بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وأما الحيات التي في البيوت فلا تقتل حتى تنذر ثلاثة أيام لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه (١) ثلاثة أيام.

وحمل بعض العلماء ذلك على المدينة وحده والصحيح أنه عام في كل بلد لا تقتل حتى تنذر.

روى مسلم ومالك في آخر الموطإ وغيرهما عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري في بيته فوجدته يصلي فجلست أنتظر فراغه فسمعت حركة تحت السرير في ناحية البيت فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس فجلست فلما انصرف من صلاته أشار إلى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت قلت نعم قال كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس فخرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الخندق وكان ذلك الفتى يستأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند انتصاف النهار ويرجع إلى أهله فاستأذنه يوما فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فأخذ الفتى سلاحه ثم رجع إلى أهله فوجد امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وقد أصابته غيره فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني فدخل فإذا هو بحية عظيمة مطوقة على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فوكزه (٢) في الدار فاضطربت عليه وخر الفتى ميتا فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى قال فجئنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرناه بذلك وقلنا ادعوا [ ادع ] (٣) الله تعالى أن يحييه فقال استغفروا (٤) لصاحبكم.

ثم قال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه (٥) ثلاثة أيام

__________________

(١) في المخطوطة : فانذروه.

(٢) المصدر : فركزه.

(٣) في المصدر : ادع الله.

(٤) في المصدر : استغفروا ربكم.

(٥) في المخطوطة : فانذروه خ.

٢٨١

فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.

واختلف العلماء في تفسير الإنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاث مرات والأول عليه الجمهور وكيفيته أن يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان عليه‌السلام أن لا تبدوا لنا ولا تعادونا (١)

وفي أسد الغابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها إنا نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان عليه‌السلام لا تؤذينا فإن عادت فاقتلوها.

وروي عن عمران بن الحصين قال : أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعمامتي من ورائي وقال يا عمران إن الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار فأنفق وأطعم ولا تصرصر (٢) فيعسر عليك الطلب واعلم أن الله عز وجل يحب البصر النافذ عند هجم الشبهات والعقل الكامل عند نزول الشهوات (٣) ويحب السماحة ولو على تمرات ويحب الشجاعة ولو على قتل حية.

وعند الحنفية ينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء لأنها من الجان وقال الطحاوي لا بأس بقتل الجميع والأولى هو الإنذار (٤)

وقال في موضع آخر في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لعن الله من مثل بالحيوان.

وفي رواية لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (٥).

__________________

(١) في المخطوطة : « ولا تعودونا » وفي المصدر : ولا تؤذونا.

(٢) هكذا في الكتاب ، يقال : صرصر الرجل أي صاح ، وصرصر الشيء : جمعه وضم اطراف ما انتشر منه. وفي المصدر : ولا تعسر فيعسر عليك الطلب.

(٣) في المصدر : عند نزول البلايا.

(٤) حياة الحيوان ١ : ٢٠٣ ـ ٢٠٥.

(٥) زاد في المصدر : وفي رواية نهى رسول الله : « ص » أن تصبر البهائم. قال العلماء : تصبير البهائم هو أن تحتبس وهي احياء لتقتل بالرمى ونحوه ، وهو معنى قوله : لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا اي يرمى.

٢٨٢

أي يرمي كالغرض من الجلود وغيرها وهذا النهي للتحريم لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن فاعله ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه وتضييع لماليته وتفويت لذكاته إن كان يذكى ولمنفعته إن لم يكن يذكى (١).

٤٤ ـ العيون : والعلل ، عن محمد بن عمر البصري عن محمد بن عبد الله بن جبلة عن عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن الرضا عن آبائه عليه‌السلام قال : سأل شامي أمير المؤمنين عليه‌السلام كم حج آدم من حجة فقال له سبعين حجة ماشيا على قدميه وأول حجة حجها كان معه الصرد يدله على مواضع الماء وخرج معه من الجنة وقد نهي عن أكل الصرد والخطاف وسأله ما باله لا يمشي قال لأنه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه ولم يزل يبكي مع آدم عليه‌السلام فمن هناك سكن البيوت ومعه تسع آيات من كتاب الله عز وجل مما كان آدم يقرؤها في الجنة وهي معه إلى يوم القيامة ثلاث آيات من أول الكهف وثلاث آيات من سبحان وهي : « فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ » وثلاث آيات من يس : « وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا » (٢)

٤٥ ـ العيون : عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب عن منصور بن عبد الله عن المنذر بن محمد عن الحسين بن محمد عن سليمان بن جعفر عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : في جناح كل هدهد خلقه الله عز وجل مكتوب بالسريانية آل محمد خير البرية (٣).

٤٦ ـ البصائر : عن أحمد بن محمد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن محمد بن سيف التميمي (٤) عن محمد بن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استوصوا بالصائيات خيرا يعني الخطاف فإنه آنس طير الناس بالناس ثم قال رسول الله

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ٢٠٧.

(٢) عيون الأخبار ج ١ ص ٢٤٣ ، علل الشرائع ٢ : ٢٨١ و ٢٨٢ ( ط قم ).

(٣) عيون الأخبار ج ١ ص ٢٦١.

(٤) في الكافي : محمد بن يوسف التميمى.

٢٨٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتدرون ما تقول الصائية إذا ترنمت تقول : « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » حتى تقرأ أم الكتاب فإذا كان في آخر ترنمها قالت : « وَلَا الضَّالِّينَ » (١).

الكافي : عن العدة عن سهل بن زياد وأحمد بن أبي عبد الله جميعا عن الجاموراني مثله وفيه استوصوا بالصئينات وما تقول الصئينة إذا مرت وترنمت وزاد في آخره مد بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وَلَا الضَّالِّينَ » (٢).

بيان : قال الدميري السنونو بضم السين والنونين الواحدة سنونوة وهو نوع من الخطاطيف ولذلك سمي حجر اليرقان حجر السنونو ولكن تصحف على عجائب المخلوقات فقال حجر الصنونو بالصاد والصواب أنه بالسين المهملة نسبة إلى هذا النوع من الخطاطيف (٣).

٤٧ ـ المختلف : نقلا من كتاب عمار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام قال : خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه ولكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى في منزلك وكل شيء يستجير بك فأجره (٤).

التهذيب : بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار مثله إلا أنه أسقط لفظة خرء (٥)

٤٨ ـ ومنه : بالإسناد المتقدم عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله قال هو مما يؤكل وعن الوبر يؤكل قال

__________________

(١) بصائر الدرجات ٣٤٦.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٢٢٣ و ٢٢٤ فيه ؛ مد بها رسول الله صوته : ولا الضالين.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٦.

(٤) مختلف الاحكام ص ١٧٢.

(٥) تهذيب الأحكام.

٢٨٤

لا هو حرام (١).

بيان : حمل الشيخ قوله هو مما يؤكل على التعجب والإنكار وهو بعيد والأولى حمل أخبار النهي على الكراهة كما فعله الأكثر.

٤٩ ـ التهذيب : بالإسناد المتقدم عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الشقراق فقال كره قتله لحال الحيات قال وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما يمشي فإذا شقراق قد انقض (٢) فاستخرج من خفه حية (٣).

بيان : قوله عليه‌السلام لحال الحيات أي لأنه يأكلها وفي وجوده منفعة عظيمة فلذا كره قتله أو لأنه أخرج الحية من خفه صلى‌الله‌عليه‌وآله فصار بذلك محترما أو لأنه يأكل الحية ففيه سميته فالمراد بقتله قتله للأكل والأول أظهر.

٥٠ ـ الخرائج : عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله رجل عن الخطاف فقال لا تؤذوه فإنه لا يؤذي شيئا وهو طير يحبنا أهل البيت (٤).

٥١ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن علي بن سليمان عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح قال سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لا أرى بأكل الحبارى بأسا وإنه جيد للبواسير ووجع الظهر وهو مما يعين على كثرة الجماع (٥).

٥٢ ـ حياة الحيوان : الهدهد بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة وبفتح الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما طائر معروف ذو خطوط وألوان كثيرة والجمع الهداهد بالفتح هو طير منتن الريح طبعا لأنه يبني أفحوصته (٦) في الزبل وهذا عام في جميع جنسه

__________________

(١) تهذيب الأحكام ج ٩ ص ٢١.

(٢) انقض الطائر : هوى ليقع.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٩ ص ٢١.

(٤) الخرائج.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٣١٣.

(٦) الافحوصة : الموضع الذي تفحص القطاة التراب عنه لتبيض فيه.

٢٨٥

ويذكر عنه أنه يرى الماء في باطن الأرض كما يراه الإنسان في باطن الزجاج وزعموا أنه كان دليل سليمان عليه‌السلام على الماء وبهذا تفقده لما فقده وكان سبب غيبة الهدهد عن سليمان عليه‌السلام أنه لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم فتجهز واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطير والوحش ما بلغ عسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم وكان ينحر كل يوم طول مقامه (١) خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وإنه قال لمن حضره من أشراف قومه إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي من صفته كذا وكذا يعطى النصر على من ناواه وتبلغ هيبته مسيرة الشهر القريب والبعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم قالوا فبأي دين يدين يا نبي الله قال بدين الحنيفية فطوبى لمن أدركه وآمن به قالوا فكم بيننا وبين خروجه قال مقدار ألف عام (٢) فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل وأقام سليمان عليه‌السلام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسنا تزهو خضرتها فأحب النزول فيها ليصلي ويتغذى فلما نزل قال الهدهد إن سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع نحو السماء فنظر إلى طول الدنيا وعرضها يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فإذا هو بهدهد من هداهد اليمن فهبط عليه وكان اسم هدهد سليمان يعفور فقال (٣) ليعفور من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود عليه‌السلام فقال ومن سليمان قال ملك الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش والرياح وذكر له من عظمة ملك سليمان

__________________

(١) المصدر : طول مقامه بمكة.

(٢) بين مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونبوة سليمان ( عليه‌السلام ) اكثر من الف وخمسمائة عام ، ولعل الوهم من الراوي.

(٣) في المصدر : فقال هدهد اليمن ليعفور.

٢٨٦

وما سخر له من كل شيء فمن أين أنت قال الهدهد الآخر أنا من هذه البلاد ووصف له ملك بلقيس وأن تحت يدها اثني عشر ألف قائد تحت كل قائد مائة ألف مقاتل (١) ثم قال فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها فقال أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء فقال الهدهد اليماني إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فمضى معه ونظر إلى ملك بلقيس وما رجع إلى سليمان إلا بعد العصر فكان سليمان عليه‌السلام قد نزل على غير ماء (٢) فسأل الإنس والجن والشياطين عن الماء فلم يعلموا له خبرا فتفقد الطير وتفقد الهدهد (٣) فدعا عريف الطير وهو النسر وسأله عن الهدهد فلم يجد علمه عنده فغضب سليمان عليه‌السلام عند ذلك وقال : « لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً » الآية ثم دعا بالعقاب وهو سيد الطير وقال علي بالهدهد الساعة فارتفع في الهواء ونظر إلى الدنيا كالقصعة في يد الرجل ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن فانقض يريده فناشده الله تعالى وقال أسألك بحق الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني ولم تتعرض لي بسوء فتركه ثم قال له ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله قد حلف ليعذبك أو ليذبحنك فقال الهدهد أوما استثنى نبي الله قال بلى : « أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ » فقال الهدهد فنجوت إذا ثم طار الهدهد والعقاب حتى أتيا سليمان عليه‌السلام فلما قرب منه الهدهد أرخى ذنبه وجناحه يجرهما على الأرض تواضعا له فأخذ سليمان عليه‌السلام برأسه فمده إليه فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله عن سبب غيبته فأخبره بأمر بلقيس.

__________________

(١) فيه غرابة شديدة.

(٢) ظاهر قوله : ( رأى ارضا حسناء تزهو خضرتها ) أن الأرض كانت ذات ماء ، وظاهره أيضا انه نزل على تلك الأرض المخضرة.

(٣) في المصدر : ففقد الهدهد.

٢٨٧

وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من قصتها.

وأما قوله : « لَأُعَذِّبَنَّهُ » أراد تعذيبه بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه وقيل كان عذاب سليمان عليه‌السلام للطير أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه ممعطا (١) لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض وهو أظهر الأقاويل وقيل أن يطلى بالقطران ويشمس وقيل أن يلقى للنمل تأكله وقيل إيداعه القفص وقيل التفريق بينه وبين إلفه وقيل إلزامه صحبة الأضداد وعن بعضهم أنه قال أضيق السجون صحبة الأضداد وقيل حبسه مع غير جنسه وقيل إلزامه خدمة أقرانه وقيل تزويجه عجوزا.

فإن قلت من أين حل تعذيب الهدهد قلت يجوز أن يبيح الله له ذلك كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع.

حكى القزويني أن الهدهد قال لسليمان عليه‌السلام أريد أن تكون في ضيافتي قال أنا وحدي قال لا بل أنت وأهل عسكرك في جزيرة كذا في يوم كذا فحضر سليمان بجنوده فطار الهدهد فاصطاد جرادة وخنقها ورمى بها في البحر وقال كلوا يا نبي الله من فاته اللحم ناله المرق فضحك سليمان وجنوده من ذلك حولا كاملا.

وقال عكرمة إنما صرف سليمان عليه‌السلام عن ذبح الهدهد لأنه كان بارا بوالديه ينقل الطعام إليهما فيزقهما في حالة كبرهما.

قال الجاحظ هو وفاء حفوظ ودود وذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشتغل بطلب طعم ولا غيره ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه فإن حدث حادث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى أبدا ولم يزل صائحا عليها ما عاش ولم يشبع أبدا من طعم بل يناله منه ما يمسك رمقه إلى أن يشرف على الموت فعند ذلك ينال منه يسيرا.

وفي الكامل وشعب الإيمان للبيهقي أن نافعا سأل ابن عباس فقال سليمان عليه‌السلام مع ما خوله الله تعالى من الملك كيف عني بالهدهد مع صغره فقال ابن عباس إنه احتاج إلى الماء والهدهد كانت الأرض له كالزجاج فقال ابن الأزرق

__________________

(١) معط الريش : نتفه.

٢٨٨

لابن عباس قف يا وقاف كيف ينظر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطي له بقدر إصبع من تراب فقال ابن عباس إذا نزل القضاء عمي البصر.

ثم قال والأصح تحريم أكله لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتله (١) ولأنه منتن الريح ويقتات الدود وقيل يحل أكله (٢).

وقال الحبارى بضم الحاء المهملة طائر معروف وهو اسم جنس يقع على الذكر والأنثى واحده وجمعه سواء وإن شئت قلت في الجمع حبارات وهو من أشد الطير طيرانا وأبعدها صوتا (٣) وهو طائر طويل العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول ويضرب بها المثل في الحمق (٤).

وقال الصرد كرطب قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح هو مهمل الحروف على وزن جعل كنيته أبو كثير وهو طائر فوق العصفور يصيد العصافير والجمع صردان قاله النضر بن شميل وهو أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم المنقار له برثن عظيم يعني أصابعه عظيمة لا يرى إلا في سعفة أو في شجرة لا يقدر عليه أحد وهو شرس النفس شديدة النقرة غذاؤه من اللحم وله صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته فيدعوه إلى التقرب منه فإذا اجتمعوا إليه شد على بعضهم وله منقار شديد فإذا نقر واحدا قده من ساعته وأكله ولا يزال كذلك هذا دأبه ومأواه الأشجار ورءوس القلاع. ونقل أبو الفرج بن الجوزي في المدهش في قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ » الآية عن ابن عباس والضحاك ومقاتل قالوا إن موسى عليه‌السلام لما أحكم التوراة وعلم ما فيها قال في نفسه لم يبق في الأرض أحد أعلم مني من غير أن يتكلم مع أحد فرأى في منامه كان الله أرسل الماء بالماء حتى غرق ما بين المشرق والمغرب فرأى

__________________

(١) في المصدر : عن اكله.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

(٣) في المصدر : وأبعدها شوطا.

(٤) حياة الحيوان ١ : ١٦٣.

٢٨٩

فتاه (١) على البحر فيها صردة فكانت الصردة تجيء للماء الذي غرق الأرض فتنقل الماء بمنقارها ثم تدفعه في البحر فلما استيقظ الكليم هاله ذلك فجاءه جبرائيل فقال ما لي أراك يا موسى كئيبا فأخبره بالرؤيا فقال إنك زعمت أنك استغرقت العلم كله فلم يبق في الأرض من هو أعلم منك وإن لله عبدا علمك في علمه كالماء الذي حملته الصردة بمنقارها فدفعته في البحر فقال يا جبرائيل من هذا العبد فقال الخضر بن عاميل من ولد الطيب يعني إبراهيم الخليل عليه‌السلام قال من أين أطلبه قال اطلبه من وراء هذا البحر فقال من يدلني عليه قال بعض زادك قالوا فمن حرصه على رؤياه لم يستخلف في قومه (٢) ومضى لوجهه وقال لفتاه يوشع هل أنت موازري قال نعم قال اذهب فاحتمل لنا زادا فانطلق يوشع فاحتمل أرغفة وسمكة عتيقة مالحة ثم سارا في البحر حتى خاضا وحلا وطينا ولقيا تعبا ونصبا حتى انتهيا إلى صخرة ناتئة في البحر خلف بحر أرمنية [ إرمينية ] يقال لتلك الصخرة قلعة الحرس.

فأتياها فانطلق موسى ليتوضأ فاقتحم مكانا فوجد عينا من عيون الجنة في البحر فتوضأ منها وانصرف ولحيته تقطر ماء وكان عليه‌السلام حسن اللحية ولم يكن أحد أحسن لحية منه فنفض موسى لحيته فوقعت منها قطرة على تلك السمكة المالحة وماء الجنة لا يصيب شيئا ميتا إلا عاش فعاشت السمكة ووثبت في البحر فسارت فصار مجراها في البحر سربا ونسي يوشع ذكر السمكة : « فَلَمَّا جاوَزا قالَ » موسى : « لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا » الآية فذكر له أمر السمكة فقال له ذلك الذي نريده فرجعا يقصان أثرهما فأوحى الله إلى الماء فجمد وصار سربا على قامة موسى وفتاه فجرى الحوت أمامهما حتى خرج إلى البر فصار مسيره لهما جادة فسلكاها فناداهما مناد من السماء إن دعا الجادة فإنه طريق الشياطين إلى عرش إبليس وخذا ذات اليمين.

فأخذا ذات اليمين حتى انتهيا إلى صخرة عظيمة وعندها مصلى فقال موسى

__________________

(١) هكذا في الكتاب وفي المصدر : « قتاة » ولعله مصحف : قنات اي نبات.

(٢) في المصدر : على لقياه لم يستخلف على قومه.

٢٩٠

ما أحسن هذا المكان ينبغي أن يكون لذلك العبد الصالح فلم يلبثا أن جاء الخضر حتى انتهى إلى ذلك المكان والبقعة فلما قام عليها اهتزت خضرا قالوا وإنما سمي الخضر لأنه لا يقوم على بقعة بيضاء إلا صارت خضراء فقال موسى عليه‌السلام السلام عليك يا خضر فقال وعليك السلام يا موسى يا نبي بني إسرائيل فقال ومن أدراك من أنا قال أدراني الذي دلك على مكاني فكان من أمرهما ما كان وما قصه القرآن العظيم انتهى.

وقال القرطبي ويقال له الصرد الصوام روينا في معجم عبد الغني بن قانع عن أبي غليظة أمية بن خلف الجمحي قال رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى يده صرد (١) فقال هذا أول طير صام عاشوراء وكذلك أخرجه الحافظ أبو موسى والحديث مثل اسمه غليظ قال الحاكم وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين عليه‌السلام رواه أبو عبد الله بن معاوية بن موسى بن أبي غليظ نشيط بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي عن أبيه عن أبي غليظ قال رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى يده صردة (٢) قال هذا أول طير صام عاشوراء.

وهو حديث باطل ورواته مجهولون.

وقيل لما خرج إبراهيم عليه‌السلام من الشام لبناء البيت كانت السكينة معه والصرد وكان الصرد دليله على الموضع والسكينة بمقداره فلما صار إلى موضع البيت وقفت السكينة في موضع البيت ونادت ابن يا إبراهيم على مقدار ظلي.

وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قتل النحلة والنملة والهدهد والصرد.

والعرب تتشأم بصوته وشخصه قال القاضي أبو بكر إنما نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتله لأن العرب كانت تتشأم به فنهى عن قتله ليخلع عن قلوبهم ما ثبت فيها من اعتقادهم الشوم فيه لا أنه حرام (٣).

__________________

(١) في المصدر : وعلى يدي صرد.

(٢) في المصدر : وعلى يدي صرد.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٤١ و ٤٢.

٢٩١

وقال الشقراق بفتح الشين وكسرها وربما قالوا الشرقراق طائر ضعيف (١) يسمى الأخيل والعرب تتشأم به وهو أخضر مليح بقدر الحمام خضرته حسنة مشبعة في أجنحته سواد ويكون مخططا بحمرة وخضرة أو سواد وفي طبعه شره وشراسة وسرقة فراخ غيره وهو لا يزال متباعدا من الإنس ويألف الروابي ورءوس الجبال لكنه يحضن بيضه في العمران العوالي التي لا تناله الأيدي وعشه شديد النتن.

وقال الجاحظ إنه نوع من الغربان وفي طبعه العفة عن الفساد وهو كثير الاستغاثة إذا حاربه طائر ضربه وصاح كأنه المضروب ثم قال والأكثر على تحريمه وقال بعض الأصحاب بحله (٢) وقال الفيروزآبادي الشقراق ويكسر الشين والشقراق كقرطاس والشرقراق بالفتح والكسر والشرقرق كسفرجل طائر معروف مرقط بخضرة وحمرة وبياض وتكون بأرض الحرم انتهى.

وقال الدميري الحداء بكسر الحاء أخس الطائر (٣) وجمعها حدأ مثل عنبة وعنب ومن ألوانها السود والرمد وهي لا تصيد وإنما تخطف ومن طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر وزعم بعضهم أن الحدأة والعقاب يتبدلان فتصير الحدأة عقابا أو العقاب حدأة وقال القزويني إنها سنة ذكر وسنة أنثى.

وروى البخاري ومسلم (٤) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم.

وفي رواية ليس للمحرم في قتلهن جناح الحدأة والغراب الأبقع والعقرب والفأرة والكلب العقور.

نبه صلى‌الله‌عليه‌وآله بذكر هذه الخمسة على جواز قتل كل مضر فيجوز قتل الفهد والنمر والذئب والصقر والباشق والشاهين والزنبور والبق والبرغوث والبعوض والوزغ والذباب والنمل إذا آذاه (٥).

__________________

(١) في المصدر : وهو طائر صغير.

(٢) حياة الحيوان ٢ : ٣٨.

(٣) في المصدر : اخس الطير.

(٤) زاد في المصدر : من حديث ابن عمر وعائشة وحفصة.

(٥) حياة الحيوان ١ : ١٦٥ و ١٦٦.

٢٩٢

وقال الخطاف جمعه خطاطيف ويسمى زوار الهند وهو من الطيور القواطع إلى الناس يقطع البلاد البعيدة إليهم رغبة في القرب منهم ثم إنها تبني بيوتها في أبعد المواضع عن الوصول إليها وهذا الطائر يعرف عند الناس بعصفور الجنة لأنه زهد فيما بأيديهم من الأقوات فأحبوه لأنه إنما يتقوت بالبعوض والذباب ومن عجيب أمره أن عينه تقلع وترجع (١) ولا يرى واقفا على شيء يأكله أبدا ولا مجتمعا بأنثاه والخفاش يعاديه فلذلك إذا أفرخ يجعل في عشه قضبان الكرفس فلا يؤذيه إذا شم رائحته ولا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد ويبني عشه بناء عجيبا وذلك أنه يبني الطين مع التبن فإذا لم يجد طينا مهيأ ألقى نفسه في الماء ثم يتمرغ في التراب حتى يمتلئ جناحاه ويصير شبيها بالطين فإذا هيأ عشه جعله على القدر الذي يحتاج إليه هو وأفراخه ولا يلقي في عشه زبلا بل يلقيه إلى خارج فإذا كبرت فراخه علمها ذلك وأصحاب اليرقان يلطخون فراخ الخطاف بالزعفران فإذا رآها صفرا ظن أن اليرقان أصابها من شدة الحر فيذهب فيأتي بحجر اليرقان من أرض الهند فيطرحه على فراخه وهو حجر صغير فيه خطوط بين الحمرة والسواد ويعرف بحجر السنونو فيأخذه المحتال فيعلقه عليه أو يحكه ويشرب من مائه يسيرا فإنه يبرأ بإذن الله تعالى والخطاف متى سمع صوت الرعد يكاد أن يموت.

وقال أرسطو في كتاب النعوت الخطاطيف إذا عميت أكلت من شجرة يقال لها عين شمس فيرد بصرها لما في تلك الشجرة من المنفعة للعين.

وفي رسالة القشيري في آخر باب المحبة أن خطافا راود خطافة على قبة سليمان عليه‌السلام فامتنعت منه فقال لها أتمنعين علي ولو شئت لقلبت القبة على سليمان فسمعه سليمان فدعاه وقال ما حملك على ما قلت فقال يا نبي الله العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم قال صدقت.

وذكر الثعلبي وغيره في تفسير سورة النمل أن آدم عليه‌السلام لما خرج من

__________________

(١) في المصدر : ثم ترجع.

٢٩٣

الجنة اشتكى الوحشة فآنسه الله بالخطاف وألزمها البيوت فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم قال ومعها أربع آيات من كتاب الله العزيز وهي : « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ » إلى آخر السورة وتمد صوتها بقوله : « الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » والخطاطيف أنواع منها نوع يألف سواحل البحر يحفر بيته هناك ويعشش فيه وهو صغير الجثة دون عصفور الجنة ولونه رمادي والناس يسمونه سنونو بضم السين المهملة ونونين ومنها نوع أخضر على ظهره بعض حمرة أصغر من الدرة يسميه أهل مصر الخضيري لخضرته يقتات الفراش والذباب ونحو ذلك ومنها نوع طويل الأجنحة رقيقها يألف الجبال ويأكل النمل وهذا النوع يقال له السمائم مفردة سمامة ومنهم من يسمي هذا النوع السنونو الواحدة سنونوة وهو كثير في المسجد الحرام يعشش في سقفه في باب (١) بني شيبة وبعض الناس يزعم أن ذلك هو الأبابيل الذي عذب الله تعالى به أصحاب الفيل.

ثم قال يحرم أكل الخطاطيف لما روى عبد الرحمن بن معاوية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن قتل الخطاطيف (٢).

وعن إبراهيم بن طهمان عن عبادة بن إسحاق عن أبيه أنه قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل الخطاطيف عواد البيوت (٣).

وعن ابن عمر قال لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخطاف فإنه لما خرب بيت المقدس قال رب سلطني على البحر حتى أغرقهم (٤).

وقال في الضفدع هو بكسر الضاد مثل الخنصر واحد الضفادع والأنثى

__________________

(١) في المصدر : فى باب إبراهيم وباب.

(٢) زاد في المصدر : وقال : لا تقتلوا هذه العوذ انها تعوذ بكم من غيركم ، ورواه البيهقي وقال : انه منقطع. قال : ورواه إبراهيم بن طهمان ا ه‍.

(٣) في المصدر : عوذ البيوت. ومن هذه الطريق رواه أبو داود في مراسيله ؛ قال البيهقي : وهو منقطع أيضا لكن صح عن عبد الله بن عمر. ا ه‍.

(٤) حياة الحيوان ١ : ٢١٢ و ٢١٣.

٢٩٤

ضفدعة وناس يقولون ضفدع بفتح الدال قال الخليل ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجرع وهو الطويل وهبلع وهو الأكول وقلعم وهو اسم.

وقال ابن الصلاح الأشهر فيه من حيث اللغة كسر الدال وفتحها أشهر في السنة العامة وأشباه العامة من الخاصة وقد أنكره بعض أئمة اللغة وقال البطليوسي في شرح أدب الكاتب وحكي أيضا ضفدع بضم الضاد وفتح الدال وهو نادر حكاه المطرزي أيضا قال في الكفاية وذكر الضفادع يقال له العلجوم بضم العين والجيم وإسكان اللام والواو وآخره ميم والضفدع أنواع كثيرة وتكون من سفاد وغير سفاد وتتولد من المياه القائمة الضعيفة الجري ومن العفونات وعقب الأمطار الغزيرة حتى يظن أنه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الأسطحة عقيب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وأنثى وإنما الله تعالى يخلقه في تلك الساعة من طباع تلك التربة وهي من الحيوان التي لا عظام لها ومنها من ينق ومنها ما لا ينق والذي منها ينق يخرج صوته من قرب أذنه ويوصف بحدة السمع إذا تركت النقيق وكانت خارج الماء وإذا أرادت أن تنق أدخلت فكها الأسفل في الماء ومتى دخل الماء في فيها لا تنق قال عبد القاهر والثعبان يستدل بصياح الضفدع عليه فيأتي على صياحه فيأكله وتعرض لبعض الضفادع مثل ما يعرض لبعض الوحوش من رؤية النار حيرة إذا رأتها وتتعجب منها لأنها تنق فإذا أبصرت النار سكتت ولا تزال تدمن النظر إليها وأول نشوها في الماء أن تظهر مثل حب الدخن الأسود ثم تخرج منه وهي كالدعموص ثم بعد ذلك ينبت لها الأعضاء فسبحان القادر على ما يشاء وعلى ما يريد سبحانه لا إله غيره إلا هو.

وفي الكامل لابن عدي عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من قتل ضفدعا فعليه شاة محرما كان أو حلالا.

قال سفيان يقال أنه ليس شيء أكثر ذكرا لله منه.

وفيه أنه روي عن جابر الجعفي عن عكرمة عن ابن عباس أن ضفدعا ألقت

٢٩٥

نفسها في النار من مخافة الله فأثابهن الله بها برد الماء وجعل نقيقهن التسبيح وقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل الضفدع والصرد والنحلة. قال ولا أعلم لحماد بن عبيد غير هذا الحديث قال البخاري لا يصح حديثه وقال أبو حاتم ليس بصحيح الحديث.

وفي كتاب الزاهر لأبي عبد الله القرطبي أن داود عليه‌السلام قال لأسبحن الله الليلة تسبيحا ما سبحه به أحد من خلقه فنادته ضفدعة من ساقية في داره يا داود تفخر على الله بتسبيحك إن لي (١) لسبعين سنة ما جف لساني من ذكر الله تعالى وإن لي لعشر ليال ما طعمت خضرا ولا شربت ماء اشتغالا بكلمتين فقال ما هما قالت يا مسبحا بكل لسان ومذكورا بكل مكان فقال داود في نفسه وما عسى أن أقول أبلغ من هذا.

وروى البيهقي في شعبه عن أنس بن مالك أنه قال : إن نبي الله داود ظن في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه بأفضل مما يمدحه به (٢) فأنزل الله عليه ملكا وهو قاعد في محرابه والبركة إلى جانبه فقال يا داود افهم ما تصوت به الضفدعة فأنصت إليها فإذا هي تقول سبحانك وبحمدك منتهى علمك فقال له الملك كيف ترى فقال والذي جعلني نبيا إني لم أمدحه بهذا.

وفي كتاب فضل الذكر لجعفر بن محمد الفريابي الحافظ العلامة عن عكرمة أنه قال صوت الضفدع تسبيح.

وفيه أيضا عن الأعمش عن أبي صالح أنه سمع صوت صرير باب فقال هذا منه تسبيح.

قال الرئيس ابن سينا إذا كثرت الضفادع في سنة وزادت عن العادة يقع الوباء عقيبها.

وقال القزويني الضفادع تبيض في الرمل مثل السلحفاة وهي نوعان جبلية ومائية.

__________________

(١) في المصدر : تفتخر على الله بتسبيحك وان لي.

(٢) في المصدر : مما مدحه به.

٢٩٦

ونقل الزمخشري في الفائق عن عمر بن عبد العزيز قال سأل رجل ربه أن يريه موضع الشيطان من قلب ابن آدم فرأى فيما يرى النائم رجلا كالبلور يرى داخله من خارجه ورأى الشيطان في صورة الضفدع له خرطوم كخرطوم البعوضة قد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس له فإذا ذكر الله خنس.

وروى ابن عدي عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح.

وقال الزمخشري إنها تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس.

وعن أنس لا تقتلوا الضفادع فإنها مرت بنار إبراهيم عليه‌السلام فحملت في أفواهها الماء وكانت ترشه على النار.

وفي شفاء الصدور عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهن تسبيح (١).

فذلكة اعلم أن أكثر الأصحاب حكموا بكراهة أكل الهدهد والفاختة والقبرة والحبارى والصرد والصوام والشقراق واختلفوا في الخطاف فذهب أكثر المتأخرين إلى الكراهة وذهب الشيخ في النهاية والقاضي وابن إدريس إلى التحريم بل ادعى ابن إدريس عليه الإجماع واستدلوا على كراهة أكثر ما ذكر بما مر من الأخبار الناهية عن قتلها وإيذائها ولا يخفى أنها لا تدل على كراهة أكل لحمها بعد القتل فإن الظاهر أن ذلك لكرامتها واحترامها لا لكراهة لحومها وحرمتها والأخبار الآتية في الفاختة إنما تدل على كراهة إيوائها في البيوت بل ربما يشعر بحسن قتلها وأكلها قال المحقق الأردبيلي قدس‌سره بعد إيراد روايات النهي عن قتل الهدهد وظاهر الدليل هو التحريم والحمل على الكراهة كأنه للأصل والعمومات وحصر المحرمات ولعدم القائل بالتحريم على الظاهر تأمل.

ثم اعلم أن الكلام في كراهة أكل اللحم والدليل ما دل عليه بل على النهي عن أذاه وقتله وهو غير مستلزم للنهي عن أكل لحمه وهو ظاهر فإن في أكله بعد

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٥٧ و ٥٨.

٢٩٧

القتل ليس أذاه وأيضا يحتمل أن يكون المراد بالنهي قتله لا للأكل بل لأذاه يؤيده قوله لا يؤذي والعلة أيضا فإن كونه نعم الطير لا يستلزم عدم قتله للأكل فإن الغنم أيضا موصوف بأنه نعم المال أو مال مبارك ونحو ذلك مع أنه خلق للأكل ولا شك أن الاجتناب عن أذاه أولى وأحوط.

ثم قال رحمه‌الله في حديث الخطاف المتقدم يفهم منه أن المراد بالنهي عن القتل النهي عن الأكل حيث دحا به بعد أن كان مذبوحا (١) ثم نقل النهي عن القتل فتأمل ولكن في السند جهالة واضطراب.

وقال قدس‌سره وأما كراهة الحبارى فليس عليها دليل واضح سوى أنه مذكور في أكثر الكتب قال في التحرير وبها رواية شاذة نعم في صحيحة عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع ما تقول في الحبارى قال إن كانت له قانصة فكل الخبر وهي مشعرة بعدم ظهور حالها فالاجتناب أولى فتأمل انتهى.

وأقول كان وجه التأمل أنه لا إشعار في كلامه عليه‌السلام بالكراهة بل الظاهر أن غرضه عليه‌السلام بيان القاعدة الكلية لبعد عدم علمه عليه‌السلام بذلك ويحتمل أن يكون في هذا التعبير مصلحة أخرى كتقية ونحوها وبالجملة عدم الكراهة أظهر لما ورد في الصحيح عن كردين المسمعي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحبارى قال لوددت أن عندي منه فآكل حتى أمتلئ (٢).

ولرواية بسطام بن صالح.

وأما الحيات فالظاهر جواز قتلها مطلقا إلا عوامر البيوت إذا لم تؤذ أصحاب البيت فإنه يحتمل أن تكون فيها كراهة لكن ينبغي أن لا يكون الاحتراز عن قتلهن لتوهم إثم في قتلهن أو ضرر منهن وأما التفاصيل الواردة في أخبار العامة

__________________

(١) ولعل ذلك كان لشدة غضبه عليه‌السلام على قتله فلا يدل على حرمة الا كل بعد ذبحه.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٠٦.

٢٩٨

فلم نجده في أخبارنا وأما سائر المؤذيات فلا بأس بقتلهن وما لم يؤذ منها فلعل الأفضل الاجتناب عن قتلها تنزها لا تحريما للتعليلات الواردة في بعض الأخبار فتفطن.

وأما تعذيب الحيوان الحي بلا مصلحة داعية إلى ذلك فهو قبيح عقلا ويشعر فحاوي بعض الأخبار بالمنع عنه فالأحوط تركه ولم يتعرض أكثر أصحابنا لتلك الأحكام إلا نادرا.

٢٩٩

١١

(باب)

القبرة والعصفور وأشباههما

١ ـ الكافي : عن العدة عن سهل بن زياد عن أبي عبد الله الجاموراني عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول لا تقتلوا القبرة (١) ولا تأكلوا لحمها فإنها كثيرة التسبيح وتقول في آخر تسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد عليه‌السلام (٢).

٢ ـ ومنه : عن محمد بن الحسن وعلي بن إبراهيم الهاشمي عن بعض أصحابنا عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال قال علي بن الحسين عليه‌السلام (٣) القنزعة التي هي على رأس القبرة (٤) من مسحة سليمان بن داود عليه‌السلام وذلك أن الذكر أراد أن يسفد أنثاه فامتنعت عليه فقال لها لا تمتنعي ما أريد (٥) إلا أن يخرج الله عز وجل مني نسمة يذكر ربه (٦) فأجابته إلى ما طلب فلما أرادت أن تبيض قال لها أين تريدين أن تبيضين فقالت له لا أدري أنحيه عن الطريق فقال لها إني خائف أن يمر بك مار الطريق ولكني أرى لك أن تبيضي قرب الطريق فمن رآك (٧) قربه توهم أنك تعرضين للقط الحب من الطريق فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت حتى أشرفت على النقاب (٨) فبينما هما كذلك إذ

__________________

(١) في المصدر : القنبرة.

(٢) فروع الكافي ٦ : ٢٢٥.

(٣) القنزعة : الخصلة من الشعر تترك على الرأس.

(٤) في المصدر : القنبرة.

(٥) في المصدر : فما اريد.

(٦) في المخطوطة : « يذكر به » وفي المصدر : تذكر به.

(٧) في المصدر : فمن يراك.

(٨) النقاب : شق البيضة عن الفرخ.

٣٠٠