بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

تبيين : « من لا يعدو » أي لا يتجاوز وفي بعض النسخ لا يعلوا صوته سمعه كأنه كناية عن عدم رفع الصوت كثيرا ، ويحمل على ما إذا لم يحتج إلى الرفع لسماع الناس كما قال تعالى : « واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير » (١).

أو على الدعاء والتلاوة والعبادة ، فان حفض الصوت فيها أبعد من الرئاء ، و يمكن أن يكون المراد بالسمع الاسماع كما ورد في اللغة ، أو يكون بالاضافة إلى المفعول أي السمع منه ، أي لا يرفع الصوت زائدا على إسماع الناس ، أو يكون بضم السين وتشديد الميم المفتوحة جمع سامع أي لا يتجاوز صوته السامعين منه ، و قرئ السمع بضمتين جمع سموع بالفتح : أي لا يقول شيئا إلا لمن يسمع قوله ويقبل منه.

« ولا شحناؤه بدنه » أي لا يتجاوز عداوته بدنه أي يعادي نفسه ولا يعادي غيره ، أو إن عادى غيره في الله لا يظهره تقية.

وفي بعض النسخ « يديه » أي لا تغلب عليه عداوته ، بل هي بيديه واختياره يدفعها باللطف والرفق أو لايتجاوز أثر عداوته من يده إلى الخصم بأن يضبط نفسه عن الضرب ، أو لا يضمر العداوة في القلب وإن كانت المكافاة باليد أيضا مذمومة لكن هذا أشد وسيأتي (٢) عن غيبة النعماني « ولا شجاه بدنه » وعن مشكوة الانوار « ولا شجنه بدنه » والشجا الحزن وما اعترض في الحلق ، والشجن محركة الهم والحزن ، وحاصلهما عدم إظهار همه وحزنه لغيره كما مر أن بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أي لا يصل ضرر حزنه إلى غيره ولا يمتدح بنا معلنا : في القاموس : مدحه كمنعه مدحا ومدحة أحسن الثناء عليه كمدحه وامتدحه و تمدحه وتمدح تكلف أن يمدح وتشبع بما ليس عنده ، والارض والخاصرة اتسعتا كامتدحت (٣) وقال : اعتلن ظهر وأعلنته وبه وعلنته أظهرته.

__________________

(١) لقمان : ١٩.

(٢) بل قد مر تحت الرقم ١٦ عن غيبة النعمانى ، وتحت الرقم ٢٨ عن صفات الشيعة والرقم ٣٧ عن مشكوة الانوار.

(٣) القاموس ج ١ ص ٢٤٨.

١٨١

أقول : فالكلام يحتمل وجوها :

الاول : أن يكون الظرف متعلقا بمعلنا كما في نظائره ، والامتداح بمعنى المدح أي لا يمدح معلنا لامامتنا فانه لتركه التقية لا يستحق المدح.

الثانى : ان يكون الامتداح بمعنى التمدح كما في بعض النسخ أي لا يطلب المدح ولا يمدح نفسه بسب قوله بامامتنا علانية ، وذلك أيضا لترك التقية ، وفيه إشعار بأنه ليس بشيعة لنا لتركه أمرنا بل يتكلف ذلك.

الثالث : أن تكون الباء زائدة أي لا يمدحنا معلنا وهو بعيد.

« لنا عائبا » الظرف متعلق بقوله عائبا « ولا يخاصم لنا قاليا » أي مبغضا لنا « وإن لقي جاهلا » كأن المراد به غير المؤمن الكامل أي العالم العامل بقرينة المقابلة فيشمل الجاهل والعالم غيرالعامل بعلمه ، بل الهجران عنه أهم ، وضرر مجالسته أتم « فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة » أي الذين يدعون التشيع ، وليس لهم صفاته وعلاماته والكلام يحتمل وجهين :

أحدهما : أن المعنى كيف أصنع بهم حتى يكونوا هكذا؟ فأجاب عليه‌السلام بأن هذا ليس من شأنك بل الله يمحصهم ويبدلهم.

والثاني : أن المعنى ما أعتقد فيهم؟ فالجواب أنهم ليسوا بشيعة لنا ، والله تعالى يصلحهم ويذهب بمن لا يقبل الصلاح منهم.

وفيهم التمييز ، قيل كلمة « في » في المواضع للتعليل والظرف خبر للمبتدأ والتقديم للحصر واللام في الثلاثة للعهد إشارة إلى ماروي عن أمير المؤمنين حيث قال : لتبلبلن بلبلة ولتغر بلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم إلى آخر الخبر (١) وأقول : قد روي أيضا عن أبي عبدالله عليه‌السلام ويل لطغاة العرب من أمر اقترب ، قلت : جعلت فداك كم مع القائم من العرب ، قال : نفر يسير ، قلت : والله إن من يصف هذا الامر منهم لكثير! قال : لابد للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا

__________________

(١) النهج تحت الرقم ١٦ من الخطب.

١٨٢

ويستخرج في الغربالي خلق كثير (١).

وذكر عليه‌السلام امورا توجب خروجهم من الفرقة الناجية أوهلاكهم بالاعمال والاخلاق الشيعة في الدنيا والاخرة :

احدها : التمييز بين الثابت الراسخ وغيره ، في المصباح يقال : مزته ميزا من باب باع بمعنى عزلته وفصلته من غيره ، والتثقيل مبالغة وذلك يكون في المشتبهات نحو « ليميز الله الخبيث من الطيب » (٢) وفي المختلطات نحو « وامتازوا اليوم أيها المجرمون » (٣) وتمييز الشئ انفصاله من غيره.

وثانيها : التبديل أي تبديل حالهم بحال أخس أو تبديلهم بقوم آخرين لا يكونون أمثالهم كما قال تعالى : « وإن تتولوا يستبدل قوما غير كم ثم لا يكونوا أمثالكم » (٤).

وثالثها : التمحيص وهو الابتلاء والاختبار والتخليص يقال : محصت الذهب بالنار إذا خلصته مما يشوبه.

ورابعها : السنون وهي الجدب والقحط قال الله تعالى : « ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين » (٥) والواحد السنة ، وهي محذوفة اللام وفيها لغتان إحداهما جعل اللام هاء والاصل سنهة ، وتجمع على سنهات ، مثل سجدة وسجدات وتصغر على سنيهة وأرض سنهاء أصابتها السنة وهي الجدب ، والثانية جعلها واوا و الاصل سنوة وتجمع على سنوات مثل شهوة وشهوات وتصغر على سنية وأرض سنواء أصابتها لسنوة ، وتجمع في اللغتين كجمع المذكر السالم أيضا فيقال : سنون وسنين ، وتحذف النون للاضافة وفي لغة تثبت الياء في الاحوال كلها.

__________________

(١) غيبة النعمانى باب التمحيص ص ١١١.

(٢) الانفال : ٣٧.

(٣) يس : ٥٩.

(٤) القتال : ٣٨.

(٥) الاعراف : ١٣٠.

١٨٣

تجعل النون حرف إعراب تنون في التنكير ولا تحذف مع الاضافة كأنها من اصول الكلمة ، وعلى هذه اللغة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف » (١) كل ذلك ذكرها في المصباح.

وخامسها : الطاعون وهو الموت من الوباء.

وسادسها : اختلاف يبددهم : أي اختلاف بالتدابر والتقاطع والتنازع يبددهم ويفرقهم تفريقا شديدا تقول : بددت الشئ من باب قتل إذا فرقته و التثقيل مبالغة وتكثير ، وقيل يأتي عليهم سنون إلى هنا دعاء عليهم ولا يخفى بعده.

« لا يهر هرير الكلب » أي لا يجزع عند المصائب ، أو لا يصول على الناس بغير سبب كالكلب ، قال في القاموس : هر الكلب إليه يهر أي بكسر الهاء هريرا وهو صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد ، وقد هره البرد صوته كأهره ، وهر يهر بالفتح ساء خلقه « ولا يطمع طمع الغراب » طمعه معروف يضرب به المثل ، فانه يذهب إلى فراسخ كثيرة لطلب طعمته « وإن مات جوعا » كأنه على المبالغة أو محمول على إمكان سؤال غير العدو ، وإلا فالظاهر أن السؤال مطلقا عند ظن الموت من الجوع واجب وقيل : المراد به السؤال من غير عوض ، وأما معه كالاقتراض فالظاهر أنه جائز « فأين أطلب هؤلاء » أي لا أجد بين الناس من اتصف بتلك الصفات ، قال : في أطراف الارض لانهم يهربون من المخالفين تقية أو يستوحشون من الناس لاستيلاء حب الدنيا والجهل عليهم حذرا من أن يصيروا مثلهم ، وما قيل إن « في » معنى عند كما قيل في قوله تعالى « فما متاع الحيوة الدنيا في الاخرة إلا قليل » (٢) والاطراف جمع طريف بمعنى النفيس والمراد بهم العلماء فلا يخفى بعده « اولئك الخفيض عيشهم » أي هم خفيفوا المؤنة يكتفون من الدنيا بأقلها فلا يتعبون في تحصيلها وترك الملاذ أسهل من ارتكاب المشاق في القاموس الخفض الدعة ، وعيش خافض ، والسير اللين وغض الصوت ، وأرض خافضة السقيا سهلة السقي وخفض القول يا فلان لينه و الامر هونه « المنتقلة ديارهم » لفرارهم من شرار الناس من أرض إلى أرض ، أو

__________________

(١) راجع مجمع البيان وغيره في تفسير سورة الدخان.

(٢) براءة : ٣٨.

١٨٤

يختارون الغربة لطلب العلم « إن شهدوا لم يعرفو » لعدم شهرتهم ، وخمول ذكرهم بين الناس ، وقيل لاختيارهم الغربة لطلب العلم « وإن غابوا لم يفتقدوا » أي لم يطلبوا لاستنكاف الناس عن صحبتهم ، وعدم اعتنائهم بشأنهم ، وقيل لغربتهم بينهم كمامر وفي القاموس افتقده وتفقده طلبه عند غيبته ، ومات غير فقيد ولا حميد وغير مفقود غير مكترث لفقدانه.

« ومن الموت لا يجزعون » لان أولياء الله يحبون الموت ويتمنونه ، وقيل : « من » للتعليل والظرف متعلق بالنفي لا بالمنفي والتقديم للحصر أي عدم جزعهم من أحوال الدنيا وأهلها ومايصيبه منهم من المكاره إنما هو لعلمهم بالموت والانتقام منهم بعده ، ولا يخفى بعده.

« وفي القبور يتزاورون » أي أنهم لشدة التقية وتفرقهم قلما يمكنهم زيارة بعضهم لبعض ، وإنما يتزاورون في عالم البرزخ لحسن حالهم ورفاهيتهم ، أو أنهم مختفون من الناس لا يزارون إلا بعد الموت ، أو مساكنهم المقابر والمواضع الخربة في تلك المواطن يلقي بعضهم بعضا وقيل : أي يزور أحياؤهم أمواتهم في المقابر وقيل القبور : عبارة عن مواضع قوم ماتت قلوبهم لترك ذكر الله كما قال تعالى : « وما أنت بمسمع من في القبور » (١) أي لا تمكنهم الزيارة في موضع تكون فيه جماعة من الضلال والجهال الذينهم بمنزلة الاموات والاول أظهر.

« لن تختلف قلوبهم وإن اختلفت بهبم الدار » أي هم على مذهب واحد و طريقة واحدة ، وإن تباعد بعضهم بعضها في الديار ، فانهم تابعون لائمة الحق ولا اختلاف عندهم ، وقيل : أي قلب كل واحد منهم غير مختلف ولا متغير من حال إلى حال ، وإن اختلفت دياره ومنازله ، لانسه بالله ، وعدم تعلقه بغيره ، فلا يستوحش بالوحدة والغربة ، واختلاف الديار ، لان مقصوده وأنيسه واحد حاضر معه في الديار كلها ، بخلاف غيره لان قلبه لما كان متعلقا بغيره تعالى يأنس به إذا وجده ، و يستوحش إذا فقده. انتهى ولا يخفى بعده.

__________________

(١) فاطر : ٢٢.

١٨٥

« أنا المدينة » كأن ذكر هذا الخبر لبيان علة اتفاق قلوبهم ، فانهم عاملون بهذا الخبر أولبيان أن تلك الصفات إنما تنفع إذا كانت مع الولاية ، أو لبيان لزوم اختيار تلك الصفات ، فانها من أخلاق مولى المؤمنين ، وهو باب مدينة الدين والعلم والحكمة ، فلا بد لمن ادعى الدخول في الدين أن يتصف بها.

٤٠ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن الحسن زعلان ، عن أبي إسحاق الخراساني ، عن عمرو بن جميع العبدي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون ، الذين إذا جهنم الليل استقبلوه بحزن (١).

بيان : « شيعتنا الشاحبون » وفي نادر من النسخ « السايحون » بالمهملتين بينهما مثناة تحتانية قيل : أي الملازمون للمساجد والسيح أيضا الذهاب في الارض للعبادة وقال في النهاية : الشاحب المتغير اللون والجسم لعارض من مرض أو سفر ونحوهما ، و قال : ذبلت بشرته أي قل ماء جلده وذهبت نضارته ، وفي الصحاح ذبل الفرس ضمر وقال : النحول الهزال ، وجمل ناحل مهزول ، وقال : جن عليه الليل يجن جنونا ويقال : أيضا جنه الليل وأجنه الليل بمعنى.

وأقول : تعريف الخبر باللام للحصر ، والحاصل أنه ليس شيعتنا إلا الذين تغيرت ألوانهم من كثرة العبادة والسهر ، وذبلت أجسادهم من كثرة الرياضة ، أو شفاههم من الصوم ، وهزلت أبدانهم مما ذكر : الذين إذا سترهم الليل استقبلوه بحزن أي اشتغلوا بالعبادة فيه مع الحزن للتفكر في أمر الاخرة وأهوالها.

٤١ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : شيعتنا أهل الهدى ، وأهل التقى وأهل الخير ، وأهل الايمان ، وأهل الفتح والظفر (٢).

بيان : « أهل الهدى » أي الهداية إلى الدين المبين وهو مقدم على كل شئ ثم أردفه بالتقوى وهو ترك المنهيات ثم بالخير وهو فعل الطاعات ثم بالايمان

__________________

(١ و ٢) الكافى ج ٢ ص ٢٣٣.

١٨٦

أي الكامل فانه متوقف عليها وأما الفتح والظفر فالمراد به إما الفتح والظفر على المخالفين بالحجج والبراهين أو على الاعادي الظاهرة إن أمروا بالجهاد فانهم أهل اليقين والشجاعة أو على الاعادي الباطنة بغلبة جنود العقل على عساكر الجهل والجنود الشيطانية بالمجاهدات النفسانية كما مر في كتاب العقل ، أو المراد أنهم أهل لفتح أبواب العنايات الربانية والافاضات الرحمانية ، وأهل الظفر بالمقصود كما قيل إن الاول إشارة إلى كمالهم في القوة النظرية ، والثاني إلى كمالهم في القوة العملية ، حتى بلغوا إلى غايتهما ، وهو فتح أبواب الاسرار ، والفوز بقرب الحق.

٤٢ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بزرج ، عن المفضل قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إياك والسفلة ، فانما شيعة علي عليه‌السلام من عف ببطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، و خاف عقابه ، فإذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر (١).

ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إنما شيعة جعفر إلى آخر الخبر (٢).

مشكوة الانوار : مرسلا مثله (٣).

كش : عن إبراهيم بن علي الكوفي ، عن إبراهيم بن إسحاق الموصلي عن يونس ، عن العلاء ، عن المفضل ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إياك والسفلة إلى قوله : وخاف عقابه (٤).

بيان : في القاموس : السفل والسفلة بكسرهما نقيض العلو ، وسفل في خلقه وعلمه ككرم سفلا ويضم وسفالا ككتاب وفي الشئ سفولا بالضم نزل من أعلاه إلى أسفله ، وسفلة الناس الكسر وكفرحة أسافلهم وغوغاؤهم ، وفي النهاية :

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٣٣.

(٢) الخصال ج ١ ص ١٤٢.

(٣) مشكوة الانوار ص ٥٨.

(٤) رجال الكشى ص ٢٥٩

١٨٧

فقالت امرأة من سفلة الناس : السفلة بفتح السين وكسر الفاء : السقاط من الناس والسفالة النذالة ، يقال هو من السفلة ، ولا يقال هو سفلة والعامة تقول رجل سفلة من قوم سفل ، وليس بعربي وبعض العرب يخفف فيقول فلان من سفلة الناس فينقل كسرة الفاء إلى السين انتهى.

وأقول : ربما يقرأ سفلة بالتحريك ، جمع سافل ، والحاصل أن السفلة أراذل الناس وأدانيهم ، وقد ورد النهي عن مخالطتهم ومعاملتهم وفسر في الحديث بمن لايبالي ماقال ولا ماقيل له ، وههنا قوبل بالشيعة الموصوفين بالصفات المذكورة ، و حذر عن مخالطتهم ورغب في مصاحبة هؤلاء.

والجهاد هنا الاجتهاد والسعي في العبادة أو مجاهدة النفس الامارة « وعمل لخالقه » أي خالصا له ، والتبعير بالخالق تعليل للحكم ، وتأكيد له ، فان من كان خالقا ومعطيا للوجود ، والقوى والجوارح ولجميع ما يحتاج إليه ، فهو المستحق للعبادة ولا يجوزعقلا تشريك غيره معه فيها.

٤٣ ـ كا : عن العدة ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن شيعة علي عليه‌السلام كانوا خمص البطون ، ذبل الشفاه ، أهل رأفة وعلم وحلم ، يعرفون بالرهبانية فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد (١).

صفات الشيعة : عن أبيه ، عن سعد والحميري ، عن أحمد بن محمد رفعه عنه عليه‌السلام مثله (٢).

محص : عن ابن أبى يعفور عنه عليه‌السلام مثله وزاد في آخره : والصبر.

بيان : خماص البطن كناية ، عن قلة الاكل أو كثرة الصوم ، أو العفة ، عن أكل أموال الناس ، وذبل الشفاه ، إما كناية عن الصوم ، أو كثرة التلاوة والدعاء والذكر والخمص بالضم جمع أخمص أو بالفتح مصدر والحمل للمبالغة ، وربما يقرأ

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٣٣.

(٢) صفات الشيعة ص ١٦٧.

١٨٨

خمصا بضمتين جمع خميص كرغف ورغيف والذبل قد يقرأ بالفتح مصدرا والحمل كمامر ، أو بالضم أو بضمتين أو كركع والجميع جمع ذابل وقال في القاموس : الخمصة الجوعة ، والمخمصة المجاعة ، وقد خمصه الجوع خمصا ومخمصة وخمص البطن مثلثة الميم خلا ، وقال : ذبل النبات كنصر وكرم ذبلا وذبولا ذوي ، وذبل الفرس ضمر ، وقنى ذابل رقيق لاصق بالليط والجمع ككتب وركع ، وفي النهاية رجل خمصان وخميص إذا كان ضامر البطن ، وجمع الخميص الخماص ، ومنه الحديث « خماص البطون خفاف الظهور » أي أنهم أعفة عن أموال الناس ، فهم ضامروا البطون من أكلها ، خفاف الظهور من ثقل وزرها انتهى.

والرهبانية هنا ترك زوائد الدنيا وعدم الانهماك في لذاتها أو صلاة الليل كما ورد في الخبر « فأعينوا على ما أنتم عليه » أي أعينونا في شفاعتكم زائدا على ما أنتم عليه من الولاية أو كائنين على ما أنتم عليه وقد ورد « أعينونا بالورع » ويحتمل أن يكون المراد بما أنتم عليه من المعاصي أي أعينوا أنفسكم أو أعينونا لدفع ما أنتم عليه من المعاصي وذمائم الاخلاق أو العذاب المرتب عليها بالورع وهذا أنسب لفظا فانه يقال أعنه على عدوه.

٤٤ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان عن مفصل بن عمر ، عن أبي أيوب العطار ، عن جابر قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام : إنما شيعة علي عليه‌السلام الحلماء العلماء ، الذبل الشفاه ، تعرف الرهبانية على وجوههم (١).

بيان : « تعرف الرهبانية » أي آثار الخوف والخشوع وترك الدنيا أو أثر صلاة الليل كما مر.

٤٥ ـ كا : عن علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير عن المفضل بن عمر قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إذا أردت أن تعرف أصحابي فانظر إلى من اشتد ورعه ، وخاف خالقه ، ورجا ثوابه ، فاذا رأيت هؤلاء

__________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٣٥.

١٨٩

فهؤلاء أصحابي (١).

توضيح : « أن تعرف أصحابي » أي خلص أصحابي ، والذين ارتضيتهم لذلك « من اشتد ورعه » أي اجتنابه عن المحرمات والشبهات « وخاف خالقه » إشارة إلى أن من عرف الله بالخالقية ينبغي أن يخاف عذابه ويرجو ثوابه لكمال قدرته عليهما.

٤٦ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله ابن عمرو بن الاشعث ، عن عبدالله بن حماد الانصاري ، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : شيعتنا المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون في مودتنا ، المتزاورون في إحياء أمرنا الذين إن غضبوا لم يظلموا وإن رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلم لمن خالطوا (٢)

ل : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن الحسن بن فضال ، عن ظريف بن ناصح ، عن عمرو بن أبي المقدام عنه عليه‌السلام مثله (٣)

المشكوة : مرسلا مثله (٤).

تبيين : « المتباذلون في ولايتنا » الظاهر أن « في » للسببية ، والتباذل بذل بعضهم بعضا فضل ماله ، والولاية إما بالفتح بمعنى النصرة ، أو بالكسر بمعنى الامامة والامارة ، والاول أظهر ، والاضافة إلى المفعول ، والتحابب حب بعضهم بعضا « في مودتنا » أي لان المحبون يحبنا ، أو لان المحب يودنا ، أو الاعم ، أو لنشر مودتنا وإبقائها بينهم ، والتزاور زيارة بعضهم بعضا « في إحياء أمرنا » أي لا حياء ديننا ، وذكر فضائلنا وعلومنا ، وإبقائها ، لئلا تندرس بغلبة المخالفين وشبهاتهم وفي الخصال « لاحياء ».

« وإن رضوا » عن أحد وأحبوه « لم يسرفوا » أي لم يجاوزوا الحد في المحبة

__________________

(١ و ٢) الكافى ج ٢ ص ٢٣٦.

(٣) الخصال ج ٢ ص ٣٣.

(٤) مشكوة الانوار ص ٦١.

١٩٠

والمعاونة ، والاسراف في المال بعيد هنا « بركة » أي يصل نفعهم إلى من جاوروه في البيت ، أو في المجلس أعم من المنافع الدنيوية والاخروية ، وفي الخصال « لمن جاوروا » « سلم » بالكسر أو الفتح أي مسالم ، وعلى الاول مصدر ، والحمل للمبالغة في القاموس السلم بالكسر المسالم والصلح ويفتح.

٤٧ ـ كنز الكراجكى : عن محمد بن طالب ، عن أبي المضل الشيباني ، عن عبدالله ابن جعفر الازدي ، عن خالد بن يزيد الثقفي ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام قال : قال علي لمولاه نوف الشامي وهو معه في السطح : يا نوف أرامق أم نبهان؟ قال : نبهان أرمقك يا أميرالمؤمنين قال : هل تدري من شيعتي؟ قال : لا والله ، قال : شيعتى الذبل الشفاه ، الخمص البطون ، اذين تعرف الرهبانية ، والربانية في وجوههم ، رهبان بالليل ، اسد بالنهار ، الذين إذا جهنم الليل اتزروا على أوساطهم ، وارتدوا على أطرافهم ، و صفوا أقدامهم ، وافترشوا جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم ، وأما النهار فحلماء علماء كرام نجباء أبرار أتقياء.

يا نوف شيعتي الذين اتخذوا الارض بساطا ، والماء طيبا ، والقرآن شعارا إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، شيعتي الذين في قبورهم يتزاورون وفي أموالهم يتواسون ، وفي الله يتباذلون ، يا نوف درهم ودرهم ، وثوب وثوب ، وإلا فلا شيعتي من لا يهر هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولم يسأل الناس وإن مات جوعا ، إن رأى مؤمنا أكرمه ، وإن رأى فاسقا هجره ، هؤلاء والله يانوف شيعتي شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، اختلف بهم الابدان ، ولم تختلف قلوبهم.

قال : قلت : يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك ، أين أطلب هؤلاء؟ قال : فقال لي : في أطراف الارض ، يا نوف يجيئ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذا بحجزة بربه جلت أسماؤه ، يعني بحبل الدين وحجزة الدين ، وأنا آخذ بحجزته ، وأهل بيتى آخذون بحجزتي ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ، فالى أين؟ إلى الجنة ورب الكعبة

١٩١

قالها ثلاثا.

بيان : في المصباح رمقه بعينه رمقا من باب قتل أطال النظر ، والنبهان المنتبه من النوم. والمعنى أتنظر إلي أم أنت منتبه من النوم من غير نظر ; قوله عليه‌السلام درهم ودرهم أي يواسي إخوانه بأن يأخذ درهما ويعطي درهما ، ويأخذ ثوبا ويعطي ثوبا « وإلا فلا » أي وإن لم يفعل فليس من شيعتي.

٤٨ ـ وبالاسناد : عن أبي المفضل ، عن جعفر بن محمد العلوي ، عن أحمد ابن محمد الوابشي ، عن عاصم بن حميد ، وعن أبي المفضل ، عن محمد بن علي البندار عن الحسن بن علي بن بزيع ، عن مالك بن إبراهيم ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن رجل من قومه يعني يحيى بن ام الطويل أنه أخبره ، عن نوف البكالي قال : عرضت لي إلى أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه‌السلام حاجة فاستتبعت إليه جندب بن زهير والربيع بن خثيم وابن اخته همام بن عبادة بن خثيم وكان من أصحاب البرانس ، فأقبلنا معتمدين لقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فألفيناه حين خرج يؤم المسجد فأفضى ونحن معه إلى نفر مبدنين قد أفاضوا في الاحدوثات تفكها ، وبعضهم يلهي بعضا فلما أشرف لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام أسرعوا إليه قياما فسلموا فرد التحية ثم قال : من القوم؟ قالوا : اناس من شيعتك يا أمير المؤمنين فقال لهم خيرا ثم قال : يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا ، وحلية أحبتنا أهل البيت؟ فأمسك القوم حياء.

قال نوف : فأقبل عليه جندب والربيع فقالا : ماسمة شيعتكم وصفتهم يا أمير المؤمنين؟ فتثاقل عن جوابهما ، وقال : اتقيا الله أيها الرجلان وأحسنا فان الله مع الذين اتقوا والذينهم محسنون.

فقال همام بن عبادة وكان عابدا مجتهدا : أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم ، وفضلكم تفضيلا إلا أنبأتنا بصفة شيعتكم ، فقال : لا تقسم فسانبئكم جميعا وأخذ بيد همام فدخل المسجد فسبح ركعتين أو جزهما وأكملهما وجلس وأقبل علينا ، وحف القوم به ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٩٢

ثم قال :

أما بعد فان الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، خلق خلقه فألزمهم عبادته وكلفهم طاعته ، وقسم بينهم معايشهم ، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم ، وهو في ذلك غني عنهم ، لاتنفعه طاعة من أطاعه ، ولا تضره معصية من عصاه منهم ، لكنه علم تعالى قصورهم عما تصلح عليه شؤونهم ، وتستقيم به دهماؤهم في عاجلهم و آجلهم ، فارتبطهم باذنه في أمره ونهيه ، فأمرهم تخييرا ، وكلفهم يسيرا ، وأثابهم كثيرا وأماز سبحانه بعدل حكمه وحكمته ، بين الموجف من أنامه إلى مرضاته و محبته ، وبين المبطئ عنها والمستظهر على نعمته منهم بمعصيته. فذلك قول الله عزوجل أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (١).

ثم وضع أميرالمؤمنين صلوات الله عليه يده على منكب همام بن عبادة فقال : ألا من سأل عن شيعة أهل البيت ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا ، فهم العارفون بالله ، العاملون بأمر الله ، أهل الفضائل والفواضل منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع ، بخعوا لله تعالى بطاعته ، و خضعوا له بعبادته ، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم ، واقفين أسماعهم على العلم بدينهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء رضى عن الله بالقضاء ، فلولا الاجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين ، شوقا إلى لقاء الله والثواب ، وخوفا من العقاب.

عظم الخالق في أنفسهم ، وصغر مادونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون ، وهم والنار كمن ادخلها فهم فيها يعذبون ، قلوبهم محزونة ; وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ومعونتهم في الاسلام عظيمة. صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة ، وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم ، اناس أكياس ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ، وطلبتهم

__________________

(١) الجاثية : ٢١.

١٩٣

فأعجزوها.

أما الليل فصافون أقدامهم ، تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا ، يعظون أنفسهم بأمثاله ، ويستشفون لدائهم بدوائه ، تارة ، وتارة مفترشون جباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه جل جلاله في فكاك رقابهم ، هذا ليلهم ; فأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء ، براهم خوف باريهم فهم أمثال القداح ، يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض ، أوقد خولطوا ، وقد خالط القوم من عظمة ربهم ، وشده سلطانه أمر عظيم. طاشت له قلوبهم ، وذهلت منه عقولهم ، فاذا استقاموا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالاعمال الزاكية ، لا يرضون له بالقليل ، ولا يستكثرون له الجزيل ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إن زكي أحدهم خاف مما يقولون ، وقال : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم بي ، اللهم لا تؤا خذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون ، واغفر لي مالا يعلمون ، فانك علام الغيوب ، وساتر العيوب.

هذا ومن علامة أحدهم أن ترى له قوة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصا على علم ، وفهما في فقه ، وعلما في حلم ، وكيسا في رفق ، وقصدا في غنى ، وتجملا في فاقة ، وصبرا في شدة ، وخشوعا في عبادة ، ورحمة للمجهود ، و إعطاء في حق ، ورفقا في كسب ، وطلبا في حلال ، وتعففا في طمع ، وطمعا في غير طبع أي دنس ـ ونشاطا في هدى ، واعتصاما في شهوة ، وبرا في استقامة ، لا يغره ماجهله ولا يدع إحصاء ما عمله ، يستبطئ نفسه في العمل ، وهو من صالح عمله على وجل يصبح وشغله الذكر ، ويمسي وهمه الشكر ، يبيت حذرا من سنة الغفلة ، ويصبح فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة ، إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره ، لم يعطها سؤلها فيما إليه تشره ، رغبته فيما يبقى ، وزهادته فيما يفنى ، قد قرن العمل بالعلم والعلم بالحلم ، يظل دائما نشاطه ، بعيدا كسله ، قريبا أمله ، قليلا زلله ، متوقعا أجله ، خاشعا قلبه ، ذاكرا ربه ، قانعة نفسه ، عازبا جهله ، محرزا دينه ، ميتا

١٩٤

داؤه ، كاظما غيظه ، صافيا خلقه ، آمنا منه جاره ، سهلا أمره ، معدوما كبره بينا صبره ، كثيرا ذكره ، لا يعمل شيئا من الخير رئاء ، ولا يتر كه حياء.

الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، إن كان بين الغافلين كتب في الذاكرين ، وإن كان مع الذاكرين لم يكتب من الغافلين ، يعفو عمن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، قريب معروفه ، صادق قوله ، حسن فعله ، مقبل خيره مدبر شره ، غايب مكره ، في الزلا زل وقور ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، ولا يدعي ما ليس له ، ولا يجحد ما عليه ، يعترف بالحق قبل أن يشهد به عليه ، لا يضيع ما استحفظه ، ولا ينابز بالالقاب ، لا يببغي على أحد ، ولا يغلبه الحسد ، ولا يضار بالجار ، ولا يشمت بالمصاب مؤد للامانات ، عامل بالطاعات ، سريع إلى الخيرات ، بطئ عن المنكرات ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويجتنبه ، لا يدخل في الامور بجهل ولا يخرج من الحق بعجز ، إن صمت لم يعيه الصمت ، وإن نطق لم يعيه اللفظ ، وإن ضحك لم يعل به صوته ، فانع بالذي قدر له ، لا يجمح به الغيظ ، ولا يغلبه الهوى ، ولا يقهره الشح يخالط الناس بعلم ، ويفارقهم بسلم ، يتكلم ليغنم ، ويسأل ليفهم ، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة ، أراح الناس من نفسه ، وأتعبها لاخرته ، إن بغي عليه صبر ليكون الله تعالى هو المنتصر له ، يقتدي بمن سلف من أهل الخير قبله ، فهو قذوة لمن خلف من طالب البر بعده اولئك عمال الله ، ومطايا أمره وطاعته ، وسرج أرضه وبريته ، اولئك شيعتنا وأحبتنا ، ومنا ومعنا ، ألا ها شوقا إليهم ، فصاح همام بن عبادة صيحة وقع مغشيا عليه فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمة الله عليه.

فاستعبر الربيع باكيا وقال : لاسرع ما أودت موعظتك يا أمير المؤمنين بابن أخي ولوددت لو أني بمكانه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها ، أما والله لقد كنت أخافها عليه ، فقال له قائل : فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال : ويحك ، إن لكل واحد أجلا لن يعدوه ، وسببا لن يجاوزه.فمهلا لا تعد لها ، فانما نفثها على لسانك الشيطان ، قال : فصلى عليه أمير المؤمنين

١٩٥

عليه‌السلام عشية ذلك اليوم ، وشهد جنازته ونحن معه.

قال الراوي عن نوف : فصرت إلى الربيع بن خثيم فذكرت له ما حدثني نوف ، فبكى الربيع حتى كادت نفسه أن تفيض ، وقال : صدق أخي ، لاجرم أن موعظة أمير المؤمنين وكلامه ذلك مني بمرءى ومسمع ، وما ذكرت ما كان من همام ابن عبادة يومئذ وأنا في بلهنية إلا كدرها ، ولا شدة إلا فرجها.

بيان : قد مر هذا الخبر بروايات عديدة في باب صفات المؤمن (١) وشرحناها هناك ، ونوضح هيهنا ما يختص بهذه الرواية « نوف » بفتح النون وسكون الواو وقال الجوهري : نوف البكالي كان حاجب علي رضوان الله عليه ، قال تغلب : هو منسوب إلى بكالة قبيلة انتهى ، وقيل : هو بالكسر منسوب إلى بكالة قرية باليمن ، و سيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى « فاستتبعت » أي جعلتهما تابعين لي في المضي إليه وفي النسخ هنا الربيع بن خثيم بتقديم المثناة على المثلثة ، وفي كتب اللغة و الرجال بالعكس مصغرا وهو أحد الزهاد الثمانية ، ورأيت بعض الطعون فيه وهو المدفون بالمشهد المقدس الرضوي صلوات الله على مشرفه ، وقال الجوهري : البرنس قلنسوة طويلة ، وكان النساك يلبسونها في صدر الاسلام ، أي كان من الزهاد والعباد المشهورين بذلك ، وفي المصباح أفضيت إلى الشئ وصلت إليه.

« مبدنين » بضم الميم وتشديد الدال المفتوحة أي سمانا ملحمين كما هو هيئة المترفين بالنعم في القاموس البادن والبدين والمبدن كمعظم الجسيم ، وفي أساس اللغة بدنت لما بدنت أي سمنت لما أسننت ، يقال : بدن الرجل وبدن بدنا وبدانة فهو بدين وبادن ، وبادنني فلان وبدنته أي كنت أبدن ، ورجل مبدان مبطان سمين ضخم وفي القاموس أفاضوا في الحديث اندفعوا ، وحديث مفاض فيه وقال : الاحدوثة ما يتحدث به ، وقال : فكههم بملح الكلام تفكيها أطرفهم بها ، و هو فكه وفاكه طيب النفس ضحوك ، أو يحدث صحبه فيضحكهم ، وفاكهه مازحه وتفكه تندم ، وبه تمتع ، وقال : لها لهوا لعب كالتهى وألهاه ذلك ولهى عنه غفل

__________________

(١) راجع ج ٦٧ ص ٣١٥ و ٣٤١ و ٣٦٥ ومثله في كتاب الروضة ج ٧٨ ص ٢٨.

١٩٦

وترك ذكره كلها كدعا لهيا ولهيانا.

فسبح أي صلى السبحة وهي النافلة ، وكأنها صلوة التحية. في النهاية قد يطلق التسبيح على صلاة التطوع والنافلة ، ويقال أيضا للذكر ولصلاة النافلة سبحة ، يقال : قضيت سبحتي ، وإنما خصت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح لان التسبيحات في الفرائض نوافل ، فقيل لصلاة النافلة لانها نافلة كالتسبيحات والاذكار في أنها غير واجبة « أو جزهما » أي كما و « أكملهما » أي كيفية من رعاية حضور القلب والخشوع وغير ذلك « جل ثناؤه » عن أن يأتي به كما هو أهله أحد « وتقدست أسماؤه » عن أن تدل على نقص أو عن أن يبلغ إلى كنهها أحد « دهماؤهم » أي أكثرهم أو جماعتهم مع كثرتهم ، في القاموس الدهماء العدد الكثير « فأماز » على بناء الافعال أي ميز وفرق ، في القاموس مازه يميزه ميزا عزله وفرزه كأمازه وميزه ، فامتاز وانماز وتميز ، والشئ فضل بعضه على بعض ، والايجاف الاسراع وإيجاف الخيل والبعير ركضهما ، والوجيف نوع من عدو الابل ، واستعير هنا للاسراع في الطاعات ، والاستظهار الاستعانة وكأن المراد هنا من يستعين على تحصيل نعمة الله ورزقه المقدر له بمعصية الله كالخيانة ، ويحتمل أن يكون على القلب أي يستعين بنعمة الله على معصيته « أم حسب الذين اجترحوا السيئات » قال البيضاوي : أم منقطعة ، ومعنى الهمزة إنكار الحسبان والاجتراح الاكتساب « أن نجعلهم » أن نصيرهم « كالذين آمنوا وعملوا الصالحات » مثلهم وهو ثاني مفعول يجعل ، وقوله « سواء محياهم ومماتهم » بدل منه ، إن كان الضمير لموصول الاول لان المماثلة فيه إذ المعنى إنكار أن يكون حياتهم ومماتهم سيان في البهجة والكرامة ، كماهو للمؤمنين ، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص « سواء » بالنصب على البدل أو الحال من الضمير في الكاف ، أو المفعولية ، والكاف حال ، وإن كان للثاني فحال منه أو استيناف يبين المقتضي للانكار وإن كان لهما فبدل أو حال من الثاني ، وضمير الاول ، والمعنى إنكار أن يستووا بعد الممات في الكرامة أو ترك المؤاخذة كما استووا في الرزق والصحة في الحياة أو استيناف مقرر لتساوي محيا كل صنف ومماته في

١٩٧

الهدى والضلال ، وقرئ مماتهم بالنصب على أن محياهم ومماتهم ظرفان كمقدم الحاج « ساء ما يحكمون » ساء حكمهم هذا ، وبئس شيئا حكموا به.

وفي القاموس الفضيلة الدرجة الرفيعة في الفضل ، والاسم الفاضلة ، والفواضل الايادي الجسيمة أو الجميلة ، وقال : بخع نفسه كمنع قتلها غما وبالحق بخوعا أقر به وخضع له ، كبخع بالكسر بخاعة وبخوعا « فمضوا » أي في الطاعة أو إلى الاخرة « خوف باريهم » أي خالقهم ، وكونه من البري بعيد « هذا » أي خذ هذا ، و هو فصل في الكلام شايع « في طمع » كأن في بمعنى « عن » وإن لم يكن مذكورا في الكتب المشهورة أو بمعنى « مع » فالمراد الطمع من الله « أي دنس » كأنه كلام الكراجكي ويحتمل غيره من الرواة وفي النهاية الطبع بالتحريك الدنس وأصله من الدنس والوسخ يغشيان السيف ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الاوزار والاثام وغيرهما من المقابح ومنه الحديث أعوذ بالله من طمع يهدي إلى طبع أي يؤدي إلي شين وعيب ، ومنه حديث ابن عبدالعزيز لا يتزوج من العرب في الموالي إلا الطمع الطبع « لا يغره ما جهله » أي من عيوبه والاظهر « ثناء من جهله » كما مر والاعتصام الامتناع ، وفي القاموس شره كفرح غلب حرصه فهو شره « عازبا » أي غائبا « محرزا » بكسر الراء أو بفتحها « دينه » بالنصب أو الرفع « لم يعيه الصمت » أي لا يصير صمته سببا لقلة علمه و إعيائه عن بيان الحق بل صمته تدبر وتفكر أو ليس صمته بسبب الاعياء والعجز عن الكلام بل لمفاسد الكلام ، وهو بعيد لفظا ، « به » أي بالضحك أو الباء للتعدية « بعلم » أي مع علمه بمن صاحبه ، وأنه أهل لذلك ، أو لتحصيل العلم ليوافق ما مر وإن كان بعيدا. « بسلم » أي مع مسالمة ومصالحة لا لعداوة ومنازعة و « المطايا » جمع المطية وهي الدابة تمطو أي تسرع في مسيرها أي يحملون أوامر الله وطاعاته إلى الخلق ويعلمونهم ويروون لهم أو يتحملونها ويعملون بها مسرعين في ذلك « ألاها » ألا حرف تنبيه ، وها إما اسم فعل بمعنى خذ ، أو حكاية عن تنفس طويل تحسرا على عدم لقائهم و « شوقا » على الاول مصدر فعل محذوف أي أشتاق شوقا وعلى الثاني يحتمل ذلك ، وأن يكون علة لما يدل عليه « ها » من التحسر والتحزن ، وفي كلامه عليه‌السلام

١٩٨

في مواضع اخرى « آه آه شوقا إلى رؤيتهم » وفي القاموس أودى : هلك ، وبه الموت ذهب ، وقال البلهنية بضم الباء الرخاء وسعة العيش.

٢٠

* ( باب ) *

* « ( النهى عن التعجيل على الشيعة وتمحيص ذنوبهم ) » *

١ ـ ب : عن ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : كان أبوجعفر عليه‌السلام يقول : لا تعجلوا على شيعتنا ، إن تزل لهم قدم تثبت لهم اخرى (١).

٢ ـ ن : عن محمد بن علي بن عمرو البصري ، عن صالح بن شعيب ، عن زيد ابن محمد البغدادي ، عن علي بن أحمد العسكري ، عن عبدالله بن داود بن قبيصة ، عن علي بن موسى القرشي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : رفع القلم عن شيعتنا فقلت : ياسيدي كيف ذاك؟ قال : لانهم اخذ عليهم العهد بالتقية في دولة الباطل يأمن الناس ويخافون ، ويكفرون فينا ولا نكفر فيهم ، ويقتلون بنا ولا نقتل بهم مامن أحد من شيعتنا ارتكب ذنبا أو خطبا إلا ناله في ذلك غم محص عنه ذنوبه ولو أنه أتى بذنوب بعدد القطر والمطر ، وبعدد الحصى والرمل ، وبعدد الشوك والشجر ، فان لم ينله في نفسه ففي أهله وماله ، فان لم ينله في أمر دنياه ما يغتم به تخايل له في منامه ما يغتم به فيكون ذلك تمحيصا لذنوبه (٢).

٣ ـ ما : عن المفيد ، عن الجعابي ، عن ابن عقدة ، عن أبي حاتم ، عن محمد ابن الفرات ، عن حنان بن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ماثبت الله حب علي عليه‌السلام في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبتت له قدم اخرى (٣).

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١٧١.

(٢) عيون أخبار الرضا » ع ج ٢ ص ٢٣٧.

(٣) أمالى الطوسى ج ١ ص ١٣٢.

١٩٩

٤ ـ ل : الاربعمائة قال أمير المؤمنين : عليه‌السلام : اطلب لاخيك عذرا فان لم تجد له عذرا فالتمس له عذرا (١).

٥ ـ سن : عن ابن محبوب ، عن زيد الشحام قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إن ولي علي عليه‌السلام إن تزل به قدم تثبت اخرى (٢).

٦ ـ محص : عن عمر [ صاحب ] السابري قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إني لارى من أصحابنا من يرتكب الذنوب الموبقة ، فقال : يا عمر لا تشنع على أولياء الله ، إن ولينا ليرتكب ذنوبا يستحق بها من الله العذاب ، فيبتليه الله في بدنه بالسقم حتى تمحص عنه الذنوب فان عافاه في بدنه ابتلاه في ماله فان عافاه في ماله ابتلاه في ولده ، فان عافاه من بوائق الدهر شدد عليه خروج نفسه ، حتى يلقى الله حين يلقاه وهو عنه راض ، قد أوجب له الجنة.

رياض الجنان : باسناده ، عن عمر السابري مثله إلى قوله ابتلاه في ولده فان عافاه في ولده ابتلاه الله في أهله ، فان عافاه في أهله ابتلاه بجار سوء يؤذيه ، فان عافاه من بوائق الدهر إلى آخر الخبر.

٢١

( باب )

* « ( دخول الشيعة مجالس المخالفين وبلاد الشرك ) » *

١ ـ ما : عن المفيد ، عن الحسين بن أحمد بن المغيرة ، عن حيدر بن محمد ابن نعيم ، عن محمد بن عمر ، عن محمد بن مسعود ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن معاوية بن حكيم ، عن التفليسي ، عن حماد السمندري قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إني أدخل بلاد الشرك وإن من عندنا يقولون : إن مت ثم حشرت معهم

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٦١.

(٢) المحاسن ص ١٥٨.

٢٠٠