مرآة العقول - ج ١٨

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢١

(باب)

(معرس النبي صلى الله عليه واله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا انصرفت من مكة إلى المدينة وانتهيت إلى ذي الحليفة وأنت راجع إلى المدينة من مكة فائت معرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت في وقت صلاة مكتوبة أو نافلة فصل فيه وإن كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان يعرس فيه ويصلي.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال والحسن بن علي

______________________________________________________

الرضا به والصبر عليه ، فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكرها عليه فقد آواه (١).

باب معرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « فائت معرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله » قال الجوهري التعريس نزول القوم من آخر الليل يقعون فيه وقعة [ يقفون فيه وقفة ] للاستراحة ثم يرتحلون ، وأعرسوا فيه لغة قليلة والموضع معرس ومعرس انتهى (٢).

وإنما سمي معرسا لنزول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه في آخر الليل ، وفيه وقع ما اشتهر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام عن صلاة الغداة ، وأجمع الأصحاب على استحباب النزول والصلاة فيه تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستفاد من الأخبار أن التعريس إنما يستحب في العود من مكة إلى المدينة.

الحديث الثاني : مرسل. ويدل على استحباب العود إليه للتعريس مع

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ١ ص ٣٥١.

(٢) الصحاح للجوهري : ج ٣ ص ٩٤٨.

٢٨١

عن علي بن أسباط عن بعض أصحابنا أنه لم يعرس فأمره الرضا عليه‌السلام أن ينصرف فيعرس.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن القاسم بن الفضيل قال قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك إن جمالنا مر بنا ولم ينزل المعرس فقال لا بد أن ترجعوا إليه فرجعت إليه.

٤ ـ وعنه ، عن ابن فضال قال قال علي بن أسباط لأبي الحسن عليه‌السلام ونحن نسمع إنا لم نكن عرسنا فأخبرنا ابن القاسم بن الفضيل أنه لم يكن عرس وأنه سألك فأمرته بالعود إلى المعرس فيعرس فيه فقال نعم فقال له فإنا انصرفنا فعرسنا فأي شيء نصنع قال تصلي فيه وتضطجع وكان أبو الحسن عليه‌السلام يصلي بعد العتمة فيه فقال له محمد فإن مر به في غير وقت صلاة مكتوبة قال بعد العصر قال سئل أبو الحسن عليه‌السلام عن ذا فقال ما رخص في هذا إلا في ركعتي الطواف فإن الحسن بن علي عليه‌السلام فعله وقال يقيم حتى يدخل وقت الصلاة قال فقلت له جعلت فداك فمن مر به بليل أو نهار يعرس فيه أو إنما التعريس بالليل فقال إن مر به بليل أو نهار فليعرس فيه.

______________________________________________________

التجاوز عنه عمدا أو جهلا أو نسيانا.

الحديث الثالث : موثق. وهو مثل السابق وظاهره العمد مع شوب من العذر.

الحديث الرابع : موثق.

قوله عليه‌السلام : « قال بعد العصر » فاعل قال أولا محمد بن القاسم وثانيا الإمام عليه‌السلام ، والظاهر أن النهي عن الصلاة بعد العصر للتقية.

٢٨٢

(باب)

(مسجد غدير خم)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الصلاة في مسجد غدير خم بالنهار وأنا مسافر فقال صل فيه فإن فيه فضلا وقد كان أبي يأمر بذلك.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن الحجال ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن حسان الجمال قال حملت أبا عبد الله عليه‌السلام من المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر إلى ميسرة المسجد فقال ذلك موضع قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال من كنت مولاه فعلي مولاه ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة الجراح فلما أن رأوه رافعا يديه قال بعضهم لبعض انظروا إلى عينيه تدور كأنهما عينا مجنون فنزل جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية« وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ».

______________________________________________________

باب مسجد غدير خم

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : صحيح على الأظهر. إذ الظاهر محمد بن الحسين مصغرا كما في بعض النسخ.

قوله عليه‌السلام : « تدور » والصواب تدوران كما في الفقيه.

قوله تعالى : « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ » إن هي المخففة من المثقلة واللام هي الفارقة ، والمراد بالذكر ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويقولون : إنه لمجنون أي في محبة علي عليه‌السلام.

٢٨٣

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يستحب الصلاة في مسجد الغدير لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو موضع أظهر الله عز وجل فيه الحق.

(باب)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من نبي ولا وصي نبي يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء وإنما تؤتى مواضع آثارهم ويبلغونهم من بعيد السلام ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب.

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

باب (١)

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « حتى يرفع » قال الكراجكي في كنز الفوائد بمضمون هذا الخبر ، ويظهر منه أنه مذهب الإمامية ، وبه قال المفيد أيضا في بعض رسائله. وفيه إشكال من جهة منافاته لكثير من الأخبار الدالة على بقاء أبدانهم في الأرض كأخبار نقل عظام آدم ، ونوح ، ويوسف عليهم‌السلام ، وبعض الآثار الواردة بأنهم نبشوا قبر الحسين عليه‌السلام فوجدوه في قبره عليه‌السلام وغيرها ، فمنهم من حمل أخبار الرفع على أنهم يرفعون بعد الثلاثة ثم يرجعون إلى قبورهم.

وقيل : لعلها صدرت لنوع من المصلحة التورية لقطع أطماع الخوارج الذين كانوا يترصدون نبش قبورهم ، ويمكن حمل أخبار نبش العظام على أن المراد بها نبش الصندوق المتشرف بعظامهم وجسدهم ، أو أن الله تعالى ردهم إليها لتلك المصلحة ، أو يقال إنهم لم يرفعوا لعلمه تعالى بأنهم سينقلون فيكون مخصوصا بغيرهم والله يعلم.

__________________

(١) هكذا بدون العنوان في الأصل.

٢٨٤

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن عبد الله بن موسى ، عن الحسن بن علي الوشاء قال سمعت الرضا عليه‌السلام يقول إن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أبي هاشم الجعفري قال بعث إلي أبو الحسن عليه‌السلام في مرضه وإلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة وأخبرني محمد ما زال يقول ابعثوا إلى الحير ابعثوا إلى الحير فقلت لمحمد ألا قلت له أنا أذهب إلى الحير ثم دخلت عليه وقلت له جعلت فداك أنا أذهب إلى الحير فقال انظروا في ذاك ثم قال لي إن محمدا ليس له سر من زيد بن علي وأنا أكره أن يسمع ذلك قال فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال ما كان يصنع بالحير وهو الحير فقدمت العسكر فدخلت عليه فقال لي اجلس حين أردت القيام فلما رأيته أنس بي ذكرت له قول علي بن بلال فقال لي ألا قلت له إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطوف بالبيت ويقبل الحجر و

______________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول. وربما يستدل به على وجوب زيارة كل إمام في العمر مرة ، وفيه نظر وإن كان الأولى قصد القربة في الزيارة الأولى.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « ابعثوا إلى الحير » قال الجوهري : « الحير » بالفتح شبه الحظيرة أو الحمى ومنه الحير بكربلاء انتهى (١).

والمعنى ابعثوا رجلا إلى حائر الحسين عليه‌السلام يدعو لي ويسأل الله تعالى لشفائي عنده.

وقوله عليه‌السلام : « انظروا في ذلك » أي تدبروا وتفكروا فيه بأن يقع على وجه لا يطلع عليه أحد للتقية.

قوله عليه‌السلام : « إن محمدا » أي ابن حمزة ليس له سر من زيد بن علي أي لا

__________________

(١) الصحاح للجوهري : ج ٢ ص ٦٤١.

٢٨٥

حرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت وأمره الله عز وجل أن يقف بعرفة وإنما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها فأنا أحب أن يدعى الله لي حيث يحب الله أن يدعى فيها وذكر عنه أنه قال ولم أحفظ عنه قال إنما هذه مواضع يحب الله أن يتعبد له فيها فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يعبد هلا قلت له كذا [ وكذا ] قال قلت جعلت فداك لو كنت أحسن مثل هذا لم أرد الأمر عليك هذه ألفاظ أبي هاشم ليست ألفاظه.

______________________________________________________

يكتمه شيئا لكمال الألفة بينهما فالمراد بزيد بن علي رجل من أهل ذلك الزمان كان عليه‌السلام يتقيه ، ويحتمل أن يراد به إمام الزيدية فالمعنى أنه ليس له سر أي حصانة بل يفشي الأسرار وذلك بسبب أنه ممن يعتقد إمامة زيد ولا يقول بإمامتنا فيكون كلمة من تعليلية ، أو المعنى أنه ليس له حظ من إسرار زيد وما يعتقد فينا فإن الزيدية خالفوا إمامهم في ذلك ، ولعله كان الباعث لإفشائه على التقادير الحسد على أبي هاشم إذا كان هو المبعوث فلذا لم يتق عليه‌السلام في القول أولا عنده ، ويحتمل أن يكون المراد بمحمد أخيرا غير ابن حمزة فلا إشكال لكنه بعيد والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « وذكر عنه » إنه لعله كلام سهل أي : ذكر عن أبي هاشم أنه قال هكذا : ولم أحفظ عنه إلا كما ذكرته أولا ، ثم رجع إلى ما سمعه من أبي هاشم عند قوله « قال : قلت له » فقوله : « هذه ألفاظ أبي هاشم » إشارة إلى هذه التتمة أي هذه ألفاظه التي سمعتها منه مشافهة وحفظتها عنه وليست ألفاظ الواسطة أو هو كلام أبي هاشم أي ذكر لي غيري ممن حضر المجلس أنه عليه‌السلام قال : بتلك العبارة إلى قوله « قال : قلت له » والتتمة كما سبق. وقيل قوله : « لم أحفظ عنه » يعني ألفاظه وعباراته بعينها إلا أن مضمونها هذا وهو ما ذكر ليست ألفاظه يعني ألفاظ الهادي عليه‌السلام ولا يخفى ما فيه.

٢٨٦

(باب)

(ما يقال عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أورمة عمن حدثه ، عن الصادق أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال يقول السلام عليك يا ولي الله أنت أول مظلوم وأول من غصب حقه صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين فأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد عذب الله قاتلك بأنواع العذاب وجدد عليه العذاب جئتك عارفا بحقك مستبصرا بشأنك معاديا لأعدائك ومن ظلمك ألقى على ذلك ربي إن شاء الله يا ولي الله إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي إلى ربك فإن لك عند الله مقاما محمودا معلوما وإن لك عند الله جاها وشفاعة وقد قال تعالى « وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى ».

محمد بن جعفر الرازي ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام مثله.

______________________________________________________

باب ما يقال عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام

الحديث الأول : ضعيف. والسند الثاني مرسل.

قوله عليه‌السلام : « وقد قال تعالى » يمكن أن يكون المراد بالشفاعة أولا : الدعاء ، وبها ثانيا : شفاعة القيامة أي ادع واستغفر لي لأصير قابلا لشفاعتك ، أو المعنى اشفع لي فإن كل من تشفعون له هو المرتضى ، ويحتمل أن يكون الغرض مجرد الاستشهاد للشفاعة والله يعلم.

٢٨٧

(دعاء آخر)

(عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

تقول السلام عليك يا ولي الله السلام عليك يا حجة الله السلام عليك يا خليفة الله السلام عليك يا عمود الدين السلام عليك يا وارث النبيين السلام عليك يا قسيم الجنة والنار وصاحب العصا والميسم السلام عليك يا أمير المؤمنين أشهد أنك كلمة التقوى وباب الهدى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم وأشهد أنك حجة الله على خلقه وشاهده على عباده وأمينه على علمه وخازن سره وموضع حكمته وأخو رسوله عليه‌السلام وأشهد أن دعوتك حق وكل داع منصوب دونك باطل مدحوض أنت أول مظلوم وأول مغصوب حقه فصبرت واحتسبت لعن الله من ظلمك واعتدى عليك وصد عنك لعنا كثيرا يلعنهم به كل ملك مقرب وكل نبي مرسل

______________________________________________________

دعاء آخر عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام

قوله عليه‌السلام : « كلمة التقوى » إشارة إلى قوله تعالى « وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى » وفسرها الأكثر بكلمة الشهادة وإضافتها إلى التقوى لأنها سببها أو كلمة أهلها أو بها يتقى من النار ، وإطلاق الكلمة عليهم لانتفاع الناس بهم وبكلامهم قال في القاموس : عيسى كلمة الله لأنه انتفع به وبكلامه انتهى (١).

والحاصل أن المتكلم بكلامه يظهر ما أراد إظهاره والله تعالى أظهر بخلقهم ما أراد إظهاره من علومه وجلالة شأنه ، أو المعنى أن الإيمان بكم وولايتكم كلمة بها يتقى من النار.

قوله عليه‌السلام : « مدحوض » لعل المدحوض بمعنى الداحض وظاهر الأخبار أنه أتى متعديا وإن لم يذكره اللغويون.

وقال الفيروزآبادي : دحضت الحجة دحوضا : بطلت وأدحضتها (٢).

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٤ ص ١٧٢.

(٢) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٣٠.

٢٨٨

وكل عبد مؤمن ممتحن صلى الله عليك يا أمير المؤمنين وصلى الله على روحك وبدنك أشهد أنك عبد الله وأمينه بلغت ناصحا وأديت أمينا وقتلت صديقا ومضيت على يقين لم تؤثر عمى على هدى ولم تمل من حق إلى باطل أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر واتبعت الرسول ونصحت للأمة وتلوت الكتاب « حَقَّ تِلاوَتِهِ » وجاهدت « فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ » ودعوت إلى سبيله « بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ » حتى أتاك اليقين أشهد أنك كنت على بينة من ربك ودعوت إليه على بصيرة وبلغت ما أمرت به وقمت بحق الله غير واهن ولا موهن فصلى الله عليك صلاة متبعة متواصلة مترادفة يتبع بعضها بعضا لا انقطاع لها ولا أمد ولا أجل والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وجزاك الله من صديق خيرا عن رعيته أشهد أن الجهاد معك جهاد وأن الحق معك وإليك وأنت أهله ومعدنه وميراث النبوة عندك فصلى الله عليك وسلم تسليما وعذب الله قاتلك بأنواع العذاب أتيتك يا أمير المؤمنين عارفا بحقك مستبصرا بشأنك معاديا لأعدائك مواليا لأوليائك بأبي أنت وأمي أتيتك عائذا بك من نار استحقها مثلي بما جنيت على نفسي أتيتك زائرا أبتغي بزيارتك فكاك رقبتي من النار أتيتك هاربا من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري أتيتك وافدا لعظيم حالك ومنزلتك عند ربي فاشفع لي عند ربك فإن لي ذنوبا كثيرة وإن لك عند الله مقاما معلوما وجاها عظيما وشأنا كبيرا وشفاعة مقبولة وقد قال الله عزوجل « وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى » اللهم رب الأرباب صريخ الأحباب إني عذت بأخي رسولك معاذا ففك رقبتي من النار آمنت بالله وما أنزل إليكم وأتولى آخركم بما توليت به أولكم وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى.

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « حتى أتاك اليقين » أي الموت المتيقن ، والفكاك : التخليص.

قوله عليه‌السلام : « صريخ الأحباب » في التهذيب صريخ الأخيار.

٢٨٩

(باب)

(موضع رأس الحسين عليه السلام)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن زكريا ، عن يزيد بن عمر بن طلحة قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قلت بلى يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما فصلى وصلى إسماعيل وصليت فقال لإسماعيل قم فسلم على جدك الحسين عليه‌السلام فقلت جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء فقال نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن الحسن الخزاز ، عن الوشاء أبي الفرج ، عن أبان بن تغلب قال كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ثم قال هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت جعلت فداك

______________________________________________________

باب موضع رأس الحسين عليه‌السلام

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « عند ذكوات » في بعض النسخ بالراء المهملة أي بين حياض كبيرة ، في القاموس الركوة : الحوض الكبير (١) ، وفي بعضها بالزاي المعجمة ولا معنى له يناسب المقام ، وفي بعضها بالذال المعجمة ، والذكاة الجمرة الملتهبة فالمراد بها الحصبات البيض التي توجد هناك ، ويتختم بها أو التلال المشتملة عليها مجازا لتوقدها عند إشراق الشمس عليها.

وقيل : هي تصحيف الدكاوات.

في القاموس الدكاء : الرابية من الطين ليست بالغليظة والجمع دكاوات انتهى.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٣٣٦.

٢٩٠

والموضعين اللذين صليت فيهما قال موضع رأس الحسين عليه‌السلام وموضع منزل القائم عليه السلام.

(باب)

(زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن نعيم بن الوليد ، عن يونس الكناسي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أتيت قبر الحسين عليه‌السلام فائت الفرات واغتسل بحيال قبره وتوجه إليه وعليك السكينة والوقار حتى تدخل إلى القبر من الجانب الشرقي وقل حين تدخله ـ السلام على ملائكة الله المنزلين السلام على ملائكة الله المردفين السلام على ملائكة الله المسومين السلام على ملائكة الله الذين هم في هذا الحرم مقيمون فإذا استقبلت قبر الحسين عليه‌السلام فقل السلام على رسول الله

______________________________________________________

باب زيارة قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما‌السلام

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « المردفين » إشارة إلى قوله تعالى « فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ » (١) قال البيضاوي : أي متبعين المؤمنين أو بعضهم بعضا من أردفته أنا إذا جئت بعده ، أو متبعين بعضهم بعضا المؤمنين أو أنفسهم المؤمنين من أردفته إياه فردفه وقرأ نافع ، ويعقوب « مردفين » بفتح الدال أي متبعين أو متبعين بمعنى أنهم كانوا مقدمة الجيش أو ساقتهم انتهى ، ويمكن أن يكون المراد في هذا المقام السلام على هؤلاء الذين عاونوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجهاد بأن يكونوا من الملائكة المقيمين بالحائر وأن يكون المراد بها الملائكة الذين يردف بعضهم بعضا في النزول لزيارته ويردفون المؤمنين الزائرين في الزيارة ويشيعونهم والفقرة السابقة واللاحقة ناظرتان إلى قوله تعالى : « أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ » (١) « يُمْدِدْكُمْ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٢.

٢٩١

السلام على أمين الله على رسله وعزائم أمره والخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ثم تقول اللهم صل على أمير المؤمنين عبدك وأخي رسولك الذي انتجبته بعلمك وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك والدليل على من بعثته برسالاتك وديان الدين بعدلك وفصل قضائك بين خلقك والمهيمن على

______________________________________________________

رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ » (١) قال البيضاوي : أي معلمين من التسويم الذي هو إظهار سيماء الشيء أو مرسلين من التسويم بمعنى الإسامة انتهى.

أقول : يمكن أن يكون المراد بهما أيضا ما هو المراد في الآيتين كما ورد إنهم لا يصعدون حتى ينصروا القائم عليه‌السلام أو المراد بهما الملائكة الزائرين والمقيمين في الحائر مردفين [ المسومين ] بسيماء الحزن والبكاء.

قوله عليه‌السلام : « على رسله » أي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد وأمين عليهم يشهد لهم يوم القيامة كما ورد في الأخبار وفي سائر نسخ الحديث على رسالاته وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وعزائم أمره » أي الأمور اللازمة من الواجبات والمحرمات أو الأعم لوجوب تبليغها.

قوله عليه‌السلام : « لما سبق » أي لمن سبق من الأنبياء أو لما سبق من مللهم أو المعارف والأسرار ، « والفاتح لما استقبل » أي لمن بعده من الحجج أو لما استقبل من المعارف والحكم « والمهيمن على ذلك كله » أي الشاهد على الأنبياء والأئمة أو المؤتمن على تلك المعارف والحكم وقوله : « الذي انتجبته » صفة للأمير المؤمنين. وكونه صفة للرسول بعيد ، والباء في قوله « بعلمك » للملابسة أو للسببية أي عالما بأنه أهل لذلك أو بسبب علمك بذلك أو بأن أعطيته علمك.

قوله عليه‌السلام : « والدليل » أي هو لعلمه وما ظهر منه من المعجزات دليل على حقية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يدل الناس على دينه وحكمه.

قوله عليه‌السلام : « وديان الدين » أي قاضي الدين وحاكمة الذي يقضي بعد لك و « بفصل قضائك » أي حكمك الذي جعلته فاصلا بين الحق والباطل بأن يكون

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٢٥.

٢٩٢

ذلك كله والسلام عليه ورحمة الله وبركاته اللهم صل على الحسن بن علي عبدك وابن الذي انتجبته بعلمك وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك والدليل على من بعثته برسالاتك وديان الدين بعدلك وفصل قضائك بين خلقك والمهيمن على ذلك كله والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ثم تصلي على الحسين وسائر الأئمة عليهم‌السلام كما صليت وسلمت على الحسن عليه‌السلام ثم تأتي قبر الحسين عليه‌السلام فتقول السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين صلى الله عليك يا أبا عبد الله أشهد أنك قد بلغت عن الله عز وجل ما أمرت به ولم تخش أحدا غيره وجاهدت في سبيله وعبدته صادقا حتى أتاك اليقين أشهد أنك كلمة التقوى وباب الهدى والعروة الوثقى والحجة على من يبقى ومن تحت الثرى أشهد أن ذلك سابق فيما مضى وذلك لكم فاتح فيما بقي أشهد أن أرواحكم وطينتكم طيبة طابت وطهرت هي « بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » منا

______________________________________________________

قوله « فصل » : مجرورا بالعطف على عدلك فيحتمل حينئذ أن يكون بين خلقك متعلقا بالديان ، أو بالقضاء ، ويحتمل نصبه بالعطف على قوله : « هاديا » وجره بالعطف على الدليل ، فيحتمل أن يكون الدين بمعنى الجزاء أو المعنى أنه حاكم يوم الجزاء فالأولى إشارة إلى أنه الحاكم في القيامة والثانية إلى أنه القاضي في الدنيا والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « ثم تصلي على الحسين » في كامل الزيارة ذكر بعد الصلاة على الحسن عليه‌السلام مثل ذلك فقال ثم تصلي على الحسين وسائر الأئمة عليهم‌السلام كما صليت وسلمت على الحسن بن علي عليه‌السلام وهو الصواب كما لا يخفى.

قوله عليه‌السلام : « ومن تحت الثرى » أي كنت حجة عليهم عند كونهم في الدنيا أو هم مسئولون عن إمامتك في حفرهم وبعد حشرهم.

قوله عليه‌السلام : « سابق في ما مضى » أي تلك الأحوال والفضائل حاصلة فيمن مضى من الأئمة وهي سبب لفتح أبواب الإمامة والخلافة والعلوم والمعارف فيمن بقي من الأئمة فكلمة « ما » بمعنى « من » ، أو المعنى أن تلك الأحوال مثبتة في

٢٩٣

من الله ورحمة وأشهد الله وأشهدكم أني بكم مؤمن ولكم تابع في ذات نفسي وشرائع ديني وخاتمة عملي ومنقلبي ومثواي وأسأل الله البر الرحيم أن يتم ذلك لي أشهد أنكم قد بلغتم عن الله ما أمركم به ولن تخشوا أحدا غيره وجاهدتم في سبيله وعبدتموه حتى أتاكم اليقين لعن الله من قتلكم ولعن الله من أمر به ولعن الله من بلغه ذلك منهم فرضي به أشهد أن الذين انتهكوا حرمتكم وسفكوا دمكم ملعونون على لسان النبي الأمي صلى الله عليه واله.

ثم تقول : اللهم العن الذين بدلوا نعمتك وخالفوا ملتك ورغبوا عن أمرك

______________________________________________________

الكتب السالفة ويفتح لكم أبواب الفضائل في القرآن الباقي مدى الأعصار وقرأ بعض الأصحاب فائح بالهمزة بعد الألف أي يفوح من القرآن الباقي شميم فضائلهم.

قوله عليه‌السلام : « في ذات نفسي » أي أعزم وأوطن نفسي على أن أكون تابعا لكم في الأمور المتعلقة بنفسي وفي سائر شرائع ديني وفي خاتمة عملي وفي منقلبي إلى ربي وفي مثواي في قبري وفي الجنة أو في جميع حركاتي وسكناتي ، ولما لم يكن بعض هذه الأمور على بعض الوجوه باختياره وما كان باختياره لا يتأتى إلا بتوفيقه تعالى قال : « فاسأل الله تعالى » إلى آخره ويحتمل أن يكون المراد بالذات الحقيقة وتكون الفقرات متعلقة بقوله : « مؤمن » وتابع معا على التنازع أو على اللف والنشر أي أو من إيمانا منبعثا من حقيقة نفسي أي صميم قلبي ، ويظهر أثره في أعمالي وفي خاتمة عملي ويكون ثابتا معي عند الموت وفي القبر ، أو إني مؤمن بكم وتابع لما اعتقدتموه وبينتموه في حقيقة نفسي وصانعها وأحوالها وفي شرائع ديني وفيما يجب أن يكون عليه خاتمة عملي وفيما ذكرتموه على أن أكون تابعا لكم في الأمور المتعلقة بنفسي من أحوال الموت والقبر والجنة ، وأما اللف والنشر فيظهر مما ذكرنا.

فقوله عليه‌السلام : « نعمتك » أي الأئمة وولايتهم وقولهم : « واتهموا رسولك » أي فيما أدى إليهم في أهل بيته عليهم‌السلام.

٢٩٤

واتهموا رسولك وصدوا عن سبيلك اللهم احش قبورهم نارا وأجوافهم نارا واحشرهم وأشياعهم إلى جهنم زرقا اللهم العنهم لعنا يلعنهم به كل ملك مقرب وكل نبي مرسل وكل عبد مؤمن امتحنت قلبه للإيمان اللهم العنهم في مستسر السر وفي ظاهر العلانية اللهم العن جوابيت هذه الأمة والعن طواغيتها والعن فراعنتها والعن قتلة أمير المؤمنين والعن قتلة الحسين وعذبهم عذابا لا تعذب به أحدا من العالمين اللهم اجعلنا ممن ينصره وتنتصر به وتمن عليه بنصرك لدينك في الدنيا والآخرة.

ثم اجلس عند رأسه فقل صلى الله عليك أشهد أنك عبد الله وأمينه بلغت ناصحا وأديت أمينا وقتلت صديقا ومضيت على يقين لم تؤثر عمى على هدى ولم تمل من حق إلى باطل أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر واتبعت الرسول وتلوت الكتاب « حَقَّ تِلاوَتِهِ » ودعوت « إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ » صلى الله عليك وسلم تسليما وجزاك الله من صديق خيرا عن رعيتك وأشهد أن الجهاد معك جهاد وأن الحق معك وإليك وأنت أهله ومعدنه وميراث النبوة عندك وعند أهل بيتك صلى الله عليك وسلم تسليما أشهد أنك صديق الله وحجته على خلقه وأشهد أن دعوتك حق وكل داع منصوب غيرك فهو باطل مدحوض وأشهد « أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ » ثم تحول عند رجليه وتخير من الدعاء وتدعو لنفسك.

ثم تحول عند رأس علي بن الحسين عليهما‌السلام

وتقول سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته عليك صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ثم تأتي قبور الشهداء وتسلم عليهم وتقول : السلام عليكم أيها الربانيون

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « الربانيون » الرباني منسوب إلى الرب والألف والنون من زيادات النسب أي العالم الراسخ في الدين والعلم ، أو الذي يطلب بعلمه وجه الله أو من الرب بمعنى التربية أي الذين يربون المتعلمين ، و « الربيون » بالكسر

٢٩٥

أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ونحن لكم خلف وأنصار أشهد أنكم أنصار الله وسادة الشهداء في الدنيا والآخرة فإنكم أنصار الله كما قال الله عز وجل : « وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا » وما ضعفتم وما استكنتم حتى لقيتم الله على سبيل الحق ونصرة كلمة الله التامة صلى الله على أرواحكم وأبدانكم وسلم تسليما أبشروا بموعد الله الذي لا خلف له إنه « لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ » والله مدرك لكم بثار ما وعدكم أنتم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة أنتم السابقون والمهاجرون والأنصار أشهد أنكم قد جاهدتم في سبيل الله وقتلتم على منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما الحمد لله الذي صدقكم وعده وأراكم ما تحبون.

ثم ترجع إلى القبر وتقول : أتيتك يا حبيب رسول الله وابن رسوله وإني بك عارف وبحقك مقر بفضلك مستبصر بضلالة من خالفك عارف بالهدى الذي أنتم

______________________________________________________

أيضا منسوب إلى الرب بالفتح والكسر من التغيرات النسب أي المتمسكون بعبادة الله وعلمه ، وقيل : منسوب إلى الربة وهي الجماعة الكثيرة.

وقال في النهاية : فيه « أنا فرطكم على الحوض » أي متقدمكم إليه يقال : فرط يفرط ، فهو فارط وفرط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ، ويهيئ لهم الدلاء والأرشية.

ومنه الدعاء للطفل الميت « اللهم اجعل لنا فرطا » أي أجرا يتقدمنا (١).

قوله عليه‌السلام : « وما استكانوا » أي ما خضعوا لعدوهم.

قوله عليه‌السلام : « ونصرة كلمة الله » أي دين الحق ، ويحتمل أن يكون المراد بها الحسين عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام : « بثار » في كامل الزيارة وغيره ثار ما وعدكم من غير باء وهو أظهر وعلى تقديره فالباء زائدة ولعل إضافة الثأر إلى الموصول بيانية أي أمدك ما وعدكم من طلب ثاركم.

قوله عليه‌السلام : « بضلالة » في كامل الزيارة وبضلالة من خالفك موقن وهو الصواب.

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ج ٣ ص ٤٣٤.

٢٩٦

عليه بأبي أنت وأمي ونفسي اللهم إني أصلي عليه كما صليت عليه أنت ورسولك وأمير المؤمنين صلاة متتابعة متواصلة مترادفة تتبع بعضها بعضا لا انقطاع لها ولا أمد ولا أجل في محضرنا هذا وإذا غبنا وشهدنا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وإذا أردت أن تودعه فقل السلام عليك ورحمة الله وبركاته أستودعك الله وأقرأ عليك السلام آمنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه « وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ » اللهم لا تجعله آخر العهد منا ومنه اللهم إني أسألك أن تنفعنا بحبه اللهم ابعثه مقاما محمودا تنصر به دينك وتقتل به عدوك وتبير به من نصب حربا لآل محمد فإنك وعدت ذلك وأنت « لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ » السلام عليك ورحمة الله وبركاته أشهد أنكم شهداء نجباء جاهدتم في سبيل الله وقتلتم على منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما كثيرا.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن الحسين بن ثوير قال كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام وكان المتكلم منا يونس وكان أكبرنا سنا فقال له جعلت فداك إني أحضر مجلس هؤلاء القوم يعني ولد العباس فما أقول فقال إذا حضرت فذكرتنا فقل اللهم أرنا الرخاء والسرور فإنك تأتي على ما تريد فقلت جعلت فداك إني كثيرا ما أذكر الحسين عليه‌السلام فأي شيء أقول فقال قل صلى الله عليك يا أبا عبد الله تعيد ذلك ثلاثا فإن السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد ثم قال إن أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام لما قضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن ينقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « اللهم ابعثه » يدل على رجعته عليه‌السلام فتفطن.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « على ما تريد » أي من الثواب أو في الرجعة ومن جعله تتمة الدعاء وقال : المراد به أنك تهلك من تشاء فقد أبعد ما بعد مما بين الأرض والسماء.

٢٩٧

بكى على أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه قلت جعلت فداك وما هذه الثلاثة الأشياء قال لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان عليهم لعنة الله قلت جعلت فداك إني أريد أن أزوره فكيف أقول وكيف أصنع قال إذا أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فاغتسل على شاطئ الفرات ثم البس ثيابك الطاهرة ثم امش حافيا فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله وعليك بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والتعظيم لله عز وجل كثيرا والصلاة على محمد وأهل بيته حتى تصير إلى باب الحير ثم تقول السلام عليك يا حجة الله وابن حجته السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر ابن نبي الله ثم اخط عشر خطوات ثم قف وكبر ثلاثين تكبيرة ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل وجهه فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة بين كتفيك ثم قل السلام عليك يا حجة الله وابن حجته السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض أشهد أن دمك سكن في الخلد

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام : « من حرم الله » أي أمر الله ورسوله باحترامه أو يجب احترامه لكونه مدفن حجة الله ووصي رسوله.

قوله عليه‌السلام : « يا قتيل الله » أي المقتول لله وفي سبيله أو الذي هو تعالى طالب دمه وثاره ، والثأر بالهمزة : الدم ، وطلبه أي أنك أهل ثار الله ولذي يطلب الله دمه من أعدائه أو هو الطالب بدمه ودماء أهل بيته بأمره تعالى في الرجعة ، وقيل هو تصحيف ثائر وهو من لا يبقى على شيء حتى يدركه ثاره.

ثم اعلم إنا لم تجد في كتب الزيارات والأدعية إلا غير مهموز ولعله تخفيف أو تصحيف والأظهر ثائر الله وابن ثائره كما في بعض النسخ المصححة.

قوله عليه‌السلام : « يا وتر الله الموتور » قال الجوهري : الوتر الفرد والموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه ووتره حقه نقصه (١).

وقال الفيروزآبادي : الوتر بالكسر ويفتح : الذحل والظلم فيه أي الثأر (٢)

__________________

(١) الصحاح للجوهري : ج ٢ ص ٨٤٣.

(٢) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٨٤٢.

٢٩٨

واقشعرت له أظلة العرش وبكى له جميع الخلائق وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى أشهد أنك حجة الله وابن حجته وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله وأشهد أنك ثائر الله وابن ثائره وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض وأشهد أنك قد بلغت ونصحت ووفيت وأوفيت وجاهدت في سبيل الله ومضيت للذي كنت عليه شهيدا ومستشهدا

______________________________________________________

فالمراد به ثار الله كما مر ، أو الفرد المنفرد بالكمال والفضل في عصره ، وعلى الأول الموتور تأكيد له كقوله تعالى : « حِجْراً مَحْجُوراً » (١) والأول إشارة إلى شهادته والثاني إلى شهادة عشائره وأصحابه وقوله : « في السماوات والأرض » أي ينتظر طلب ثاره أهل السماوات والأرض ، أو عظمت مصيبته فيهما.

قوله عليه‌السلام : « أظلة العرش » الأظلة جمع ظلال وهو ما أظلك من سقف أو غيره والمراد بها هنا إما ما فوق العرش أو أطباقه وبطونه فإن كل طبقة وبطن منه ظل لطائفة أو أجزاء العرش فإن كل جزء منه ظل لمن يسكن تحته ، وقد يطلق الظلال على الأشخاص والأجسام اللطيفة والأرواح فيمكن أن يراد بها الأرواح المقدسة والملائكة الذين يسكنون العرش ويطيقون به ، وفي بعض الكتب ظلة العرش بالضم فالإضافة بيانية.

قال في القاموس : الظل من كل شيء : شخصه أو كنهه ومن السحاب ما وارى الشمس منه ، والظلة بالضم : ما يستظل (٢) به.

قوله عليه‌السلام : « وفيت » أي بعهد الله أو بما دعوك إليه وأوفيت أي بعهد الله كما قال تعالى : « وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ » (٣) أو أعطيت وأديت كلا من رعيتك ما لزمك من الهداية والنصيحة.

قوله عليه‌السلام : « ومضيت للذي » أقول : يحتمل وجوها.

__________________

(١) سورة الفرقان : الآية ٢٢ و ٥٣.

(٢) القاموس المحيط : ج ٤ ص ١٠.

(٣) سورة الفتح : ١٠.

٢٩٩

وشاهدا ومشهودا أنا عبد الله ومولاك وفي طاعتك والوافد إليك ألتمس كمال المنزلة عند الله وثبات القدم في الهجرة إليك والسبيل الذي لا يختلج دونك من الدخول في كفالتك التي أمرت بها من أراد الله بدأ بكم بكم يبين الله الكذب وبكم يباعد الله الزمان

______________________________________________________

الأول : أن تكون« اللام بمعنى » في كما يقال مضى لسبيله أي مات أي مضيت في الطريق الذي كنت عليه عالما بحقية ما كنت عليه والله أمرك إلى الشهادة وشاهدا على ما صدر من الأمة ومن جميع من مضى من الخلق ومشهودا يشهد الله ورسوله وملائكته والمؤمنون لك بأنك كنت على الحق وأديت ما عليك.

الثاني : أن تكون « اللام » بمعنى « إلى » كقوله تعالى : « أَوْحى لَها » (١) أي مضيت إلى عالم القدس الذي كنت عليه قبل النزول إلى هذا العالم والبواقي كما مر.

الثالث : أن تكون « اللام » تعليلا لقوله : « شهيدا » بأن يكون الشهيد بمعنى المستشهد أي مضيت شهيدا لكونك على الحق ولذا قتلوك.

الرابع : أن تكون « اللام» ظرفية و « على» تعليلية أي مضيت في السبيل الذي لأجله صرت عالما وشهيدا وشاهدا ومشهودا.

الخامس : أن تكون « اللام » ظرفية أيضا بمعنى أنك مضيت في سبيل كنت متهيئا له موطنا نفسك عليه وهو الموت كما يقال : فلان على جناح السفر أي كنت طالبا للشهادة غير راغب عنها.

قوله عليه‌السلام : « السبيل الذي لا يختلج » الاختلاج الاضطراب ، واختلجه أي جذبه واقتطعه فيمكن أن يقرأ يختلج على بناء لفاعل وعلى بناء المفعول ، والثاني أظهر. وعلى التقديرين السبيل إما معطوف على الهجرة ، أو على ثبات القدم والأخير أظهر ، وعلى التقديرين حاصل الكلام : إني التمس منك السبيل المستقيم غير المضطرب أو السبيل الذي من سلكه لا يجتذب ولا يمنع من الوصول إليكم في الدنيا والآخرة وكلمة « من » في قوله « من الدخول » تعليلية أو بيانية فيكون بيانا

__________________

(١) سورة الزلزلة : ٥.

٣٠٠