بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين » (١) أي جحدوه بعد أن عرفوه.

وأما الوجه الثالث من الكفر فهو كفر الترك لما أمر الله به وهو من المعاصي قال الله سبحانه : «وإذ أخذنا ميثاقكم لاتسفكون دمائكم ولاتخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون إلى قوله : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض» (٢) فكانوا كفارا لتركهم ما أمر الله تعالى به ، فنسبهم إلى الايمان باقرارهم بألسنتهم على الظاهر دون الباطن ، فلم ينفعهم ذلك لقوله تعالى : «فما جزاء من يفعل ذلك منهم إلا خزي في الحيوة الدنيا» إلى آخر الاية.

وأما الوجه الرابع من الكفر فهو ماحكاه تعالى عن قول إبراهيم عليه‌السلام : «كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده» (٣) فقوله : «كفرنا بكم» : أي تبرأنا منكم ، وقال سبحانه في قصة إبليس وتبريه من أوليائه من الانس إلى يوم القيامة : «إني كفرت بما أشركتمون من قبل» (٤) أي تبرأت منكم وقوله تعالى : «إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحيوة الدنيا» إلى قوله : «ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا» (٥) الاية.

وأما الوجه الخامس من الكفر وهو كفر النعم قال الله تعالى عن قول سليمان عليه‌السلام : [هذا من فضل ربي ليبلوني أءشكر أم أكفر] (٦) الاية وقوله عزوجل : «لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد] (٧) وقال تعالى : « فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولاتكفرون» (٨).

____________________

(١) البقرة : ٨٩. (٢) البقرة : ٨٥ ٨٤.

(٣) الممتحنة : ٤. (٤) ابراهيم : ٢٢.

(٥) العنكبوت : ٢٥. (٦) النمل : ٤٠.

(٧) ابراهيم : ٧.

(٨) البقرة : ١٥٢.

١٠١

فأما ماجاء من ذكر الشرك في كتاب الله تعالى فمن أربعة أوجه قوله تعالى : «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأويه النار وما للظالمين من أنصار» (١) فهذا شرك القول والوصف.

وأما الوجه الثاني من الشرك فهو شرك الاعمال قال الله تعالى : «وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون» (٢) وقوله سبحانه : «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله» (٣) ألا إنهم لم يصوموا لهم ولم يصلوا ولكنهم أمروهم ونهوهم فأطاعوهم ، وقد حرموا عليهم حلالا وأحلوا لهم حراما فعبدوهم من حيث لايعلمون ، فهذا شرك الاعمال والطاعات.

وأما الوجه الثالث من الشرك فهو شرك الزنا قال الله تعالى : «وشاركهم في الاموال والاولاد» (٤) فمن أطاع ناطقا فقد عبده ، فان كان الناطق ينطق عن الله تعالى ، فقد عبدالله ، وإن كان ينطق عن غير الله تعالى فقد عبد غير الله.

وأما الوجه الرابع من الشرك فهو شرك الريا قال الله تعالى : «فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه أحدا» (٥) فهؤلاء صاموا وصلوا واستعملوا أنفسهم بأعمال أهل الخير إلا أنهم يريدون به رئاء الناس فأشركوا لما أتوه من الرياء ، فهذه جملة وجوه الشرك في كتاب الله تعالى.

وأما ماذكر من الظلم في كتابه فوجوه شتى فمنها ماحكاه الله تعالى عن قول لقمان لابنه : «يابني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم» (٦) ومن الظلم مظالم الناس فيما بينهم من معاملات الدنيا وهو شتى قال الله تعالى : « ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون

____________________

(١) المائدة : ٧٢. (٢) يوسف : ١٠٦.

(٣) براءة : ٣١. (٤) أسرى : ٦٤.

(٥) الكهف : ١١٠.

(٦) لقمان : ١٣.

١٠٢

عذاب الهون بما كنتم تقولون] (١) الاية.

فأما الرد على من أنكر زيادة الكفر فمن ذلك قول الله عزوجل في كتابه : «إنما النسئ زيادة في الكفر» (٢) وقوله تعالى : «وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون» (٣) وقوله : «إن الذين آمنوا ثم كفروا [ ثم آمنوا ثم كفروا ] ثم ازدادوا كفرا» (٤) الاية وغير ذلك في كتاب الله.

٣١ ـ مشكوة الانوار : نقلا من المحاسن عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال في قول الله تبارك وتعالى : «ومايؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون» (٥) قال : يطيع الشيطان من حيث يشرك.

٣٢ ـ كتاب الامامة والتبصرة : عن سهل بن أحمد ، عن محمد بن محمد بن الاشعث ، عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الريب كفر.

____________________

(١) الانعام : ٩٣.

(٢) براءة : ٣٧.

(٣) براءة : ١٢٥.

(٤) النساء : ١٣٧.

(٥) يوسف : ١٠٦.

١٠٣

٩٩

( باب )

* «اصول الكفر وأركانه» *

١ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي بصير قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : اصول الكفر ثلاثة : الحرص والاستكبار والحسد فأما الحرص فان آدم عليه‌السلام حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها وأما الاستكبار فابليس حين امر بالسجود لادم استكبر ، وأما الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه (١).

بيان : كأن المراد باصول الكفر مايصير سببا للكفر أحيانا لادائما وللكفر أيضا معان كثيرة منها مايتحقق بانكار الرب سبحانه والالحاد في صفاته ومنها مايتضمن إنكار أنبيائه وحججه ، أو ما أتوا به من امور المعاد وأمثالها ومنها مايتحقق بمعصية الله ورسوله ، ومنها مايكون بكفران نعم الله تعالى إلى أن ينتهي إلى ترك الاولى.

فالحرص يمكن أن يصير داعيا إلى ترك الاولى أو ارتكاب صغيرة أو كبيرة حتى ينتهي إلى جحود يوجب الشرك والخلود ، فما في آدم عليه‌السلام كان من الاول ثم تكامل في أولاده حتى انتهى إلى الاخير ، فصح أنه أصل الكفر وكذا ساير الصفات.

وقيل : قد كان إباء إبليس من السجود عن حسد واستكبار ، وإنما خص الاستكبار بالذكر لانه تمسك به حيث قال : «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» (٢) أو لان الاستكبار أقبح من الحسد انتهى.

وقوله : «فأما الحرص» فهو مبتدأ وقوله : «فان» إلى قوله «أكل منها»

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٨٩.

(٢) الاعراف : ١٢ ، ص ٧٦.

١٠٤

خبر والعائد تكرار المبتدأ وضعا للظاهر موضع المضمر ، مثل «الحاقة ما الحاقة» وقوله : «فابليس» بتقدير فمعصية إبليس ، وكذا قوله : «فابنا آدم» بتقدير فمعصية ابني آدم أي معصية أحدهما كما قيل.

٢ ـ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أركان الكفر أربعة : الرغبة والرهبة والسخط والغضب (١).

بيان : أركان الكفر قريب من اصوله ، ولعل المراد بالرغبة الرغبة في الدنيا والحرص عليها أو اتباع الشهوات النفسانية ، وبالرهبة الخوف من فوات الدنيا واعتباراتها بمتابعة الحق ، أو الخوف من القتل عند الجهاد ، ومن الفقر عند أداء الزكاة ، ومن لوم اللائمين عند ارتكاب الطاعات ، وإجراء الاحكام.

وقيل : الخوف من فوات الدنيا والهم من زوالها ، وهو يوجب صرف العمر في حفظها والمنع من أداء حقوقها ، وبالسخط عدم الرضا بقضاء الله وانقباض النفس في أحكامه وعدم الرضا بقسمه ، وبالغضب ثوران النفس نحو الانتقام عند مشاهدة ما لايلائمها من المكاره والالام.

٣ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن نوح بن شعيب عن عبيدالله الدهقان ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أول ماعصي الله عزوجل به ست : حب الدنيا ، وحب الرياسة ، وحب الطعام ، وحب النوم ، وحب الراحة ، وحب النساء (٢).

بيان : حب الدنيا أي مال الدنيا ، والبقاء للذاتها وما لوفاتها لا للطاعة ، وحب الرياسة بالجور والظلم والباطل أو في نفسها لا لاجراء أوامر الله وهداية عباده والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحب الطعام لمحض اللذة لا لقوة الطاعة ، أو الافراط في حبه بحيث لايبالي من حلال حصل أو من حرام وكذا حب النوم أي الافراط فيه بحيث يصير مانعا عن الطاعات الواجبة أو المندوبة ، أو

____________________

(١ ـ ٢) الكافي ج ٢ ص ٢٨٩.

١٠٥

في نفسه لا للتقوي على الطاعة ، وكذا حب الاستراحة على الوجهين ، وكذا حب النساء أي الافراط فيه بحيث ينتهي إلى ارتكاب الحرام أو ترك السنن والاشتغال عن ذكر الله بسبب كثرة معاشرتهن أو مايوجب اطاعتهن في الباطل وإلا فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اخترت من دنياكم الطيب والنساء.

٤ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه‌السلام أن رجلا من خثعم (١) جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أي الاعمال أبغض إلى الله عزوجل؟ فقال : الشرك بالله ، قال : ثم ماذا؟ قال : قطيعة الرحم قال : ثم ماذا؟ قال : الامر بالمنكر والنهي عن المعروف (٢).

بيان : المنكر ماحرمه الله أو ماعلم بالشرع أو العقل قبحه ، ويحتمل شموله للمكروه أيضا.

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره : المنكر المعصية قولا أو فعلا ، وقال أيضا : هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه أو دل عليه ، والمعروف ماعرف حسنه عقلا أو شرعا ، وقال الشهيد الثاني رحمه‌الله : هو الطاعة قولا أو فعلا وقال رحمه‌الله : يمكن بتكلف دخول المندوب في المعروف.

٥ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسن بن عطية عن يزيد الصائغ قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : رجل على هذا الامر إن حدث كذب ، وإن وعد أخلف ، وإن ائتمن خان ، ما منزلته؟ قال : هي أدنى المنازل من الكفر وليس بكافر (٣).

____________________

(١) خثعم بن أنمار : قبيلة من القحطانية تنتسب إلى خثعم بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ، وقال الجوهري في الصحاح ج ٥ ص ١٩٠٩ خثعم أبوقبيلة وهو خثعم بن أنمار ويقال لهم : من معد ، وصاروا باليمن وقال النووي في تهذيب الاسماء واللغات ص ٢٨٩ ، قيل : خثعم جبل سميت به لنزولها اياه وتعاقدها عليه ، وقيل غير ذلك. راجع معجم قبائل العرب ج ١ ص ٣٣١.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٨٩ و ٢٩٠.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٩٠.

١٠٦

بيان : «على هذا الامر» صفة رجل ، وجملة «إن حدث» خبر «أدنى المنازل» أي أقربها من الكفر أي الذي يوجب الخلود في النار «وليس بكافر» بهذا المعنى وان كان كافرا ببعض المعاني ، ويشعر بكون خلف الوعد معصية بل كبيرة ، والمشهور استحباب الوفاء به.

٦ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من علامة الشقا جمود العين ، وقسوة القلب ، وشدة الحرص في طلب الدنيا ، والاصرار على الذنب (١).

بيان : الشقا والشقوة والشقاوة سوء العاقبة بالعقاب في الاخرة ضد السعادة وهي حسن العاقبة باستحقاق دخول الجنة ، وجمود العين كناية عن بخلها بالدموع وهو من توابع قسوة القلب ، وهي غلظته وشدته وعدم تأثره من الوعيد بالعقاب والمواعظ ، قال الله تعالى : «فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله» (٢) وكون تلك الامور من علامة الشقا ظاهر. وفيه تحريص على ترك تلك الخصال ، وطلب أضدادها بكثرة ذكر الله ، وذكر عقوباته على المعاصي ، والتفكر في فناء الدنيا وعدم بقاء لذاتها ، وفي عظمة الامور الاخروية ومثوباتها وعقوباتها وأمثال ذلك.

٧ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن داود بن النعمان عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس فقال : ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا : بلى يارسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الذي يمنع رفده ، ويضرب عبده ، ويتزود وحده ، فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا ثم قال : ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك؟ قالوا : بلى يارسول الله قال : الذي لايرجى خيره ولايؤمن شره. فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا ثم قال : ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك؟ قالوا : بلى يارسول الله قال : المتفحش اللعان الذي اذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم واذا ذكروه

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٠.

(٢) الزمر : ٢٢.

١٠٧

لعنوه (١).

بيان : [الذي يمنع رفده] الرفد بالكسر العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب : أعطاه وأعانه ، والظاهر أنه أعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة [ويضرب عبده] أي دائما أو في أكثر الاوقات أو من غير ذنب أو زائدا على القدر المقرر أو مطلقا ، فان العفو من أحسن الخصال «ويتزود وحده» أي يأكل زاده وحده ، من غير رفيق مع الامكان ، أو أنه لايعطي من زاده غيره شيئا من عياله وغيرهم ، وقيل : أي لا يأخذ نصيب غيره عند أخذ العطا وهو بعيد.

ثم اعلم أنه لايلزم حمل هذه الخصال على الامور المحرمة ، فانه يمكن أن يكون الغرض عند مساوي الاخلاق لا المعاصي.

والتفحش المبالغة في الفحش وسوء القول ، واللعان المبالغة في اللعن وهو من الله الطرد والابعاد من الرحمة ، ومن الخلق السب والدعاء على الغير وقريب منه ما في النهاية.

٨ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالله ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث من كن فيه كان منافقا وان صام وصلى وزعم أنه مسلم ، من إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، إن الله عزوجل قال في كتابه : «ان الله لايحب الخائنين» (٢) وقال : «أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» (٣) وفي قوله عزوجل : «واذكر في الكتاب إسمعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا» (٤).

بيان : اعلم أنه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت ، فكذلك

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٠.

(٢) الانفال : ٥٨.

(٣) النور : ٧.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٩٠ ، والاية في مريم : ٥٤.

١٠٨

يطلق المنافق على معان منها أن يظهر الاسلام ويبطن الكفر ، وهو المعنى المشهور ومنها الرياء ، ومنها أن يظهر الحب ويكون في الباطن عدوا ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقا ، وقد يطلق على من يدعي الايمان ولم يعمل بمقتضاه ولم يتصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها فكان باطنه مخالفا لظاهره وكأنه المراد هنا وسيأتي معاني النفاق في بابه إنشاء الله تعالى والمراد بالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلم لاوامر الله ونواهيه ، ولذا عبر بلفظ الزعم المشعر بأنه غير صادق في دعوى الاسلام.

«من إذا ائتمن» أي على مال أو عرض أو سر «خان» صاحبه وقيل : المراد به من أصر على الخيانة كما يدل عليه قوله تعالى : «ان الله لايحب الخائنين» حيث لم يقل إن الله لايحب الخيانة ويدل على أنه كبيرة لايقبل معها عمل ، والا كان محبوبا في الجملة.

وأما الاستدلال بآية اللعان فلانه علق اللعنة بمطلق الكذب وان كان مورده الكذب في القذف ، ولو لم يكن مستحقا للعن لم يأمره الله بهذا القول وأماقوله عليه‌السلام : «وفي قوله عزوجل» فلعله عليه‌السلام إنما غير الاسلوب لعدم صراحة الاية في ذمه ، بل إنما يدل على مدح ضده وبتوسطه يشعر بقبحه ، وإنما لم يذكر عليه‌السلام الاية التي هي أدل على ذلك حيث قال : «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالاتفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون» (١) وسيأتي الاستدلال به في خبر آخر ، إما لظهوره واشتهاره أو لاحتمال معنى آخر كما سيأتي وقيل : كلمة «في» في «في قوله» بمعنى «مع» أي قال في سورة الصف ماهو مشهور في ذلك مع قوله في سورة مريم : «واذكر» لدلالته على مدح ضده.

٩ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا اخبركم بأبعدكم مني شبها؟

____________________

(١) الصف : ٢ و ٣.

١٠٩

قالوا : بلى يارسول الله قال : الفاحش المتفحش البذي البخيل المختال الحقود الحسود القاسي القلب البعيد من كل خير يرجى غير المأمون من كل شر يتقى (١).

بيان : الفحش القول السيئ والكلام الردي وكل شئ جاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش والتفحش كذلك مع زيادة تكلف وتصنع ، وقيل : المراد بالمتفحش الذي يقبل الفحش من غيره ، فالفاحش المتفحش الذي لايبالي ماقال ولا ما قيل له ، والاول أظهر وبعد من كان كذلك من مشابهة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ظاهر لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في غاية الحياء ، وكان يحترز عن الفحش في القول حتى أنه كان يعبر عن الوقاع والبول والتغوط بالكنايات ، بل بأبعدها ، تأسيا بالرب سبحانه في القرآن.

قال في النهاية فيه إن الله يبغض الفاحش المتفحش : الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده ، وقد تكرر ذكر الفاحش والفاحشة والفواحش في الحديث وهو كل مايشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكثيرا ماترد الفاحشة بمعنى الزنا وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الاقوال والافعال وقال : البذاء بالمد الفحش في القول. وفلان بذي اللسان.

وفي المصباح بذا على القوم يبذ وبذاء بالفتح والمد سفه وأفحش في منطقه وإن كان كلامه صدقا فهو بذي على فعيل ، وفي النهاية فيه من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه : الخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب ، يقال اختال فهو مختال ، وفيه خيلاء ومخيلة ، أي كبر وتقييد الخبر والشر بكونه مرجوا أو يتقى منه إما للتوضيح أو للاحتراز والاول كأنه أظهر.

١٠ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن منصور بن العباس ، عن علي بن أسباط رفعه إلى سلمان قال : اذا أراد الله عزوجل هلاك عبد نزع منه الحياء ، فاذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا خائنا مخونا ، فان كان خائنا مخونا نزع منه الامانة ، فاذا نزعت منه الامانة لم تلقه إلا فظا غليظا ، فاذا كان فظا غليظا

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩١.

١١٠

نزعت منه ربقة الايمان ، فاذا نزعت منه ربقة الايمان ، لم تلقه إلا شيطانا ملعونا (١).

بيان : «اذا أراد الله هلاك عبد» لعله كناية عن علمه سبحانه بسوء سريرته وعدم استحقاق اللطف «نزع منه الحياء» أي سلب التوفيق منه حتى يخلع لباس الحياء وهو خلق يمنع من القبايح والتقصير في حقوق الخلق والخالق ، «فاذا نزع منه الحياء» المانع من ارتكاب القبايح «لم تلقه إلا خائنا مخونا» وقد مر معنى الخائن وذمه.

وأما المخون فيحتمل أن يكون بفتح الميم وضم الخاء أي يخونه الناس فذمه باعتبار أنه السبب فيه ، أو المراد أنه يخون نفسه أيضا ويجعله مستحقا للعقاب فهو خائن لغيره ولنفسه ، وبهذا الاعتبار مخون ، ففي كل خيانة خيانتان أو يكون بضم الميم وفتح الخاء وفتح الواو المشددة منسوبا إلى الخيانة مشهورا به ، أو بكسر الواو المشددة أي ينسب الناس إلى الخيانة مع كونه خائنا. في القاموس : الخون أن يؤتمن الانسان فلاينصح ، خانه خونا وخيانة واختانه فهو خائن وقد خانه العهد والامانة وخونه تخوينا نسبه إلى الخيانة ونقضه «نزعت منه الامانة» لانها ضد الخيانة.

فان قيل : كان هذا معلوما لايحتاج إلى البيان ، قلت : يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم يبال من الخيانة يصير بالاخرة إلى أنه يسلب منه الامانة بالكلية أو المعنى أنه يصير بحيث لا يأتمنه الناس على شئ.

«لم تلقه إلا فظا غليظا» في القاموس الفظ الغليظ السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام انتهى. والغلظة ضد الرقة ، والمراد هنا قساوة القلب وغلظته ، كما قال تعالى : «ولو كنت فظا غليظ القلب» (٢) وتفرع هذا على نزع الامانة ظاهر لان الخائن لاسيما من يعلمه الناس كذلك لابد من أن يعارض الناس ويجادلهم فيصير

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩١.

(٢) آل عمران : ١٥٩.

١١١

سيئ الخلق الخشن ولايرحم الناس لذهابه بحقهم فيقسو قلبه وأيضا إصراره على ذلك دليل على عدم تأثير المواعظ في قلبه ، فاذا كان كذلك نزع منه ربقة الايمان لسلب أكثر لوازمه وصفاته عنه كما مر في صفات المؤمن ، والمراد كمال الايمان أو أحد المعاني التي مضت منه ، ولا أقل أنه ينزع منه الحياء ، وهو رأس الايمان «لم تلقه إلا شيطانا» أي شبيها به في الصفات أو بعيدا من الله وهدايته وتوفيقه «ملعونا» يلعنه الله والملائكة والناس أو بعيدا من رحمة الله تعالى.

١١ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن زياد الكرخي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث ملعونات: ملعون من فعلهن : المتغوط في ظل النزال ، والمانع الماء المنتاب ، والساد الطريق المقربة (١).

بيان : «ثلاث» مبتدأ وقد يجوز كون المبتدء نكرة محضة لاسيما في العدد «وملعون من فعلهن» استيناف بياني والمعنى أن اللعن لايتعلق بالعمل حقيقة بل بفاعله وقرء بعض الافاضل باضافة ثلاث إلى ملعونات ، فالجملة خبر ، وقوله «المتغوط» خبر مبتدأ محذوف بتقدير مضاف أيضا والتقدير : هن صفة المتغوط والضمير لثلاث ، ويمكن عدم تقدير المضاف فالتقدير : هو المتغوط ، والضمير لمن فعلهن.

وفي المصباح الغائط : المطمئن الواسع من الارض ثم اطلق الغائط على الخارج المستقذر من الانسان كراهة لتسميته باسمه الخاص لانهم كانوا يقضون حوائجهم في المواضع المطمئنة فهو من مجاز المجاورة ثم توسعوا فيه حتى اشتقوا منه وقالوا تغوط الانسان انتهى. وكأن نسبة اللعن إلى الفعل مجاز في الاسناد أو كناية عن قبحه ونهي الشارع عنه.

والمراد بظل النزال تحت سقف أو شجرة ينزلها المسافرون ، وقد يعم بحيث يشمل المواضع المعدة لنزولهم وإن لم يكن فيه ظل لاشتراك العلة أو بحمله على

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٢ ، وفيه «الطريق المعربة»).

١١٢

الاعم والتعبير بالظل لكونه غالبا كذلك ، والظاهر اختصاص الحكم بالغائط لكونه أشد ضررا وربما يعم ليشمل البول والمشهور بين الاصحاب كراهة ذلك وظاهر الخبر التحريم ، إذ فاعل المكروه لايتسحق اللعن ، وقد يقال : اللعن البعد من رحمة الله وهو يحصل بفعل المكروه أيضا في الجملة.

ولايبعد القول بالحرمة إن لم يكن إجماع على خلافه للضرر العظيم فيه على المسلمين ، لاسيما إذا كان وقفا فانه تصرف مناف لغرض الواقف ومصلحة الوقف ، ولايبعد القول بهذا التفصيل أيضا ، ويمكن حمل الخبر على أن الناس يلعنونه ويشتمونه ، لكن يقل فائدة الخبر إلا أن يقال : الغرض بيان علة النهي عن الفعل.

قال في النهاية : فيه اتقوا الملاعن الثلاث هي جمع ملعنة ، وهي الفعلة التي يلعن بها فاعلها كأنها مظنة للعن ومحصل له ، وهو أن يتغوط الانسان على قارعة الطريق أو ظل الشجرة أو جانب النهر فاذا مر بها الناس لعنوا فاعلها ومنه الحديث اتقوا اللاعنين أي الامرين الجالبين للعن الباعثين للناس عليه ، فانه سبب للعن من فعله في هذه المواضع ، وليس كل ظل ، وإنما هو الظل الذي يستظل به الناس ويتخذونه مقيلا ومناخا وأصل اللعن الطرد والابعاد من الله تعالى ، ومن الخلق السب والدعاء انتهى.

«والمانع الماء المنتاب» الماء مفعول أول لمانع إما مجرور بالاضافة من باب الضارب الرجل أو منصوب على المفعولية ، والمنتاب اسم فاعل بمعنى صاحب النوبة ، فهو مفعول ثان ، وهو من الانتياب افتعال من النوبة ويحتمل أن يكون اسم مفعول صفة للماء من انتاب فلان القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى.

والماء المنتاب هو الماء الذي يرد عليه الناس متناوبة ومتبادلة لعدم اختصاصه بأحدهم كالماء المملوك المشترك بين جماعة ، فلعن المانع لاحدهم في نوبته والماء المباح الذي ليس ملكا لاحدهم كالغدران والابار في البوادي فاذا ورد عليه الواردون كانوا فيه سواء فيحرم لاحدهم منع الغير من التصرف فيه ، على قدر الحاجة ، لان في المنع

١١٣

تعريض مسلم للتلف فلو منع حل قتاله قال الجوهري : انتابه انتيابا أتاه مرة بعد اخرى ، وفي النهاية نابه ينوبه نوبا وانتابه اذا قصده مرة بعد أخرى ، ومنه حديث الدعا : يا أرحم من انتابه المسترحمون ، وفي حديث صلاة الجمعة كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم.

«والساد الطريق المعربة» بالعين المهملة على بناء المفعول أي الواضحة التي ظهر فيها أثر الاستطراق ، في النهاية : الاعراب الابانة والافصاح ، وفي أكثر النسخ المقربة بالقاف ، فيمكن أن يكون بكسر الراء المشددة أي الطريق المقربة إلى المطلوب : بأن يكون هناك طريق آخر أبعد منه ، فان لم يكن طريق آخر فبطريق أولي.

وهذه النسخة موافقة لروايات العامة لكنهم فسروه على وجه آخر قال في النهاية : فيه من غير المطربة والمقربة فعليه لعنة الله المطربة واحدة المطارب وهي طرق صغار تنفذ إلى الطرق الكبار ، وقيل : هي الطرق الضيقة المتفرقة يقال : طربت عن الطريق أي عدلت عنه ، والمقربة طريق صغير ينفذ إلى طريق كبير وجمعها المقارب وقيل : هو من القرب وهو السير [ بالليل وقيل : السير ] إلى الماء ، ومنه الحديث ثلاث لعينات : رجل عور طريق المقربة ، وقال في القاموس : المقرب والمقربة الطريق المختصر وقال : القرب بالتحريك سير الليل لورد الغد ، والبئر القريبة الماء وطلب الماء ليلا وفي الفائق : المقربة المنزل أصلها من القرب وهو السير إلى الماء.

١٢ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث ملعونات من فعلهن : المتغوط في ظل النزال ، والمانع للماء المنتاب ، والساد الطريق المسلوك (١).

بيان : تذكير ضمير الطريق هنا وتأنيثه في ماتقدم باعتبار أن الطريق يذكر ويؤنث.

١٣ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٢.

١١٤

جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا اخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : إن من شرار رجالكم البهات الجرئ الفحاش ، الاكل وحده ، والمانع رفده ، والضارب عبده ، والملجئ عياله إلى غيره (١).

بيان : البهات مبالغة من البهتان ، وهو أن يقول في الناس ماليس فيهم قال الجوهري : بهته بهتا أخذه بغتة ، قال الله تعالى : «بل تأتيهم بغتة فتبهتهم» (٢).

وتقول أيضا : بهته بهتا وبهتا وبهتانا فهو بهات أي قال عليه مالم يفعله فهو مبهوت انتهى (٣) والجري بالياء المشددة وبالهمزة أيضا على فعيل ، وهو المقدام على القبيح من غير توقف والاسم الجرأة والفحاش ذوا الفحش وهو كلما يشتد قبحه من الاقوال والافعال وكثيرا مايراد به الزنا ، وقد مر الكلام فيه.

«الاكل وحده» أقول : لعل النكتة في ايراد العاطف في الاخيرات وتركها في الاول الاشعار بأن البهت والجرأة والفحش صارت لازمة له كالذاتيات ، فصرن كالذات التي اجريت عليها الصفات فناسب إيراد العاطف بين الصفات لتغايرها ويحتمل أن تكون العلة الفصل بالمعمول أي وحده ورفده وعبده بين الفقرات الاخيرة وعدمها في الاول فتأمل ، «والمانع رفده» قد مر الكلام فيه وعدم حرمة هذه الخصلة لاينافي كون المتصف بجميع تلك الصفات من شرار الناس ، فانه الظاهر من الخبر ، لاكون المتصف بكل منها من شرار الناس ، وقيل : يفهم منه ومما سبقه أن ترك المندوبات وماهو خلاف المروة شر ، فالمراد بشرار الرجال فاقد الكمال سواء كان فقده موجبا للعقوبة أم لا انتهى «والملجئ عياله إلى غيره» أي لاينفق عليهم ولايقوم بحوائجهم.

١٤ ـ كا : علي بن إيراهيم ، عن ابن أبي عمير ، عن ميسر ، عن

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٢.

(٢) الانبياء : ٤٠.

(٣) الصحاح ج ٢٠ ص ٢٤٤.

١١٥

أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله ، والتارك لسنتي ، والمكذب بقدر الله ، والمستحل من عترتي ماحرم الله ، والمستأثر بالفئ المستحل له (١).

بيان : [كل نبي مجاب] أقول : يحتمل أن يكون عطفا على فاعل لعنتهم وترك التأكيد بالمنفصل للفصل بالضمير المنصوب ، مع أنه قد جوزه الكوفيون مطلقا وقيل : [كل] منصوب على أنه مفعول معه ، فقوله : مجاب صفة للنبي أي لعنهم كل نبي أجابه قومه أو لابد من أن يجيبه قومه ، أو أجاب الله دعوته فالصفة موضحة ، ويحتمل أن يكون [كل] مبتدأ [ومجاب] خبرا والجملة حالية أي والحال أن كل نبي مستجاب الدعوة ، فلعني يؤثر فيهم لامحالة ويحتمل العطف أيضا.

ويؤيد الاول مافي مجالس الصدوق وغيره من الكتب ولعنهم كل نبي.

«والتارك لسنتي» أي مغير طريقته والمبتدع في دينه «والمكذب بقدر الله» أي المفوضة الذين يقولون : ليس لله في أعمال العباد مدخل أصلا كالمعتزلة وقد مر تحقيقه «والمستحل من عترتي ماحرم الله» المراد بعترته أهل بيته والائمة من ذريته باستحلال قتلهم أو ضربهم أو شتمهم أو إهانتهم أو ترك مودتهم أو غصب حقهم أو عدم القول بامامتهم أو ترك تعظيمهم.

«والمستأثر بالفئ المستحل له» في النهاية : الاستيثار الانفراد بالشئ وقال : الفئ ماحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولاجهاد انتهى.

وأقول : الفئ يطلق على الغنيمة والخمس والانفال وكل ذلك يتعلق بالامام كلا أو بعضا كما حقق في محله.

١٥ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن عمر بن اذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٩٣.

١١٦

عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : بني الكفر (١) على أربع دعائم : الفسق ، والغلو

____________________

(١) هذا الحديث جزء من خطبة خطبها علي عليه الصلاة والسلام في داره أو في القصر وأصحابه مجتمعون حوله ، ثم أمر عليه‌السلام فكتب في كتاب وقرئ على الناس ، وقد يقال أن عبدالله بن الكواء سأله صلوات الله عليه عن صفة الاسلام والايمان والكفر والنفاق فخطبها ، والخطبة مروية بطرق مختلفة رواها أرباب الجوامع الحديثية صدرها في بيان شرف الاسلام والايمان وخصائصهما وبعده بيان دعائم الايمان والكفر والنفاق وشرح شعب كل واحد منها.

فعبضهم رواها مفصلا من أوله إلى آخره في فصل واحد كما تراه في تحف العقول ص ١٥٨ ١٦٣ [ط اسلامية] وهكذا رواها بأجمعها إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات على ما أخرجه المؤلف العلامة في ج ٦٨ ص ٣٨٥ من طبعتنا هذه ، كما مر فصوله الاخيرة عن خصال الصدوق ص ٨٩ من هذا المجلد.

وبعضهم جزءها في فصول متعددة وروى في كل فصل مايناسب عنوانه كما فعله ثقة الاسلام الكليني في الكافي فروى صدرها في باب صفة الاسلام ج ٢ ص ٤٩ ، وبعده في باب صفة الايمان ص ٥٠ [وقد نقلهما المؤلف العلامة مشروحا في ج ٦٨ في باب واحد الباب ٢٧ باب دعائم الايمان والاسلام].

ثم مابعده في باب دعائم الكفر وشعبه ج ٢ ص ٣٩١ وآخره في باب صفة النفاق والمنافق ص ٣٩٣ وقد جمع المؤلف العلامة بينهما في هذا الباب كما تراه وقد أراد أن يشرح فقراتها نقلا عن شرحه على الكافي [مرآت العقول] فعاقه عن ذلك الاجل رضوان الله عليه.

قال في ج ٦٨ ص ٣٧٤ : أقول : فرق الكليني قدس الله روحه الخبر على أربعة أبواب فجمعنا ما أورده في بابي الاسلام والايمان هنا ، وسنورد ما أورده في بابي الكفر والنفاق في بابيهما مع شرح تتمة ما أورده السيد [يعني الرضي في نهج البلاغة] وصاحب التحف وغيرهما [كمجالس المفيد ص ١٧٠ ومجالس الشيخ ج ١ ص ٣٥].

ولكن كما ترى القارئ الكريم ما يتعلق بباب الكفر والنفاق منقول في هذا الباب تماما من دون شرح فمن أراد شرح ذلك فليراجع مرآت العقول ج ٢ ص ٣٧٩ ٣٨٧ ولما كان الشرح طويلا لم ننقله ههنا حذرا من التطويل ، وانما ننقل منه مالابد منه في فهم المراد والله المستعان.

١١٧

والشك والشبهة (١).

والفسق على أربع شعب : على الجفاء والعمى والغفلة والعتو ، فمن جفا احتقر الحق ، ومقت الفقهاء وأصر على الحنث العظيم ، ومن عمى نسي الذكر واتبع الظن وبارز خالقه ، وألح عليه الشيطان ، وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة ولا غفلة (٢).

ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره وحسب غيه رشدا وغرته الاماني وأخذته الحسرة والندامة إذا قضي الامر وانكشف عنه الغطاء ، وبدا له مالم يكن يحتسب ، ومن عتا عن أمر الله شك ومن شك تعالى الله عليه فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما اغتر بربه الكريم وفرط في أمره.

والغلو على أربع شعب : على التعمق بالرأي (٣) والتنازع فيه والزيغ والشقاق ، فمن تعمق لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات ، ولم

____________________

(١) قال الراغب في المفردات ص ٤٣٣ : الكفر ستر الشئ ووصف الليل بالكافر لسترة الاشخاص ، والزراع لستره البذر في الارض ، وليس ذلك باسم لهما وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها ، قال تعالى : «فلا كفران لسعيه» وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا ، والكفر في الدين أكثر والكفور فيهما جميعا.

وقال ابن ميثم في شرح النهج ٥٣٨ : وأما الكفر : فرسمه أنه جحد الصانع أو انكار أحد رسله عليهم‌السلام أو ماعلم مجيئهم به بالضرورة ، وله أصل ، وهو ماذكرناه وكمالات ومتممات هي الرذائل الاربع التي جعلها دعائم له.

(٢) قوله : «ولاغفلة» أي غفلة عن الذنوب وشبهة عرضت له فيها ، ويحتمل أن يكون تصحيف : «نقلة» أي انتقال عن الذنوب وتركها.

(٣) أي التعمق والغور في الامور بالاراء والمقاييس الباطلة يقال تعمق في الامر : اي بالغ في النظر فيه ، والمراد به المبالغة المقضية إلى حد الافراط وبعد ظهور الحق كمن وصل في البئر إلى الماء وقضى الوطر ، ثم غاص في البئر فغرق منه ره.

١١٨

تنحسر عنه فتنة إلا غشيته اخرى وانخرق دينه فهو يهوي في أمر مريج (١) ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل (٢) من طول اللجاج ، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة ، وحسنت عنده السيئة ، ومن شاق أعورت عليه طرقه ، واعترض عليه أمره ، فضاق مخرجه إذا لم يتبع سبيل المؤمنين.

والشك على أربع شعب : على المرية والهوى والتردد والاستسلام ، وهو قول الله عزوجل : «فبأي آلاء ربك تتمارى» (٣).

وفي رواية أخرى : على المرية والهول من الحق والتردد والاستسلام للجهل وأهله فمن هاله مابين يديه نكص على عقبيه ، ومن امترى في الدين تردد في الريب وسبقه الاولون من المؤمنين ، وأدركه الاخرون ، ووطئته سنابك الشيطان (٤) ومن استسلم لهلكة الدنيا والاخرة ، هلك فيما بينهما ، ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين ، ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين.

والشبهة على أربع شعب : إعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأول العوج (٥)

____________________

(١) أي أمر مختلط بالاباطيل المختلفة أو بالحق والباطل.

(٢) في بعض النسخ بالعين المهملة والثاء المثلثة أي الحمق وقد يقرء بالتاء المثناة ومعناه الاسراع إلى الباطل ، وفي أكثر النسخ «بالفشل» وهو الضعف والجبن ، قيل : وإنما شهر بالفشل لان خصمه المبطل لاينقاد للحق ، بل لايزال يجادل بالباطل ليدحض به الحق فيظهر ضعف هذا الحق فيشهر به ، منه ره.

(٣) النجم : ٥٥ ، والتمارى : المجادلة لاظهار قوة الجدل ، وقد يكون الممارى شاكا في نفسه أو يعتقد خلافه ، ومعذلك يتمارى مع الخصم ليغلب عليه.

(٤) السنابك جمع سنبك كقنفذ ، وهو طرف الحافر ، كناية عن استيلاء الشيطان وجنوده عليه ، عنه ره.

(٥) أي تأول الامر المعوج والباطل بما يظن أنه حق ومستقيم ، وقيل يعني التأويل الغير المستقيم ، منه ره.

١١٩

ولبس الحق بالباطل ، وذلك بأن الزينة تصدف عن البينة (١) وأن تسويل النفس تقحم على الشهوة وأن العوج يميل بصاحبه ميلا عظيما وأن اللبس ظلمات بعضها فوق بعض ، فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

وقال : والنفاق على أربع دعائم : على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع.

فالهوى على أربع شعب : على البغي والعدوان والشهوة والطغيان ، فمن بغى كثرت غوائله ، ونخلي منه نصر عليه ، ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه ، ولم يملك نفسه عن الشهوات ، ومن لم يعذل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات ، ومن طغى ظل على العمل بلا حجة (٢).

والهوينا (٣) على أربع شعب : على الغرة والامل والهيبة والمماطلة ، وذلك لان الهيبة ترد عن الحق ، والمماطلة تفرط في العمل ، حتى يقدم عليه الاجل ولولا الامل علم الانسان حسب ماهو فيه ولو علم حسب ماهو فيه مات خفاتا (٤) من الهول والوجل ، والغرة تقصر بالمرء عن العمل.

والحفيظة على أربع شعب : على الكبر والفخر والحمية والعصبية ، فمن استكبر أدبر عن الحق ومن فخر فجر ، ومن حمي أصر على الذنوب ، ومن أخذته العصبية جار ، فبئس الامر أمر بين إدبار وفجور ، وإصرار وجور على الصراط.

والطمع على أربع شعب : الفرح والمرح واللجاجة والتكاثر ، فالفرح مكروه عند الله والمرح خيلاء ، واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الاثام

____________________

(١) يعني أن زينة الباطل يمنع النظر ويصدفه عن العمل الذي يبين الحق من الباطل وهذا هو المراد بقوله «اعجاب بالزينة».

(٢) في بعض النسخ «على عمد بلا حجة» كما في المصدر المطبوع.

(٣) الهوينا : التؤدة والرفق ، وهي تصغير الهونى والهونى تأنيث الاهون ويجوز أن تكون الهونى فعلى اسما من الهينة أي السكينة والوقار ، ولعل المراد هنا السكينة والهوينا التي تراها على الفراعنة والجبارين ، وهي المناسبة للغرة والامل والهيبة والمماطلة.

(٤) اي مات فجاءة.

١٢٠