بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرية والازواج إلى ساير مابلاهم الله عزوجل به من أنعمه الظاهرة ، فلما أمسك القوم أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على علي عليه‌السلام فقال : يا أبا الحسن قل! فقد قال أصحابك ، فقال : وكيف لي بالقول فداك أبي وامي؟ وإنما هدانا الله بك؟ قال : ومع ذلك فهات قل! ما أول نعمة بلاك الله عزوجل وأنعم عليك بها؟

قال : أن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا قال : صدقت فما الثانية؟ قال : أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لامواتا ، قال : صدقت فما الثالثة؟ قال : أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب قال : صدقت فما الرابعة؟ قال : أن جعلني متفكرا واعيا لا بلها ساهيا قال : صدقت فما الخامسة؟ قال : أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا منيرا ، قال : صدقت فما السادسة؟ قال : أن هداني لدينه ولم يضلني عن سبيله ، قال : صدقت فما السابعة؟ قال : أن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها ، قال : صدقت فما الثامنة؟ قال : أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا قال : صدقت فما التاسعة؟ قال : أن سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه ، قال : صدقت فما العاشرة؟ قال : أن جعلنا سبحانه ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا ، قال : صدقت فما بعد هذا؟ قال : كثرت نعم الله يانبى الله فطابت ، وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها.

فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : لتهنك الحكمة ليهنك العلم يابا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لامتي ما اختلفت فيه من بعدي ، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى صراط مستقيم ومن رغب عن هداك وأبغضك وتخلاك لقي الله يوم القيامة لاخلاق له (١).

١٨ ـ ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن عمرو بن

____________________

(١) أمالى الطوسي ج ٢ ص ١٠٥ و ١٠٦.

٢١

عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : احببني وحببني إلى خلقي قال موسى : يارب إنك لتعلم أنه ليس أحد أحب إلي منك فكيف لي بقلوب العباد؟ فأوحى الله إليه فذكرهم نعمتي وآلائي فانهم لايذكرون مني إلا خيرا.

١٩ ـ ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد ابن النضر ، عن إسرائيل رفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله عزوجل لداود عليه‌السلام : أحببني وحببني إلى خلقي! قال : يارب نعم أنا احبك فكيف احببك إلى خلقك؟ قال : اذكر أيادي عندهم ، فانك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني.

٢٠ ـ سن : أبي رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من أراد أن يعلم ماله عند الله فلينظر مالله عنده (١).

سن : النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن النبي صلوات الله عليهم مثله (٢).

٢١ ـ سن : عبدالرحمان بن حماد ، عن حنان بن سدير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله : ماتحبب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه ، وإنه ليتحبب إلي بالنافلة حتى احبه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أحببته ، وإذا سألني أعطيته ، وما تردد في شئ أنا فاعله كترددي في موت المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته (٣).

٢٢ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : نجوى العارفين تدور على ثلاثة اصول : الخوف والرجاء والحب ، فالخوف فرع العلم ، والرجاء فرع اليقين ، والحب فرع المعرفة ، فدليل الخوف الهرب ، ودليل الرجاء الطلب ، ودليل الحب إيثار المحبوب على ماسواه ، فاذا تحقق العلم في الصدر خاف ( فاذا كثر المرء في المعرفة خاف )

____________________

(١ و ٢) المحاسن ص ٢٥٢.

(٣) المحاسن ٢٩١.

٢٢

وإذا صح الخوف هرب ، وإذا هرب نجا ، وإذا أشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل ، وإذا تمكن من رؤية الفضل رجا ، وإذا وجد حلاوة الرجاء طلب ، وإذا وفق للطلب وجد ، وإذا تجلى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة ، وإذا هاج ريح المحبة استأنس ظلال المحبوب ، وآثر المحبوب على ماسواه ، وباشر أوامره ( وأجتنب نواهيه واختارهما على كل شئ غيرهما ، وإذا استقام على بساط الانس بالمحبوب مع أداء أوامره واجتناب نواهيه ) (١) وصل إلى روح المناجاة والقرب ومثال هذه الاصولة الثلاثة كالحرم والمسجد والكعبة ، فمن دخل الحرم أمن من الخلق ، ومن دخل المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها في المعصية ، ومن دخل الكعبة أمن قبله من أن يشغله بغير ذكر الله.

فانظر أيها المؤمن فان كانت حالتك حالة ترضاها لحلول الموت ، فاشكر الله على توفيقه وعصمته ، وإن تكن الاخرى فانتقل عنها بصحة العزيمة ، واندم على ماسلف من عمرك في الغفلة ، واستعن بالله على تطهير الظاهر من الذنوب ، وتنظيف الباطن من العيوب ، واقطع زيادة الغفلة عن نفسك ، واطف نار الشهوة من نفسك (٢).

٢٣ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : حب الله إذا أضاء على سر عبد أخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله عند ظلمة ، والمحب أخلص الناس سر الله ، وأصدقهم قولا ، وأوفاهم عهدا ، وأزكاهم عملا ، وأصفاهم ذكرا ، وأعبدهم نفسا تتباهى الملائكة عند مناجاته وتفتخر برؤيته ، وبه يعمر الله تعالى بلاده ، وبكرامته يكرم عباده ، يعطيهم إذا سألوه بحقه ، ويدفع عنهم البلايا برحمته ، فلو علم الخلق ما محله عند الله ومنزلته لديه ماتقربوا إلى الله إلا بتراب قدميه.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : حب الله نار لايمر على شئ إلا احترق ونور الله لايطلع على شئ إلا أضاء ، وسحاب (٣) الله مايظهر من تحته شئ إلا غطاه وريح الله ماتهب في شئ إلا حركته ، وماء الله يحيى به كل شئ ، وأرض الله

____________________

(١) مابين العلامتين ساقط من نسخة الكمبانى.

(٢) مصباح الشريعة ص ٢ و ٣. (٣) سماء الله خ.

٢٣

ينب منها كل شئ ، فمن أحب الله أعطاه كل شئ من المال والملك.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أحب الله عبدا من امتي قذف في قلوب أصفيائه وأرواح ملائكته وسكان عرشه محبته ليحبوه فذلك المحب حقا ، طوبى له ثم طوبى له ، وله عند الله شفاعة يو القيامة (١).

٢٤ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : المشتاق لايشتهي طعاما ، ولا يلتذ بشراب ولا يستطيب رقادا ، ولا يأنس حميما ، ولا يأوي دارا ، ولا يسكن عمرانا ، ولا يلبس لينا ، ولا يقر قرارا ، ويعبد الله ليلا ونهارا ، راجيا أن يصير إلى ما اشتقا إليه ، ويناجيه بلسان شوقه معبرا عما في سريرته ، كما أخبر الله عزوجل عن موسى عليه‌السلام في ميعاد ربه يقول : « وعجلت إليك رب لترضى » (٢) وفسر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حاله أنه لا أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما ، شوقا إلى الله عزوجل ، فاذا دخلت ميدان الشوق فكبر على نفسك ومرادك من الدنيا ، وودع جميع المألوفات ، وأحرم (٣) عن سوى معشوقك ، قد ولت بين حياتك وموتك (٤) لبيك اللهم لبيك ، أعظم الله أجرك ، ومثل المشتاق مثل الغريق ليس له همة إلا خلاصه وقد نسي كل شئ دونه (٥).

٢٥ ـ تم : روى الحسين بن سيف صاحب الصادق عليه‌السلام في كتاب أصله الذي

____________________

(١) مصباح الشريعة ص ٦٤.

(٢) طه : ٨٤.

(٣) في المصدر : واصرفه عن سوى مشوقك ، وهو تصحيف.

(٤) كذا في نسخة الكمبانى والنسخة المخطوطة ، وفي المصدر « ولب بين حياتك وموتك » من التلبية ، ولا وجه له ، ولعل الصحيح « فدولب » من الدولاب ، أى طوفوا بين الحياة والموت كما تطوف بين الصفا والمروة ، أو الصحيح « هرولت » من الهرولة وهى السعى بين الصفا والمروة.

(٥) الصمدر ص ٦٥.

٢٤

أسنده إليه قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : لايمحض رجل الايمان بالله حتى يكون الله أحب إليه من نفسه وأبيه وامه وولده وأهله وماله ومن الناس كلهم.

٢٦ ـ نص : علي بن الحسين ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن همام ، عن الحميري ، عن عمر بن علي العبدي ، عن داود الرقي ، عن ابن ظبيان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : إن اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة ، حتى ورثوا منه حب الله ، فان حب الله إذا ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه اللطف ، فاذا نزل اللطف صار من أهل الفوائد ، فاذا صار من أهل الفوائد تكلم بالحكمة ( وإذا تكلم بالحكمة ) صار صاحب فطنة ، فاذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة ، فاذا عمل في القدرة عرف الاطباق السبعة ، فاذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلب في فكر بلطف وحكمة وبيان ، فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه ، فاذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى فعاين ربه في قلبه ، وورث الحكمة بغير ماورثه الحكماء وورث العلم بغير ماورثه العلماء ، وورث الصدق بغير ماورثه الصديقون.

إن الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ، وإن العلماء ورثوا العلم بالطلب وإن الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة ، فمن أخذه بهذه المسيرة إما أن يسفل وإما أن يرفع وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع ، إذا لم يرع حق الله ولم يعمل بما أمر به ، فهذه صفة من لم يعرف الله حق معرفته ولم يحبه حق محبته ، فلا يغرنك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم فانهم حمر مسنفرة.

أقول : تمامه في أبواب النصوص على الائمة عليهم‌السلام.

٢٧ ـ جع : قال علي عليه‌السلام : من أحب أن يعلم كيف منزلته عند الله؟ فلينظر كيف منزلة الله عنده فان كل من خير له أمران : أمر الدنيا وأمر الاخرة فاختار أمر الآخرة على الدنيا ، فذلك الذي يحب الله ، ومن اختار أمر الدنيا فذلك الذي لا منزلة لله عنده.

وقال الصادق عليه‌السلام : القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله (١).

____________________

(١) جامع الاخبار ص ٢٨.

٢٥

٢٨ ـ مسكن الفؤاد : للشهيد الثاني رفع الله مقامه : في أخبار داود عليه‌السلام يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبني ، وجليس من جالسني ، ومونس لمن أنس بذكري ، وصاحب لمن صاحبني ، ومختار لمن اختارني ، ومطيع لمن أطاعني ، ما أحبني أحد أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي ، وأحببته حبا لايتقدمه أحد من خلقي ، من طلبني بالحق وجدني ومن طلب غيري لم يجدني فارفضوا يا أهل الارض ما أنتم عليه من غرورها ، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي ، وآنسوني اؤنسكم ، واسارع إلى محبتكم.

وأوحى الله إلى بعض الصديقين أن لي عبادا من عبيدي يحبوني واحبهم ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ، ويذكروني وأذكرهم ، فان أخذت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك.

قال : يارب وماعلامتهم؟ قال : يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الشفيق غنمه ، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها عند الغروب ، فاذا جنهم الليل ، واختلط الظلام ، وفرشت الفرش ، ونصبت الاسرة ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، نصبوا إلى أقدامهم ، وافترشوا إلي وجوههم ، وناجوني بكلامي وتملقوني بأنعامي ، مابين صارخ وباك ، وبين متأوه وشاك ، وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد ، بعيني ما يتحملوني من أجلي ، وبسمعي مايشكون من حبي.

أول ما اعطيهم ثلاثا : الاول أقذف من نوري في قلوبهم ، فيخبرون عني كما اخبر عنهم ، والثاني لو كانت السماوات والارضون وما فيهما من مواريثهم لاستقللتها لهم ، والثالث أقبل بوجهي عليهم ، أفترى من أقبلت عليه بوجهي يعلم أحد ما اريد أن اعطيه؟

٢٩ ـ اعلام الدين للديلمي : روي أن موسى عليه‌السلام قال : يارب أخبرني عن آية رضاك عن عبدك ، فأوحى الله تعالى إليه : إذا رأيتني اهيئ عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي ، فذلك آية رضاي.

٢٦

وفي رواية اخرى : إذا رأيت نفسك تحب المساكين ، وتبغض الجبارين فذلك آية رضاي.

٤٤

( باب )

* « القلب وصلاحه وفساده ، ومعنى السمع والبصر والنطق والحياة الحقيقيات » *

الايات ، البقرة : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة (١) وقال تعالى : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (٢) وقال تعال : صم بكم عمى فهم لايرجعون (٣) وقال تعالى : صم بكم عمي فهم لايعقلون (٤) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون (٥) وقال تعالى : واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم (٦) وقال : تشابهت قلوبهم (٧).

آل عمران : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه (٨) وقال تعالى : ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا (٩).

المائدة : وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون (١٠) وقال تعالى : وجعلنا قلوبهم قاسية (١١) وقال تعالى : اولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم (١٢).

____________________

(١) البقرة : ٦.

(٢ ـ ٦) البقرة : ١٠ و ١٨ و ١٧١ و ٧٣ و ٩٣ و ١١٩ على الترتيب.

(٧ و ٩) آل عمران : ٧ و ٨.

(١٠ ـ ١٢) المائدة : ٧١ ، ١٣ ، ٤١.

٢٧

الانعام : إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون (١) وقال تعالى : والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات (٢) وقال تعالى : وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا (٣) وقال : ولكن قست قلوبهم (٤) وقال : قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به (٥) وقال تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لايؤمنون (٦).

الاعراف : ونطبع على قلوبهم فهم لايسمعون (٧) وقال : كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين (٨) وقال تعالى : لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولم آذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم أضل اولئك هم الغافلون (٩).

الانفال : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه (١٠) وقال : إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم (١١).

التوبة : وطبع على قلوبهم فهم لايفقهون (١٢) وقال تعالى : وطبع الله على قلوبهم فهم لايعلمون (١٣) وقال سبحانه : وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون (١٤) وقال تعالى : ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لايفقهون (١٥).

يونس : ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لايعقلون * ومنه من يظنر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لايبصرون (١٦) وقال : إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون (١٧) وقال تعالى : كذلك نطبع على قلوب المعتدين (١٨).

____________________

(١ و ٦) الانعامم : ٣٦ ، ٣٨ ، ٢٥ ، ٤٣ ، ٤٦ ، ١٢٥.

(٧ و ٩) الاعراف : ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٧٨.

(١٠ و ١١) الانفال : ٢٤ ، ٥٠.

(١٢ و ١٥) براءة : ٨٨ ، ٩٤ ، ١٢٥ ، ١٢٨.

(١٦ و ١٨) يونس : ٤٢ ، ٦٧ ، ٧٤.

٢٨

هود : ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون (١) وقال تعالى : مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (٢).

الرعد : قل هل يستوي الاعمى والبصير أم هل يستوي الظلمات والنور إلى قوله تعالى : أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب الله الامثال إلى قوله سبحانه : أفمن يعلم أنما انزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر اولوا الالباب (٣) وقال تعالى : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (٤).

النحل : أموات غير أحياء ومايشعرون أيان يبعثون (٥) وقال تعالى : إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون (٦) وقال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة (٧).

أسرى : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (٨).

الكهف : وربطنا على قلوبهم (٩) وقال تعالى : ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (١٠).

الانبياء : لاهية قلوبهم (١١) وقال تعالى : قل إنما انذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون (١٢).

الحج : وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم (١٣) وقال

____________________

(١ ـ ٢) هود : ٢٠ و ٢٤.

(٣ و ٤) الرعد : ٢٨١٦.

(٥ ـ ٧) النحل : ٢١ ، ٦٥ ، ٩٧.

(٨) أسرى : ٧٢.

(٩ ـ ١٠) الكهف : ١٤ ، ٢٨.

(١١ ـ ١٢) الانبياء : ٣ ، ٤٥.

(١٣) الحج : ٢٤ و ٣٥.

٢٩

تعالى : أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (١) وقال تعالى : ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم (٢).

الفرقان : أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون * إن هم إلا كالانعام بلهم أضل سبيلا (٣) وقال تعالى : والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا (٤).

الشعراء : يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (٥) وقال تعالى : قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين (٦) وقال تعالى : نزل به الروح الامين على قلبك (٧) وقال تعالى : كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لايؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم (٨).

النمل : إنك لاتسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (٩).

الروم : فانك لاتسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولود مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (١٠) إلى قوله تعالى : كذلك يطبع الله على قلوب الذين لايعلمون.

لقمان : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه

____________________

(١ ـ ٢) الحج : ٤٦ ، ٥٣.

(٣ ـ ٤) الفرقان : ٤٤ ، ٧٣.

(٥ ـ ٨) الشعراء : ٨٩ ، ١٣٦ ، ١٩٣ ، ٢٠٠.

(٩) النمل : ٨٠ و ٨١.

(١٠) مابين العلامتين موجود في نسخة الاصل مضروبا عليه بالخط الاحمر ، وفيها بدل « الروم » : « إلى قوله تعالى » فاستظهرنا أن مصحح النسخة قد اشتبه عليه الاتيان في سورة الروم ٥٢ و ٥٣ والنمل ، فضرب على آيتى الروم زعما منه بأنهما مكررتان ، وقوله تعالى : « كذلك يطبع الله على قلوب الذين لايعلمون » في سورة الروم ٥٨ ، لا في النمل.

٣٠

وقر (١).

التنزيل : إن في ذلك لآية لقوم يسمعون (٢).

الاحزاب : ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه (٣) وقال تعالى : وبلغت القلوب الحناجر (٤) وقال تعالى : وإذ تقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ماوعدنا الله ورسوله إلا غرورا (٥) وقال تعالى : وقذف في قلوبهم الرعب (٦) وقال تعالى : والله يعلم مافي قلوبكم (٧) وقال تعالى : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن (٨) وقال : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض (٩).

فاطر : وما يستوي الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الاحياء ولا الاموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور (١٠).

يس : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون (١١) وقال تعالى : لينذر من كان حيا (١٢).

الصافات : وإن من شيعته لابراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم (١٣).

الزمر : أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين * الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله (١٤).

____________________

(١) لقمان : ٧.

(٢) التنزيل : ٢٦.

(٣ ـ ٩) الاحزاب : ٤ ، ١٠ ، ١٢ ، ٢٦ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٦٠.

(١٠) فاطر : ٢٢١٩.

(١١ و ١٢) يس : ٩ و ٧٠.

(١٣) الصافات : ٨٣ و ٨٤.

(١٤) الزمر : ٢١ ٢٢.

٣١

المؤمن : كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار (١) وقال تعالى : وما يستوي الاعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قليلا ما تتذكرون (٢).

السجدة : فأعرض أكثرهم فهم لايسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعوننا وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (٣) وقال : والذين لايؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد (٤).

الزخرف : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين (٥).

الجائية : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون (٦).

محمد : ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم ماذا قال آنفا اولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهوائهم (٧) وقال تعالى : اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم * أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (٨).

الفتح : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم (٩).

الحجرات : اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى (١٠).

____________________

(١ و ٢) المؤمن : ٣٥ ، ٥٨.

(٣ و ٤) السجدة : ٤ و ٥ ، ٤٤.

(٥) الزخرف : ٤٠.

(٦) الجاثية : ٢٣.

(٧ و ٨) القتال : ١٦ ، ٢٣.

(٩) الفتح : ٤.

(١٠) الحجرات : ٣.

٣٢

ق : وجاء بقلب منيب (١) وقال تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (٢).

الحديد : ألم يأن للذين آمنوا آن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (٣).

المجادلة : اولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه (٤).

الصف : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم (٥).

المنافقين : فطبع على قلوبهم فهم لايفقهون إلى قوله تعالى : كأنهم خشب مسندة (٦).

التغابن : ومن يؤمن بالله يهد قلبه (٧).

الملك : وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ماكنا في أصحاب السعير (٨) و قال تعالى : أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم (٩).

الم نشرح : ألم نشرح لك صدرك.

١ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : مامن قلب إلا وله اذنان على إحداهما ملك مرشد ، وعلى الاخرى شيطان مفتن ، هذا يأمره وهذا يزجره : الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها

____________________

(١ و ٢) ق : ٣٣ ، ٣٧.

(٣) الحديد : ١٦.

(٤) المجادلة : ٢١.

(٥) الصف : ٥.

(٦) المنافقون : ٤٣.

(٧) التغابن : ١١.

(٨ و ٩) الملك : ١١ ، ٢٢.

٣٣

وهو قول الله عزوجل « عن اليمين وعن الشمال قعيد * مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد » (١).

تبيين : اعلم أن معرفة القلب وحقيقته وصفاته مما خفي على أكثر الخلق ولم يبين أئمتنا عليهم‌السلام ذلك إلا بكنايات وإشارات ، والاحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بينوه لنا من صلاحه وفساده ، وآفاته ودرجاته ، ونسعى في تكميل هذه الخلقة العجيبة واللطيفة الربانية ، وتهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانية ، وتحليتها بالاخلاق الملكية الروحانية ، لنستعد بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال وإفاضة المعارف من حضرة ذي الجلال ، ولا يتوقف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداء فانه لو كان متوقفا على ذلك لاوضح موالينا وأئمتنا عليهم‌السلام لنا ذلك بأوضح البيان ، وحيث لم يبينوا ذلك لنا فالاحوط بنا أن نسكت عما سكت عنه الكريم المنان ، لكن نذكر هنا بعض ماقيل في هذا المقام ، ونكتفي بذلك والله المستعان.

فاعلم أن المشهور بين الحكماء ومن يسلك مسلكهم أن المراد بالقلب النفس الناطفة ، وهي جوهر روحاني متسوط بين العالم الروحاني الصرف ، والعالم الجسماني ، يفعل فيما دونه ، وينفعل عما فوقه ، وإثبات الاذن له على الاستعارة والتشبيه.

قال بعض المحققين : القلب شرف الانسان وفضيلته التي بها فاق جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه ، التي في الدنيا جماله وكماله وفخره وفي الآخرة عدته وذخره ، وإنما استعد للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه فالقلب هو العالم بالله ، وهو العامل لله ، وهو الساعي إلى الله ، وهو المتقرب إليه وإنما الجوارح أتباع له وخدم ، وآلات يستخدمها القلب ، ويستعملها استعمال الملك للعبيد ، واستخدام الراعي للرعية ، والصانع للآلة.

والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله ، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله ، وهو المطالب والمخاطب ، وهو المثاب والمعاقب ، وهو الذي

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٦٦ ، والاية في سورة ق : ١٨.

٣٤

يستسعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكاه ، وهو الذي يخيب ويشقى إذا دنسه ودساه.

وهو المطيع لله بالحقيقة به ، وإنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات أنواره ، وهو العاصي المتمرد على الله ، وإنما الساري على الاعضاء من الفواحش آثاره ، وباظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل إناء يترشح بما فيه.

وهو الذي إذا عرفه الانسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه وهو الذي إذا جهله الانسان فقد جهل نفسه ، وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ومن جهل بقلبه فهو بغيره أجهل ، وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم ، وقد حيل بينهم وبين أنفسهم ، فان الله يحول بين المرء وقلبه ، وحيلولته بأن لايوفقه لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن وأنه كيف يهوى مرة إلى أسفل السافلين ، ويتخفض إلى افق الشياطين ، وكيف يرتفع اخرى إلى أعلى عليين ، ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين.

ومن لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ، ويترصد مايلوح من خزائن الملكوت عليه وفيه ، فهو ممن قال الله تعالى فيه : « ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون » (١) فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الدين وأساس طريق السالكين.

فاذا عرفت ذلك فاعلم أن النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الايسر من الصدر ، وهو لحم مخصوص ، وفي باطنه تجويف ، وفي ذلك التجويف دم أسود وهو منبع الروح ومعدنه ، وهذا القلب موجود للبهائم ، بل هو موجود للميت.

والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية ، لها بهذا القلب الجسماني تعلق وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته ، فان تعلقها به يضاهي تعلق

____________________

(١) الحشر : ١٩.

٣٥

الاعراض بالاجسام ، والاوصاف بالموصوفات ، أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان ، وتحقيقه يقتضي إفشاء سر الروح ، ولم يتكلم فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فليس لغيره أن يتكلم فيه.

والروح أيضا يطلق على معنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني ، وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى ساير أجزاء البدن ، وجريانها في البدن ، وفيضان أنوار الحياة والحس والسمع والبصر والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا الدار ، فانه لاينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به.

فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان ، والروح مثالها السراج ، وسريان الروح وحركتها في الباطن مثاله مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه ، والاطباء إذا أطلقوا اسم الروح أرادوا به هذا المعنى ، وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب.

والمعنى الثاني هو اللطيفة الربانية العالمة المدركة من الانسان وهو الذي شرحناه في أحد معنيي القلب ، وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : « يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي » (١) وهو أمر عجيب رباني يعجز أكثر العقول والافهام عن درك كنه حقيقته.

والنفس أيضا مشترك بين معاني ويتعلق بغرضنا منه معنيان أحدهما أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الانسان ، وهذا الاستعمال هو الغالب على الصوفية ، لانهم يريدون بالنفس الاصل الجامع للصفات المذمومة من الانسان فيقولون لابد من مجاهدة النفس وكسرها ، وإليه الاشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك.

المعنى الثاني هو اللطيفة التي ذكرناها ، التي هو الانسان في الحقيقة ، وهي نفس الانسان وذاته ، ولكنه توصف بأوصاف مختلفة بحسب أحوالها ، فاذا سكنت

____________________

(١) أسرى : ٨٥.

٣٦

تحت الامر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات ، سميت النفس المطمئنة قال تعالى : « يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية » (١) فالنفس بالمعنى الاول لايتصور رجوعها إلى الله ، فانها مبعدة عن الله تعالى ، وهو من حزب الشيطان ، وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها ، سميت النفس اللوامة ، لانها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاها ، قال الله تعالى : « فلا اقسم بالنفس اللوامة » (٢) وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان ، سميت النفس الامارة بالسوء قال الله تعالى إخبارا عن يوسف عليه‌السلام : « وما ابرى ء نفسئ إن النفس لامارة بالسوء » (٣) وقد يجوز أن يقال : الامارة بالسوء هي النفس بالمعنى الاول فاذن النفس بالمعنى الاول مذمومة غاية الذم ، وبالمعنى الثاني محمودة لانها نفس الانسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وبسائر المعلومات.

والعقل أيضا مشتركة لمعان مختلفة والمناسب هنا معنيان أحدهما العلم بحقائق الامور أي صفته العلم الذي محله القلب ، والثاني أنه قد يطلق ويراد به المدرك المعلوم ، فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة.

فاذن قد انكشف لك أن معاني هذه الاسامي موجودة وهو القلب الجسماني والروح الجسماني والنفس الشهوانية والعقل العلمي وهذه أربعة معان يطلق عليها الالفاظ الاربعة ، ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة من الانسان والالفاظ الاربعة بجملتها يتوارد عليها ، فالمعاني خمسة والالفاظ أربعة وكل لفظ اطلق لمعنيين.

وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الالفاظ وتواردها ، فتراهم يتكلمون في الخواطر ، ويقولون هذا خاطر العقل ، وهذا خاطر الروح ، وهذا

____________________

(١) الفجر : ٢٨.

(٢) القيامة : ٢.

(٣) يوسف : ٥٢.

٣٧

خاطر النفس ، وهذا خاطر القلب ، وليس يدري الناظر اختلاف معاني هذه الاسماء. وحيث رود في الكتاب والسنة لفظ القلب ، فالمراد به المعنى الذي يفقه من الانسان ويعرف حقيقة الاشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لان بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة ، فانها وإن كانت متعلقة بسائر البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسطة القلب ، فتعلقها الاول بالقلب فكأنه محلها ومملكتها وعالمها ومطيتها ، ولذا شبه القلب بالعرش ، والصدر بالكرسي.

ثم قال في بيان تسلط الشيطان على القلب : اعلم أن القلب مثال قبة لها أبواب تنصب إليها الاحوال من كل باب ومثاله أيضا هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هو مثال مرآة منصوبة يجتاز عليها أنواع الصور المختلفة ، فيتراءى فيها صورة بعد صورة ، ولا يخلو عنها ، أو مثال حوض ينصب إليه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه ، وإنما مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال اما من الظاهر ، فالحواس الخمس ، وإما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والاخلاق المركبة في مزاج الانسان ، فانه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب ، وإن كف عن الاحساس والخيالات الحاصلة في النفس ، تبقى وينتقل الخيال من شئ إلى شئ ، وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال.

والمقصود أن القلب في التقلب والتأثر دائما من هذه الآثار وأخص الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر ، وأعني بالخواطر مايعرض فيه من الافكار والاذكار وأعني به إدراكاته علوما إما على سبيل التجدد ، وإما على سبيل التذكر ، فانها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها ، والخواطر هي المحركات للارادات ، فان النية والعزم والارادة إنما تكون بعد خطور المنوي بالبال ، لا محالة ، فمبدأ الافعال الخواطر ثم الخاطر يحرك الرغبة ، والرغبة تحرك العزم ، ويحرك العزم النية والنية تحرك الاعضاء.

والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى مايدعو إلى الشر أعني مايضر في العاقبة ، وإلى ما يدعو إلى الخير أعني ماينفع في الآخرة ، فهما خاطران مختلفان

٣٨

فافتقرا إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما ، والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواسا.

ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ، وكل حادث لابد له من سبب ومهما اختلفت الحوادث دل على اختلاف الاسباب ، هذا ما عرف من سنة الله عز وجل في ترتيب المسببات على الاسباب فمهما استنار حيطان البيت بنور النار ، وأظلم سقفه واسود بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة ، كذلك لانوار القلب وظلماته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا ، واللطف الذي به يتهيأ القلب لقبول إلهام الملك يسمى توفيقا والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء وخذلانا فان المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة.

والملك عبارة عن خلق خلقه الله ، شأنه إفاضة الخير ، وإفادة العلم ، وكشف الحق ، والوعد بالمعروف ، وقد خلقه الله وسخره لذلك ، والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك ، وهو الوعد بالشر ، والامر بالفحشاء ، والتخويف عند الهم بالخير بالفقر. والوسوسة في مقابلة الالهام ، والشيطان في مقابلة الملك ، والتوفيق في مقابلة الخذلان ، وإليه الاشارة بقوله تعالى : « ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون » (١) فان الموجودات كلها متقابلة مزدوجة إلا الله تعالى ، فانه لا مقابل له ، بل هو الواحد الحق الخالق للازواج كلها.

والقلب متجاذب بين الشيطان والملك ، فقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : للقلب لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، ونهي عن الخير فمن وجد ذلك فليتعوذ من الشيطان ثم تلا « الشيطان يعدكم الفقر » (٢) الآية.

ولتجاذب القلب بين هاتين اللمتين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قلب المؤمن بين

____________________

(١) الذاريات : ٤٩.

(٢) البقرة : ٢٦٨.

٣٩

أصبعين من أصابع الرحمان ، والله سبحانه منزه عن يكون له أصبع مركبة من دم ولحم وعظم ينقسم بالانامل ، ولكن روح الاصبع سرعة التقليب والقدرة على التحريك والتغيير ، فانك لاتريد أصبعك لشخصها بل لفعلها في التقليب والترديد ، وكما أنك تتعاطى الافعال بأصابعك ، فالله تعالى إنما يعفل مايفعله ياستسخار الملك والشيطان وهما مسخران بقدرته في تقليب القلوب ، كما أن أصابعك مسخرة لك في تقليب الاجسام مثلا.

والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار ( الملائكة و ) الشياطين صلاحا متساويا ليس يترجح أحدهما على الآخر ، وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى ، والاكباب على الشهوات أو الاعراض عنها ومخالفتها ، فان اتبع الانسان مقتضى الشهوة والغضب ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى ، وصار القلب عش الشيطان ومعدنه ، لان الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه ، وتشبه بأخلاق الملائكة ، صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم.

ولما كان لايخلو قلب عن شهوة وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير ذلك من صفات البشرية المتشعبة عن الهوى ، لاجرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوة ، ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مامنكم من أحد إلا وله شيطان قالوا : ولا أنت يارسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن الله عزوجل أعانني عليه فأسلم ، فلم يأمرني إلا بخير.

وإنما كان هذا لان الشيطان لايتصرف إلا بواسطة الشهوة فمن أعانه الله على شهوته حتى صار لاينبسط إلا حيث ينبغي ، وإلى الحد الذي ينبغي ، فشهوته لاتدعوه إلى الشر ، فالشيطان المتدرع بها لايأمر إلا بالخير ، ومهما غلب على القلب ذكر الدنيا ومقتضيات الهوى ، وجد الشيطان مجالا فوسوس ، ومهما انصرف القلب إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان ، وضاق مجاله ، وأقبل الملك وألهم.

فالتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن ينفتح القلب لاحدهما فيسكن ويستوطن ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسا وأكثر القلوب

٤٠