بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٩

(باب)

*(إخصاء الدواب وكيها وتعرقبها (١) والإضرار بها وبسائر الحيوانات )*

والتحريش بينها وآداب إنتاجها وبعض النوادر

الآيات النساء ٤ : « وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً » ١١٧ ـ ١١٩.

تفسير : « فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ » قيل أي يشقونها لتحريم ما أحل الله وهي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب وإشارة إلى تحريم كل ما أحل ونقص كل ما خلق كاملا بالفعل أو بالقوة : « وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ » عن وجهه صورة أو صفة ويندرج فيه ما قيل من فقوء عين الحامي وخصاء العبيد والبهائم والوسم (٢) والوشم والوشر واللواط والسحق ونحو ذلك وعبادة الشمس والقمر وتغيير فطرة الله التي هي الإسلام واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ولا يوجب لها من الله زلفى وبالجملة يمكن أن يستدل به على تحريم الكي وإخصاء الإنسان والحيوانات مطلقا بل التحريش بينها لأنها لم تخلق لذلك إلا ما أخرجه الدليل.

قال الطبرسي قدس الله روحه : « وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ » أي لآمرنهم بتغيير خلق الله فليغيرنه واختلف في معناه فقيل يريد دين الله وأمره عن ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

ويؤيده قوله سبحانه : « فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ »

__________________

(١) في المخطوطة : وعرقبتها ( تعرقبها خ ل ).

(٢) الوسم : اثر الكى. والوشم : غرز الابرة في البدن وذر النيلج عليه وبالفارسية يقال : خالكوبى. والوشر : تحديد الأسنان وترقيقها.

٢٢١

وأراد بذلك تحريم الحلال وتحليل الحرام وقيل أراد معنى الخصاء عن عكرمة وشهر بن حوشب وأبي صالح عن ابن عباس وكرهوا الإخصاء في البهائم وقيل إنه الوشم عن ابن مسعود وقيل إنه أراد الشمس والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها عن الزجاج (١).

١ ـ المحاسن : عن محمد بن علي عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخصاء فلم يجبني ثم سألت أبا الحسن عليه‌السلام بعده فقال لا بأس (٢).

الفقيه : بإسناده عن الحسن بن علي بن فضال عن يونس بن يعقوب مثله وفيه عن الإخصاء (٣).

بيان : محمول على إخصاء الحيوانات كما سيأتي والمشهور فيه الكراهة وقيل بالحرمة والمشهور أظهر قال العلامة رحمه‌الله في المنتهى نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا أن إخصاء الحيوان محرم قال والأولى عندي تجنب ذلك وأنه مكروه دون أن يكون محرما محظورا لأنه ملك للإنسان يعمل به ما شاء مما فيه الصلاح له (٤) وما روي في ذلك يحمل على الكراهية دون الحظر.

٢ ـ قرب الإسناد : عن السندي بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن إخصاء الغنم قال لا بأس (٥).

٣ ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا حرنت على أحدكم دابة في أرض العدو

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ١١٣.

(٢) المحاسن : ٦٢٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢١٦ فيه : لا بأس به.

(٤) الضمير ان عاد الى الحيوان فالتعليل صحيح واما ان عاد الى الإنسان ففى عموم التعليل نظر.

(٥) قرب الإسناد : ١٣١.

٢٢٢

فليذبحها (١) ولا يعرقبها (٢).

٤ ـ ومنه : بالإسناد المتقدم قال كان أبو عبد الله عليه‌السلام يقول لما كان يوم مؤتة كان جعفر بن أبي طالب على فرس له فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف فكان أول من عرقب في الإسلام (٣).

المحاسن : عن النوفلي مثله (٤).

بيان : يدل على جواز العرقبة مع الضرورة.

٥ ـ مجالس الشيخ : عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن وهبان عن علي بن حبشي عن العباس بن محمد بن الحسين عن أبيه عن صفوان وجعفر بن عيسى عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل فبينا هو يصلي وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديكا وهما ينتفان ريشه فأقبل على ما فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك فأوحى الله إلى الأرض أن سيخي بعبدي فساخت به الأرض فهو يهوي في الدردون أبد الآبدين ودهر الداهرين (٥).

بيان : الدردون لم أجده في كتب اللغة وكأنه اسم طبقة من طبقات الأرض أو طبقات جهنم ويدل على عدم جواز الإضرار بالحيوانات بغير مصلحة ووجوب نهي الصبيان عن مثله وفيه مبالغة عظيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٦ ـ المحاسن : عن أبيه عن ابن المغيرة ومحمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه عليه‌السلام أنه كره إخصاء الدواب والتحريش بينها (٦).

__________________

(١) في المصدر : « دابة يعنى اقامت في أرض العدو او في سبيل الله فليذبحها » أقول : حرنت الدابة : وقفت ولم تنقد. عرقب الرجل الدابة : قطع عرقوبها. والعرقوب : عصب غليظ فوق العقب.

(٢) فروع الكافي ٥ : ٤٩.

(٣) فروع الكافي ٥ : ٤٩.

(٤) المحاسن : ٦٣٤.

(٥) المجالس والاخبار : ٦٣.

(٦) المحاسن : ٦٣٤.

٢٢٣

٧ ـ نوادر الراوندي : عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عليه‌السلام قال : كان رجل من نجران مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزاة ومعه فرس وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستأنس إلى صهيله ففقده فبعث إليه فقال ما فعل فرسك فقال اشتد علي شغبه فخصيته فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلت به مثلت به الخيل معقود في نواصيها الخير إلى أن تقوم القيامة (١) وأهلها معانون عليها أعرافها وقارها ونواصيها جمالها وأذنابها مذابها (٢).

٨ ـ الكافي : عن العدة عن سهل عن البزنطي عن الكاهلي قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده (٣) عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ثم قال إن في كتاب علي عليه‌السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به (٤).

بيان : يفهم منه أن كل إضرار بالحيوان يصير سببا لإصلاحه جائز وإن لم ينتفع به الحيوان.

٩ ـ الكافي : عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكشوف وهو أن تضرب الناقة وولدها طفل (٥) إلا أن يتصدق بولدها أو يذبح ونهى من أن ينزى حمار على عتيقة.

بيان : في القاموس الكشوف كصبور الناقة يضربها الفحل وهي حامل وربما ضربها وقد عظم بطنها فإن حمل عليها الفحل سنتين ولاء فذلك الكشاف بالكسر أو هو

__________________

(١) في المصدر : الى يوم القيامة.

(٢) نوادر الراوندي : ٣٤.

(٣) في المصدر : وانا عنده يوما.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٥) لان ذلك يصير سببا لنقص لبنها وعدم رشد ولدها.

٢٢٤

أن تلقح حين تنتج أو أن يحمل عليها في كل عام وذلك أردأ النتاج.

١٠ ـ التهذيب : بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عباد بن سليمان عن سعد بن سعد عن هشام بن إبراهيم قال : سألته عن الحمير ننزيها على الرمك لتنتج البغال أيحل ذلك قال نعم أنزها (١).

بيان : الرمكة محركة الفرس والبرذونة تتخذ للنسل والجمع رمك وجمع الجمع أرماك ذكره الفيروزآبادي.

وأقول لا تنافي بين هذه الخبر وبين الخبر السابق واللاحق لأن النهي فيهما متعلق بالنزو على العتيقة العربية والتجويز في هذا الخبر للبرذون مع أن الخبر الآتي يحتمل كونه مختصا بهم عليه‌السلام بل ظاهره ذلك.

١١ ـ صحيفة الرضا : بإسناد الطبرسي عن الرضا عن آبائه عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنا أهل بيت لا تحل لنا صدقة (٢) وأمرنا بإسباغ الوضوء وأن لا ننزي حمارا على عتيقة ولا نمسح على خف (٣).

بيان : قال في النهاية في حديث علي عليه‌السلام أمرنا أن لا ننزي الحمر على الخيل أي نحملها عليه للنسل يقال نزوت على الشيء أنزو نزوا إذا وثبت عليه وقد يكون في الأجسام والمعاني ثم ذكر عن الخطابي بعض الوجوه التي ذكرها الدميري مما أوردته سابقا (٤).

١٢ ـ المحاسن : عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام مر ببهيمة وفحل يسفدها على ظهر الطريق فأعرض علي عليه‌السلام بوجهه فقيل له لم فعلت ذلك يا أمير المؤمنين فقال إنه لا ينبغي أن تصنعوا (٥) ما يصنعون

__________________

(١) تهذيب الأحكام.

(٢) في المخطوطة : انا أهل البيت لا تحل لنا الصدقة.

(٣) صحيفة الرضا : ٥.

(٤) النهاية ٤ : ١٤٧.

(٥) في المصدر : أن يصنعوا.

٢٢٥

وهو من المنكر إلا أن تواروه (١) حيث لا يراه رجل ولا امرأة (٢).

١٣ ـ نوادر الراوندي : عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عليه‌السلام مثله (٣).

بيان : في القاموس سفد الذكر على الأنثى كضرب وعلم سفادا بالكسر نزا وأسفدته وتسافد السباع.

١٤ ـ الكافي : عن العدة عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي نصر قال : سأل رجل الرضا عليه‌السلام عن الزوج من الحمام يفرخ عنده يتزوج الطير أمه وابنته قال لا بأس بما كان بين البهائم (٤).

١٥ ـ السرائر : من كتاب أبان بن تغلب عن القاسم بن إسماعيل عن عيسى بن هشام عن أبان بن عثمان عن مسمع كردين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التحريش بين البهائم قال أكره ذلك كله إلا الكلب (٥).

الكافي : عن العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبان مثله وفيه أكره ذلك إلا الكلاب (٦)

١٦ ـ المحاسن : عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن التحريش بين البهائم فقال كله مكروه إلا الكلاب (٧).

__________________

(١) في المصدر : الا أن يواروه.

(٢) المحاسن : ٦٣٤.

(٣) نوادر الراوندي : ١٤ فيه : « على بهيمة » وفيه : « فاعرض بوجهه عنها » وفيه : أن يصنعوا ما صنعوا وهو من المنكر ولكن ينبغي لهم أن يواروه.

(٤) فروع الكافي ٦ : ٥٤٨.

(٥) السرائر.

(٦) فروع الكافي ٦ : ٥٥٤.

(٧) المحاسن : ٦٢٨.

٢٢٦

الكافي : عن العدة عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم مثله وفيه كله يكره إلا الكلب (١)

١٧ ـ الفقيه : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تحريش البهائم إلا الكلاب (٢).

بيان : قوله عليه‌السلام إلا الكلاب كأن المراد به تحريش الكلب على الصيد لا تحريش الكلاب بعضها على بعض والأخبار وإن وردت بلفظ الكراهة لكن قد عرفت أن الكراهة في عرف الأخبار أعم من الحرمة وهو لهو ولغو وإضرار بالحيوانات بغير مصلحة فلا يبعد القول بالتحريم والله يعلم.

١٨ ـ مجالس الصدوق : والفقيه ، في مناهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن الوسم في وجوه البهائم (٣).

١٩ ـ قرب الإسناد : عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الدابة أيصلح أن يضرب وجهها أو يسمه بالنار قال لا بأس (٤).

٢٠ ـ المحاسن : عن محمد بن علي عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن سمة الغنم في وجوهها فقال سمها في آذانها (٥).

٢١ ـ ومنه : عن ابن محبوب عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سمة المواشي فقال لا بأس بها إلا في الوجه (٦).

الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله (٧).

٢٢ ـ المحاسن : عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) فروع الكافي ٦ : ٥٥٣ و ٥٥٤ فيه : كله مكروه الا الكلب.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٥.

(٣) مجالس الصدوق : ٢٥٥ ( م ٦٦ ) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٥.

(٤) قرب الإسناد : ١٢١.

(٥) المحاسن : ٦٤٤.

(٦) المحاسن : ٦٤٤.

(٧) فروع الكافي ٦ : ٥٤٥ فيه : إلا في الوجوه.

٢٢٧

قال : لا بأس بها إلا ما كان في الوجه (١).

٢٣ ـ ومنه : عن أبيه عن فضالة عن أبان عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وسم المواشي فقال توسم في غير وجهها (٢).

٢٤ ـ ومنه : عن محمد بن علي عن ابن أسباط عن علي بن جعفر قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الدابة يصلح أن يضرب وجهها ويسمها بالنار فقال لا بأس (٣).

٢٥ ـ العياشي : عن الحسن عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أن توسم البهائم في وجهها وأن يضرب وجوهها فإنها تسبح بحمد ربها (٤).

٢٦ ـ الكافي : عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أسم الغنم في وجوهها قال سمها في آذانها (٥).

٢٧ ـ قرب الإسناد : عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام قال : لا بأس بسمة المواشي إذا تنكبتم وجوهها (٦).

٢٨ ـ حياة الحيوان : روى البخاري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مر بحمار وسم في وجهه فقال لعن الله من فعل بهذا (٧).

٢٩ ـ وفي رواية لعن الله الذي وسمه (٨).

__________________

(١) المحاسن : ٦٤٤ فيه : لا بأس به.

(٢) المحاسن : ٦٤٤ فيه : فى غير وجوهها.

(٣) المحاسن : ٦٢٨.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٢٩٤.

(٥) فروع الكافي ٦ : ٥٤٥.

(٦) قرب الإسناد : ٣٩ فيه : لا بأس بسمة المواشى بالنار إذا أنتم تنكبتم وجوهها.

(٧) حياة الحيوان ١ : ١٨٢ فيه : « من فعل هذا » وفيه : وسم هذا.

(٨) حياة الحيوان ١ : ١٨٢ فيه : « من فعل هذا » وفيه : وسم هذا.

٢٢٨

١٠

(باب)

النحل والنمل وسائر ما نهي عن قتله من الحيوانات وما يحل قتله منها من الحيات والعقارب والغربان وغيرها والنهي عن حرق الحيوانات وتعذيبها

الآيات المائدة ٥ : « فَبَعَثَ اللهُ غُراباً » الآية٣٠.

النحل : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » ٦٨ و ٦٩.

النمل ٢٧ : « حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها » إلى قوله تعالى : « وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ » الآيات ١٨ ـ ٢١.

تفسير : قد مرت قصة الغراب الذي علم قابيل كيف يواري جسد هابيل عليه‌السلام حين قتله قوله تعالى : « وَأَوْحى رَبُّكَ » قال الرازي يقال وحى وأوحى وهو الإلهام والمراد من الإلهام أنه تعالى قرر في نفسها هذه الأعمال العجيبة التي يعجز عنها العقلاء من البشر وبيانه من وجوه الأول أنها تبني البيوت المسدسة من أضلاع متساوية لا يزيد بعضها على بعض بمجرد طباعها والعقلاء من البشر لا يمكنهم بناء مثل تلك البيوت إلا بآلات وأدوات مثل المسطر والفرجار والثاني أنه ثبت في الهندسة أن تلك البيوت لو كانت مشكلة بأشكال سوى المسدسات فإنه يبقى بالضرورة ما بين تلك البيوت فرج خالية ضائعة فاهتداء تلك الحيوان الضعيف إلى هذه الحكمة الخفية والدقيقة اللطيفة من الأعاجيب.

٢٢٩

والثالث : أن النحل يحصل بينها واحد كالرئيس للبقية وذلك الواحد يكون أعظم جثة من الباقي ويكون نافذ الحكم على تلك البقية وهم يخدمونه ويحملونه عند تعبه وذلك أيضا من الأعاجيب.

والرابع أنها إذا ذهبت عن وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر فإذا أرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول وآلات الموسيقى وبواسطة تلك الألحان يقدرون على ردها إلى وكرها وهذه أيضا حالة عجيبة فلما امتاز هذا الحيوان بهذه الخواص العجيبة الدالة على مزيد الذكاء والكياسة ليس إلا على سبيل الإلهام وهو حالة شبيهة بالوحي لا جرم قال تعالى في حقها : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » واعلم أن الوحي قد ورد في حق الأنبياء كقوله تعالى : « وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً » (١) وفي الأولياء أيضا قال تعالى : « وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ » (٢) وبمعنى الإلهام في حق البشر : « وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى » (٣) وفي حق سائر الحيوان خاص وقال الزجاج يجوز أن يقال سمي هذا الحيوان نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها وقال غيره النحل يذكر ويؤنث وهي مؤنثة في لغة الحجاز ولذلك أنثها الله وكذلك كل جمع ليس بينه وبين الواحدة إلا الهاء : « أَنِ اتَّخِذِي » أن مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول : « وَمِمَّا يَعْرِشُونَ » أي يبنون ويسقفون وقرئ بضم الراء وكسرها.

واعلم أن النحل نوعان أحدهما ما يسكن في الجبال والغياض ولا يتعهدها أحد من الناس والنوع الثاني التي يسكن بيوت الناس ويكون في تعهدات الناس فالأول هو المراد بقوله : « أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ » والثاني هو المراد بقوله : « وَمِمَّا يَعْرِشُونَ » وإنما قال : « مِنَ الْجِبالِ » و : « مِنَ الشَّجَرِ » لئلا تبني بيوتها في كل جبل وشجر بل في مساكن يوافق مصالحها ويليق بها واختلفوا في

__________________

(١) الشورى : ٥١.

(٢) المائدة : ١١١.

(٣) القصص : ٧.

٢٣٠

هذا الأمر.

فمن الناس من يقول لا يبعد أن يكون لهذه الحيوانات عقول وأن يتوجه عليها من الله أمر ونهي وقال آخرون ليس الأمر كذلك بل المراد منه أنه تعالى خلق فيها غرائز وطبائع توجب هذه الأحوال : « ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » من للتبعيض أو لابتداء الغاية رأيت في كتب الطب أنه تعالى دبر هذا العالم على وجه يحدث في الهواء طل لطيف في الليالي ويقع ذلك الطل على أوراق الأشجار فقد تكون تلك الأجزاء الطلية لطيفة الصور متفرقة على الأوراق والأزهار وقد تكون كثيرة بحيث يجتمع منها أجزاء محسوسة أما القسم الثاني فإنه مثل الترنجبين فإنه طل ينزل من الهواء ويجتمع على أطراف الشجر في بعض البلدان وذلك محسوس وأما القسم الأول فهو الذي ألهم الله تعالى هذا النحل تلتقط تلك الذرات من الأزهار وأوراق الأشجار بأفواهها وتأكلها وتغتذي بها فإذا شبعت التقطت بأفواهها مرة أخرى شيئا من تلك الأجزاء ثم تذهب بها إلى بيوتها وتضعها هناك كأنها تحاول أن تدخر لنفسها غذاءها فإذا اجتمع في بيوتها من تلك الأجزاء الطلية شيء كثير فذاك هو العسل.

ومن الناس من يقول إن النحل تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق العطرة أشياء ثم إنه تعالى يقلب تلك الأجسام في داخل بطنه عسلا ثم إنها تقيء مرة أخرى فذاك هو العسل والقول الأول أقرب إلى العقل وأشد مناسبة للاستقراء فإن طبيعة الترنجبين قريبة إلى العسل في الطعم والشكل ولا شك أنه طل يحدث في الهواء ويقع على أطراف الأشجار والأزهار فكذا هاهنا وأيضا فنحن نشاهد أن هذا النحل إنما تغتذي بالعسل ولذلك فإنا إذا أخرجنا العسل من بيوت النحل تركنا لها بقية من ذلك العسل لأجل أن تغتذي بها فعلمنا أنها تغتذي بالعسل وأنها إنما تقع على الأشجار والأزهار لأنها تغتذي بتلك الأجزاء الطلية العسلية الواقعة من الهواء عليها إذا عرفت هذا فنقول قوله : « كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » كلمة من هاهنا تكون لابتداء الغاية ولا تكون للتبعيض على هذا القول : « فَاسْلُكِي

٢٣١

سُبُلَ رَبِّكِ » (١) أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل أو يكون المراد فاسلكي في طلب تلك الثمرات سبل ربك وفي قوله : « ذُلُلاً » قولان الأول أنه حال من السبل لأن الله تعالى ذللها لها ووطئها وسهلها كقوله : « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً » (٢) الثاني أنه حال من الضمير في قوله : « فَاسْلُكِي » أي وأتي يا أيتها النحل ذلك منقادة لما أمرت به غير ممتنعة : « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها » هذا رجوع من الخطاب إلى الغيبة والسبب فيه أن المقصود من ذكر هذه الأحوال أن يحتج الإنسان المكلف به على قدرة الله تعالى وحكمته وحسن تدبيره لأحوال العالم العلوي والسفلي فكأنه تعالى لما خاطب النحل بما سبق ذكره خاطب الإنسان وقال إنما ألهمنا هذا النحل لهذه العجائب لأجل أن يخرج : « مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ » ثم إنا ذكرنا أن من الناس من يقول العسل عبارة عن أجزاء طلية تحدث في الهواء وتقع على أطراف الأشجار وعلى الأوراق والأزهار فيلقطها الزنبور بفمه فإذا ذهبنا إلى هذا الوجه كان المراد من قوله : « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها » أي من أفواهها وكل تجويف في داخل البدن فإنه يسمى بطنا ألا ترى أنهم يقولون بطون الدماغ وعنوا بها تجاويف الدماغ فكذا هاهنا : « يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها » أي أفواهها وأما على قول أهل الظاهر وهو أن النحل تأكل الأوراق والثمرات ثم تقيء فذلك هو العسل فالكلام ظاهر ثم وصف العسل بكونه شرابا لأنه تارة يشرب وحده وتارة يتخذ منه الأشربة وبأنه مختلف ألوانه والمقصود منه إبطال القول بالطبع لهذا الجسم مع كونه متشابه الطبيعة لما حدث على ألوان مختلفة دل ذلك على حدوث تلك الألوان بتدبير الفاعل المختار لا لأجل

__________________

(١) من العجائب التي لم يعلم رمزها الى زماننا هذا هي أن النحل بكثرتها كيف كيف تهتدى الى خليته مع كثرة الخلايا ، واظن ان قوله : « فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً » اشارة الى الطريقة التي علمها ربها للاهتداء الى ذلك.

(٢) الملك : ١٥.

٢٣٢

إيجاب الطبيعة وبأن فيه شفاء للناس وفيه قولان الأول وهو الصحيح أنه صفة للعسل.

فإن قالوا كيف يكون شفاء للناس وهو يضر بالصفراء ويهيج المرار قلنا إنه تعالى لم يقل إنه شفاء لكل الناس ولكل داء وفي كل حال بل لما كان شفاء في الجملة إنه قل معجون من المعاجين إلا وتمامه وكماله يحصل بالعجن بالعسل وأيضا فالأشربة المتخذة منه في الأمراض البلغمية عظيمة النفع.

والقول الثاني : وهو قول مجاهد إن المراد أن القرآن : « فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ » وعلى هذا التقدير فقصة تولد العسل من النحل تمت عند قوله : « مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ » ثم ابتدأ وقال : « فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ » أي في هذا القرآن حصل ما هو شفاء للناس من الكفر والبدعة مثل هذا الذي مر في قصة النحل وعن ابن مسعود أن العسل شفاء من كل داء والقرآن فيه : « شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ » واعلم أن هذا القول ضعيف من وجهين الأول أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات وما ذاك إلا قوله : « شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ » وأما الحكم بعوده إلى القرآن مع أنه غير مذكور فيما سبق فهو غير مناسب الثاني ما روى أبو سعيد الخدري أنه جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال إن أخي يشتكي بطنه فقال اسقه عسلا فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فلم تغن عنه فقال عليه‌السلام اذهب فاسقه عسلا وقال صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرأ كأنما نشط من عقال.

وحملوا قوله صدق الله على قوله تعالى : « فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ » وذلك أنما يصح لو كان هذا صفة للعسل فإن قال قائل فما المراد من قوله عليه‌السلام صدق الله وكذب بطن أخيك قلنا العلة أنه عليه‌السلام علم بنور الوحي أن ذلك العسل سيظهر نفعه بعد ذلك فلما لم يظهر في الحال مع أنه عليه‌السلام كان عالما بأنه سيظهر نفعه بعد ذلك كان هذا جاريا مجرى الكذب فلهذا السبب أطلق عليه هذا اللفظ انتهى (١).

__________________

(١) تفسير الرازي.

٢٣٣

وآيات النمل قد مر تفسيرها وتدل على شرافة في الجملة للنملة وعلى بعض ما سيأتي ذكره وكذا آيات الهدهد تدل على كرامته وبعض ما سيأتي من أحواله وقد مضت قصته وسيأتي بعضها.

وقال الدميري في حياة الحيوان النحل ذباب العسل وقد تقدم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الذباب كله في النار إلا النحل.

وواحدة النحل نحلة وقرأ يحيى بن وثاب : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » بفتح الحاء والجمهور بالإسكان قال الزجاج في تفسير سورة النساء سميت نحلا لأن الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج منها إذ النحلة العطية وكفاها شرفا قول الله عز وجل : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » فأوحى الله سبحانه وتعالى إليها فأثنى عليها فعلمت مساقط الأنوار من وراء البيداء فتقع هناك على كل نورة عبقة وزهرة أنقة ثم تصدر عنها بما تحفظه رضابا وتلفظه شرابا (١).

قال في عجائب المخلوقات يقال ليوم عيد الفطر يوم الرحمة إذ أوحى الله تعالى فيه إلى النحل صنعة العسل فبين سبحانه أن في النحل أعظم اعتبار وهو حيوان فهيم ذو كيس وشجاعة ونظر في العواقب ومعرفة بفصول السنة وأوقات المطر وتدبير المراتع والمطاعم والطاعة لكبيره والاستكانة لأميره وقائده وبديع الصنعة وعجيب الفطرة. قال أرسطو النحل تسعة أصناف منها ستة يأوي بعضها إلى بعض وغذاؤها من الفضول الحلوة والرطوبات التي ترشح بها الزهر والورق ويجمع ذلك كله ويدخره وهو العسل وأوعيته ويجمع مع ذلك رطوبات دسمة يتخذ منها بيوت العسل وهي الشمع وهو يلقطها بخرطومه ويحملها على فخذيه وينقلها من فخذيه إلى صلبه هكذا.

قال والقرآن يدل على أنها ترعى الزهر فيستحيل في جوفها عسلا وتلقيه

__________________

(١) في المصدر : قال القزوينى في عجائب المخلوقات.

٢٣٤

من أفواهها فيجمع منه القناطير المقنطرة قال تعالى : « ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ » وقوله : « مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ » المراد به بعضها نظيره قوله : « وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » يريد به البعض واختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النحل (١) وقد يختلف طعمه لاختلاف المرعى ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جرست نحلة العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير والحديث مشهور في الصحيحين وغيرهما.

ومن شأنه في تدبير معاشه أنه إذا أصاب موضعا نقيا بنى فيه بيتا من الشمع ثم يبني (٢) البيوت التي يأوي فيها الملوك ثم بيوت الذكور التي لا تعمل فيها شيئا (٣) والذكور أصغر جرما من الإناث وهي تكثر المادة داخل الخلية وهي إذا طارت تخرج بأجمعها وترتفع في الهواء ثم تعود إلى الخلية والنحل تعمل الشمع أولا ثم تلقي البزر لأنه له بمنزلة العش للطائر فإذا ألقته قعدت وتحضنه كما تحضن الطير (٤) فيتكون من ذلك البزر دود ثم تنهض الدود فتغذى أنفسها (٥) ثم تطير والنحل لا يقعد على أزهار مختلفة بل على زهر واحد وتملأ بعض البيوت عسلا وبعضها فراخا ومن عادتها أنها إذا رأت فسادا من ملك إما أن تعزله أو تقتله وأكثر ما تقتل خارج الخلية والملوك لا تخرج إلا مع جميع النحل والملك إذا عجز عن الطيران حملته وسيأتي بيان هذا في أواخر الكتاب في لفظ اليعسوب ومن خصائص الملك أنه ليس له حمة يلسع بها وأفضل ملوكها الشقر وأسوؤها الرقط بسواد والنحل تجتمع فتقتسم الأعمال فبعضها يعمل الشمع وبعضها يعمل العسل وبعضها يسقي الماء وبعضها يبني البيوت وبيوتها من أعجب الأشياء لأنها مبنية على الشكل المسدس الذي

__________________

(١) في المصدر : بحسب اختلاف النحل والمرعى.

(٢) في المصدر : بيوتا من الشمع اولا ثم بنى.

(٣) في المصدر : لا تعمل شيئا.

(٤) في المصدر : قعدت عليه وحضنته كما يحضن الطير.

(٥) في المصدر : دود أبيض ثم ينهض الدود وتغذى نفسها.

٢٣٥

لا ينخرق (١) كأنه استنبط بقياس هندسي ثم هو في دائرة مسدسة لا يوجد فيها اختلاف فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة وذلك لأن الأشكال من الثلاث إلى العشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءت بينها خروج إلا الشكل المسدس فإنه إذا اجتمع إلى أمثاله اتصل كأنه قطعة واحدة وكل هذا بغير مقياس ولا آلة ولا فكرة (٢) بل ذلك من أثر صنع اللطيف الخبير وإلهامه إياها كما قال تعالى : « وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ » الآية.

فتأمل كمال طاعتها وحسن امتثالها لأمر ربها كيف اتخذت بيوتا في هذه الأمكنة الثلاثة الجبال والشجر وبيوت الناس حيث يعرشون أي حيث يبنون العروش فلا ترى للنحل بيتا في غير هذه الثلاثة البتة وتأمل كيف كانت أكثر بيوتها في الجبال وهي المتقدمة في الآية ثم الأشجار وهي دون ذلك ثم فيما يعرش الناس وهي أقل بيوتها فانظر كيف أداها حسن الامتثال إلى أن اتخذت البيوت قبل المرعى وهي تتخذها أولا فإذا استقر لها بيت خرجت عنه فرعت وأكلت من كل الثمرات ثم آوت إلى بيوتها لأن ربها سبحانه وتعالى أمرها باتخاذ البيوت أولا ثم بالأكل بعد ذلك.

قال في الإحياء انظر إلى النحلة كيف أوحى الله إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتا وكيف استخرج من لعابها الشمع والعسل وجعل أحدهما ضياء والآخر شفاء ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنوار واحترازها من النجاسات والأقذار وطاعتها لواحد من جملتها وهو أكثرها شخصا وهو أميرها ثم ما سخر الله سبحانه وتعالى أميرها من العدل والإنصاف بينها حتى أنه ليقتل على باب المنفذ كل

__________________

(١) في المصدر : لا ينحرف.

(٢) في المصدر : ولا بركار.

٢٣٦

ما وقع منها على نجاسة لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيرا على نفسك (١) وفارغا من هم بطنك وفرجك وشهوات نفسك في معاداة أقرانك وموالاة إخوانك ثم دع عنك جميع ذلك فانظر إلى بنيانها بيتها من الشمع واختيارها من جميع الأشكال المسدس فلا تبني بيتها مستديرا ولا مربعا ولا مخمسا بل مسدسا لخاصية في الشكل المسدس يقصر فيه فهم المهندس (٢) وهو أن أوسع الأشكال وأحواها المسدس وما يقرب منه فإن المربع يخرج منه زوايا ضائعة وشكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا يبقى الزوايا فارغة ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة فإن الأشكال المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصة ولا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب في الاحتواء من المستدير ثم تتراص الجملة بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس وهذه خاصية هذا الشكل فانظر كيف ألهم الله تعالى النحل على صغر جرمه ذلك لطفا به وعناية بوجوده فيما هو المحتاج إليه ليتهيأ عيشه (٣) فسبحانه ما أعظم شأنه وأوسع لطفه وامتنانه.

وفي طبعه أنه يهرب بعضه عن بعض ويقاتل بعضه بعضا في الخلايا ويلسع من دنا من الخلية وربما هلك الملسوع وإذا هلك منها شيء داخل الخلايا أخرجته الأحياء إلى الخارج وفي طبعه أيضا النظافة فلذلك يخرج رجيعه من الخلية لأنه منتن الريح وهو يعمل زماني الربيع والخريف والذي يعمله (٤) في الربيع أجود والصغير أعمل من الكبير وهو يشرب من الماء ما كان عذبا صافيا يطلبه حيث كان ولا يأكل من العسل إلا قدر شبعه وإذا قل العسل في الخلية قذفه بالماء ليكثر خوفا على نفسه من نفاده لأنه إذا نفد أفسد النحل بيوت الملوك وبيوت الذكور وربما قتلت ما كان منها هناك.

__________________

(١) في المصدر : فى نفسك.

(٢) في المصدر : يقصر فهم المهندس عن درك ذلك.

(٣) في المصدر : ليهنأ عيشه.

(٤) في المصدر : يعسله.

٢٣٧

قال حكيم من اليونانيين لتلامذته كونوا كالنحل في الخلايا قالوا وكيف النحل (١) قال إنها لا تترك عندها بطالا إلا أبعدته وأقصته عن الخلية لأنه يضيق المكان ويفني العسل ويعلم النشيط الكسل.

والنحل يسلخ جلده كالحيات وتوافقه الأصوات اللذيذة المطربة ويضره السوس ودواؤه أن يطرح في كل خلية كف ملح وأن يفتح في كل شهر مرة ويدخن بأخثاء البقر.

وفي طبعه أنه متى طار عن الخلية يرعى ثم يعود فتعود كل نحلة إلى مكانها لا تخطئه وأهل مصر يحولون أبواب الخلايا في السفن ويسافرون بها إلى المواضع الزهر والشجر فإذا اجتمع في المرعى فتحت أبواب الخلايا فتخرج النحل منها ويرعى يومه أجمع فإذا أمسى عاد إلى السفينة وأخذت كل نحلة مكانها من الخلية لا تتخطاه (٢).

وروى أحمد وابن أبي شيبة والطبراني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المؤمن كالنحلة تأكل طيبا وتضع طيبا وقعت فلم تكسر ولم تفسد.

وفي شعب البيهقي عن مجاهد قال صاحبت عمر من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا هذا الحديث إن مثل المؤمن كمثل النحلة إن صاحبته نفعك وإن شاورته نفعك وإن جالسته نفعك وكل شأنه منافع وكذلك النحلة كل شأنها منافع.

قال ابن الأثير وجه المشابهة بين المؤمن والنحلة حذق النحل وفطنته وقلة أذاه وحقارته ومنفعته وقنوعه وسعيه في النهار وتنزهه عن الأقذار وطيب أكله وأنه لا يأكل من كسب غيره ونحوله وطاعته لأميره وللنحل آفات (٣) تقطعه عن عمله منها الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار وكذلك المؤمن له آفات

__________________

(١) في المصدر : وكيف النحل في الخلايا؟.

(٢) في المصدر : من الخلية لا تتغير عنه.

(٣) في المصدر : وان للنحل آفات.

٢٣٨

تفتره عن عمله منها ظلمة الغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام وماء السعة ونار الهوى.

وفي مستدرك الدارمي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : كونوا في الناس كالنحلة في الطير إنه ليس في الطير إلا وهو يستضعفها ولو تعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها (١) وخالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب.

وفيه أيضا عن ابن عباس أنه سأل كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في التوراة فقال كعب نجده محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يولد بمكة ويهاجر إلى طيبة ويكون ملكه بالشام ليس بفحاش ولا صخاب في الأسواق ولا يكافئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح أمته الحامدون (٢) يحمدون الله تعالى في كل سراء وضراء يوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم دويهم في مساجدهم كدوي النحل يسمع مناديهم في جو السماء.

وذكر ابن خلكان في ترجمة عبد المؤمن بن علي ملك المغرب أن أباه كان يعمل الطين فخارا وأنه كان في صغره نائما في دار أبيه وأبوه يعمل الطين فسمع أبوه دويا في السماء فرفع رأسه فرأى سحابة سوداء من النحل قد هوت مطبقة على الدار فاجتمعت كلها على ولده وهو نائم فغطته وأقامت عليه مدة ثم ارتفعت عنه وما تألم منها وكان بالقرب منه رجل يعرف الزجر فأخبره أبوه بذلك فقال يوشك أن يجتمع على ولدك أهل المغرب (٣) فكان كذلك وكان من أمر ولده ما اشتهر من ملك المغرب الأعلى والأدنى.

وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل وروي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال تحقيرا للدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة وأشرف

__________________

(١) في المصدر : ما فعلت ذلك بها ، خالطوا.

(٢) في المصدر : الحمادون.

(٣) في المصدر : جميع أهل المغرب.

٢٣٩

شرابه فيها رجيع نحلة.

وظاهر هذا أنه من غير الفم كذا نقله عنه ابن عطية والمعروف أنه (١) قال : إنما الدنيا ستة أشياء مطعوم ومشروب وملبوس ومركوب ومنكوح ومشموم فأشرف المطعوم العسل وهو مذقة ذباب وأشرف المشروب الماء ويستوي فيه البر والفاجر وأشرف الملبوس الحرير وهو نسج دودة وأشرف المركوب الفرس وعليه تقتل الرجال وأشرف المنكوح المرأة وهو مبال في مبال وأشرف المشموم المسك وهو دم حيوان.

والتحقيق أن العسل يخرج من بطونها لكن لا ندري أمن فمها أم من غيره ولا يتم صلاحه إلا بحمو أنفاسها (٢) وقد صنع أرسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع فأبت أن تعمل حتى لطخته من باطن الزجاج بالطين كذا قاله الغزنوي وغيره وروينا في تفسير الكواشي الأوسط أن العسل ينزل من السماء فينبت في أماكن من الأرض فيأتي النحل فيشربه ثم يأتي الخلية فيلقيه في الشمع المهيإ للعسل في الخلية لا كما يتوهمه بعض الناس من أن العسل من فضلات الغذاء وأنه قد استحال في المعدة عسلا هذه عبارته والله أعلم (٣).

توضيح : عبق به الطيب لصق والرضاب كغراب الريق المرشوف جرست أي أكلت والجرس اللحس باللسان والعرفط شجر الطلح وله صمغ كريه الرائحة والخلي ما تعسل فيه النحل والسوس دود يقع في الصوت والأخثاء جمع الخثي بالكسر وهو فضلة البقر.

١ ـ تفسير علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه‌السلام إن لله واديا ينبت الذهب والفضة وقد حماه الله بأضعف خلقه وهو النمل لو رامته البخاتي ما قدرت عليه (٤).

٢ ـ حياة الحيوان : النمل معروف الواحدة نملة والجمع نمال وأرض نملة

__________________

(١) في المصدر : والمعروف عنه أنه قال.

(٢) أي بحرارة انفاسها. وفي المصدر : بحمى انفاسها.

(٣) حياة الحيوان ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٨.

(٤) تفسير القمي : ٤٧٦.

٢٤٠