بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فينتشر في الناس ولا يقبله الله ولا يصعد إليه.

وقيل المعنى أن معروفه الكثير الذي يدل عليه صيغة التفعيل لا يعلمه إلا الله ومن علمه بالوحي من قبله تعالى لأن معروفه ليس من قبيل الدراهم والدنانير بل من جملة معروفه حياة سائر الخلق وبقائهم بسببه وأمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية.

وربما يقال في وجه التعليل إن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء والفقراء الذين ليس لهم وجه عند الناس ولا ذكر فلا يذكر ذلك في الخلق والكافر يجعل معروفه في المشاهير والشعراء والذين يذكرونه في الناس فينتشر فيهم.

فإن قيل بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي في باب الرئاء أن الله تعالى يظهر العمل الخالص ويكثره في أعين الناس ومن أراد بعمله الناس يقلله الله في أعينهم قلنا يمكن حمل هذا على الغالب وذاك على النادر أو هذا على المؤمن الخالص وذاك على غيرهم أو هذا على العبادات المالية وذاك على العبادات البدنية.

١٤

(باب)

(علامات المؤمن وصفاته)

الآيات

الأنفال : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (١).

التوبة : « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ

__________________

(١) الأنفال : ٢ ـ ٤.

٢٦١

اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » (١).

يوسف : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (٢).

المؤمنون : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ » (٣).

القصص : « الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ » (٤).

التنزيل : « إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » (٥).

حمعسق : « وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا

__________________

(١) براءة ٧١.

(٢) يوسف : ١٠٦.

(٣) المؤمنون : ١ ـ ١١.

(٤) القصص : ٥٢ ـ ٥٥.

(٥) السجدة : ١٥ ـ ١٩.

٢٦٢

لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » (١).

الفتح : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً » (٢).

البينة : « وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » إلى قوله « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » (٣).

تفسير : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ » (٤) قيل أي الكاملون في الإيمان « وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » أي فزعت لذكره استعظاما له وهيبة من جلاله « زادَتْهُمْ إِيماناً » ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس « وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » أي وإليه يفوضون أمورهم فيما يخافون ويرجون « أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا » لأنهم حققوا إيمانهم بضم مكارم الأخلاق ومحاسن أفعال الجوارح إليه « لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ » أي كرامة وعلو منزلة « وَمَغْفِرَةٌ » لما فرط منهم « وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » أعد لهم في الجنة.

قال علي بن إبراهيم (٥) : نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وسلمان

__________________

(١) الشورى : ٣٦ ـ ٤٠.

(٢) الفتح : ٢٩.

(٣) البينة : ٥ ـ ٨.

(٤) الأنفال : ٢.

(٥) تفسير القمي ص ٢٣٦.

٢٦٣

والمقداد.

« أَوْلِياءُ بَعْضٍ » (١) أي أحباؤهم وأنصارهم أو أولى بتولي أمورهم « سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ » السين مؤكدة للوقوع.

« إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (٢) قيل بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا أو نسبة التبني إليه أو القول بالنور والظلمة أو النظر إلى الأسباب ونحو ذلك وسيأتي تفسيرها في الأخبار أنها شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان أو الاستعانة أو التوسل بغيره تعالى ونحو ذلك.

« قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » (٣) عن الباقر عليه السلام أنهم المؤمنون المسلمون أن المسلمين هم النجباء (٤) « خاشِعُونَ » قال علي بن إبراهيم غضك بصرك في صلاتك وإقبالك عليها وروي رمي البصر إلى الأرض وسيأتي تفسيرها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

وفسر اللغو في بعض الأخبار بالغناء والملاهي وفي بعضها بكل قول ليس فيه ذكر وفي بعضها بالاستماع إلى القصاص وفي بعضها أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه « فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ » أي الكاملون في العدوان.

« لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ » أي لما يؤتمنون ويعاهدون من جهة الحق أو الخلق « راعُونَ » قائمون بحفظها وإصلاحها « يُحافِظُونَ » أي على أوقاتها وحدودها « أُولئِكَ » الجامعون لهذه « هُمُ الْوارِثُونَ » وعن أمير المؤمنين عليه السلام أن هذه الآية في نزلت (٥).

__________________

(١) براءة : ٧١.

(٢) يوسف ١٠٦.

(٣) المؤمنون : ١.

(٤) رواه الكليني في الكافي ج ١ ص ٣٩١ بإسناده عن كامل التمار عنه عليه‌السلام.

(٥) تفسير القمي ص ٤٤٥.

٢٦٤

« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ » قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب « آمَنَّا بِهِ » أي بأنه كلام الله « إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ » لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة « بِما صَبَرُوا »عن الصادق عليه السلام بما صبروا على التقية وقال الحسنة التقية والسيئة الإذاعة وقال علي بن إبراهيم هم الأئمة عليهم السلام قال وقوله « وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ » أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم.

« يُنْفِقُونَ » أي في سبيل الخير « وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ » تكرما وقال علي بن إبراهيم قال اللغو الكذب واللهو والغناء قال وهم الأئمة عليهم السلام يعرضون عن ذلك كله « وَقالُوا » أي للاغين « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » قالوا ذلك متاركة لهم وتوديعا « لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ » لا نطلب صحبتهم ولا نريدها.

« إِذا ذُكِّرُوا بِها » (١) أي وعظوا بها « خَرُّوا سُجَّداً » خوفا من عذاب الله « وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » أي نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام وآتاهم الهدى « وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » عن الإيمان والطاعة « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ » أي ترفع وتتنحى « عَنِ الْمَضاجِعِ » أي عن الفرش ومواضع النوم.

في المجمع ، (٢) عن الباقر والصادق عليهما السلام هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلاة و « يَدْعُونَ رَبَّهُمْ » داعين إياه « خَوْفاً » من سخطه « وَطَمَعاً » في رحمته « مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » أي مما تقر به عيونهم.

وعن الصادق عليه السلام ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فإن الله عزوجل لم يبين ثوابها لعظم خطره (٣).فقال « تَتَجافى جُنُوبُهُمْ » إلى قوله « يَعْمَلُونَ ».

«كَمَنْ كانَ فاسِقاً » أي خارجا عن الإيمان « لا يَسْتَوُونَ » في الشرف والمثوبة

__________________

(١) السجدة : ١٥.

(٢) مجمع البيان ج ٨ : ٣٣١.

(٣) رواه أيضا في المجمع ج ٨ ص ٣٣١.

٢٦٥

« نُزُلاً » النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة.

« وَما عِنْدَ اللهِ » (١) أي ثواب الآخرة « خَيْرٌ وَأَبْقى » لخلوص نفعه ودوامه « وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ » أي قبلوا ما أمروا به « وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ » أي تشاور بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط يقظتهم في الأمور قال علي بن إبراهيم (٢) يشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم.

« هُمْ يَنْتَصِرُونَ » أي ينتقمون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا وقيل أي يتناصرون ينصر بعضهم بعضا وقيل جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون وصنف ينتصرون (٣) وقيل وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل وهو لا ينافي وصفهم بالغفران فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور والانتصار يشعر بمقاومة الخصم والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلب مذموم لأنه إجراء وإغراء على البغي.

« سَيِّئَةٌ مِثْلُها » سمي الثانية سيئة للازدواج ولأنها تسوء من تنزل به وهذا منع عن التعدي في الانتصار « فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ » بينه وبين عدوه « فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ » عدة مبهمة تدل على عظم الموعود.

وروي في المجمع ، (٤) عن النبي صلى الله عليه واله إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقال العافون عن الناس يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ ، « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » أي المبتدءين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام.

__________________

(١) الشورى : ٣٦.

(٢) تفسير القمي ص ٦٥٤.

(٣) الزيادة من مجمع البيان للطبرسي : قال : وقيل جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون عمن ظلمهم وهم الذين ذكروا قبل هذه الآية وهو قوله « وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ » وصنف ينتصرون ممن ظلمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية.

(٤) مجمع البيان ج ٩ ص ٣٤.

٢٦٦

« مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ » (١) جملة مبينة للمشهود به في قوله « وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً » أو استئناف مع معطوفه وما بعدهما خبر « وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ » أي يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم « تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً » لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم « يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً » أي يطلبون الثواب والرضا « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » قيل يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة الصلاة وعن الصادق عليه السلام هو السهر في الصلاة أي أثره.

« ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ » أي صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها أي أخبر الله تعالى في التوراة والإنجيل بأن هذه صفتهم « أَخْرَجَ شَطْأَهُ » أي فراخه « فَآزَرَهُ » أي فقواه « فَاسْتَغْلَظَ » أي فصار من الدقة إلى الغلظ « فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ » هو جمع ساق أي فاستوى على قصبه « يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ » بكثافته وقوته وغلظه وحسن منظره.

قيل هو مثل ضربه الله للصحابة قلوا في بدو الإسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس « لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ » علة لتشبيههم بالزرع في ذكائه واستحكامه.

وفي مجالس الصدوق أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام والذين تحت لوائه في القيامة ينادون أن ربكم يقول لكم عندي مغفرة وأجر عظيم يعني الجنة.

« مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » (٢) أي لا يشركون به « حُنَفاءَ » أي مائلين عن العقائد الزائغة « ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » أي دين الملة القيمة « أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » أي الخليقة وفي الأخبار أنهم علي وشيعته (٣) « وَرَضُوا عَنْهُ » لأنه بلغهم أقصى أمانيهم « ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ » فإن الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير.

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) البينة : ٥.

(٣) راجع سعد السعود : ١٠٨.

٢٦٧

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن غالب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ينبغي للمؤمن أن تكون فيه ثمان خصال وقورا عند الهزاهز صبورا عند البلاء شكورا عند الرخاء قانعا بما رزقه الله لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب والناس منه في راحة.

إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل أمير جنوده والرفق أخوه والبر والده (١).

كا : عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الله بن غالب عنه عليه السلام مثله (٢).

ل : عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن جميل عن عبد الله مثله (٣).

ل : عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى مثله (٤).

محص : عنه عليه السلام مثله.

بيان : أقول ما في تلك الأسانيد من عبد الله أظهر من عبد الملك لأن عبد الملك غير مذكور في كتب الرجال وعبد الله بن غالب الأسدي الشاعر مذكور فيها ثقة وهو الذي قال له أبو عبد الله عليه السلام إن ملكا يلقي عليه الشعر وأنا أعرف ذلك الملك (٥).

في سائر الكتب والسند الثاني للكافي وقور وصبور وشكور وقانع بالرفع والوقور فعول من الوقار بالفتح وهو الحلم والرزانة والهز :

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٤٧.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٣٠.

(٣) الخصال ج ٢ ص ٣٨.

(٤) المصدر ج ٢ ص ٣٨ وفيه : والصبر أمير جنوده.

(٥) راجع رجال الكشي : ٢٨٨ تحت الرقم ١٧٦.

٢٦٨

التحريك والهزاهز الفتن التي يفتتن الناس بها أي لا يعرض له شك عند الفتن التي تصير سببا لشك الناس وكفرهم.

صبورا عند البلاء البلاء اسم لما يمتحن به من خير أو شر وكثر استعماله في الشر وهو المراد هنا والصبر حبس النفس على الأمور الشاقة عليها وترك الاعتراض على المقدر لها وعدم الشكاية والجزع وهو من أعظم خصال الإيمان.

شكورا عند الرخاء الرخاء النعمة والخصب وسعة العيش والشكر الاعتراف بالنعمة ظاهرا وباطنا ومعرفة المنعم وصرفها فيما أمر به والشكور مبالغة فيه قانعا بما رزقه الله أي لا يبعثه الحرص على طلب الحرام والشبهة وتضييع العمر في جمع ما لا يحتاج إليه.

لا يظلم الأعداء الغرض نفي الظلم مطلقا وإنما خص الأعداء بالذكر لأنهم مورد الظلم غالبا ولأنه يستلزم ترك ظلم غيرهم بالطريق الأولى.

ولا يتحامل للأصدقاء في القاموس تحامل في الأمر وبه تكلفه على مشقة وعليه كلفه ما لا يطيق (١) فالكلام يحتمل وجوها :

الأول أنه لا يظلم الناس لأجل الأصدقاء.

الثاني أنه لا يتحمل الوزر لأجلهم كأن يشهد لهم بالزور أو يكتم الشهادة لرعايتهم أو يسعى لهم في حرام.

الثالث أن يراد به أنه لا يحمل على نفسه للأصدقاء ما لا يمكنه الخروج عنه.

بدنه منه في تعب لاشتغاله بالعبادات وإعراضه عن الرسوم والعادات وسعيه في إعانة المؤمنين والناس منه في راحة لعدم تعرضه لهم وإعانته إياهم.

إن العلم استئناف وليس من جملة العدد خليل المؤمن الخلة الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه والخليل الصديق

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٣٦١.

٢٦٩

فعيل بمعنى فاعل وإنما كان العلم خليل المؤمن لأنه لا ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم في الدنيا والآخرة فكما لا يفارق الخليل ولا يتجاوز عن مصلحته ينبغي أن لا يفارق العلم ولا يتجاوز عن مقتضاه (١).

والحلم وزيره فإنه يعاونه في أمور دنياه وآخرته كمعاونة الوزير الناصح الملك والعقل أمير جنوده إذ جنوده في رفع وساوس الشيطان وصولاتهم الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة وكلها تابعة للعقل كما مر بيانه في باب جنود العقل.

وفي ثاني سندي الكافي وسائر الكتب والصبر أمير جنوده وهو أيضا كذلك والرفق أخوه أي اللين واللطف والمداراة مع الصديق والعدو وتمشية الأمور بتدبير وتأمل بمنزلة الأخ له في أنه يصاحبه ولا يفارقه أو في إعانته وإيصال النفع إليه والبر أي الإحسان إلى الوالدين أو إلى جميع من يستحق البر والده أي بمنزلة والده في رعايته واختياره على جميع الأمور أو في الانتفاع منه وكونه سببا لحياته المعنوية.

وفي ثانية روايتي الكافي واللين والده والفرق بينه وبين الرفق إما بحمل الرفق على اللطف والإحسان وهو أحد معانيه واللين على ترك الخشونة أو بحمل الرفق على ترك العنف واللين على شدة الرفق وكثرته أو الرفق على المعاملات واللين على المعاشرات وسيأتي بعض القول فيهما (٢).

٢ـ كا : عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال : المؤمن يصمت ليسلم وينطق ليغنم لا يحدث أمانته الأصدقاء ولا يكتم شهادته من البعداء ولا يعمل شيئا من الخير رئاء ولا يتركه حياء إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر

__________________

(١) في نسخة الكمباني طبع هناك ما جعلناه بين العلامتين بعد عشرة أسطر.

(٢) ما بين العلامتين طبع في نسخة الكمباني قبل ذلك وهو في غير محله كما لا يخفى.

٢٧٠

الله لما لا يعلمون لا يغره قول من جهله ويخاف إحصاء ما عمله (١).

بيان : ليغنم أي الفوائد الأخروية أو ليزيد علمه لا لإظهار الكمال ولا يكتم شهادته من البعداء أي من الأباعد عنه نسبا أو محبة فكيف الأقارب وفي بعض النسخ من الأعداء خاف مما يقولون إن يصير سببا لغروره وعجبه لما لا يعلمون أي من ذنوبه.

لا يغره قول من جهله أي لا يخدعه ثناء من جهل ذنوبه وعيوبه فيعجب بنفسه ويخاف إحصاء ما عمله أي إحصاء الله والحفظة أو إحصاء نفسه وعلى الأخير يحتمل أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي يخاف الله لإحصائه ما قد عمله وفي المجالس كما سيأتي إحصاء من قد علمه.

٣ ـ كا : عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض من رواه رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : المؤمن له قوة في دين وحزم في لين وإيمان في يقين وحرص في فقه ونشاط في هدى وبر في استقامة وعلم في حلم وكيس في رفق وسخاء في حق وقصد في غنى وتجمل في فاقة وعفو في قدرة وطاعة لله في نصيحة وانتهاء في شهوة وورع في رغبة وحرص في جهاد وصلاة في شغل وصبر في شدة.

وفي الهزاهز وقور وفي المكاره صبور وفي الرخاء شكور ولا يغتاب ولا يتكبر ولا يقطع الرحم وليس بواهن ولا فظ ولا غليظ.

لا يسبقه بصره ولا يفضحه بطنه ولا يغلبه فرجه ولا يحسد الناس يعير ولا يعير ولا يسرف (٢) ينصر المظلوم ويرحم المسكين.

نفسه منه في عناء والناس منه في راحة لا يرغب في عز الدنيا ولا يجزع من ذلها للناس هم قد أقبلوا عليه وله هم قد شغله.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٣١.

(٢) ولا يحسد الناس بعز : ولا يقتر ، ولا يسرف خ ل.

٢٧١

لا يرى في حكمه نقص ولا في رأيه وهن ولا في دينه ضياع يرشد من استشاره ويساعد من ساعده ويكيع عن الخناء والجهل (١).

بيان : المؤمن له قوة في دين قد عرفت أنه في بعض تلك الفقرات الظرف لغو وفي بعضها مستقر وهو تفنن حسن وإن أمكن أن يكون في الجميع لغوا بتكلفات بعيدة لا حاجة إليها ففي هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو وفي للظرفية أي قوي في أمر الدين متصلب وحزم في لين أي مع لين فالظرف مستقر بأن يكون صفة أو حالا ويحتمل أن يكون لغوا أي هو في اللين صاحب حزم لكنه بعيد.

وقال بعض الأفاضل أي له ضبط وتيقظ في أموره الدينية والدنيوية ممزوجا بلين الطبع وعدم الفظاظة والخشونة مع معامليه وهو فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق وقد تكون عن تواضع وقد تكون عن مهانة وضعف نفس والأول هو المطلوب وهو المقارن للحزم في الأمور ومصالح النفس والثاني رذيلة لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل حادث.

وبيان الظرفية على ثلاثة أوجه :

الأول : أن الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة الحزم للين الطبع في الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف فتكون لفظة في استعارة تبعية.

الثاني : أن يعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم واللين ومصاحبة أحدهما الآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف ومصاحبتهما فيكون الكلام استعارة تمثيلية لكنه لم يصرح من الألفاظ التي هي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا تكون لفظة في استعارة بل هي على معناها الحقيقي.

الثالث : أن تشبه اللين بما يكون محلا وظرفا للشيء على طريقة الاستعارة بالكناية وتكون كلمة في قرينة وتخييلا.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٣١.

٢٧٢

وإيمان في يقين أي مع يقين أي بلغ إيمانه حد اليقين في جميع العقائد أو في الثواب والعقاب أو في القضاء والقدر كما عرفت في باب اليقين وحرص في فقه أي هو حريص في معرفة مسائل الدين أو حريص في العبادة مع معرفته لمسائل الدين ونشاط في هدى أي ناشط راغب في العبادة مع اهتدائه إلى الحق ومعرفته بأصول الدين كما مر في تفسير قوله تعالى « لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) وراغب في الاهتداء وما يصير سببا لهدايته أو في هداية غيره.

وبر في استقامة أي مع الاستقامة في الدين كما قال تعالى « الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا » (٢) أو المراد به الاستقامة في البر أي يضع البر في محله وموضعه وعلم في حلم أي مع أناة وعفو أو مع عقل وكيس في رفق أي كياسة مع رفق بالخلق لا كالأكياس في أمور الدنيا يريدون التسلط على الخلق وإيذاءهم أو يستعمل الكياسة في الرفق فيرفق في محله ويخشن في موضعه.

وسخاء في حق أي سخاوته في الحقوق اللازمة لا في الأمور الباطلة كما ورد أسخى الناس من أدى زكاة ماله أو مع رعاية الحق فيه بحيث لا ينتهي إلى الإسراف والتبذير ويؤكده قوله وقصد في غنى أي يقتصد بين الإسراف والتقتير في حال الغنى والثروة أو مع استغنائه عن الخلق.

وتجمل في فاقة التجمل التزين والفاقة الفقر والحاجة أي يتزين في حال الفقر لتضمنه الشكاية من الله أو يظهر الغنى لذلك كما قال الجوهري التجمل تكلف الجميل وقد يقرأ بالحاء المهملة أي تحمل وصبر في الفقر.

في قدرة أي على الانتقام في نصيحة أي مع نصيحة لله أو لأئمة المسلمين أو للمؤمنين أو الأعم من الجميع ونصيحة الله إخلاص العمل له.

وفي النهاية : فيه إن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) فصلت : ٣٣ الاحقاف ١٣.

٢٧٣

المسلمين وعامتهم النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له وأصل النصح في اللغة الخلوص ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه ونصيحة رسوله صلى الله عليه واله التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ونصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم انتهى.

وانتهاء في شهوة أي يقبل نهي الله في حال شهوة المحرمات في الصحاح نهيته عن كذا فانتهى عنه وتناهى أي كف وورع في رغبة أي يتورع عن الشبهات في حال الرغبة فيها فإن الورع يطلق غالبا في ترك الشبهات وقيل في الرغبة عنها وعدم الميل إليها وهو بعيد.

وحرص في جهاد الجهاد بالكسر والمجاهدة القتال مع العدو ويطلق على مجاهدة النفس أيضا وهو الجهاد الأكبر أي حرص في القتال أو في العبادة مع مجاهدة النفس وعلى الأول في بمعنى على وفي بعض النسخ في اجتهاد.

وصلاة في شغل أي مع شغل القلب بها أو في حال اشتغاله بالأمور الدنيوية كما قال سبحانه « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ » (١) وروي عن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية أنه قال كانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة وهم أعظم أجرا ممن لا يتجر (٢).

. وقيل المراد ذكر الله في أشغاله وهو بعيد وفي الهزاهز وقور عطف على قوله له قوة في دين وليس بواهن أي في أمور الدين.

ولا فظ ولا غليظ الفظ الخشن الخلق في القول والفعل والغلظة غلظة القلب كما قال تعالى « وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » (٣)

__________________

(١) النور : ٣٧.

(٢) مجمع البيان ج ٧ : ١٤٥.

(٣) آل عمران : ١٥٩.

٢٧٤

في القاموس الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام انتهى (١) والمعنى أن قوته الغضبية قائمة على حد الاعتدال خرجت عن الوهن المتضمن للتفريط والفضاضة الموجبة للإفراط.

ولا يسبقه بصره أي يملك بصره ولا ينظر إلى شيء إلا بعد علمه بأنه يحل له النظر إليه ولا يضره في الدنيا والآخرة ولا يفضحه بطنه بأن يرتكب بسبب شهوات البطن ما يفضحه في الدنيا والآخرة كالسرقة والظلم وقيل بأن يحضر طعاما بغير طلب ولا يغلبه أي لا يغلب عقله فرجه أي شهوة فرجه فيوقعه في الزنا واللواطة وأشباههما من المحرمات والشبهات.

يعير بفتح الياء المشددة ولا يعير بكسر الياء أي يعيره الناس بسبب عدم التعارف وأمثاله وهو لا يعير أحدا.

وفي بعض النسخ لا يحسد الناس بعز أي بسبب عزه ولا يقتر ولا يسرف ولعله أصوب وما سيأتي برواية الخصال أظهر والعناء بالفتح والمد النصب والمشقة.

للناس هم أي فكر ومقصد من الدنيا وعزها وفخرها ومالها وله هم أي فكر وقصد من أمر الآخرة قد شغله عما أقبل الناس عليه لا يرى على بناء المفعول في حكمه أي بين الناس أو في حكمته وفي الخصال في حله ولا في رأيه وهن أي هو صاحب عزم قوي وليس رأيه ضعيفا واهنا ولا في دينه ضياع أي دينه قوي متين لا يضيع بالشكوك والشبهات ولا بارتكاب السيئات.

ويساعد من ساعده أي يعاون من عاونه وحمله على طلب الإعانة بعيد من اللفظ وقيل المراد بمن ساعده جميع المؤمنين فإن كل مؤمن يساعد سائر المؤمنين بتصديق دينهم وموافقته لهم في الإيمان ويكيع كيبيع بالياء المثناة التحتانية وفي بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية وفي بعضها بالنون

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٣٩٧.

٢٧٥

والكل متقاربة في المعنى قال في القاموس كعت عنه أكيع وأكاع كيعا إذا هبته وجبنت عنه وقال كنع عن الأمر كمنع هرب (١) وجبن وقال كتع كمنع هرب وفي النهاية الخناء الفحش في القول والجهل مقابل العلم أو السفاهة والسب.

٤ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن بعض أصحابنا رفعه عن أحدهما عليهما السلام قال : مر أمير المؤمنين عليه السلام بمجلس من قريش فإذا هو بقوم بيض ثيابهم صافية ألوانهم كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم ثم مر بمجلس للأوس والخزرج فإذا أقوام بليت منهم الأبدان ودقت منهم الرقاب واصفرت منهم الألوان وقد تواضعوا بالكلام.

فتعجب علي عليه السلام من ذلك ودخل على رسول الله صلى الله عليه واله فقال بأبي أنت وأمي إني مررت بمجلس لآل فلان ثم وصفهم ومررت بمجلس للأوس والخزرج فوصفهم ثم قال وجميع مؤمنون فأخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن.

فنكس رسول الله صلى الله عليه واله ثم رفع رأسه فقال عشرون خصلة في المؤمن فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه إن من أخلاق المؤمنين يا علي الحاضرون الصلاة والمسارعون إلى الزكاة (٢) والمطعمون المساكين الماسحون رأس اليتيم المطهرون أطمارهم المتزرون على أوساطهم الذين إن حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا تكلموا صدقوا رهبان بالليل أسد بالنهار صائمون النهار قائمون الليل لا يؤذون جارا ولا يتأذى بهم جار الذين مشيهم على الأرض هون وخطاهم إلى بيوت الأرامل وعلى أثر الجنائز جعلنا الله وإياكم من المتقين (٣).

لي : عن علي بن عيسى عن علي بن محمد ماجيلويه عن البرقي عن أبيه

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٨٠.

(٢) زاد في أمالي الصدوق : والحاجون لبيت الله الحرام. والصائمون في شهر رمضان ، وهو الصحيح.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٣٢.

٢٧٦

عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن ابن طريف عن ابن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول سألت رسول الله صلى الله عليه واله عن صفة المؤمن فنكس صلى الله عليه واله رأسه ثم رفعه فقال في المؤمنين عشرون خصلة فمن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه يا علي إن المؤمنين هم الحاضرون إلى آخر الخبر (١) وسنشير إلى بعض الاختلاف.

بيان : بيض بالكسر جمع أبيض ويحتمل فيه وفي نظائره الجر والرفع يشيرون بأصابعهم استهزاء وإشارة إلى عيوبهم والأوس والخزرج (٢) قبيلتان من الأنصار بليت منهم الأبدان أي خلقت ونحفت لكثرة العبادة والرياضة ودقت منهم الرقاب لنحافتهم واصفرت منهم الألوان لكثرة سهرهم وصومهم وقد تواضعوا بالكلام الباء بمعنى في أي كانوا يتكلمون بالتواضع بعضهم لبعض أو تكلموا معه بالتواضع.

وفي بعض النسخ تواصفوا بالصاد المهملة والفاء أي كان يصف بعضهم لبعض بالكلام لا بالإشارة كما مر في الفرقة الأخرى أو لم يكن كلامهم لغوا بل كانوا يصفون ما سمعوا من الرسول صلى الله عليه واله وجميع مؤمنون أي ظاهرا ويحتمل الاستفهام بصفة المؤمن أي الواقعي وفي القاموس الناكس المتطأطئ رأسه ونكس الرأس لعسر العمل بتلك الصفات والاتصاف بها وتركها بعد السماع أسوأ لهم كما مر في حقوق الإخوان.

وقيل : النكس كان للتأسف على أحوال قريش والتفكر فيما علم أنهم يفعلونه بأوصيائه وأهل بيته بعده الحاضرون الصلاة أي للإتيان بها جماعة إلى

__________________

(١) أمالي الصدوق ص ٣٢٦ ، المجلس : ٨١.

(٢) هما بطنان عظيمان من الازد من القحطانية ، وهم بنو أوس وبنو الخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة البهلول بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق ابن ثعلبة العنقاء بن مازن بن الازد.

كانوا في الجاهلية يعبدون مناة ، وإذا حجوا وقفوا مع الناس ، فإذا نفروا أتوا مناة وحلقوا رءوسهم عنده ، وأقاموا عنده لا يرون لحجهم تماما الا بذلك.

٢٧٧

الزكاة أي إلى أدائها عند أول وقت وجوبها.

وفي المجالس بعد ذلك والحاجون لبيت الله الحرام والصائمون في شهر رمضان وهو أظهر لأن بهما يتم العدد وعلى ما في الكافي قد يتكلف بجعل خطاهم إلى الجنائز خصلتين والدعاء آخر الخبر خصلة إشارة إلى التقوى.

الماسحون رأس اليتيم شفقة عليهم المطهرون أطمارهم أي ثيابهم البالية بالغسل أو بالتشمير وهما مرويان في قوله سبحانه « وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » (١) قال الطبرسي قدس‌سره أي وثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة وقيل وثيابك فقصر روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام قال الزجاج لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه وقيل لا يكن لباسك من حرام وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام غسل الثياب يذهب الهم والحزن وهو طهور للصلاة وتشمير الثياب طهور لها وقد قال الله سبحانه « وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » أي فشمر (٢).

وفي القاموس الطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف والجمع أطمار.

أقول : ويمكن جعل هذا إشارة إلى خصلتين هما التطهير والاكتفاء بلبس أخلاق الثياب فينفع في إتمام العدد على بعض الوجوه.

وفي المجالس : المطهرون أظفارهم وله وجه المتزرون على أوساطهم أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فإنهم كانوا لا يلبسون السراويل أو المراد شد الوسط بالإزار كالمنطقة ليجمع الثياب وما توهمه بعض الأصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا وقيل هو كناية عن الاهتمام في العبادة في القاموس الإزار الملحفة ويؤنث كالمئزر وائتزر به وتأزر ولا تقل اتزر وقد جاء في بعض الأحاديث ولعله من تحريف الرواة (٣).

__________________

(١) المدثر : ٥.

(٢) مجمع البيان ج ١٠ : ٣٨٥.

(٣) القاموس ج ١ ص ٣٦٣.

٢٧٨

وفي النهاية في حديث الاعتكاف كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله وشد المئزر والمئزر الإزار وكني بشده عن اعتزال النساء وقيل أراد تشميره للعبادة يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وفي الحديث كان يباشر بعض نسائه وهي مؤتزرة في حالة الحيض أي مشدودة الإزار وقد جاء في بعض الروايات وهي متزرة وهو خطأ لأن الهمزة لا تدغم في التاء.

وإن حدثوا لم يكذبوا فيه شائبة تكرار مع قوله وإن تكلموا صدقوا ويمكن حمل الأول على الحديث عن النبي والأئمة عليهم السلام والثاني على سائر الكلام أو يقرأ حدثوا على بناء المجهول من التفعيل ولم يكذبوا على بناء المعلوم من التفعيل ويمكن عدهما خصلة واحدة للتأكيد على بعض الوجوه.

وإذا وعدوا لم يخلفوا على بناء الإفعال والمشهور بين الأصحاب استحباب الوفاء بالوعد ويظهر من الآية وبعض الأخبار الوجوب ولا يمكن الاستدلال بهذا الخبر على الوجوب لاشتماله على كثير من المستحبات وإذا ائتمنوا على مال أو عرض أو كلام لم يخونوا رهبان بالليل أي يمضون إلى الخلوات ويتضرعون رهبة من الله أو يتحملون مشقة السهر والعبادة كالرهبان وفسر الرهبانية في قوله تعالى « وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها » (١) بصلاة الليل.

قال الراغب الترهب التعبد وهو استعمال الرهبة والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة قال تعالى « وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها » والرهبان يكون واحدا وجمعا (٢).

أسد بالنهار أي شجعان في الجهاد كالأسد في الصحاح الأسد جمعه أسود وأسد مقصور مثقل منه وأسد مخفف (٣) قائمون بالليل الفرق بينه وبين رهبان بالليل أن الرهبان إشارة إلى التضرع والرهبة أو التخلي

__________________

(١) الحديد : ٢٧.

(٢) مفردات غريب القرآن ص ٢٠٤.

(٣) الصحاح : ٤٣٨.

٢٧٩

والترهب وقيام الليل للصلاة لا يستلزم شيئا من ذلك ولا يتأذى بهم جار الفرق بينه وبين ما سبق أن المراد بالجار في الأول من آمنه وفي الثاني جار الدار أو في الأول جار الدار وفي الثاني من يجاوره في المجلس أو في الأول الإيذاء بلا واسطة وفي الثاني تأذيه بسبب خدمه وأعوانه فالجار في الموضعين جار الدار.

مشيهم على الأرض هون إشارة إلى قوله سبحانه « وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً » (١) قال البيضاوي أي هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع إلى بيوت الأرامل للصدقة عليهن وإعانتهن وعلى إثر الجنائز كأن فيه إشعارا باستحباب المشي خلف الجنازة.

٥ ـ لي : عن ابن موسى عن الأسدي عن سهل عن مبارك مولى الرضا عن الرضا عليه السلام قال : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه :

فأما السنة من ربه فكتمان سره قال الله جل جلاله « عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » (٢) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه واله بمداراة الناس فقال « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » (٣) وأما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء يقول الله جل جلاله (٤) « وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » (٥)

__________________

(١) الفرقان : ص ٦٣.

(٢) الجن : ٢٧.

(٣) الأعراف : ١٩٩.

(٤) البقرة : ١٧٧.

(٥) أمالي الصدوق ص ١٩٨ المجلس ٥٣.

٢٨٠