بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

اللحم ، ولذا يوقف قبول توبة شارب الخمر إلى أربعين يوما كما ورد في الخبر والزهد في الشئ تركه وعدم الرغبة فيه.

وداء الدنيا المعاصي والصفات الذميمة ، وما يوجب البعد عن الله تعالى ، و دواؤها مايوجب تركها واجتنابها من الرياضات والمجاهدات والتفكرات الصحيحة وأمثالها ، أو المراد بدائها الامراض القلبية الحاصلة من محبة الدنيا ، ودواؤها ملازمة مايوجب تركها ، وقيل : أي قدر الضرورة منها والزائد عليه ، أو ميل القلب إليها وصرفه عنها أو الضار والنافع منها في الآخرة أعني الطاعة والمعصية والحكمة العلوم الحقة الواقعية وأصلها ومنبعها معرفة الامام ، ولذا فسرت بها كما مر.

وفي مناسبة ذكر الآية لما تقدم إشكال ويمكن أن يقال في توجيهه وجوه.

الاول ماخطر بالبال ، وهو أنه لما ذكر فوائد إخلاص الاربعين وقد أبدع جماعة من الصوفية فيها ماليس في الدين دفع عليه‌السلام توهم شموله لذلك بالاستشهاد بالآية ، وأنها تدل على أن كل مبتدع في الاحكام ومفتر على الله ورسوله في حكم من الاحكام ذليل في الدنيا والآخرة لقوله تعالى « وكذلك نجزي المفترين » وقوله أو مفتريا أي لاترى مفتريا وبعبارة اخرى لما كان صحة العبادة وكمالها مشترطة بأمرين الاول كونها على وفق السنة ، والثاني كونها خالصة لوجه الله تعالى فأشار أولا إلى الثاني وثانيا إلى الاول فتأمل.

الثاني ماقيل إن الوجه في تلاوته عليه‌السلام الآية التنبيه على أن من كانت عبادته لله عزوجل واجتهاده فيها على وفق السنة بصره الله عيوب الدنيا فزهده فيها فصار بسبب زهده فيها عزيزا لان المذلة في الدنيا إنما تكون بسبب الرغبة فيها ومن كانت عبادته على وفق الهوى أعمى الله قلبه عن عيوب الدنيا ، فصار بسبب رغبته فيها ذليلا فأصحاب البدع لايزالوا أذلاء صغارا ، ومن هنا قال الله في متخذي العجل ما قال.

الثالث ما قيل أيضا أن الغرض من تلاوتها هو التنبيه على أن غير المخلص

٢٤١

مندرج فيها والوعيد متوجه إليه أيضا لانك قد عرفت أن قلبه ساقط لكونه ذا شرك أو شك ، وهما بدعة وافتراء على الله ورسوله والآية على تقدير نزولها في قوم مخصوصين لايقتضي تخصيص الوعيد بهم.

الرابع ما خطر بالبال أيضا وهو أن الاخلاص المذكور في صدر الخبر يشمل الاخلاص عن الرئاء والبدعة وكل ماينافي قبول اعمل ، فاستشهد لاحد أجزائه بالآية.

٨ ـ ل : أبي ، عن سعد ، عن البرقي ، عن البزنطي ، عن حماد بن عثمان عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بمنى في حجة الوداع في مسجد الخيف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها إلى من لم يسمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فان دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم (١).

٩ ـ لى : الوراق ، عن علي بن مهرويه ، عن داود بن سليمان ، عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به (٢) والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا ، والاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له (٣).

يد : محمد بن عمرو بن علي ، عن علي بن الحسن المثنى ، عن علي بن مهرويه مثله.

١٠ ـ ن : بالاسناد إلى دارم ، عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أخلص عبدالله عزوجل أربعين صباحا إلا جرت ينابيع الحكمة

____________________

(١) الخصال ج ١ ص ٧٢. (٢) يعنى أنه حجة عليه.

(٣) لم نجده في المصدر.

٢٤٢

من قلبه على لسانه (١).

١١ ـ سن : أبي ، عن محمد بن سنان ، عن خضر ، عمن سمع أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله : رجل أعطى الناس من نفسه ماهو سائلهم لها ، ورجل لم يقدم رجلا حتى يعلم أن ذلك لله رضا أو يحبس ، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه ، فانه لاينتفي عنه عيب إلا بداله عيب ، وكفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس (٢).

١٢ ـ سن : ابن محبوب ، عن محمد بن القاسم الهاشمي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أصبح من امتي وهمه غير الله فليس من الله (٣).

١٣ ـ سن : أبي ، عمن رفعه إلى أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس إنما هو الله والشيطان ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ، والرشد والغي ، والعاجلة والعاقبة ، والحسنات والسيئات ، فما كان من حسنات فمن الله وما كان من سيئات فللشيطان (٤).

١٤ ـ سن : أبي ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله : « حنيفا مسلما » قال : خالصا مخلصا لايشوبه شئ (٥).

١٥ ـ ين ، سن : عثمان بن عيسى ، عن علي بن سالم قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : قال الله عزوجل : أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمله ، لم أقبله إلا ما كان خالصا (٦).

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٦٩.

(٢) المحاسن ص ٥.

(٣) المحاسن ص ٢٠٤.

(٤ و ٥) المحاسن ص ٢٥١.

(٦) المحاسن ص ٢٥٢.

٢٤٣

١٦ ـ سن : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن إسماعيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن ربكم لرحيم ، يشكر القليل ، إن العبد ليصلي الركعتين يريد بها وجه الله فيدخله الله به الجنة (١).

١٧ ـ سن : ابن أبي نجران ، عن المفضل بن صالح ، عن أبي جميلة ، عن جابر الجعفي رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خرج ثلاث نفر يسيحون في الارض فبينا هم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف.

فقال بعضهم لبعض : عباد الله والله ماينجيكم مما وقعتم إلا إن تصدقوا الله فهلم ماعملتم لله خالصا فانما ابتليتم بالذنوب ، فقال أحدهم : اللهم إن كنت تعلم أني طلبت امرأة لحسنها وجمالها ، فأعطيت فيها مالا ضخما حتى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة ، ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك ، اللهم فادفع عنا هذه الصخرة ، فانصدعت حتى نظروا إلى الصدع.

ثم قال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أني استاجرت قوما يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم ، فلما فرغوا أعطيتهم اجورهم ، فقال أحدهم : قد عملت عمل اثنين والله لا آخذ إلا درهما واحدا ، وترك ماله عندي ، فبذرت بذلك النصف الدرهم في الارض فأخرج الله من ذلك رزقا وجاء صاحب النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه ثمان عشرة آلاف فان كنت تعلم أنما فعلته مخافة منك فادفع عنا هذه الصخرة قال : فانفجرت عنهم حتى نظر بعضهم إلى بعض.

ثم إن الآخر قال : اللهم إن كنت تعلم أن أبي وامي كانا نائمين فأتيتهما بقعب من لبن فخفت ـ أن أضعه أن تمج فيه هامة وكرهت أن اوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما ، فلم أزل كذلك حتى استيقظا وشربا اللهم إن كنت تعلم أني كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فادفع عنا هذه الصخرة ، فانفرجت لهم طريقهم ، ثم قال

____________________

(١) المحاسن ص ٢٥٣.

٢٤٤

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صدق الله نجا (١).

١٨ ـ مص : قال الصادق عليه‌السلام : الاخلاص يجمع حواصل الاعمال ، وهو معنى مفتاحه القبول ، وتوقيعه الرضا ، فمن تقبل الله منهى ورضي عنه فهو المخلص وإن قل عمله ، ومن لايتقبل الله منه فليس بمخلص وإن كثر عمله ، اعتبارا بآدم عليه‌السلام وإبليس وعلامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل المحاب مع إصابة علم كل حركة وسكون.

فالمخلص ذائب روحه بازل مهجته ، في تقويم مابه العلم والاعمال ، والعامل والمعمول بالعمل ، لانه إذا أدرك الكل ، وإذا فاته ذلك فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه في التوحيد كما قال الاول : هلك العاملون إلا العابدون وهلك العابدون إلا العالمون ، وهلك العالمون إلا الصادقون ، وهلك الصادقون إلا المخلصون ، وهلك المخلصون إلا المتقوم ، وهلك المتقون إلا الموقنون وإن الموقنين لعلى خطر عظيم قال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « واعبد ربك حتى يأتيك اليقين » (٢).

وأدنى حد الاخلاص بذل العبد طاقته ثم لايجعل لعمله عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافاة بعمله ، لعلمه أنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز ، وأدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام ، وفي الآخرة النجاة من النار والفوز بالجنة (٣).

١٩ ـ م : وقال محمد بن علي الرضا عليه‌السلام : أفضل العبادة الاخلاص ، وقال علي بن محمد عليه‌السلام لو : سلك الناس واديا شعبا لسلكت وادي رجل عبدالله وحده خالصا وقال الحسن بن علي الزكي عليه‌السلام : لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة ولقمتها من يعبد الله خالصا لرأيت أني مقصر في حقه ، ولو منعت الكافر منها حتى يموت

____________________

(١) المحاسن ص ٢٥٣.

(٢) الحجر : ٩٩.

(٣) مصباح الشريعة ص ٥٢ و ٥٣.

٢٤٥

جوعا وعطشا ثم أذقته شربة من الماء لرأيت أني قد أسرفت (١).

٢٠ ـ تم : باسنادنا إلى هارون بن موسى التلعكبري ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن سالم بن جبهان ، عن عبدالعزيز ، عن الحسن بن علي ، عن سنان ، عن عبدالواحد ، عن رجل ، عن معاذ بن جبل قال : قلت : حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حفظته وذكرته في كل يوم من دقة ماحدثك به ، قال : نعم وبكى معاذ فقلت : اسكت فسكت ثم نادى : بأبي وامي حدثني وأنا رديفه قال : فبينا نسير إذ يرفع بصره إلى السماء فقال : الحمد لله الذي يقضي في خلقه ما أحب قال : يا معاذ قلت : لبيك يارسول الله إمام الخير ونبي الرحمة ، فقال : احدثك ماحدث نبي امته ، إن حفظته نفعك عيشك ، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله.

ثم قال : إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات ، فجعل في كل سماء ملكا قد جللها بعظمته ، وجعل على كل باب منها ملكا بوابا ، فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ، ثم يرتفع الحفظة بعمله ، له نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا ، فيزكيه ويكثره فيقول له : قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربي.

قال : ثم يجيئ من الغد ومعه عمل صالح فيمر به ويزكيه ويكثره حتى يبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية : قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه ، إنما أراد بهذا العمل غرض الدنيا أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري.

قال : ثم يصعد بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب الحفظة ويجاوزه إلى السماء الثالثة فيقول الملك : قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وظهره ، أنا ملك صاحب الكبر ، فيقول : إنه عمل وتكبر فيه على الناس في مجالسهم ، أمرني

____________________

(١) تفسير الامام ص ١٥٢ ط ١٢٦٨ ، وفي نسخة الكمبانى كما في الاصل رمز تفسير العياشى وهو سهو ظاهر.

٢٤٦

ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدرى في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج فيمر به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له : قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه ، أنا ملك العجب فانه كان يعجب بنفسه وإنه عمل وأدخل نفسه العجب أمرني ربي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري وأضرب به وجه صاحبه.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فيمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة مابين الصلاتين ، ولذلك رنين كرنين الابل عليه ضوء كضوء الشمس ، فيقول الملك : قف أنا ملك الحسد ، فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه وتحمله على عاتقه ( إنه كان يحسد من يتعلم ويعمل لله بطاعته ، فإذا رأي لاحد فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه فيحمله على عاتقه ) ويلعنه عمله.

قال : وتصعد الحفظة فيمر بهم إلى ملك السماء السادسة فيقول الملك : قف أنا صاحب الرحمة ، اضرب بهذا العمل وجه صاحبه ، واطمس عينيه لان صاحبه لم يرحم شيئا إذا أصاب عبدا من عباد الله ذنبا للآخرة أو ضرا في الدنيا يشمت به أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري.

وقال : وتصعد الحفظة بعمل العبد أعمالا بفقه واجتهاد وورع ، له صوت كالرعد وضوء كضوء البرق ، ومعه ثلاثة آلاف ملك فيمر بهم إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك : قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه ، أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله ، إنه أراد رفعة عند القواد ، وذكرا في المجالس وصوتا في المدائن ، أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري مالم يكن خالصا.

قال : وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من خلق حسن ، وصمت وذكر كثير ، تشيعه ملائكة السماوات السبعة بجماعتهم ، فيطؤون الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه فيشهدوا له بعمل صالح ودعاء ، فيقول الله : أنتم حفظة ، عمل عبدي وأنا رقيب على مانفسه عليه ، لم يردني بهذا العمل ، عليه لعنتي ، فيقول

٢٤٧

الملائكة : عليه لعنتك ولعنتنا.

قال : ثم بكى معاذ وقال : قلت : يارسول الله ما أعمل؟ قال : اقتد بنبيك يامعاذ في اليقين ، قال : قلت : إنك أنت رسول الله وأنا معاذ بن جبل قال : وإن كان في عملك تقصير يامعاذ فاقطع لسانك عن إخوانك ، وعن حملة القرآن ، ولتكن ذنوبك عليك لاتحملها على إخوانك ، ولا تزك نفسك بتذميم إخوانك ، ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك ، ولا تراء بعملك ، ولاتدخل من الدنيا في الآخرة ، ولاتفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك ، ولاتناج مع رجل وعندك آخر ، ولاتتعظم على الناس فيقطع عنك خيرات الدنيا ، ولاتمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار قال الله : « والناشطات نشطا » (١) أتدري ما الناشطات؟ كلاب أهل النار ، تنشط اللحم والعظم ، قلت : من يطيق هذه الخصال؟ قال : يا معاذ أما إنه يسير على من يسر الله عليه قال : وما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث.

العدة : روى أبومحمد جعفر بن أحمد القمي في كتابه المنبي عن زهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : عن عبد الواحد عمن حدثه ، عن معاذ بن جبل مثله.

٢١ ـ جع : عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن المؤمن ليخشع له كل شئ ويهابه كل شئ ثم قال : إذا كان مخلصا لله أخاف الله منه كل شئ حتى هوام الارض وسباعها وطير السماء.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله لاينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم (٢).

٢٢ ـ سن : ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أحب الله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فهو ممكن يكمل إيمانه.

وعنه عليه‌السلام قال : من أوثق عرى الايمان أن تحب لله ، وتبغض لله ، وتعطى في الله ، وتمنع في الله (٣).

____________________

(١) النازعات : ٢.

(٢) جامع الاخبار ص ١١٧.

(٣) المحاسن : ٢٦٣.

٢٤٨

٢٣ ـ نوادر الراوندى : باسناده ، عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام في قوله تعالى : « وأن المساجد لله » الآية ماسجدت به من جوارحك لله تعالى فلا تدعوا مع الله أحدا (١).

٢٤ ـ منية المريد : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن أولى الناس أن يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فاتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ، ولكن قاتلت ليقال ، جرئ فقد قيل ذلك ثم امر به فسحب على وجهه حتى القي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فاتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ولكنك تعلمت ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : قارئ القرآن ، فقد قيل : ثم امر به فسحب على وجهه حتى القي في النار.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى أمر دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نية المؤمن خير من عمله ، وفي لفظ آخر أبلغ من عمله ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما يبعث الناس على نياتهم وقال صلى الله عليه وآله مخبرا عن جبرئيل عن الله عزوجل أنه قال : الاخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي.

٢٥ ـ عدة الداعى : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من أخلص لله أربعين يوما فجر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.

وعن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام قال : أفضل العبادة الاخلاص.

وعن الصادق عليه‌السلام قال : ما أنعم الله عزوجل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله عزوجل غيره.

وعن سيدة النساء صلوات الله عليها قالت : من أصعد إلى الله خالص عبادته

____________________

(١) نوادر الراوندى ص ٣٠.

٢٤٩

أهبط الله عزوجل إليه أفضل مصلحته.

وعن العسكري عليه‌السلام قال : لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة ثم لقمتها من يعبد الله خالصا لرأيت أني مقصر في حقه ، ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا وعطشا ثم أذقته شربة من الماء لرأيت أني قد أسرفت.

وكان عيسى عليه‌السلام يقول للحواريين : إذا كان صوم أحدكم فليدهن رأسه ولحيته ، ويمسح شفتيه بالزيت لئلا يرى الناس أنه صائم ، وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله ، وإذا صلى فليرخ ستر بابه فان الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق (١).

٢٦ ـ أسرار الصلاة : عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله عزوجل : « ليبلوكم أيكم أحسن عملا » قال : ليس يعني أكثركم عملا ، ولكن أصوبكم عملا وإنما الاصابة خشية الله تعالى ، والنية الصادقة الحسنة ، ثم قال : الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل ، والعمل الخالص : الذي لاتريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزوجل ، والنية أفضل من العمل ، ألا وإن النية هي العمل ، ثم تلا قوله عزوجل : « قل كل يعمل على شاكلته » يعني على نيته.

٢٧ ـ مشكوة الانوار : عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « حنيفا مسلما » قال : خالصا مخلصا لايشوبه شئ (٢).

____________________

(١) عدة الداعى ص ١٢٣ ، ط هند.

(٢) مشكاة الانوار ص ١٠.

٢٥٠

٥٥

* ( باب ) *

* « ( العبادة والاختفاء فيها وذم الشهرة بها ) » *

١ ـ ب : السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعظم العبادة أجرا أخفاها (١).

أقول : سيأتي في باب نوادر المواعظ ما أوحى الله إلى نبي من أنبيائه ، و أن العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزوجل إلا أن يظهره ليزينه به مع مايدخره له من ثواب الآخرة (٢).

٢ ـ ثو : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن عباس بن هلال قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة ، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمستتر بالسيئة مغفور له (٣).

٣ ـ صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام من كنوز الجنة إخفاء العمل ، والصبر على الرزايا ، وكتمان المصائب (٤).

محص : عن جابر ، عن علي عليه‌السلام مثله.

٤ ـ ختص : عن العالم عليه‌السلام قال : المستتر بالحسنة له سبعون ضعفا ، والمذيع له واحد ، والمستتر بالسيئة مغفور له ، والمذيع له مخذول (٥).

٥ ـ ما : الحسين بن عبيد الله ، عن علي بن محمد العلوي ، عن محمد بن أحمد المكتب ، عن أحمد بن محمد الكوفي ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٨٤.

(٢) وقد مر فيما مضى أيضا ، راجع عيون اخبار الرضا ص ١٥٢ ١٥٣ ط الحجرية.

(٣) ثواب الاعمال ص ١٦٢.

(٤) صحيفة الرضا عليه‌السلام ٢١ ، وتراه في عيون الاخبار ص ٢٠٤ ط الحجرية.

(٥) الاختصاص : ١٤٢.

٢٥١

عن الرضا عليه‌السلام قال : من شهر نفسه بالعبادة فاتهموه على دينه فان الله عزوجل يبغض شهرة العبادة وشهرة اللباس.

ثم قال : إن الله عزوجل إنما فرض على الناس في اليوم والليلة سبع عشرة ركعة ، من أتى بها لم يسأله الله عزوجل عما سواها ، وإنما أضاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليها مثليها : ليتم بالنوافل مايقع فيها من النقصان ، وإن الله عزوجل لايعذب على كثرة الصلاة والصوم ولكنه يعذب على خلاف السنة (١).

٦ ـ عدة الداعى : روي عنهم عليهم‌السلام أن فضل عمل السر على عمل الجهر سبعون ضعفا.

٧ ـ ارشاد القلوب : روي عن المفضل بن صالح قال : قال لي مولاي الصادق عليه‌السلام يامفضل إن لله تعالى عبادا عاملوه بخالص من سره ، فقابلهم بخالص من بره ، فهم الذين تمر صحفهم يوم القيامة فارغا فاذا وقفوا بين يديه ملاها لهم من سر ما أسروا إليه ، فقلت : وكيف ذاك يامولاي؟ فقال : أجلهم أن تطلع الحفظة على مابينه وبينهم.

٨ ـ كا : عن العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملا قلبك غنى ولا أكلك إلى طلبك ، وعلي أن أسد فاقتك ، وأملا قلبك خوفا مني ، وإن لاتفرغ لعبادتي أملا قلبك شغلا بالدنيا ثم لا أشد فاقتك وأكلك إلى طلبك (٢).

بيان : في القاموس تفرغ تخلى من الشغل أي أجعل نفسك وقلبك فارغا عن أشغال الدنيا ، وشهواتها وعلائقها ، واللام للتعليل أو للظرفية « أملا قلبك غنى » أي عن الناس « وعلي » بتشديد الباء ، والجملة حالية وربما يقرأ بالتخفيف عطفا على « أملا » بحسب المعنى لانه في قوة على أن أملا ، والاول أظهر « وإن لاتفرغ » إن للشرط ولا نافية وأكلك بالجزم.

____________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٦٣.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٨٣.

٢٥٢

٩ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي جميلة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : قال الله تبارك وتعالى : ياعبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فانكم تتنعمون بها في الآخرة (١).

ايضاح : « تنعموا بعبادتي » الظاهر أن الباء صلة ، فان الصديقين والمقربين يلتذون بعبادة ربهم ، ويتقوون بها ، وهي عندهم أعظم اللذات الروحانية ، وقيل الباء سببية ، فان العبادة سبب الرزق كما قال تعالى : « ومن يتق الله يجعل له مخرجا » (٢) وهو بعيد. « فانكم تتنعمون بها » أي بأصل العبادة فانها أشهى عندهم من اللذات الجسمانية ، فهم يعبدون للذة لا للتكليف كما أن الملائكة طعامهم التسبيح ، وشرابهم التقديس ، أو بسببها أو بقدرها أو بعوضعها والاول أظهر.

١٠ ـ كا : عن علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لايبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر؟ (٣).

بيان : عشق من باب تعب والاسم العشق ، وهو الافراط في المحبة أي أحبها حبا مفرطا من حيث كونه وسيلة إلى القرب الذي هو المطلوب الحقيقي ، وربما يتوهم أن العشق مخصوص بمحبة الامور الباطلة ، فلا يستعمل في حبه سبحانه وما يتعلق به ، وهذا يدل على خلافه وإن كان الاحوط عدم إطلاق الاسماء المشتقة منه على الله تعالى بل الفعل المشتق منه أيضا بناء على التوقيف.

قيل : ذكرت الحكماء في كتبهم الطبية أن العشق ضرب من الماليخوليا والجنون والامراض السوداوية ، وقرروا في كتبهم الالهية أنه من أعظم الكمالات

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٨٣.

(٢) الطلاق : ٣.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٨٣.

٢٥٣

والسعادات ، وربما يظن أن بين الكلامين تخالفا ، وهو من واهي الظنون ، فان المذموم هو العشق الجسماني الحيواني الشهواني ، والممدوح هو الروحاني الانساني النفساني ، والاول يزول ويفنى بمجرد الوصال والاتصال ، والثاني يبقى ويستمر أبد الآباد وعلى كل حال.

« على ما أصبح » أي على أي حال دخل في الصباح أو صار « أم على يسر » فيه دلالة على أن اليسر والمال لاينافي حبه تعالى وحب عبادته ، وتفريغ القلب عن غيرها لاجلها ، وإنما المنافي له تعلق القلب به.

١١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن شاذان بن الخليل قال : وكتبت من كتابه باسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبدالله ( قال : قال عيسى بن عبدالله ) لابي عبدالله عليه‌السلام جعلت فداك ما العبادة؟ قال : حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها أما إنك ياعيسى لاتكون مؤمنا حتى تعرف الناسخ من المنسوخ ، قال : قلت : جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟ قال : فقال : أليس تكون مع الامام موطنا نفسك على حسن النية في طاعته ، فيمضي ذلك الامام ويأتي إمام آخر فتوطن نفسك على حسن النية في طاعته؟ قال : قلت : نعم ، قال : هذا معرفة الناسخ من المنسوخ (١).

بيان : « حسن النية بالطاعة » كأن المعنى أن العبادة الصحيحة المقبولة هي ما يكون مع النية الحسنة ، الخالصة من شوائب الرئاء والسمعة ، وغيرها ، مع طاعة أئمة الحق عليهم‌السلام ، وتكون تلك العبادة مأخوذة « من الوجوه التي يطاع الله منها » أي لاتكون مبتدعة ، بل تكون مأخوذة عن الدلائل الحقة والآثار الصحيحة ، أو تكون تلك الطاعة مستندة إلى البراهين الواضحة ، ليخرج منها طاعة أئمة الضلالة ، أو المعنى شدة العزم في طاعة من تجب طاعته ، حال كون تلك الطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها ، أي لم تكن مخلوطة ببدعة ولا رئاء ولا سمعة وهذا أنسب بما يعده وقيل : يعني أن يكون له في طاعة من يعبده نية حسنة ، فان

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٨٣.

٢٥٤

تيسر له الاتيان بما وافق نيته ، وإلا فقد أدى ماعليه من العبادة بحسن نيته.

« أليس تكون » هذا المعنى للناسخ والمنسوخ موافق ومؤيد لما ورد في الاخبار في تفسير قوله تعالى : « ماننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها » (١) أن المراد به ذهاب إمام ونصب إمام بعده ، فهو خير منه أو مثله ، وقيل : لعل المراد بهذه الوجوه الائمة عليهم‌السلام واحد بعد واحد ، لانهم الوجوه التي يطاع الله منها لارشادهم وهدايتهم ، وبالطاعة : الطاعة المعلومة بتعليمهم وإطاعتهم والانقياد لهم وبحسن النية : تعلق القلب بها من صمميمه بلا منازعة ولا مخاطرة ويحتمل أن يراد بالوجوه وجوه العبادات وأنواعها وبحسن النية تخليصها عن شوائب النقص.

١٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن جميل ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن العباد ( ة ) ثلاثة قوم عبدوا الله عزوجل خوفا فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبا له فتلك عبادة الاحرار : وهي أفضل العبادة (٢).

ايضاح : « العباد ثلاثة » في بعض النسخ هكذا فلا يحتاج إلى تقدير ، وفي بعضها « العبادة » فيحتاج إلى تقدير إما في العبادة أي ذوو العبادة أو في الاقوام أي عبادة قوم ، وحاصل المعنى أن العبادة الصحيحة المرتبة عليها الثواب والكرامة في الجملة ثلاثة أقسام ، وأما غيرها كعبادة المرائين ونحوها ، فليست بعبادة ولا داخلة في المقسم.

« فتلك عبادة العبيد » إذا لعابد فيها شبيه بالعبيد في أنه يطيع السيد خوفا منه وتحرزا من عقوبته.

« فتلك عبادة الاجراء » فانهم يعبدون للثواب كما أن الاجير يعمل للاجر

____________________

(١) البقرة : ١٠٦.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٨٤.

٢٥٥

« حبا له » أي لكونه محبا له والمحب يطلب رضا المحبوب ، أو يعبده ليصل إلى درجة المحبين ، ويفوز بمحبة رب العالمين ، والاول أظهر.

« فتلك عبادة الاحرار » أي الذين تحرروا من رق الشهوات ، وخلعوا من رقابهم طوق طاعة النفس الامارة بالسوء ، الطالبة للذات والشهوات ، فهم لايقصدون في عبادتهم شيئا سوى رضا عالم الاسرار ، وتحصيل قرب الكريم الغفار ، ولاينظرون إلى الجنة والنار ، وكونها أفضل العبادة لايخفى على اولي الابصار ، وفي صيغة التفضيل دلالة على أن كلا من الوجهين السابقين أيضا عبادة صحيحة ، ولها فضل في الجملة ، فهو حجة على من قال ببطلان عبادة من قصد التحرز عن العقاب أو الفوز بالثواب.

١٣ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد المسكنة ، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يدع عبادته (١).

بيان : « ما أقبح الفقر بعد الغنا » لعل المعنى قبحه عند الناس ، وإن كان ممدوحا عند الله ، أو يكون محمولا على من فعل ذلك باختياره بالاسراف والتبذير أو ترك الكسب وأشباهه ، أو يكون المراد التعيش بعيش الفقراء بعد حصول الغنا على سياق قوله عليه‌السلام : « وأقبح الخطيئة بعد المسكنة » فان الظاهر أن المراد به بيان قبح ارتكاب الخطايا بعد حصول المسكنة ، لضعف الدواعي وقلة الآلات والادوات ، وإن احتمل أن يكون الغرض بيان قبح الذنوب بعد كونه مبتلى بالفقر والمسكنة ، فأغناه الله فارتكب بعد ذلك الخطايا لتضمنه كفران النعمة ، ونسيان الحالة السابقة ويحتمل أن يكون المراد بالمسكنة التذلل لله بترك المعصية ، فيكون نسب بما قبله وبعده.

« وأقبح » مبتدأ أو خبر فالعابد أيضا يحتملهما و « ثم يدع » عطف على العابد إد اللام في اسم الفاعل بمعنى الذي فهو بتقدير الذي يعبد الله ثم يدع.

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٨٤.

٢٥٦

١٤ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : من عمل بما افترض الله فهو من أعبد الناس (١).

٥٦

* ( باب ) *

* « ( الطاعة والتقوى والورع ومدح المتقين وصفاتهم وعلاماتهم ) » *

* وان كرم به ، وقبول العمل مشروط به *

أقول : قد مضى مايناسب الباب في باب طاعة الله ورسوله وحججه فلا تغفل.

الايات : البقرة : الم ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون (٢).

وقال تعالى : وإياى فاتقون (٣) وقال تعالى : واذكروا مافيه لعلكم تتقون (٤) وقال تعالى : وموعظة للمتقين (٥).

وقال تعالى : ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون (٦).

وقال تعالى : واولئك هم المتقوم (٧) وقال تعالى : حقا على المتقين (٨).

____________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٨٤.

(٢) البقرة : ٥١.

(٣ ـ ٥) البقرة : ٤١ ، ٦٣ ، ٦٦.

(٦) البقرة : ١٠٣.

(٧ ـ ٨) البقرة : ١٧٧ ، ١٨٠.

٢٥٧

وقال تعالى : ولكن البر من اتقى (١) وقال سبحانه : واتقوا الله لعلكم تفلحون (٢).

وقال تعالى : واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (٣).

وقال تعالى : واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (٤).

وقال تعالى : تزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الالباب (٥).

وقال سبحانه : واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون (٦).

وقال تعالى : وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد (٧).

وقال سبحانه : واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير (٨).

وقال تعالى : وأن تعفوا أقرب للتقوى (٩).

وقال تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لايظلمون (١٠).

آل عمران حاكيا عن عيسى عليه‌السلام : فاتقوا الله وأطيعون (١١).

وقال تعالى : بل من أوفى بعده واتقى فان الله يحب المتقين (١٢).

وقال سبحانه : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون (١٣).

____________________

(٢١) البقرة : ١٨٩.

( ٥٣ ) البقرة : ١٩٤ ، ١٩٦ ، ١٩٧.

(٦) البقرة : ٢٠٣.

(٧) البقرة : ٢٠٦.

( ٩٨ ) البقرة : ٢٣٣ ، ٢٣٧.

(١٠) البقرة : ٢٨١.

(١١) آل عمران : ٥٠.

(١٢) آل عمران : ٧٦.

(١٣) آل عمران : ١٠٢.

٢٥٨

وقال تعالى : والله عليم بالمتقين (١) وقال تعالى : وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئا (٢) وقال تعالى : فاتقوا الله لعلكم تشكرون (٣).

وقال تعالى : واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي اعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (٤).

وقال تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين (٥) وقال تعالى : وموعظة للمتقين (٦) وقال : للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (٧).

وقال : لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للابرار (٨).

وقال : واتقوا الله لعلكم تفلحون (٩).

النساء : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله واتقوا الله الذي تسائلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا (١٠).

وقال : ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فان لله مافي السموات ومافي الارض وكان الله غنيا حميدا (١١).

المائدة : واتقوا الله إن الله شديد العقاب (١٢) وقال جل وعلا : واتقوا الله إن الله سريع الحساب (١٣) وقال تعالى : واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور (١٤) وقال تعالى : اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير

____________________

(١ ـ ٣) آل عمران : ١١٥ ، ١٢٠ ، ١٢٣.

(٤ ـ ٥) آل عمران : ١٣٠ ، ١٣٣.

(٦ ـ ٧) آل عمران : ١٣٨ ، ١٧٢.

(٨ ـ ٩) آل عمران : ١٩٨ ، ٢٠٠.

(١٠) النساء : ١٠.

(١١) النساء : ١٢١.

(١٢ ـ ١٤) المائدة : ٢ ، ٤ ، ٧.

٢٥٩

بما تعملون (١) وقال سبحانه : واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (٢).

وقال تعالى حاكيا عن ابن آدم : قال : إنما يتقبل الله من المتقين (٣).

وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة جاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون (٤) وقال : وهدى وموعظة للمتقين (٥) وقال : واتقوا الله إن كنتم مؤمنين (٦).

وقال تعالى : ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم (٧) وقال : واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون (٨).

وقال تعالى : واتقوا الله الذي إليه تحشرون (٩) وقال : فاتقوا الله يا اولى الالباب لعلكم تفلحون (١٠) وقال تعالى : قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (١١).

الانعام : ولدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (١٢).

وقال سبحانه : وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ ولكن ذكرى لعلهم يتقون (١٣) وقال جل وعلا : واتقوه وهو الذي إليه تحشرون (١٤) وقال تعالى : ذلكم وصيكم به لعلكم تتقون (١٥) وقال تعالى : واتقوا لعلكم ترحمون (١٦).

الاعراف : ولباس التقوى ذلك خير (١٧).

وقال سبحانه : ولتتقوا ولعلكم ترحمون (١٨).

وقال تعالى : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (١٩).

____________________

(١ ـ ٢) المائدة : ٨ ، ١١.

(٣) المائدة : ٢٧.

(٤ ـ ١١) المائدة : ٣٥ ، ٤٦ ، ٥٧ ، ٦٥ ، ٩١ ، ٩٩ ، ١٠٣ ، ١١٢.

(١٢) الانعام : ٣٢. (١٣) الانعام : ٦٩.

(١٤ ـ ١٦) الانعام : ٧٢ ، ١٥٣ ، ١٥٥.

(١٧ ـ ١٨) الاعراف : ٢٦ ، ٦٣.

(١٩) الاعراف : ٩٥.

٢٦٠