بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الطينات المختلفة والخلق منها وتقدير الأمور المذكورة فيهم ليس مما ينفي اختيار الخير والشر أو من الأمور الحتمية التي لا تقبل البداء.

لا أسأل عما أفعل إنما لا يسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات العادل في كل ما أراد العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق بخلاف غيره فإنهم مسئولون عن أعمالهم وأحوالهم لأن فيها الحسن والقبيح والإيمان والكفر لا بالمعنى الذي تذهب إليه الأشاعرة أنه يجوز أن يدخل الأنبياء عليهم السلام النار والكفار الجنة ولا يجب عليه شيء.

وقيل إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق وجواز تخلف المعلول عن العلة التامة كما اختاره هذا القائل.

وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر إنما ملئوا السماء لأن الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملئوها وكانوا يومئذ ملكوتيين والسر في تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور واختلافهم في السعادة والشقاوة اختلاف استعداداتهم وتنوع حقائقهم لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة واختلاف أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي واختلاف الأرواح التي بإزائها في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه والبعد عنه كما أشير إليه في الحديث (١) الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام وأما سر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى التي هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال وضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الأسماء فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه بتلك الصفة فلا بد من

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ج ٨ ص ١٧٧ ولفظه : الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل ، ورواه السيوطي في الجامع الصغير ولفظه كما في المتن وبعده : « إذا تفقهوا ».

١٢١

إيجاد المخلوقات كلها على اختلافها وتباين أنواعها لتكون مظاهر لأسمائه الحسنى جميعا ومجالي لصفاته العليا قاطبة كما أشير إلى لمعة منه في هذا الحديث انتهى.

أقول : هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية إنما نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك وآرائهم.

٢٥ ـ كا : الكافي عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إني لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق والحدة والطيش فأغتم لذلك غما شديدا وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت قال لا تقل حسن السمت فإن السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء فإن الله عز وجل يقول « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » (١) قال قلت فأراه حسن السيماء له وقار فأغتم لذلك قال لا تغتم لما رأيت من نزق أصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى وقال لأصحاب الشمال كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج.

ثم رفع لهم نارا فقال (٢) ادخلوها بإذني فكان أول من دخلها محمد صلى الله عليه واله ثم اتبعه أولو العزم من الرسل وأوصياؤهم وأتباعهم ثم قال لأصحاب الشمال ادخلوها بإذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لأصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النار فخرجوا لم تكلم منهم النار كلما ولم تؤثر فيهم أثرا.

فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول قال قد أقلتكم فادخلوها فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم.

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) فقال لاصحاب اليمين ظ.

١٢٢

قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فمما أصاب من لطخ أصحاب الشمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين (١).

توضيح يقال عراه واعتراه أي غشيه وأتاه والنزق بالفتح والتحريك الخفة عند الغضب والحدة والطيش قريبان منه وقال الجوهري السمت الطريق وسمت يسمت بالضم أي قصد والسمت هيئة أهل الخير يقال ما أحسن سمته أي هديه (٢) وقال السيما مقصور من الواو قال تعالى « سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ » وقد يجيء السيماء والسيمياء ممدودين (٣).

وقال الفيروزآبادي السمت الطريق وهيئة أهل الخير والسير على الطريق بالظن وحسن النحو وقصد الشيء (٤) وقال السيمة والسيماء والسيمياء بكسرهن العلامة (٥).

وقال الجزري السمت الهيئة الحسنة ومنه فينظرون إلى سمته وهديه أي حسن هيئته ومنظره في الدين وليس من الحسن والجمال وقيل هو من السمت الطريق يقال الزم هذا السمت وفلان حسن السمت أي حسن القصد.

وقال الزمخشري السمت أخذ النهج ولزوم المحجة يقال ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزيي بزي الصالحين.

وفي المصباح السمت الطريق والقصد والسكينة والوقار والهيئة انتهى.

ولعل منعه عليه السلام عن إطلاق السمت لأن السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم ومذهبهم حسن فعبر عليه السلام بعبارة أخرى لا يوهم ذلك أو لما

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١١.

(٢) الصحاح ص ٢٥٤.

(٣) الصحاح : ١٩٥٦.

(٤) القاموس ج ١ ص ١٥٠.

(٥) القاموس ج ٤ ص ١٣٣.

١٢٣

لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا أمر بعبارة أخرى أفصح منه أو أنه عليه السلام علم أنه أراد بالسمت السيماء لا هيئة أهل الخير والطريقة الحسنة والأفعال المحمودة فلذا نبهه عليه السلام بأن السمت لم يأت بالمعنى الذي أردت وهذا قريب من الأول.

والوقار الاطمئنان والسكينة البدنية لأصحاب اليمين أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره بتفريقها أو للذين كانوا في يمين العرش أو للذين علم أنهم سيصيرون من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش.

كونوا خلقا أي مخلوقين ذوي أرواح وقيل أي كونوا أرواحا بمنزلة الذر أي النمل الصغار يسعى وإطلاق السعي هنا والدرج فيما سيأتي إما لمحض التفنن في العبارة أو المراد بالسعي سرعة السير وبالدرج المشي الضعيف كما يقال درج الصبي إذا مشى أول مشيه فيكون إشارة إلى مسارعة الأولين إلى الخيرات وبطء الآخرين عنها وقيل المراد سعي الأولين إلى العلو والآخرين إلى السفل ولا دلالة في اللفظ عليهما.

ثم اتبعه أولو العزم أي سائرهم عليه السلام والكلم الجرح والفعل كضرب وقد يبنى على التفعيل وفي القاموس وهج النار تهج وهجا ووهجانا اتقدت والاسم الوهج محركة.

وأقول : يمكن أن يقال في تأويل هذا الخبر أنه لما كان من علم الله منهم السعادة تابعين للعقل ولمقتضيات النفس المقدس فكأنها طينتهم ومن علم الله منهم الشقاوة تابعين للشهوات البدنية ودواعي النفس الأمارة فكأنها طينتهم ولما مزج الله بينهما في عالم الشهود جرى في غالب الناس الطاعة والمعصية والصفات القدسية والملكات الردية فما كان من الخيرات فهو من جهة العقل والنفس وهما طينة أصحاب اليمين وإن كان في أصحاب الشمال وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الأجزاء البدنية التي هي طينة أصحاب الشمال وإن كان في أصحاب اليمين.

١٢٤

ويمكن أيضا أن يقال المعنى أن الله تعالى قرر في خلقة آدم عليه السلام وطينته دواعي الخير والشر وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والأشقياء وخلق آدم عليه السلام مع علمه بذلك فكأنه خلط بين الطينتين ولما كان أولاد آدم مدنيين بالطبع لا بد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الأشقياء وبالعكس فلعل قوله من لطخ أصحاب الشمال ومن لطخ أصحاب اليمين إشارة إلى هذا المعنى.

ولما كان السبب الأقوى في اكتساب السعداء صفات الأشقياء استيلاء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم وعلم الله أن المؤمنين إنما يرتكبون الآثام لاستيلاء أهل الباطل عليهم وعدم تولي أئمة الحق لسياستهم فيعذرهم بذلك ويعفو عنهم ويعذب أئمة الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى.

٢٦ ـ سن : عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من نور عظمته وجلال كبريائه فمن طعن على المؤمن أو رد عليه فقد رد على الله في عرشه وليس هو من الله في ولاية وإنما هو شرك شيطان (١).

بيان : وليس هو من الله في ولاية أي ليس من أولياء الله وأحبائه وأنصاره أو ليس من المؤمنين الذين ينصرهم الله ويواليهم كما قال تعالى « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ » (٢) أو ليس من حزب الله بل هو من حزب الشيطان كما ورد في خبر آخر خرج من ولاية الله إلى ولاية الشيطان.

٢٧ ـ رياض الجنان : لفضل الله بن محمود الفارسي بإسناده عن بشر بن أبي عتبة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله خلق محمدا من طينة من

__________________

(١) المحاسن : ١٣٢.

(٢) القتال ١١.

١٢٥

جوهرة من تحت العرش وإنه كان لطينته نضج فجعل طينة أمير المؤمنين عليه السلام من نضج طينة رسول الله صلى الله عليه واله وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلام نضج فجعل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين.

وكانت لطينتنا نضج فجعل طينة شيعتنا من نضج طينتنا فقلوبهم تحن إلينا وقلوبنا تعطف عليهم كعطف الوالد على الولد ونحن لهم خير منهم لنا ورسول الله صلى الله عليه واله لنا خير ونحن له خير.

٢٨ ـ ومنه : بإسناده عن أبي الحجاج قال قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الحجاج إن الله خلق محمدا وآل محمد صلى الله عليهم من طين عليين وخلق قلوبهم (١) من طين عليين فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد صلى الله عليه واله وإن الله تعالى خلق عدو آل محمد من طين سجين وخلق قلوبهم أخبث من ذلك وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين فقلوبهم من أبدان أولئك وكل قلب يحن إلى بدنه.

٢٩ ـ بشا ، بشارة المصطفى عن ابن الشيخ عن والده عن المفيد عن الجعابي عن جعفر بن محمد الحسيني عن أحمد بن عبد المنعم عن عبد الله بن محمد الفزاري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر الأنصاري وبالإسناد عن أحمد بن عبد المنعم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي بن أبي طالب عليه السلام ألا أبشرك ألا أمنحك قال بلى يا رسول الله قال فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق منها شيعتنا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلا شيعتك فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم (٢).

٣٠ ـ بشا ، بشارة المصطفى عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن عن أبي منصور محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعدل عن أبي عمير السماك عن محمد بن أحمد المهدي عن عمر بن الخطاب السجستاني عن إسماعيل بن العباس الحمصي عن أبي زياد

__________________

(١) كأنه يعنى قلوب شيعتهم.

(٢) بشارة المصطفى ص ١١٥ و ١٧.

١٢٦

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي عليه السلام ألا أبشرك يا علي قال بلى بأبي وأمي يا رسول الله قال أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة وفضلت منها فضلة فجعل (١) منها شيعتنا ومحبينا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا نحن وشيعتنا ومحبينا فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم (٢).

٣١ ـ بشا : بشارة المصطفى عن ابن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن المظفر بن محمد عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن أحمد بن محمد بن عيسى الهاشمي عن محمد بن عبد الله الزراري عن أبيه عن ابن محبوب عن أبي زكريا الموصلي عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن جده عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق حيث أقامهم أشباحا فقال لهم « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » قال ومحمد رسولي قالوا بلى قال وعلي أمير المؤمنين فأبى الخلق جميعا إلا استكبارا وعتوا عن ولايتك إلا نفر قليل وهم أقل القليل وهم أصحاب اليمين (٣).

٣٢ ـ كا : الكافي عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد وغيره عن محمد بن خلف عن أبي نهشل قال حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن الله عز وجل خلقنا من أعلى عليين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم من دون ذلك وقلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا ثم تلا هذه الآية « كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » (٤).

وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه وأبدانهم

__________________

(١) فخلق خ ل.

(٢) بشارة المصطفى ٢٤.

(٣) بشارة المصطفى : ١٤٤.

(٤) المطففين : ١٨ ـ ٢١.

١٢٧

من دون ذلك فقلوبهم تهوى إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية « كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ » (١) « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » (٢)

بيان قد مر الخبر وشرحه في باب خلق أبدان الأئمة عليهم السلام (٣).

وقال بعض أرباب التأويل كل ما يدركه الإنسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره مكتوبا ثمة وسيما ما رسخت بسبب الهيئات وتأكدت به الصفات وصار خلقا وملكة.

فالأفاعيل المتكررة والعقائد الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابية في الألواح كما قال الله تعالى « أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » (٤) وهذه الألواح النفيسة يقال لها صحائف الأعمال وإليه الإشارة بقوله سبحانه « وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ » (٥) وقوله عز وجل « وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً » (٦) فيقال له « لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » (٧) « هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » (٨).

فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين وكانت معلوماته أمورا قدسية وأخلاقه زكية وأعماله صالحة فقد « أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ » (٩) أعني من الجانب

__________________

(١) المطففين : ٧ ـ ١٠.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٤.

(٣) كتاب الإمامة المجلد السابع.

(٤) المجادلة : ٢٢.

(٥) كورت ١٠.

(٦) أسرى : ١٣.

(٧) ق : ٢٢.

(٨) الجاثية : ٢٨.

(٩) أسرى : ٧١ ـ الحاقة : ١٩.

١٢٨

الأقوى الروحاني وهو جهة عليين وذلك لأن كتابه من جنس الألواح العالية والصحف المكرمة المرفوعة المطهرة « بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ » (١) « يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ».

ومن كان من الأشقياء المردودين وكانت معلوماته مقصورة على الجرميات وأخلاقه سيئة وأعماله خبيثة فقد « أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ » أعني من جانبه الأضعف الجسماني وهو جهة سجين وذلك لأن كتابه من جنس الأوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للاحتراق فلا جرم يعذب بالنار.

وإنما عود الأرواح إلى ما خلقت منه كما قال سبحانه « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ » (٢) « كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ » (٣) فما خلق من عليين فكتابه في عليين وما خلق من سجين فكتابه في سجين انتهى.

وسياق تلك التحقيقات على مذاقه من أصول الدين ولما لم يصرح بنفي ما حققه جماهير الإمامية من أصحاب اليقين لا أدري أنها ثبتت له في عليين أو سجين وفقنا الله لسلوك مسالك المتقين.

٣٣ ـ بشا : بشارة المصطفى عن ابن الشيخ عن أبيه عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن محمد بن خالد عن فضالة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنا وشيعتنا خلقنا من طينة عليين وخلق الله عدونا من طينة خبال « مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ » (٤)

بيان : قال في النهاية فيه من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيامة جاء تفسيره في الحديث أن الخبال عصارة أهل النار والخبال في الأصل الفساد ويكون من الأفعال والأبدان والعقول.

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في عبس : ١٣ ـ ١٦.

(٢) الأعراف : ٢٩.

(٣) الأنبياء : ١٠٤.

(٤) بشارة المصطفى : ١٠٥.

١٢٩

٤

(باب)

فطرة الله سبحانه وصبغته

(الآيات)

البقرة : « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » (١).

الروم « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » (٢)

تفسير

« صِبْغَةَ اللهِ » قال البيضاوي أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة « اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة حلية المصبوغ أو هدانا هدايته وأرشدنا حجته أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب.

أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيتهم ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله آمنا وقيل على الإغراء وقيل على البدل من ملة إبراهيم.

« وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » لا صبغة أحسن من صبغته « وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم.

__________________

(١) البقرة : ١٣٨.

(٢) الروم : ٣٠.

١٣٠

وأقول قد مضى تفسير الآية الثانية في باب فضل الإيمان (١).

١ـ كا : عن علي عن أبيه ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » (٢) قال الإسلام وقال في قوله عز وجل « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » (٣) قال هي الإيمان بالله وحده لا شريك له (٤).

بيان : قيل على هذه الأخبار يحتمل أن تكون صبغة منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك « لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » (٥) ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصا بالخواص والخلص المخاطبين بـ « قُولُوا » في صدر الآيات حيث قال « قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » (٦) دون سائر أفراد بني آدم.

بل يتعين هذا المعنى أن فسر الإسلام بالخضوع والانقياد للأوامر والنواهي كما فعلوه وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله كما سيأتي إن شاء الله.

وقيل صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما.

قوله « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ » قال تعالى « فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها » وفسر الطاغوت في الأخبار بالشيطان وبأئمة الضلال والأولى التعميم ليشمل كل من عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله و « يُؤْمِنْ بِاللهِ » بالتوحيد وتصديق الرسل وأوصيائهم.

« فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » أي طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثيق

__________________

(١) راجع ص ٤٣ و ٤٤ فيما سبق.

(٢) البقرة : ١٣٨.

(٣) البقرة : ٢٥٦.

(٤) الكافي ج ٢ ص ١٤.

(٥) البقرة : ١٣٦.

(٦) البقرة : ١٣٦.

١٣١

وهي مستعار لمتمسك الحق من النظر الصحيح والدين القويم « لَا انْفِصامَ لَها » أي لا انقطاع لها وما ورد في الخبر من تفسيره بالإيمان كأن المراد به أنه تعالى شبه الإيمان الكامل بالعروة الوثقى.

وعلى ما ورد في كثير من الأخبار من أن المراد بالطاغوت الغاصبون للخلافة فالمعنى من رفض متابعة أئمة الضلال وآمن بما جاء من عند الله في علي والأوصياء من بعده عليه السلام فقد آمن بالله وحده لا شريك له وإلا فهو مشرك كما روي في معاني الأخبار (١) ، عن النبي صلى الله عليه واله من أحب أن يستمسك « بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » التي « لَا انْفِصامَ لَها » فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه وعن الباقر عليه السلام أن العروة الوثقى هي مودتنا أهل البيت.

٢ ـ كا : عن العدة عن سهل عن البزنطي عن داود بن سرحان عن عبد الله بن فرقد عن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » قال الصبغة هي الإسلام (٢).

٣ ـ يد ، التوحيد عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن العلا بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال على التوحيد (٣).

٤ ـ ير : عن أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى الخشاب عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » (٤) قال فقال على التوحيد ومحمد رسول الله صلى الله عليه واله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام (٥).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٦٨.

(٢) الكافي ج ٢ : ١٤.

(٣) كتاب التوحيد : ٣٤١.

(٤) الروم : ٣٠.

(٥) بصائر الدرجات : ٧٨.

١٣٢

بيان : قال في النهاية فيه كل مولود يولد على الفطرة الفطر الابتداء والاختراع والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيأ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة.

وقيل معناه كل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن الله صانعه وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره ومنه حديث حذيفة على غير فطرة محمد أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه انتهى.

وقيل الفطرة بالكسر مصدر للنوع من الإيجاد وهو إيجاد الإنسان على نوع مخصوص من الكمال وهو التوحيد ومعرفة الربوبية مأخوذا عليهم ميثاق العبودية والاستقامة على سنن العدل.

وقال بعض العامة الفطرة ما سبق من سعادة أو شقاوة فمن علم الله سعادته ولد على فطرة الإسلام ومن علم شقاوته ولد على فطرة الكفر تعلق بقوله تعالى « لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » (١) وبحديث الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع يوم طبع كافرا فإنه يمنع من كون تولده على فطرة الإسلام.

وأجيب عن الأول بأن معنى « لا تَبْدِيلَ » لا تغيير يعني لا يكون بعضهم على فطرة الكفر وبعضهم على فطرة الإسلام ويؤيده قوله صلى الله عليه واله كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه فإن المراد بهذه الفطرة فطرة الإسلام.

وعن الثاني بأن المراد بالطبع حالة ثانية طرأت وهي التهيؤ للكفر عن الفطرة التي ولد عليها.

وقال بعضهم المراد بالفطرة كونه خلقا قابلا للهداية ومتهيئا لها لما أوجد فيه من القوة القابلة لها لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع في العقول

__________________

(١) الروم : ٣٠.

١٣٣

وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الأبوين أو غيرهما.

وأجيب عنه بأن حمل الفطرة على الإسلام لا يأباه العقل وظاهر الروايات يدل عليه وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند.

٥ ـ سن : عن أبيه عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال فطرهم على معرفة أنه ربهم ولو لا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن رازقهم (١).

بيان : قال في المصباح المنير فطر الله الخلق فطرا من باب قتل خلقهم والاسم الفطرة بالكسر قال الله تعالى « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » وقال صلى الله عليه واله كل مولود يولد على الفطرة قيل معناه الفطرة الإسلامية والدين الحق وإنما أبواه يهودانه وينصرانه أي ينقلانه إلى دينهما.

وهذا التفسير مشكل إن حمل اللفظ على حقيقته فقط لأنه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهودوهم وينصروهم واللازم منتف بل الوجه حمله على حقيقته ومجازه معا.

أما حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ وذلك أن إقامة الأبوين على دينهما سبب لجعل الولد تابعا لهما فلما كانت الإقامة سببا جعلت تهويدا وتنصيرا مجازا ثم أسند إلى الأبوين توبيخا لهما وتقبيحا عليهما كأنه قال أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلانه مشركا ويفهم من هذا أنه لو أقام أحدهما على الشرك وأسلم الآخر لا يكون مشركا بل مسلما وقد جعل البيهقي هذا معنى الحديث فقال قد جعل رسول الله صلى الله عليه واله حكم الأولاد قبل أن يختاروا لأنفسهم حكم الآباء فيما يتعلق بأحكام الدنيا وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الأولاد.

٦ ـ كا : الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن

__________________

(١) المحاسن : ٢٤١ والآية في الروم : ٣٠.

١٣٤

سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ما تلك الفطرة قال هي الإسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد (١).

بيان : على التوحيد متعلق بفطر وأخذ على التنازع.

٧ ـ كا : عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل « حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » (٢) قال الحنيفية من الفطرة « الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » قال فطرهم على المعرفة به.

فقال زرارة وسألته عن قول الله عزوجل « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » (٣) قال أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسه ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربه.

وقال قال رسول الله صلى الله عليه واله كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن الله عزوجل خالقه وكذلك قوله (٤) « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ » (٥).

تبيين : قوله « حُنَفاءَ لِلَّهِ » إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الحج « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما يجتنب الأنجاس وكل افتراء وعن الصادق عليه السلام « الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ » الشطرنج و « قَوْلَ الزُّورِ » الغناء.

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ١٢ ، والآية في الروم : ٣٠.

(٢) الحج : ٣١.

(٣) الأعراف : ١٧١.

(٤) لقمان : ٢٥.

(٥) الكافي ج ٢ : ١٢ و ١٣.

١٣٥

قال الطبرسي (١) رحمه‌الله « حُنَفاءَ لِلَّهِ » أي مستقيمي الطريقة على ما أمر الله مائلين عن سائر الأديان « غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » أي حجاجا مخلصين وهم مسلمون موحدون لا يشركون في تلبية الحج به أحدا.

وقال في النهاية فيه خلقت عبادي حنفاء أي طاهري الأعضاء من المعاصي لا أنه خلقهم كلهم مسلمين لقوله تعالى « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » (٢) وقيل أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاق « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى » فلا يوجد أحد إلا وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به واختلفوا فيه.

والحنفاء جمع حنيف وهو المائل إلى الإسلام الثابت عليه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم وأصل الحنف الميل ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة. انتهى.

« لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ » أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين بل كان كلهم مسلمين مقرين به أو قابلين للمعرفة وأراهم نفسه أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته ويعرفوه في دار التكليف ولو لا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية وفسر عليه السلام الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والإذعان به.

كذلك قوله أي هذه الآية أيضا محمولة على هذا المعنى « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أي كفار مكة كما ذكره المفسرون أو الأعم كما هو الأظهر من الخبر « لَيَقُولُنَّ اللهُ » لفطرتهم على المعرفة وقال البيضاوي لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذعانه انتهى.

والمشهور أنه مبني على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله وظاهر الخبر أن

__________________

(١) مجمع البيان ج ٨ ص ٨٣.

(٢) التغابن : ٢.

١٣٦

كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الأسلاف والآباء لأقر بذلك كما ورد ذلك في الأخبار الكثيرة.

قال بعض المحققين الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب وإن لم يتفطنوا لذلك ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال « أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ » (١)

وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل يا أبا عبد الله هل ركبت سفينة قط قال بلى قال فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك قال بلى قال فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك قال بلى قال الصادق فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي وعلى الإغاثة حين لا مغيث.

ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه مرضيا عنهم بمجرد الإقرار بالقول ولم يكلفوا الاستدلال العلمية في ذلك وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة وأما الاستدلال فللرد على أهل الضلال.

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان وتحصيل الاطمئنان كما وكيفا شدة وضعفا سرعة وبطئا حالا وعلما وكشفا وعيانا وإن كان أصل المعرفة فطريا إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى تنبيه فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق و « هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ »

__________________

(١) الأنعام : ٤٠ و ٤١.

١٣٧

قال بعض المنسوبين إلى العلم اعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل فكان هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول ونرى الأمر بالضد من ذلك فلا بد من بيان السبب فيه.

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله لمعنى لا تفهمه إلا بمثال هو أنا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثلا كان كونه حيا من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه وكل ذلك لا نعرفه وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها وبعضها نشك فيه كمقدار طوله واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته.

أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فإن هذه الصفات لا تحس بشيء من الحواس الخمس ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته فلو نظرنا إلى كل ما في العلم سواء لم نعرف به صفاته فما عليه إلا دليل واحد وهو مع ذلك جلي واضح.

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ونبات وشجر وحيوان وسماء وأرض وكوكب وبر وبحر ونار وهواء وجوهر وعرض بل أول شاهد عليه أنفسنا وأجسامنا وأصنافنا وتقلب أحوالنا وتغير قلوبنا وجميع أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا.

وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ثم مدركاتنا بالبصيرة والعقل وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد وشاهد ودليل واحد وجميع ما في العالم شواهد ناطقة وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته.

والموجودات المدركة لا حصر لها فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا

١٣٨

وليس يشهد له إلا شاهد واحد وهو ما أحسسنا من حركة يده فكيف لا يتصور في الوجود شيء داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها يشهد بذلك أولا تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا وتشكل أطرافنا وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها كما نعلم أن يد الكاتب لم يتحرك بنفسها.

ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك ومحسوس ومعقول وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره فانبهرت العقول ودهشت عن إدراكه فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه وذلك لا يخفى مثاله والآخر ما يتناهى وضوحه.

وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار لا لخفاء النهار واستتاره ولكن لشدة ظهوره فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع إبصاره فلا يرى شيئا إلا إذا امتزج الظلام بالضوء وضعف ظهوره.

فكذلك عقولنا ضعيفة وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض فصار ظهوره سبب خفائه فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والأبصار بظهوره.

ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه فلو اختلف الأشياء فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر.

ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض

١٣٩

يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أن لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرها فإنا لا نشاهد في الأسود إلا السواد وفي الأبيض إلا البياض وأما الضوء فلا ندركه وحده لكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالتين فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا وجود النور بعدمه وما كنا نطلع عليه لو لا عدمه إلا بعسر شديد وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور.

هذا مع أن النور أظهر المحسوسات إذ به يدرك سائر المحسوسات فما هو ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طريان ضده فإذن الرب تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لانهدمت السماوات والأرض وبطل الملك والملكوت ولأدركت التفرقة بين الحالتين.

ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء فهذا هو السبب في قصور الأفهام.

وأما من قويت بصيرته ولم يضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله وأفعاله وأفعاله أثر من آثار قدرته فهي تابعة فلا وجود لها بالحقيقة وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها.

ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث إنه سماء وأرض وحيوان وشجر بل ينظر فيه من حيث إنه صنع فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث هي آثاره لا من حيث إنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف.

١٤٠