بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فكل العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل الله وعرفها من حيث إنها فعل الله وأحبها من حيث إنها فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا لله وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من حيث هو عبد الله فهذا هو الذي يقال فيه إنه فني في التوحيد وإنه فني في نفسه وإليه الإشارة بقول من قال كنا بنا ففنينا عنا فبقينا بلا نحن.

فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام ولاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يغنيهم.

فهذا هو السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى وانضم إليه أن المدركات كلها التي هي شاهدة على الله إنما يدركها الإنسان في الصبي عند فقد العقل قليلا قليلا وهو مستغرق الهم بشهواته وقد أنس بمدركاته ومحسوساته إلفها فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا أو فعلا من أفعال الله خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقال سبحان الله وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وسائر الحيوانات المألوفة وكلها شواهد قاطعة ولا يحس بشهادتها لطول الأنس بها.

ولو فرض أكمه بلغ عاقلا ثم انقشعت الغشاوة عن عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة واحدة على سبيل الفجأة يخاف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها.

وهذا وأمثاله من الأسباب مع الانهماك في الشهوات وهي التي سدت على الخلق سبيل الاستضاءة بأنوار المعرفة والسباحة في بحارها الواسعة والجليات إذا صارت مطلوبة صارت معتاصة (١) فهذا سد الأمر فليتحقق ولذلك قيل

__________________

(١) اعتاص عليه الامر : أى التوى ، منه رحمه‌الله.

١٤١

لقد ظهرت فلا تخفى على أحد

إلا على أكمه لا يعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت محتجبا

فكيف يعرف من بالعرف استترا

وفي كلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله على جده وأبيه وأمه وأخيه وعليه وبنيه ما يرشدك إلى هذا العيان بل يغنيك عن هذا البيان حيث قال في دعاء عرفة :

كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا

وقال : أيضا : تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء وقال تعرفت إلي في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فأنت الظاهر لكل شيء انتهى.

وأقول : قد مضى أكثر أخبار هذا الباب في كتاب التوحيد (١).

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٢٧٦ ـ ٢٨٢ من هذه الطبعة ، باب الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق.

١٤٢

٥

(باب)

(فيما يدفع الله بالمؤمن)

١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن علي بن الحسن التيمي (١) عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء (٢).

بيان : عن القرية أي عن أهلها بحذف المضاف كما في قوله تعالى « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ » (٣) وذلك الدفع إما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم.

٢ ـ كا : عن محمد عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين (٤).

بيان : ويمكن رفع التنافي بينه وبين الأول بوجوه :

الأول : أن الأول محمول على النادر والثاني على الغالب أو الحتم.

الثاني : أن يراد بالمؤمن في الأول الكامل وفي الثاني غيره.

الثالث : أن يحملا على اختلاف المعاصي واستحقاق العذاب فيها فإنها مختلفة ففي القليل والخفيف منها يدفع بالواحد وفي الكثير والغليظ منها

__________________

(١) منسوب الى تيم اللات ، والرجل علي بن الحسن بن فضال الفطحى الثقة. وفي نسخة الكمباني « الميثمى » وهو تصحيف.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٢٤٧.

(٣) يوسف : ٨٢.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٤٧.

١٤٣

لا يدفع إلا بالسبعة مع أن المفهوم لا يعارض المنطوق.

٣ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قيل له في العذاب إذا نزل بقوم يصيب المؤمنين قال نعم ولكن يخلصون بعده (١).

بيان : ولكن يخلصون بعده أي ينجون بعد نزول العذاب بهم في البرزخ والقيامة في المصباح خلص الشيء من التلف خلوصا من باب قعد وخلاصا ومخلصا سلم ونجا وخلص الماء من الكدر صفا انتهى.

ويشكل الجمع بينه وبين الخبرين السابقين ويمكن الجمع بوجوه :

الأول : حمل العذاب في الأولين على نوع منه كعذاب الاستيصال كما أنه سبحانه أخرج لوطا وأهله من بين قومه ثم أنزل العذاب عليهم وهذا الخبر على نوع آخر كالوباء والقحط.

الثاني : أن يحمل هذا على النادر وما مر على الغالب على بعض الوجوه.

الثالث : حمل هذا على أقل من السبعة وحمل الواحد على النادر وما قيل إن المراد بالخلاص الخلاص في الدنيا فهو بعيد مع أنه لا ينفع في دفع التنافي.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٧.

١٤٤

٦

(باب)

(حقوق المؤمن على الله عز وجل)

(وما ضمن الله تعالى له)

١ ـ ل : عن أبيه عن سعد عن البرقي عن محمد بن عبد الله بن مهران عن علي بن الحسين بن عبيد الله اليشكري عن محمد بن المثنى الحضرمي عن عثمان بن زيد عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال : للمؤمن على الله عز وجل عشرون خصلة يفي له بها له على الله تبارك وتعالى أن لا يفتنه ولا يضله وله على الله أن لا يعريه ولا يجوعه وله على الله أن لا يشمت به عدوه وله على الله أن لا يهتك ستره وله على الله أن لا يخذله ويعزه وله على الله أن لا يميته غرقا ولا حرقا وله على الله أن لا يقع على شيء. ولا يقع عليه شيء.

وله على الله أن يقيه مكر الماكرين وله على الله أن يعيذه من سطوات الجبارين وله على الله أن يجعله معنا في الدنيا والآخرة وله على الله أن لا يسلط عليه من الأدواء ما يشين خلقته وله على الله أن يعيذه من البرص والجذام وله على الله أن لا يميته على كبيرة وله على الله أن لا ينسيه مقامه في المعاصي حتى يحدث توبة وله على الله أن لا يحجب عنه علمه ومعرفته بحجته.

وله على الله أن لا يغرز في قلبه الباطل وله على الله أن يحشره يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه وله على الله أن يوفقه لكل خير وله على الله أن لا يسلط عليه عدوه فيذله وله على الله أن يختم له بالأمن والإيمان ويجعله معنا في الرفيق الأعلى هذه شرائط الله عز وجل للمؤمنين (١).

__________________

(١) الخصال : ج ٢ : ٩٩.

١٤٥

بيان : قوله عليه السلام ولا يضله عطف تفسير لقوله لا يفتنه وهتك الستر الفضيحة بالعيوب والمعاصي وذكر البرص والجذام بعد قوله ما يشين خلقه تخصيص بعد التعميم وبذلك عدا شيئين وكذلك تسليط العدو وسطوات الجبارين بينهما العموم والخصوص فالمراد بالعدو غير الجبارين أن لا يحجب عنه علمه أي بالحجة أو مطلقا بعد الفحص.

وفي المصباح غرزته غرزا من باب ضرب أثبته بالأرض وفي النهاية في حديث الدعاء وألحقني بالرفيق الأعلى الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع ومنه قوله تعالى « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » (١) انتهى. ثم إن أكثر هذه الخصال يحتمل أن تكون مبنية على الغالب ومشروطة بالشرائط.

٢ ـ ما : المفيد عن الصدوق عن ابن المتوكل عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن محمد بن سنان عن المفضل قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله تعالى ضمن للمؤمن ضمانا قال قلت ما هو قال ضمن له إن أقر لله بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه واله بالنبوة ولعلي عليه السلام بالإمامة وأدى ما افترض عليه أن يسكنه في جواره قال فقلت هذه والله هي الكرامة التي لا تشبهها كرامة الآدميين ثم قال أبو عبد الله عليه السلام اعملوا قليلا تنعموا كثيرا (٢).

ثو : ابن المتوكل مثله (٣).

__________________

(١) النساء : ٦٩.

(٢) أمالي الشيخ ص ١٩٥.

(٣) ثواب الأعمال ص ٥.

١٤٦

٧

(باب)

(الرضا بموهبة الإيمان وأنه من أعظم النعم)

(وما أخذ الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الأذى)

١ ـ ما : الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن موسى بن جعفر عليه السلام قال : إن رجلا جاء إلى سيدنا الصادق عليه السلام فشكا إليه الفقر فقال ليس الأمر كما ذكرت وما أعرفك فقيرا قال والله يا سيدي ما استبنت وذكر من الفقر قطعة والصادق عليه السلام يكذبه إلى أن قال خبرني لو أعطيت بالبراءة منا مائة دينار كنت تأخذ قال لا إلى أن ذكر ألوف دنانير والرجل يحلف أنه لا يفعل فقال له من معه سلعة يعطى هذا المال لا يبيعها هو فقير؟

بيان : ما استبنت أي ما حققت حالي وما استوضحتها حيث لم تعرفني فقيرا.

٢ ـ ير : عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد ومحمد بن جمهور عن عبد الله بن عبد الرحمن عن الهيثم بن واقد عن أبي يوسف البزاز قال : تلا أبو عبد الله عليه السلام علينا هذه الآية « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ » (١) قال أتدري ما آلاء الله قلت لا قال هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا (٢).

٣ ـ سن : عن ابن فضال عن ثعلبة عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيد قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الأعراف : ٧٤.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٨١.

١٤٧

وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له ولقد كان أول من استجاب له علي بن أبي طالب عليه السلام وقد قال له رسول الله صلى الله عليه واله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (١).

٤ ـ سن : عن ابن فضال عن علي بن شجرة عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه أنسا يسكن إليه حتى لو كان على قلة جبل لم يستوحش إلى من خالفه (٢).

بيان : القلة بالضم أعلى الجبل وقلة كل شيء أعلاه يستوحش إلى من خالفه أي ممن خالفه والظاهر لم يستوحش كما في بعض النسخ بتضمين معنى الميل أي لم يستوحش من الوحدة فيميل إلى من خالفه في الدين ويأنس به في القاموس الوحشة الهم والخلوة والخوف واستوحش وجد الوحشة.

٥ ـ سن : عن ابن فضال عن ابن فضيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قال الله تبارك وتعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن المؤمن فإني أحب لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه ولو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي وجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج معه إلى أحد (٣).

٦ ـ سن : عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي قال قال أبو عبد الله عليه السلام قال الله تبارك وتعالى ليأذن بحرب مني مستذل عبدي المؤمن وما ترددت في شيء كترددي في موت المؤمن إني لأحب لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه وإنه ليدعوني في أمر فأستجيب له لما هو خير له ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه

__________________

(١) المحاسن : ١٥٩.

(٢) المحاسن : ١٥٩.

(٣) المحاسن : ١٥٩ و ١٦٠.

١٤٨

أنسا لا يستوحش فيه إلى أحد (١).

بيان : ليأذن بحرب مني أي ليعلم أني أحاربه كناية عن شدة غضبه عليه أو أنه في حكم محاربي كما قال تعالى « فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ » (٢) قال الطبرسي أي اعلموا بحرب والمعنى أنكم في امتناعكم حرب لله ولرسوله قوله لاستغنيت به أي لأقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء ورفعت عن الناس العذاب والبلاء لوجود هذا المؤمن لأن هذا يكفي لبقاء هذا النظام لا يستوحش فيه كان كلمة في تعليلية والضمير للإيمان وليست هذه الكلمة في أكثر الروايات وهو أظهر.

٧ ـ سن : عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر أخي أديم قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام ما يضر أحدكم أن يكون على قلة جبل يجوع يوما ويشبع يوما إذا كان على دين الله (٣).

٨ ـ سن : عن أبيه عن حماد بن عيسى عن ربعي عن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال : سلامة الدين وصحة البدن خير من زينة الدنيا حسب (٤).

٩ ـ عدة الداعي : عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تبارك وتعالى ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن ولو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع أرضين وسبع سماوات بهما ولجعلت لهما من إيمانهما أنسا لا يحتاجان إلى البشر سواهما (٥).

__________________

(١) المحاسن : ١٦٠.

(٢) البقرة : ٢٧٩.

(٣) المحاسن : ١٦٠.

(٤) المحاسن : ٢١٩.

(٥) عدة الداعي : ١٣٨.

١٤٩

١٠ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن كليب بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه فمن دونه المؤمن عزيز في دينه (١).

بيان : أن يستوحش أي يجد الوحشة ولعله ضمن معنى الميل والسكون فعدي بإلى أي استوحش من الناس مائلا أو ساكنا إلى أخيه.

قال في الوافي ضمن الاستيحاش معنى الاستيناس فعداه بإلى وإنما لا ينبغي له ذلك لأنه ذل فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته لا يرغب في صحبته.

وقال بعضهم إلى بمعنى مع والمراد بأخيه أخوه النسبي ومن موصولة ودون منصوب بالظرفية والضمير لأخيه أي لا ينبغي للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا فمن كان دون هذا الأخ من الأقارب والأجانب وقيل أي لا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من الله ومن الإيمان به إلى أخيه فكيف من دونه إذ للمؤمن أنس بالإيمان وقرب الحق من غير وحشة فلو انتفى الأنس وتحققت الوحشة انتفى الإيمان والقرب.

وأقول : الأظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ينبغي أن يجد الوحشة من قلة أحبائه وموافقيه وكثرة أعدائه ومخالفيه فيأنس لذلك ويميل إلى أخيه الديني أو النسبي فمن دونه من الأعادي أو الأجانب وقوله المؤمن عزيز في دينه جملة استئنافية فكأنه يقول قائل لم لا يستوحش فيجيب بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه فلا يحتاج في عزه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به والحاصل أن عزته بالدين لا بالعشائر والتابعين فكلمة في سببية.

وأقول في بعض النسخ عمن دونه وفي بعضها عن دونه فهو صلة للاستيحاش أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره.

١١ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن فضالة بن أيوب عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة عن فضيل بن يسار قال : دخلت على

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٥.

١٥٠

أبي عبد الله عليه السلام في مرضة مرضها لم يبق منه إلا رأسه فقال يا فضيل إنني كثيرا ما أقول ما على رجل عرفه الله هذا الأمر لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم.

يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له (١) ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له يا فضيل بن يسار إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له يا فضيل بن يسار لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنه من كان همه هما واحدا كفاه الله همه (٢) ومن كان همه في كل واد لم يبال الله بأي واد هلك (٣).

محص : الفضيل مثله بأدنى تغيير واختصار.

بيان : في مرضة بالفتح أو بالتحريك وكلاهما مصدر مرضها أي مرض بها وقيل البارز في مرضها مفعول مطلق للنوع لم يبق منه إلا رأسه من للتبعيض والضمير للإمام عليه السلام أي من أعضائه أو للتعليل والضمير للمرض والأول أظهر والمعنى أنه نحف جميع أعضائه وهزلت حتى كأنه لم يبق منها شيء إلا رأسه فإنه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا أو المراد أنه لم يبق قوة الحركة في شيء من أعضائه إلا في رأسه والأول أظهر.

كثيرا ما أقول ما زائدة للإبهام وما في قوله ما على رجل نافية أو استفهامية للإنكار وحاصلهما واحد أي لا ضرر ولا وحشة عليه أخذوا يمينا وشمالا أي عدلوا عن الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه من الإفراط كالخوارج أو التفريط كالمخالفين له ما بين المشرق أي والحال أن له ما بينهما أو أصبح بمعنى صار مقطعا على بناء المفعول للتكثير أعضاؤه

__________________

(١) في التمحيص : لو أصبح له ملك ما بين المشرق إلخ.

(٢) في التمحيص : كفاه الله ما أهمه.

(٣) الكافي ج ٢ ص ٢٤٦.

١٥١

بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا ومنهم من قرأ أعضاء بالنصب على التميز.

وقوله عليه السلام إن الله لا يفعل بالمؤمن تعليل لهاتين الجملتين فإنه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن لم يكن ذلك على سبيل الاستدراج بل لأنه علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير ولا يصير ذلك سببا لنقص قدره عند الله كما فعل ذلك بسليمان عليه السلام بخلاف ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن فإنه لإتمام الحجة عليه واستدراجه فيصير سببا لشدة عذابه.

وكذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه فإنما هو لمزيد قربه عنده تعالى ورفعة درجاته في الآخرة فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين ويرضى بقضائه فيهما.

ولما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين وابتلائهم بأنواع البلاء وغنى الكفار والأشرار والجهال رغب الأولين بالصبر وحذر الآخرين عن الاغترار بالدنيا والفخر بقوله عليه السلام لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده بل لهوانهم عليه ولذا لم يعطهم من الآخرة التي لها عنده قدر ومنزلة شيئا وقد قال تعالى « وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » (١).

إنه من كان همه هما واحدا الهم القصد والعزم والحزن والحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا وهو طلب دين الحق ورضى الله تعالى وقربه وطاعته ولم يخلطه بالأغراض النفسانية والأهواء الباطلة فإن الحق واحد وللباطل شعب كثيرة أو غرضه في العبادات قربه تعالى ورضاه دون الأغراض الدنيوية كفاه الله همه أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود ونصره على النفس والشيطان وجنود الجهل ومن كان همه في كل واد من أودية الضلالة والجهالة لم يبال الله بأي واد هلك أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه وتركه مع نفسه و

__________________

(١) الزخرف : ٣٣.

١٥٢

أهوائها حتى يهلك باختيار واحد من الأديان الباطلة أو الأغراض الباطلة.

أو كل واد من أودية الدنيا وكل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء من حب المال والجاه والشرف والعلو ولذة المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك من الأمور الفانية الباطلة.

والحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية أو الآراء الباطلة ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق وطاعة الله وما يوجب قربه لم يمدده الله بنصره وتوفيقه ولم يكن له عند الله قدر ومنزلة ولم يبال بأي طريق سلك ولا في أي واد هلك وقيل بأي واد من أودية جهنم.

وقيل يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد إلى الله والتوكل عليه في جميع الأمور فإنه تعالى يكفيه هم الدنيا والآخرة بخلاف من اعتمد على رأيه وقطع علاقة التوكل عن نفسه ويحتمل أن يكون المراد بالهم الحزن والغم أي من كان حزنه للآخرة كفاه الله ذلك وأوصله إلى سرور الأبد ومن كان حزنه للدنيا وكله الله إلى نفسه حتى يهلك في واد من أودية أهوائها.

١٢ ـ كا : عن العدة عن البرقي عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن فضيل بن يسار عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري قال قال أبو جعفر عليه السلام يا عبد الواحد ما يضر رجلا إذا كان على ذا الرأي ما قال الناس له ولو قالوا مجنون وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت (١).

بيان : ما يضر ما نافية ويحتمل الاستفهام على الإنكار على ذا الرأي أي على هذا الرأي وهو التشيع ما قال فاعل ما يضره ولو قالوا مجنون فإن هذا أقصى ما يمكن أن يقال فيه كما قالوا في الرسول صلى الله عليه واله وما يضره أي قول الناس وهذا أيضا يحتمل الاستفهام على الإنكار ولو كان على رأس جبل أي لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه وضررهم يعبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٥.

١٥٣

حال أو استئناف كأنه سئل كيف لا يضره ذلك قال لأنه يعبد الله حتى يأتيه الموت.

١٣ ـ كا : عن علي بن إبراهيم عن ابن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن المعلى عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله تبارك وتعالى لو لم يكن في الأرض إلا مؤمن واحد لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يحتاج إلى أحد (١).

بيان : يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد الإمام أو لا بد من أحد غيره يؤمن به والأول أظهر لما مر من كون إبراهيم عليه السلام أمة وقد مر ما يؤيد الثاني أيضا وأما كون الإيمان سببا للأنس وعدم الاستيحاش لأنه يتفكر في الله وصفاته وفي صفات الأنبياء والأئمة عليهم السلام وحالاتهم وفي درجات الآخرة ونعمها ويتلو كتاب الله ويدعوه فيعبده فيأنس به سبحانه كما سئل عن راهب لم لا تستوحش عن الخلوة قال لأني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب الله وإذا أردت أن أكلم أحدا أناجي الله.

١٤ ـ كا : عن محمد عن أحمد عن ابن أبي نصر عن الحسين بن موسى عن ابن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال : ما يبالي من عرفه الله هذا الأمر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتى يأتيه الموت (٢).

بيان : ما يبالي خبر أو المعنى ينبغي أن لا يبالي من عرفه هذا الأمر أي دين الإمامية.

كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن منصور الصيقل والمعلى بن خنيس قالا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول قال رسول الله صلى الله عليه واله قال الله عز وجل ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إنني لأحب لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه وإنه

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٤٥.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٢٤٥.

١٥٤

ليدعوني فأجيبه وإنه ليسألني فأعطيه ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد (١).

تبيين : ما ترددت في شيء هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين ومن المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق في الأمور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها إما لجهلهم بعواقبها أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع ونحوه ولهذا قال أنا فاعله أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به التردد في التقديم والتأخير لا في أصل الفعل.

وعلى التقديرين فلا بد فيه من تأويل وفيه وجوه عند الخاصة والعامة أما عند الخاصة فثلاثة :

الأول أن في الكلام إضمارا والتقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شيء كترددي في وفاة المؤمن.

الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدو بل يوقعها من غير تردد وتأمل صح أن يعبر عن توقير الشخص واحترامه بالتردد وعن إذلاله واحتقاره بعدمه فالمعنى ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.

الثالث : أنه ورد من طريق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار فيقل تأذيه به ويصير راضيا بنزوله وراغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا الألم إليه على وجه يقل تأذيه.

فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية والراحة العظيمة

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٦.

١٥٥

إلى أن يتلقاه بالقبول ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول فيكون في الكلام استعارة تمثيلية.

وأما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلاثة :

الأول أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردده في قبض روحه فإنه متردد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت فأنا ألطفه وأبشره حتى أصرفه عن كراهة الموت فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة وتعظيما له كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه عبدي مرضت فلم تعدني فيقول كيف تمرض وأنت رب العالمين فيقول مرض عبدي فلان فلم تعده فلو عدته لوجدتني عنده وكما أضاف مرض وليه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده وتنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك.

الثاني أن ترددت في اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت وتفكرت ودبرت وتدبرت فكأنه يقول ما رددت ملائكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فارددهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي وبما أعددت له عندي كما ردد ملك الموت عليه السلام إلى إبراهيم وموسى عليهما السلام في القصتين المشهورتين إلى أن اختار الموت فقبضهما كذلك خواص المؤمنين من الأولياء يرددهم إليهم رفقا وكرامة ليميلوا إلى الموت ويحبوا لقاءه تعالى.

الثالث أن معناه ما رددت الأعلال والأمراض والبر واللطف والرفق حتى يرى بالبر عطفي وكرمي فيميل إلى لقائي طمعا وبالبلايا والعلل فيتبرم بالدنيا ولا يكره الخروج منها.

وما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت لا ينافي ما دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء الله ولا يكرهه إما لما ذكره

١٥٦

الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب فإنه ليس شيء حينئذ أحب إليه من الموت ولقاء الله أو لأنه يكره الموت من حيث التألم به وهما متغايران وكراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الآخر أو لأن حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه وهو يستلزم كراهة الموت القاطع له واللازم لا ينافي الملزوم قوله تعالى وإنه ليدعوني بأن يقول يا الله مثلا فأجيبه بأن يقول له لبيك مثلا وإنه ليسألني أي يطلب حاجته كأن يقول اصرف عني الموت لاستغنيت به أي اكتفيت به في إبقاء نظام العالم للمصلحة وضمن يستوحش معنى الاحتياج ونحوه فعدي بإلى كما مر.

٨

(باب)

(قلة عدد المؤمنين وأنه ينبغي أن لا يستوحشوا لقلتهم وأنس المؤمنين بعضهم ببعض)

الآيات : قال تعالى « وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » (١).

وقال « وَقَلِيلٌ ما هُمْ » (٢).

وقال « وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ » (٣).

وقال سبحانه « بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ » (٤).

وقال « وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ » (٥)

__________________

(١) سبأ : ١٣.

(٢) ص : ٢٤.

(٣) هود : ٤٠.

(٤) العنكبوت : ٦٣.

(٥) يونس : ٦٠ النمل : ٧٣.

١٥٧

وأقول : مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الأوهام العامية أن الكثرة دليل الحقية والقلة دليل البطلان ولذا يميل أكثر الناس إلى السواد الأعظم مع أن في أعصار جميع الأنبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف أتباعهم وأوليائهم وقد ذم الكثير ومدح القليل الرب الجليل في التنزيل والله يهدي إلى سواء السبيل.

١ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل (١).

بيان : لما كانت العادة جارية بأن يستوحش الناس من الوحدة وقلة الرفيق في الطريق لا سيما إذا كان طويلا صعبا غير مأنوس فنهى عن الاستيحاش في تلك الطريق وكنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة بأنهم ليسوا على الحق لقلتهم وكثرة مخالفيهم كما أشرنا إليه.

وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة الهلاك والسلامة مع الكثرة فنبههم عليه السلام على أنهم في طريق الهدى والسلامة وإن كانوا قليلين ولا يجوز مقايسة طرق الآخرة بطرق الدنيا.

ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى وهي اجتماع الناس على الدنيا فقال فإن الناس واستعار للدنيا المائدة لكونهما مجتمع اللذات وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعها وعن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الآخرة بطول جوعها.

قيل ولفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية وهو بسبب الغفلة في الدنيا فلذلك نسب الجوع إليها.

٢ ـ صفات الشيعة للصدوق ، بإسناده عن المفضل بن قيس عن أبي عبد الله

__________________

(١) نهج البلاغة : ٤٤٢ ، الخطبة ١٩٩.

١٥٨

عليه السلام قال : قال لي كم شيعتنا بالكوفة قال قلت خمسون ألفا فما زال يقول إلى أن قال والله لوددت أن يكون بالكوفة خمسة وعشرون رجلا يعرفون أمرنا الذي نحن عليه ولا يقولون علينا إلا الحق (١).

٣ ـ كا : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن قتيبة الأعشى قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول المؤمنة أعز من المؤمن والمؤمن أعز من الكبريت الأحمر فمن رأى منكم الكبريت الأحمر (٢).

بيان : في القاموس عز يعز عزا وعزة بكسرهما صار عزيزا كتعزز وقوي بعد ذلة والشيء قل فلا يكاد يوجد فهو عزيز (٣) وقال الكبريت من الحجارة الموقد بها والياقوت الأحمر والذهب وجوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل (٤) انتهى.

والمشهور أن الكبريت الأحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الإكسير وحاصل الحديث أن المرأة المتصفة بصفات الإيمان أقل وجودا من الرجل المتصف بها والرجل المتصف بها أعز وجودا من الإكسير الذي لا يكاد يوجد ثم أكد قلة وجود الكبريت بقوله فمن رأى منكم وهو استفهام إنكاري أي إذا لم تروا الكبريت الأحمر فكيف تطمعون في رؤية المؤمن الكامل الذي هو أعز وجودا منه أو في كثرته.

٤ ـ كا : عن العدة عن سهل عن ابن أبي نجران عن مثنى الحناط عن كامل التمار قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الناس كلهم بهائم ثلاثا إلا قليل من المؤمنين والمؤمن غريب ثلاث مرات (٥).

__________________

(١) صفات الشيعة ص ١٧٠.

(٢) الكافي ج ٢ : ٢٤٢.

(٣) القاموس ج ٢ ص ١٨٢.

(٤) المصدر ج ١ ص ١٥٥.

(٥) الكافي ج ٢ ص ٢٤٢.

١٥٩

بيان : كلهم بهائم أي شبيه بها في عدم العقل وإدراك الحق وغلبة الشهوات النفسانية على القوى العقلانية كما قال تعالى « إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً » إلا قليل كذا في أكثر النسخ وفي بعضها إلا قليلا وهو أصوب.

المؤمن غريب لأنه قلما يجد مثله فيسكن إليه فهو بين الناس كالغريب الذي بعد عن أهله ووطنه ودياره ثلاث مرات أي قال هذا الكلام ثلاث مرات وكذا قوله ثلاثا وفي بعض النسخ عزيز مكان غريب.

٥ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي بصير أما والله لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثا (١).

بيان : ثلاثة مؤمنين ثلاثة إما بالتنوين ومؤمنين صفتها أو بالإضافة فمؤمنين تميز ويدل على أن المؤمن الكامل الذي يستحق أن يكون صاحب أسرارهم وحافظها قليل وأنهم كانوا يتقون من أكثر الشيعة كما كانوا يتقون من المخالفين لأنهم كانوا يذيعون فيصل ذلك إما إلى خلفاء الجور فيتضررون عليه السلام منهم أو إلى نواقص العقول الذين لا يمكنهم فهمها فيصير سببا لضلالتهم.

ويمكن أن يقال في سبب تعيين الثلاثة إن الواحد لا يمكنه ضبط السر وكذا الاثنان وأما إذا كانوا ثلاثة فيأنس بعضهم ببعض ويذكرون ذلك فيما بينهم فلا يضيق صدرهم ويخف عليهم الاستتار عن غيرهم كما هو المجرب.

٦ ـ كا : عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن سدير الصيرفي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له والله ما يسعك القعود قال ولم يا سدير قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لأمير المؤمنين عليه السلام ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي.

__________________

(١) الكافي ج ٢ : ٢٤٢.

١٦٠