بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فقال يا سدير كم عسى أن يكونوا قلت مائة ألف قال مائة ألف قلت نعم ومائتي ألف فقال ومائتي ألف قلت نعم ونصف الدنيا قال فسكت عني ثم قال يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت نعم فأمر بحمار وبغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال يا سدير ترى أن تؤثرني بالحمار قلت البغل أزين وأنبل قال الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغل.

فمضينا فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا نصلي ثم قال هذه أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء فقال والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت إلى الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر (١).

بيان : سدير كأمير ما يسعك القعود أي ترك القتال والجهاد وفي المصباح قعد عن حاجته تأخر عنها والموالي الأحباء المخلصون من الشيعة وتيم قبيلة أبي بكر وعدي قبيلة عمر أي ما طمع من غصب خلافته التيمي والعدوي أو قبيلتهما قال مائة ألف على سبيل التعجب والإنكار يخف عليك بكسر الخاء أي يسهل ولا يثقل وفي القاموس خف القوم ارتحلوا مسرعين.

وقال ينبع كينصر حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر (٢) وفي النهاية على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر انتهى وقيل على أربع مراحل وهو من أوقاف أمير المؤمنين عليه السلام وهو عليه السلام أجرى عينه كما يظهر من الأخبار.

أن يسرجا بدل اشتمال لقوله حمار وبغل أزين أي الزينة في

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٢.

(٢) القاموس ج ٣ : ٨٧.

١٦١

ركوبه أكثر وعند الناس أحسن وفي القاموس النبل بالضم الذكاء والنجابة نبل ككرم نبالة فهو نبيل وامرأة نبيلة في الحسن بينة النبالة وكذا الناقة أو الفرس والرجل (١) والحاصل أني إنما اخترت لك البغل لأنه أشرف وأفضل واختار عليه السلام الحمار لأن التواضع فيه أكثر مع سهولة الركوب والنزول والسير.

فحانت الصلاة أي قرب أو دخل وقتها في القاموس حان يحين قرب وآن وكأن الأمر بالنزول أولا ثم الإعراض عنه للتنبيه على عدم جواز الصلاة فيها وفي المشهور محمول على الكراهة إلا أن يحصل الاستقرار وسيأتي في كتاب الصلاة وكره الصلاة في السبخة إلا أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا وسنتكلم عليه إن شاء الله.

وقال الجوهري الجدي من ولد المعز وثلاثة أجد فإذا كثرت فهي الجداء ولا تقل الجدايا ولا الجدي بكسر الجيم (٢) وقال عطفت أي ملت ويومئ إلى أن الصاحب عليه السلام مع كثرة من يدعي التشيع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد وقيل أي لا بد أن يكون في عسكر الإمام عليه السلام هذا العدد من المخلصين حتى يمكنه طلب حقه بهذا العسكر لا أن هذا العدد كاف في جواز الخروج.

٧ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن سماعة بن مهران قال : قال لي عبد صالح عليه السلام يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلا واحد يعبد الله ولو كان معه غيره لأضافه الله عز وجل إليه حيث يقول « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (٣) فصبر (٤) بذلك ما شاء الله ثم إن الله آنسه بإسماعيل وإسحاق فصاروا ثلاثة.

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٥٤.

(٢) الصحاح : ٢٢٩٩.

(٣) النحل : ١٢٠.

(٤) فغبر ، خ ل ـ كما في متن الكافي.

١٦٢

أما والله إن المؤمن لقليل وإن أهل الكفر كثير أتدري لم ذاك فقلت لا أدري جعلت فداك فقال صيروا أنسا للمؤمنين يبثون إليهم ما في صدورهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه (١).

بيان : أخافوني أي بالإذاعة وترك التقية والضمير في أمنوا راجع إلى المدعين للتشيع الذين لم يطيعوا أئمتهم في التقية وترك الإذاعة وأشار بذلك إلى أنهم ليسوا بشيعة لنا ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين بقوله لقد كانت الدنيا وما فيها الواو للحال وما نافية ولو كان معه غيره أي من أهل الإيمان لأضافه الله عز وجل إليه لأن الغرض ذكر أهل الإيمان التاركين للشرك حيث قال ولم يك من المشركين فلو كان معه غيره من المؤمنين لذكره معه.

« إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً » قال في مجمع البيان (٢) اختلف في معناه فقيل قدوة ومعلما للخير قال ابن الأعرابي يقال للرجل العالم أمة وقيل أراد إمام هدى وقيل سماه أمة لأن قوام الأمة كان فيه وقيل لأنه قام بعمل أمة وقيل لأنه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمنا وحده والناس كفار.

« قانِتاً لِلَّهِ » أي مطيعا دائما على عبادته وقيل مصليا « حَنِيفاً » أي مستقيما على الطاعة وطريق الحق وهو الإسلام « وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » بل كان موحدا انتهى.

وقيل يحتمل أن يكون من للابتداء أي لم يكن في آبائه مشرك وهو بعيد وفي النهاية في حديث قس أنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة الأمة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى « إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ » انتهى.

وأقول : كأن هذا كان بعد وفاة لوط عليه السلام أو أنه لما لم يكن معه وكان مبعوثا على قوم آخر لم يكن ممن يؤنسه ويقويه على أمره في قومه فغبر بذلك

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٣.

(٢) مجمع البيان ج ٦ : ٣٩١.

١٦٣

في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة أي مكث أو مضى وذهب كما في القاموس فعلى الأول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم وعلى الثاني فاعله ما شاء الله وفي بعض النسخ فصبر فهو موافق للأول وفي بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني.

وإن أهل الكفر كثير المراد بالكفر هنا مقابل الإيمان الكامل كما قال سبحانه « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ » (١) أتدري لم ذاك هذا بيان لحقية هذا الكلام أي قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لأن الله تعالى لم جعل هؤلاء في صورة المؤمنين أو لم خلقهم والمعنى على التقادير أن الله جعل هؤلاء المتشيعة أنسا للمؤمنين لئلا يستوحشوا لقلتهم أو يكون علة لخروج هؤلاء عن الإيمان فالمعنى أن الله تعالى جعل المخالفين أنسا للمؤمنين فيبثون أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم فبذلك خرجوا عن الإيمان.

ويؤيد الاحتمالات المتقدمة خبر علي بن جعفر (٢) فيستريحون إلى ذلك إلى بمعنى مع أو ضمن في متعلقه معنى التوجه ونحوه.

٨ ـ كا : عن العدة عن سهل عن محمد بن أورمة عن النضر عن يحيى بن أبي خالد القماط عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها فقال ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده ثلاثة قال حمران فقلت جعلت فداك ما حال عمار قال رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا.

فقلت في نفسي ما شيء أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات (٣).

بيان : ما أقلنا صيغة تعجب ما أفنيناها أي ما نقدر على أكل جميعها وأشار كلام الراوي والمراد به الإشارة بثلاثة أصابع من يده عليه السلام وثلاثة كلام الإمام والمراد بالثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد كما روى الكشي

__________________

(١) يوسف : ١٠٦.

(٢) الآتي تحت الرقم ٩.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٤٤.

١٦٤

عن الباقر عليه السلام (١) أنه قال : ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد.

قال الراوي فقلت فعمار قال كان جاض جيضة ثم رجع ثم إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ولم يأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم جاض أي عدل عن الحق ومال.

وقال الجوهري (٢) هيهات كلمة تبعيد والتاء مفتوحة مثل كيف وأصلها هاء وناس يكسرونها على كل حال بمنزلة نون التثنية وقد تبدل الهاء الأولى همزة فيقال أيهات مثل هراق وأراق قال الكسائي ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء فقال هيهاه ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء.

٩ ـ كا : عن الحسين بن محمد عن المعلى عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن علي بن جعفر قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول ليس كل من يقول بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا أنسا للمؤمنين (٣).

١٠ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد (٤).

بيان : إلى المؤمن قيل إلى بمعنى مع وأقول كأن فيه تضمينا وهذا تشبيه كامل للمعقول بالمحسوس فإن للظمآن اضطرابا في فراق الماء ويشتد طلبه له فإذا وجده استقر وسكن ويصير سببا لحياته البدني فكذلك المؤمن يشتد شوقه إلى المؤمن وتعطشه في لقائه فإذا وجده سكن

__________________

(١) رجال الكشي ص ١٦.

(٢) الصحاح : ٢٢٥٨.

(٣) الكافي ج ٢ : ٢٤٥.

(٤) الكافي ج ٢ : ٢٤٧.

١٦٥

ومال إليه ويحيا به حياة طيبة روحانية فإنه يصير سببا لقوة إيمانه وإزالة شكوكه وشبهاته وزوال وحشته.

وقيل : هذا السكون ينشأ من أمرين أحدهما الاتحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة والروح كما مر والمتجانسان يميل أحدهما إلى الآخر وكلما كان التناسب والتجانس أكمل كان الميل أعظم كما روي أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وثانيهما المحبة لأن المؤمن لكمال صورته الظاهرة والباطنة بالعلم والإيمان والأخلاق والأعمال محبوب القلوب وتلك الصورة قد تدرك بالبصر والبصيرة وقد تكون سببا للمحبة والسكون بإذن الله تعالى وبسبب العلاقة في الواقع وإن لم يعلم تفصيلها.

٩

(باب)

(أصناف الناس في الإيمان )

الآيات

التوبة : « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (١)

الشعراء : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (٢)

__________________

(١) البراءة ٩٧ ـ ٩٩.

(٢) الشعراء : ١٩٨.

١٦٦

محمد : « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » (١).

تفسير : « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً » الأعراب سكان البادية الذين لم يهاجروا إلى النبي صلى الله عليه واله قال الراغب العرب أولاد إسماعيل والأعراب جمعه في الأصل وصار ذلك اسما لسكان البادية قال تعالى « قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا » وقال « الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً » انتهى (٢).

وكونهم أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وجفائهم ونشوهم في بعد من مشاهدة العلماء وسماع التنزيل « وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا » أي أحق بأن لا يعلموا « حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ » من الشرائع فرائضها وسننها وأحكامها « وَاللهُ عَلِيمٌ » يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر « حَكِيمٌ » فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا.

« وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ » أي يعد « ما يُنْفِقُ » أي يصرفه في سبيل الله ويتصدق به « مَغْرَماً » أي غرامة وخسرانا إذ لا يحتسبه عند الله ولا يرجو عليه ثوابا وإنما ينفق رئاء وتقية « وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ » أي ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث الأيام من الموت والقتل والمغلوبية فيرجع إلى دين المشركين ويتخلص من الإنفاق « عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصونه أو إخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم « وَاللهُ سَمِيعٌ » لما يقولون عند الإنفاق وغيره « عَلِيمٌ » بما يضمرون.

« قُرُباتٍ » أي سبب قربات « وَصَلَواتِ الرَّسُولِ » أي وسبب دعواته لأنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم « أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ » شهادة من الله لهم بصحة معتقدهم وتصديق لرجائهم « سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ » وعد لهم بإحاطة الرحمة عليهم « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » تقرير له.

__________________

(١) القتال : ٣٨.

(٢) المفردات : ٣٢٨ ، وفيه الاعراب ولد إسماعيل.

١٦٧

« ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (١) لفرط عنادهم واستنكافهم من اتباع العجم وما قيل من أن المراد بالأعجمين البهائم فهو في غاية البعد.

« وَإِنْ تَتَوَلَّوْا » (٢) عطف على « وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ » (٣) وقال علي بن إبراهيم يعني عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

« يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » أي يقم مكانكم قوما آخرين وقال علي بن إبراهيم يدخلهم في هذا الأمر « ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » قال في معاداتكم وخلافكم وظلمكم لآل محمد عليه وعليهم السلام.

قال في المجمع « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا » أي تعرضوا عن طاعته وعن أمر رسوله « يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » أمثل وأطوع منكم « ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » بل يكونوا خيرا منكم وأطوع لله منكم.

وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه وكان سلمان إلى جنب رسول الله فضرب صلى الله عليه واله يده على فخذ سلمان فقال هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس.

وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إِنْ تَتَوَلَّوْا » يا معشر العرب « يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » يعني الموالي وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قد والله أبدل بهم خيرا منهم الموالي (٤).

١ ـ مع : عن ماجيلويه عن محمد العطار عن الأشعري عن محمد بن هارون عن أبي يحيى الواسطي عمن ذكره قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون من لم يكن عربيا صلبا ومولى صريحا فهو سفلي فقال وأي

__________________

(١) الشعراء : ١٩٨.

(٢) القتال : ٣٨.

(٣) القتال : ٣٦.

(٤) مجمع البيان ج ٩ ص ١٠٨.

١٦٨

شيء المولى الصريح فقال له الرجل من ملك أبواه قال ولم قالوا هذا قال لقول رسول الله صلى الله عليه واله مولى القوم من أنفسهم فقال سبحان الله أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه واله قال أنا مولى من لا مولى له أنا مولى كل مسلم عربيها وعجميها فمن والى رسول الله صلى الله عليه واله أليس يكون من نفس رسول الله؟

ثم قال أيهما أشرف من كان من نفس رسول الله صلى الله عليه واله أو من كان من نفس أعرابي جلف بائل على عقبيه ثم قال عليه السلام من دخل في الإسلام رغبة خير ممن دخل رهبة ودخل المنافقون رهبة والموالي دخلوا رغبة (١).

بيان : في القاموس الصلب بالضم الشديد والحسب والقوة وقال الصريح الخالص من كل شيء وقال (٢) السفل والسفلة بكسرهما نقيض العلو وقد سفل ككرم وعلم ونصر سفالا وسفولا وتسفل وسفل في خلقه وعلمه ككرم سفلا ويضم وسفالا ككتاب وفي الشيء سفولا نزل من أعلاه إلى أسفله وسفلة الناس بالكسر كفرحة أسافلهم وغوغاؤهم.

مولى القوم من أنفسهم كان غرضه صلى الله عليه واله حثهم على إكرام مواليهم ومعتقيهم ورعايتهم وعدم الإزراء بشأنهم وتعييرهم بخسة نسبهم لا أنهم في حكمهم في جميع الأمور كما فهمه بعض العامة قال في النهاية في حديث الزكاة مولى القوم منهم الظاهر من المذهب والمشهور أن موالي بني هاشم والمطلب لا يحرم عليهم أخذ الزكاة لانتفاء النسب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب وفي مذهب الشافعي على وجه أنه يحرم على الموالي أخذها لهذا الحديث.

ووجه الجمع بين الحديث ونفي التحريم أنه إنما قال هذا القول تنزيها لهم وبعثا على التشبه بسادتهم والاستنان بسنتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٥.

(٢) القاموس ج ٣ : ٣٩٦.

١٦٩

وأقول : غرض القائل أنه ليس غير العرب من نجباء الناس ولما قال رسول الله صلى الله عليه واله مولى القوم من أنفسهم فالمولى الصريح أيضا ملحق بهم فحمل الرواية على الحقيقة والعموم وسائر الناس من أهل فارس وغيرهم من سقاط الناس وأراذلهم وليسوا من أكفاء العرب كما كان عمر يقوله.

وذلك أنه سمع من النبي صلى الله عليه واله أن أنصار علي وأهل بيته عليهم السلام يكونون من العجم ولذا حكم بقتل العجم جميعا لما استولى على بلاد فارس فمنعه أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك وقال قال رسول الله صلى الله عليه واله سنوا بهم سنة أهل الكتاب.فصار أولادهم من أهل العراق وغيرهم من أصحاب أئمتنا صلوات الله عليهم وأنصارهم ومحل أسرارهم ودونوا الأصول وانتشر ببركتهم علوم أهل البيت صلوات الله عليهم في العالم.

وهذا الكلام الذي نقله الراوي عن المتعصبين من المخالفين الذين كانوا أعداء أهل البيت وشيعتهم ومواليهم كان مبنيا على ما ذكرنا فأجاب عليه السلام متعجبا من كلامهم بأن النبي صلى الله عليه واله وإن قال مولى القوم من أنفسهم قال أيضا أنا مولى من لا مولى له فالعجم كلهم رسول الله مولاهم.

وأيضا له صلى الله عليه واله ولاء كل مسلم من العرب والعجم أي هو أولى بأمورهم وناصرهم ومعينهم في الدنيا والآخرة وإن ماتوا ولا وارث لهم فهو وارثهم وعليه نفقتهم إن كانوا فقراء ويجب عليه قضاء ديونهم إن ماتوا ولا مال لهم من بيت مال المسلمين وكذا بعده أوصياؤه عليهم السلام مواليهم بتلك المعاني كما قال رسول الله صلى الله عليه واله باتفاق المخالف والمؤالف من كنت مولاه فعلي مولاه.

ثم بين عليه السلام أنهم أشرف من الموالي الصريح الذي ذكره الراوي لأنه على مقتضى قوله إذا أعتق والدي رجل أعرابي جلف يبول على عقبيه ولا يغسلهما للشقاق الذي فيهما وكان ذلك عادتهم ولذا أمرهم رسول الله صلى الله عليه واله بغسل رجليهم قبل الصلاة وقال ويل للأعقاب من النار فتوهموا أن ذلك في الوضوء

١٧٠

كما ذكره الجزري في النهاية أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول فيصل إلى أرجلهم رشاشته ولا يغسلونها والأول أظهر فكان (١) هذا الرجل مولى صريحا للعرب وهو عندهم أشرف من العجم مع أن العجم مولى رسول الله صلى الله عليه واله بمقتضى الخبر الثاني فهو من نفس رسول الله صلى الله عليه واله بمقتضى الخبر الأول فكيف لا يكون أشرف منه ومن مولاه؟

ثم بين عليه السلام بوجه آخر أن العجم الذين كانوا في ذلك الزمان من شيعتهم وأصحابهم أفضل من العرب الذين يفتخرون هؤلاء بالانتساب بهم فإن الموالي أي أولاد فارس دخلوا في الإسلام رغبة وهم كانوا منافقين أظهروا الإسلام خوفا ورهبة فقوله فمن والى رسول الله صلى الله عليه واله أي دخل في الإسلام ولا مولى له وصار رسول الله مولاه والجلف في أكثر النسخ بالجيم في القاموس الجلف بالكسر الرجل الجافي وفي النهاية الجلف الأحمق وفي بعض النسخ بالخاء المفتوحة واللام الساكنة وهو الرديء من كل شيء.

٢ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن سلمة بن الخطاب عن علي بن محمد الأشعث عن الدهقان عن أحمد بن زيد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : إنما شيعتنا المعادن والأشراف وأهل البيوتات ومن مولده طيب قال علي بن جعفر فسألته عن تفسير ذلك فقال المعادن من قريش والأشراف من العرب وأهل البيوتات من الموالي ومن مولده طيب من أهل السواد (٢).

بيان : أهل السواد أهل العراق لأن أصلهم كانوا من العجم ثم اختلط العرب بهم بعد بناء الكوفة فلا يعدون من العرب ولا من العجم قال في المصباح العرب تسمي الأخضر الأسود لأنه يرى كذلك على بعد ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزروعه.

٣ـ ع : القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه قال سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول المؤمن علوي لأنه علا في المعرفة

__________________

(١) جواب قوله : « إذا أعتق ».

(٢) معاني الأخبار : ١٥٨.

١٧١

والمؤمن هاشمي لأنه هشم الضلالة والمؤمن قرشي لأنه أقر بالشيء المأخوذ عنا والمؤمن عجمي لأنه استعجم عليه أبواب الشر والمؤمن عربي لأن نبيه صلى الله عليه واله عربي وكتابه المنزل « بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » والمؤمن نبطي لأنه استنبط العلم والمؤمن مهاجري لأنه هجر السيئات والمؤمن أنصاري لأنه نصر الله ورسوله وأهل بيت رسول الله والمؤمن مجاهد لأنه يجاهد أعداء الله عز وجل في دولة الباطل بالتقية وفي دولة الحق بالسيف (١).

بيان : كأن المقصود من هذه الرواية أن مناط الشرف والفضل والكرامة الإيمان والتقوى والعمل الصالح فإذا انضمت إليه سائر الجهات كانت أحسن وأشرف وإن افترقتا فصاحب الإيمان والتقوى أشرف وبالكرامة أحرى.

بل يمكن إثبات تلك الصفات له أيضا لأنه متصف بما هو مناط الشرف فيها فالمؤمن علوي لأن فضل العلوي من جهة الانتساب إلى علي عليه السلام من جهة النسب وفضله عليه السلام من جهة كماله في الإيمان والمعرفة والعلم والعمل فمن انتسب إليه عليه السلام بهذه الجهات كان انتسابه الروحاني إليه أقوى من الانتساب الجسماني من جهة النسب فقط فهو علوي لعلوه في المعرفة وانتسابه إليه من هذه الجهة.

وكذا الهاشمي لأن شرافة الانتساب إلى هاشم إما لشرفه أو لشرف الرسول صلى الله عليه واله فإن الانتساب إليه يستلزم قرابته فعلى الأول ففضل هاشم من جهة كونه من أوصياء إبراهيم عليه السلام وكسره للضلالة والبدع أقوى من إطعامه وكسره للثريد فالانتساب إليه من هذه الجهة أقوى والمؤمن منسوب إليه من تلك الجهة وأما على الثاني فظاهر بتقريب ما مر في العلوي.

قال الفيروزآبادي (٢) الهشم كسر الشيء اليابس أو الأجوف أو كسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والأنف أو كل شيء وهاشم أبو عبد المطلب

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ١٥٢.

(٢) القاموس ج ٢ ص ١٩٠. وقد مر نقله فيما سبق.

١٧٢

واسمه عمرو لأنه أول من ثرد الثريد وهشمه.

وهذا البيان بوجهه جاء في القرشي وقوله لأنه أقر بالشيء لرعاية المناسبة اللفظية لا لبيان جهة الاشتقاق وإن أمكن حمله على الاشتقاق الكبير.

قال في القاموس (١) قرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمعه من هاهنا وهاهنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرم أو لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش أي شديد أو لأن قصيا كان يقال له القرشي أو لأنهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها إلى أن قال والنسبة قرشي وقريشي.

وقال (٢) العجم بالضم وبالتحريك خلاف العرب والأعجم من لا يفصح كالاعجمي والأخرس والعجمي من جنسه العجم وإن أفصح وأعجم فلان الكلام ذهب به إلى العجمة واستعجم سكت والقراءة لم يقدر عليها لغلبة النعاس.

وفي النهاية كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم ومنه الحديث فإذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه أي أرتج عليه فلم يقدر أن يقرأ كأنه صار عجمة انتهى.

والحاصل أنه لا يهتدي إلى الشر ولا يأتي منه إلا الخير فهو على بناء المجهول ويحتمل المعلوم وسيأتي الكلام في النبطي وسائر الفقرات ظاهرة مما مر.

ويحتمل أن يكون المعنى أن المؤمن لشرفه وكماله يمكن أن يطلق عليه كل من هذه الألفاظ بوجه حسن وإن كان قريبا مما مر أو المعنى أنه من أي هذه الأصناف كان فإطلاقه عليه بوجه حسن يتضمن مدحا عظيما والأول أظهر.

٤ ـ فس : « وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ » (٣)

__________________

(١) المصدر ج ٢ : ٢٨٣ و ٢٨٤.

(٢) المصدر ج ٤ : ١٤٧.

(٣) الشعراء : ١٩٨.

١٧٣

قال الصادق عليه السلام لو نزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب وقد نزل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم.

٥ ـ فس : عن محمد الحميري عن أبيه عن السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن يعقوب بن قيس قال قال أبو عبد الله عليه السلام يا ابن قيس « وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » (١) عنى أبناء الموالي المعتقين.

٦ ـ ب : عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لو كان العلم منوطا بالثريا لتناولته رجال من فارس (٢).

٧ ـ ب : بهذا الإسناد قال : قال النبي صلى الله عليه واله في فارس ضربتموهم على تنزيله ولا تنقضي الدنيا حتى يضربوكم على تأويله (٣).

٨ ـ ع : عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن عبد الله بن حماد عن شريك عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله لا تسبوا قريشا ولا تبغضوا العرب ولا تذلوا الموالي ولا تساكنوا الخوز ولا تزوجوا إليهم فإن لهم عرقا يدعوهم إلى غير الوفاء (٤).

بيان : الموالي المعتقون وأبناؤهم ومن لحق بقبيلة وليس منهم وكأن المراد في الأخبار العجم فإن أولاد الفرس غلب العرب على آبائهم فكأنهم أعتقوهم أو أنهم لإيمانهم ألحقوا بأئمتهم فصاروا موالي العرب وفي القاموس (٥) الخوز بالضم جيل من الناس واسم لجميع بلاد خوزستان.

٩ ـ ع : عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن عاصم عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يفتري على الرجل

__________________

(١) القتال : ٣٨.

(٢) قرب الإسناد : ٥٢ ط حجرى.

(٣) قرب الإسناد ص ٥٢.

(٤) علل الشرائع ج ٢ : ٧٩.

(٥) القاموس ج ٢ : ١٧٥.

١٧٤

من جاهلية العرب قال يضرب حدا قلت حدا قال نعم إن (١) يدخل على رسول الله صلى الله عليه واله (٢).

بيان : كأنه محمول على ما إذا سرى شينه إليه صلى الله عليه واله كأجداده وجداته أو أقاربه القريبة كما يومئ إليه قوله إنه يدخل أي عيبه وعاره أو هو من الدخل بمعنى العيب ولو كان إن يدخل كما في بعض النسخ كان ما ذكرنا أظهر.

١٠ ـ ع : عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن عبد العظيم الحسني عن حرب عن شيخ من بني أسد يقال له عمرو عن ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أصاب بعيرا لنا علة ونحن في ماء لبني سليم فقال الغلام لأبي عبد الله عليه السلام يا مولاي أنحره قال لا تلبث فلما سرنا أربعة أميال قال يا غلام انزل فانحره ولأن تأكله السباع أحب إلي من أن تأكله الأعراب (٣).

١١ ـ مع : عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : صعد رسول الله صلى الله عليه واله المنبر يوم فتح مكة ثم قال أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد ذهب عنكم بنخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ألا إنكم من آدم وآدم من طين وخير عباد الله عنده أتقاهم إن العربية ليست بأب والد ولكنها لسان ناطق فمن قصر به عمله (٤) فلم يبلغه رضوان الله حسبه ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة فهو تحت قدمي هاتين إلى يوم القيامة (٥).

بيان : إن العربية إلخ أي العربية الممدوحة إنما هي باللسان بأن

__________________

(١) انه يدخل ، خ ل.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٧٩.

(٣) علل الشرائع ج ٢ : ٢٨٦.

(٤) علمه ولم يبلغه خ ل.

(٥) معاني الأخبار : ٢٠٧.

١٧٥

يقر بالحق ويلحق بالرسول وأهل بيته وإن كان من العجم لا يكون آباؤه من العرب ثم بين عليه السلام أن الحسب لا ينفع بدون العمل تحت قدمي أي أبطلته لا يطلب به في الإسلام.

١٢ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن يوسف عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال قال : الناس ثلاثة عربي ومولى وعلج فأما العرب فنحن وأما المولى فمن والانا وأما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا (١).

بيان : في النهاية العلج الرجل من كفار العجم وغيرهم.

١٣ ـ مع : بالإسناد المتقدم عن الحسن بن يوسف عن عثمان بن جبلة عن ضريس بن عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول نحن قريش وشيعتنا العرب وعدونا العجم (٢).

بيان : وشيعتنا العرب أي العرب الممدوح من كان شيعتنا وإن كان عجما والعجم المذموم من كان عدونا وإن كان عربا.

١٤ ـ مع : بالإسناد المتقدم عن سلمة عن عمرو بن سعيد بن خثيم عن أخيه معمر عن محمد بن علي عليه السلام قال : نحن العرب وشيعتنا منا سائر الناس همج أو هبج قال قلت وما الهمج قال الذباب فقلت وما الهبج قال البق (٣).

بيان : في القاموس الهمج محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير والهبج بهذا المعنى لم أجده في كتب اللغة قال في القاموس الهبج محركة كالورم في ضرع الناقة.

١٥ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٣.

(٢) المصدر : ٤٠٣.

(٣) المصدر : ٤٠٤.

١٧٦

داود بن الحصين عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له ما يزال الرجل ممن ينتحل أمرنا يقول لمن من الله عليه بالإسلام يا نبطي قال فقال نحن أهل البيت والنبط من ذرية إبراهيم (١) إنما هما نبطان من النبط الماء والطين وليس بضاره في ذريته شيء فقوم استنبطوا العلم فنحن هم (٢).

بيان : قال في المصباح النبط جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم والجمع أنباط كسبب وأسباب الواحد نباطي بزيادة ألف والنون تضم وتفتح قال الليث ورجل نبطي ومنعه ابن الأعرابي واستنبطت الحكم استخرجته بالاجتهاد وأنبطته إنباطا مثله وأصله من استنبط الحافر الماء وأنبطه إنباطا إذا استخرجه بعلمه.

وفي النهاية : نبط الماء ينبط إذا نبع وأنبط الحفار بلغ الماء في البئر والاستنباط الاستخراج والنبط والنبيط الماء يخرج من قعر البئر إذا احتفرت وفي حديث عمر تمعدوا ولا تستنبطوا أي تشبهوا بمعد ولا تشبهوا بالنبط النبط والنبيط جيل معروف كانوا ينزلون بالبطايح بين العراقين ومنه حديثه الآخر لا تنبطوا في المدائن أي لا تشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذها العقار والملك.

وحديث ابن عباس نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى (٣) قيل لأن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ولد بها وكان النبط سكانها.

ومنه حديث عمرو بن معديكرب سأله عمر عن سعد فقال أعرابي في حبوته نبطي في جبوته أراد أنه في جباية الخراج وعمارة الأرضين كالنبط حذقا بها ومهارة فيها لأنهم كانوا سكان العراق وأربابها.

__________________

(١) من ذرية آدم وإبراهيم انما هما نبطيان من أنبط الماء والطين خ ل.

(٢) معاني الأخبار ص ٤٠٤.

(٣) كوثى ـ بالضم ـ بلدة بالعراق قاله الفيروزآبادي.

١٧٧

وفي حديث الشعبي أن رجلا قال لآخر يا نبطي قال لا حد عليه كلنا نبط يريد الجوار والدار دون الولادة.

وفي الصحاح (١) في كلام أيوب بن القرية أهل عمان عرب استنبطوا وأهل البحرين نبيط استعربوا.

وفي القاموس النبط محركة أول ما يظهر من ماء البئر وأنبط الحافر انتهى إليها وغور المرء وجيل ينزلون بالبطايح بين العراقين كالنبيط والأنباط وهو نبطي محركة وتنبط تشبه بهم أو تنسب إليهم والكلام استخرجه وكل ما أظهر بعد خفاء فقد أنبط واستنبط مجهولين واستنبط الفقيه استخرج الفقه الباطن بفهمه واجتهاده (٢).

إذا عرفت هذا فاعلم أن الخبر يحتمل وجهين :

أحدهما أن المراد أنا أهل البيت والنبط جميعا من ذرية إبراهيم إما على الحقيقة أو على التأويل لأنه عليه السلام كان يساكنهم في ديارهم فلهم أيضا شرافة النسب ثم بين عليه السلام فضلهم من جهة اشتقاق اللفظ فقال النبط له اشتقاقان.

أحدهما من استنباط الماء وتعمير الأرض وهذا لا يضرهم إن لم يفعلوا مثل أفعالهم فإن فعل الآباء لا يضر الأبناء فهذا لا يصير سببا لذمهم كما يوهمه كلام عمر وثانيهما استنباط العلم والحكمة فنحن أنباط بهذا المعنى وشيعتنا الذين يستنبطون منا داخلون في ذلك كما قال سبحانه « لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (٣).

وثانيهما : أن يكون المعنى أنا أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وخلفاؤه وبذلك لنا الفضيلة على سائر الخلق وليس لغيرنا فضل على النبط لأنهم أيضا من

__________________

(١) الصحاح : ١١٦٢.

(٢) القاموس ج ٢ ص ٣٨٧.

(٣) النساء : ٨٣.

١٧٨

ذرية إبراهيم.

ثم بين عليه السلام أن للنبطي بحسب الاشتقاق معنيين أحدهما مستخرج الماء من الطين وهذا لا يضرهم في شرافة نسبهم والآخر استنباط العلم فنحن هم فلا يكون النبطي شتما لهم بل هو مدح لهم وعلى التقديرين ضمير ضاره عائد إلى إبراهيم عليه السلام وكذا ضمير ذريته ويحتمل عودهما إلى النبطي وعود الأول إلى النبطي والثاني إلى إبراهيم عليه‌السلام :

وفي بعض النسخ من ذرية آدم وإبراهيم ولا يختلف المعنى ويحتمل أن يكون المراد بالنبط من يقال له على وجه الذم نبطي أي الذين أسلموا بعد الكفر والأسر وهم كانوا غالبا إما من قريش أو أهل الكتاب وهم من ذرية إبراهيم عليه السلام ويحتمل الخبر وجوها أخر تظهر مما ذكرنا للمتدبر.

١٦ ـ مع : عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن أخي دارم عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا من أرضه ويسلم فذلك المولى (١).

١٧ ـ مع : عن ماجيلويه عن محمد العطار عن الأشعري عن سهل عن ابن يزيد عن ابن عبد ربه بن نافع عن الحباب بن موسى عن أبي جعفر عليه السلام قال : من ولد في الإسلام حرا فهو عربي ومن كان له عهد فخفر في عهده فهو مولى رسول صلى الله عليه واله ومن دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر (٢).

بيان : فهو عربي أي في حقيقته الشرعية أو في حكم وجوب الإكرام والاحترام ومن كان له عهد أي ذمة وأمان من مسلم فهو مولى رسول الله فإنه حكم بوجوب إمضاء عهده وأمانه فإذا خفر في عهده ونقض أمانه فقد نقض عهد مولى رسول الله.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٤٠٤.

(٢) معاني الأخبار : ٤٠٥.

١٧٩

في القاموس خفره وبه وعليه يخفر ويخفر خفرا أجاره ومنعه وآمنه وخفر به خفرا وخفورا نقض عهده وغدره كأخفره (١) وقال المولى العبد والمعتق والمعتق والجار والحليف والمنعم والمنعم عليه فهو مهاجر أي في حكمه في الأجر والحرمة.

١٨ ـ ل : عن أبيه عن سعد عن سلمة بن الخطاب عن الحسين بن يوسف عن صالح بن عقبة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : الناس ثلاثة عربي ومولى وعلج فأما العرب فنحن وأما الموالي فمن والانا وأما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا (٢).

١٩ ـ مع : روي أن الصادق عليه السلام قال : من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ومن سبي وأعتق فهو مولى ومولى القوم من أنفسهم (٣).

٢٠ ـ سن : عن إسماعيل بن مهران عن أبيه عن إسحاق بن جرير قال قال أبو عبد الله عليه السلام جاءني ابن عمك كأنه أعرابي مجنون عليه إزار وطيلسان ونعلان في يده فقال لي إن قوما يقولون فيك فقلت ألست عربيا قال بلى فقلت إن العرب لا تبغض عليا ثم قلت له لعلك ممن يكذب بالحوض أما والله لئن أبغضته ثم وردت عليه الحوض لتموتن عطشا (٤).

بيان : يقولون فيك أي بالإمامة أو أقوالا.

٢١ ـ شي : عن بعض أصحابه عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن هذه الآية « فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ

__________________

(١) القاموس ج ٢ : ٢٢.

(٢) الخصال ج ١ : ٦٠.

(٣) معاني الأخبار : ٢٣٩.

(٤) المحاسن : ٨٩ و ٩٠.

١٨٠