بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

(أبواب)

الحيوان وأصنافها وأحوالها وأحكامها

١

(باب)

*(عموم أحوال الحيوان وأصنافها)*

الآيات : الأنعام : «٦» : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » ٣٨.

النحل : «١٦» : « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ » ٤٩.

وقال تعالى : « أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » ٦٩.

الأنبياء : «٢٤» : « وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ » ٧٩.

النور : «٢٤» : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ » ٤١.

وقال تعالى : « وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ٤٥.

النمل : «٢٧» : « وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ

١

يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ » ١٦ ـ ١٨.

إلى قوله تعالى : « وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ » ٢٠ ـ ٢٢.

إلى قوله سبحانه قال : « سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ » ٢٧ و ٢٨.

العنكبوت «٢٩» : « وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ٦٠.

لقمان «٣١» : « وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ » ١٠.

ص «٦٨» : « وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ » ١٩.

الزخرف «٤٣» : « وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها » ١٢.

الجاثية «٦٧» : « وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » ٤.

الملك «٦٧» : « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ » ١٩.

التكوير «٨١» : « وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ » ٥.

الفيل «١٠٥» : « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ». إلى آخر السورة :

تفسير قال الطبرسي قدس‌سره في قوله تعالى : « وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ » : أي ما من حيوان يمشي على وجه الأرض : « وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ » جمع بهذين اللفظين جميع الحيوانات لأنها لا تخلو أن تكون تطير بجناحيه أو تدب وإنما قال : « يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ » للتوكيد ورفع اللبس لأن القائل قد يقول طر في حاجتي أي أسرع فيها أو لأن السمك تطير في الماء ولا جناح لها وإنما خرج السمك عن الطائر لأنه من دواب البحر وإنما أراد تعالى ما في الأرض وما في الجو (١).

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٢٩٧.

٢

وأقول قيل إنها تشمل الحيتان أيضا إما بدخولها في الأول لأنها تدب في الماء أو في الثاني ولا يخفى بعدهما.

وقال الرازي في قوله : « إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ » قال الفراء يقال كل صنف من البهائم أمة وجاء في الحديث لو لا أن الكلاب أمة تسبح لأمرت (١) بقتلها فجعل الكلاب أمة إذا ثبت هذا فنقول الآية دلت على أن هذه الدواب والطيور أمثالنا وليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة في أي المعاني حصلت ولا يمكن أن يقال المراد حصول المماثلة من كل الوجوه وإلا لكان يجب كونها أمثالنا (٢) في الصورة والصفة والخلقة وذلك باطل فظهر أنه لا دلالة في الآية على أن تلك المماثلة حصلت في أي الأحوال والأمور فاختلف الناس في تفسير الأمر الذي حكم الله فيه بالمماثلة بين البشر وبين الدواب والطيور وذكروا فيه أقوالا.

الأول : نقل الواحدي عن ابن عباس أنه قال يريد يعرفونني ويوحدونني ويسبحونني ويحمدونني وإلى هذا القول ذهبت طائفة عظيمة من المفسرين وقالوا إن هذه الحيوانات تعرف الله وتحمده وتسبحه واحتجوا عليه بقوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ » (٣) وبقوله في صفة الحيوانات : « كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ » (٤) ولأنه تعالى (٥) خاطب النمل والهدهد.

وعن أبي الدرداء قال أبهمت عقول البهم عن كل شيء إلا أربعة (٦) أشياء :

__________________

(١) في المصدر : لو لا ان الكلاب امة من الأمم لامرت بقتلها.

(٢) في المصدر : امثالا لنا.

(٣) الإسراء : ٤٤.

(٤) النور : ٤١.

(٥) في المصدر : وبما أنه تعالى.

(٦) في المصدر : الا عن أربعة.

٣

معرفة الإله وطلب الرزق ومعرفة الذكر والأنثى وتهيأ كل واحد منهما لصاحبه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعج إلى الله تعالى يقول يا رب إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي ولم يدعني فآكل من حشارة (١) الأرض. الثاني أن المراد كونها أمثالكم في كونها أمما وجماعات وفي كونها مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضا ويأنس بعضها ببعض ويتوالد بعضها من بعض إلا أن للسائل أن يقول حمل الآية على هذا الوجه لا يفيد فائدة معتبرة إذ معلوم لكل أحد كونها كذلك.

الثالث : أن المراد أنها أمثالنا في أن دبرها الله تعالى وخلقها وتكفل برزقها وهذا يقرب من القول الثاني فيما ذكر.

الرابع : أن المراد أنه تعالى كما أحصى في الكتاب كل ما يتعلق بأحوال البشر من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة فكذلك أحصى في الكتاب جميع هذه الأحوال في حق كل الحيوانات قالوا والدليل عليه قوله تعالى : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » والخامس أنه أراد تعالى أنها أمثالها (٢) في أنها تحشر يوم القيامة وتوصل (٣) إليها حقوقها كما

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال يقتص للجماء من القرناء.

السادس : ما رواه الخطابي عن سفيان بن عيينة أنه لما قرأ هذه الآية قال ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من بعض البهائم فمنهم من يقدم إقدام الأسد ومنهم من يعدو عدو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلب ومنهم من يتطوس

__________________

(١) في المصدر : ( خشاش الأرض ) والمعنى واحد وهو حشرات الأرض.

(٢) في المصدر : امثالنا.

(٣) في المصدر : يوصل.

٤

كفعل الطاوس ومنهم من يشبه الخنزير فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيب تركه وإذا أقام الرجل عن رجيعة ولغت (١) فيه وكذلك نجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها فإن أخطأت مرة واحدة حفظها ولم يجلس مجلسا إلا رواه عنه.

ثم قال فاعلم يا أخي أنك إنما تعاشر البهائم والسباع فبالغ في الاحتراز.

ثم قال ذهب القائلون بالتناسخ إلى أن الأرواح البشرية إن كانت سعيدة مطيعة لله موصوفة بالمعارف الحقة وبالأخلاق الطاهرة فإنها بعد موتها تنقل إلى أبدان الملوك فربما قالوا إنها تنقل إلى مخالطة عالم الملائكة وإن كانت شقية جاهلة عاصية فإنها تنقل إلى أبدان الحيوانات وكلما كانت تلك الأرواح أكثر شقاوة واستحقاقا للعذاب نقلت إلى بدن حيوان أخس وأكثر تعبا وشقاء واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية فقالوا صريح هذه الآية يدل على أنه لا دابة ولا طير إلا وهي أمم أمثالنا ولفظ المماثلة يقتضي حصول المساواة في جميع الصفات الذاتية وأما الصفات العرضية المفارقة فالمساواة فيها غير معتبرة في حصول المماثلة.

ثم إن القائلين بهذا القول زادوا عليه وقالوا قد ثبت بهذا أن أرواح جميع الحيوانات عارفة بربها وعارفة بما تحصل لها من السعادة والشقاوة وأن الله تعالى أرسل إلى كل جنس منها رسولا من جنسها.

واحتجوا عليه بأنه ثبت بهذه الآية أن الدواب والطيور أمم ثم إنه تعالى قال : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » (٢) وذلك تصريح بأن لكل طائفة من هذه الحيوانات رسولا أرسله الله إليه ثم أكدوا ذلك بقصة الهدهد والنمل وسائر القصص المذكورة في القرآن. واعلم أن القول بالتناسخ قد أبطلناه بالدلائل الجيدة في علم الأصول وأما

__________________

(١) في المصدر : ولغ فيه.

(٢) فاطر : ٢٤.

٥

هذه الآية فقد ذكرنا أنه يكفي في ضبط حصول المماثلة (١) في بعض الأمور المذكورة فلا حاجة إلى إثبات ما ذكره أهل التناسخ (٢) انتهى.

وقال الطبرسي رحمه‌الله : « إِلاَّ أُمَمٌ » أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يشتمل كل صنف على العدد الكثير عن مجاهد : « أَمْثالُكُمْ » قيل يريد أشباهكم في إبداع الله إياها وخلقه لها ودلالته على أن لها صانعا وقيل إنما مثلت الأمم من غير الناس بالناس في الحاجة إلى مدبر يدبرهم في أغذيتهم وأكلهم ولباسهم ونومهم ويقظتهم وهدايتهم إلى مراشدهم إلى ما لا يحصى كثرة من أحوالهم ومصالحهم وأنهم يموتون ويحشرون وبين بهذا أنه لا يجوز للعباد أن يتعدوا في ظلم شيء منها فإن الله خالقها والمنتصف لها.

ثم قال في قوله سبحانه : « إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ » معناه يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد فيعوض الله تعالى ما يستحق العوض منها وينتصف لبعضها من بعض.

وفيما رووه عن أبي هريرة أنه قال يحشر الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء (٣) ثم يقول كوني ترابا فلذلك يقول الكافر : « يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » (٤).

١٤ ـ وعن أبي ذر قال : بينا أنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا انتطحت (٥) عنزان (٦) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتدرون فيم انتطحا فقالوا لا ندري قال لكن الله يدري

__________________

(١) في المصدر : فقد ذكرنا ما يكفى في صدق حصول المماثلة.

(٢) تفسير الرازي ١٢ : ٢١٣ ـ ٢١٥.

(٣) الجماء جمع الاجم : الكبش لا قرن له. والقرناء جمع الاقرن : ما له قرنان.

(٤) النبأ : ٤٠.

(٥) نطحه : اصابه بقرنه وانتطح الكبشان : نطح احدهما الآخر.

(٦) في المصدر : اذ نطحت عنزان.

٦

وسيقضي بينهما وعلى (١) هذا فإنما جعلت أمثالنا في الحشر والقصاص (٢).

واستدلت جماعة من أهل التناسخ بهذه الآية على أن البهائم والطيور مكلفة لقوله : « أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ » وهذا باطل لأنا قد بينا أنها من أي جهة تكون أمثالنا ولو وجب حمل ذلك على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها على مثل صورنا وهيئاتنا وخلقتنا وأخلاقنا فكيف يصح تكليف البهائم وهي غير عاقلة والتكليف لا يصح إلا مع كمال العقل انتهى (٣).

وقال الرازي للفضلاء فيه قولان.

الأول : أنه تعالى يحشر البهائم والطيور لإيصال الأعواض إليها وهو قول المعتزلة وذلك لأن إيصال الآلام إليها من غير سبق جناية لا يحسن إلا للعوض ولما كان إيصال العوض إليها واجبا فالله تعالى يحشرها ليوصل تلك الأعواض إليها.

والقول الثاني : قول أصحابنا إن الإيجاب على الله تعالى محال بل الله يحشرها بمجرد الإرادة والمشية ومقتضى الإلهية.

واحتجوا على أن القول بوجوب العوض على الله تعالى باطل بأمور. الأول أن الوجوب عبارة عن كونه مستلزما للذم عند الترك وكونه تعالى مستلزما للذم محال لأنه كامل لذاته والكامل لذاته لا يعقل كونه مستحقا للذم بسبب أمر منفصل لأن ما يكون لازما بالذات لا يبطل عند عروض أمر من الخارج (٤).

الثاني : أنه لو حسن إيصال الضرر إلى الغير لأجل العوض لوجب أن يحسن منا إيصال المضار إلى الغير لأجل التزام العوض من غير رضاه وذلك باطل فثبت أن القول بالعوض باطل.

إذا عرفت هذا فلنذكر بعض التفاريع الذي ذكرها القاضي في هذا الباب.

__________________

(١) الظاهر الحديث ينتهى بقوله : بينهما ، وبعده من كلام الطبرسي.

(٢) في المصدر : والاقتصاص.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٢٩٧ و ٢٩٨.

(٤) زاد في المصدر حجة أخرى وهي انه تعالى مالك لكل المحدثات ، والمالك يحسن تصرفه في ملك نفسه من غير حاجة الى العوض.

٧

الأول : قال كل حيوان استحق العوض عن (١) الله مما لحقه من الآلام وكان ذلك العوض لم يصل إليه في الدنيا فإنه يجب على الله حشره (٢) في الآخرة ليوفر عليه العوض والذي لا يكون كذلك فإنه لا يجب حشره عقلا إلا أنه تعالى أخبر أنه يحشر الكل فمن حيث السمع يقطع بذلك وإنما قلنا إن في الحيوانات من لا يستحق العوض البتة لأنه ربما بقيت مدة حياتها مصونة عن الآلام ثم إنه تعالى يميتها من غير إيلام أصلا فإنه لم يثبت بالدليل أن الموت لا بد وأن يحصل معه شيء من الآلام (٣) وعلى هذا التقدير فإنه لا يستحق العوض البتة.

الثاني : كل حيوان أذن الله في ذبحه فالعوض على الله وهي على أقسام.

منها : ما أذن في ذبحها لأجل الأكل ومنها ما أذن في ذبحها لأجل كونها مؤذية مثل السباع العادية والحشرات المؤذية ومنها ما أوذي بالأمراض (٤).

ومنها : ما أذن الله في حمل الأحمال الثقيلة عليها واستعمالها بالأفعال الشاقة وأما إذا ظلمها الناس فذلك العوض على ذلك الظالم وإذا ظلم بعضها بعضا فذلك العوض على ذلك الظالم.

فإن قيل : إذا ذبح ما يؤكل لحمه لا على وجه التذكية فعلى من العوض.

أجاب : بأن ذلك ظلم والعوض على الذابح ولذلك

نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذبح الحيوان إلا لأكله (٥).

الثالث : المراد من العوض منافع عظيمة بلغت في الجلالة والرفعة إلى حيث لو كانت هذه البهيمة عاقلة وعلمت أنه لا سبيل لها إلى تحصيل تلك المنفعة إلا بواسطة تحمل ذلك الذبح فإنها كانت ترضى به فهذا هو العوض الذي لأجله يحسن الإيلام والإضرار.

__________________

(١) في المصدر : على الله.

(٢) في المصدر : حشره عقلا.

(٣) في المصدر : من الايلام.

(٤) في المصدر : ما آلمهما بالامراض.

(٥) في المصدر : الا لمأكله.

٨

الرابع : مذهب القاضي وأكثر معتزلة البصرة أن العوض منقطع قال القاضي وهو قول أكثر المفسرين لأنه قال إنه تعالى بعد توفير العوض عليها يجعلها ترابا وعنده يقول الكافر : « يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » (١) قال أبو القاسم يجب كون العوض دائما (٢).

واحتج القاضي على قوله بأنه يحسن من الواحد منا أن يلتزم عملا شاقا لمنفعة منقطعة (٣) فعلمنا أن إيصال الألم إلى الغير غير مشروط بدوام الأجر (٤).

واحتج البلخي على قوله بأن قال لا يمكن قطع ذلك العوض إلا بإماتة تلك البهيمة وإماتتها توجب الألم وذلك الألم يوجب عوضا آخر وهكذا إلى ما لا آخر له.

والجواب : عنه أنه لم يثبت بالدليل أن الإماتة لا يمكن تحصيلها إلا مع الإيلام.

الخامس : أن البهيمة إذا استحقت على بهيمة أخرى عوضا فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت على الله عوضا فإن الله تعالى ينقل ذلك العوض إلى المظلوم وإن لم يكن الأمر كذلك فالله تعالى يكمل هذا العوض فهذا مختصر من أحكام الأعواض على قول المعتزلة انتهى كلامه في هذا المقام (٥).

وقال في قوله تعالى : « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ » قد ذكرنا أن السجود على نوعين سجود هو عبادة كسجود المسلمين لله وسجود عبارة عن الانقياد والخضوع (٦) ويرجع حاصل هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما فإنه لا يرجح (٧)

__________________

(١) النبأ : ٤٠.

(٢) في المصدر : يجب أن يكون العوض دائما.

(٣) في المصدر : والاجرة منقطعة.

(٤) في المصدر : الاجرة.

(٥) تفسير الرازي ١٢ : ٢١٨ ـ ٢٢٠.

(٦) في المصدر : عن الانقياد لله تعالى والخضوع.

(٧) في المصدر : وانه لا يترجح.

٩

أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح فمن (١) الناس من قال المراد هنا المعنى الثاني لأن اللائق بالدابة ليس له إلا هذا السجود ومنهم من قال المراد هو المعنى الأول لأنه اللائق بالملائكة ومنهم من قال هو لفظ مشترك وحمل المشترك على معنييه جائز وهو ضعيف (٢).

وقال في قوله تعالى : « أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ » هذا دليل آخر على كمال قدرة الله تعالى وحكمته فإنه لو لا أنه تعالى خلق الطير خلقة معها يمكنه الطيران وخلق الجو خلقة معها يمكن الطيران فيها (٣) لما أمكن ذلك فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويكسره أخرى مثل ما يعمل السابح في الماء وخلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل خرقه (٤) والنفاذ فيه ولو لا ذلك لما كان الطيران ممكنا : « ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ » المعنى أن جسد الطير جسم ثقيل والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقا من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى قال القاضي إنما أضاف الله تعالى هذا الإمساك إلى نفسه لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يتمكن الطير من تلك الأفعال فلما كان تعالى هو السبب لذلك لا جرم صحت الإضافة انتهى (٥).

__________________

(١) نقله المصنف من هنا إلى آخر كلامه باختصار.

(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٤٢ و ٤٤.

(٣) في المصدر : الطيران فيه.

(٤) في المصدر : يسهل بسببها خرقه.

(٥) تفسير الرازي ٢ : ٩٠ و ٩١ فيه : فلما كان تعالى هو المسبب لذلك لا جرم صحت هذه الإضافة إلى الله تعالى.

١٠

أن المكلفين إما الجن أو الإنس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله (١) كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المرافق (٢).

وقال الطبرسي رحمه‌الله تسخير الطير له تسبيح يدل على أن مسخرها قادر لا يجوز عليه ما يجوز على العباد عن الجبائي وعلي بن عيسى وقيل إن الطير كانت تسبح معه بالغداة والعشي معجزة له عن وهب : « وَكُنَّا فاعِلِينَ » أي قادرين على فعل هذه الأشياء ففعلناها دلالة على نبوته (٣).

قوله سبحانه : « أَلَمْ تَرَ » قال الرازي أي ألم تعلم وظاهره الاستفهام والمراد به التقرير والبيان.

واعلم أنه إما أن يكون المراد من التسبيح دلالته بهذه الأشياء (٤) على كونه تعالى منزها عن النقائص موصوفا بنعوت الجلال (٥) وإما أن يكون المراد منه في حق البعض الدلالة على التنزيه وفي حق الباقين النطق باللسان والأول أقرب وأما القسم الثالث فهو أن يقال استعمل اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز معا وهو غير جائز فلم يبق إلا الأول.

فإن قيل فالتسبيح بهذا المعنى حاصل لجميع المخلوقات فما وجه تخصيصه هنا بالعقلاء.

قلنا لأن خلقة العقلاء أشد دلالة على وجود الصانع سبحانه لأن العجائب فيها أكثر (٦).

__________________

(١) في المصدر : بل تكون على حالة.

(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٠.

(٣) مجمع البيان ٧ : ٥٨.

(٤) في المصدر : دلالة هذه الأشياء.

(٥) زاد في المصدر : واما أن يكون المراد منه أنها تنطق بالتسبيح وتتكلم به.

(٦) في المصدر : لان العجائب والغرائب في خلقهم أكثر وهي العقل والنطق والفهم.

١١

ولما ذكر (١) أن أهل السماوات وأهل الأرض يسبحون ذكر أن الذين استقروا في الهواء وهو الطير يسبحون وذلك لأن إعطاء الجرم الثقيل القوة التي تقوى بها على الوقوف في جو السماء صافة باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط من أعظم الدلائل على قدرة الصانع المدبر سبحانه وجعل طيرانها سجودا منها له سبحانه وذلك يؤكد ما ذكرناه أن المراد من التسبيح دلالة هذه الأمور على التنزيه لا النطق اللساني : « كُلٌّ قَدْ عَلِمَ » أي علم الله ويدل عليه قوله : « وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ » وهو اختيار جمهور المتكلمين.

والثاني : أن يعود الضمير في علم والصلاة والتسبيح على لفظ كل أي أنهم يعلمون ما يجب عليهم من الصلاة والتسبيح.

والثالث : أن تكون الهاء راجعة إلى الله (٢) يعني قد علم كل مسبح وكل مصل صلاته (٣) التي كلفه إياها وعلى هذين التقديرين فقوله : « وَاللهُ عَلِيمٌ » استئناف

وروي عن أبي ثابت قال : كنت جالسا عند أبي جعفر (٤) الباقر عليه‌السلام فقال لي أتدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس وبعد طلوعها قال (٥) فإنهن يقدسن ربهن ويسألنه قوت يومهن.

واستبعد المتكلمون ذلك فقالوا الطير لو كانت عارفة بالله لكانت كالعقلاء الذين يفهمون كلامنا وإشارتنا لكنها ليست كذلك فإنا نعلم بالضرورة أنها أشد نقصانا

__________________

(١) فيه اختصار ، وتمامه على ما في المصدر : اما قوله تعالى : « : « وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ » ، فلقائل أن يقول : ما وجه اتصال هذا بما قبله؟ والجواب انه سبحانه لما ذكر.

(٢) في المصدر : على ذكر الله.

(٣) في المصدر : صلاة الله.

(٤) في المصدر : « محمد بن جعفر الباقر » ولعله تصحيف من النساخ.

(٥) في المصدر : قال : لا ، قال.

١٢

من الصبي الذين لا يعرف هذه الأمور فبأن يمتنع ذلك فيها أولى وإذا ثبت أنها لا تعرف الله استحال كونها مسبحة له بالنطق فثبت أنها لا تسبح الله إلا بلسان الحال.

ثم ذكر كثيرا من الحيل الدقيقة الصادرة عن الحيوانات كما سيأتي واستدل بها على شعورها وعقلها ثم قال والأكياس من العقلاء يعجزون عن أمثال هذه الحيل فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال إنها ملهمة عن الله سبحانه بمعرفته والثناء عليه وكانت (١) غير عارفة بسائر الأمور التي يعرفها الناس ولله در شهاب السمعاني حيث قال جل جناب العز والجلال عن أن يوزن بميزان الاعتزال (٢).

وقال في قوله سبحانه : « وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » في هذه الآية سؤالات الأول قال الله : « خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ » مع أن كثيرا من الحيوانات غير مخلوقة من الماء كالملائكة (٣) وهو أعظم المخلوقات عددا وأنهم (٤) مخلوقون من النور وأما الجن فهم مخلوقون من النار وخلق الله آدم من التراب (٥) وخلق الله عيسى من الريح لقوله : « فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا » (٦) وأيضا نرى أن كثيرا من الحيوانات يتولد لا عن النطفة.

والجواب من وجوه أحدها وهو الأحسن ما قاله القفال وهو أن : « مِنْ ماءٍ » صلة : « كُلَّ دَابَّةٍ » وليس هو من صلة : « خَلَقَ » والمعنى أن كل دابة متولدة من الماء فهي مخلوقة لله.

وثانيها أن أصل جميع المخلوقات الماء على ما روي أول ما خلق الله تعالى جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور

__________________

(١) في المصدر : وان كانت.

(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠ ـ ١٢.

(٣) في المصدر : اما الملائكة.

(٤) في المصدر : وهم مخلوقون.

(٥) زاد في المصدر : لقوله : « خلقه من تراب » أقول : الآية في آل عمران : ٥٩.

(٦) التحريم : ١٢.

١٣

ولما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة وكان الأصل الأول هو الماء لا جرم ذكره على هذا الوجه.

وثالثها أن المراد من الدابة الذي يدب (١) على وجه الأرض ومسكنهم هناك لتخرج الملائكة والجن (٢) ولما كان الغالب جدا من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء إما لأنها متولدة من النطفة وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء لا جرم أطلق الكل تنزيلا للغالب منزلة الكل.

الثاني : لم سمي الزحف على البطن مشيا والجواب هذا على سبيل الاستعارة كما يقال فلان لا يمشي له أمر وعلى طريق المشاكلة.

الثالث : أنه لم تنحصر (٣) القسمة لأنا نجد ما يمشي على أكثر من أربع مثل العناكب والعقارب ومثل الحيوان الذي له أربع وأربعون رجلا الذي يسمى دخال الأذن.

والجواب القسم الذي ذكرتم كالنادر فكان ملحقا بالعدم ولأن الفلاسفة يقولون ما له قوائم كثيرة فالاعتماد له إذا مشى على أربع جهاته لا غير فكأنه يمشي على أربع ولأن قوله : « يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ » تنبيه على أن الحيوانات كما اختلف بحسب كيفية المشي فكذا هي مختلفة بحسب أمور أخر.

ولنذكر هاهنا بعض تلك التقسيمات التقسيم الأول الحيوانات قد تشترك في أعضاء وقد تتباين بأعضاء أما الشركة فمثل اشتراك الإنسان والفرس في أن لهما لحما وعصبا وعظما وأما التباين فإما أن يكون في نفس العضو أو في صفته.

__________________

(١) في المصدر : التي تدب.

(٢) في المصدر : فيخرج عنه الملائكة والجن.

(٣) في المصدر : لم يستوف القسمة.

١٤

أما الأول : فعلى وجهين أحدهما أن لا يكون العضو حاصلا للآخر وإن كانت أجزاؤه حاصلة للثاني كالفرس والإنسان فإن الفرس له ذنب والإنسان ليس له ذنب ولكن أجزاء الذنب ليس إلا العظم والعصب واللحم والجلد والشعر وكل ذلك حاصل للإنسان.

والثاني : أن لا يكون ذلك العضو حاصلا للثاني لا بذاته ولا بأجزائه مثل أن للسلحفاة صدفا يحيط به وليس للإنسان وللسمك فلوس (١) وللقنفذ شوك وليس شيء منها للإنسان.

وأما التباين في صفة العضو فإما أن يكون من باب الكمية أو الكيفية أو الوضع أو الفعل أو الانفعال أما الذي في الكمية فإما أن يتعلق بالمقدار مثل أن عين البوم كبيرة وعين العقاب صغيرة أو بالعدد مثل أن أرجل بعض العناكب ستة وأرجل ضرب آخر ثمانية أو عشرة والذي في الكيفية فكاختلافها في الألوان والأشكال والصلابة واللين والذي في الوضع فمثل اختلاف وضع ثدي الفيل فإنه قريب من الصدور وثدي الفرس فإنه عند السرة وأما الذي في الفعل فمثل كون أذن الفيل للذب (٢) مع كونه آلة للسمع وليس كذلك الإنسان (٣) وكون أنفه آلة للقبض دون أنف غيره وأما الذي في الانفعال فمثل كون عين الخفاش سريعة التحير في الضوء وعين الخطاف خلاف ذلك. التقسيم الثاني للحيوان إما أن يكون مائيا بأن يكون مسكنه الأصلي هو الماء أو أرضيا أو يكون مائيا ثم يصير أرضيا أما الحيوانات المائية فتعتبر أحوالها من وجوه الأول إما أن يكون مكانه وغذاؤه ونفسه مائيا فله بدل التنفس

__________________

(١) في المصدر : وليس للإنسان ذلك وكذا للسمك فلوس.

(٢) في المصدر : صالحا للذب.

(٣) في المصدر : فى الإنسان.

١٥

جذب الماء إلى بطنه ثم رده (١) ولا يعيش إذا فارقه والسمك كله كذلك (٢) أو مكانه وغذاؤه مائي لا يتنفس ولا يستنشق مثل أصناف من الصدف لا تظهر للهواء ولا تستدخل الماء إلى باطنها.

الثاني : الحيوانات المائية بعضها ماؤها الأنهار الجارية وبعضها ماؤها البطائح مثل الضفادع وبعضها ماؤها مياه البحر (٣).

الثالث : منها لجية ومنها شطية ومنها طينية ومنها صخرية.

الوجه الرابع : الحيوان المنتقل في الماء منه ما يعتمد في غوصه على رأسه وفي السباحة على أجنحته كالسمك ومنه ما يعتمد في السباحة على أرجله كالضفادع ومنه ما يمشي في قعر الماء كالسرطان ومنه ما يزحف مثل ضرب من السمك لا جناح له كالدود.

وأما الحيوانات البرية فتعتبر أحوالها أيضا من وجهين الأول أن منها ما يتنفس من طريق واحد كالفم والخيشوم ومنه ما لا يتنفس كذلك بل على نحو آخر (٤) مثل الزنبور والنحل.

الثاني : أن الحيوانات الأرضية منها ما له مأوى معلوم ومنها ما مأواه كيف اتفق إلا أن تلد فيقيم للحضانة واللواتي لها مأوى فبعضها مأواه قلة رابية (٥) وبعضها مأواه وجه الأرض.

__________________

(١) في المصدر : فله بدل التنفس في الهواء التنشق المائى فهو يقبل الماء الى باطنه ثم يرده.

(٢) سقط هنا قسم آخر فهو على ما في المصدر : ومنه ما مكانه وغذاؤه مائى ولكن يتنفس من الهواء مثل السلحفاة المائية.

(٣) في المصدر : بعضها مأواها مياه الأنهار الجارية وبعضها مياه البطائح وبعضها مأواها مياه البحر.

(٤) في المصدر : بل على نحو آخر من مسامه.

(٥) في المصدر : فبعضها مأواه شق وبعضها حفر وبعضها مأواه قلة رابية.

١٦

الثالث : الحيوان البري كل طائر منه ذو جناحين فإنه يمشي برجليه ومن جملة ذلك مشيه صعب عليه كالخطاف الكبير الأسود والخفاش وأما الذي جناحه جلد أو غشاء فقد يكون عديم الرجل كضرب من الحيات بالحبشة تطير.

الرابع : الطير تختلف فبعضها تتعايش معا كالكراكي وبعضها تعيش منفردا كالعقاب وجميع الجوارح التي تتنازع على الطعم لاحتياجها إلى الاجتهاد لتصيد (١) ومنها ما تتعايش زوجا كالقطا ومنها ما تجتمع تارة وتنفرد أخرى ثم إن المنفرد قد تكون مدنية وقد تكون برية صرفة وقد تكون بستانية.

والإنسان من بين الحيوان هو الذي لا يمكنه أن يعيش وحده فإن أسباب حياته ومعيشته تلتئم بالمشاركة المدنية والنحل وبعض الفراش يشارك الإنسان في ذلك لكن الحدا والكراكي (٢) تطيع رئيسا واحدا والنمل لها اجتماع ولا رئيس لها.

الخامس الطير منه آكل لحم ومنه لاقط حب ومنه آكل عشب وقد يكون للبعض طعم معين كالنحل فإن غذاءه الزهر والعنكبوت فإن غذاءه الذباب وقد يكون بعضه متفق الطعم.

وأما القسم الثالث وهو الحيوان الذي يكون تارة مائيا وأخرى بريا فيقال إنه حيوان يكون في البحر ويعيش فيه ثم إنه يبرز إلى البر ويبقى فيه.

القسم الثالث منه ما هو إنسي بالطبع فمنه ما يسرع استيناسه (٣) ويبقى

__________________

(١) في المصدر : الى الاحتيال لتصيد ومنافستها فيه.

(٢) في المصدر : والنحل والنمل وبعض الغرانيق يشارك الإنسان في ذلك لكن النحل والكراكى.

(٣) الظاهر أن نسخة المصنف كانت ناقصة ، والصحيح كما في المصدر : الحيوان منه ما هو انسى بالطبع كالانسان ومنه ما هو انسى بالمولد كالهرة والفرس ، ومنه ما هو انسى بالقسر كالفهد ، ومنه ما لا يأنس كالنمر ، والمستأنس بالقسر منه ما يسرع استئناسه.

١٧

مستأنسا كالفيل ومنه ما يبطئ كالأسد ويشبه أن يكون من كل نوع صنف إنسي وصنف وحشي حتى من الناس.

التقسيم الرابع من الحيوان ما هو مصوت ومنه ما لا صوت له وكل مصوت فإنه يصير عند الاغتلام وحركة شهوة الجماع أشد تصويتا حتى الإنسان (١) ومنه ما له شبق يسفد كل وقت كالديك ومنه عفيف له وقت معين.

التقسيم الخامس بعض الحيوانات هادئ الطبع قليل الغضب مثل البقر وبعضه شديد الجهل حاد الغضب كالخنزير البري وبعضها حليم حمول كالبعير وبعضها سريع الحركات كالحية (٢) وبعضها قوي جريء شهم كبير النفس كريم الطبع كالأسد ومنها قوي محتال (٣) وحشي كالذئب وبعضها محتال مكار ذي الحركات (٤) كالثعلب وبعضها غضوب شديد الغضب سفيه إلا أنه ملق متودد كالكلب وبعضها شديد اللين مستأنس كالفيل والقرد وبعضها حسود مباه (٥) بجماله كالطاوس وبعضها شديد الحفظ (٦) كالجمل والحمار لا ينسى كل منهما الطريق الذي رآه.

التقسيم السادس من الحيوانات ما تناسله بأن تلد حيوانا (٧) وبعضها ما تناسله بأن تلد أنثاه دودا (٨) انتهى.

وقال النيسابوري منه ولود ومنه بيوض وكل أذون ولود وكل

__________________

(١) الصحيح كما في المصدر : الا الإنسان.

(٢) في المصدر : وبعضها رديء الحركات مغتال كالحية.

(٣) في المصدر : مغتال.

(٤) في المصدر : رديء الحركات.

(٥) في المصدر : متباه.

(٦) في المصدر : شديد التحفظ.

(٧) في المصدر : ان تلد أنثاه حيوانا.

(٨) تفسير الرازي ٢٤ : ١٦ ـ ١٩ زاد فيه بعد ذلك : كالنحل والعنكبوت فانها تلد دودا ، ثم ان أعضاءه تستكمل بعده ، وبعضها تناسله بأن تبيض انثاه بيضا.

١٨

صموخ بيوض سوى الخشاف.

وفي قوله : « إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » إشارة إلى أن اختصاص كل حيوان بهذه الخواص وبأمثالها لا يكون إلا عن قادر مختار قهار (١) انتهى.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » النطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه والتبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما تتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه (٢) ولعل سليمان مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل الذي صوته والغرض الذي توخاه (٣) به ومن ذلك ما حكي أنه مر ببلبل يتصوت ويترقص فقال يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا فلعله كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلب : « فَهُمْ يُوزَعُونَ » يحبسون بحبس أولهم عن آخرهم ليتلاحقوا : « حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ » واد بالشام كثير النمل والتعدية بعلى إما لأن إتيانهم كان من على أو لأن المراد قطعه من قولهم أتى الشيء إذا أنفده وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا أخريات الوادي : « قالَتْ نَمْلَةٌ » كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيره (٤) فصاحت صيحة نبهت (٥) بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم مع أنه لا يمتنع أن خلق

__________________

(١) تفسير النيسابوري ٣ : ٩١ فيه : الا عن فاعل مختار قدير قهار.

(٢) في المصدر : ما هو من جنسه.

(٣) توخى الامر : تعمده وتطلبه دون سواه.

(٤) في المصدر : غيرها.

(٥) في المصدر : تنبهت.

١٩

الله فيها العقل والنطق (١).

وقال النيسابوري قال المفسرون إنه تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل (٢) وليس كذلك حال الطير في أيامنا وإن كان فيها ما قد ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها يحكى أنه مر على بلبل في شجرة فقال لأصحابه إنه يقول أكلت نصف تمرة وعلى الدنيا العفاء أي التراب وصاحت فاختة فأخبر الناس أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وأخبر أن الهدهد يقول استغفروا الله يا مذنبون والخطاف يقول قدموا خيرا تجدوه والرخمة (٣) تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه والقمري يقول سبحان ربي الأعلى والقطاة تقول من سكت سلم والببغاء (٤) تقول ويل لمن الدنيا همه والديك يقول اذكروا الله يا غافلون والنسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت وآخرك الموت والعقاب يقول في البعد من الناس أنس (٥).

وقال الطبرسي قدس‌سره أهل العربية يقولون لا يطلق النطق على غير بني آدم وإنما يقال الصوت لأن النطق عبارة عن الكلام ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا وقيل إنه أراد حقيقة

__________________

(١) أنوار التنزيل ٢ : ١٩٤ و ١٩٥.

(٢) هذا بعيد في الغاية ، وكأن قائل ذلك لما لم يتيسر له فهم الآية تمسك بذلك.

(٣) الرخمة بالتحريك : طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة ، وكنيتها أم جعران وأم رسالة وأم عجيبة وأم كبير ، ويقال لها : الانوق. قال الدميرى : من طبع هذا الطائر انه لا يرضى من الجبال الا بالموحش منها ولا من الاماكن الا باسحقها وابعدها من اماكن اعدائه ولا من الهضاب الا بصخورها ، والأنثى منه لا تمكن من نفسها غير ذكرها وتبيض بيضة واحدة وربما أتأمت.

(٤) الببغاء : طائر اخضر يسمى بالدرة والطوطى.

(٥) تفسير النيسابوري ٣ : ١٣٥.

٢٠