بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بيان : « نجاة المؤمن » أي من مهالك الدنيا والاخرة « حفظ لسانه » الحمل على المبالغة ، وفي بعض النسخ « من حفظ لسانه » (١) أي هو من أعظم أسباب النجاة فكأنها منحصرة فيه ، والحاصل أنه لاينجو إلا من حفظ لسانه.

٧٤ ـ كا : بالاسناد عن يونس ، عن مثنى ، عن أبي بصير قال : سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول : كان أبوذر يقول : يامبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر ، فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك وورقك (٢).

بيان : « يامبتغي العلم » أي ياطالبه ، وفيه ترغيب على التكلم بما ينفع في الاخرة أو في الدنيا أيضا إذا لم يضر بالاخرة « فاختم على لسانك » أي إذا كان اللسان مفتاحا للشر فاخزنه حتى لايجري عليه مايوجب خسارك وبوارك كما أن ذهبك وفضتك تخزنهما لتوهم صلاح عاجل فيهما ، فاللسان أولى بذلك فانه مادة لصلاح الدنيا والاخرة ، وفساده يوجب فساد الدارين وفي القاموس الورق مثلثة وككتف وجبل الدراهم المضروبة والجمع أوراق ، وفي المصباح ومنهم من يقول هو النقرة مضروبة [ أو غير مضروبة ] ، وقال الفارابي الورق المال من الدراهم وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : الكلام في وثاقك مالم تتكلم به فاذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ، فرب كلمة سلبت نعمة [ وجلبت نقمة ] (٣).

٧٥ ـ كا : عن حميدبن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذبن ثابت ، عن عمروبن جميع ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان المسيح عليه‌السلام يقول : لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله ، فان الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسية قلوبهم ، ولكن لايعلمون (٤).

___________________

(١) وفى بعض النسخ « في حفظ لسانه » كما في المصدر المطبوع.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١١٤.

(٣) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٣٧ ، وقدمر.

(٤) الكافى ج ٢ ص ١١٤.

٣٠١

بيان : قساوة القلب غلظه وشدته وصلابته ، بحيث يتأبى عن قبول الحق كالحجر الصلب يمر عليه الماء ولايقف فيه ، وفيه دلالة على أن كثرة الكلام في الامور المباحة يوجب قساوة القلب ، وأما الكلام في الامور الباطلة فقليله كالكثير في إيجاب القساوة والنهي عنه ، وكأن في الحديث إشارة إلى قوله سبحانه « أفمن شرح الله صدره للاسلام فهوعلى نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين » (١). قال البيضاوي : الاية في حمزة وعلي وأبي لهب وولده.

٧٦ ـ كا : عن العدة ، عن سهل ، عن ابن أبي نجران ، عن أبي جميلة عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : مامن يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد يكفر اللسان يقول : نشدتك الله أن نعذب فيك (٢).

تبيين : في النهاية في حديث الخدري إذا أصبح ابن آدم فان الاعضاء كلها تكفر اللسان أي تذل وتخضع ، والتكفير هو أن ينحني الانسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه ، وقال : نشدتك الله والرحم أي سألتك بالله وبالرحم ، يقال : نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك ، وتعديته إلى مفعولين إما لانه بمنزلة دعوت أولانهم ضمنوه معنى ذكرت ، فأما أنشدتك بالله فخطاء انتهى.

وكأن الكلام بلسان الحال وفيه استعارة تمثيلية ، قوله « أن نعذب » كان في الكلام تقديرا أي تكف نفسك من أن نعذب فيك ، أي بسببك.

٧٧ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن أحمدبن محمدبن عيسى ، عن علي بن الحكم عن إبراهيم بن مهزم الاسدي ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين صلوات عليهما قال : إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح فيقول : كيف أصبحتم فيقولون بخير إن تركتنا ، ويقولون : الله الله فينا ، ويناشدونه ويقولون : إنما نثاب

___________________

(١) الزمر : ٢٢.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١١٤.

٣٠٢

ونعاقب بك (١).

ايضاح : قوله عليه‌السلام « يشرف » كأن إشرافه كناية عن تسلطه عليها وكونها تحب حكمه ، والله منصوب بتقدير اتق أو احذر ، والتكرار للتأكيد والحصر وقوله « إنما نثاب » ادعائي بناء على الغالب والحاصل أن العمدة في ثوابنا وعقابنا أنت.

٧٨ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ومحمدبن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن قيس أبي إسماعيل ـ وذكر أنه لابأس به من أصحابنا ـ رفعه قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يارسول الله أوصني فقال : احفظ لسانك قال : يارسول الله أوصني ، قال : احفظ لسانك ، قال : يارسول الله أوصني ، قال : احفظ لسانك ، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم (٢).

تبيان : « جاء رجل » في روايات العامة أن الرجل كان معاذبن جبل ، وويح كأنه منصوب على النداء كما يصرح به كثيرا ورد للتعجب من حاله كيف استصغر ما أوصاه به ولم يكتف ، وطلب غيره بتكرار السؤال ، وفي النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع ، يقال لمن وقع في هلكة لايستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر.

وقال : في الحديث وهل يكب الناس على مناخر هم في النار إلا حصائد ألسنتهم أي ما يقطعونه من الكلام الذي لاخير فيه واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع وتشبيها للسان ومايقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به.

وفي القاموس : كبه قلبه وصرعه كأكبه وكبكبه فأكب وهولازم ومتعد ، و قال المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس وملمول الانف انتهى والحصر كما مر وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : فكبكبوا فيها هم والغاون (٣)

___________________

(١ ـ ٢) الكافى ج ٢ ص ١١٥.

(٣) الشعراء : ٩٤.

٣٠٣

وقد وردت أخبار بأن الغاوين قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره.

٧٩ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن محمدبن عبدالجبار ، عن ابن فضال عمن رواه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يحسب كلامه من عمله كثرت خطاياه وحضر عذابه (١).

بيان : « من لم يحسب » من باب نصر من الحساب أو كنعم من الحسبان بمعنى الظن والاول أظهر وهذا رد على مايسبق إلى أوهام أكثر الخلق من الخواص والعو ام أن الكلام ليس مما يترتب عليه عقاب ، فيجترؤن على أنواع الكلام بلاتأمل وتفكر ، مع أن أكثر أنوا ع الكفر والمعاصي من جهة اللسان ، لان اللسان له تصرف في كل موجود وموهوم ومعدوم ، وله يد في العقليات والخياليات والمسموعات والمشمومات والمبصرات والمذوقات والملموسات ، فصاحب هذا الحسبان الباطل لايبالي بالكلام في أباطيل هذه الامور وأكاذيبها فيجتمع عليه من كل وجه خطيئة ، فتكثر خطاياه.

وأما غير اللسان فخطاياه قليلة ، بالنسبة إليه فان خطيئة السمع ليست إلا المسموعات ، وخطيئة البصر ليست إلا المبصرات ، وقس عليهما سائر الجوارح والمراد بحضور عذابه حضور أسبابه ، وقيل : إنما حضر عذابه لانه أكثر ما يكون يندم على بعض ماقاله ، ولاينفعه الندم ، ولانه قلما يكون كلام لايكون موردا للاعتراض ولاسيما إذاكثر.

٨٠ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يعذب الله اللسان بعذاب لايعذب به شيئا من الجوارح ، فيقول : يارب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا؟ فيقول له : خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الارض ومغاربها ، فسفك بها الدم الحرام ، وانتهب بها المال الحرام ، وانتهك بها الفرج الحرام ، وعزتي وجلالي لاعذبنك بعذاب

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١١٥.

٣٠٤

لا اعذب به شيئا من جوارحك (١).

بيان : « خرجت منك كلمة » أي من الفتاوى الباطلة أو الاعم منها ومن أحكام الملوك وغيرهم ، وسائر مايكون سببالامثال ذلك ، وقوله « من جوارحك » إما بتقدير مضاف أي جوارح صاحبك ، أو الاضافة للمجاورة والملابسة ، أو للاشارة إلى أن سائر الجوارح تابعة له وهورئيسها وكأن الكلام مبني على التمثيل و السؤال والجواب بلسان الحال ، ويحتمل أن يكون الله تعالى يعطيه حياة وشعورا وقدرة على الكلام كما قيل في شهادة الجوارح.

٨١ ـ كا : بالاسناد المتقدم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان في شئ شؤم ففي اللسان (٢).

بيان : الشؤم أصله الهمز ، وقد يخفف ، بل الغالب عليه التخفيف لكن الجوهري والفيروزآبادي لم يذكراه إلا مهموزا قال الجوهري : الشؤم نقيض اليمن ، يقال : رجل مشوم ومشؤوم وقد شام فلان على قومه يشأمهم فهو شائم إذا جر عليهم الشؤم ، وقد شئم عليهم فهو مشؤوم إذا صار شؤما عليهم انتهى وقال في النهاية : فيه إن كان الشؤم في شئ ففي ثلاث : المرأة ، والدار ، والفرس ، أي إن كان مايكره ويخاف عاقبته ، ثم قال : والواو في الشؤم همزة ولكنها خففت فصارت واوا وغلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة ، والشؤم ضد اليمن يقال : تشاءمت بالشئ وتيمنت به.

وأقول : الحديث الذي أورده مروي في طرقنا أيضا (٣) فالحصر في هذا

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١١٥.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١١٦.

(٣) من ذلك مارواه الصدوق في الخصال ج ١ ص ٤٩ عن محمدبن على ماجيلويه عن محمدبن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالدبن نجيح عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : تذاكروا الشؤم عنده فقال عليه‌السلام : الشؤم في ثلاثة : في المرأة ، والدابة ، والدار : فأماشؤم المرأة فكثرة مهرها وعقوق زوجها ، وأما.

٣٠٥

الخبر بالنسبة إلى أعضاء الانسان ، وكثرة شؤم اللسان لكثرة المضرات والمفاسد المترتبة عليها ظاهرة قد سبق القول فيها.

٨٢ ـ كا : عن العدة ، عن سهل والحسين بن محمد ، عن المعلى جميعا ، عن الوشاء قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : كان الرجل من بني إسرائيل إذا أراد العبادة صمت قبل ذلك عشر سنين (١).

ايضاح : « صمت قبل ذلك » أي عمالاينبغي ، وتلك المدة ليصير الصمت ملكة له ، ثم كان يشتغل بالعبادة والاجتهاد فيها ، لتقع العبادة صافية خالية عن المفاسد.

وأقول : يحتمل أن يكون الصمت في تلك المدة للتفكر في المعارف اليقينية والعلوم الدينية حتى يكمل في العلم ، ويستحق لتعليم العباد ، وإرشادهم ، وتكميل نفسه بالاعمال الصالحة أيضا فيأمن عن الخطاء والخطل في القول والعمل ، ثم يشرع في أنواع العبادات التي منها هداية الخلق وتعليمهم وتكميلهم كمامر (٢) عن أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام « كل سكوت ليس فيه فكرة فهوسهو » وقال الكاظم عليه‌السلام : دليل العقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، ومثله كثير.

وهذا وجه حسن لم يسبقني إليه فطن ، وإن كان بفضل المفيض المالك جل ما أوردته في هذا الكتاب كذلك.

٨٣ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن أحمدبن محمد ، عن بكربن صالح ، عن الغفاري ، عن جعفربن إبراهيم قال : سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من رأى موضع كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه (٣).

ايضاح : الغفار ككتاب حي من العرب « من رأى موضع كلامه من عمله » أي يعلم أن كلامه أكثر من سائر أعماله ، أو يعلم أنه محسوب من أعماله ومجازى

___________________

الدابة فسوء خلقها ومنعها ظهرها ، وأما الدار فضيق ساحتها وشر جيرانها وكثرة عيوبها.

(١ و ٣) الكافى ج ٢ ص ١١٦ (٢) راجع ص ٢٧٥ فيما مضي.

٣٠٦

به ، كمامر ، والاول هنا أظهر ، ويمكن إدراج المعنيين فيه « فيما يعنيه » أي يهمه وينفعه.

٨٤ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عثمان ابن عيسى ، عن سعيدبن يسار ، عن منصور بن يونس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : في حكم آل داود : على العاقل أن يكون عارفا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظآ للسانه (١).

بيان : « في حكم آل داود » أي الزبور أو الاعم منه ومما صدر عنه عليه‌السلام أوعنهم من الحكم « على العاقل » أي يجب أويلزم عليه « أن يكون عارفا بزمانه » أي بأهل زمانه ليميز بين صديقه وعدوه الواقعيين وبين من يضله ومن يهديه وبين من تجب متابعته ومن تجب مفارقته ومجانبته ، فلاينخدع منهم في دينه ودنياه ويعلم موضع التقية والعشرة والعزلة والحب والبغض ، وفي الحديث والعالم بزمانه لاتهجم عليه اللوابس وفي حديث آخر : عارفا بأهل زمانه مستوحشا من أوثق إخوانه ، و في وصية أمير المؤمنين للحسن صلوات الله عليهما يابني إنه لابد للعاقل من أن ينظر في شأنه ، فليحفظ لسانه ، وليعرف أهل زمانه.

قوله عليه‌السلام : « مقبلا على شأنه » أي يكون دائما مشتغلا باصلاح نفسه ومحاسبتها ومعالجة أدوائها وتحصيل ماينفعها ، والاجتناب عما يرديها ويضر بها ، ولايصرف شيئا من عمره فيها لايعنيه « حافظا للسانه » عن اللغو والباطل كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذاتم العقل نقص الكلام (٢).

٨٥ ـ كا : عن محمدبن يحيى ، عن محمدبن الحسين ، عن علي بن رباط ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لايزال العبد المؤمن يكتب محسنا مادام ساكتا ، فاذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا (٣).

___________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١١٦.

(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٥٧.

(٣) الكافى ج ٢ ص ١١٦.

٣٠٧

بيان : « يكتب محسنا » إما لايمانه ، أولسكوته فانه من الاعمال الصالحة كما ذكره الناظرون في هذا الخبر ، وأقول : الاول عندي أظهر ، وإن لم يتفطن به الاكثر لقوله عليه‌السلام : فاذا تكلم كتب محسنا أو مسيئا لانه على الاحتمال الثاني يبطل الحصر لانه يمكن أن يتكلم بالمباح ، فلايكون محسنا ولامسيئا إلا أن يعم المسئ تجوزا بحيث يشمل غير المحسن مطلقا وهوبعيد.

فان قيل : يرد على ما اخترته أن في حال التكلم بالحرام ثواب الايمان حاصل له ، فيكتب محسنا ومسيئا معا فلايصح الترديد ، قلت : يمكن أن يكون المراد بالمحسن المحسن من غير إساءة كما هو الظاهر فتصح المقابلة ، مع أن بقاء ثواب استمرار الايمان مع فعل المعصية في محل المنع ، ويومي إلى عدمه قولهم عليهم‌السلام « لايزني الزاني حين يزني وهومؤمن » (١) وأمثاله مماقدمر بعضها ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الاخبار ، وأحد علل ماورد أن نوم العالم عبادة ، أي هو في حال النوم في حكم العبادة ، لاستمرار ثواب علمه وإيمانه وعدم صدور شئ منه يبطله في تلك الحالة.

___________________

(١) راجع ج ٦٩ ص ١٧٥ ـ ٢١١ من هذه الطبعة.

٣٠٨

(٧٩)

( باب )

* (قول الخير والقول الحسن والتفكر فيما يتكلم) *

الايات : البقرة ، وقولوا للناس حسنا (١).

اسرى : قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للانسان عدوا مبينا (٢).

الفرقان : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (٣).

القصص : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لانبتغي الجاهلين (٤).

الاحزاب : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم (٥).

تفسير : « وقولوا للناس » قال الامام عليه‌السلام : قولوا للناس كلهم حسنا مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره ، وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم ، فان ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين إلى آخر ماسيأتي في باب التقية (٦).

وفي الكافي والعياشي ، عن الباقر عليه‌السلام : في هذه الاية قال : قولوا

___________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) أسرى : ٥٣.

(٣) الفرقان : ٦٣.

(٤) القصص : ٥٥.

(٥) الاحزاب : ٧٠ ـ ٧١.

(٦) تفسير الامام ص ١٤٥ ، وترى تتمة التفسير في ج ٧٥ ص ٤٠١ ـ ٤٠٦.

٣٠٩

للناس أحسن ماتحبون أن يقال لكم (١).

وفي الكافي ، عن الصادق عليه‌السلام : لاتقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ماهو؟ قيل : يعني لاتقولوا إلا خيرا ماتعلموا الخير فيهم ، فأما إذا علمتم أنه لاخير فيهم وانكشف لكم عن سوء ضمائرهم بحيث لاتبقى لكم مرية ، فلاعليكم أن لا تقولوا خيرا ، و « ما » تحتمل الموصولية والاستفهام والنفي ، وقال علي بن إبراهيم : نزلت في اليهودثم نسخت بقوله تعالى : « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » (٢).

ويمكن الجمع بأنه إنما نسخت في حق اليهود وأهل الذمة المأمور بقتالهم ، وبقي حكمها في سائر الناس.

١ ـ ل (٣) لى : يحيى بن زيد بن العباس ، عن عمه علي بن العباس ، عن إبراهيم بن بشر ، عن عمروبن خالد ، عن الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : القول الحسن يثري المال ، وينمي الرزق وينسي في الاجل ، ويحبب إلى الاهل ، و يدخل الجنة (٤).

٢ ـ لى : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يانوف قل خيرا تذكر بخير (٥).

٣ ـ لى : المكتب ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن جعفربن عثمان ، عن سليمان بن مهران قال : دخلت على الصادق وعنده نفر من الشيعة فسمعته وهويقول : معاشر الشيعة كونوا لنازينا ولاتكونوا علينا شينا قولوا للناس حسنا ، واحفظوا ألسنتكم ، وكفوها عن الفضول وقبيح القول (٦).

___________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٤٨.

(٢) تفسير القمى ص ٤٣.

(٣) الخصال ج ١ ص ١٥٣.

(٤) أمالى الصدوق ص ٢.

(٥) أمالى الصدوق ص ١٢٦.

(٦) أمالى الصدوق ص ٢٤٠.

٣١٠

ما : الغضايرى ، عن الصدوق مثله (١).

٤ ـ لى : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : من لم يرع في كلامه أظهر هجره (٢).

٥ ـ ما (٣) ع : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ألا قولوا خيرا تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله (٤).

٦ ـ ع : ماجيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن القاساني ى ، عن الثقفى عن علي بن المعلى ، عن إبراهيم بن الخطاب رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام : قال : إذا أفلتت من أحدكم كلمة جفاء يخاف منها على نفسه ، فليتبعها بكلمة تعجب منها تحفظ عليه وتنسى تلك (٥).

٧ ـ سن : أبي ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ثلاث من أبواب سالبر سخاء النفس ، وطيب الكلام ، والصبر على الاذى (٦).

٨ ـ سن : أبي ، عن النوفلى ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده ما أنفق الناس من نفقة أحب من قول الخير (٧).

٩ ـ سن : أبي ، عن اليقطيني ، عن يونس ، عن أبي الحسن الاصفهاني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قولوا الخير تعرفوا به ، واعملوا

___________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٥٥.

(٢) أمالى الصدوق ص ١٩٤.

(٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ٢٢١.

(٤) علل الشرائع ج ١ ص ٢٣٥.

(٥) علل الشرائع ج ٢ ص ١٥٠ ، وفيه « كلمة حمقاء » بدل « كلمة جفاء » والمراد بقوله : « وكلمة تعجب منها » الكلمة الصالحة الحكيمة التى تعجب منها النفوس وتبتدعها (٦) المحاسن ص ٦.

٣١١

الخير تكونوا من أهله (١).

١٠ ـ سن : أبي ، عن ابن أسباط رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أوسكت على سوء فسلم (٢).

١١ ـ ف : عن أبي محمد عليه‌السلام قال : قلب الاحمق في فمه ، وفم الحكيم في قلبه (٣).

١٢ ـ سن : أبي ، عن عبدالله بن الفضل ، عن خالد ، عن محمدبن سليمان رفعه قال : أخذ رجل بلجام دابة رسول الله فقال : يارسول الله أي الاعمال أفضل؟ فقال إطعام الطعام ، وإطياب الكلام (٤).

١٣ ـ ل : باسناده ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما‌السلام في قول الله تعالى « و قولوا للناس حسنا » (٥) قال : نزلت في أهل الذمة ثم نسخها قوله تعالى « قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الاخر ولايحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون » (٦).

١٤ ـ يب : باسناده ، عن أحمد بن محمدبن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي علي قال : كنا عند أبي عبدالله عليه‌السلام فقال رجل : جعلت فداك قول الله عزوجل « وقولوا للناس حسنا » هوللناس جميعا؟ فضحك وقال : لا ، عني : قولوا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى أهل بيته.

بيان : كأنه على المثال ، والمراد تأويل الاية بأن الغرض إظهار الامور الحقة بين الناس ، أو المراد بالناس الانسان الحقيقي وهم الانبياء والائمة عليهم‌السلام كماورد في تفسير قوله تعالى : « ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس » (٧) وعلى

___________________

(١ ـ ٢) المحاسن ص ١٥.

(٣) تحف العقول ٤٨٩ في ط.

(٤) المحاسن ص ٢٩٢.

(٥) البقرة : ٨٣.

(٦) براءة : ٢٩.

(٧) البقرة : ١٩٩.

٣١٢

التقديرين هو أحد بطون الاية ، ومحمول على غير حال التقية.

١٥ ـ شى : عن حريز ، عن بريد قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : اطعم رجلا سائلا لا أعرفه مسلما؟ قال : نعم أطعمه مالم تعرفه بولاية ولابعداوة ، إن الله يقول : « وقولوا للناس حسنا » (١).

بيان : كأن المعنى أنه إذاكان القول الحسن معهم مطلوبا كان إطعامهم أيضا مطلوبا بطريق أولى ، أويكون ذكره للتنظير لرفع الاستبعاد ، أويكون هذا تأويلا آخر للاية ، بأن يراد بها حسن الظن بهم ، وعدم نسبة الكفر والخلاف إليهم ما لم يعلم ذلك.

١٦ ـ شى : عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : اتقوالله ولاتحملوا الناس على أكتافكم ، إن الله يقول في كتابه : « وقولوا للناس حسنا » (٢).

___________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٤٨ ، والاية في البقرة : ٨٣.

(٢) المصدر نفسه.

٣١٣

(٨٠)

( باب )

* ( التفكر والاعتبار والاتعاظ بالعبر ) *

الايات : البقرة : كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون * في الدنيا والاخرة (١).

وقال تعالى : ومايذكر إلا اولوا الالباب (٢).

آل عمران : إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار (٣).

وقال تعالى : قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (٤).

وقال تعالى : ويتفكرون في خلق السموات والارض ماخلقت هذا باطلا (٥).

الانعام : قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين (٦).

وقال تعالى : إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون (٧).

وقال : قل هل يستوي الاعمى والبصير أفلا تتفكرون (٨).

___________________

(١) البقرة : ٢١٩ ، و ٢٦٦.

(٢) البقرة : ٢٦٩.

(٣) آل عمران : ١٣.

(٤) آل عمران : ١٣٧.

(٥) آل عمران : ١٩١.

(٦) الانعام : ١١.

(٧) الانعام : ٣٦.

(٨) الانعام : ٥٠.

٣١٤

وقال : ذلكم وصيكم به لعلكم تذكرون (١).

الاعراف : قليلا ماتذكرون (٢).

وقال : فاقصص القصص لعلهم يتفكرون (٣).

وقال تعالى : أولم ينظروافي ملكوت السموات والارض وماخلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون (٤).

وقال تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لايقصرون (٥).

يونس : كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون (٦).

وقال تعالى : فانظر كيف كان عاقبة المنذرين (٧).

وقال سبحانه : قل انظروا ما في السموات والارض وماتغني الايات والنذر عن قوم لايؤمنون (٨).

يوسف : أولم يسيروافي الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم (٩).

وقال تعالى : لقدكان في قصصهم عبرة لاولي الالباب (١٠).

الرعد : إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون (١١).

الحجر : إن في ذلك لايات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم * إن في

___________________

(١) الانعام : ١٥٢ (٢) الاعراف : ٣.

(٣) الاعراف : ١٧٦ (٤) الاعراف : ١٨٥.

(٥) الاعراف : ٢٠١ و ٢٠٢.

(٦) يونس : ٢٤.

(٧) يونس : ٧٣ (٨) يوس : ١٠١.

(٩) يوسف : ١٠٩.

(١٠) يوسف : ١١١.

(١١) الرعد : ٣.

٣١٥

ذلك لاية للمؤمنين (١).

النحل : إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون (٢).

وقال تعالى : فسيروافي الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (٣).

المؤمنون : قل أفلاتذكرون (٤).

الفرقان : ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا (٥).

وقال تعالى : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا (٦).

النمل : قليلا ماتذكرون (٧).

وقال تعالى : قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين (٨).

العنكبوت : قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الاخرة إن الله على كل شئ قدير (٩).

وقال تعالى : إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون (١٠).

وقال تعالى : ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون (١١).

وقال تعالى : وتلك الامثال نضربها للناس ومايعقلها إلا العالمون (١٢).

الروم : أولم يتكفروا في أنفسهم ماخلق الله السموات والارض ومابينهما

___________________

(١) الحجر : ٧٥ ـ ٧٧ (٢) النحل : ١١.

(٣) النحل : ٣٦ (٤) المؤمنون : ٨٦.

(٥) الفرقان : ٥٠ (٦) الفرقان : ٧٣.

(٧) النمل : ٦٢.

(٨) النمل ٦٩.

(٩) العنكبوت : ٢٠.

(١٠) العنكبوت : ٢٤.

(١١) العنكبوت : ٣٥.

(١٢) العنكبوت : ٤٣.

٣١٦

إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون * أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الارض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فماكان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (١).

وقال تعالى : إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون (٢).

المؤمن : ومايتذكر إلا من ينيب. وقال تعالى : قليلا ماتتذكرون (٣).

وقال تعالى : أفلم يسيروافي الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الارض فما أغنى عنهم ماكانوا يكسبون (٤).

السجدة : سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد * ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط (٥).

الجاثية : إن في السموات والارض لايات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيابه الارض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون (٦).

وقال تعالى : إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون (٧).

___________________

(١) الروم : ٨ و ٩.

(٢) الروم : ٢١.

(٣) المؤمن : ١٣ و ٥٨.

(٤) المؤمن : ٨٢.

(٥) السجده : ٥٣ و ٥٤.

(٦) الجاثية : ٣ ـ ٥.

(٧) الجاثية : ١٣.

٣١٧

محمد : أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها (١).

الذاريات : وفي الارض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون (٢).

القمر : ولقد جائهم من الانباء مافيه مزد جر * حكمة بالغة فماتغن النذر إلى قوله تعالى : ولقد تركناها آية فهل من مدكر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (٣).

الحشر : فاعتبروا يا اولي الابصار (٤).

وقال : وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (٥).

الحاقة : لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية (٦).

المزمل والدهر : إن هذه تذكرة * فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (٧).

١ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : نبه بالتفكر قلبك ، وجاف عن الليل جنبك ، واتق الله ربك (٨).

بيان : التنبيه الايقاظ عن النوم وعن الغفلة ، وفي القاموس النبه بالضم الفطنة ، والقيام من النوم ، وأنبهته ونبهته فتنبه وانتبه ، وهذا منبهة على كذا مشعر به ، ولفلان مشعر بقدره ومعل له ، وما نبه له كفرح مافطن ، والاسم

___________________

(١) القتال : ١٠ (٢) الذاريات : ٢٠ و ٢١.

(٣) القمر : ٤ ـ ١٥.

(٤) الحشر : ٢.

(٥) الحشر : ٢١.

(٦) الحاقة : ١٢.

(٧) المزمل : ١٩ ، الدهر : ٢٩.

(٨) الكافى ج ٢ ص ٥٤.

٣١٨

النبه بالضم ونبه باسمه تنبيها نوه انتهى والتفكر إعمال الفكر فيما يفيد العلم به قوة الايمان واليقين ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الاخرة.

قال الغزالي : حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه كما إذا تفكر أن الاخرة باقية والدنيا فانية ، فانه يحصل له العلم بأن الاخرة خير من الدنيا ، وهويبعثه على العمل للاخرة فالتفكر سبب لهذا العلم ، وهذا العمل حالة نفسانية ، وهوالتوجه إلى الاخرة ، وهذه الحالة تقتضي العمل لها وقس على هذا ، فالتفكر موجب لتنور القلب وخروجه من الغفلة وأصل لجميع الخيرات.

وقال المحقق الطوسي قدس‌سره : التفكر سير الباطن من المبادي إلى المقاصد ، وهوقريب من النظر ، ولايرتقي أحد من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير ، ومباديه الافاق والانفس ، بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته ، وفي الاجرام العلوية من الافلاك والكواكب ، وحركاتها وأوضاعها ومقاديرها واختلافاتها ومقارناتها ومفارقانها وتأثيراتها وتغييراتها ، وفي الاجرام السفلية وترتيبها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها ، وفي أجزاء الانسان وأعضائه من العظام والعضلات والعصبات والعروق ، وغيرها ممالايحصى كثرة ويستدل بها وبما فيها من المصالح والمنافع والحكم والتغيير على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته وعدم ثبات ماسواه.

وبالجملة التفكر فيما ذكر ونحوه من حيث الخلق والحكمة والمصالح أثره العلم بوجود الصانع وقدرته وحكمته ، ومن حيث تغيره وانقلابه وفنائه بعد وجوده أثره الانقطاع منه ، والتوجه بالكلية إلى الخالق الحق.

ومن هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين ، وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ، ورجوعهم إلى دار الاخرة ، فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله والانقطاع إليه بالتقوى والطاعة ، ولذا أمر بهما بعد الامر بالتفكر ، ويمكن تعميم التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الايات القرآنية والاخبار النبوية والاثار المروية

٣١٩

عن الائمة الاطهار والمسائل الدينية والاحكام الشرعية ، وبالجملة كل ما أمر الشارع الصادع بالخوض فيه والعلم به.

قوله : عليه‌السلام : « وجاف عن الليل جنبك » الجفا البعد ، وجاف عنه كذا أي باعده عنه ، في الصحاح جفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا إذا رفعته عنه ، وجافاه عنه فتجافا جنبه عن الفراش أي نبا انتهى. وقال سبحانه : « تتجافى جنوبهم عن المضاجع » (١) وإسناد المجافاة إلى الليل مجاز في الاسناد أي جاف عن الفراش بالليل أو فيه تقدير مضاف أي جاف عن فراش الليل جنبك ، وعلى التقادير كناية عن القيام بالليل للعبادة وقدمر معنى التقوى والتوصيف بالرب للتعليل.

٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبان ، عن الحسن الصيقل قال : سألت أباعبدالله عليه‌السلام عما يروي الناس أن تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت : كيف يتفكر؟ قال : يمر بالخربة أو بالدار فيقول : أين ساكنوك؟ وأين بانوك؟ مالك لاتتكلمين؟ (٢).

بيان : « خير من قيام ليلة » أي للعبادة ، لان التفكر من أعمال القلب وهوأفضل من أعمال الجوارح ، وأيضا أثره أعظم وأدوم ، إذ ربما صار تفكر ساعة سببا للتوبة عن المعاصي ولزوم الطاعة تمام العمر « يمر بخربة » كأنه عليه‌السلام ذكر ذلك على سبيل المثال لتفهيم السائل ، أوقال ذلك على قد رفهم السائل ورتبته ، فانه كان قابلا لهذا النوع من التفكر ، والمراد بالدار مالم تخرب لكن مات من بناها وسكنها غيره وبالخربة ماخرب ولم يسكنه أحد وكون الترديد من الراوي كما زعم بعيد ويحتمل أن يكون أين ساكنوك للخربة وأين بانوك للدار ، على اللف والنشر المرتب لكن كونهما لكل منهما أظهر.

والظاهر أن القول بلسان الحال ويحتمل المقال وقوله : « مالك لاتتكلمين » بيان لغاية ظهور الحال أي العبرة فيك بينة بحيث كان ينبغي أن تتكلم بذلك

___________________

(١) السجدة : ١٦.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٥٤.

٣٢٠