الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٦

ودخل عدي بن حاتم بعد مقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام على معاوية ، فسأله معاوية عما أبقى الدهر من حب علي. قال عدي : كله. وإذا ذكر ازداد.

قال معاوية : ما أريد بذلك إلا إخلاق ذكره.

فقال عدي : « قلوبنا ليست بيدك يامعاوية » (١).

واجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة ، والمغيرة ، وغيرهم ، فقالوا له : « إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدِّق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ماهو أعظم .. ثم طلبوا منه إحضاره للحط منه الخ .. » (٢). والشواهد على ذلك كثيرة ..

وقد بدأت بوادر نجاح هذه السياسة تجاه أهل البيت تظهر في وقت مبكر ، ويكفي أن نشير إلى ما تقدم من أن عمر يسأل عمن يقول الناس : إنه يتولى الأمر بعده ، فلا يسمع ذكراً لعلي عليه‌السلام.

هـ : عقائد جاهلية وغريبة :

ثم يأتي دور الاستفادة من بعض العقائد الجاهلية ، أو العقائد الموجودة لدى أهل الكتاب ، وذلك من أجل تكريس الحكم لصالح أولئك المستأثرين ، والقضاء على مختلف عوامل ومصادر المناوأة والمنازعة لهم. هذه العقائد التي قاومها الأئمة بكل ما لديهم من قوة وحول ..

__________________

١ ـ الفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ١٣٤.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ٢٨٥ والاحتجاج ج ١ ص ٤٠٢ والبحار ج ٤٤ ص ٧٠ والغدير ج ٢ ص ١٣٣ عن المعتزلي وعن المفاخرات للزبير بن بكار ، وعن جمهرة الخطب ج ٢ ص ١٢. ونقل عن شرح النهج للآملي ج ١٨ ص ٢٨٨ وعن أعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٧.

٨١

ونذكر من هذه العقائد على سبيل المثال :

تركيز الاعتقاد بلزوم الخضوع للحاكم ، مهما كان ظالماً ومتجبراً وعاتباً ـ وهي عقيدة مأخوذة من النصارى ، حسب نص الإنجيل (١) ـ وقد وضعوا الأحاديث الكثيرة على لسان النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتأييد ما يرمون إليه في هذا المجال (٢) وقد أصبح ذلك من عقائدهم (٣).

ومن قبيل الإصرار على عقيدة الجبر ، التي هي من بقايا عقائد المشركين ، وأهل الكتاب (٤). الأمر الذي يعني : أن كل تحرك ضد حكام الجور لا يجدي

__________________

١ ـ راجع رسالة بولس إلى أهل رومية ، وراجع الهدى إلى دين المصطفى ج ٢ ص ٣١٦.

٢ ـ راجع : سنن البيهقي ج ٨ ص ١٥٧ و ١٥٩ و ١٦٤ و ج ٤ ص ١١٥ و ج ٦ ص ٣١٠. وصحيح مسلم ج ٦ ص ١٧ و ٢٠ ج ٢ ص ١١٩ و ١٢٢ وكنز العمال ج ٥ ص ٤٦٥ و ج ٣ ص ١٦٨ و ١٦٧ و ١٧٠ والعقد الفريد ج ١ ص ٨ و ٩ والمصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٣٢٩ ـ ٣٣٥ و ٣٣٩ ـ ٣٤٤ ولباب الآداب ص ٢٦٠ والدر المثور ج ٢ ص ١٧٧ و١٧٨ و ١٧٦ ومقدمة ابن خلدون ص ١٩٤ والإسرائيليات في التفسير والحديث ، ونظرية الإمامة ص ٤١٧ وقبلها وبعدها ، وتاريخ بغداد ج ٥ ص ٢٧٤ وطبقات الحنابلة ج ٣ ص ٥٨ و ص ٥٦ ، والإبانة للأشعري ص ٩ ومقالات الإسلاميين ج ١ ص ٣٢٣ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٨ و ج ٤ ص ٣٨٢ / ٣٨٣ البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٤٩ و ٢٢٦ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٢٩ و ٢٢٤ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦٨ و ٦٩ و ٧٢ و ج ١ ص ١٢ والإصابة ج ٢ ص ٢٩٦ والكنى والألقاب ج ١ ص ١٦٧ والاذكياء ص ١٤٢ و الغدير ج ٧ ص ١٣٦ حتى ص ١٤٦ و ج ٦ ص ١١٧ و ١٢٨ و ج ٩ ص ٣٩٣ و ج ١٠ ص ٤٦ و ٣٠٢ و ج ٨ ص ٢٥٦ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥١٣ و ٢٩٠ والسنة قبل التدوين ص ٤٦٧ ونهاية الإرب ج ٦ ص ١٢ و ١٣ ولسان الميزان ج ٣ ص ٣٨٧ و ج ٦ ص ٢٢٦ عن أبي الدرداء رفعه : « صلوا خلف كل إمام ، وقاتلوا مع كل أمير » وراجع : المجروحون لابن حبان ج ٢ ص ١٠٢.

٣ ـ راجع كتابنا : الحياة السياسية للإمام الرضا (ع) ص ٣١٢ متناً وهامشاً.

٤ ـ راجع : الكفاية في علم الرواية للخطيب ص ١٦٦ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٠ وضحى الإسلام ج ٣ ص ٨١ زشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١ ص ٣٤٠ و ج ١٢ ص ٧٨ / ٧٩ وقاموس الرجال ج ٦ ص ٣٦ ، والإمامة والسياسة ج ١ ص ١٨٣ والغدير ج ٩ ص ٣٤ و ٩٥ و ١٩٢ و ج ٥ ص ٣٦٥ و ج ١٠ ص ٣٣٣ و ٢٤٥ و ٢٤٩ و ج ٧ ص ١٤٧ و ١٥٤ و ١٥٨ و ج ٨ ص١٣٢ والإخبار الدخيلة ( المستدرك )

=

٨٢

ولا ينفع ، ما دام الإنسان مجبراً على كل حركة ، ومسيراً في كل موقف ..

ثم هناك عقيدة : أنه لا تضر مع الإيمان معصية. وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر ..

قالوا : « الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية ، أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليب ، وأعلن

__________________

=

ج ١ ص ١٩٣ و ١٩٧ ومقارنة الإديان ( اليهودية ) ص ٢٧١ و ٢٤٩ وأنيس الأعلام ج ١ ص ٢٧٩ و ٢٥٧ والتوحيد وإثبات صفات الرب ص ٨٢ و ٨٠ و ٨١ ومقدمة ابن خلدون ص ١٤٣ و ١٤٤ والإغاني ج ٣ ص ٧٦ ، وتأويل مختلف الحديث ص ٣٥ والعقد الفريد ج ١ ص ٢٠٦ و ج ٢ ص ١١٢ وتاريخ الطبري ط الاستقامة ج ٢ ص ٤٤٥ وبحوث مع أهل السنة والسلفية من ص ٤٣ حتى ٤٩ عن العديد من المصادر ، والمغزي للواقدي ص ٩٠٤ وربيع الأبرار ج ١ ص ٨٢١ والموطأ ج ٣ ص ٩٢ و ٩٣ وطبقات ابن سعد ج ٧ ص ٤١٧ و ج ٥ ص ١٤٨ وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج ٢ ص ٢٦٥ و ٨٣ /٨٤ ومصابيح السنة للبغوي ج ٢ ص ٦٧ ومناقب الشافعي ج ١ ص ١٧ والبخاري ج ٨ ص ٢٠٨ وفي خطط المقريزي ج ٣ ص ٢٩٧ : إن جهماً انفرد بالقول بجواز الخروج عل السلطان الجائر .. وحياة الصحابة ج ٢ ص ١٢ و ٩٥ و ٩٤ و ٣٣٠ و ج ٣ ص ٢٢٩ و ٤٨٧ و ٤٩٢ و ٥٠١ و ٥٢٩ عن المصادر التالية : كنز العمال ج ٣ ص ١٣٨ / ١٣٩ و ج ٨ ص ٢٠٨ و ج ١ ص ٨٦. وصحيح مسلم ج ٢ ص ٨٦ وأبي داود ج ٢ ص ١٦ والترمذي ج ١ ص ٢٠٢ وابن ماجة ج ١ ص ٢٠٩ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٥٠ و ج ٦ ص ٣٤٩ ومسند أحمد ج ٥ ص ٢٤٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٣ و ج ١ ص ١٣٥ والطبري في تاريخه مقتل برير و ج ٤ ص ١٢٤ و ج ٣ ص ٢٨١ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٧٩. انتهى.

والمعتزلة ص ٧ و ٨٧ و ٣٩ / ٤٠ و ٩١ و ٢٠١ و ٢٦٥ عن المصادر التالية : المنية والأمل ص ١٢ وعن الخطط ج ٤ ص ١٨١ / ١٨٢ و ١٨٦ والملل والنحل ج ١ ص ٩٧ / ٩٨ والعقائد النسفية ص ٨٥ ووفيات الأعيان ص ٤٩٤ والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٣ ص ٤٥ عن الطبري ج ٦ ص ٣٣ و ج ٣ ص ٢٠٧ وعن الترمذي ص ٥٠٨ في رسالة عمر بن عبد العزيز ..

والتصريح بذلك في الكتب الكلامية ، وكتب فرق أهل السنة ، لا يكاد يحصى كثرة. وكنت قد جمعت فيما مضى قسماً كبيراً من كلمات التوراة وغيرها حول هذا الموضوع ، أسأل الله التوفيق لإتمامه.

٨٣

التثليث ، في دار الإسلام ، ومات على ذلك » (١).

وهذه العقيدة ، وإن كانت هي عقيدة المرجئة ، إلا أنها كانت عامة في الناس آنئذٍ ، حيث لم يكن المذهب العقائدي لأهل السنة قد غلب وشاع بعد.

ومعنى هذا .. هو أن الحكام مؤمنون مهما ارتكبوا من جرائم وعظائم.

بل إنهم ليقولون : إن يزيد بن عبد الملك أراد أن بسيرة عمر عمر بن عبد العزيز ، فشهد له أربعون شيخاً : أن ليس على الخليفة حساب ولا عذاب (٢).

وحينما دعا الوليد الحجاج ليشرب النبيذ معه ، قال له : « يا أمير المؤمنين ، الحلال ما حللت » (٣).

بل إننا لنجد الحجاج نفسه يدَّعي نزول الوحي عليه ، وأنه لا يعمل إلا بوحي من الله تعالى (٤) .. كما يدعي نزول الوحي على الخليفة أيضاً (٥) ..

و : قدسية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

هذا كله .. فضلاً عن سياستهم القاضية بتقليص نسبة الاحترام والتقديس للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتفضيل الخليفة عليه .. بل وسلب معنى العصنة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى لقد قالت قريش ـ في حياة الرسول ـ في محاولة منها لمنع عبد الله بن عمرو بن العاص من كتابه أقواله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه بشر يرضى

__________________

١ ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ج ٤ ص ٢٠٤.

٢ ـ البداية والنهاية ج ٩ ص ٢٣٢ وراجع : تاريخ الخلفاء ص ٢٤٦ وراجع ص ٢٢٣.

٣ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٠.

٤ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٣ وراجع الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ١ ص ١١٥.

٥ ـ تهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٧٢.

٨٤

ويغضب (١) ..

بل لقد حاولوا المنع من التسمية باسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء (٢) ..

كما أن معاوية يتأسف ، لأنه يرى : أن اسم النبي المبارك يذكر في الاذان ويُقْسِم على دفن هذا الاسم (٣) ..

إلى غير ذلك من الوقائع الكثير جداً .. وقد ذكرنا شطراً منها في تمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن أراده فليراجعه.

ولعل ذلك قد كان يهدف إلى فسح المجال للمخالفات ، التي كان يمكن أن تصدر عن الحكام ، والتقليل من شأن وأثر وأهمية ما كان يصدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أقوال ومواقف سلبية تجاه بعض أركان الهيئة الحاكمة ، أو من تؤهلهم لتولي الأمور الجليلة في المستقبل ، ثم التقليل من شأن مواقفه صلى‌الله‌عليه‌وآله الإيجابية تجاه خصوم الهيئة الحاكمة ، أو من ترى فيهم منافسين لها.

ز : تولية المفضول :

ويدخل أيضاً في خيوط هذه السياسة : القول بجواز تولية المفضول مع

__________________

١ ـ راجع : سنن الدرامي ج ١ ص ١٢٥ وجامع بيان العلم ج ١ ص ٨٥ وليراجع ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٠٤ / ١٠٥ وتلخيصه للذهبي بهامشه وليراجع أيضاً سنن أبي داود ج ٣ /٣١٨ والزهد والرقائق ص ٣١٥ والغدير ج ١١ ص ٩١ و ج ٦ ص ٣٠٨ و ٣٠٩ والمصنف لعبد الرزاق ج ٧ ص ٣٤ و ٣٥ و ج ١١ ص ٢٣٧ وإحياء علوم الدين ج ٣ ص ١٧١ وتمهيد كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى عليه وآله وسلم .. وغير ذلك كثير.

٢ ـ الغدير ج ٦ ص ٣٠٩ عن عمدة القاري ج ٧ ص ١٤٣ والجزء الأول من كتابنا : الصحيح في سيرة النبي (ص).

٣ ـ الموفقيات ص ٥٧٧ ومروج الذهب ج ٣ ص ٤٥٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ٥ ص ١٢٩ و ١٣٠ وقاموس الرجال ج ٩ ص ٢٠.

٨٥

وجود الفضل ، كما هو رأي أبي بكر (١) الذي صار أيضاً رأي المعتزلة فيما بعد .. وذلك عندما فشلت محاولاتهم التي ترمي لرفع شأن الخلفاء ، الذين ابتزوا علياً حقه في أن فشلت محاولاتهم في الحط من عليّ (٢) ، ووضع الأحاديث الباطلة في ذمه .. والعمل على جعل الناس ينسون فضائله وكراماته .. حيث لم يجدهم كل ما وضعوه واختلقوه في هذا السبيل شيئاً ولا أفاد قتيلاً ..

ح : سياسة التجهيل :

وهناك سياسة التجهيل التي كانت تتعرض لها الأمة من قبل الحكام ، ولا سيما أهل الشام .. ويكفي أن نذكر : أن البعض « قال لرجل من أهل الشام ـ من زعمائهم وأهل الرأي والعقل منهم ـ : من أبو تراب هذا الذي يلعنه الأمام على المنبر؟! فقال : أراه لصاً من لصوص الفتن » (٣)!!

وفي صفين يسأل هاشم المرقال بعض مقاتلي أهل الشام : عن السبب الذي دعاه للمشاركة في تلك الحرب ، فيعلل ذلك بأنهم أخبروه : أن علياً عليه‌السلام لايصلي (٤).

__________________

١ ـ الغدير ج ٧ ص ١٣١ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٨٦. ونقل أيضاً عن الباقلاني في التمهيد ص ١٩٥ إشارة إلى ذلك..

٢ ـ راجع على سبيل المثال : الأغاني ط ساسي ج ١٩ ص ٥٩.

٣ ـ مروج الذهب ج ٣ ص ٣٨.

٤ ـ تاريخ الطبري ج ٤ ص ٣٠ والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٣١٣ والفتوح لابن اعثم ج ٣ ص ١٩٦ وصفين ليصر بن مزاحم ص ٣٥٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ٨ ص ٣٦ والغدير ج ١٠ ص ١٢٢ و ٢٩٠ عن أكثر من تقدم. وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٨٤ وترجمة الإمام علي عليه‌السلام لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ٣ ص ٩٩ ونقله المحمودي عن ابن عساكر ج ٣٨ حديث رقم ١١٣٩. وراجع : المعيار والموازنة ص ١٦٠.

٨٦

وبلغ معاوية : أن قوماً من أهل الشام يجالسون الأشتر وأصحابه ، فكتب إلى عثمان : « إنك بعثت إلي قوماً أفسدوا مصرهم وانغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قِبَلي ، ويعلموهم ما لا يحسنونه ، حتى تعود سلامتهم غائلة » (١).

قال ابن الاسكافي : « فبلغ من عنايتهم في هذا الباب : أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب، لينشئوا عليه صغيرهم ، ولا يخرج من قلب كبيرهم. وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم. ويكتب لهم مبتدأ الأئمة : أبو بكر بن أبي قحافة ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، ومعاوية بن أبي سفيان. حتى ان أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا نسبه ، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره.

ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية يوم الجمل ، قال : حملت على رجل فلما غشيته برمحي قال : أنا على دين عمر بن أبي طالب وقال : فعلمت أنه يريد علياً فأمسكت عنه (٢).

وجاء حمصي إلى عثمان بنصيحة ، وهي : « لا تكل المؤمن إلى إيمانه ، حتىتعطيه من المال ما يصلحه. أو قال : ما يعيشه ـ ولا تكل ذا الأمانة إلى أمانته حتى تطالعه في عملك ، ولا ترسل السقيم إلى البرئ ليبرئه ، فإن الله يبرئ السقيم ، وقد يسقم البرئ. قال : ما أردت إلا الخير ـ قال : فردهم ، وهم زيد بن صوحان ، وأصحابه » (٣).

وقدمنا : أنه قد حلف للسفاح جماعة من قواد أهل الشام ، وأهل الرياسة والنعم فيها : أنهم ما كانوا يعرفون أهل البيت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرثونه غير بني أمية ..

__________________

١ ـ أنساب الأشراف ج ٥ ص ٤٣ ، والغدير ج ٩ ص ٣٢. وليراجع البداية والنهاية ج ٧ ص ١٦٥.

٢ ـ المعيار والموازنة ص ١٩.

٣ ـ المصنف ج ١١ص ٣٣٤.

٨٧

بل إن أهل الشام يقبلون من معاوية أن يصلي بهم ـ حين مسيرهم إلى صفين ـ صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ، كما قيل (١).

وفي وصية معاوية ليزيد : « وانظر أهل الشام ، وليكونوا بطانتك ، فإن رابك شيء فانتصر بهم ، فإذا أصبتهم : فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنهم إن أقاموا بها تغيرت أخلاقهم » (٢).

وحينما وقف أبو ذر في وجه طغيان معاوية ، وأثرته ، وانحرافاته ، في الشام ، قال حبيب بن مسلمة لمعاوية : « إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله ، إن كان لك فيه حاجة (٣).

وحسب نص آخر : « إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله : كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فكتب عثمان : أخرجه إلي. فلما صار إلى المدينة ، نفاه إلى الربذة » (٤).

وحينما جاء المصريون إلى المدينة يسألون عمر عن سبب عدم العمل ببعض الأحكام القرآنية ، أجابهم بقوله : « ثكلت عمر أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ، وقد علم ربنا : أن سيكون لنا سيئات؟ ، وتلا : ( إن تجتنبوا كبائِر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلاً كريماً ) هل علم أهل المدينة فيما قدمتم؟! قالوا : لا. قال لو علموا لوعظت بكم ».

قال لهم هذا بعد أن أخذ منهم اعترافاً بأنهم لم يحصوا القرآن لا بالبصر ، ولا في اللفظ ، ولا في الأثر (٥).

وبعد كلام جرى بين معاوية ، وعكرشة بنت الأطرش بن رواحة ، قال لها

__________________

١ ـ مروج الذهب ج ٣ ص ٣٢ والغدير ج ١٠ ص ١٩٦ عنه.

٢ ـ الفخري في الآداب السلطانية ص ١١٢ والعقد الفريد ج ٣ ص ٣٧٣ مع تفاوت يسير.

٣ ـ الغدير ج ٨ ص ٣٠٤ عن ابن أبي الحديد.

٤ ـ الأمالي للشيخ المفيد ص ١٢٢.

٥ ـ حياة الصحابة ج ٣ ص ٢٦٠ عن كنز العمال ج ١ ص ٢٢٨ عن ابن جرير.

٨٨

معاوية : « هيهات يا أهل العراق ، نبهكم علي بن أبي طالب ، فلن تطاقوا ، ثم أمر برد صدقاتهم فيهم ، وإنصافها » (١).

والعجيب في الأمر هنا : أننا نجد عمر بن الخطاب يصر على الهمدانيين ـ إصراراً عجيباً ـ أن لا يذهبوا إلى الشام ، وإنما إلى العراق (٢)!! ..

ونظير ذلك أيضاً قد جرى لقبيلة بجيلة ، فراجع (٣).

وقال عبد الملك بن مروان لولده سليمان ، حينما أخبره : أنه أراد أن يكتب سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومغازيه ، ورأى ما للأنصارمن المقام المحمود في العقبتين ، قال له : « وما حاجتك أن تُقدِم بكتاب ليس لنا فيه فضل ، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! » ، فأخبره بتخريقه ما كان نسخه فصوب رأيه (٤).

وحينما طلب البعض من معاوية : أن يكف عن لعن علي عليه‌السلام ، قال : « لا والله ، حتى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر ذاكر له فضلاً » (٥).

وحينما أرسل علي عليه‌السلام إلى معاوية كتاباً فيه :

محمـد النبـي أخـي وصهـري

وحمـزة سيـد الشهـداء عمّـي

الأبيات ..

__________________

١ ـ العقد الفريد ج ٢ ص ١١٢ وبلاغات النساء ص ١٠٤ ط دار النهضة وليراجع صبح الأعشى أيضاً.

٢ ـ المصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٥٠.

٣ ـ راجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٤٤١.

٤ ـ أخبار الموفقيات ص ٣٣٢ ـ ٣٣٤ وليراجع الأغاني ط ساسي ج ١٩ ص ٥٩ في قضية أخرى.

٥ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٥٧ والإمام الحسن بن علي عليه‌السلام لآل يس ص١٢٥ ، والنصائح الكافية ص ٧٢.

٨٩

« قال معاوية : أخفوا هذا الكتاب ، لا يقرأه أهل الشام : فيميلون إلى علي بن أبي طالب » (١).

وليراجع كلام المدائني في هذا المجال ، فإنه مهم أيضاً (٢).

عليُّ عليه‌السلام يبثّ العلم والإيمان :

ولكن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد حاول بكل ما أوتي من قوة وحول : أن يبث المعارف الإسلامية في الناس ، وينقذهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، حتى لقد قال ـ كما سيأتي ـ : « وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على معالم الحلال والحرام ». هذاً فضلاً عن التوعية السياسية ، التي كان هو ووُلْدُه الأماجد يتمون في بثها وتركيزها.

ط : موقفهم من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ثم هناك التدبير الذكي والدقيق ، الذي كان من شأنه أن يحرم الأمة من الإطلاع على كثير من توجيهات ، وأقوال ، وقرارات ، ومواقف الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم6 ، المتمثلة في المنع عن رواية الحديث النبوي مطلقاً ، أو ببينة ، والضرب ، ثم الحبس ، بل والتهديد بالقتل على ذلك.

المنع عن كتابته والاحتفاظ به ،

ثم إحراق ما كتبه الصحابة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

__________________

١ ـ البداية والنهاية ج ٨ ص ٨ و٩.

٢ ـ النصائح الكافية ص ٧٢ / ٧٣ /٧٤.

٣ ـ راجع في ذلك كله وحول كل ما يشير إلى التحديد والتقليل في رواية الحديث : المصادر التالية : جامع بيان العلم ج ١ ص ٤٢ و ٦٥ و ٧٧ و ج ٢ ص ١٧٣ و ١٧٤ و ١٣٥ و ٢٠٣ و ١٤٧ و ١٥٩ و ١٤١ و ١٤٨ والمصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٢٥٨ و ٢٦٢ و ٣٢٥ و ٣٧٧ و ج ١٠ ص ٣٨١ وهوامش الصفحات عن مصادر كثيرة ، والسنة

٩٠

..................................................................................

____________

=

قبل التدوين ص ٩٧ / ٩٨ و ٩١ و ١٠٣ و ١١٣ و ٩٢ و ١٠٤ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٥ و ٧ و ٦ و ٨ و ٣ / ٤ وشرف أصحاب الحديث ص ٨٨ و ٨٩ و ٩١ و ٩٢ و ٨٧ و ٩٣ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٧٣ وكنز العمال ج ٥ ص ٤٠٦ عن التيهقي و ج ١٠ ص ١٧٩ و ١٧٤ و ١٨٠ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩ وتأويل مختلف الحديث ص ٤٨ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٨ و ٤٢٧ حتى ٤٣٢ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ٢ و ج ٤ قسم ١ ص ١٣ ـ ١٤ و ج ٣ قسم ١ ص ٣٠٦ و ج ٥ ص ١٤٠ و ٧٠ و ١٧٣ ، و ج ٢ قسم ٢ ص ٢٧٤ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦١ وأضواء على السنة المحمدية ص ٤٧ و٥٤ و ٥٥ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ ص ٦٤ و ٦١ وكشف الأستار عن مسند البزار ج ٢ ص ١٩٦ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٨٢ و ٥٦٩ و ٥٧٠ و ج ٣ ص ٢٥٧ و ٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٧٢ و ٢٧٣ و ٢٥٢ و ٦٣٠ عن مصادر عديدة ، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٦ و ١٠٧ وتقييد العلم ص ٥٠ و ٥١ و ٥٢ و ٥٣ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ١٠٢ و ١١٠ وتاريخ الخلفاء ص ١٣٨ عن السلفي في الطيورات بسند صحيح ، ومسكل الآثار ج ١ ص ٤٩٩ حتى ٥٠١ ومسند أحمد ص ١٥٧ و ج ٤ ص ٣٧٠ و ٩٩ و ج ٣ ص ١٩ والدر المنثور ج ٤ ص ١٥٩ ووفاء الوفاء ج ١ ص ٤٨٨ و ٤٨٣ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٦ ص ١١٤ وحلية الأولياء ج ١ ص ١٦٠ ومآثر الإناقة. وراجع أيضاً : تاريخ الخلفاء ص ١٣٨ والمجروحون ج ١ ص ٣٥ / ٣٦.

ونقل أيضاً في الغدير ج ٦ ص ٢٩٤ حتى ٣٠٢ و ٢٦٥ و ٢٦٣ و ١٥٨ و ج ١٠ ص ٣٥١ و ٣٥٢ عن المصادر التالية : الكامل لابن الاثير ج ٢ ص ٢٢٧ وابن الشحنة بهامشه ج ٧ ص ١٧٦ وفتوح البلدان ص ٥٣ وصحيح البخاري ط الهند ج ٣ ص ٨٣٧ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٣٤٠ وصحيح مسلم ج ٢ ص ٢٣٤ كتاب الأدب .. انتهى.

ونقله في النص والاجتهاد ص ١٥١ عن المصادر التالية : كنز العمال ج ٥ ص ٢٣٩ رقم ٤٨٤٥ و ٤٨٦٠ و ٤٨٦٥ و ٤٨٦١ و ٤٨٦٢ والأم للشافعي ، وشرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ١٢٠ والمعتصر من المختصر ج ١ ص ٤٥٩ وابن كثير في مسند الصديق وصفين ص ٢٤٨ والتاج المكلل ص ٢٦٥ وشرح صحيح مسلم للنووي ج ٧ ص ١٢٧.

ونقل أيضاً عن المصادر التالية : قبول الأخبار للبلخي ص ٢٩ ، والمحدث الفاصل ص ١٣٣ والبخاري بحاشية السندي ج ٤ ص ٨٨ وصحيح مسلم ج ٣ ص ١٣١١ و ١٦٩٤ والموطأ ج ٢ ص ٩٦٤ ورسالة الشافعي ص ٤٣٥ ومختصر جامع بيان العلم

٩١

ي ـ تشجيع القصاصين ورواية الإسرائيليات :

مع تشجيعهم للقصاصين ، ولرواية الإسرائيليات.

وقد وضعوا الأحاديث المؤيدة لذلك (١).

ثم السماح بالرواية لأشخاص معينين ، دون من عداهم (٢) حتى إن أبا

__________________

=

ص ٣٢ و ٣٣. وثمة مصادر أخرى لامجال لتتبعها..

١ ـ راجع فيما تقدم حول رواية الاسرائيليات وتشجيع القصاصين ، المصادر التالية : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٢٤ حتى ٢٢٧ و ٢٣٨ و ٣٣٨ و ٣٤٥ و ٣٢٥ و ٣٢٦ و ٣٢٧ وأضواء على السنة المحمدية ص ١٢٤. حتى ١٢٦ و ١٤٥ حتى ١٩٢ وشرف أصحاب الحديث ص ١٤ و ١٥ و ١٦ و ١٧ وفجر الإسلام ص ١٥٨ حتى ١٦٢ وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص ٣٤ حتى ٣٧ والزهد والرقائق ص ١٧ و ٥٠٨ وتقييد العلم ص ٣٤ وفي هامشه عن حسن التنبيه ص ١٩٢ وعن مسند أحمد ج ٣ ص ١٢ و ١٣ و ٥٦. وراجع أيضاً : جامع بيان العلم ج ٢ ص ٥٠ و ٥٣ ، ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٥٠ و١٥١ و ١٩١ و ١٩٢ و ١٨٩ والمصنف لعبد الرزاق ج ٦ ص ١٠٩ و ١١٠ وهوامشه ومشكل الآثار ج ١ ص ٤٠ و ٤١ والبداية والنهاية ج ١ ص ٦ و ج ٢ ص ١٣٢ و ١٣٤ وكشف الأستار ج ١ ص ١٢٠ و ١٢٢ و ١٠٨ و ١٠٩ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٨٦.

٢ ـ راجع : الصحيح من سيرة النبي ج ١ ص ٢٦.

بل لم يسمحوا بالفتوى إلا للأمراء ، راجع : جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧٥ ٢٠٣ وراجع ص ١٩٤ و ١٧٤ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٤ ص ٦٢ وسنن الدرامي ج ١ ص ٦١ والتراتيب اللإدارية ج ٢ ص ٣٦٧ و ٣٦٨ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ١٧٩ ط ليدن و ٢٥٨ ط صادر وكنز العمال ج ١٠ ص ١٨٥ عن غير واحد وعن الدينوري في المجالسة ، وعن ابن عساكر. والمصنف لعبد الرزاق ج ٨ ص ٣٠١ وفي هامشه عن أخبار القضاة لوكيع ج ١ ص ٨٣.

بل إن عثمان يتوعد رجلاً بالقتل ، إن كان قد استفتى أحداً غيره ، راجع تهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٥٤ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٩٠ / ٣٩١ عنه ..

٩٢

موسى ليمسك عن الحديث ، حتى يعلم ما أحدثه عمر (١).

أضف إلى ذلك كله : حبسهم لكبار الصحابة بالمدينة ، وعدم توليتهم الأعمال الجليلة ، خوفاً من نشر الحديث ، ومن استقلالهم بالأمر (٢) : وذلك بعد أن قرروا عدم السماح بالفتوى إلا للأمراء كما أوضحناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ك : لا خير في الإمارة لمؤمن :

وإذا كان الأمراء هم الذين ينفذون هذه السياسات ، وقد يتردد المؤمنون منهم في تنفيذها على النحو الأفضل والأكمل ، فقد اتجه العلم نحو الفجار ليكونوا هم أعوانه وأركانه.

وقد رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : لا خير في الإمارة لرجل مؤمن (٣).

__________________

١ ـ مسند أحمد ج ٤ ص ٣٩٣ وفي ص ٣٧٢ يمتنع أنس عن الحديث.

٢ ـ راجع : تاريخ الطبري حوادث سنة ٣٥ ج ٣ ص ٤٢٦ ومروج الذهب ج ٢ ص ٣٢١ و ٣٢٢ وراجع مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٠ و ج ١ ص ١١٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٨٠ وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٠ وسيرة الأئمة الإثني عشر ج ١ ص ٣١٧ و ٣٣٤ و ٣٦٥ وراجع : التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير ص ٢٠٨ و ٢٠٩ والفتنة الكبرى ص ١٧ و ٤٦ و ٧٧ وشرف أصحاب الحديث ص ٨٧ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩ وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ١٣٥ و ج ٢ قسم ٢ ص ١٠٠ و ١١٢ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٤٠ و ٤١ و ج ٣ ص ٢٧٢ و ٢٧٣ عن الطبري ج ٥ ص ١٣٤ وعن كنز العمال ج ٧ ص ١٣٩ و ج ٥ ص ٢٣٩.

وفي هذا الأخير عن ابن عساكر : أن عمر بن الخطاب جمع الصحابة من الآفاق ووبخهم على إفشائهم الحديث.

٣ ـ البداية والنهاية ج ٥ ص ٨٣ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٠٤ عن الطبراني. وحياة الصحابة ج ١ ص ١٩٨ / ١٩٩ عنهما وعن كنز العمال ج ٧ ص ٣٨ وعن البغوي وابن

=

٩٣

وقد قال حذيفة لعمر : إنك تستعين بالرجل الفاجر. فقال : إني أستعمله لأستعين بقوته ، ثم أكون على قفائه.

وذكر أيضاً : أن عمر قال غلبني أهل الكوفة ، استعمل عليهم المؤمن فيضعف ، واستعمل الفاجر ، فيفجر (١).

ل : أينعت الثمار واخضرّ الجناب :

وبعد ذلك كله فقد تهيأت الفرصة لمن سمح لهم بالرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن بني إسرائيل ، لأن يمدّوا الأمة بما يريدون ، ويتوافق مع أهدافهم ومراميهم ، من أفكار ومعارف ، وأقوال ومواقف ، حقيقية ، أو مزيفة ..

ثم تحريف ، بل وطمس الكثير من الحقائق التي رأوا أنها لا تتناسب مع أهدافهم ، ولا تخدم مصالحهم.

بل لقد طمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة (٢).

بل يذكرون : أنه لم يصل إلى الأمة سوى خمس مئة حديث في أصول

__________________

= عساكر وغيرهما.

١ ـ الفائق للزمخشري ج ٣ ص ٢١٥ و ج ٢ ص ٤٤٥ والنصائح الكافية ص ١٧٥ ولسان العرب ج ١٣ ص ٣٤٦ و ج ١١ ص ٤٥٢. والاشتقاق ص ١٧٩.

٢ ـ راجع الصحيح من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ج ١ ص ٢٧ ـ ٣٠ بالإضافة إلى : المصنف ج ٢ ص ٦٣و مسند أبي عوانة ج ٢ ص ١٠٥ والبحر الزخار ج ٢ ص ٢٥٤ وكشف الأستار عن مسند البزار ج ١ ص ٢٦٠ ومسند أحمد ج ٤ ص ٤٢٨ و ٤٢٩ و ٤٣٢ و ٤٤١ و ٤٤٤ والغدير ج ٨ ص ١٦٦ ، وراجع أيضاً مروج الذهب ٣ ص ٨٥ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٦٢.

٩٤

لأحكام ومثلها من أصول السنن (١) .. الأمر ، الذي يلقي ضلالاً ثقيلة من الشك والريب في عشرات بل مئات الألوف ، بل في الملايين (٢) من الأحاديث ، التي يذكرون : أنها كانت عند الحفاظ ، أو لاتزال محفوظة في بطون الكتب إلى الأن. ولأجل ذلك ، فإننا نجدهم يحكمون بالكذب والوضع على عشرات بل مئات الألوف منها (٣).

وقد بلغ الجهل بالناس : أننا نجد جيشاً بكامله ، لايدري : أن من لم يُحْدِث ، فلا وضوء عليه ، « فأمر ( أبو موسى ) مناديه : ألا ، لا وضوء إلا على من أحدث. قال : أوشك العلم أن يذهب ويظهر الجهل ، حتى يضرب الرجل أمه بالسيف من الجهل » (٤).

بل لقد رأينا : أنه : « قد أطبقت الصحابة إطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص ، لما رأوا المصلحة في ذلك » (٥).

ويقول المعتزلي الشافعي عن علي عليه‌السلام : « وإنما قال أعداؤه : لا رأي له ؛ لأنه كان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين

__________________

١ ـ مناقب الشافعي ج ١ ص ٤١٩ وعن الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا ص ٢٤٣.

٢ ـ راجع على سبيل المثال : الكنى والألقاب ج ١ ص ٤١٤ ، ولسان الميزان ج ٣ ص ٤٠٥ وتذكرة الحفاظ ج ٢ ص ٦٤١ و ٤٣٠ و ٤٣٤ و ج ١ ص ٢٥٤ و ٢٧٦.

وهذا الكتاب مملوء بهذه الأرقام العالية ، فمن أراد فليراجعه.

والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٠٢ حتى ص ٢٠٨ و ٤٠٧ و ٤٠٨.

٣ ـ راجع لسان الميزان ج ٣ ص ٤٠٥ و ج ٥ ص ٢٢٨ والفوائد المجموعة ص ٢٤٦ و ٤٢٧ وتاريخ الخلفاء ص ٢٩٣ وأنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي ) ج ٣ ص ٩٦ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٥٧٢ و ٤٠٦ و ٥٠٩ و ٣١٦ و ٣٢١ و ١٢ و ١٧ و ١٠٨ و ١٤٨ والكفاية للخطيب ص ٣٦ و سائر الكتب التي تتحدث عن الموضوعات في الأخبار. وراجع : المجرمون لابن حبان ج ١ ص ١٥٦ و ١٨٥ و ١٥٥ و ١٤٢ و ٩٦ و ٦٣ و ٦٢ و ص ٦٥ حول وضع الحديث للملوك وراجع أيضاً ج ٢ ص ١٨٩ و ١٦٣ و ١٣٨ و ج ٣ ص ٣٩ و ٦٣.

٤ ـ حياة الصحابة ج ١ ص ٥٠٥ عن كنز العمال ج ٥ ص ١١٤ وعن معاني الآثار للطحاوي ج ١ ص ٢٧.

٥ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٣.

٩٥

تحريمه. وقد قال عليه‌السلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن. ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب » (١) انتهى.

ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً.

كما أن الفقهاء ، قد « رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة » (٢).

كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها (٣).

ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : « أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك » (٤).

وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف.

ماذا بعد أن تمهد السبيل :

وبعد هذا .. فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق

__________________

١ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١ ص ٢٨.

٢ ـ شرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٨٤.

٣ ـ المصنف ج ٢ ص ٤٣٣.

٤ ـ جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٩٤.

٩٦

الفتوى! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .. قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم. بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم .. الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها.

كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً.

كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي.

أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ (١).

ولسنا هنا في صدد شرح ذلك.

وعلي عليه‌السلام ماذا يقول :

هذا .. ولكننا نجد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفض عليه‌السلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين. وقد

__________________

١ ـ راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ج ١ ص ٢٦ / ٢٧ متناً وهامشاً.

٩٧

طرد عليه‌السلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وقد رووا عنه : أنه عليه‌السلام قال : « قيدوا العلم ، قيدوا العلم » مرتين. ونحوه غيره (٢).

كما أنه عليه‌السلام يقول :

« من يشتري منا علماً بدرهم؟ .. قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ».

وفي بعض النصوص : « فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً » (٣).

وعن علي عليه‌السلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس (٤).

وعنه عليه‌السلام : « إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه » (٥). ومثل ذلك كثير

__________________

١ ـ سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص ٢٨ وراجع كنز العمال ج ١٠ ص ١٧١ و ١٧٢ و١٢٢.

٢ ـ تقييد العلم ص ٨٩ و ٩٠ وبهامشه قال : « وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي ١ : ٣ ».

٣ ـ التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٥٩ وطبقات ابن سعد ج ٦ ص ١١٦ ط ليدن و ص ٦٨ ط صادر وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٥٧ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٦ وتقييد العلم ص ٩٠ وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة ١٠ والمحدث الفاصل ج ٤ ص ٣.

٤ ـ كنز العمال ج ١٠ ص ١٨٩.

٥ ـ كنز العمال ج ١٠ ص ١٢٩ ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ).

٩٨

عنه عليه‌السلام (١).

والإمام الحسن عليه‌السلام أيضاً :

وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : « دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : « يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته » (٢).

ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن علي عليه‌السلام ، ثم قال : « كذا قال : جمع الحسين بن علي. والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم » (٣).

ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

مشرعون جدد ، أو أنبياء صغار :

وطبيعي بعد ذلك كله .. وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة

__________________

١ ـ راجع على سبيل المثال كنز العمال ج ١٠ كتاب العلم ..

٢ ـ تقييد العلم ص ٩١ ونور الأبصار ص ١٢٢ وكنز العمال ج ١٠ ص ١٥٣ وسنن الدرامي ج ١ ص ١٣٠ وجامع بيان العلم ج١ ص ٩٩ ، والعلل ومعرفة الرجال ج ١ ص ٤١٢ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٧ وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٩٩ ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار ١٢ عن علي عليه‌السلام .. وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٤٦ / ٢٤٧ عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل.

٣ ـ تقييد العلم ص ٩١.

٩٩

الاحترام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم .. وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر. وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : « أنا زميل محمد » بالإضافة إلى ما يلي :

١ ـ « قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : « كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب .. » (١).

٢ ـ وقال الشافعي : « لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل. والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو إجماع الناس » (٢).

٣ ـ وقال البعض عن الشافعية : « والعجب! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

٤ ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : « .. وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي. وهذا ينسحب على كل حديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى ولو كان صحيحاً » (٤).

ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً (٥).

__________________

١ ـ التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٦٦.

٢ ـ مناقب الشافعي ج ١ ص ٣٦٧ ، وراجع ص ٤٥٠.

٣ ـ مجموعة المسائل المنيرية ص ٣٢.

٤ ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص ٢٥١ / ٢٥٥ ومالك ، لأبي زهرة ص ٢٩٠.

٥ ـ ابن حنبل لأبي زهرة ص ٢٥٤ / ٢٥٥ عن إرشاد الفحول للشوكاني ص ٢١٤.

١٠٠