بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قال : فقال لي : يا حماد إذا كنت ثم تذكر أمرنا وتدعو إليه؟ قال : قلت : نعم ، قال : فإذا كنت في هذه المدن مدن الاسلام تذاكر أمرنا وتدعو إليه؟ قال : فقلت : لا ، قال : فقال لي : إنك إن تمت ثم حشرت امة وحدك ، وسعى نورك بين يديك (١).

٢ ـ ما : عن المفيد ، عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن أبي فاختة قال : كنت أنا وأبوسلمة السراج ويونس بن يعقوب والفضيل بن يسار عند أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقلت له : جعلت فداك إني أحضر مجالس هؤلاء القوم فأذكركم في نفسي فأي شئ أقول؟ فقال : يا حسين إذا حضرت مجالس هؤلاء فقل : « اللهم أرنا الرخاء والسرور. فإنك تأتي على ما تريد » (٢).

بيان : « فانك تأتي على ما تريد » (٣) أي يريك الله الرخاء والسرور في دينك أو يعطيك الله ثواب ما تريد الفوز به من ظهور دين الحق.

٢٢

* ( باب ) *

« ( في أن الله تعالى انما يعطى الدين الحق والايمان والتشيع من أحبه ، وأن التواخى لا يقع على الدين ، وفى ترك دعاء الناس إلى الدين ) » *

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير عن حمزة بن حمران ، عن عمر بن حنظلة قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يا أبا الصخر

__________________

(١) أمالى الطوسى ج ١ ص ٤٤.

(٢) أمالى الطوسى ج ١ ص ٥٣ في حديث.

(٣) الخطاب مع الله عزوجل وهو الفعال لما يريد.

٢٠١

إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض (١) ولا يعطي هذا الامر إلا صفوته من خلقه أنتم والله على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل ، لا أعني علي بن الحسين ولا محمد بن علي وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء (٢).

تبيان : « من يحب ومن يبغض » أي من يحبه الله ومن يبغضه الله ، أو من يحب الله ومن يبغض الله ، والاول أظهر ، « ولا يعطي هذا الامر » أي الاعتقاد بالولاية واختيار دين الامامية « إلا صفوته من خلقه » أي من اصطفاه واختاره وفضله من جميع خلقه بسبب طيب روحه وطينته كما مر ، أو المعنى أن ذا المال والجاه و النعمة في الدنيا يمكن أن يكون محبوبا لله أو مبغوضا لله ، وليست سببا لحب الله ولا علامة له ، بخلاف دين الحق فان من اوتيه يكون لا محالة محبوبا لله مختارا عنده ، وعلى الوجهين الغرض بيان فضل الولاية والشكر عليها ، وعدم الشكاية بعد حصولها عن فقر الدنيا وذلها وشدائدها ، وحقارة الدنيا واهلها عند الله ، وأنها ليست مناط الشرف والفضل.

قوله عليه‌السلام : « ودين آبائي » والمعنى أن اصول الدين مشتركة في ملل جميع الانبياء ، وإنما الاختلاف في بعض الخصوصيات فان الاعتقاد بالتوحيد والعدل و المعاد مما اشترك فيه جميع الملل ، وكذا التصديق بنبوة الانبياء ، والاذعان بجميع ما جاؤا به ، وأهمها الايمان بأوصيائهم ; ومتابعتهم في جميع الامور ، وعدم العدول عنهم إلى غيرهم ، كان لازما في جميع الملل ، وإنما الاختلاف في خصوص النبي و خصوص الاوصياء وخصوص بعض العبادات فمن أقر بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وبجميع ما جاء

__________________

(١) قال بعض المحشين : الحب انجذاب خاص من المحب نحو المحبوب ليجده ، ففيه شوب من معنى الانفعال وهو بهذا المعنى وان امتنع أن يتصف به الله سبحانه لكنه تعالى يتصف به من حيث الاثر كسائر الصفات من الرحمة والغضب وغيرهما ، فهو تعالى يحب خلقه من حيث انه يريد أن يجده وينعم عليه بالوجود والرزق ونحوهما ، وهو تعالى يحب عبده المؤمن من حيث أنه يريد أن يجده ولا يفوته فينعم عليه بنعمة السعادة والعاقبة الحسنى فالمراد بالمحبة في هذه الروايات المحبة الخاصة.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٢١٥.

٢٠٢

به وبجميع أوصيائه ولم يعدل عنهم إلى غيرهم فهو على دين جميع الانبياء.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في كثير من الاخبار أن الاقرار بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصيائه عليهم‌السلام كان مأخوذا على جميع الانبياء عليهم‌السلام وأممهم وقيل : المراد أنه مأخوذ في دين الاسلام نفي الشرك ونصب غير من نصبه الله للامامة والرجوع إليه نوع من الشرك ، فالتوحيد الذي هو دين جميع الانبياء مخصوص بالشيعة ، وما ذكرنا أوضح وأمتن.

٢ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن عاصم بن حميد عن مالك بن أعين الجهني قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي دينه إلا من يحب (١).

سن : عن الوشاء ومحمد بن عبدالحميد العطار ، عن عاصم مثله (٢).

٣ ـ كا : بالاسناد المتقدم ، عن الوشاء ، عن عببد الكريم بن عمرو الخثعمي عن عمر بن حنظلة وعن حمزة بن حمران ، [ عن حمران ] ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن هذه الدنيا يعطيها الله البر والفاجر ، ولا يعطي الايمان إلا صفوته من خلقه (٣).

سن : عن الوشاء مثله (٤).

بيان : قال الجوهري : صفوة الشئ خالصه ومحمد صفوة الله من خلقه و مصطفاه ، أبوعبيدة : يقال له صفوة مالي وصفوة مالي وصفوة مالي فاذا نزعوا الهاء قالوا : له صفو مالي بالفتح لا غير (٥).

٤ ـ كا : عن محمد ين يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١٥.

(٢) المحاسن ص ٢٦١.

(٣) الكافى ج ٢ ص ٢١٥.

(٤) المحاسن ص ٢١٧ ، وهو الذى ذكره تحت الرقم : ٦ فلا تغفل.

(٥) الصحاح ص ٢٤٠١.

٢٠٣

أبي سليمان ، عن ميسر قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الدنيا يعطيها الله عزو جل من أحب ومن أبغض ، وإن الايمان لا يعطيه إلا من أحب (١).

٥ ـ سن : عن أبيه ، عن علي بن النعمان ، عن أبي سليمان ، عن ميسر قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الدنيا يعطيها الله من أحب وأبغض ، وإن الايمان لا يعطيه إلا من احب (٢).

٦ ـ سن : عن الوشاء ، عن عبدالكريم بن عمرو الخثعمي ، عن عمر بن حنظلة ، عن حمزة بن حماد ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : إن هذه الدنيا يعطاها البر والفاجر ، وإن هذا الدين لا يعطاه إلا أهله خاصة (٣).

٧ ـ سن : عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن حمران ، عن عمر ابن حنظلة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي الايمان إلا أهل صفوته من خلقه (٤).

٨ ـ سن : عن محمد بن خالد الاشعري ، عن حمزة بن حمران ، عن عمر بن حنظلة قال : بينا أنا أمشي مع أبي عبدالله عليه‌السلام : في بعض طرق المدينة إذا التفت إلي فقال : إن الله يعطي ، البر والفاجر الدنيا ، ولا يعطي الدين إلا أهل صفوته من خلقه (٥).

سن : عن محمد بن عبدالحميد ، عن عاصم بن حميد ، عن عمرو بن أبي المقدام عن رجل من أهل البصرة مثله (٦).

٩ ـ سن : عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن فضيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله يعطي المال البر والفاجر ، ولا يعطي الايمان إلا من أحب (٧).

١٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن حمزة بن

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١٥.

(٢) المحاسن ص ٢١٦.

(٣ ـ ٧) المحاسن ص ٢١٧.

٢٠٤

محمد الطيار ، عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لم تتواخوا على هذا الامر ولكن تعارفتم عليه (١).

تبيان : « لم تتواخوا على هذا الامر » أقول : الخبر يحتمل وجوها :

الاول : ما أفاده الوالد قدس الله روحه ، وهو أن التواخى بينكم لم يقع على التشيع ، ولا في هذه النشأة ، بل كانت اخوتكم في عالم الارواح قبل الانتقال إلى الاجساد ، وإنما حصل تعارفكم في هذا العالم بسبب الدين ، فكشف ذلك عن الاخوة في العليين ، وذلك مثل رجلين كانت بينهما مصاحبة قديمة فافترقا زمانا طويلا ثم تلا قيا فعرف كل منهما صاحبه.

ويؤيده الحديث المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، وهذا الخبر وإن كان عاميا لكن ورد مثله في أخبارنا بأسانيد جمة.

منها ما روى الصفار في البصائر بأسانيد عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : والله يا أمير المؤمنين إني لاحبك ، فقال : كذبت ، فقال الرجل : سبحان الله كأنك تعرف ما في قلبي ، فقال علي عليه‌السلام : إن الله خلق الارواح قبل الابدان بألفي عام ثم عرضهم علينا ، فأين كنت لم أرك؟ (٢).

وعن عمارة قال : كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه‌السلام إذ أقبل رجل فسلم عليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين والله إني لاحبك ، فسأله ثم قال له : إن الارواح خلقت قبل الابدان بألفي عام ثم اسكنت الهواء ، فما تعارف منها ثم ائتلف ههنا ، و ما تناكر منها ثم اختلف ههنا ، وإن روحي أنكر روحك (٣).

وبسنده أيضا عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله إلا أنه قال : إن الله خلق الارواح قبل الابدان بألفي عام ، فأسكنها الهواء ، ثم عرضها علينا أهل البيت ، فوالله ما منها روح إلا وقد عرفنا بدنه ، فوالله ما رأيتك فيها فأين كنت؟ (٤).

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ١٦٨.

(٢ ـ ٤) بصائر الدرجات ص ٨٧ و ٨٨.

٢٠٥

وروي الصدوق ـ ره ـ في العلل بسند موثق عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الارواح جنود مجندة ، فما تعارف منها في الميثاق ائتلف ههنا ، وما تناكر منها في الميثاق اختلف ههنا (١).

وروى بسند آخر عنه عليه‌السلام أنه قال لرجل من أصحابه : ما تقول في الارواح أنها جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف؟ قال : فقلت : إنا نقول ذلك ، قال : فانه كذلك إن الله عزوجل أخذ على العباد ميثاقهم وهم أظلة قبل الميلاد ، وهو قوله عزوجل « وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم » (٢) ، الاية قال : فمن أقر له يومئذ جاءت الفته ههنا ومن أنكره يومئذ جاء خلافه ههنا.

وقال ابن الاثير في النهاية : فيه الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، مجندة أي مجموعة ، كما يقال الوف مؤلفة ، وفناطير مقنطرة ، ومعناه الاخبار عن مبدء كون الارواح وتقدمها على الاجساد ، أي أنها حلقت أول خلقها على قسمين من ائتلاف واختلاف ، كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت ، ومعنى تقابل الارواح ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة والاخلاق في مبدء الخلق ، يقول إن الاجساد التي فيها الارواح تلتقي في الدنيا ، فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخير ، يحب الاخيار ويميل إليهم والشرير يحب الاشرار ويميل إليهم انتهى.

وقال الخطابي : خلقت قبلها تلتقي فلما التبست بالابدان تعارفت بالذكر الاول انتهى.

وأقول : استدل بهذا الحديث على أمرين : الاول خلق الارواح قبل الابدان والثاني أن الارواح الانسانية مختلفة في الحقيقة وقد أشبعنا القول في هذه المطالب في كتاب السماء والعالم.

__________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٧٩ ، بتفاوت والذى يأتى بعده في ص ٨٠ من المصدر.

(٢) الاعراف : ١٧٢.

٢٠٦

الثانى : ما قيل إن المعنى أنكم لم تتواخوا على التشيع إذ لو كان كذلك لجرت بينكم جميعا المواخاة وأداء الحقوق ، وليس كذلك ، بل إنما أنتم متعارفون على التشيع ، يعرف بعضكم بعضا عليه من دون مواخاة وعلى هذا يجوز أن يكون الحديث واردا مورد الانكار ، وأن يكون واقعا موقع الاخبار ، أو المعنى أن مجرد القول بالتشيع لا يوجب التواخي بينكم ، وإنما يوجب التعارف بينكم وأما التواخي فانما يوجبه امور اخر غير ذلك لا يجب بدونها.

الثالث : أن المعنى انه لم تكن مواخاتكم بعد حدوث هذا المذهب ، و أتصافكم به ، ولكن كانت في حال الولادة وقبلها وبعدها ، فان المواخاة بسبب اتحاد منشأ الطين والارواح كما مر ، وهذا يرجع إلى الوجه الاول أو قريب منه.

١١ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن كليب بن معاوية الصيداوي قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : إياكم والناس ، إن الله عزوجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة فتركه وهو يجول لذلك ويطلبه ، ثم قال : لو أنكم إذا كلمتم الناس قلتم : ذهبنا حيث ذهب الله ، واخترنا من اختار الله واختار الله محمدا واخترنا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

بيان : « إياكم والناس » أي احذروا دعوتهم في زمن شدة التقية ، وعلل ذلك بأن من كان قابلا للهداية وأراد الله ذلك به « نكت في قلبه نكتة » من نور كناية عن أنه يلقي في قله ما يصير به طالبا للحق متهيئا لقبوله ، في القاموس : النكت أن تضرب في الارض بقضيب فيؤثر فيها ، والنكتة بالضم النقطة ، ثم بين عليه‌السلام طريقا لينا لمعارضتهم ، والاحتجاج عليهم وهدايتهم ، بحيث لا يصير سببا لمزيد تعصبهم وإضرارهم ، ولا يتضمن التصريح بكفرهم وضلالتهم ، بأن قال : « لو أنكم » و « لو » للتمني و « قلتم » جواب « إذا » « حيث ذهب الله » أي حيث أمر الله بالذهاب إليه « واخترنا من اختار الله » أي اخترنا الامامة من أهل بيت اختارهم الله فان النبي

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١٢.

٢٠٧

مختار الله ، والعقل يحكم بأن أهل بيت المختار إذا كانوا قابلين للامامة أولى من غيرهم ، وهذا دليل إقناعي تقبله طباع أكثر الخلق (١).

١٢ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن ثابت بن أبي سعيدة قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يا ثابت مالكم وللناس؟ كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم ، فوالله لو أن أهل السماء وأهل الارض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا ، كفوا عن الناس ولا يقول أحدكم أخي وابن عمي وجاري ، فان الله عزوجل إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه ، فلا يسمع بمعروف إلا عرفه ، ولا بمنكر إلا أنكره ، ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره (٢).

بيان : قد مر أمثاله في كتاب العدل ، وقد تكلمنا هناك في معنى الهداية والاضلال ، وفهم هذه الاخبار في غاية الاشكال ، ومنهم من أول إرادة الهداية بالعلم أو التوفيق والتأييد الذي استحق بحسن اختياره « ولا يقول أحد كم أخي » أي هذا أخي ترحما عليه ، لارادة هدايته « طيب روحه » أي جعلها قابلة لفهم الحق و قبوله ، إما في بدو الخلق أو بعده في عالم الاجساد ، والكلمة التي يقذفها في قلبه هي اعتقاد الامامة ، فإنها جامعة لاصلاح جميع اموره في الدارين ، ولا يشتبه عليه أمر من الامور.

١٣ ـ كا : عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان ين يحيى عن محمد بن مروان ، عن الفضيل قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : ندعو الناس إلى هذا الامر؟ فقال : يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه حتى أدخله

__________________

(١) ولعل المراد : قولوا ذهبنا إلى بيت ذهب الله اليه وهو بيت عبدالمطلب ، واخترنا من ذالك البيت من اختاره الله ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ذهب محمد « ص » لم نرجع عن ذلك البيت ، بل اخترنا من ذلك البيت المختار من كان تاليا له صلى الله عليه وآله يصلح لان يقوم مقامه وهو على بن أبى طالب رأس العترة الطاهرة.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٢١٣.

٢٠٨

في هذا الامر طائعا أو كارها (١).

١٤ ـ كا : عن محمد ين يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : اجعلوا أمركم هذا لله ، ولا تجعلوه للناس ، فانه ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء ، ولا تخاصموا بدينكم الناس ، فان المخاصمة ممرضة للقلب ، إن الله عزوجل قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء » وقال : « أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين » (٢) ذرو الناس فان الناس أخذوا عن الناس ، وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام ولا سواء وإنني سمعت أبي يقول : إذا كتب الله على عبد أن يدخله في هذا الامر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (٣).

تبيان : « اجعلوا أمركم هذا » أي دينكم ودعوتكم الناس إليه « لله » بأن تدعوا الناس إليه في مقام تعلمون رضى الله فيه ، ولا تدعوا في مقام التقية فانه نهى الله عنه « ولا تجعلوه للناس » باظهار الفضل ، وحب الغلبة على الخصم ، والعصبية فتدعوهم في مقام التقيه أيضا فيعود ضرره عليكم وعلينا ، فانه « ما كان لله » أي خالصا لوجهه تعالى « فهو لله » أي يقبله الله ، ويثيب عليه ، أو ما كان لله في الدنيا فهو لله في الاخرة ، ومآلهما واحد « فلا يصعد إلى السماء » أي لا يقبل ، إشارة إلى قوله تعالى « إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه » (٤) « ولا تخاصموا بدينكم » أي لا تجادلوا مجادلة يكون غرضكم فيها المغالبة والمعاندة ، بالقاء الشبهات الفاسدة ، لا ظهور الحق ، فان المخاصمة على هذا الوجه تمرض القلب بالشك والشبهة ، والاغراض الباطلة ، وإن كان غرضكم إجبارهم على الهداية ، فانها ليست بيدكم كما قال تعالى لنبيه : « إنك لا تهدى من أحببت » وقال « أفأنت تكره الناس ».

وقوله عليه‌السلام « ذروا الناس » يحتمل أن يكون المراد به أن غرضكم من

__________________

(١ و ٣) الكافى ج ٢ ص ٢١٣.

(٢) القصص : ٥٦. يونس : ٩٩.

(٤) فاطر : ١٠.

٢٠٩

المجادلة إن كان ظهور الحق لكم فلا حاجة لكم إلى ذلك ، فان حقيتكم أظهر من ذلك ، فانكم أخذتم دينكم عن الله بالايات المحكمات ، وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالاخبار المتواترة من الجانبين ، وعن علي عليه‌السلام المقبول من الطرفين ، وهم أخذوا من الاخبار الموضوعة المنمية إلى النواصب والمعاندين ، والشبهات الواهية التي يظهر بأدنى تأمل بطلانها ، ولا سواء مأخذكم ومأذخهم ، ووكر الطائر عشه.

١٥ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن اذينه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل خلق قوما للحق فاذا مر بهم الباب من الحق قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه ، وإذا مر بهم الباطل أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه ، وخلق قوما لغير ذلك ، فاذا مر بهم الباب من الحق أنكرته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه ، وإذا مر بهم الباب من الباطل قبلته قلوبهم وإن كانوا لا يعرفونه (١).

بيان : « خلق قوما للحق » كأن اللام للعاقبة ، أي عالما بأنهم يختارون الحق أو يختارون خلافه « وإن كانوا لا يعرفونه » قيل هذا مبني على أنه قد يحكم الانسان بأمر ويذعن به ، وهو مبني على مقدمة مر كوزة في نفسه لا يعلم بها أو بابتناء إذعانه عليها ، والغرض من ذكره في هذا الباب أن السعي لا مدخل له كثيرا في الهداية وإنما هو لتحصيل الثواب فلا ينبغي فعله في موضع التقية لعدم ترتب الثواب عليه.

١٦ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالحميد بن أبي العلا عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور ، فأضاء لها سمعه وقلبه ، حتى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء فأظلم لها سمعه وقلبه ، ثم تلا هذه الاية « فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء » (٢).

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١٤.

(٢) المصدر نفسه ، والاية في الانعام : ١٢٥.

٢١٠

بيان : كأن النكت في الاول كناية عن التوفيق لقبول الحق أو إفاضة علم يقيني ينتقش فيه « فأضاء له سمعه وقلبه » أي يسمع الحق ويقبله بسهولة ، ويصير طالبا لدين الحق ، وفي الثاني كناية عن منع اللطف منه ، لعدم استحقاقه لذلك فيخلي بينه وبين الشيطان ، فينكت في قلبه الشكوك والشبهات « فمن يرد الله أن يهديه » قيل أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للايمان « يشرح صدره للاسلام » فيتسع له ويفسح ما فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه « ومن يرد أن يضله » أي يمنع عنه لطفه « يجعل صدره ضيقا حرجا » بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الايمان « كأنما يصعد في السماء » شبهه مبالغه في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فان صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة.

١٧ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء ، وفتح مسامع قلبه ، ووكل به ملكا يسدده ، وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ، ووكل به شيطانا يضله (١).

٢٣

* « ( باب آخر ) » *

* « ( في أن السلامة والغنا في الدين ، وما أخذ على المؤمن من الصبر على ما يلحقه في الدين ) » *

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن أيوب بن الحر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل « فوقاه الله سيئات ما مكروا » فقال : أما لقد بسطوا عليه وقتلوه ، ولكن أتدرون ما وقاه؟ وقاه أن يفتنوه في دينه (٢).

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١٤.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٢١٥ ، والاية في غافر : ٤٠.

٢١١

تبيان : « فوقاه الله » الضمير راجع إلى المؤمن آل فرعون ، حيث توكل على الله ، وفوض أمره إليه ، حين أراد فرعون قتله ، بعد أن أظهر إيمانه بموسى ووعظهم ودعاهم إلى الايمان فقال : « وافوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا » أي صرف الله عنه شدائد مكرهم ، قال بعض المفسرين : إنه جاء مع موسى حتى عبر البحر معه ، وقيل إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي وحوله الوحوش صفوفا فخافا فرجعا هاربين ، والخبر يرد هذين القولين كما يرد قول من قال إن الضمير راجع إلى موسى عليه‌السلام ، ويدل على أنهم قتلوه « لقد بسطوا عليه » أي أيديهم في القاموس بسط يده مدها ، والملائكة باسطوا أيديهم أي مسلطون عليهم ، كما يقال بسطت يده عليه أي سلط عليه ، وفي بعض النسخ « سطوا عليه » في القاموس سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال أو قهر بالبطش انتهى.

و « ما » في قوله « ما وقاه » موصولة أو استفهامية وفي القاموس الفتنة بالكسر الضلال والاثم والكفر والفضيحة ، والاضلال وفتنه يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه وأفتنه فهو مفتن ومفتون لازم متعد كافتتن فيهما.

٢ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي جميلة قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : كان في وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام أصحابه : اعلموا أن القرآن هدى الليل والنهار ، ونور الليل المظلم ، على ما كان من جهد وفاقة ، فاذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم ، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم فاعلموا أن الهالك من هلك دينه ، والحريب من حرب دينه ، ألا وإنه لا فقر بعد الجنة ، ألا وإنه لا غنى بعد النار ، لا يفك أسيرها ولا يبرأ ضريرها (١).

تبيين : « هدى الليل والنهار » إضافة للمصدر إلى ظرف الزمان ، وقيل : يحتمل أن يكون الليل والنهار كناية عن الباطل والحق كما قال تعالى : « وهديناه النجدين » (٢) « ونور الليل المظلم » الظاهر أن الليل المظلم كناية عن زمان الشدة

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢١٦.

(٢) البلد : ١٠.

٢١٢

والبلاء ، فقوله « على ما كان » متعلق بالمظلم ، أي كونه مظلما بناء « على ما كان من جهد » أي مشقة وفاقة فالمعنى أن القرآن في أحوال الشدة والفاقة منور للقلب ، و مذهب للهم لما فيه من المواعظ والنصائح ، ولانه يورث الزهد في الدنيا فلا يبالي بما وقع فيها ، ويحتمل أن يكون المعنى أنه نور في ظلم الجهالة والضلالة ، وعلى أي حال كان من أحوال الدنيا ، من مشقة وفقر وغير ذلك ، أي ينبغي أن يرضى بالشدة والفاقة مع نور الحق والهداية ، و « من » في قوله « من جهد » للبيان أو التبعيض والتفريع في قوله « فإذا حضرت » بهذا ألصق وقال ابن ميثم : أراد بالفاقة الحاجة إلى ما ينبغي من الهداية والكمال النفساني (١) ولا يخفى ما فيه.

والمراد بالبلية ما يمكن دفعه بالمال ، وبالنازلة ما لا يمكن دفعه إلا ببذل النفس أو ببذل الدين ، أو البلية في امور الدنيا ، والنازلة في امور الاخرة ، والمراد بها مالا تقية فيه ، وإلا فالتقية واجبة « من هلك دينه » إما بذهابه بالمرة أو بنقصه بترك الفرائض وارتكاب الكبائر ، أو الاعم وفي المصباح حرب حربا من باب تعب اخذ جميع ما له فهو حريب ، وحرب على البناء للمفعول فهو محروب ، وفي القاموس حربه حربا كطلبه طلبا أسلب ماله فهو محروب وحريب ، والجمع حربى وحرباء ، وحريبته ماله الذي سلب أو ماله الذي يعيش به « لا فقر بعد الجنة » أي بعد فعل ما يوجبها ، وكذا قوله « بعد النار » أي بعد فعل ما يوجبها.

ثم بين عليه‌السلام عدم الغناء مع استحقاق النار ببيان شدة عذابها ، من حيث إن أسيرها والمقيد فيها بالسلاسل والاغلال لا يفك أبدا « ولا يبرأ ضريرها » أي من عمي عينه فيها أو من ابتلي فيها بالضر ، أو المراد عدم فك أسيرها في الدنيا من قيد الشهوات وعدم برء من عمي قلبه في الدنيا بالكفر ، والاول أظهر ، وفي القاموس الضرير الذاهب البصر ، والمريض المهزول ، وكل ما خالطه ضر.

٣ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سلامة الدين وصحة البدن خير من المال ، والمال زينة من

__________________

(١) في قوله « ليس لاحد بعد القرآن من فاقة » راجع الخطبة ١٧٤.

٢١٣

زينة الدنيا حسنة (١).

كا : عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد ، عن ربعي عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (٢).

بيان : « سلامة الدين » أي مما فيه شائبة الشرك من العقائد الباطلة والاعمال القبيحة « وصحة البدن » من الامراض البدنية « خير » من زوائد المال أما خيرية الاولى فظاهرة ، وأما الثانية فلانه ينتفع بالصحة مع عدم المال ولا ينتفع بالمال مع فقد الصحة ، والمال أي المال الصالح والحلال زينة حسنة لكن بشرط أن لا يضر بالدين.

٤ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن بعض أصحابه قال : كان رجل يدخل على أبي عبدالله عليه‌السلام من أصحابه به فصبر زمانا لا يحج فدخل عليه بعض معارفه فقال له : فلان ما فعل؟ قال : فجعل يضجع الكلام فظن [ أنه ] انما يعني الميسرة والدنيا ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : كيف دينه؟ فقال : كما تحب ، فقال : هو والله الغنى (٣).

سن : عن ابن فضال مثله إلا أن فيه فصبر حينا ، إلى قوله : بعض معارفه ممن كان يدخل عليه معه ، إلى قوله : يظن أنه إنما عنى ، إلى قوله : كيف حاله في دينه (٤).

بيان : فصبر زمانا في بعض النسخ « فغبر زمان » أي مضى ، وفي بعضها فغبر زمانا أي مكث ، في القاموس غبر غبورا مكث وذهب ضد « فلان ما فعل » أي كيف حاله؟ ولم تأخر عن الحج؟ « قال » أي بعض الاصحاب الراوي « فجعل » أي شرع بعض المعارف « يضجع الكلام » أي يخفضه أو يقصر ولا يصرح بالمقصود ، ويشير إلى سوء حاله لئلا يغتم الامام عليه‌السلام بذلك ، كما هو الشائع في مثل هذا المقام ، قال في القاموس : أضجعت الشئ أخفضته ، وضجع في الامر تضجيعا قصر « فظن » في

__________________

(١ ـ ٣) الكافى ج ٢ ص ٢١٦.

(٤) المحاسن ص ٢١٧.

٢١٤

بعض النسخ يظن ، وهو أظهر « انما يعني » أنما بفتح الهمزة (١) وما موصولة وهي اسم أن كقوله تعالى : « واعلموا أنما غنمتم من شئ » (٢) أو ما كافة مثل قوله : « أنما إلهكم إله واحد » (٣) وعند الزمخشري أنه يفيد الحصر كالمكسور ، فعلى الاول مفعول يعني وهو عائد ما ، محذوف ، وتقديره أن ما يعنيه ، والميسرة خبر أن وعلى الثاني الميسرة مفعول يعني ، وعلى التقديرين المستتر في يعني راجع إلى الامام عليه‌السلام « كما تحب » أي على أحسن الاحوال ، « فقال هو الله الغنى » أقول تعريف الخبر بالام المفيد للحصر وتأكيده بالقسم للتنبيه على أن الغنا الحقيقي ليس إلا الغنا الاخروي ، الحاصل بسلامة الدين ، كما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : الفقر الموت الاحمر ، فقيل له : الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال : لا ولكن من الدين.

٥ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان عن داود بن فرقد عن أبي عبدالله عليه‌السلام : قال : أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته ، ولا ينتصف من عدوه ، وما من مؤمن يشفي نفسه إلا بفضيحتها لان كل مؤمن ملجم (٤).

بيان : « على أن لا تصدق » أي على الصبر على أن لا تصدق مقالته في دولة الباطل ، أو أهل الباطل مطلقا ، والانتصاف الانتقام ، وفي القاموس : انتصف منه استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء ، كاستنصف منه « يشفي نفسه » يقال : شفاه يشفيه من باب ضرب فاشتفى هو ، وهو من الشفاء بمعنى البرء من الامراض ويستعمل في شفاء القلب من الامراض النفسانية والمكاره القلبية كما يستعمل في

__________________

(١) ذكر هذا التوجيه بناء على نسخته « فظن أنما يعنى الخ » وأما على النسخة الكافى المطبوعة وهكذا المحاسن « فظن أنه انما يعنى » فانما بكسر الهمزة : والوجه ظاهر.

(٢) الانفال : ٤١.

(٣) الكهف : ١١٠.

(٤) الكافى ج ٢ ص ٢٤٩.

٢١٥

شفاء الجسم من الامراض البدنية وكون شفاء نفسه من غيظ العدو موجبا لفضيحتها ظاهر ، لان الانتقام من العدو مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة والمذلة ، و مزيد الاهانة ، والضمير في « بفضيحتها » راجع إلى النفس « لان كل مؤمن ملجم » قيل يعني إذا أراد المؤمن أن يشفي غيظه بالانتقام من عدوه افتضح وذلك لانه ليس بمطلق العنان خليع العذار (١) يقول ما يشاء ويفعل ما يريد ، إذ هو مأمور بالتقية والكتمان ، والخوف من العصيان ، والخشية من الرحمان ، ولان زمام أمره بيد الله سبحانه لانه فوض أمره إليه ، فيفعل به ما يشاء مما فيه مصلحته وقيل أي ممنوع من الكلام الذي يصير سببا لحصول مطالبه الدنيوية في دولة الباطل.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أنه ألجمه الله في الدنيا ، فلا يقدر على الانتقام في دول اللئام أو ينبغي أن يلجم نفسه ويمنعها عن الكلام ، أي الفعل الذي يخالف التقية كما مر ، وقال في النهاية : فيه من سئل عما يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة : الممسك عن الكلام ممثل بمن ألجم نفسه بلجام ، ومنه الحديث يبلغ العرق منهم ما يلجمهم ، أي يصل إلى أفواههم ، فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام.

٦ ـ كا : عن العدة ، عن سهل بن زياد ; ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أشدها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده ، أو منافق يقفو أثره ، أو شيطان يغويه ، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا (٢).

__________________

(١) العذار ـ بالكسر ـ ماسال من اللجام على خد الفرس ، أو ما يضم حبل الخطام إلى رأس البعير ، ويكنى عنه بالحياء ، يقال للمنهمك في الغى المتبع هواه : خلع عذاره أى الحياء ، يعنى أنه يقول ويفعل وما يبالى بشي ء كالدابة بلارسن ، تجمح وتطمح.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٢٤٩.

٢١٦

بيان : « على بلايا أربع » قيل أي إحدى بلايا للعطف بأو ، وللحديث الرابع (١) وأربع مجرور صفة للبلايا « وأشدها » خبر متبدأ محذوف أي هي أشدها ، والضمير المحذوف راجع إلى « إحدى » والضمير المجرور راجع إلى البلايا ، و « مؤمن » مرفوع وهو بدل أشدها ، وإبدال النكرة من المعرفة جائز إذا كانت النكرة موصوفة نحو قوله تعالى : « بالناصية كاذبة » (٢) و « أو منافق » عطف على أشدها ، وفي بعض النسخ « أيسرها » وقال بعضهم : أيسرها صفة لبلايا أربع ، وفيه إشعار بأن للمؤمن بلايا اخر أشد منها ، قال : وفي بعض النسخ أشدها بدل أيسرها فيفيد أن هذه الاربع أشد بلاياه ، وقوله : « مؤمن » خبر مبتدأ محذوف أي هو مؤمن ، وقيل إن أيسرها مبتدأ ومؤمن خبره وإن أشدها أولى من أيسرها ، لئلا ينا في قوله عليه‌السلام ، فيما بعد : « ومؤمن يحسده وهو أشد هن عليه » (٣) و « مؤمنا يحسده وهو أشد هم عليه » (٤) وفيه أن أيسرها أو أشدها صفة لما تقدم فلا يتم ما ذكر وكون هذه الاربع أيسر من غيرها لا ينافي أن يكون بعضها أشد من بعض ، ولو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون المؤمن الحاسد أشد من المنافق ، وما بعده وهو مناف لما سيأتي.

وأقول : يمكن أن يكون أو للجمع المطلق بمعنى الواو ، فال نحتاج إلى تقدير إحدى ، ويكون أشدها مبتدءا ومؤمن خبره ، وعبر عن الاول بهذه العبارة لبيان الاشدية ، ثم عطف عليه ما بعده كأنه عطف على المعنى ولكل من الوجوه السابقة وجه ، وكون مؤمن بدل أشدها أوجه.

« يقول بقوله » أي يعتقد مذهبه ، ويدعي التشيع ، لكنه ليس بمؤمن كامل

__________________

(١) يعنى الحديث الرابع في باب ما أخذه الله على المؤمن لكتاب الايمان والكفر من الكافى ، وهو الذى يأتى تحت الرقم ٨.

(٢) العلق : ١٥ و ١٦.

(٣) يعنى في الحديث الاتى تحت الرقم ٨.

(٤) يعنى في الحديث الاتى تحت الرقم ١٢.

٢١٧

بل يغلبه الحسد « أو منافق يقفو أثره » أي يتبعه ظاهرا وإن كان منافقا أو يتتبع عيوبه فيذكرها للناس ، وهو أظهر « أو شيطان » أي شيطان الجن أو الاعم منه ومن شيطان الانس « يغويه » أي يريد إغواءه وإضلاله عن سبيل الحق بالوساوس الباطلة كما قال تعالى حاكيا عن الشيطان : « لاقعدن لهم صراطك المستقيم » (١) الاية وقال سبحانه : « وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا » (٢) وقال : « وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون » ، (٣) وربما يقرأ يغويه على بناء التفعيل ، أي ينسبه إلى الغواية وهو بعيد « أو كافر يرى جهاده » أي لازما فيضره بكل وجه يمكنه « فما بقاء المؤمن بعد هذا » استفهام إنكار أي كيف يبقى المؤمن على إيمانه بعد الذي ذكرنا ، ولذا قل عدد المؤمنين ، أو لايبقى في الدنيا بعد هذه البلايا والهموم والغموم ، أو لا يبقى جنس المؤمن في الدنيا إلا قليل منهم.

٧ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن ابن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : قال : ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ولربما اجتمعت الثلاثة عليه : إما بعض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه ، أو جاره يؤذيه ، أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه ، ولو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله عزوجل إليه شيطانا يؤذيه ، ويجعل الله له من إيمانه انسا لا يستوحش معه إلى أحد.

بيان : « ما أفلت المؤمن » أي ما تخلص ، في المصباح أفلت الطائر وغيره إفلاتا تخلص وأفلته إذا أطلقته وخلصته ، يستعمل لازما ومتعديا ، والظاهر أن « بعض » مبتدأ و « يؤذيه » خبره ، ويحتمل أن يكون بعض خبر مبتدأ محذوف ويؤذيه صفة أو حالا و « يغلق » على بناء المجهول أو المعلوم والاول أظهر فبابه نائب الفاعل ، و ضمير عليه راجع إلى ما يرجع إلى المستتر في يكون وجملة يغلق حال ، عن ضمير

__________________

(١) الاعراف : ١٦.

(٢) الانعام : ١١٢.

(٣) الانعام : ١٢١.

٢١٨

يكون أي داخل في داره يكون معه ، فيها ، والمراد بالشيطان إما شيطان الجن لان معارضته للمؤمن أكثر أو شيطان الانس ، وذكروا لتسليط الشياطين والكفرة على المؤمنين وجوها من الحكمة : الاول أنه لكفارة ذنوبه ، الثاني أنه لاختباره صبره وإدراجه في الصابرين ، الثالث أنه لتزهيده في الدنيا لئلا يفتتن بها ويطمئن إليها فيشق عليه الخروج منها ، الرابع توسله إلى جناب الحق سبحانه في الضراء ، و سلوكه مسلك الدعاء ، لدفع ما يصيبه من البلاء ، فترتفع بذلك درجته ، الخامس وحشته عن المخلوقين وانسه برب العالمين ، السادس إكرامه برفع الدرجة التي لا يبلغها الانسان بكسبه ، لانه ممنوع من إيلام نفسه شرعا وطبعا ، فاذا سلط عليه في ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة مثلا ، السابع تشديد عقوبة العدو في الاخرة ، فانه يوجب سرور المؤمنين به.

والغرض من هذا الحديث وأمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمل النوائب والمصائب وأنواع البلاء بالصبر والشكر ، والرضا بالقضاء.

٨ ـ كا : عن العدة ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نصر ، عن داود بن سرحان قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : أربع لا يخلو منهن المؤمن أو واحدة منهن مؤمن يحسده ، وهو أشد هن عليه ، ومنافق يقفو أثره ، أو عدو يجاهده ، أو شيطان يغويه (١).

بيان : « أربع » أي أربع خصال « أوواحدة » أي أو من واحدة « مؤمن يحسده » أي حسد مؤمن « وهو أشد هن عليه » لان صدور الشر من القريب المجانس أشد وأعظم من صدوره من البعيد المخالف ، لتوقع الخير من الاول دون الثاني « أو عدو » أي مجاهر بالعداوة يجاهده بلسانه ويده.

٩ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام : فشكا إليه رجل الحاجة ، فقال : اصبر فان الله سيجعل لك فرجا ، قال : ثم سكت ساعة ، ثم أقبل على الرجل فقال : أخبرني

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٥٠.

٢١٩

عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال : أصلحك الله ضيق منتن وأهله بأسوء حال ، قال : فانما أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة؟ أما علمت أن الدنيا سجن المؤمن (١).

محص : عن ابن عجلان مثله إلا أن فيه فقال : أصلحك الله فيه أصحابه بأسوء حال.

بيان : « فان الله سيجعل لك فرجا » أي بتهيئة أساب الرزق كما قال سبحانه : « سيجعل الله بعد عسر يسرا » ، وقال : « ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب » (٢) أو بالموت فان للمؤمن بعده السرور والراحة والحبور كما يومئ إليه ما بعده « الدنيا سجن المؤمن » هذا الحديث مع تتمة « وجنة الكافر » منقول من طرق الخاصة والعامة قال الراوندي ره في ضوء الشهاب بعد نقل هذه الرواية : شبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمن بالمسجون ، من حيث هو ملجم بالاوامر والنواهي مضيق عليه في الدنيا ، مقبوض على يده فيها ، مخوف بسياط العقاب ، مبتلى بالشهوات ، ممتحن بالمصائب ، بخلاف الكافر الذي هو مخلوع العذار ، متمكن من شهوات البطن والفرج ، بطيبة من قلبه ، وانشراح من صدره ، مخلى بينه وبين ما يريد ، على ما يسول له الشيطان ، لا ضيق عليه ، ولا منع ، فهو يغدو فيها و يروح ، على حسب مراده وشهوة فؤاده ، فالدنيا كأنها جنة له يتمتع بملاذها ، و يتمتع بنعيمها كما أنها كالسجن للمؤمن ، صارفا له عن لذاته ، مانعا من شهواته وفي الحديث أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الاخرة ، وروي أن يهوديا تعرض للحسن بن علي عليهما‌السلام وهو في شظف (٣) من حاله وكسوف من باله ، والحسن عليه‌السلام راكب بغلة فارهة عليه ثياب حسنة

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٥٠.

(٢) الطلاق الاية ٧ و ٢.

(٣) الشظف ـ محركة ـ ضيق العيش وشدته ، يقال : هو في شظف من العيش : أي ضيقه.

٢٢٠