بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وقال في النهاية : فيه لا سياحة في الاسلام ، يقال : ساح في الارض يسيح سياحة إذا ذهب فيها ، وأصله من السيح ، وهو الماء الجاري المنبسط على الارض ، أراد مفارقة الامصار ، وسكنى البراري ، وترك شهود الجمعة والجماعات ، وقيل : أراد الذين يسيحون في الارض بالشر والنميمة والافساد بين الناس ، ومن الاول الحديث سياحة هذه الامة الصيام ، قيل للصائم سائح لان الذي يسيح في الارض متعبدا ، يسيح ولا زاد معه ولا ماء ، فحين يجد يطعم والصائم يمضى نهاره لا يأكل ولا يشرب شيئا فشبه به انتهى.

قوله عليه‌السلام : « أحل فيها الطيبات » (١) إشارة إلى قوله تعالى في الاعراف « الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم » الاية قال الطبرسي قدس‌سره : « ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث » معناه يبيح لهم المستلذات الحسنة ، ويحرم عليهم القبائح ، وما تعافه الانفس ، وقيل : يحل لهم ما اكتسبوه من وجه طيب ، و يحرم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث ، وقيل يحل لهم ما حرمه عليهم رها بينهم وأحبارهم ، وما كان يحرمه أهل الجاهلية من البحائر والسوائب وغيرها ويحرم عليهم الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر معها « ويضع عنهم إصرهم » أي ثقلهم شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل ، وذلك أن الله سبحانه جعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا ، وجعل توبة هذه الامة الندم بالقلب حرمة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الحسن ، وقيل الاصر هو العهد الذي كان الله سبحانه أخذه على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة عن ابن عباس والضحاك والسدي ويجمع المعنيين قول الزجاج الاصر ما عقدته من عقد ثقيل « والاغلال التي كانت عليهم » معناه ويضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم ، وجعل تلك العهود بمنزلة الاغلال التي تكون في الاعناق للزومها كما يقال : هذا طوق في عنقك ، وقيل يريد بالاغلال ما امتحنوا به من قتل

__________________

(١) الاعراف : ١٥٧.

٣٢١

نفوسهم في التوبة ، وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم ، وما أشبه ذلك من تحريم السبت وتحريم العروق والشحوم وقطع الاعضاء الخاطئة ، ووجوب القصاص دون الدية عن أكثر المفسرين (١) انتهى.

وأقول : استدل أكثر أصحابنا على تحريم كثير من الاشياء مما تستقذره طباع أكثر الخلق بهذه الاية ، وهو مشكل ، إذا الظاهر من سياق الاية مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشريعته ، بأن ما يحل لهم هو طيب واقعا وإن لم نفهم طيبه وما يحرم عليهم هو الخبيث واقعا وإن لم نعلم خبثه ، كالطعام المستلذ الذي يكون من مال اليتيم أو مال السرقة تستلذه الطبع وهو خبيث واقعا وأكثر الادوية التي يحتاج الناس إليها في غاية البشاعة وتستقذرها الطبع ، ولم أر قائلا بتحريمها ، فالحمل على المعنى الذي لا يحتاج إلى تخصيص ويكون موافقا لقواعد الامامية من الحسن والقبح العقليين ، أولى من الحمل على معنى لا بد فيه من تخصيصات كثيرة ، بل ما يخرج منهما أكثر مما يدخل فيهما كما لا يخفى على من تتبع مواردهما.

ويمكن أن يقال هذه الاية كالصريحة في الحسن والقبح العقليين ، ولم يستدل بها الاصحاب رضي‌الله‌عنهم ، وقيل الاصر الثقل الذي يأصر حامله ، أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله ، وقال الزمخشري هو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته ، نحو اشتراط قتل الانفس في حصة توبتهم ، وكذلك الاغلال مثل لما كان في شرايعهم من الاشياء الشاقة نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطاء من غير شرع الدية ، وقطع الاعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثواب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم العروق في اللحم ، وتحريم السبت ، وعن عطا كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوح وغلوا أيديهم إلى أعناقهم ، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة انتهى.

قوله عليه‌السلام : « ثم افترض عليه » أي على نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله « فيها » أي في الفطرة التي هي ملته ، وكأن « ثم » للتفاوت في الرتبة ، وقيل : المراد بالحلال ما عدا الحرام

__________________

(١) مجمع البيان ج ٤ ص ٤٨٧.

٣٢٢

فيشمل الاحكام الاربعة ، والمراد بالفرائض المواريث ذكرت تأكيدا أو مطلق الواجبات ، وقيل : الفرائض ماله تقدير شرعي من المواريث ، وهي أعم منها ومن غيرها ، مما ليس له تقدير ، وقيل : المراد بالفرائض ما فرض من القصاص بقدر الجناية وقوله « وزاده الوضوء » يدل على عدم شرع الوضوء في الامم السابقة ، و ينافيه ما ورد في تفسير قوله تعالى « فطفق مسحا بالسوق والاعناق » (١) أنهم مسحوا ساقهم وعنقهم وكان ذلك وضوءهم إلا أن يقال : المراد زيادة الوضوء كما في بعض النسخ « وزيادة الوضوء » عطفا على الجهاد.

قوله عليه‌السلام « وفضله » إشارة إلى ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : اعطيت مكان التوراة السبع الطول ، ومكان الانجيل المثاني ومكان الزبور المئين وفضلت بالمفصل وفي رواية واثلة بن الاصقع وأعطيت مكان الانجيل المئين ومكان الزبور المثاني ، واعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة من تحت العرش لم يعطها نبي قبلي وأعطاني ربى المفصل نافلة.

قال الطبرسي روح الله روحه : فالسبع الطول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء والمائدة ، والانعام ، والاعراف والانفال مع التوبة لانهما تدعيان القرينتين ، ولذلك لم يفصل بينهما بالبسملة ، وقيل : إن السابعة سورة يونس ، والطول جمع الطولى تأنيث الاطول ، وإنما سميت هذه السور الطول ، لانها أطول سور القرآن ، و أما المثانى فهي السور التالية للسبع الطول أولها يونس وآخرها النحل ، وإنما سميت المثاني لانها ثنت الطول أي تلتها ، وكان الطول هي المبادي ، والمثاني لها ثواني ، وواحدها مثنى مثل المعنى والمعاني ، وقال الفراء : وحدها مثناة وقيل المثاني سور القرآن كلها طوالها وقصارها ، من قوله تعالى « كتابا متشابها مثاني » (٢) وأما المئون فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه ، وهي سبع سور أولها سورة بني إسرائيل وآخرها المؤمنون ، وقيل إن المئين ما ولي السبع الطول

__________________

(١) سورة ص : ٣٣.

(٢) الزمر : ٢٣.

٣٢٣

ثم المثاني بعدها ، وهي التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل ، وسميت المثاني لان المئين مبادلها ، وأما المفصل فما بعد الحواميم من قصار السور إلى آخر القرآن ، سميت مفصلا لكثرة الفصول بين سورها ببسم الله الرحمن الرحيم انتهى (١).

وأقول : اختلف في أول المفصل فقيل من سورة ق وقيل من سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل من سورة الفتح ، وعن النووي مفصل القرآن من محمد إلى آخر القرآن ، وقصاره من الضحى إلى آخره ، ومطولاته إلى عم ومتوسطاته إلى الضحى ، وفي الخبر المفصل ثمان وستون سورة ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب القرآن.

« وأحل له المغنم » في النهاية الغنيمة والغنم المغنم والغنائم هو ما اصيب من أموال أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وقال : الفئ ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد ، وأصل الفئ الرجوع يقال فاء يفئ فيئة وفيئا ، كأنه في الاصل لهم ثم رجع إليهم انتهى.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالمغنم المنقولات وبالفئ الاراضي سواء اخذت بحرب أم لا وعلى التقديرين في قوله « له » توسع أي له ولاهل بيته وامته ، و يحتمل أن تكون اللام سببية لا صلة للاحلال فيكون من أحل له غير مذكور فيشمل الجمع والاختصاص لما مر أن الامم السابقة كانوا لا تحل لهم الغنيمة ، بل كانوا يجمعونها فتنزل نار من السماء فتحرقها ، وكان ذلك بلية عظيمة عليهم ، حتى كان قد يقع فيها السرقة فيقع الطاعون بينهم ، فمن الله على هذه الامة باحلالها ، و نصره بالرعب مع قلة العدة والعدة ، وكثرة الاعداء ، وشدة بأسهم « والرعب » الفزع والخوف ، فكان الله تعالى يلقي رعبه في قلوب الاعداء حتى إذا كان بينه و بينهم مسيرة شهرها بوه وفزعوا منه.

« وجعل له الارض مسجدا » أي مصلى يجوز لهم الصلاة في أي موضع شاؤا بخلاف الامم السابقة فان صلاتهم كانت في بيعهم وكنايسهم إلا من ضرورة « وطهورا »

__________________

(١) مجمع البيان ج ١ ص ١٤.

٣٢٤

أي مطهرا أو ما يتطهر به : تطهر أسفل القدم والنعل ومحل الاستنجاء وتقوم مقام الماء عند تعذره في التيمم ، والمراد بكونها طهورا أنها بمنزلة الطهور في استباحة الصلاة بها وحمله السيد رحمه‌الله على ظاهره فاستدل به على ما ذهب إليه من أن التيمم يرفع الحدث إلى وجود الماء.

« وأرسله كافة » إشارة إلى قوله تعالى « وما أرسلناك إلا كافة للناس » و « كافة » في الاية (١) إما حال عما بعدها أي إلى الناس جميعا ، ومن لم يجوز تقديم الحال على ذي الحال المجرور قال هي حال عن الضمير المنسوب في أرسلنا ، والتاء للمبالغة أو صفة لمصدر محذوف أي إرسالة كافة ، أو مصدر كالكاذبة والعافية ، ولعل الاخيرين في الخبر أنسب ، وظاهره أن غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبعث في الكافة وهو خلاف المشهور.

ويحتمل أن يكون الحصر إضافيا أو يكون المراد به بعثه على جميع من بعده إذ لا نبي بعده بخلاف سائر اولي العزم فانهم لم يكونوا كذلك ، بل نسخت شريعتهم « والابيض والاسود » العجم والعرب ، أو كل من اتصف باللونين ليشمل جميع الناس ، قال في النهاية : فيه بعثت إلى الاحمر والاسود أي العجم والعرب لان الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض ، وعلى ألوان العرب الادمة والسمرة وقيل : الجن والانس ، وقيل : أراد بالاحمر الابيض مطلقا ، فان العرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء ، ومنه الحديث اعطيت الكنزين الاحمر والابيض هي ما أفاء الله على امته من كنوز الملوك ، فالاحمر الذهب والابيض الفضة ، و الذهب كنوز الروم لانه الغالب على نقودهم ، والفضة كنوز الاكاسرة لانها الغالبة على نقودهم ، وقيل : أراد العرب والعجم جمعهم الله على دينه وملته انتهى والكلام في اختصاص البعث على الجن والانس به صلى‌الله‌عليه‌وآله كالكلام فيما سبق.

ويدل الخبر أيضا على اختصاص الجزية والاسر والفداء به صلى‌الله‌عليه‌وآله « والجزية » المال الذي يقرره الحاكم على الكتابي إذا أقره على دينه ، وهي فعلة من الجزاء كأنها جزت عن قتله وأسره ، « والفداء » بالكسر والمد وبالفتح والقصر ، فكاك الاسير بالمال الذي قرره الحاكم عليه ، يقال فداه يفديه فداء « ثم كلف » على بناء

__________________

(١) سبأ : ٢٨.

٣٢٥

المفعول و « ثم » هنا أيضا مثل ما سبق ، لان هذا التكليف أعظم التكليفات وأشقها فقد ثبت صلى‌الله‌عليه‌وآله في حرب أحد وحنين بعد انهزام أصحابه مصرحا باسمه لا يبالي شيئا « وانزل عليه سيف من السماء » أي ذو الفقار أو غيره وكونه بلا غمد تحريض على الجهاد وإشارة إلى أن سيفه ينبغي أن لا يغمد وقيل السيف عبارة عن آية سورة براءة « فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين » (١) فانها يقال لها آية السيف و كونه من غير غمد كناية عن أنها من المحكمات ولا يخفى بعده ، « والغمد » بالكسر الغلاف ، وقال البيضاوي « قاتل في سبيل الله » إن تثبطوا وتركوك وحدك « لا تكلف إلا نفسك » أي إلا فعل نفسك ، لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم ، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد ، فان الله ناصرك لا الجنود.

٢ ـ سن : عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : قول الله « فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل » (٢) فقال : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وعلى جميع أنبياء الله ورسله ، قلت : كيف صاروا اولي العزم؟ قال : لان نوحا بعث بكتاب وشريعة فكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتى جاء إبراهيم عليه‌السلام بالصحف ، وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به فكل نبي جاء بعد إبراهيم جاء بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وبعزيمة ترك الصحف ، فكل نبي جاء بعد موسى أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيح بالانجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه ، فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء بالقرآن وشريعته ومنهاجه ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فهؤلاء اولوا العزم من الرسل (٣).

كا : عن العدة ، عن البرقي مثله (٤).

__________________

(١) براءة : ٥.

(٢) الاحقاف : ٣٥.

(٣) المحاسن ص ٢٦١.

(٤) الكافى ج ٢ ص ١٧.

٣٢٦

بيان : « فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل » قال الطبرسي رحمه‌الله : أي فاصبر يا محمد على أذى هؤلاء الكفار ، وعلى ترك إجابتهم لك ، كما صبر الرسل و « من » هنا لتبيين الجنس ، فالمراد جميع الانبياء لانهم عزموا على أداء الرسالة و تحمل أعبائها ، وقيل : إن « من » ههنا للتبعيض ، وهو قول أكثر المفسرين و الظاهر في روايات أصحابنا ثم اختلفوا فقيل هم من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم عن ابن عباس وقتادة ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام قالا : وهم سادة النبيين وعليهم دارت رحى المرسلين ، وقيل : هم ستة نوح صبر على أذى قومه ، وإبراهيم صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر ، ويوسف صبر على البئر والسجن ، وأيوب صبر على الضر عن مجاهد.

وقيل هم الذين امروا بالجهاد والقتال وأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين عن السدى والكلبي ، وقيل : هم أربعة إبراهيم ونوح وهود ورابعهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أبي العالية ، والعزم هو الوجوب والحتم واولوا العزم من الرسل هم الذين شرعوا الشرايع وأوجبوا على الناس الاخذ بها ، والانقطاع عن غيرها انتهى (١).

قوله عليه‌السلام : « لا كفرا به » أي إنكارا لحقيته بل إيمانا به وبصلاحه في وقت دون آخر ، وللنسخ مصالح كثيرة والعبد مأمور بالتسليم ، وكان من جملتها ابتلاء الخلق واختبارهم في ترك ما كانوا متمسكين به ، قوله : « ومنهاجه » كأنه إشارة إلى قوله تعالى « ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » (٢).

٣ ـ فس : قوله : « شرع لكم من الدين » (٣) مخاطبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك » يا محمد « وما وصينا به إبراهيم وموسى و عيسى أن أقيموا الدين » أي تعلموا الدين ، يعني التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والسنن والاحكام التي في الكتب والاقرار بولاية

__________________

(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٩٤.

(٢) المائدة : ٤٨. (٣) الشورى : ١٣ ـ ١٥.

٣٢٧

أمير المؤمنين عليه‌السلام « ولا تتفرقوا فيه » أي لا تختلفوا فيه « كبر على المشركين ما تدعوهم إليه » من ذكر هذه الشرايع ، ثم قال « الله يجتبي إليه من يشاء » أي يختار « ويهدي إليه من ينيب » وهم الائمة الذين اختارهم واجتباهم قال : « وما تفرقوا إلا من بعد ما جائهم العلم بغيا بينهم » قال لم يتفرقوا بجهل ولكنهم تفرقوا لما جائهم العلم وعرفوه ، فحسد بعضهم بعضا وبغى بعضهم على بعض ، لما رأوا من تفاضل أمير المؤمنين عليه‌السلام بأمر الله فتفرقوا في المذاهب وأخذوا بالاراء والاهواء.

ثم قال عزوجل : « ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم » قال : لولا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في التقدير الاول ، لقضي بينهم إذا اختلفوا وأهلكهم ولم ينظرهم ، ولكن أخرهم إلى أجل مسمى « وإن الذين اورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب » كناية عن الذين نقضوا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : « فلذلك فادع » يعني لهذه الامور والذي تقدم ذكره وموالاة أمير المؤمنين « واستقم كما امرت ».

قال : فحدثني أبي ، عن علي بن مهزيار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، في قول الله « أن أقيموا الدين » قال الامام : « ولا تفرقوا فيه » كناية عن أمير المؤمنين ثم قال : « كبر على المشركين ما تدعوهم إليه » من أمر ولاية علي « الله يجتبي إليه من يشاء » كناية عن علي عليه‌السلام « ويهدي إليه من ينيب » ثم قال : « فلذلك فادع » يعني إلى ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، « ولا تتبع أهوائهم فيه » وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم الله ربنا وربكم « إلى قوله » و إليه المصير (١).

__________________

(١) تفسير القمى ص ٦٠٠.

٣٢٨

٢٧

* ( باب ) *

* ( دعائم الاسلام والايمان وشعبهما وفضل الاسلام ) *

١ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان عن الفضيل ، عن ابي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بني الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشئ كما نودي بالولاية (١).

٢ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عباس ابن عامر ، عن أبان ، عن الفضيل عنه عليه‌السلام مثله وزاد في آخره فأخذ الناس بأربع و تركوا هذه ، يعني الولاية (٢).

٣ ـ سن : عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة مثله بتقديم الحج على الصوم إلى قوله ما نودي بالولاية ، ثم قال : وزاد فيها عباس بن عامر : وأخذ الناس بأربع إلى آخره (٣).

بيان : « بني الاسلام على خمس » يحتمل أن يكون المراد بالاسلام الشهادتين وكأنهما موضوعتان على هذه الخمسة ، لا تقومان إلا بها ، أو يكون المراد بالاسلام الايمان ، وبالبناء عليها كونها أجزاءه وأركانه فحينئذ يمكن أن يكون المراد بالولاية ما يشمل الشهادتين أيضا ، أو يكون عدم ذكرهما للظهور وأما ذكر الولاية التي هي من العقائد الايمانية مع العبادات الفرعية ، مع تأخيرها عنها ، إما للمماشاة مع العامة ، أو المراد بها فرط المودة والمتابعة اللتان هما من مكملات الايمان أو المراد بالاربع الاعتقاد بها ، والانقياد لها ، فتكون من اصول الدين لانها

__________________

(١ و ٤) ج ٢ ص ١٨.

(٣) المحاسن ص ٢٨٦ وقد مر مثله في الباب ٢٦ تحت الرقم : ١.

٣٢٩

من ضرورياته ، وإنكارها كفر ، والاول أظهر « كما نودي بالولاية » أي في يوم الغدير أو في الميثاق وهو بعيد « والولاية » بالكسر الامارة وكونه أولى بالحكم و التدبير ، وبالفتح المحبة والنصرة وهنا يحتملهما.

٤ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عجلان أبي صالح قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أوقفني على حدود الايمان ، فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والاقرار بما جاء من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، وولاية ولينا ، و عداوة عدونا ، والدخول مع الصادقين (١).

توضيح : « حدود الايمان » هنا أعم من أجزائه وشرائطه ومكملاته « و الاقرار بما جاء من عند الله » المرفوع في جاء راجع إلى الموصول ، وفي بعض النسخ « جاء به » ، فالمرفوع للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد الاقرار إجمالا قبل العلم ، وتفصيلا بعده كما سيأتي إنشاء الله « والدخول مع الصادقين » متابعة الائمة الصادقين في جميع الاقوال والافعال ، أي المعصومين كما قال سبحانه « وكونوا مع الصادقين » (٢) وقد مر الكلام فيه في كتاب الامامة (٣).

٥ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن العرزمي ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام : قال : أثافي الاسلام ثلاثة الصلاة و الزكاة والولاية ، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها (٤).

بيان : « الاثافي » جمع الاثفية بالضم والكسر وهي الاحجار التي عليها القدر وأقلها ثلاثة وإنما اقتصر عليها لانها أهم الاجزاء ، ويدل على اشتراط قبول كل منها بالاخريين ، ولا ريب في كون الولاية شرطا لصحة الاخريين.

٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ألا أخبرك بأصل الاسلام

__________________

(١ و ٤) الكافى ج ٢ : ١٨.

(٢) براءة : ١١٩. (٣) راجع ج ٢٤ ص ٣٠ الباب ٢٦ من كتاب الامامة.

٣٣٠

وفرعه وذروة سنامه؟ قلت : بلى جعلت فداك ، قال : أما أصله فالصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروة سنامه الجهاد ثم قال : إن شئت أخبرتك بأبواب الخير قلت : نعم جعلت فداك ، قال : الصوم جنة من النار والصدقة تذهب بالخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل يذكر الله ثم قرأ « تتجافى جنوبهم عن المضاجع » (١).

ين : عن علي بن النعمان مثله إلى قوله الجهاد وفي الموضعين وسنامه.

توضيح : « وذروة سنامه » الاضافة بيانية أو لاميه إذ للسنام الذي هو ذروة البعير ذورة أيضا هي أرفع أجزائه ، وإنما صارت الصلاة أصل الاسلام لانه بدونها لا يثبت على ساق ، والزكاة فرعه لانه بدونها لا تتم ، والجهاد ذروة سنامه لانه سبب لعلوه وارتفاعه ، وقيل : لانه فوق كل بر ، كما ورد في الخبر.

وذكر من الابواب التي تفتح الخيرات الجليلة على صاحبها ثلاثة : أحدها الصوم أي الواجب أو الاعم لانه جنة من النار ومما يؤدي إليها من الشهوات وثانيها الصدقة الواجبة أو الاعم فانها تكفر الخطايا وتذهبها ، وثالثها صلاة الليل لمدحه سبحانه فاعلها بقوله « تتجافى جنوبهم عن المضاجع » حيث حصر الايمان فيهم أولا ثم مدحهم بما مدحهم به ثم عظم وأبهم جزاءهم حيث قال : « إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خر سجدا وسبحوا بحمد ربهم ولا يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون » وقيل : المراد بأبواب الخير الصوم فقط ، وذكر ما بعده استطرادا ولا يخفى بعده.

٧ ـ كا : عن العدة ، عن سهل ، عن مثنى الحناط ، عن عبدالله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بني الاسلام على خمس دعائم : الولاية والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج (٢)

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٣ ج ٤ ص ٦٢ والاية في السجدة : ١٦.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٢١.

٣٣١

٨ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بني الاسلام على خمس : الولاية و الصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يناد بشئ ما نودي بالولاية يوم الغدير (١).

٩ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة ابن أيوب ، عن أبي زيد الحلال ، عن عبدالحميد بن أبي العلاء الازدي قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل فرض على خلقه خمسا فرخص في أربع ولم يرخص في واحدة (٢).

بيان : قوله عليه‌السلام : « فرخص في أربع » كالتقصير في الصلاة في السفر ، وتأخيرها عن وقت الفضيلة مع العذر ، وترك كثير من واجباتها في بعض الاحيان ، أو سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء ، وعن فاقد الطهورين أيضا إن قيل به ، والزكاة عمن لم يبلغ ماله النصاب أو مع فقد سائر الشرايط ، والحج مع فقد الاستطاعة أو غيرها من الشرائط ، والصوم عن المسافر والكيبر وذوي العطاش وأمثالهم ، بخلاف الولاية فانها مع بقاء التكليف لا يسقط وجوبها في حال من الاحوال ، ويحتمل أن يراد بالرخصة أنه لا ينتهي تركها إلى حد الكفر والخلود في النار ، بخلاف الولاية ، فان تركها كفر ، والاول أظهر.

١٠ ـ كا : عن علي عن أبيه وعبدالله بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبدالله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بني الاسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية ، قال زرارة : فقلت : وأي شئ من ذلك أفضل؟ قال : الولاية أفضل لانها مفتاحهن ، والوالي هو الدليل عليهن ، قلت : ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال الصلاة إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الصلاة عمود دينكم ، قال : قلت : ثم الذى يليها في الفضل؟ قال : الزكاة لانها قرنها بها ، وبدأ بالصلاة قبلها ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الزكاة تذهب الذنوب ، قلت :

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٢٢.

٣٣٢

والذي يليها في الفضل؟ قال : الحج قال الله عزوجل : « ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين » (١) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لحجة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة ، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه اسبوعه ، وأحسن ركعتيه ، غفر له ، وقال في يوم عرفة و يوم المزدلفة ما قال.

قلت : فما ذا يتبعه؟ قال : الصوم ، قلت : وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال : (٢) قال رسول الله : الصوم جنة من النار ، قال : ثم قال إن أفضل الاشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه ، إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس ينفع شئ مكانها دون أدائها ، وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياما غيرها ، وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك وليس من تلك الاربعة شئ يجزيك مكانه غيره.

قال : ثم قال : ذروة الامر وسنامه ومفتاحه وباب الاشياء ورضى الرحمان الطاعة للامام بعد معرفته ، إن الله عزوجل يقول « من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا » (٣) أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره ، و تصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله ، فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حق في ثوابه ، ولا كان من أهل الايمان ثم قال : اولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته (٤).

سن : عن أبي طالب عبدالله بن الصلت مثله (٥).

شى : عن زرارة مثله إلى قوله يجزيك مكانه غيره (٦).

__________________

(١) آل عمران : ٩٧. (٢) وقد قال ظ ، صح.

(٣) النساء : ٨٠.

(٤) الكافى ج ٢ ص ١٨.

(٥) المحاسن ص ٢٨٦ ،

(٦) تفسير العياشى ج ١ ص ١٩١.

٣٣٣

بيان : « الولاية أفضل » لا ريب في أن الولاية والاعتقاد بامامة الائمة عليهم‌السلام و الاذعان بها من جملة اصول الدين ، وأفضل من جميع الاعمال البدنية « لانها مفتاحهن » أي بها تفتح أبواب معرفة تلك الامور ، وحقائقها وشرائطها وآدابها أو مفتاح قبولهن « والوالي » أي الامام المنصوب من قبل الله هو الدليل عليهن يدل النسا من قبل الله على وجوبها وآدابها وأحكامها و « العمود » الخشبة التي يقوم عليها البيت ، ويمكن أن يكون عليه‌السلام شبه الدين بالفسطاط وأثبت العمود له على المكنية والتخييلية ، فاذا زال العمود لا ينتفع بالفسطاط لا بغشائه ولا بطنبه ولا بوتده فكذلك مع ترك الصلاة لاينتفع بشئ من أجزاء الدين كما صرح به في أخبار اخر والمراد بالصلاة : المفروضة أو الخمس كما في بعض الاخبار ، صرح بها لانه قرنها بها ، استدل على أن فضل الزكاة بعد الصلاة ، وقبل غيرها بمجموع مقارنتهما في الذكر مع البداءة بذكر الصلاة ، ثم أكد الجزء الاخير بذكر الحديث ، و ليس هو دليلا تاما على الافضلية ، لان الحج أيضا يذهب الذنوب إلا أن يقال إنه عليه‌السلام علم أن الاذهاب الذي يحصل في الزكاة أقوى مما يحصل في الحج.

ثم استدل عليه‌السلام على فضل الحج بتسميته سبحانه تركه كفرا وترك ذكر العقاب المترتب عليه ، وذكر الاستغناء الدال على غاية السخط « من عشرين صلاة نافلة » فيه دلالة على أن المراد بالصلاة المفضلة في أول الخبر الفريضة ، وهذا أحد وجوه الجمع بين الاخبار المختلفة الواردة في تفضيل الصلاة على الحج و العكس ، وسيأتي تفصيله في كتاب الصلاة إنشاء الله « أحصى فيه اسبوعه » أي حفظ طوافه من غير زيادة ولا نقصان ولا سهو ولا شك « وأحسن ركعتيه » أي بفعلهما في وقتهما ومكانهما مع رعاية الشرايط والكيفيات والاداب المرعية فيهما « وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة » أي قال في اليومين في فضل الحج وأعماله أو في فضل اليومين وأعمالهما « ما قال » قوله « فما ذا يتبعه » وفي بعض النسخ « بما ذا يتبعه » أي الرب أو المكلف وفي المحاسن « ثم ماذا » ولا يخفى أن هذا السؤال لا فائدة فيه ظاهرا ، لانه مع ذكر الصوم أولا في الاعمال المعدودة وتفضيل ما سواه

٣٣٤

علم أن الصوم بعدها ، إلا أن يكون ذلك تمهيدا للسؤال الثاني أو يقال : لما لم يكن كلامه عليه‌السلام أولا صريحا في كون تلك الاعمال أفضل من غيرها ، فهذا السؤال لاستعلام أنه هل بين الصوم والحج عمل يكون أفضل منه.

قوله « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » في بعض النسخ « وقال رسول الله » فيكون من كلام الراوي أي كيف يكون مؤخرا عنها وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ذلك وعلى النسخة الاخرى لعله إنما ذكر عليه‌السلام حديثا في فضل الصوم دفعا لما عسى أن يتوهم السائل أنه مما لا فضل فيه ، أو أنه قليل الاجر ، « وكونه جنة من النار » لان أعظم أسباب النار الشهوات ، والصوم يكسرها ، والظرف متعلق بجنة لتضمنه معنى الوقاية أو الستر أو التبعيد.

ثم ذكر عليه‌السلام للفضل قاعدة كلية ، وهو أن الافضل ما لم يقم شئ آخر مقامه ، وكأن المراد بالتوبة هنا المعنى اللغوى بمعنى الرجوع أو اطلقت على ما ينوب مناب الشئ مجازا ، أو أنه عليه‌السلام لما أطلق الذنب على الترك وإن كان لعذر أطلق على ما يتداركه التوبة ، قوله « أو قصرت » يعني في شئ من شرائطه أو أركانه وفي المحاسن « أو قصرت وسافرت » أي قصرت بسبب السفر.

والحاصل أنه عليه‌السلام أشار إلى أقسام الفوات وأحكامه إجمالا ، لان الفوات إما للعذر مثل المرض وغره ، أو التقصير أو التعمد في تركه ، أو السفر وشبهه واللازم إما القضاء فقط أو الكفارة فقط أو هما معا ، أولا هذا ولا ذاك ، وتفصيله في كتب الفروع ، والغرض بيان الفرق بين الصوم والاربعة الباقية بأن الاربعة لا تسقط مع الاستطاعة والصوم يسقط في السفر مع القدرة عليه وذكر السفر على المثال ، ويمكن أن يكون عدم ذكر المرض لانه قد ينتهي إلى حال لا يقدر على الصوم فيه ومع السقوط في السفر يؤدي مكانه أياما ، وقد يسقط القضاء أيضا كما إذا استمر مرضه إلى رمضان آخر وكان فيه دلالة على بطلان قول من قال إن فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة أداء وقضاء

ويحتمل أن يكون ذكر الشق الاول استطرادا ويكون الغرض أن الصوم

٣٣٥

إذا فات قد يجب قضاؤه ، وقد لا يجب ويسقط أصلا بخلاف الاربعة فانها لا تسقط بحيث لا يجب قضاؤها فقوله « وجزيت » مقابل لقوله « أديت » أي وقد يكون كذلك. فان قلت : صلاة الحائض أيضا ليس لها قضاء قلت : هناك لم يتعلق الوجوب بها أصلا لا أداء ولا قضاء ، ولا بدلا ، وههنا عوض عن الصوم بشئ فيدل على أن للصوم عوضا يقوم مقامه.

وذروة الشئ بالضم والكسر أعلاه وسنام البعير كسحاب معروف ، ويستعار لارفع الاشياء ، والمراد بالامر الدين ، وبطاعة الامام انقياده في كل ما أمر ونهى ولما كان معرفة الامام مع طاعته مستلزمة لمعرفة سائر اصول الدين وفروعه ، فهي كأنها أرفع أجزائه وكالسنام بالنسبة إلى سائر أجزاء البعير ، وكالمفتاح الذي يفتح به جميع الامور المغلقة ، والمسائل المشكلة ، وكالباب لقرب الحق سبحانه ، و للوصول إلى مدينة علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله « وتوجب رضى الرحمن » ولا يحصل إلا بها والضمير في قوله « بعد معرفته » راجع إلى الامام ، ويحتمل رجوعه إلى الله ، و الاستشهاد بالاية لجميع ما ذكر أو للاخير إما مبنى على أن الاية إنما نزلت في ولاية الائمة عليهم‌السلام أو على أن طاعة الامام هي بعينها طاعة الرسول : إما لانه أمر بطاعته أو أنه نائب منابه ، فحكمه حكم المنوب عنه ، وقيل : لان الرسول في الاية شامل للامام وهو بعيد.

قوله عليه‌السلام : « ما كان له على الله حق » لانه لا تشمله آيات الوعد لانه إنما وعد المؤمنين الثواب بالجنة ، وهو ليس من المؤمنين فلا يستحق الثواب بمقتضى الوعد أيضا وإن كان المؤمنون المحسنون أيضا لا يستحقون الثواب بمحض أعمالهم لكن يجب على الله إثابتهم بمقتضى وعده « اولئك المحسن منهم » الظاهر أنه إشارة إلى المخالفين والمراد بهم المستضعفون ، فانهم مرجون لامر الله ولذا قال بفضل رحمته في مقابلة قوله « ما كان له على الله حق » والحاصل أن المؤمنين لهم على الله حق لوعده ، والمستضعفون ليس لهم على الله حق ، لانه لم يعدهم الثواب ، بل قال إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، فان أدخلهم الجنة فبمحض فضله ، ويحتمل أن يكون

٣٣٦

إشارة إلى المؤمنين العارفين أي إنما يدخل المؤمنين الجنة ، وإدخالهم أيضا بفضله لا باستحقاقه والاول أظهر.

١١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيسى ابن السرى أبي اليسع قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أخبرني بدعائم الاسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شئ منها ، التي من قصر عن معرفة شئ منها فسد عليه دينه ، ولم يقبل منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه ، وقبل منه عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شئ من الامور جهله ، قال : فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، والايمان بأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والاقرار بما جاء به من عند الله ، وحق في الاموال الزكاة ، والولاية التي أمر الله عزوجل بها ولاية آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فقلت له : هل في الولاية شئ دون شئ فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال : نعم ، قال الله عزوجل « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم » (١) وقال رسول الله : « من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية » وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان عليا عليه‌السلام وقال الاخرون وكان معاوية ، ثم كان الحسن عليه‌السلام ثم كان الحسين عليه‌السلام وقال الاخرون : يزيد بن معاوية وحسين بن علي ولا سواء ولا سواء [ ولا سواء ] قال : ثم سكت ، ثم قال : أزيدك؟ فقال له حكم الاعور : نعم جعلت فداك قال : ثم كان علي بن الحسين ، ثم كان محمد بن علي أبا جعفر ، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم ، حتى كان أبوجعفر ، ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم ، وحلالهم وحرامهم ، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس وهكذا يكون الامر ، والارض لا تكون إلا بامام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وانقطعت عنك الدنيا تقول : لقد كنت على أمر حسن (٢).

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٩ و ٢٠.

٣٣٧

كا : عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان ، عن عيسى بن السري أبي اليسع ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله (١).

بيان : قوله عليه‌السلام : « ولم يضق به » الباء للتعدية ، و « من » في قوله : « مما هو فيه » للتبعيض ، وهو مع مدخوله فاعل « لم يضق » أي لم يضيق عليه الامر شئ مما هو فيه ويمكن أن يقرأ لجهل بالتنوين وشئ بالرفع ، فشئ فاعل لم يضق و في بعض النسخ « فيما » مكان مما فلعل الاخير فيه متعين وفي بعض النسخ ولم يضر به فيمكن أن يقرأ على بناء المجهول و « جهله » فعل ماض و « من » في « مما » صلة الضرر ، أو على بناء الفاعل وجهله على المصدر فاعله و « من » ابتدائية يقال صره وضر به ، وفي رواية العياشي الاتية (٢) ولم يضره ما هو فيه بجهل شئ من الامور إن جهله ، وهو أصوب.

وقيل : يعني لم يضق أو لم يضر به من أجل ماهو فيه من معرفة دعائم الاسلام والعمل بها جهل شئ جهله من الامور التي ليست هي من الدعائم فقوله « مما هو فيه » تعليل لعدم الضيق أو الضرر ، وقوله « لجهل شئ » تعليل للضيق أو الضرر ، وقوله « جهله » صفة لشئ ، وقوله « من الامور » عبارة عن غير الدعائم من شعائر الاسلام انتهى ، ولا يخفى ما فيه « وحق في الاموال » إما مجرور بالعطف على ما جاء ، والزكاة بدله ، ويكون تخصيصا بعد التعميم ، وربما يخص ما جاء بالصلاة بقرينة ذكر الزكاة وسائر الاخبار المتقدمة وهو بعيد ، وإما مرفوع بالخبرية للزكاة والزكاة مبتدأ ويمكن أن يقرأ « حق » على بناء الماضي المجهول وعلى التقديرين الجملة معترضة للتأكيد والتبيين وإنما لم يذكر الصلاة لظهور أمرها ، فاكتفى عنها بما جاء به ، و أما رفعه بالعطف على الشهادة كما قيل ، فهو بعيد لانه عليه‌السلام لم يتعرض فيه لسائر العبادات ، بل اقتصر فيه على الاعتقادات ، وقيل : أراد عليه‌السلام بالولاية المأمور بها من الله بالكسر الامارة وأولوية التصرف وبالامر بها ماورد فيها من الكتاب

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٩ و ٢٠.

(٢) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٥٢ وسيجى تحت الرقم ٣٧.

٣٣٨

والسنة كالاية المذكورة في هذا الحديث ، وكآية « إنما وليكم الله » (١) وحديث الغدير وغير ذلك أقول بل الولاية بالفتح بمعنى المحبة والنصرة والطاعة ، واعتقاد الامامة هنا أنسب كما لا يخفى.

قوله « هل في الولاية شئ دون شئ الخ » أقول : هذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد : هل في الامامة شرط مخصوص وفضل معلوم يكون في رجل خاص من آل محمد بعينه يقتضي أن يكون هو ولي الامر دون غيره يعرف هذا الفضل لمن أخذ به أي بذلك الفضل وادعاه وادعى الامامة ، فيكون من أخذ به الامام أو يكون معروفا لمن أخذ وتمسك به وتابع إماما بسببه ، ويكون حجته على ذلك ، فالمراد بالموصول الموالي للامام. الثاني أن يكون المراد به هل في الولاية دليل خاص يدل على وجوبها ولزومها « فضل » أي فضل بيان وحجة ، وربما يقرأ بالصاد المهملة أي برهان فاصل قاطع يعرف هذا البرهان لمن أخذ به أي بذلك البرهان والاخذ يحتمل الوجهين ، ولكل من الوجهين شاهد فيما سيأتي.

ويمكن الجمع بين الوجهين بأن يكون قوله « شئ دون شئ » إشارة إلى الدليل وقوله « فضل » إشارة إلى شرائط الامامة وإن كان بعيدا وحاصل جوابه عليه‌السلام أنه لما أمر الله تعالى بطاعة اولي الامر مقرونة بطاعة الرسول وبطاعته فيجب طاعتهم ولا بد من معرفتهم ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه أي من يجب أن يقتدى به في زمانه مات ميتة جاهلية ، والميتة بالكسر مصدر للنوع أي كموت أهل الجاهلية على الكفر والضلال ، فدل على أن لكل زمان إماما لا بد من معرفته ومتابعته.

« وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » أي من كان تجب طاعته في زمن الرسول هو صلى الله عليه وآله وكان بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا ، وقال آخرون مكانه معاوية ، وإنما لم يذكر الغاصبين الثلاثة تقية وإشعارا بأن القول بخلافتهم بالبيعة يستلزم القول بخلافة مثل معاوية فاسق جاهل كافر ، وبالجملة لما كان هذا أشنع ، خصه بالذكر

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

٣٣٩

مع أن بطلان خلافته يستلزم بطلان خلافتهم.

« ثم كان الحسن » أي في زمن معوية أيضا ، ثم كان الامام الحسين في بعض زمن معاوية ، وبعض زمن يزيد عليهما اللعنة « وحسين بن على» ، ثانيا كأنه زيد من الرواة أو النساخ ويؤيده عدم التكرار في رواية الكشي (١) ويحتمل أن يكون جملة حالية بخذف الخبر أي وحسين بن علي حي وقد يقرأ « حسين » بالتنوين فيكون « ابن على » خبرا أو يكون ذكره أولا لمقابلته عليه‌السلام بمعاوية وثانيا لمقابلة بيزيد فالمعنى وقال آخرون يزيد بن معاوية والحسين معارضان ، أو الواو بمعنى مع ، ولا سواء خبر مبتدأ محذوف ، وفي بعض النسخ مكرر ثلاث مرات أي علي ومعاوية لا سواء ، وحسن ومعاوية لا سواء ، وحسين ويزيد لا سواء.

والحاصل أن الامر أوضح من أن يشتبه على أحد فانه لا يريب عاقل في أنه إذا كان لا بد من إمام وتردد الامر بين على ومعاوية ، فعلي عليه‌السلام أولى بالامامة « وكان » في الكل ناقصة ، لقوله « عليا وأبا جعفر » ومن قال نصب أبا جعفر بتقدير أعني غفل عن ذلك ، ولكن في قوله « كانت الشيعة » وقوله « أن يكون أبوجعفر » وقوله « حتى كان أبوجعفر » تامة ، والمراد بالكون في الاخيرين ظهور أمره ورجوع الناس إليه وقيل كان ناقصة والظرف خبره ، والمراد بالناس في الموضعين علماء المخالفين ورواتهم « وهكذا يكون الامر » أي هكذا يكون أمر الامامة دائما مرددا بين عالم معصوم من أهل البيت بين فضله وورعه وعصمته ، وجاهل فاسق بين الجهالة والفسق من خلفاء الجور « والارض لا تكون إلا بامام » معصوم عالم بجميع ما تحتاج إليه الامة ، ومن لم يعرفه مات ميتة جاهلية ، و « أحوج » مبتدأ مضاف إلى « ما » وهي مصدرية و « تكون » تامة ، ونسبة الحاجة إلى المصدر مجاز ، والمقصود نسبة الحاجة إلى فاعل المصدر باعتبار بعض أحوال وجوده و « إلى » متعلق بأحوج ، و « ما » موصولة وعبارة عن التصديق بالولاية ، وإذاظرف ، وهو خبر أحوج « وأهوى » كلام الراوى وقع بين كلامه عليه‌السلام.

١٢ ـ كا : عن على ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله

__________________

(١) رجال الكشى ص ٣٦٢.

٣٤٠