بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٥ ـ ختص : الإختصاص روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : المؤمن هاشمي لأنه هشم الضلال والكفر والنفاق والمؤمن قرشي لأنه أقر للشيء ونحن الشيء وأنكر لا شيء الدلام وأتباعه والمؤمن نبطي لأنه استنبط الأشياء تعرف الخبيث عن الطيب والمؤمن عربي لأنه عرب عنا أهل البيت والمؤمن أعجمي لأنه أعجم عن الدلام فلم يذكره بخير.

والمؤمن فارسي لأنه تفرس في الأسماء لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس يعني به المتفرس فاختار منها أفضلها واعتصم بأشرفها وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله (١).

توضيح : كأن الغرض بيان فضل المؤمن وأنه يمكن أن يطلق عليه كل اسم حسن بوجه من الوجوه فبين عليه السلام أنه يمكن أن يعد في الهاشميين لأنه هشم الضلال وأشباهه أي كسرها وأبطلها.

في القاموس الهشم كسر الشيء اليابس أو الأجوف أو لكسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والأنف أو كل شيء هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم وهاشم أبو عبد المطلب واسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثريد وهشمه (٢).

والقرشي كأنه مبني على الاشتقاق الكبير أو كان أصله ذلك كتأبط شرا فصار بكثرة الاستعمال كذلك والمراد بالشيء الحق الثابت وباللاشيء الباطل المضمحل ويمكن أن يكون بمعنى المشيء أي ما يصلح أن تتعلق به المشيئة والحق كذلك.

والدلام بيان للا شيء ويكنى به غالبا في الأخبار عن عمر تقية وقد يطلق على سابقه أيضا إما لسواد ظاهرهما أو باطنهما بالكفر والنفاق أو لانتشار الظلم والفتن بهما في الآفاق.

__________________

(١) الاختصاص : ١٤٣.

(٢) القاموس ج ٤ ص ١٩٠.

٦١

في القاموس الدلام كسحاب السواد أو الأسود (١) وفي النهاية فيه أميركم رجل طوال أدلم الأدلم الأسود الطويل ومنه الحديث فجاء رجل أدلم فاستأذن على النبي صلى الله عليه واله قيل هو عمر بن الخطاب انتهى وهذا يدل على أن الكناية بعمر أنسب والقرش القطع والجمع وفي تسمية قريش أقوال شتى لا طائل في ذكرها.

لأنه عرب عنا كأنه على بناء المجهول من التفعيل فإن التعريب تهذيب المنطق من اللحن فعن تعليلية أو على بناء المعلوم من التعريب بمعنى التكلم عن القوم والإعراب الإبانة والإفصاح وعدم اللحن في الكلام والرد عن القبيح كل ذلك ذكره الفيروزآبادي (٢).

وفي النهاية عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم وقال الإعراب والتعريب الإبانة والإيضاح وفي القاموس من لا يفصح كالاعجمي واستعجم سكت.

قوله عليه السلام لأنه تفرس في الأسماء التفرس التثبت والنظر وإعمال الحدس الصائب في الأمور وقوله فاختار عطف على قوله تفرس والحديث معترض بينهما لبيان أن الفارس في هذا الحديث أيضا المتفرس والمعنى أن الذين مدحهم الرسول صلى الله عليه واله ليس مطلق العجم بل أهل الدين واليقين منهم كسلمان رضي‌الله‌عنه والتفرس في الأسماء كالتفكر في الإيمان والنفاق مثلا واختيار الإيمان وفي التقوى والفسق واختيار التقوى أو التفكر في أن الإيمان ما معناه وعلى أي الفرق المختلفة يصح إطلاق المؤمن فيختار من الإيمان ما هو حقه وما يصح أن يطلق عليه.

والحاصل أنه يتدبر ويتفكر في الدلائل والبراهين من الكتاب والسنة والأدلة العقلية ويختار من العقائد والأعمال ما هو أحسنها وأوفقها للأدلة.

وفي النهاية فيه اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله يقال بمعنيين أحدهما

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ١١٣.

(٢) المصدر ج ١ ص ١٠٢.

٦٢

ما دل ظاهر هذا الحديث عليه وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس والثاني نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس وللناس فيه تصانيف قديمة وحديثة ورجل فارس بالأمر أي عالم به بصير.

٦ ـ صفات الشيعة : بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن أهل السماء هل يرون أهل الأرض قال لا يرون إلا المؤمنين لأن المؤمن من نور كنور الكواكب قيل فهم يرون أهل الأرض قال لا يرون نوره حيث ما توجه ثم قال لكل مؤمن خمس ساعات يوم القيامة يشفع فيها (١).

٧ ـ قضاء الحقوق للصوري : بإسناده قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام لم سمي المؤمن مؤمنا قال لأنه اشتق للمؤمن اسما من أسمائه تعالى فسماه مؤمنا وإنما سمي المؤمن لأنه يؤمن من عذاب الله تعالى ويؤمن على الله يوم القيامة فيجيز له ذلك ولو أكل أو شرب أو قام أو قعد أو نام أو نكح أو مر بموضع قذر حوله الله من سبع أرضين طهرا لا يصل إليه من قذرها شيء وإن المؤمن ليكون يوم القيامة بالموقف مع رسول الله صلى الله عليه واله فيمر بالمسخوط عليه المغضوب غير الناصب ولا المؤمن وقد ارتكب الكبائر فيرى منزلة عظيمة له عند الله عز وجل وقد عرف المؤمن في الدنيا وقضى له الحوائج.

فيقوم المؤمن اتكالا على الله عز وجل فيعرفه بفضل الله فيقول اللهم هب لي عبدك فلان بن فلان قال فيجيبه الله تعالى إلى ذلك.

قال وقد حكى الله عز وجل عنهم يوم القيامة قولهم « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ » (٢) من النبيين « وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ » من الجيران والمعارف فإذا أيسوا من الشفاعة قالوا يعني من ليس بمؤمن « فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (٣).

بيان : بموضع قذر كأنه متعلق بجميع الأفعال المتقدمة والمراد

__________________

(١) صفات الشيعة ص ١٨١.

(٢) الشعراء : ١٠٠.

(٣) قضاء الحقوق مخطوط.

٦٣

بالقذارة والطهر المعنويان أو بالطهر فقط المعنوي والمراد بغير الناصب والمؤمن المستضعف أو المؤمن الفاسق أو الأعم منهما.

٨ ـ كتاب المؤمن : عن زرارة قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا جالس عن قول الله عز وجل : « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (١) أيجري لهؤلاء ممن لا يعرف منهم هذا الأمر قال إنما هي للمؤمنين خاصة (٢).

٩ ـ ومنه : عن يعقوب بن شعيب قال سمعته يقول ليس لأحد على الله ثواب على عمل إلا للمؤمنين.

١٠ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله لكل عمل سبعمائة ضعف وذلك قول الله عز وجل : « وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » (٣)

١١ ـ ومنه : عن أحدهما عليهما السلام قال : إن المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وقال عليه السلام إن المؤمن ولي الله يعينه ويصنع له ولا يقول على الله إلا الحق ولا يخاف غيره.

١٢ـ وقال عليه السلام : إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان فلا يزال الله عز وجل مقبلا عليهما بوجهه والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا.

بيان : ولي الله أي محبه أو محبوبه أو ناصر دينه قال في المصباح الولي فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ومنه « اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » (٤) ويكون الولي بمعنى المفعول في حق المطيع فيقال المؤمن ولي الله.

قوله يعينه : أي الله يعين المؤمن ويصنع له أي يكفي مهماته ولا يقول أي المؤمن على الله إلا الحق أي إلا ما علم أنه حق ولا يخاف غيره وفيه تفكيك بعض الضمائر والأظهر أن المعنى يعين المؤمن دين الله

__________________

(١) الأنعام : ١٦.

(٢) لم يطبع بعد.

(٣) البقرة : ٢٦١.

(٤) البقرة : ٢٥٧.

٦٤

وأولياءه ويصنع له أي أعماله خالصة لله سبحانه في القاموس صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم وما أحسن صنع الله بالضم وصنيع الله عندك.

١٣ ـ المؤمن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يقدر الخلائق على كنه صفة الله عز وجل فكما لا يقدر على كنه صفة الله عز وجل فكذلك لا يقدر على كنه صفة رسول الله صلى الله عليه واله وكما لا يقدر على كنه صفة الرسول صلى الله عليه واله فكذلك لا يقدر على كنه صفة الإمام عليه السلام وكما لا يقدر على كنه صفة الإمام عليه السلام كذلك لا يقدر على كنه صفة المؤمن.

١٤ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يقول عز وجل من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إني لأحب لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه وإنه ليسألني فأعطيه وإنه ليدعوني فأجيبه ولو لم يكن في الدنيا إلا عبد مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد.

١٥ ـ ومنه : عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو كانت ذنوب المؤمن مثل رمل عالج ومثل زبد البحر لغفرها الله له فلا تجتروا.

بيان : يدل على أنه ليس المراد بالمؤمن المؤمن الكامل لعدم اجتماع الإيمان الكامل مع هذه الذنوب الكثيرة وعدم الاجتراء إما لأنه قلما يبقى الإيمان مع الإصرار على الذنوب الكثيرة أو لأن المغفرة وعدم العقوبات لا ينافي حط الدرجات وفوت السعادات.

١٦ ـ المؤمن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يتوفى المؤمن مغفورا له ذنوبه والله جميعا.

١٧ ـ ومنه : عنه عليه السلام قال : إن المؤمن إذا دعا الله أجابه فشخص بصري نحوه إعجابا (١) بما قال فقال إن الله واسع لخلقه.

__________________

(١) وفي المطبوع « اعجابا بها قال فقال : وهو تصحيف.

٦٥

١٨ ـ ومنه : عن ابن أبي البلاد عن أبيه عن بعض أهل العلم قال : إذا مات المؤمن صعد ملكاه فقالا يا رب مات فلان فيقول انزلا فصليا عليه عند قبره وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة واكتبا ما تعملان له.

١٩ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : رأي المؤمن ورؤياه جزء من سبعين جزءا من النبوة ومنهم من يعطى على الثلث.

بيان : ومنهم من يعطى أي من المؤمنين الكاملين من يعطى ثلث أجزاء النبوة من الرأي والرؤيا أو الأعم.

٢٠ ـ المؤمن : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن عمل المؤمن يذهب فيمهد له في الجنة كما يرسل الرجل غلامه فيفرش له ثم تلا « وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ » (١)

ومنه : عنه عليه السلام قال : إن الله عز وجل يذود المؤمن عما يكره كما يذود الرجل البعير الغريب ليس من أهله.

٢٢ ـ ومنه : عنه عليه السلام أنه قال : كما لا ينفع مع الشرك شيء فلا يضر مع الإيمان شيء.

بيان : كأنه محمول على ترك الصغائر فإن ترك الكبائر من الإيمان أو على الضرر الذي يوجب دخول النار أو الخلود فيها.

٢٣ ـ المؤمن : عن أبي جعفر عليه السلام قال : يقول الله عز وجل ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي على المؤمن لأني أحب لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه ولو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي وجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج فيه إلى أحد.

٢٤ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما مؤمن يموت في غربة من الأرض فيغيب عنه بواكيه إلا بكته بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها وبكته أثوابه وبكته أبواب السماء التي كان يصعد بها عمله وبكاه الملكان الموكلان به.

__________________

(١) الروم : ٤٤.

٦٦

وأقول : ستأتي الأخبار في ذلك وشرحها في كتاب الجنائز إن شاء الله.

٢٥ـ المؤمن : عن أحدهما عليهما السلام قال : إن ذنوب المؤمن مغفورة فيعمل المؤمن لما يستأنف أما إنها ليست إلا لأهل الإيمان.

بيان : لما يستأنف أي لتحصيل الثواب لا لتكفير السيئات.

٢٦ ـ نهج : في بعض خطبه عليه السلام سبيل أبلج المنهاج أنور السراج فبالإيمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يستدل على الإيمان وبالإيمان يعمر العلم وبالعلم يرهب الموت وبالموت تختم الدنيا وبالدنيا تحرز الآخرة وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين وإن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى (١).

تبيين : بلج الصبح أي أضاء وأشرق والمنهاج الطريق والظاهر أن الكلام في وصف الدين ومناهجه قوانينه وسراجه الأنور الرسول الهادي إليه وأوصياؤه صلوات الله عليهم.

قال بعض شراح النهج يريد بالإيمان أولا مسماه اللغوي وهو التصديق قال الله تعالى « وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ » (٢) أي بمصدق وثانيا بمعناه الشرعي أي التصديق والإقرار والعمل أي من حصل عنده التصديق بالوحدانية والرسالة استدل بهما على وجوب الأعمال الصالحة عليه أو ندبه إليها وبأعماله الصالحة يعلم إيمانه وبهذا فر من الدور (٣).

__________________

(١) نهج البلاغة عبده ط مصر ص ٣٠١ الخطبة ١٥٤.

(٢) يوسف : ١٧.

(٣) بل الصحيح أن الاستدلال ليس بمعناه المصطلح عليه عند الفلاسفة والمتكلمين بل هو بمعناه اللغوى وهو الاستهداء والمراد أن الايمان يهدى الى عمل الصالحات فيمن آمن ولم يكن ليعمل الصالحات كما أن الصالحات تهدى الى الايمان بالله فيمن يعمل الصالحات ولم يكن ليؤمن بالله كما سيجيء احتماله فيما بعد.

٦٧

وقال بعضهم : الصالحات معلولات للإيمان وثمرات له فيستدل بوجوده في قلب العبد على ملازمته للصالحات استدلالا بالعلة على المعلول وبصدورها عن العبد على وجوده في القلب استدلالا بالمعلول على العلة.

وعلى هذا الوجه يكون الإيمان في الموضعين بالمعنى اللغوي وحينئذ يمكن أن يكون المعنى يستدل بالإيمان على الصالحات أو يكون الإيمان دليلا للإنسان نفسه وقائدا يؤديه إلى فعل الصالحات وبأعماله الصالحة يعلم غيره أنه من المؤمنين فالاستدلال في الموضعين ليس بمعنى واحد.

ويمكن أن يراد بالثاني أن مشاهدة الأعمال الصالحة يؤدي من يشاهدها إلى الإيمان.

ويحتمل أن يكون المراد أن الإيمان يهدي إلى صالح الأعمال والأعمال الصالحة تورث كمال الإيمان أو الإيمان يقود الإنسان إلى الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة الناشية من حسن السريرة وخلوص النية تورث توفيق الكافر للإيمان.

أو يستدل بإيمان الرجل إذا علم على حسن عمله وبقدر أعماله على قدر إيمانه وكماله أو يستدل بكل منهما إذا علم على الآخر وهذا قريب من الثاني والغرض بيان شدة الارتباط والتلازم بينهما.

وبالإيمان يعمر العلم فإن العلم الخالي من الإيمان كالخراب لا ينتفع به وقيل لأن حسن العمل من أجزاء الإيمان والعلم بلا عمل كالخراب لا فائدة فيه.

وبالعلم يرهب الموت أي يخشى عقاب الله بعد الموت كما قال الله تعالى « إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » (١) وبالموت تختم الدنيا والموت لا مهرب منه فلا بد من القطع بانقطاع الدنيا ولا ينبغي للعاقل أن تكون همته مقصورة عليها.

__________________

(١) فاطر : ٢٨.

٦٨

وبالدنيا تحرز الآخرة أي تحاز وتجمع سعاداتهما فإن الدنيا مضمار الآخرة ومحل الاستعداد واكتساب الزاد ليوم المعاد أو المراد بالدنيا الأموال ونحوها أي يمكن للإنسان أن يصرف ما أعطاه الله من المال ونحوه على وجه يكتسب به الآخرة والزلفة والزلفى بالضم فيهما القربة وأبرزه الشيء إبرازا وبرزه تبريزا أي أظهره وكشفه.

والغاوي العامل بما يوجب الخيبة أي بالقيامة أو فيها يقرب الجنة للمتقين ليدخلوها أو ليستبشروا بها ويكشف الغطاء عن الجحيم للضالين كما قال سبحانه « وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ » (١) قيل وفي اختلاف الفعلين دلالة على غلبة الوعد والقصر بالفتح الغاية كالقصارى بالضم وقصرت الشيء حبسته وقصرت فلانا على كذا رددته على شيء دون ما أراد كذا في العين أي لا محبس للخلق أو لا غاية لهم دون القيامة أو لا مرد لهم عنها.

وأرقل أي أسرع والمضمار موضع تضمير الفرس ومدته وهو أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وفسر المضمار بالميدان وهو أنسب بالمقام.

٢٧ ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله المؤمن كمثل شجرة لا يتحات ورقها شتاء ولا قيظا قيل يا رسول الله وما هي قال النخلة.

بيان : القيظ صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع سهيل.

٢٨ ـ ما : جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن محمد العلوي عن جده الحسين عن أبيه إسحاق بن جعفر عن أخيه الكاظم عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه واله قال : يعير الله عز وجل عبدا من عباده يوم القيامة فيقول عبدي ما منعك إذ مرضت أن تعودني فيقول سبحانك سبحانك أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض فيقول مرض أخوك المؤمن فلم تعده وعزتي وجلالي لو عدته لوجدتني عنده ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك وذلك من كرامة عبدي

__________________

(١) الشعراء : ٩٠ و ٩١.

٦٩

المؤمن وأنا الرحمن الرحيم (١).

أقول : وروى بإسناده عن أبي هريرة مثله مع زيادة السقي والإطعام.

بيان : لوجدتني أي وجدت رحمتي أو علمي عنده والكلام مشتمل على المجاز والاستعارة مبالغة في إكرام المؤمن.

٢٩ ـ مشكاة الأنوار : عن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل وقد أمر به إلى النار فيقول يا فلان أغثني فإني كنت أصنع إليك المعروف في دار الدنيا فيقول للملك خل سبيله فيأمر الله به فيخلي سبيله.

٣٠ ـ ومنه : عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يؤتى بعبد يوم القيامة ليست له حسنة فيقال له اذكر وتذكر هل لك حسنة فيقول ما لي حسنة غير أن فلانا عبدك المؤمن مر بي فسألني ماء ليتوضأ به فيصلي فأعطيته فيدعى بذلك العبد فيقول نعم يا رب فيقول الرب جل ثناؤه قد غفرت لك أدخلوا عبدي جنتي.

٣١ ـ ومنه : عن المفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يقال للمؤمن يوم القيامة تصفح وجوه الناس فمن كان سقاك شربة أو أطعمك أكلة أو فعل بك كذا وكذا فخذ بيده فأدخله الجنة قال فإنه ليمر على الصراط ومعه بشر كثير فيقول الملائكة يا ولي الله إلى أين يا عبد الله فيقول جل ثناؤه أجيزوا لعبدي فأجازوه وإنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يجيز على الله فيجيز أمانه.

٣٢ـ ومنه : عن جابر بن يزيد الجعفي قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام إن المؤمن ليفوض الله إليه ـ يوم القيامة فيصنع ما يشاء قلت حدثني في كتاب الله أين قال قال قوله « لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ » (٢) فمشية الله مفوضة إليه والمزيد من الله ما لا يحصى ثم قال يا جابر ولا تستعن بعدو لنا في حاجة ولا تستطعمه

__________________

(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٤٢ ط النجف.

(٢) ق : ٣٥.

٧٠

ولا تسأله شربة أما إنه ليخلد في النار فيمر به المؤمن فيقول يا مؤمن ألست فعلت كذا وكذا فيستحيي منه فيستنقذه من النار وإنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه.

٣٣ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن زعيم أهل بيته شاهد عليهم ولايتهم وقال إن المؤمن يخشع له كل شيء حتى هوام الأرض وسباعها وطير السماء.

٣٤ ـ ومنه : عن عبد المؤمن الأنصاري قال قال الباقر عليه السلام إن الله أعطى المؤمن ثلاث خصال العز في الدنيا وفي دينه والفلح في الآخرة والمهابة في صدور العالمين.

٣٥ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن أعظم حرمة من الكعبة.

٣٦ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تبارك وتعالى ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن ولو لم يكن في الأرض ما بين المشرق والمغرب إلا عبد واحد مع إمام عادل لاستغنيت بهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وسبع أرضين بهما وجعلت لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجون إلى أنس سواهما.

٣٧ ـ ومنه : قال قال النبي صلى الله عليه واله ما من شيء أحب إلى الله من الإيمان والعمل الصالح وترك ما أمر أن يترك.

٣٨ ـ ومنه : عنه صلى الله عليه واله قال : لا يعذب الله أهل قرية وفيها مائة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها عشرة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها رجل واحد من المؤمنين.

٣٩ ـ ومنه : روي أن رسول الله صلى الله عليه واله نظر إلى الكعبة فقال مرحبا بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله والله للمؤمن أعظم حرمة منك لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة ماله ودمه وأن يظن به ظن السوء.

٧١

٤٠ ـ ومنه : عنه صلى الله عليه واله قال : من آذى مؤمنا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

٤١ ـ ومنه : عنه صلى الله عليه واله قال : مثل المؤمن كمثل ملك مقرب وإن المؤمن أعظم حرمة عند الله وأكرم عليه من ملك مقرب وليس شيء أحب إلى الله من مؤمن تائب ومؤمنة تائبة وإن المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده.

٤٢ ـ ومنه : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله فوض إلى المؤمن أمره كله ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أما تسمع الله عزوجل يقول : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ » (١) فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا وقال إن المؤمن أعز من الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه.

بيان : ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أي نهاه أن يذل نفسه ولو كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر القرب فإذا علم أنه يصير سببا لمذلته وإهانته وأذاه سقط ذلك عنه أو المعنى أن الله يعزه بعزة دينه ورفعته الواقعية وإن أذل نفسه فإن الله أخبر بعزته وضمنها له وكان الاستشهاد بالآية وآخر الخبر بالأخير أنسب.

٤٣ ـ ما : عن المفيد عن ابن قولويه عن محمد الحميري عن أبيه عن البرقي عن شريف بن سابق عن الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : يا فضل لا تزهدوا في فقراء شيعتنا فإن الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر ثم قال يا فضل إنما سمي المؤمن مؤمنا لأنه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه ثم قال أما سمعت الله تعالى يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة « فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ » (٢) الخبر (٣).

__________________

(١) المنافقون : ٨.

(٢) الشعراء : ١٠٠.

(٣) أمالي الطوسي ج ١ ص ٤٦.

٧٢

٤٤ ـ سن : عن أبيه عن ابن فضال عن محمد عن الثمالي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لو كشف الغطاء عن الناس فنظروا إلى ما وصل ما بين الله وبين المؤمن خضعت للمؤمن رقابهم وتسهلت له أمورهم ولانت طاعتهم ولو نظروا إلى مردود الأعمال من السماء لقالوا ما يقبل الله من أحد عملا (١).

٢

(باب)

(أن المؤمن ينظر بنور الله وأن الله خلقه من نوره)

١ ـ ير : بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى عن سليمان الجعفري قال : كنت عند أبي الحسن عليه السلام قال يا سليمان اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله فسكت حتى أصبت خلوة فقلت جعلت فداك سمعتك تقول اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله قال نعم يا سليمان إن الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية والمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه (٢).

بيان : الفراسة الكاملة لكمل المؤمنين وهم الأئمة عليهم السلام فإنهم يعرفون كلا من المؤمنين والمنافقين بسيماهم كما مر في كتاب الإمامة وسائر المؤمنين يتفرسون ذلك بقدر إيمانهم « خلق المؤمن من نوره » أي من روح طيبة منورة بنور الله أو من طينة مخزونة مناسبة لطينة أئمتهم عليهم السلام « وصبغهم » أي غمسهم أو لونهم « في رحمته » كناية عن جعلهم قابلة لرحماته الخاصة أو عن تعلق

__________________

(١) المحاسن : ١٣٢.

(٢) بصائر الدرجات : ٧٩.

٧٣

الروح الطيبة التي هي محل الرحمة « أبوه النور وأمه الرحمة » كأنه على الاستعارة أي لشدة ارتباطه بأنوار الله ورحماته كأن أباه النور وأمه الرحمة أو النور كناية عن الطينة والرحمة عن الروح أو بالعكس.

٢ ـ ير : عن الحسن بن معاوية عن محمد بن سليمان عن أبيه عن عيسى بن أسلم عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك هذا الحديث الذي سمعته منك ما تفسيره قال وما هو قلت إن المؤمن ينظر بنور الله قال يا معاوية إن الله خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفه نفسه فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة فإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه (١).

فضائل الشيعة للصدوق عن أبيه عن سعد عن عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان مثله (٢).

٣ ـ ير : عن الحسن بن علي عن إبراهيم عن محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفهم نفسه فهو المتقبل من محسنهم المتجاوز عن مسيئهم من لم يلق الله بما هو عليه لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة (٣).

٤ ـ ير : عن محمد بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم تلا (٤) « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (٥)

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٨٠.

(٢) فضائل الشيعة ١٥٠.

(٣) بصائر الدرجات ص ٨٠.

(٤) الحجر : ٧٥.

(٥) بصائر الدرجات : ٣٥٧.

٧٤

٥ ـ ير : عن أبي طالب عن حماد بن عيسى عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » قال هم الأئمة عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه واله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله لقول الله « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » (١)

٦ ـ سن : عن أبيه عن سليمان الجعفري عن الرضا عليه السلام قال : قال لي يا سليمان إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة فاتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله الذي خلق منه (٢).

٧ ـ سن : محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أجرى في المؤمن من ريح روح الله والله تبارك وتعالى يقول (٣) « رُحَماءُ بَيْنَهُمْ » (٤)

٨ ـ نوادر الراوندي : بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله إياكم وفراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى.

٩ ـ ن : بإسناد التميمي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله المؤمن ينظر بنور الله (٥).

١٠ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله سبحانه جعل الحق على ألسنتهم (٦).

١١ ـ كا : عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن فضالة عن عمر بن أبان عن جابر الجعفي قال : تقبضت بين يدي أبي جعفر عليه السلام فقلت جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٥٧.

(٢) المحاسن : ١٣١.

(٣) الفتح : ٢٩.

(٤) المحاسن : ١٣١.

(٥) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٠٠.

(٦) نهج البلاغة : ٢١٩ تحت الرقم ٣٠٩ من باب الحكم والمواعظ.

٧٥

وصديقي قال نعم يا جابر إن الله عز وجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه فلذلك المؤمن أخ المؤمن لأبيه وأمه فإذا أصاب روحا من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لأنها منها (١).

بيان : التقبض ظهور أثر الحزن عند الانبساط وفي المحاسن تنفست (٢) أي تأوهت من ريح روحه أي من نسيم من روحه الذي نفخه في الأنبياء والأوصياء عليهم السلام كما قال « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » (٣) أو من رحمة ذاته كما قال الصادق عليه السلام والله شيعتنا من نور الله خلقوا وإليه يعودون.

أو الإضافة بيانية شبه الروح بالريح لسريانه في البدن كما أن نسبة النفخ إليه لذلك أي من الروح الذي هو كالريح واجتباه واختاره ويمكن أن يقرأ بفتح الراء أي من نسيم رحمته كما في خبر آخر وأجرى فيهم من روح رحمته.

لأبيه وأمه الظاهر تشبيه الطينة بالأم والروح بالأب ويحتمل العكس.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٦٦. وتراه في المحاسن : ١٣٣.

(٢) أي بدل تقبضت.

(٣) الحجر : ٢٩ ، ص : ٧٢.

٧٦

٣

(باب)

(طينة المؤمن وخروجه من الكافر وبالعكس)

(وبعض أخبار الميثاق زائدا على ما تقدم)

(في كتاب التوحيد والعدل)

١ ـ سن : عن محمد بن علي رفعه عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خلق الله تبارك وتعالى شيعتنا من طينة مخزونة لا يشذ منها شاذ ولا يدخل فيها داخل أبدا إلى يوم القيامة (١).

٢ ـ سن : عن أبيه عن فضالة عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة (٢).

٣ ـ سن : عن أبي إسحاق الخفاف رفعه قال قال أبو عبد الله عليه السلام المؤمن آنس الإنس جيد الجنس من طينتنا أهل البيت (٣).

بيان : آنس على صيغة اسم الفاعل ويحتمل أفعل التفضيل ونسبته إلى الأنس على المجاز والمراد الأنس بأئمتهم عليهم السلام أو بعضهم ببعض (٤).

٤ ـ سن : عن علي بن حديد عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله إذا أراد أن يخلق المؤمن من المؤمن والمؤمن من الكافر بعث ملكا فأخذ

__________________

(١) المحاسن : ١٣٤.

(٢) المصدر : ١٣٥ ،.

(٣) المصدر نفسه : ١٣٥.

(٤) أو هو الانس خلاف الجن والمعنى أن المؤمن آنس أفراد الانس.

٧٧

قطرة من ماء المزن فألقاها على ورقة فأكل منها أحد الأبوين (١) فذلك المؤمن منه (٢).

٥ ـ سن : عن الوشاء عن علي بن ميسر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبه شيء من الشر حتى يضعه فإذا صار بشرا سويا لم يصبه شيء من الشر حتى يجري عليه القلم (٣).

٦ ـ ختص : عن محمد بن حمران قال : سألت الصادق عليه السلام من أي شيء خلق الله طينة المؤمن قال من طينة عليين قال قلت فمن أي شيء خلق المؤمن قال من طينة الأنبياء فلن ينجسه شيء (٤).

٧ ـ وبإسناده عن ربعي عن رجل عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال : إن الله خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وأبدانهم وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وخلق أبدانهم من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم فخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ومن هذا يصيب المؤمن السيئة ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه (٥).

__________________

(١) والمراد الأب فانه صاحب النطفة ، وبه يلحق الولد ، وهذا التعبير وزان قوله عليه‌السلام : « اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين ».

(٢) المحاسن : ١٣٨.

(٣) المصدر : ١٣٨.

(٤) الاختصاص : ٢٥. ومثله في الكافي ج ٢ ص ٣ بإسناده عن صالح بن سهل قال : قلت لابى عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك من أي شيء خلق الله عز وجل طينة المؤمن؟فقال من طينة الأنبياء فلم تنجس أبدا.

قال المؤلف قدس‌سره في شرحه مرآة العقول يعنى نجاسة الكفر والشرك.

(٥) الاختصاص : ٢٤. ومثله في الكافي ج ٢ ص ٢.

٧٨

بيان : الخلق يكون بمعنى التكوين وبمعنى التقدير وفي النهاية طين عليه أي جبل ويقال طانه الله على طينته خلقه على جبلته وطينة الرجل خلقه وأصله وقال عليون اسم للسماء السابعة وقيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد.

وقيل أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة وتعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها على أنها جمع أو واحد انتهى.

وإضافة الطينة إما بتقدير اللام أو من أو في « قلوبهم وأبدانهم » بدل النبيين ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح أولا بالبخار اللطيف المنبعث منه فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الأئمة عليهم السلام من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين وأرواحهم مخلوقة من فوق ذلك.

على أنه لو أريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة مبدأ لها مجازا باعتبار القرب والتعلق أو بتخصيص النبيين بغير نبينا صلى الله عليه واله ويؤيده بعض الأخبار وفي القاموس سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار وواد في جهنم أو حجر في الأرض السابعة وفي النهاية اسم علم للنار فعيل من السجن.

« فخلط الطينتين » أي في جسد آدم عليه السلام فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين « ومن هاهنا يصيب المؤمن السيئة » لخلط طينته بطينة الكافر وكذا العكس « فقلوب المؤمنين تحن » أي تميل وتشتاق قال الجوهري الحنين الشوق وتوقان النفس « إلى ما خلقوا منه » أي إلى الأعمال المناسبة لما خلقوا منه المؤدية إليها أو إلى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم وكذا الفقرة الثانية تحتمل الوجهين وقد مر الكلام منا في أمثال هذا الخبر في كتاب العدل.

وقال بعض المحدثين في تأويله أن الله تعالى لما علم في الأزل الأرواح التي تختار الإيمان باختيارها والتي تختار المعصية باختيارها سواء خلقوا من طينة

٧٩

عليين أو من طينة سجين فلما علم ذلك أعطى أبدان الأرواح التي علم أنهم يختارون الإيمان باختيارها كيفية عليين للمناسبة وأعطى أبدان الأرواح التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين من غير أن يكون للأمرين مدخل في اختيارهم الإيمان والكفر وخلط ما بين الطينتين من غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيئة.

وقال بعض أرباب التأويل من المحققين (١) المراد بعليين أشرف المراتب وأقربها من الله تعالى وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الأخبار من قولهم أعلى عليين وكما وقع التنبيه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والأبدان كليهما إليه مع اختلافهما في الرتبة.

فيشبه أن يراد بهما عالم الجبروت والملكوت جميعا اللذين هما فوق عالم الملك أي عالم العقل والنفس وخلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم لأنهم المقربون وأما خلق أبدانهم من الملكوت فذلك لأن أبدانهم الحقيقية هي التي في باطن هذه الجلود المدبرة لهذه الأبدان وإنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم لا علاقة لهم بها فكأنهم وهم في جلابيب من هذه الأبدان قد نفضوها وتجردوا منها لعدم ركونهم إليها وشدة شوقهم إلى النشأة الأخرى ولهذا نعموا بالوصول إلى الآخرة ومفارقة هذه الأدنى ومن هنا ورد في الحديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (٢).

__________________

(١) يريد به الفيلسوف المشهور ملا صدرا الشيرازى.

(٢) قال العلامة الطباطبائى مد ظله في بعض كلامه : الاخبار مستفيضة في أن الله تعالى خلق السعداء من طينة عليين وخلق الاشقياء من طينة سجين ـ من النار ـ وكل يرجع الى حكم طينته من السعادة والشقاء ، وقد أورد عليها اولا بمخالفة الكتاب وثانيا باستلزام الجبر الباطل.

أما البحث الأول فقد قال الله تعالى : « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ » وقال : « بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ » فأفاد أن الإنسان مخلوق من طين ، ثم قال تعالى : « وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ

٨٠