بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٤ ـ فتح : روي أن لقمان الحكيم قال لولده في وصيته : لاتعلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم ، فان ذلك لايحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته فقال ولده مامعناه : احب أن أرى لذلك مثالا أوفعالا أومقالا ، فقال له : أخرج أنا وأنت ، فخرجا ومعهما بهيم فركبه لقمان وترك ولده يمشي وراءه.

فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسي القلب ، قليل الرحمة ، يركب هوالدابة وهوأقوى من هذا الصبي ، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه ، وإن هذا بئس التدبير ، فقال لولده : سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال : نعم فقال : اركب أنت ياولدي حتى أمشي أنا ، فركب ولده ومشى لقمان.

فاجتازوا على جماعة اخرى فقالوا : هذابئس الوالد ، وهذا بئس الولد. أما أبوه فانه ما أدب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه ، والوالد أحق بالاحترام والركوب ، وأما الولد فلانه عق والده بهذه الحال فكلاهما أساءا في الفعال ، فقال لقمان لولده : سمعت؟ فقال : نعم ، فقال : نركب معا الدابة فركبا معا.

فاجتازوا على جماعة فقالوا : مافي قلب هذين الراكبين رحمة ، ولاعندهم من الله خبر ، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها ، ويحملانها مالاتطيق ، لوكان قدركب واحد ومشى واحد كان أصلح وأجود ، فقال : سمعت؟ فقال : نعم ، فقال : هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا ، فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان.

فاجتازوا على جماعة فقالوا : هذا عجيب من هذين الشخصين يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان ، وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ماكان فقال لولده : ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال ، فلاتلتفت إليهم واشتغل برضا الله جل جلاله ، ففيه شغل شاغل ، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال.

٥ ـ فتح : روي أن موسى عليه‌السلام قال : يارب احبس عني ألسنة بني آدم فانهم يذموني ـ وقد اوذي كما قال الله جل جلاله عنهم : « لاتكونوا كالذين آذوا

٣٦١

موسى » (١) ـ قيل : فأوحى الله جل جلاله إليه : ياموسى هذا شئ مافعلته مع نفسي أفتريد أن أعمله معك؟ فقال : قد رضيت أن تكون لي اسوة بك.

٦ ـ نهج : قال عليه‌السلام : من أحد سنان الغضب لله قوي على قتل أشداء الباطل (٢).

وقال عليه‌السلام : إذا هبت أمرا فقع فيه ، فان شدة توقيه أعظم مما تخاف منه (٣).

(٩٠)

* ( باب ) *

* « ( حسن العاقبة واصلاح السريرة ) » *

الايات : آل عمران : قل إن تخفوا مافي صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم مافي السموات ومافي الارض والله على كل شئ قدير (٤).

النساء : يستخفون من الناس ولايستخفون من الله وهم معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (٥).

الانعام : وهوالله في السموات والارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ماتكسبون (٦).

اسرى : ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين إنه كان للاوابين غفورا (٧).

___________________

(١) الاحزاب : ٦٩.

(٢ و ٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٨٥.

(٤) آل عمران : ٢٩.

(٥) النساء : ١٠٨.

(٦) الانعام : ٣.

(٧) أسرى : ٢٥.

٣٦٢

الاحزاب : إن تبدوا شيئا أوتخفوه فان الله كان بكل شئ عليما (١).

السجدة : وماكنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولاجلودكم ولكن ظننتم أن الله لايعلم كثيرا مما كنتم تعملون * وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرديكم فأصبحتم من الخاسرين (٢).

وقال تعالى : اعملوا ماشئتم إنه بما تعملون بصير (٣).

الحجرات : إن الله يعلم غيب السموات والارض والله بصير بما تعملون (٤).

الحشر : كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين (٥).

التغابن : يعلم مافي السموات والارض ويعلم ماتسرون وماتعلنون والله عليم بذات الصدور (٦).

الملك : وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (٧).

١ ـ لى : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن أيوب بن نوح ، عن محمدبن زياد ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحسن فيما بقي من عمره لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه ومن أساء فيما بقي من عمره اُخذ بالاول والاخر (٨).

٢ ـ لى : عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الامور خيرها عاقبة (٩).

___________________

(١) الاحزاب : ٥٤ (٢) السجدة : ٢٢ ـ ٢٣.

(٣) السجدة : ٤٠ (٤) الحجرات : ١٨.

(٥) الحشر : ١٦ (٦) التغابن : ٤.

(٧) الملك : ١٣ ـ ١٤.

(٨) أمالى الصدوق : ٣٥.

(٩) أمالى الصدوق : ٢٩٢.

٣٦٣

٣ ـ مع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن وهب القرشي عن جعفربن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : إن حقيقة السعادة أن يختم للمرء عمله بالسعادة ، وإن حقيقة الشقاء أن يختم للمرء عمله بالشقاء (١).

٤ ـ ب : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تزين للناس بمايحب الله ، وبارز الله في السر بمايكره [ الله ] لقي الله وهوعليه غضبان ، له ماقت (٢).

٥ ـ مع : أبي ، عن محمد العطار ، عن محمدبن الحسين ، عن أحمدبن سهل قال : سمعت أبافروة الانصاري وكان من السائحين يقول : قال عيسى بن مريم : يامعشر الحواريين بحق أقول لكم إن الناس يقولون : إن البنا بأساسه وإني لا أقول لكم كذلك ، قالوا : فماذا تقول ياروح الله؟ قال : بحق أقول لكم : إن آخر حجر يضعه العامل هوالاساس ، قال أبوفروة إنما أراد خاتمة الامر (٣).

٦ ـ لى : عن نوف البكالي قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يانوف إياك أن تتزين للناس وتبارز الله بالمعاصي فيفضحك الله يوم تلقاه (٤).

٧ ـ لى : ابن المغيرة ، عن جده ، عن جده ، عن السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة : من كانت الاخرة همه كفاه الله همه من الدنيا ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله له فيما بينه وبين الناس (٥).

٨ ـ ل : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني

___________________

(١) معانى الاخبار : ٣٤٥.

(٢) قرب الاسناد ص ٤٥.

(٣) معانى الاخبار : ٣٤٨.

(٤) أمالى الصدوق : ١٢٦.

(٥) أمالى الصدوق : ٢٢.

٣٦٤

مثله (١).

ثو : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، مثله (٢).

٩ ـ لى : العطار ، عن سعد ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عيسى الفراء ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه (٣).

١٠ ـ ما : عن أبي قلابة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أسر ما يرضي الله عزوجل أظهر الله له مايسره ، ومن أسر مايسخط الله تعالى أظهر الله مايخزيه (٤).

أقول : قد مر الخبر بتمامه في باب جوامع المكارم (٥).

١١ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن رجاء بن يحيى ، عن يعقوب بن يزيد الانباري ، عن زياد بن مروان ، عن جراح بن مليح أبي وكيع ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ياعلي مامن عبد إلا وله جواني وبراني يعني سريرة وعلانية ، فمن أصلح جوانيه أصلح الله عزوجل برانيه ، ومن أفسد جوانيه أفسد الله برانيه ، ومامن أحد إلا له صيت في أهل السماء ، وصيت في أهل الارض ، فاذا حسن صيته في أهل السماء وضع ذلك له في أهل الارض ، فاذا ساء صيته في أهل السماء وضع ذلك له في الارض قال : فسئل عليه‌السلام عن صيته ماهو؟ قال : ذكره (٦).

١١ ـ فس : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : طوبى لمن ذل في نفسه ، وطاب كسبه وصلحت سريرته (٧).

___________________

(١) الخصال ج ١ ص ٦٤.

(٢) ثواب الاعمال : ١٦٤.

(٣) أمالى الصدوق : ٢٩٤.

(٤) أمالى الطوسى ج ١ ص ١٨٥.

(٥) راجع ج ٦٩ ص ٣٨٢ من هذه الطبعة.

(٦) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٧٣.

(٧) تفسير القمى : ٤٢٩ ، في آية الانبياء : ٣٥.

٣٦٥

١٢ ـ سن : أبي ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : من أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس (١).

١٣ ـ م : قوله عزوجل « الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم » (٢) الذين يقدرون أنهم يلقون ربهم اللقاء الذي هوأعظم كراماته ، وإنما قال « يظنون » لانهم لايرون بماذا يختم لهم ، والعاقبة مستورة عنهم « وأنهم إليه راجعون » إلى كراماته ونعيم جناته ، لايمانهم وخشوعهم ، لايعلمون ذلك يقينا لانهم لايأمنون أن يغيروا ويبدلوا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لايزال المؤمن خائفا من سوء العاقبة لايتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له (٣).

١٤ ـ جا : أحمدبن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن يونس ، عن محمدبن ياسين قال : سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : ماينفع العبد يظهر حسنا ويسيرسيئا ، أليس إذا رجع إلى نفسه ، علم أنه ليس كذلك ، والله تعالى يقول : « بل الانسان على نفسه بصيرة » (٤) إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية (٥).

١٥ ـ ين : محمد بن خالد ، عن ابن المغيرة ، عن أبي خالد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : قال من أظهر للناس مايحب الله وبارزه بما يكره لقي الله وهوله ماقت.

١٦ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله بن الحسين العلوي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن أبي جعفر الجواد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : المرض لا أجر فيه ، ولكنه لايدع على العبد ذنبا إلا حطه ، وإنما الاجر

___________________

(١) المحاسن ص ٢٩.

(٢) البقرة : ٤٦.

(٣) تفسير الامام ص ٩٦ ط تبريز وص ١١٥ في ط.

(٤) القيامة : ١٤.

(٥) مجالس المفيد : ١٣٣.

٣٦٦

في القول باللسان ، والعمل بالجوارح ، وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة (١).

١٧ ـ نهج : قال عليه‌السلام : من أصلح مابينه وبين الله سبحانه أصلح الله مابينه وبين الناس ، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه ، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ (٢).

وقال عليه‌السلام : لكل امرئ عاقبة حلوة أو مرة (٣).

وقال عليه‌السلام : من أصلح سريرته أصلح الله [ له ] علانيته ، ومن عمل لدينه كفاه الله أمر دنياه ، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله مابينه وبين الناس (٤).

وقال عليه‌السلام : واعلم أن لكل ظاهر باطنا على مثاله ، فما طاب ظاهره طاب باطنه ، وماخبث ظاهره خبث باطنه ، وقد قال الرسول الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله يحب العبد ويبغض عمله ، ويحب العمل ويبغض بدنه واعلم أن لكل عمل نبات وكل نبات لاغنى به عن الماء ، والمياه مختلفة ، فما طاب سقيه طاب غرسه وحلت ثمرته ، وماخبث سقيه خبث غرسه وأمرت ثمرته (٥).

بيان : لعل المراد بالظاهر والباطن مايظهر من الانسان من أعماله ، وما هوباطن من نياته وعقائده ، فقوله عليه‌السلام : « وقدقال » كالاستثناء من المقدمتين والحاصل أن الغالب مطابقة الظاهر للباطن ، وقد يتخلف ذلك كمايدل عليه الخبر ويحتمل أن يكون المعنى أن مايظهر من أفعال المرء وأفعاله في آخر عمره يدل على ماكان كامنا في النفس من النيات الحسنة ، والعقائد الحقة ، والطينات الطيبة

___________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٢١٥ ، ويأتى في ج ٧٢ ص ١٧ ـ ٢٤ بيان ضاف من المؤلف العلامة قدس‌سره يشرح الحديث ويستوعب الكلام فيه ، فراجع (٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٦١.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٨٣.

(٤) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٤٥.

(٥) نهج البلاغة ج ١ ص ٢٩٧.

٣٦٧

أو النيات الفاسدة ، والعقائد الردية ، والطينات الخبيثة ، فيكون الخبر دليلا على ذلك ، فان من يكون في بدو حاله فاجرا ويختم له بالحسنى ، إنما يحبه الله لما يعلم من حسن سريرته الذي يدل عليه خاتمه عمله ، ومن كان بعكس ذلك يبغضه لمايعلم من سوء سريرته ، وهذان الوجهان مما خطر بالبال وربما يؤيد الثاني ماذكره بعده كمالايخفى بعد التأمل.

وقال ابن أبي الحديد (١) هومشتق من قوله تعالى « والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه » (٢) والمعنى أن لكلي حالتي الانسان الظاهرة أمرا باطنيا يناسبها من أحواله ، والحالتان الظاهرتان ميله إلى العقل ، وميله إلى الهوى ، فالمتبع لعله يرزق السعادة والفوز ، فهذا هوالذي طاب ظاهره وطاب باطنه ، والمتبع لمقتضى هواه يرزق الشقاوة والعطب ، وهذا هو الذي خبث ظاهره وخبث باطنه ، ومنهم من حمل الظاهر على حسن الصورة والهيئة وقبحهما ، وقال : همايدلان على قبح الباطن وحسنه ، وحمل حب العبد مع قبح الفعل على ما إذا كان مع قبح الصورة ولايخفى بعد الوجهين على الخبير.

١٨ ـ مجمع البيان : روى العياشي باسناده عن محمدبن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : مايصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسر سيئا؟ أليس إذا رج إلى نفسه يعلم أنه ليس كذلك؟ والله سبحانه يقول « بل الانسان على نفسه بصيرة » (٣) إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية.

وعن عمربن يزيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه تلاهذه الاية ثم قال : مايصنع الانسان أن يعتذر إلى الناس خلاف مايعلم الله منه ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : من أسر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر (٤).

___________________

(١) شرح النهج الحديدى ج ٢ ص ٤٤٨.

(٢) الاعراف : ٧٥.

(٣) القيامة : ١٤.

(٤) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٩٦.

٣٦٨

١٩ ـ عدة الداعى : قال الصادق عليه‌السلام يوما للمفضل بن صالح : يامفضل إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره ، فعاملهم بخالص من بره ، فهم الذين تم صحفهم يوم القيامة فرغا ، فاذا وقفوا بين يديه ملاها من سر ما أسروا إليه فقلت : يامولاي ولم ذلك؟ فقال : أجلهم أن تطلع الحفظة على مابينه وبينهم.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إياك وماتعتذر منه ، فانه لايعتذر من خير ، وإياك وكل عمل في السر تستحي منه في العلانية ، وإياك وكل عمل إذاذكر لصاحبه أنكره.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أعلامنازل الايمان درجة واحدة ، من بلغ إليها فقد فاز وظفر ، وهوأن ينتهي بسريرته في الصلاح إلى أن لايبالي لها إذاظهرت ولايخاف عقابها إذا استترت.

٢٠ ـ اسرار الصلوة : روي أن رجلا من بني إسرائيل قال : والله لاعبدن الله عبادة اذكر بهافكان أول داخل في المسجد وآخر خارج منه ، لايراه أحد حين الصلاة إلا قائما يصلي ، وصائما لايفطر ، ويجلس إلى حلق الذكر ، فمكث بذلك مدة طويلة وكان لايمر بقوم إلا قالوا فعل الله بهذا المرائي وصنع ، فأقبل على نفسه وقال : أراني في غير شئ لاجعلن عملي كله لله ، فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك إلا أنه تغيرت نيته إلى الخير فكان ذلك الرجل يمر بعد ذلك بالناس فيقولون : رحم الله فلانا الان أقبل على الخير.

٣٦٩

(٩١)

* ( باب ) *

* « (الذكر الجميل ومايلقى الله في قلوب العباد من محبة الصالحين ومن طلب رضى الله بسخط الناس) » *

الايات : مريم : واجعل لهم لسان صدق عليا (١).

وقال تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا (٢).

طه : وألقيت عليك محبة مني (٣).

الشعراء : واجعل لي لسان صدق في الاخرين (٤).

العنكبوت : وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الاخرة لمن الصالحين (٥).

الصافات : وتركنا عليه في الاخرين (٦).

١ ـ مع (٧) لى : محمدبن أحمد الاسدي ، عن عبدالله بن محمد بن المرزبان عن علي بن الجعد ، عن شعبة ، عن أبي عمران الجوني (٨) ، عن عبدالله بن الصامت قال : قال أبوذر رحمة الله عليه : قلت : يارسول الله الرجل يعمل لنفسه ويحبه الناس؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن (٩).

أقول : قدمضى خبر الحارث في باب حسن العاقبة (١٠).

___________________

(١) مريم : ٥٠ (٢) مريم : ٩٦.

(٣) طه : ٣٩ (٤) الشعراء : ٨٤.

(٥) العنكبوت : ٢٧.

(٦) الصافات : ٧٨ و ١٠٨ و ١١٩ ، ١٢٩ (٧) معانى الاخبار : ٣٢٢.

(٨) في الاصل ونسخة الامالى الجدى وهو تصحيف واسم الرجل عبدالملك بن حبيب راجع المشتبه ص ١٩٢.

(٩) أمالى الصدوق ، ١٣٧.

(١٠) راجع ص ٣٦٥ فيما مضى.

٣٧٠

٢ ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن المفضل قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إن من قبلنا يقولون : إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نوه به منوه من السماء أن الله يحب فلانا فأحبوه ، فتلقى له المحبة في قلوب العباد وإذا أبغض الله عبدا نوه منوه من السماء أن الله يبغض فلانا فأبغضوه ، قال : فيلقي الله له البغضاء في قلوب العباد.

قال : وكان عليه‌السلام متكئا فاستوى جالسا فنفض يده ثلاث مرات يقول : لاليس كمايقولون ، ولكن الله عزوجل إذا أحب عبدا أغرى به الناس في الارض ليقولوا فيه فيوثمهم ويأجره ، وإذا أبغض الله عبدا حببه إلى الناس ليقولوا فيه ليوثمهم ويوثمه.

ثم قال عليه‌السلام : من كان أحب إلى الله من يحيى بن زكريا عليه‌السلام أغراهم به حتى قتلوه ، ومن كان أحب إلى الله عزوجل من علي بن أبي طالب عليه‌السلام فلقي من الناس ماقد علمتم ، ومن كان أحب إلى الله تبارك وتعالى من الحسين بن علي صلوات الله عليهما فأغراهم به حتى قتلوه (١).

٣ ـ لى : ابن المتوكل ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن النوفلي ، عن ابن البطائني ، عن أبيه ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : كتب رجل إلى الحسين بن علي عليه‌السلام : ياسيدي أخبرني بخير الدنيا والاخرة فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانه من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله امور الناس ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام (٢).

٤ ـ ما : فيما كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام لمحمدبن أبي بكر : إن استطعت أن لاتسخط ربك برضا أحدمن خلقه فافعل ، فان في الله عزوجل خلفا من غيره ، وليس في شئ سواه خلف منه (٣).

___________________

(١) معانى الاخبار ص ٣٨٢.

(٢) أمالى الصدوق : ١٢١.

(٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ٢٨.

٣٧١

٥ ـ نوادر الراوندى : باسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أحب الله تعالى عبدا نادى مناد من السماء : ألا إن الله تعالى قد أحب فلانا فأحبوه ، فتعيه القلوب ولايلقى إلا حبيبا محببا مذاقا عندالناس ، وإذا إبغض الله تعالى عبدا نادى مناد من السماء : ألا إن الله تعالى قد أبغض فلانا فأبغضوه ، فتعيه القلوب وتعي عنه الاذان ، فلاتلقاه إلا بغيضا مبغضا شيطانا ماردا (١).

٦ ـ نهج : قال في وصيته لابنه الحسن عليهما‌السلام : إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده ، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح (٢).

(٩٢)

* ( باب ) *

* « ( حسن الخلق ) » *

* « ( وتفسير قوله تعالى : انك لعلى خلق عظيم ) » *

الايات : آل عمران : فبما رحمة من الله لنت لهم (٣).

القلم : إنك لعلى خلق عظيم (٤).

أقول : قد مضى أخبار هذا الباب في الابواب السابقة ، وخاصة في باب جوامع مكارم الاخلاق وستأتي أيضا (٥).

١ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن

___________________

(١) نوادر الراوندى : ٧.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ٨٥ في عهده إلى الاشتر.

(٣) آل عمران : ١٥٩.

(٤) القلم : ٤.

٣٧٢

صالح ، عن محمدبن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (١).

بيان : الخلق بالضم يطلق على الملكات والصفات الراسخة في النفس ، حسنة كانت أم قبيحة ، وهي في مقابلة الاعمال ، ويطلق حسن الخلق غالبا على مايوجب حسن المعاشرة ومخالطة الناس بالجميل.

قال الراغب : الخلق والخلق في الاصل واحد ، لكن خص الخلق بالهيئات والاشكال والصور المدركة بالبصر ، وخص الخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة (٢).

وقال في النهاية : فيه ليس شئ في الميزان أثقل من حسن الخلق الخلق بضم اللام وسكونها الدين والطبع والسجية وحقيقته أنه لصورة الانسان الباطنة وهي نفسها وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة ، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة ، ولهذا تكررت الاحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع ، كقوله « أكثر مايدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق » وقوله « أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا » وقوله « إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم » وقوله : « بعثت لاتمم مكارم الاخلاق » وأحاديث من هذا النوع كثيرة ، وكذلك جاء في ذم سوء الخلق أحاديث كثيرة انتهى.

وقيل : حسن الخلق إنما يحصل من الاعتدال بين الافراط والتفريط في القوة الشهوية والقوة الغضبية ، ويعرف ذلك بمخالطة الناس بالجميل والتودد والصلة والصدق واللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة والمراعاة والمساواة والرفق والحلم والصبر والاحتمال لهم والاشفاق عليهم ، وبالجملة هي حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك الاخلاق النفسانية بعضها ببعض ، ومن ثم قيل : هو حسن الصورة

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٩٩.

(٢) مفردات غريب القرآن ١٥٨.

٣٧٣

الباطنة التي هي صورة الناطقة كما أن حسن الخلق هوحسن الصورة الظاهرة و تناسب الاجزاء ، إلا أن حسن الصورة الباطنة قد يكون مكتسبا ولذا تكررت الاحاديث في الحث به وبتحصيله.

وقال الراوندي رحمه‌الله في ضوء الشهاب : الخلق السجية والطبيعة ثم يستعمل في العادات التي يتعودها الانسان من خير أوشر ، والخلق مايوصف العبد بالقدرة عليه ، ولذلك يمدح ويذم به ، ويدل على ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « خالق الناس بخلق حسن » انتهى.

وأقول : مدخلية حسن الخلق في كمال الايمان قدمر تحقيقه في أبواب الايمان.

٢ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلي ، عن الوشاء ، عن عبدالله بن سنان عن رجل من أهل المدينة ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مايوضع في ميزان امرء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق (١).

بيان : هو مما يستدل به على تجسم الاعمال وقد مضى الكلام فيه.

٣ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن أحمدبن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أربع من كن فيه كمل إيمانه ، وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوبا لم ينقصه ذلك ، قال : وهوالصدق وأداء الامانة والحياء وحسن الخلق (٢).

بيان : أربع مبتدأوكأن موصوفه مقدر أي خصال أربع ، والموصول بصلته خبره « وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوبا » مبالغة في كثرة ذنوبه أو كناية عن صدورها من كل جارحة من جوارحه ، ويمكن حملها على الصغائر فان صاحب هذه الخصال لايجترئ على الاصرار على الكبائر ، أو أنه يوفق للتوبة وهذه الخصال تدعوه إليها مع أن الصدق يخرج كثيرا من الذنوب كالكذب ومايشاكله وكذا أداء الامانة يخرج كثيرا من الذنوب كالخيانة في أموال الناس ومنع الزكوات

___________________

(١ ـ ٢) الكافى ج ٢ ص ٩٩.

٣٧٤

والاخماس وسائر حقوق الله ، وكذا الحياء من الخلق يمنعه [ من التظاهر بأكثر المعاصي والحياء من الله يمنعه عن تعمد المعاصي والاصرار ويدعوه إلى التوبة سريعا وكذا حسن الخلق يمنعه ] (١) عن المعاصى المتعلقة بايذاء الخلق كعقوق الوالدين وقطع الارحام والاضرار بالمسلمين ، فلايبقى من الذنوب إلا قليل لايضر في إيمانه مع أنه موفق للتوبة ، والله الموفق.

٤ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن محبوب ، عن عنبسة العابد قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : مايقدم المؤمن على الله عزوجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه (٢).

بيان : « مايقدم » كيعلم قدوما ، وتعديته بعلى لتضمين معنى الاقبال ، و الباء في قوله « بعمل » للمصاحبة ، ويحتمل التعدية « من أن يسع الناس بخلقه » أي يكون خلقه الحسن وسيعا بحيث يشمل جميع الناس.

٥ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن محمدبن عبدالجبار ، عن صفوان ، عن ذريح ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم (٣).

بيان : يدل على أن الاخلاق لها ثواب مثل ثواب الاعمال.

٦ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثر ماتلج به امتي الجنة : تقوى الله وحسن الخلق (٤).

توضيح : التقوى حسن المعاملة مع الرب وحسن الخلق حسن المعاملة مع الخلق ، وهما يوجبان دخول الجنة ، والولوج الدخول.

٧ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الاحمسي وعبدالله ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الخلق الحسن يميث الخطيئة كماتميث الشمس الجليد (٥).

توضيح : الميث والموث الاذابة ، مثت الشئ أميثه وأموثه من بابي باع

___________________

(١) مابين العلامتين أضفناه من شرح الكافى ج ٢ ص ١١٦.

(٢ ـ ٥) الكافى ج ٢ ص ١٠٠.

٣٧٥

وقال ـ فانماث إذا دفته وخلطته بالماء وأذبته ، وفي النهاية فيه حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد ، الجليد هوالماء الجامد من البرد ، وفي المغرب الجليد مايسقط على الارض من الندى فيجمد.

٨ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : هلك رجل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى الحفارين فاذا بهم لم يحفروا شيئا وشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : مايعمل حديدنا في الارض فكأنما نضرب به في الصفا فقال : ولم؟ إن كان صاحبكم لحسن الخلق ائتوني بقدح من ماء فأتوه به فأدخل يده فيه ثم رشه على الارض رشا ثم قال احفروا قال : فحفر الحفارون فكأنما كان رملا يتهايل عليهم (١).

بيان : المستترفي قوله « فأتى » للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنهم من قرأ اتي على بناء المفعول ، من باب التفعيل ، فالنائب للفاعل الضمير المستتر الراجع إلى الرجل والحفارين مفعوله الثاني ولايخفى مافيه ، والصفا جمع الصفاة وهي الصخرة الملساء وقوله « ولم » استفهام إنكاري أو تعجبي « إن كان » الظاهر أن « إن » مخففة عن المثقلة وتعجبه صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنه لم اشتد الارض عليهم مع كون صاحبهم حسن الخلق فانه يوجب يسر الامر في الحياة وبعد الوفاة بخلاف سوء الخلق فانه يوجب اشتداد الامر فيهما ، والحاصل أنه لماكان حسن الخلق فليس هذا الاشتداد من قبله فهومن قبل صلابة الارض فصب الماء المتبرك بيده المباركة على الموضع ، فصار باعجازه في غاية الرخاوة.

وقيل : « إن » للشرط « ولم » قائم مقام جزاء الشرط ، فحاصله أنه لوكان حسن الخلق لم يشتد الحفر على الحفارين ، فرش صاحب الخلق الحسن الماء الذي أدخل يده المباركة فيه لرفع تأثير خلقه السيئ ولايخفى بعده.

وقال في النهاية : كل شئ أرسلته إرسالا من طعام أوتراب أورمل فقد هلته هيلا ، يقال : هلت الماء وأهلته إذا صببته وأرسلته ، ومنه حديث الخندق فعادت كثيبا أهيل أي رملا سائلا انتهى ، وبعضهم يقول : هلت التراب حركت أسفله فسال من أعلاه.

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٠١.

٣٧٦

٩ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن محمدبن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الخلق منيحة يمنحها الله عزوجل خلقه ، فمنه سجية ومنه نية ، فقلت : فأيتهما أفضل؟ فقال : صاحب السجية هو مجبول لايستطيع غيره ، وصاحب النية يصبر على الطاعة تصبرا فهو أفضلهما (١).

ايضاح : المنيحة كسفينة والمنحة بالكسر العطية « فمنه سجية » أي جبلة وطبيعة خلق عليها « ومنه نية » أي يحصل عن قصد واكتساب وتعمل ، والحاصل أنه يتمرن عليه حتى يصير كالغريزة فبطل قول من قال إنه غريزة لامدخل للاكتساب فيه ، وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه « عود نفسك الصبر على المكروه ، فنعم الخلق التصبر » (٢) والمراد بالتصبر تحمل الصبر بتكلف ومشقة لكونه غير خلق.

١٠ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبدالله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي اللهبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كمايعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح (٣).

بيان : اللهب بالكسر قبيلة « كمايعطي المجاهد » لمشقتهما على النفس ولكون جهاد النفس كجهاد العدو بل أشق وأشد ، ولذا شمي بالجهاد الاكبر وإن كان في جهاد العدو جهاد النفس أيضا ، وقوله « يغدوعليه ويروح » حال عن المجاهد كناية عن استمراره في الجهاد في أول النهار ، وآخره ، فان الغدوأول النهار والرواح آخره ، أو المعنى يذهب أول النهار ويرجع آخره ، والاول أظهر.

وقال في المصباح : غدا غدوا من باب قعد ذهب غدوة ، وهي مابين صلاة الصبح وطلوع الشمس ثم كثر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق أي وقت كان

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٠١.

(٢) نهج البلاغة الرقم ٣١ من الرسائل والكتب.

(٣) الكافى ج ٢ ص ١٠١.

٣٧٧

وراح يروح رواحا أي رجع كمافي قوله تعالى : « غدوها شهر ورواحها شهر » (١) أي ذهابها شهر ورجوعها شهر ، وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لايكون إلا في آخر النهار ، وليس كذلك ، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أونهار. وقال الازهري وغيره : وعليه قوله عليه‌السلام : من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا أي ذهب انتهى وكأن الانسب هنا ماذكرنا أولا.

وقيل : لعل المراد أن الثواب يغدو على حسن خلقه ويروح ، يعني أنه ملازم له كملازمة حسن خلقه ، ولايخلومن بعد.

١١ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن عبدالله الحجال ، عن أبي عثمان القابوسي عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : قال إن الله تبارك وتعالى أعار أعداءه أخلاقا من أخلاق أوليائه ليعيش أولياؤه مع أعدائه في دولاتهم ، وفي رواية اخرى : ولولا ذلك لماتركوا وليا الله إلا قتلوه (٢).

بيان : « أعار أعداءه » كأن الاعارة إشارة إلى أن هذه الاخلاق لاتبقى لهم ثمرتها ولاينتفعون بها في الاخرة ، فكأنها عارية تسلب منهم بعد الموت ، أو أن هذه ليست مقتضى ذواتهم وطيناتهم ، وإنما اكتسبوها من مخالطة طينتهم مع طينة المؤمنين ، كماورد في بعض الاخبار وقد مر شرحها ، أو إلى أنها لما لم تكن مقتضى عقائدهم ونياتهم الفاسدة ، وإنما اعطوها لمصلحة غيرهم ، فكأنها عارية عندهم ، والوجوه متقاربة.

١٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن حمادبن عيسى ، عن الحسين بن المختار عن العلا بن كامل قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إذا خالطت الناس فان استطعت أن لاتخالط أحدا من الناس إلا كانت يدك العليا عليه فافعل ، فان العبد يكون فيه بعض التقصير من العبادة ، ويكون له خلق حسن فيبلغه الله بخلقه (٣) درجة الصائم

___________________

(١) سبأ : ١٢ (٢) الكافى ج ٢ ص ١٠١.

(٣) بحسن خلقه خ ل.

٣٧٨

القائم (١).

ايضاح : العليا بالضم مؤنث الاعلى ، وهي خبر « كانت » و « عليه » متعلق بالعليا والتعريف يفيد الحصر « فافعل » أي الاحسان أو المخالطة والاول أظهر أي كن أنت المحسن عليه ، أو أكثر إحسانا لابالعكس ، ويحتمل كون « العليا » صفة لليد و « عليه » خبر « كانت » أي يدك المعطية ثابتة أو مفيضة أو مشرفة عليه والاول أظهر ، وفي كتاب الزهد للحسين بن سعيد يدك عليه العليا (٢).

قال في النهاية : فيه : اليد العليا خير من اليد السفلى ، العليا المتعففة والسفلى السائلة ، روي ذلك عن ابن عمر ، عن وروي عنه أنها المنفقة ، وقيل : العليا المعطية والسفلى الاخذة ، وقيل : السفلى المانعة.

وقال السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه في الغرر والدرر : معنى قوله عليه‌السلام « اليد » النعمة والعطية ، وهذا الاطلاق شائع بين العرب ، فالمعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة وهذا حث منه صلى‌الله‌عليه‌وآله على المكارم وتحضيض على اصطناع المعروف بأوجز الكلام وأحسنه انتهى والتعليل المذكور بعده مبني على أن الكرم أيضا من حسن الخلق أوهو من لوازمه.

« الصائم القائم » أي المواظب على الصيام بالنهار في غير الايام المحرمة أوفي الايام المسنونة ، وعلى قيام الليل أي تمامه أوعلى صلاة الليل مراعيا لادابها.

١٣ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن بحرالسقاء قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يابحر حسن الخلق يسر [ ُّ ] ثم قال : ألا اخبرك بحديث ماهوفي يدي أحد من أهل المدينة؟ قلت : بلى ، قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالس في المسجد إذجاءت جارية لبعض الانصار وهو قائم فأخذت بطرف ثوبه فقام لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم تقل شيئا ولم يقل لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٠١.

(٢) راجع الرقم ٦٨ من هذا الباب.

٣٧٩

شيئا ـ حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ـ فقام لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرابعة وهي خلفه فأخذت هدبة من ثوبه ، ثم رجعت.

فقال لها الناس : فعل الله بك وفعل ، حبست رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات لاتقولين له شيئا ولاهويقول لك شيئا ، ماكانت حاجتك إليه؟ قالت : إن لنا مريضا فأرسلني أهلي لاخذ هدبة من ثوبه ، ليستشفي بها ، فلما أردت أخذها رآني فقام فاستحييت أن آخذها وهويراني ، وأكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها (١).

بيان : « يسر » أي سبب ليسر الامور على صاحبه ويمكن أن يقرأ « يسر » بصيغة المضارع أي يصير سببا لسرور صاحبه أوالناس أوالاعم « ماهو » « ما » نافية والجملة صفة للحديث « وهوقائم » حال عن بعض الانصار وقيل : إنما ذكر ذلك للاشعار بأن مالكها لم يكن مطلعا على هذا الامر فحسن الخلق فيه أظهر « فقام لها النبي » كأن قيامه صلى‌الله‌عليه‌وآله لظن أنها تريده لحاجة يذهب معها فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، فلما لم تقل شيئا ولم يعلم غرضها جلس ، وقيل : إنما قام لترى الجارية أن الهدبة في أي موضع من الثوب فتأخذ وقال في النهاية : هدب الثوب وهدبته وهدابه طرف الثوب ممايلي طرته ، وفي القاموس الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب ، واحدتهما بهاء.

« فعل الله بك وفعل » كناية عن كثرة الدعاء عليه بايذائه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا شائع في عرف العرب والعجم ، وقولها : « يستشفي » الضمير المستتر راجع إلى المريض ، وهو استيناف بياني أو حال مقدرة عن الهدبة ، أو هو بتقدير « لان يستشفي » وفي بعض النسخ بل أكثرها « ليستشفي » « وهويراني » حال عن فاعل « آخذها » وقيل « أكره » حال عن فاعل « استحييت ».

١٤ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حبيب الخثعمي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفاضلكم أحسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم (٢).

___________________

(١ و ٢) الكافى ج ٢ ص ١٠٢.

٣٨٠