ نهج : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام لرجل سأله أن يعظه : لا تكن ممن يرجو الاخرة بغير العمل ، ويرجئ التوبة بطول الامل ، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل فيها بعمل الراغبين ، إن اعطى منها لم يشبع ، وإن منع منها لم

____________________

(١) يقال : غمط الناس من بابي ضرب وعلم استحقرهم وازدرى بهم والعافية : لم يشكرها والنعمة : بطرها وحقرها؟ وغمط الحق من باب علم جحده ، ومنه قولهم : « شر ما استقبلت به الايادي الغمط ، وخير ما شيعت به البسط.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٧٢ ، الرقم ١٢٦ من الحكم.

(٣) عدة الداعي ص ٢٣٦.

١٩٩

يقنع ، يعجز عن شكر ما اوتي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهي ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتى ، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو أحدهم يكره الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له (١).

إن سقم ظل نادما ، وإن صح أمن لاهيا ، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلى ، إن أصابه بلاء دعا مضطرا ، وإن ناله رخاء أعرض مغترا ، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستقين ، يخاف على غيره بادنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطر وفتن ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية ، وسوف التوبة وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة ، يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في المواعظ ولا يتعظ ، فهو بالقول مدل ، ومن العمل مقل ، ينافس فيما يفني ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما ، والغرم مغنما.

يخشى الموت ، ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللغو مع الاغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، يرشد غيره ، ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصى ، ويستوفي ولا يوفى ، ويخشى الخلق في غير ربه ، ولا يخشى ربه في خلقه.

قال السيد رضي‌الله‌عنه : ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة لمبصر ، وعبرة لناظر مفكر (٢).

٣١ ـ نوادر الراوندي : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام

____________________

(١) يعني أنه يكره الموت لكثرة ذنوبه لئلا يدركه الموت على تلك الحال وعلى أحد الذنوب فتكون له عقبى السوء ، لكنه مع ذلك يقيم على تلك الذنوب ويداوم عليها ولا يرعوي عنها.

(٢) نهج البلاغة الرقم ١٥٠ من الحكم.

٢٠٠