بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فقال : جدك يقول : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فأنا في السجن وأنت في الجنة فقال عليه‌السلام : لو علمت مالك وما يرقب لك من العذاب ، لعلمت أنك مع هذا الضر ههنا في الجنة ، ولو نظرت إلى ما أعد لي في الاخرة لعلمت أني معذب في السجن ههنا انتهى.

وأقول : فالكلام يحتمل وجهين أحدهما أن تكون المعنى أن المؤمن غالبا في الدنيا بسوء حال وتعب وخوف ، والكافر غالبا في سعة وأمن ورفاهية ، فلا ينافي كون المؤمن نادرا بحال حسن ، والكافر نادرا بمشقة ، وثانيهما أن يكون المعنى أن المؤن في الدنيا كأنه في سجن لانه بالنظر إلى حاله في الاخرة وما أعد الله له من النعيم كأنه في سجن ، وإن كان بأحسن الاحوال بالنظر إلى أهل الدنيا ، و الكافر بعكس ذلك لان نعيمه منحصر في الدنيا ، وليس له في الاخرة إلا أشد العذاب ، فالدنيا جنته ، وإن كان بأسوء الاحوال ، وظهر وجه آخر مما ذكرنا سابقا.

١٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله جعل وليه في الدينا غرضا لعدوه (١).

بيان : « الغرض » بالتحريك هدف يرمى فيه أي جعل محبه في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوه ، وحيله وشروره.

١١ ـ كا : عن العدة عن البرقي ، عن محمد بن علي ، عن إبراهيم الحذاء عن محمد بن صغير ، عن جده شعيب قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : الدنيا سجن المؤمن فأي سجن جاء منه خير (٢).

ييان : فأي سجن استفهام للانكار ، والمعنى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يتوقع الرفاهية في الدنيا.

١٢ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالله بن سنان ، عن

__________________

(١ و ٢) الكافى ج ٢ ص ٢٥٠.

٢٢١

أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما من مؤمن إلا وقد وكل الله به أربعة : شيطانا يغويه يريد أن يضله ، وكافرا يقاتله ، ومؤمنا يحسده ، هو أشد هم عليه ، ومنافقا يتبع عثراته (١).

بيان : « يريد أن يضله » بيان ليغويه لئلا يتوهم أنه يقبل إغواءه ويؤثر فيه ، بل إنما ابتلاؤه به بسبب أنه يوسوسه وهو يشتغل بمعارضته ، وقد مر أن الشيطان يحتمل الجن والانس والاعم ، « وكافرا يقاتله » وفي بعض النسخ « يغتاله » وفي المصباح غاله غولا من باب قال : أهلكه ، واغتاله قتله على غرة ، والاسم الغيلة بالكسر « يتبع » كيعلم أو على بناء الافتعال ، أي يتفحص ويتطلب عثراته أي معاصيه التي تصدر عنه أحيانا على الغفلة وعيوبه.

١٣ ـ كا : عن العدة ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عمرو بن شمر عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إذا مات المؤمن خلي على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر ، كانوا مشتغلين به (٢).

بيان : « خلي على جيرانه » على بناء المعلوم والاسناد مجازي لان موته صار سببا لاشتغال شياطينه بجيرانه ، أو هو على بناء المجول ، والتعدية بعلى ، لتضمين معنى الاستيلاء أي ترك على جيرانه أو خلي بين الشياطين المشتغلين به أيام حياته و بين جيرانه ، والحاصل أن الشياطين كانوا مشغولين بإضلاله ووسوسته ، لان إضلاله كان أهم عندهم ، أو بايذائه وحث الناس عليه ، فاذا مات تفرقوا على جيرانه لا ضلالهم أو إيذائهم ، وقيل : الباء للسببية وضمير كانوا إما راجع إلى الشياطين أو الجيران ، أي كان الشياطين ممنوعين عن إضلال الجيران بسببه ، لانه كان يعظهم ويهديهم ، أو كان الجيران ممنوعين عن المعاصي بسببه ، وكأنه دعاه إلى ذلك قال الجوهري : يقال : شغلت بكذا على مالم يسم فاعله ، واشتغلت. ولا يخفى ما فيه و « ربيعة » كقبيلة و « مضر » كصرد قبيلتان عظيمتان من العرب يضرب بهما المثل في الكثرة ، وهما في النسب ابنا نزار بن معد بن عدنان ، ومضر الجد السابع

__________________

(١ و ٢) المصدر ج ٢ ص ٢٥١.

٢٢٢

عشر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٤ ـ كا : عن العدة ، عن سهل ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبدالله بن جبلة عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما كان ولا يكون وليس بكائن مؤمن إلا وله جار يؤذيه ، ولو أن مؤمنا في جزيرة من جزائر البحر لانبعث له من يؤذيه (١).

محص : عن إسحاق مثله.

بيان : كأن المراد بالجار هنا أعم من جار الدار والرفيق والمعامل والمصاحب وفي الحديث الجار إلى أربعين دارا « لانبعث له » أي من الشيطان ، وفي بعض النسخ « لابتعث الله له » كما في التمحيص فالاسناد على المجاز ، يقال بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث.

١٥ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما كان فيما مضى ولا فيما بقي ولا فيما أنتم فيه ، مؤمن إلا وله جار يؤذيه (٢).

بيان : « ولا فيما بقي » أي فيما يأتي « ولا فيما أنتم فيه » أي وليس فيما أنتم فيه.

١٦ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية ابن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ما كان ولا يكون إلى أن يقوم الساعة مؤمن إلا وله جار يؤذيه (٣).

١٧ ـ شى : عن أبي خالد الكابلي قال : قال علي بن الحسين عليه‌السلام : لوددت أنه اذن لي فكلمت الناس ثلاثا ثم صنع الله بي ما أحب ، قال بيده على صدره ثم قال : ولكنها عزمة من الله أن نصبر ; ثم تلا هذه الاية « ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وأن تبصروا وتتقوا فان ذلك

__________________

(١ و ٢) المصدر ج ٢ ص ٢٥١.

(٣) المصدر ج ٢ ص ٢٥٢.

٢٢٣

من عزم الامور » وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره (١)

بيان : الغرض أن الله تعالى لم يؤذن لنا في دولة الباطل أن نظهر الحق علانية ، ونخرج ما في صدورنا من علوم لا يحتملها الناس ، ولو كنا مأذونين لاظهر ناها ولم نبال بما أصابنا منهم ، ولكن الله عزم علينا بالصبر والتقية في دول الظالمين ، و لذا أشار عليه‌السلام بيده إلى صدره ، فان العلم مكتوم فيه ، كما قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إن ههنا لعلما جما لو وجدت له حملة (٢).

١٨ ـ ل : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن يزيد ، عن محمد بن سنان يرفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا يقبل قوله ، و لا يصدق حديثه ، ولا ينتصف من عدوه ، ولا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه ، لان كل مومن ملجم (٣).

١٩ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ، عن مالك عن مسمع بن مالك ، عن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : يا سماعة لا ينفك المؤمن من خصال أربع : من جار يؤذيه ، وشيطان يغويه ، ومنافق يقفو أثره ، ومؤمن يحسده ثم قال : يا سماعة أما إنه أشدهم عليه ، قلت : كيف ذاك؟ قال : إنه يقول فيه القول فيصدق عليه (٤).

__________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٢١٠ ، والاية في آل عمران ١٨٦.

(٢) نهج البلاغة ـ عبده ـ ج ٢ ص ١٧٨.

(٣ و ٤) الخصال ج ١ ص ١٠٩.

٢٢٤

٢٤

* ( باب ) *

«( الفرق بيبن الايمان والاسلام وبيان معانيهما ، وبعض شرائطهما )»

الايات

البقرة : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك ـ إلى قوله تعالى ـ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون (١).

وقال عزوجل : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (٢).

آل عمران : إن الدين عند الله الاسلام ـ إلى قوله تعالى ـ : فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين اوتو الكتاب والاميين ءأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا (٣).

وقال سبحانه : قال الحواريون نحن انصارالله آمنا الله واشهد بأنا مسلمون ـ إلى قوله تعالى ـ وقل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدو بأنا مسلمون (٤).

وقال سبحانه : ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (٥).

__________________

(١) البقرة : ١٢٨ ـ ١٣٣. (٢) البقرة : ٢٠٨.

(٣) آل عمران : ١٩ و ٢٠. (٤) آل عمران : ٥٢ ـ ٦٤.

(٥) آل عمران : ٦٧.

٢٢٥

وقال تعالى : ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ـ إلى قوله تعالى ـ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون * قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ـ إلى قوله ـ : ونحن له مسلمون * ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين (١).

وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون * واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (٢).

النساء : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (٣).

وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحيوة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (٤).

المائدة : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت علكيم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (٥).

وقال تعالى : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم (٦).

وقال سبحانه : وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا : آمنا واشهد بأننا مسلمون (٧).

الانعام : وامرنا لنسلم لرب العالمين وقال تعالى : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام (٨).

__________________

(١) آل عمران : ٨٠ ـ ٨٥. (٢) آل عمران : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٣) النساء : ٦٥. (٤) النساء : ٩٤.

(٥) المائدة : ٣. (٦) المائدة : ٤١.

(٧) المائده ١١١. (٨) الانعام : ٧١ و ١٢٥.

٢٢٦

هود : فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما انزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون (١).

يوسف : توفني مسلما وألحقني بالصالحين (٢).

الحجر : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (٣).

النحل : كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (٤).

وقال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لك شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (٥).

وقال سبحانه : قل نزله روح القدس من ربك بالحق لنثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (٦).

الانبياء : قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون (٧).

الحج : فالهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين (٨).

النمل : واوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وقال تعالى : وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين (٩).

وقال سبحانه : وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون وقال تعالى : إنما امرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وامرت أن أكون من المسلمين (١٠).

القصص : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين (١١).

__________________

(١) هود : ١٤.

(٢) يوسف : ١٠١. (٣) الحجر : ٢.

(٤) النحل : ٨١. (٥) النحل : ٨٩.

(٦) النحل : ١٠٢. (٧) الانبياء : ١٠٨.

(٨) الحج ٣٤. (٩) النمل : ٤٢ و ٤٤.

(١٠) النمل : ٨١ و ٩١. (١١) القصص : ٥٢ ـ ٥٣.

٢٢٧

العنكبوت : وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (١).

الروم : وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (٢).

الزمر : أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك في ضلال مبين (٣).

الزخرف : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون (٤).

الحجرات : قالت الاعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ـ إلى قوله تعالى ـ : يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين (٥).

الذاريات : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين (٦).

التحريم : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات (٧).

القلم : أقنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون (٨).

الجن : وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فاولئك تحروا رشدا (٩)

تفسير : « واجعلنا مسلمين لك » (١٠) قيل أي مخلصين لك ، من أسلم لك وجهه أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد ، والمراد طلب الزيادة في الاخلاص و

__________________

(١) العنكبوت : ٤٦. (٢) الروم : ٥٨.

(٣) الزمر : ٢٢. (٤) الزخرف : ٦٩ ـ ٧٠.

(٥) الحجرات : ١٣ ـ ١٧. (٦) الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦.

(٧) التحريم : ٦. (٨) القلم : ٣٣ و ٣٤.

(٩) الجن : ١٤. (١٠) البقرة : ١٢٨.

٢٢٨

الاذعان ، أو الثبات عليه « ومن ذريتنا » أي واجعل بعض ذريتنا « امة » أي جماعة يؤمون أي يقصدون ويقتدى بهم ، وقيل أراد بالامة امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الصادق عليه‌السلام : هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وفي رواية العياشي (١) عنه عليه‌السلام أنه أرد بالامة بني هاشم خاصة « إذ قال له ربه أسلم » تدل هذه الايات على أن السلام قد يطلق على أعلا مدارج الايمان « ووصى بها » أي بالملة أو راجع إلى أسلمت بتأويل الكلمة أو الجملة « اصطفى لكم الدين » أي دين الاسلام الذي هو صفوة الاديان « فلا تموتن » ظاهره النهي عن الموت على خلاف حال الاسلام ، والمقصود هو النهي عن أن يكونوا على خلاف تلك الحال إذا ماتوا والامر بالثبات على الاسلام (٢) كقولك لا تصل إلا وأنت خاشع ، وتغيير العبارة للدلالة على أن موتهم لا على الاسلام موت لا خير فيه وأن من حقه أن لا يحل بهم « ونحن له مسلمون » حال من فاعل نعبد ، أو مفعوله أو منهما ، ويحتمل أن يكون اعتراضا.

« في السلم كافة » (٣) قال : البيضاوي (٤) السلم بالكسر والفتح الاستستلام والطاعة ولذلك يطلق في الصلح ، والاسلام ، وفتحه ابن كثير ونافع والكسائي وكسره الباقون و « كافة » اسم للجملة لانها تكف الاجزاء من التفرق ، حال من الضمير أو السلم لانها تؤنث كالحرب ، والمعنى استسلموا لله وأطيعوه جملة ظاهرا وباطنا

__________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٦١.

(٢) المراد بالاسلام معناه اللغوى ، وهو التسليم لامر الله ، والجملة كناية عن مواظبتهم على طاعة الله والاجتناب عن معاصيه في كل الاحوال ، وذلك لان الموت لا يعلم وقته حتى يسلم الله حينذاك فيفوز بالسعادة وحسن الخاتمة ، بل الموت متوقع في كل حال وهو لا يؤمن على نفسه منه في حال من الحالات ، حتى يجترئ ويعارض ربه بالمعاصى في تلك الحالة فعلى المؤمن الذى يرغب في حسن الختام والفوز بالسعادة جزما وقطعا أن يكون في كل حالاته مسلما لله عزوجل حتى يأتيه الموت ، وهو مسلم.

(٣) البقرة : ٢٠٨. (٤) انوار التنزيل ٥٣.

٢٢٩

والخطاب للمنافق أو ادخلوا في الاسلام بكليتكم ، ولا تخلطوا به غيره ، والخطاب لمؤمني أهل الكتاب ، فانهم بعد إسلامهم عظلموا السبت وحرموا الابل وألبانها ، أو في شرائع الله تعالى كلها : بالايمان بالانبياء والكتب جميعا ، والخطاب لاهل الكتاب ، أو في شعب الاسلام وأحكامه كلها ، فلا تخلوا بشئ والخطاب للمسلمين « ولا تتبعوا خطوات الشيطان » بالتفرق والتفريق « إنه لكم عدو مبين » ظاهر العداوة انتهى. وفي الكافي والعياشي (١) ، عن الباقر عليه‌السلام « في السلم » في ولايتنا ، والعياشي عن الصادق في ولاية علي عليه‌السلام وعنهما عليهما‌السلام امروا بمعرفتنا ، وفي العياشي ، عن الصادق عليه‌السلام خطوات الشيطان ولاية الاول والثاني ، وفي تفسير الامام عليه‌السلام (٢) في السلم في المسالمة إلى دين الاسلام « كافة » جماعة ادخلوا فيه ، وادخلوا في جميع الاسلام فتقبلوه واعملوا به ، ولا تكونوا ممن يقبل بعضه ويعمل به ، ويأبى بعضه و يهجره ، قال : ومنه الدخول في قبول ولاية علي عليه‌السلام فانه كالدخول في قبول نبوة رسول الله ، فانه لا يكون مسلما من قال إن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعترف به ، ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير امته وقال : خطوات الشيطان ما يتخطى بكم إليه من طرق الغي والضلالة ، ويأمركم به من ارتكاب الاثام الموبقات.

« إن الدين عند الله الاسلام » (٣) أى لا دين مرضي عند الله سوى الاسلام ، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « أسلمت وجهي لله » أي أخلصت نفسي وجملتي له لا اشرك فيها غيره ، قيل عبر عن النفس بالوجه لانه أشرف الاعضاء الظاهرة ، ومظهر القوى والحواس « ومن اتبعن » أي وأسلم من اتبعني « والاميين » أي الذين لا كتاب لهم كمشركى العرب « ءأسلمتم » كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة أم أنتم بعد على كفركم؟ « فان أسلموا فقد اهتدوا » أي فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال. « نحن أنصار الله » (٤) أي أنصار دينه « واشهد بأنا مسلمون » أي في

__________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ١٠٢.

(٢) تفسير الامام ص ٢٦٤.

(٣) آل عمران : ١٩.

(٤) آل عمران : ٥٢.

٢٣٠

القيامة حين يشهد الرسل « إلى كلمة سواء بيننا وبينكم » (١) أي لا يختلف فيها الكتب و الرسل وتفسيرها ما بعدها « أن لا نعبد إلا الله » أي نوحده بالعبادة ونخلص فيها « ولا نشرك به شيئا » أي لا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلا لان يعبد « ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا » كعزير والمسيح والاحبار وإطاعتهم فيما أحدثوا من التحريم والتحليل « فان تولوا » عن التوحيد « فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون » أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب ، وتطابقت عليه الرسل « ولكن كان حنيفا » أي مائلا عن العقائد الزائغة « مسلما » أي منقادا لله.

« بعد إذ أنتم مسلمون » (٢) وقع الاسلام هنا مقابلا للكفر « أفغير دين الله يبغون » أي أفبعد هذه الايات والحجج تطلبون دينا غير دين الاسلام « وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها » قيل أي عند الميثاق كما روي عن ابن عباس وقيل أي أقر بالعبودية وإن كان فيهم من أشرك في العبادة كقوله تعالى : « ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله » (٣) وقيل أسلم المؤمن طوعا والكافر كرها عند الموت ، وقيل أي استسلم له بالانقياد والذلة ، وقيل معناه أكره قوم على الاسلام وجاء قوم طائعين ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كرها أي فرقا من السيف ، وقال الحسن : الطوع لاهل السماوات خاصة ، وأما أهل الارض فمنهم من أسلم طوعا ومنهم من أسلم كرها ، وقد روي العياشي (٤) عن الصادق عليه‌السلام أنها نزلت في القائم عليه‌السلام وفي رواية اخرى تلاها فقال : إذا قام القائم لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله « وإليه يرجعون » أي إلى جزائه يصيرون.

« قل آمنا بالله » خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يقول عن نفسه وعن امته قال

__________________

(١) آل عمران : ٦٤ (٢) آل عمران : ٨١.

(٣) الزخرف : ٨٧.

(٤) تفسير العياشى ج ١ ص ١٨٢.

٢٣١

الطبرسي قدس‌سره : فان قيل : ما معنى قوله : « ونحن له مسلمون » بعدما سبق الاقرار بالايمان على التفصيل؟ قلنا : معناه ونحن له مسلمون بالطاعة والانقياد في جميع ما أمر به ونهى عنه ، وأيضا فان أهل الملل المخالفة للاسلام ، كانوا يقرون كلهم بالايمان ، ولكن لم يقروا بلفظة الاسلام ، فلهذا قال : « ونحن له مسلمون ». « ومن يبتغ » أي يطلب « غير الاسلام دينا » يدين به « فلن يقبل منه » بل يعاقب عليه « وهو في الاخرة من الخاسرين » أي من الهالكين لان الخسران ذهاب رأس المال ، وفي هذا دلالة على أن من ابتغى غير الاسلام دينا لن يقبل منه ، فدل ذلك على أن الدين والاسلام والايمان واحد ، وهي عبارات عن معبر واحد انتهى (١).

« حق تقاته » (٢) أي حق تقواه وما يجب منها ، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجبات ، والاجتناب عن المحرمات ، وفي المعانى (٣) والعياشي (٤) سئل الصادق عليه‌السلام عن هذه الاية قال : يطاع ولا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، والعياشي (٥) عنه عليه‌السلام أنه سئل عنها فقال : منسوخة ، قيل : وما نسخها؟ قال : قول الله « فاتقوا الله ما استطعتم » (٦). « ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون » أي لا تكونن على حال سوى حال الاسلام إذا أدرككم الموت ، في المجمع عن الصادق عليه‌السلام و أنتم مسلمون بالتشديد ، ومعناه مستسلمون لما أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منقادون له (٧) والعياشي (٨) عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال لبعض أصحابه : كيف تقرأ هذه الاية « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم » ماذا؟ قال : « مسلمون » فقال : سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسميهم مؤمنين ، ثم يسألهم الاسلام ، و الايمان قوق الاسلام ، قال : هكذا يقرأ في قراءة زيد ، قال : إنما هي في قراءة علي عليه‌السلام وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « إلا وأنتم

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٤٧٠.

(٢) آل عمران : ١٠٢.

(٣) معانى الاخبار ص ٢٤٠. (٤ و ٥ و ٨) تفسير العياشى ج ١ ص ١٩٤.

(٦) التغابن : ١٦. (٧) مجمع البيان ج ٢ ص ٤٨٢.

٢٣٢

مسلمون » لرسول الله ثم الامام من بعده.

« واعتصموا بحبل الله » (١) قيل : بدينه الاسلام ، أو بكتابه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : القرآن حبل الله المتين ، استعار له الحبل ، وللوثوق به الاعتصام ، من حيث إن التمسك به سبب النجاة ، عن الردى ، كما أن التمسك بالحبل الموثوق به سبب السلامة من التردي وقال علي بن إبراهيم : الحبل التوحيكد والولاية (٢) والعياشي عن الباقر عليه‌السلام آل محمد هم حبل الله المتين الذي أمر بالاعتصام به فقال : « فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا » وعن الكاظم : علي بن أبي طالب حبل الله المتين وفي مجالس الصدوق : نحن الحبل.

وأقول : وقد مر الاخبار في ذلك وشرحها في كتاب الامامة (٣)

« جميعا » أي مجتمعين عليه « ولا تفرقوا » أي ولا تتفرقوا عن الحق بايقاع الاختلاف بينكم ، وروى علي بن إبراهيم (٤) عن الباقر عليه‌السلام أن الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم ويختلفون ، فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد عليهم‌السلام ولا يتفرفوا.

« فيما شجر بينهم » (٥) أي فيما اختلف بينهم أو اختلط « حرجا مما قضيت » أي ضيقا مما حكمت به « ويسلموا تسليما » أي يناقدوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم ، وفي الكافي عن الباقر عليه‌السلام (٦) لقد خاطب الله أمير المؤمنين عليه‌السلام في كتابه في قوله : « ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما * فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم » قال : فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا لا يردوا هذا الامر في بني هاشم « ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا

__________________

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) تفسير القمى ص ٩٨ ، العياشى ج ١ ص ١٩٩.

(٣) راجع ج ٢٤ ص ٨٢ ـ ٨٥.

(٤) تفسير القمى ص ٩٨.

(٥) النساء : ٦٥.

(٦) الكافى ج ١ ص ٣٩١.

٢٣٣

مما قضيت » عليهم ، من القتل أو العفو « ويسلموا تسليما » وقال علي بن إبراهيم : (١) « جاؤك يا علي » قال : هكذا نزلت.

أقول : وسيأتي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنها نزلت في مثل ذلك ، وبالجملة تدل على أن الايمان مشروط بالتسليم والانقياد التام.

« إذا ضربتم في سبيل الله » (٢) أي سافرتم للغزو « فتبينوا » أى فاطلبوا بيان الامر وميزوا بين الكافر والمؤمن ، وقرئ « فتثبتوا » في الموضعين أي توقفوا وتأنوا حتى تعلموا من يستحق القتل ، والمعنيان متقاربان ، يعنى لا تعجلوا في القتل لمن أظهر إسلامه ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك « ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام » وقرئ السلم بغير ألف وهما بمعنى الاستسلام والانقياد ، وفسر السلام بتحية الاسلام أيضا والعياشي (٣) نسب قراءة السلام إلى الصادق عليه‌السلام « لست مؤمنا » وإنما فعلت ذلك خوفا من القتل « تبتغون عرض الحياة الدنيا » أي تطلبون ماله الذي هو حطام سريع الزوال ، وهو الذي يبعثكم على العجلة وترك التثبت ، « فعند الله مغانم كثيرة » تغنيكم عن قتل أمثاله لماله « كذلك كنتم من قبل » أي أول ما دخلتم في الاسلام ، و تفوهتم بكلمتي الشهادة ، فحصنت بها دماؤكم وأموالكم ، من غير أن تعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم « فمن الله » عليكم بالاشتهار بالايمان ، والاستقامة في الدين « فتبينوا » وافعلوا بالداخلين في الاسلام ما فعل الله بكم ، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفا ، وتكريرها تأكيد لتعظيم الامر ، وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم « إن الله كان بما تعملون خبيرا » عالما به وبالغرض منه فلا تتها فتوا في القتل ، ولا تحتالوا فيه.

وقال علي بن إبراهيم (٤) وغيره : إنها نزلت لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غزوة خيبر ، وبعث اسامة بن زيد في خيل إلى بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الاسلام وكان رجل من اليهود يقال له : مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى ، فلما أحس بخيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل

__________________

(١) تفسير القمى ص ١٣٠. (٢) النساء : ٩٤.

(٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٢٦٨. (٤) تفسير القمى ص ١٣٤.

٢٣٤

فأقبل يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فمر به اسامة بن زيد فطعنه فقتله فلما رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بذلك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفلا شققت الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان في نفسه علمت ، فحلف اسامة بعد ذلك أن لا يقاتل أحدا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فتخلف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حروبه وأنزل الله في ذلك « ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام » الاية.

وفي رواية العامة أن مرداسا أضاف إلى الكلمتين السلام عليكم ، وهي تؤيد قراءة السلام وتفسيره بتحية السلام.

وأقول : لا يخفى أن اسامة فعله الاخير كان أشنع من فعله الاول ، وكان عذره أشد وأفحش منهما ، وهذا منه دليل على أنه كان من المنافقين.

« اليوم أكملت لكم دينكم » (١) قد مر أنها نزلت بعد نصب أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير ، فتدل على أن الامامة داخلة في الدين والاسلام وأن بها كماله.

« لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر » (٢) أي صنع الذين يقعون في إظهار الكفر سريعا إذا وجدوا منه فرصة من الذين قالوا آمنا بأفواههم أي من المنافقين والباء متعلقة بقالوا لا بآمنا والواو يحتمل الحال ، والعطف ، والاية تدل علي أن الايمان باللسان لا ينفع ما لم يوافقه القلب.

« وإذ أو حيث إلى الحواريين » روى العياشي (٣) عن الباقر عليه‌السلام : الهموا « بأننا مسلمون » أي مخلصون.

« فمن يرد الله أن يهديه » (٤) أي يعرفه الحق ويوفقه للايمان « يشرح صدره للاسلام » فيتسع له ويفسح فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل القلب قابلا للحق

__________________

(١) المائدة : ٣. (٢) المائدة : ٤١.

(٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٥٠ ، والاية في المائدة : ١١١.

(٤) الانعام : ١٢٥.

٢٣٥

مهيئا لحلوله فيه ، مصفى عما يمنعه وينافيه ، في المجمع (١) قد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الاية سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شرح الصدر ما هو؟ فقال : نور يفذفه الله في قلب المؤمن فيشرح صدره وينفسح ، قالوا : فهل لذلك أمارة يعرف بها؟ فقال : نعم والانابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله.

« فان لم يستجيبوا لكم » (٢) أيها المؤمنون من دعوتموهم إلى المعارضة ، أو أيها الكافرون من دعوتموهم إلى المعاونة « فاعلموا أنما انزل بعلم الله » أي متلبسا بما لا يعلمه إلا الله ، ولا يقدر عليه سواه « وأن لا إله إلا هو » لانه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ، لظهور عجز المدعوين « فهل أنتم مسلمون » أي ثابتون على الاسلام ، راسخون فيه؟ أو داخلون في الاسلام مخلصون فيه.

« توفني مسلما » يدل (٣) على إطلاق الاسلام على الايمان الكامل « وألحقني بالصالحين » أي في الرتبة والكرامة.

« ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » (٤) أي إذا عاينوا في القيامة حالهم وحال المسلمين ، قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وفي تفسيري العياشى وعلي بن إبراهيم (٥) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين وفي المجمع (٦) مرفوعا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا : بلى : قالوا : فما أغنى عنكم إسلاماكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فاخذنا

__________________

(١) المصدر ج ٤ ص ٣٦٣.

(٢) هود : ١٤.

(٣) يوسف : ١٠١.

(٤) الحجر : ٢.

(٥) تفسير العياشى ج ٢ ص ٢٣٩ ، تفسير القمى : ٣٤٩.

(٦) مجمع البيان ج ٦ ص ٣٢٨.

٢٣٦

بها فسمع الله عز اسمه ما قالوا ، فأمر من كان في النار من أهل الاسلام فاخرجوا منها ، فحينئذ يقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين.

« لعلكم تسلمون » (١) أي تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به وتنقادون لحكمه.

« تبيانا » أي (٢) بيانا بليغا وروى العياشي (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال : نحن والله نعلم ما في السماوات وما في الارض ، وما في الجنة وما في النار ، وما بين ذلك ثم قال : إن ذلك في كتاب الله ثم تلا هذه الاية ، وعنه عليه‌السلام أن الله أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد ، حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا انزل في القرآن ، إلا أنزله الله فيه ، وقد مضت الاخبار الكثيرة في ذلك في كتاب الامامة.

« قل نزله روح القدس » (٤) يعني جبرئيل عليه‌السلام « من ربك بالحق » أي متلبسا بالحكمة « ليثبت الذين آمنوا » أي على الايمان بأنه كلام الله ، فانهم إذا سمعوا الناسخ ، وتدبروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة ، رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم « وهدى وبشرى للمسلمين » المنقادين لحكمه.

« قل إنما يوحى إلي » (٥) قيل أي ما يوحى إلي إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد ، وذلك لان المقصود الاصلي من بعثته مقصور على التوحيد « فهل أنتم مسلمون » مخلصون العبادة لله على مقتضى الوحي؟ وفي المناقب عن الصادق عليه‌السلام : فهل أنتم مسلمون الوصية بعدي ، نزلت مشددة ، ومآلهما واحد ، لان مخالفة الوصية عبادة للهوى والشيطان وأيضا التوحيد لا يتم إلا بالولاية ، إذ بالامام يعرف الله ، ويعرف طريق عبادته ، فهي كمال التوحيد ، وأصله وأساسه وغايته.

« فله أسلموا » (٦) أي أخلصوا التقرب والذكر ولا تشوبوه بالاشراك « وبشر

__________________

(١) النحل : ٨١.

(٢) النحل : ٨٩.

(٣) تفسير العياشى ج ٢ ص ٢٦٦.

(٤) النحل : ١٠٢.

(٥) الانبياء : ١٠٨.

(٦) الحج : ٣٤.

٢٣٧

المخبتين » قيل أي المتواضعين أو المخلصين فان الاخبات صفتهم وقال علي بن إبراهيم : أي العابدين.

« وما أنت بهادي العمي » (١) سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الابصار أو لعمى قلوبهم أن تسمع فان إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ ، وتدبر المعنى أو المراد بالمؤمن المشارف للايمان أو من هو في علم الله كذلك « فهم مسلمون » أي مخلصون من أسلم وجهه لله « وله كل شئ » (٢) أي خلقا وملكا « وامرت أن أكون من المسلمين » أي المنقادين أو الثابتين على ملة الاسلام.

« الذين آتيناهم الكتاب » (٣) قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب ، وقيل : في أربعين من أهل الانجيل من أهل الحبشة والشام « قالوا آمنا به » أي بأنه كلام الله « إنه الحق من ربنا » استيناف لبيان ما أوجب إيمانهم به « إنا كنا من قبله مسلمين » استيناف آخر للدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ. وإنما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة ، وكونهم على دين الاسلام قبل نزول القرآن أو تلاوته عليهم ، باعتقادهم صحته في الجملة.

« وقولوا آمنا » (٤) قيل هي المجادلة بالتي هي أحسن ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالله وبكتبه ورسله ، فان قالوا باطلا لم تصدقوهم ، وإن قالوا حقا لم تكذبوهم « ونحن له مسلمون » أي مطيعون له خاصة ، وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله « أفمن شرح اللله صدره للاسلام » (٥) حتى تمكن فيه بيسر ، عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله ، غير متأبية عنه ، لان الصدر محل القلب ، المنبع للروح ، المتعلق للنفس القابل للاسلام « فهو على نور من ربه » يعني المعرفة والاهتداء إلى الحق ، وقد مر الخبر في ذلك ، وخبر « من » محذوف دل عليه قوله « فويل للقاسية قلوبهم من ذكرالله »

__________________

(١) النمل : ٨١.

(٢) النمل : ٩١.

(٣) القصص : ٥٢.

(٤) العنكبوت ٤٦.

(٥) الزمر : ٢٢.

٢٣٨

أي من أجل ذكره ، في رواية علي بن إبراهيم (١) نزل صدر الاية في أمير المؤمنين عليه‌السلام. وفي رواية العامة : نزل في حمزة وعلي ، وما بعده في أبي لهب و ولده ، وروى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام : أن القسوة والرقة من القلب و هو قوله « فويل » الاية. « وكانوا مسلمين » (٢) ظاهره كون الاسلام فوق الايمان.

« قالت الاعراب آمنا » قال الطبرسي (٣) قدس‌سره هم قوم من بني أسد أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة جدبة ، وأظهروا الاسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر إنما كانوا يطلبون الصدقة ، والمعنى أنهم قالوا صدقنا بما جئت به ، فأمره الله سبحانه أن يخبرهم بذلك ليكون آية معجزة له فقال « قل لم تؤمنوا » أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن « ولكن قولوا أسلمنا » أي انقدنا واستسلمنا مخافة السبي والقتل. ثم بين سبحانه أن الايمان محله القلب دون اللسان فقال « ولما يدخل الايمان في قلوبكم » قال الزجاج : الاسلام إظهار الخضوع ، والقبول لما أتى به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبذلك يحقن الدم ، فان كان مع ذلك الاظهار اعتقاد وتصديق بالقلب ، فذلك الايمان وصاحبه المسلم المؤمن حقا فأما من أظهر قبول الشريعة ، واستسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم ، وباطنه غير مصدق ، وقد أخرج هؤلاء من الايمان بقوله : « ولما يدخل الايمان في قلوبكم » إن لم تصدقوا بعد ما أسلمتم تعوذا من القتل ، فالمؤمن مبطن من التصديق مثل مايظهر ، والمسلم التام الاسلام مظهر للطاعة ، وهو مع ذلك مؤمن بها ، والذي أظهر الاسلام تعوذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة ، إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين.

وروى أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الاسلام علانية ، والايمان في القلب ـ وأشار إلى صدره.

ثم قال سبحانه : « وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا » (٤)

__________________

(١) تفسير القمى : ٥٧٧.

(٢) الزخرف : ٦٩.

(٣) مجمع البيان ج ٩ ص ١٣٨. والاية في الحجرات : ١٣.

(٤) الحجرات : ١٤.

٢٣٩

أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا « إن الله غفور رحيم * إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا » أي لم يشكوا في دينهم بعد الايمان « وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون » أي الذين صدقوا في ادعاء الايمان ، فيدل على أن للاعمال مدخلا في الايمان إما بالجزئية ، أو الاشتراط أو هي كاشفة منه كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله « قل أتعلمون الله بدينكم » أي أتخبرونه به بقولكم آمنا « والله يعلم ما في السموات وما في الارض والله بكل شئ عليم » هو تجهيل لهم وتوبيخ.

روي أنه لما نزلت الاية المتقدمة جاؤا وحلفوا أنهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه « يمنون عليك أن أسلموا » أي يعدون إسلامهم عليك منة ، وهي النعمة لا يستثيب مولاها ممن نزلها إليه « قل لا تمنوا علي إسلامكم » أي باسلامكم ، فنصب بنزع الخافض ، أو تضمين الفعل معنى الاعتداد « يل الله يمن عليكم أن هديكم للايمان » على ما زعمتم مع أن الهداية لا يلزم الاهتداء « إن كنتم صادقين » في ادعاء الايمان ، وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم.

وفي سياق الاية لطف ، وهو أنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا ومنوا به نفى أنه إيمان وسماه إسلاما بأن قال يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام ، وليس بجدير أن يمن عليك بل لوصح ادعاؤهم للايمان فلله المنة عليهم بالهداية له لا لهم.

« فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين » (١) قال البيضاوي : استدل به على اتحاد الايمان والاسلام وهو ضعيف ، لان ذلك لا يقتضي إلا صدق المؤمن والمسلم على من اتبعه ، وذلك لا يقتضي اتحاد مفهوميهما ، لجواز صدق المفهومات المختلفة على ذات واحدة.

وقال في قوله تعالى : « مسلمات مؤمنات » (٢) مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات.

__________________

(١) الذاريات : ٣٦.

(٢) التحريم : ٦.

٢٤٠