بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(باب)

*(تأثير السحر والعين وحقيقتهما زائدا على ما تقدم في باب عصمة الملائكة)*

الآيات :

البقرة : « يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » إلى قوله « فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » (١).

الأعراف : « فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ » (٢).

يونس : « وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ » (٣).

وقال تعالى « قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ » (٤)

يوسف « وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ

__________________

(١) البقرة : ١٠٢.

(٢) الأعراف : ١١٦.

(٣) يونس : ٧٧.

(٤) يونس : ٨١.

١

قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » (١).

طه : « قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » إلى قوله تعالى « إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » (٢).

القلم : « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » (٣).

الفلق : « وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ » (٤).

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى « يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » السحر والكهانة والحيلة نظائر يقال سحره يسحره سحرا وقال صاحب العين السحر عمل يقرب إلى الشياطين ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى تظن أن الأمر كما ترى وليس الأمر كما ترى فالسحر عمل خفي لخفاء سببه يصور الشيء بخلاف صورته ويقلبه عن جنسه في الظاهر ولا يقلبه عن جنسه في الحقيقة ألا ترى إلى قوله تعالى « يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » (٥).

وقال في قوله « ما يُفَرِّقُونَ بِهِ » فيه وجوه أحدها أنهم يوجدون أحدهما على صاحبه ويبغضونه إليه فيؤدي ذلك إلى الفرقة عن قتادة وثانيها أنهم يغوون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك بالله تعالى فيكون بذلك قد فارق زوجه الآخر المؤمن المقيم على دينه فيفرق بينهما على اختلاف النحلة وتباين الملة وثالثها أنهم يسعون بين الزوجين بالنميمة والوشاية حتى يئول أمرهما إلى الفرقة والمباينة « إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » أي بعلم الله فيكون تهديدا أو بتخلية الله (٦).

__________________

(١) يوسف : ٦٧ ، ٦٨.

(٢) طه : ٦٦ ـ ٦٩.

(٣) القلم : ٥١ ـ ٥٢.

(٤) الفلق : ٤ ، ٥ ـ.

(٥) مجمع البيان : ج ١ ، ٩١٧.

(٦) مجمع البيان : ج ١٩١٧٦ ( بتلخيص ).

٢

وقال البيضاوي : المراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان وذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس فإن التناسب شرط في التضام والتعاون وبهذا يميز الساحر عن النبي والولي وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم وتسميته سحرا على التجوز أو لما فيه من الدقة لأنه في الأصل لما خفي سببه (١).

وقال الشيخ قدس‌سره في التبيان قيل في معنى السحر أربعة أقوال أحدها أنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها يخيل إلى المسحور أن لها حقيقة. والثاني أنه أخذ بالعين على وجه الحيلة والثالث أنه قلب الحيوان من صورة إلى صورة وإنشاء الأجسام على وجه الاختراع فيمكن الساحر أن يقلب الإنسان حمارا وينشئ أجساما والرابع أنه ضرب من خدمة الجن وأقرب الأقوال الأول لأن كل شيء خرج عن العادة الجارية فإنه سحر لا يجوز أن يتأتى من الساحر ومن جوز شيئا من هذا فقد كفر لأنه لا يمكن مع ذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوات لأنه أجاز مثله على جهة الحيلة والسحر (٢).

وقال النيسابوري السحر في اللغة عبارة عن كل ما لطف مأخذه وخفي سببه ومنه الساحر العالم وسحره خدعه والسحر الرئة وفي الشرع مختص بكل أمر يختفي سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع وقد يستعمل مقيدا فيما يمدح ويحمد وهو السحر الحلال قال صلى‌الله‌عليه‌وآله إن من البيان لسحرا.

ثم السحر على أقسام منها سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ومنها تصدر الخيرات

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ، ٩١٠٢.

(٢) التبيان ١ : ٣٧٤.

٣

والشرور والسعادة والنحوسة ويستحدثون الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية وهم الذين بعث الله إبراهيم عليه‌السلام مبطلا لمقالتهم.

ومنها سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية بدليل أن الجذع الذي يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر وما ذاك إلا لأن تخيل السقوط متى قوي أوجبه وقد اجتمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان والدوران وما ذلك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام واجتمعت الأمم على أن الدعاء مظنة الإجابة وأن الدعاء باللسان من غير طلب نفساني قليل الأثر والإصابة بالعين مما اتفق عليه العقلاء.

ومنها سحر من يستعين بالأرواح الأرضية وهو المسمى بالعزائم وتسخير الجن.

ومنها التخييلات الآخذة بالعيون وتسمى بالشعبدة (١).

ومنها الأعمال العجيبة التي تظهر من الآلات المركبة على النسب الهندسية أو لضرورة الخلاء ومن هذا الباب صندوق الساعات وعلم جر الأثقال وهذا لا يعد من السحر عرفا لأن لها أسبابا معلومة يقينية.

ومنها الاستعانة بخواص الأدوية والأحجار.

ومنها تعليق القلب وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم وأن الجن ينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك وحصل في قلبه نوع من الرعب وحينئذ تضعف القوى الحساسة فيتمكن الساحر من أن يفعل فيه ما شاء.

ومنها السعي بالنميمة والتضريب من وجوه خفية لطيفة انتهى. وهذا فذلكة مما نقلنا عن الرازي في باب عصمة الملائكة.

__________________

(١) بالشعوذة ( خ ).

٤

وقال أيضا في قوله سبحانه « فَيَتَعَلَّمُونَ » أي فيتعلم الناس من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه إما لأنه إذا اعتقد أن السحر حق كفر فبانت منه امرأته وإما لأنه يفرق بينهما بالتمويه والاحتيال كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز ابتلاء منه لأن السحر له أثر في نفسه بدليل قوله « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » أي بإرادته وقدرته لأنه إن شاء أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله وإن شاء لم يحدث وكان الذي يتعلمون منهما لم يكن مقصورا على هذه الصورة ولكن سكون المرء وركونه إلى زوجه لما كان أشد خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى انتهى.

وقد مر من تفسير الإمام عليه‌السلام « فَيَتَعَلَّمُونَ » يعني طالبي السحر « مِنْهُما » يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات ومما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت يتعلمون من هذين الصنفين « ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ » هذا من يتعلم للإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والنمائم والإيهام أنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل والرجل إلى المرأة أو يؤدي إلى الفراق بينهما « وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ » أي ما المتعلمون لذلك بضارين به « مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » يعني بتخلية الله وعلمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر.

وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى « فَلَمَّا أَلْقَوْا » أي فلما ألقي السحرة ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي والحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس وخيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية وإنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته وخفي ذلك عليهم لبعده منهم لأنهم لم يخلوا الناس السحر لا حقيقة له لأنه لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه « سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ » بل كان يقول فلما ألقوا صارت حيات انتهى (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ٩٤٦١.

٥

وقال الرازي احتج القائلون بأن السحر محض التمويه بهذه الآية قال القاضي لو كان السحر حقا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم فثبت أن المراد أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه. قال الواحدي بل المراد سحروا أعين الناس أي قلبوها عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات (١).

وقال الطبرسي « وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ » أي لا يظفرون بحجة ولا يأتون على ما يدعونه ببينة وإنما هو تمويه على الضعفة.

« ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ » أي الذي جئتم به من الحبال والعصي السحر لا ما جئت به إن الله سيبطل هذا السحر الذي عظمتموه (٢) « إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ » إن الله لا يهيئ عمل من قصد إفساد الدين ولا يمضيه ويبطله حتى يظهر الحق من الباطل (٣).

وقال في قوله « لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ » خاف عليهم العين لأنهم كانوا ذوي جمال وهيئة وكمال وهم إخوة أولاد رجل واحد عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدي وأبو مسلم وقيل خاف عليهم حسد الناس إياهم وأن يبلغ الملك قوتهم وبطشهم فيحبسهم أو يقتلهم خوفا على ملكه عن الجبائي وأنكر العين وذكر أنه لم يثبت بحجة وجوزه كثير من المحققين ورووا فيه الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن العين حق تستنزل الحالق. والحالق المكان المرتفع من الجبل وغيره فجعل صلى‌الله‌عليه‌وآله العين كأنها تحط ذروة الجبل من قوة أخذها وشدة بطشها وورد في الخبر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعوذ الحسن والحسين عليه‌السلام بأن يقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. وروي أن إبراهيم

__________________

(١) تفسير الرازي ج ١٤ : ٢٠٣.

(٢) في المصدر : فعلتموه.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ : ٩١٢٦.

٦

عليه‌السلام عوذ ابنيه وأن موسى عليه‌السلام عوذ ابني هارون بهذه العوذة وروي أن بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلمانا بيضا فقالت أسماء بنت عميس يا رسول الله إن العين إليهم سريعة أفأسترقي لهم من العين فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله نعم وروي أن جبرئيل عليه‌السلام رقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمه الرقية وهي بسم الله أرقيك من كل عين حاسد الله يشفيك. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين.

ثم اختلفوا في وجه تأثير الإصابة بالعين فروي عن عمرو بن بحر الجاحظ أنه قال لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاء لطيفة تتصل به وتؤثر فيه ويكون هذا المعنى خاصة في بعض الأعين كالخواص في بعض الأشياء وقد اعترض على ذلك بأنه لو كان كذلك لما اختص ذلك ببعض الأشياء دون بعض ولأن الأجزاء تكون جواهر والجواهر متماثلة ولا يؤثر بعضها في بعض وقال أبو هاشم إنه فعل الله بالعادة لضرب من المصلحة وهو قول القاضي.

ورأيت في شرح هذا للشريف الأجل الرضي الموسوي قدس الله روحه كلاما أحببت إيراده في هذا الموضع قال إن الله يفعل المصالح بعباده على حسب ما يعلمه من الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها فغير ممتنع أن يكون تغييره نعمة زيد مصلحة لعمرو وإذا كان تعالى يعلم من حال عمرو أنه لو لم يسلب زيدا نعمته أقبل على الدنيا بوجهه ونأى عن الآخرة بعطفه وإذا سلب نعمة زيد للعلة التي ذكرناها عوضه (١) عنها وأعطاه بدلا منها عاجلا وآجلا فيمكن أن يتأول قوله عليه‌السلام العين حق على هذا الوجه على أنه قد روي عنه عليه‌السلام ما يدل على أن الشيء إذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره وصغر أمره وإذا كان الأمر على هذا فلا ينكر تغيير حال بعض الأشياء عند نظر بعض الناظرين إليه واستحسانه له وعظمه في صدره وفخامته في عينه كما روي أنه قال : لما سبقت ناقته العضباء وكانت إذا سوبق بها لم تسبق ما رفع العباد من شيء إلا وضع الله منه. ويجوز

__________________

(١) فيه. عوضه غيرها وأعطاه بدلا منها عاجلا أو آجلا.

٧

أن يكون ما أمر به المستحسن للشيء عند الرؤية من تعويذه بالله والصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن فلا تغيير (١) عند ذلك لأن الرائي لذلك قد أظهر الرجوع إلى الله تعالى والإعاذة به فكأنه غير راكن إلى الدنيا ولا مغتر بها انتهى كلامه رضي الله عنه.

« وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ » أي وما أدفع من قضاء الله من شيء إن كان قد قضا عليكم الإصابة بالعين أو غير ذلك « إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ » أي ما الحكم إلا لله « عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ » فهو القادر على أن يحفظكم من العين أو من الحسد ويردكم علي سالمين.

« وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ » أي ليفوضوا أمورهم (٢) إليه وليثقوا به « وَلَمَّا دَخَلُوا » مصر « مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ » أي من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم يعقوب « ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ » إلخ أي لم يكن دخولهم مصر كذلك يغني عنهم (٣) أي يدفع عنهم شيئا أراد الله إيقاعه من حسد أو إصابة عين وهو عليه‌السلام كان عالما بأنه لا ينفع حذر من قدر ولكن كان ما قاله لبنيه حاجة في قلبه فقضى يعقوب تلك الحاجة أي أزال به اضطراب قلبه لأن لا يحال على العين مكروه يصيبهم وقيل معناه أن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم وهم متفرقون كما تصيبهم مجتمعين.

قال « إِلاَّ حاجَةً » استثناء ليس من الأول بمعنى ولكن حاجة « وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ » أي لذو يقين ومعرفة بالله « لِما عَلَّمْناهُ » من أجل تعليمنا إياه أو يعلم ما علمناه فيعمل به « وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » مرتبة يعقوب في العلم (٤).

__________________

(١) فلا يغتر ( خ ).

(٢) أمرهم ( خ ).

(٣) في المصدر : أو.

(٤) مجمع البيان : ج ٥ ، ٩٢٤٩ ـ ٢٥٠.

٨

قال البيضاوي لا يعلمون سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر (١).

وقال الرازي قال جمهور المفسرين إنه خاف من العين عليهم ولنا هاهنا مقامان :

المقام الأول إثبات أن العين حق والذي يدل عليه وجهان الأول إطباق المتقدمين من المفسرين على أن المراد من هذه الآية ذلك والثاني ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعوذ الحسن والحسين عليهم‌السلام ثم ذكر بعض ما مر من الأخبار إلى أن قال والخامس دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيت أم سلمة وعندها صبي يشتكي فقال (٢) [ فقالت ] يا رسول الله أصابته العين فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أما تسترقون له من العين. السادس قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين القدر. السابع قالت عائشة كان يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين الذي أصيب بالعين.

المقام الثاني في الكشف عن ماهيته فنقول إن الجبائي أنكر هذا المعنى إنكارا بليغا ولم يذكر في إنكاره شبهة فضلا عن حجة وأما الذين اعترفوا به وأقروا بوجوده فقد ذكروا فيه وجوها :

الأول قال الجاحظ تمتد من العين أجزاء فتتصل بالشخص المستحسن فتؤثر وتسري فيه كتأثير اللسع والسم والنار وإن كان مخالفا في وجه التأثير لهذه الأشياء قال القاضي وهذا ضعيف لأنه لو كان الأمر كما قال لوجب أن يؤثر في الشخص الذي لا يستحسن كتأثيره في المستحسن.

واعلم أن هذا الاعتراض ضعيف وذلك لأنه إذا استحسن شيئا فقد يحب بقاءه كما إذا استحسن ولد نفسه وبستان نفسه وقد يكره بقاءه كما إذا استحسن الحاسد بحصول شيء حسن لعدوه فإن كان الأول فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان خوف

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ، ٩٦٠٣.

(٢) فقالت ( ظ ).

٩

شديد من زواله والخوف الشديد يوجب انحصار الروح في داخل القلب فحينئذ يسخن القلب والروح جدا وتحصل في الروح الباصر كيفية قوة مسخنة وإن كان الثاني فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان حسد شديد وحزن عظيم بسبب حصول تلك النعمة لعدوه والحزن أيضا يوجب انحصار الروح في داخل القلب وتحصل فيه سخونة شديدة.

فثبت أن عند الاستحسان القوي يسخن الروح جدا فيسخن شعاع العين بخلاف ما إذا لم يستحسن فإنه لا تحصل هذه السخونة فظهر الفرق بين الصورتين ولهذا السبب أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله العائن بالوضوء ومن أصابته العين بالاغتسال.

أقول : على ما ذكره إذا عاين شيئا عند استحسان شيء آخر وحصول تلك الحالة فيه أو عند حصول غضب شديد على رجل آخر أو حصول هم شديد من مصيبة أو خوف عظيم من عدو أن يؤثر نظره إليه وإلى كل شيء يعاينه ومعلوم أنه ليس كذلك.

ثم قال الرازي : الثاني قال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي لا يمتنع أن يكون العين حقا ويكون معناه أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به استحسانا كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله تعالى ذلك الشخص أو ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به فهذا التغيير غير ممتنع ثم لا يبعد أيضا أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة وبعد عن الإعجاب وسأل ربه فعنده تتغير المصلحة والله سبحانه يبقيه ولا يفنيه ولما كانت هذه العادة مطردة لا جرم قيل العين حق.

الوجه الثالث : هو قول الحكماء قالوا هذا الكلام مبني على مقدمة وهي أنه ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة بل قد يكون التأثير نفسانيا محضا ولا تكون القوى الجسمانية لها تعلق به والذي يدل عليه أن اللوح الذي يكون قليل العرض إذا كان موضوعا على الأرض قدر الإنسان على المشي عليه ولو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين لعجز الإنسان عن المشي عليه وما ذاك إلا لأن خوفه من

١٠

السقوط منه يوجب سقوطه منه فعلمنا أن التأثيرات النفسانية موجودة.

وأيضا إن الإنسان إذا تصور كون فلان مؤذيا له حصل في قلبه غضب وسخن مزاجه فمبدأ تلك السخونة ليس إلا ذاك التصور النفساني ولأن مبدأ الحركات البدنية ليس إلا التصورات النفسانية ولما ثبت أن تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد أيضا أن يكون بعض النفوس تتعدى تأثيراتها إلى سائر الأبدان فثبت أنه لا يمتنع في العقل كون النفس مؤثرة في سائر الأبدان وأيضا جواهر النفوس مختلفة بالماهية فلا يمتنع أن تكون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان آخر بشرط أن تراه وتتعجب منه فثبت أن هذا المعنى أمر محتمل والتجارب من الزمن الأقدم ساعدت عليه والنصوص النبوية نطقت به فعند هذا لا يبقى في وقوعه شك وإذا ثبت هذا ثبت أن الذي أطبق عليه المتقدمون من المفسرين في تفسير هذه الآية بإصابة العين كلام حق لا يمكن رده (١).

قوله تعالى « يُخَيَّلُ » قال الطبرسي الضمير (٢) راجع إلى موسى عليه‌السلام وقيل إلى فرعون أي يرى الحبال والعصي « مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » (٣) وتعدو مثل سير الحيات وإنما قال « يُخَيَّلُ إِلَيْهِ » لأنها لم تكن تسعى حقيقة وإنما تحركت لأنهم جعلوا داخلها الزئبق فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود فحركت الشمس ذلك فظن أنها تسعى (٤).

« إِنَّما صَنَعُوا » أي إن الذي صنعوه أو إن صنيعهم « كَيْدُ ساحِرٍ » أي مكره وحيلته « وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ » أي لا يظفر ببغيته إذ لا حقيقة للسحر « حَيْثُ أَتى » أي حيث كان من الأرض وقيل لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره لأن الحق يبطله (٥).

__________________

(١) تفسير الرازي ١٨ : ١٧٢ ـ ١٧٤.

(٢) في المصدر : الضمير في « اليه ».

(٣) فيه : تسير وتعدو.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ٩١٨.

(٥) المصدر : ج ٧ ، ٩٢٠.

١١

وقال قدس‌سره في قوله تعالى « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا » إن هي المخففة من الثقيلة (١) « لَيُزْلِقُونَكَ » أي (٢) يقتلونك ويهلكونك عن ابن عباس وكان يقرؤها كذلك وقيل ليصرعونك عن الكلبي وقيل يصيبونك بأعينهم عن السدي والكل يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين والمفسرون كلهم على أنه المراد في الآية وأنكر الجبائي ذلك وقال إن إصابة العين لا تصح.

وقال الرماني وهذا الذي ذكره غير صحيح لأنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة بصحة ذلك لضرب من المصلحة وعليه إجماع المفسرين وجوزه العقلاء فلا مانع منه وقيل إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم كان يصفه فيصرعه بذلك وذلك بأن يقول الذي (٣) أراد أن يصيبه بالعين لا أرى كاليوم إبلا أو شاة أو ما أراد أي كإبل أراها اليوم فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما كانوا يقولون (٤) لما أرادوا أن يصيبوه بالعين عن الفراء والزجاج وقيل معناه أنهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوة وبغض وإنكار لما يسمعونه وتعجب منه فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم ويزيلونك عن موضعك.

وهذا مستعمل في الكلام يقولون نظر إلى فلان نظرا يكاد يصرعني ونظرا يكاد يأكلني فيه وتأويله كله أنه نظر إلي نظرا لو أمكنه معه أكلي أو أن يصرعني لفعل عن الزجاج.

« لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ » يعني القرآن « وَيَقُولُونَ » مع ذلك « إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ » أي القرآن « إِلاَّ ذِكْرٌ » أي شرف « لِلْعالَمِينَ » إلى أن تقوم الساعة أو مذكر لهم قال

__________________

(١) المثقلة ( خ ).

(٢) فيه : ليزهقونك.

(٣) في المصدر : للذى يريد.

(٤) فيه : لما يريدون.

١٢

الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية انتهى (١).

قوله أي كإبل كأنه حمل قوله أو ما أراد على تغيير تركيب الكلام ولا يخفى بعده بل الظاهر أن المعنى أو ما أراد أن يصيبه بالعين سوى الإبل فيذكره مكانهما.

وقال رحمه‌الله في نزول سورة الفلق قيل إن لبيد بن أعصم اليهودي سحر (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم دس ذلك في بئر لبني زريق فمرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وأنه في بئر ذروان في جف طلعة تحت راعوفة والجف قشر الطلع والراعوفة حجر في أسفل البئر يقف عليه المائح (٣).

فانتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعث عليا عليه‌السلام والزبير وعمارا فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطه وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر فنزلت هاتان السورتان فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله خفة فقام فكأنما أنشط من عقال.

وجعل جبرئيل عليه‌السلام يقول بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين والله يشفيك ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس وهذا لا يجوز لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله « وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا » ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه وأطلع الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج وكان ذلك دلالة

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، ٩٣٤١.

(٢) فيه : لرسول الله.

(٣) ماح يميح ميحا وميحوحة : اغترف الماء بكفه.

١٣

على صدقه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم لهم.

وقال في سبحانه « وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » معناه ومن شر النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد وإنما أمر بالتعوذ من شر السحرة لإيهامهم أنهم يمرضون ويصحون ويفعلون أشياء (١) من النفع والضرر والخير والشر وعامة الناس يصدقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين ولأنهم يموهون (٢) أنهم يخدمون الجن ويعلمون الغيب وذلك فساد في الدين ظاهر فلأجل هذا الضرر أمر بالتعوذ من شرهم.

وقال أبو مسلم النفاثات النساء اللاتي يملن آراء الرجال ويصرفنهم عن مرادهم ويردونهم إلى آرائهن لأن العزم والرأي يعبر عنهما بالعقد فعبر عن حلهما بالنفث فإن العادة جرت أن من حل عقدا نفث فيه.

« وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ » فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فأمر بالتعوذ من شره وقيل إنه أراد من شر نفس الحاسد ومن شر عينه فإنه ربما أصاب بهما فعان وضر وقد جاء في الحديث أن العين حق وقد مضى الكلام فيه.

وروي أن العضباء ناقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشق ذلك على الصحابة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ، وروى أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى شيئا يعجبه فقال الله الصمد ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضر شيئا. وروى أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كثيرا ما يعوذ الحسن والحسين عليه‌السلام بهاتين السورتين _ انتهى _ (٣).

__________________

(١) فيه : شيئا.

(٢) فيه : يوهمون.

(٣) مجمع البيان : ج ١٠ ، ٩٥٦٨ ـ ٥٦٩.

١٤

وأقول : قال في النهاية في حديث سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بئر ذروان بفتح الذال وسكون الراء بئر لبني زريق بالمدينة.

وقال الراعوفة هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت تكون ناتئة هناك فإذا أرادوا تنقية البئر جلس عليها المنقي.

وقيل هي حجر يكون على رأس البئر يقوم المستقي عليه ويروى بالثاء المثلثة بمعناها وقال في حديث سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه جعل في جف طلعة الجف وعاء الطلع وهو الغشاء الذي يكون فوقه ويروى في جب طلعة أي في داخلها.

وقال القعود من الدواب ما يقتعده الرجل للركوب والحمل ولا يكون إلا ذكرا والقعود من الإبل ما أمكن أن يركب.

وقال البيضاوي « وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها والنفث بالفتح النفخ مع ريق وتخصيصه لما روي أن يهوديا سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر فمرض عليه‌السلام فنزلت المعوذتان وأخبره جبرئيل بموضع السحر فأرسل عليا عليه‌السلام فجاء به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة.

ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها.

« وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ » إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه (١).

وقال الرازي اختلفوا في أنه هل يجوز الاستعاذة بالرقى والعوذة أم لا منهم من قال نه يجوز ثم ذكر احتجاجهم بالروايات المتقدمة وغيرها ومن الناس من منع من الرقى لما روي عن جابر قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرقى وقال عليه‌السلام :

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ٩٦٢٧.

١٥

إن لله عبادا لا يكتوون ولا يسترقون « وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » وقال عليه‌السلام : لم يتوكل على الله من اكتوى واسترقى.

واختلفوا في التعليق أيضا فمنهم من منع لبعض الأخبار ومنهم من جوز. سئل الباقر عليه‌السلام عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه واختلفوا في النفث أيضا فمنهم من أنكر عن عكرمة لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد إلى آخر ما قال (١).

١ ـ تفسير علي بن إبراهيم في هجرة جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة وبعثت (٢) قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردهم وساق الخبر الطويل إلى أن قال وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه فنظرت إلى عمارة وكان فتى جميلا فأحبته فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة لو راسلت جارية الملك فراسلها فأجابته فقال عمرو قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا.

فقال لها فبعثت إليه فأخذ عمرو من ذلك الطيب وأدخله على النجاشي وأخبره بما جرى بين عمارة وبين الوصيفة ثم وضع الطيب بين يديه فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة ثم قال لا يجوز قتله فإنهم دخلوا بلادي بأمان فدعا السحرة فقال لهم اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل فأخذوه فنفخوا (٣) في إحليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح وكان لا يأنس بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتى مات الخبر (٤).

٢ ـ جنة الأمان : في رواية أدعية السر القدسية يا محمد إن السحر لم

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٣٢ : ٩١٩٠.

(٢) بعث ( خ ).

(٣) ونفخوا ( خ ).

(٤) تفسير القمي : ١٦٥.

١٦

يزل قديما وليس يضر شيئا إلا بإذني فمن أحب أن يكون من أهل عافيتي من السحر فليقل اللهم رب موسى الدعاء فإنه إذا قال ذلك لم يضره سحر ساحر جني ولا إنسي أبدا.

٣ ـ ومنه : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن العين حق وأنها تدخل الجمل والثور التنور.

وفي كتاب الغرة : أن رجلا عيانا (١) رأى رجلا راكبا فقال ما أحسنه فسقطت الدابة وماتت ومات الرجل.

وعن أبي الحسن المخلدي قال : كان لي أكار (٢) رديء العين فأبصر بيدي خاتما فقال ما أحسنه فسقط الفص فحملته فقال ما أحسنه فانشق بنصفين.

وعن الأصمعي قال : كان عندنا عيانان فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال بالله ما رأيت كاليوم مثله فانصدع فلقين فضببت بحديد فمر عليه ثانيا فقال راسلا (٣) لعلك ما ضررت أهلك (٤) فيك فتطاير أربع فلقات وسمع الثاني صوت بول من وراء الحائط فقال إنك لشر شخب فقيل هو ابنك فقال وا انقطاع ظهراه والله لا يبول بعدها فمات من ساعته وسمع أيضا صوت شخب بقرة فأعجبه فقال أيتهن هذه فوري بأخرى فهلكتا جميعا المورى بها والمورى عنها وقصة البعير والأعرابي مشهورة معروفة.

٤ ـ وفي زبدة البيان أن يعقوب عليه‌السلام خاف على بنيه من العين لجمالهم فقال « يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ » الآية.

٥ ـ وفيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله العين تنزل الحالق وهو ذروة الجبل من قوة أخذها وشدة بطشها.

__________________

(١) العيان ـ بتشديد الياء ـ : الشديد الإصابة بالعين.

(٢) الاكار : الحراث : والجمع « الاكرة » قال الجوهري : كأنه جمع « آكر » في التقدير.

(٣) في بعض النسخ : فقال : رأسك.

(٤) في بعضها : بأهلك.

١٧

٦ ـ ومنه ذكر عبد الكريم بن محمد بن المظفر السمعاني في كتابه أن جبرئيل عليه‌السلام نزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرآه مغتما فسأله عن غمه فقال له إن الحسنين عليه‌السلام أصابتهما عين فقال له يا محمد العين حق فعوذهما بهذه العوذة وذكرها.

٧ ـ الدعائم عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى ثم يقول أعيذكما بكلمات الله التامة من شر كل شيطان وهامة ومن شر كل عين لامة ثم يقول هكذا كان إبراهيم أبي عليه‌السلام يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق عليه‌السلام

٨ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن الرقى بغير كتاب الله عز وجل وما يعرف من ذكره وقال إن هذه الرقى مما أخذه سليمان بن داود عليه‌السلام على الجن والهوام.

٩ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال : لا رقى إلا في ثلاث في حمة أو عين أو دم لا يرقأ (١).

والحمة السم.

١٠ ـ وعنه عليه‌السلام أنه قال : لا عدوى ولا طيرة ولا هام والعين حق والفأل حق فإذا نظر أحدكم إلى إنسان أو دابة أو إلى شيء حسن فأعجبه فليقل آمنت بالله وصلى الله على محمد وآله فإنه لا يضره عينه.

١١ـ وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن التمائم والتول فالتمائم ما يعلق من الكتب والخرز وغير ذلك والتول ما تتحبب به النساء إلى أزواجهن كالكهانة وأشباهها ونهى عن السحر.

توضيح في النهاية فيه أنه كان يتفأل ولا يتطير الفأل مهموز فيما يسر ويسوء والطيرة لا يكون إلا فيما يسوء وربما استعملت فيما يسر وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا وإنما أحب الفأل لأن الناس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء فإن الرجاء

__________________

(١) أي لا ينقطع.

١٨

لهم خير وإذا قطعوا أملهم أو رجاءهم من الله كان ذلك من الشر وأما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله وتوقع البلاء ومعنى التفؤل مثل أن يكون رجل مريض فيتفأل بما يسمع من كلام فيسمع آخر يقول يا سالم أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول يا واجد فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه أو يجد ضالته.

وقال في حديث عبد الله التمائم والرقى من الشرك التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام وإنما جعلها شركا لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه وقال في حديث عبد الله التولة من الشرك التولة بكسر التاء وفتح الواو ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى.

وفي القاموس التولة كهمزة السحر أو شبهه وخرز تتحبب معها المرأة إلى زوجها كالتولة كعنبة فيهما.

١٢ ـ الشهاب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا رقية إلا من حمة أو عين.

الضوء : عين مصدر عانه إذا أصابه بعينه إذا نظر إليه نظر معجب حاسد مستعظم والحمة السم وأصلها حمو وحمى والهاء عوض فيها عن الساقط وبهذا الكلام يشير إلى ما كانت نساء العرب يدعينه من تأخيذ الرجال عن الأزواج وكانت لهن رقى تضحك الثكلان فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا رقية أي لا تصح تأثير الرقية إلا في العين التي تعين الشيء أي تصيبه وأصل ذلك أنها تستحسنه فيغيره الله تعالى عند (١) ذلك لما للناظر إليه فيه من اللطف أو لغيره من المعتبرين إذا رآه غب اللطافة والطراوة والإعجاب بخلاف ما رآه فيستدل بذلك على أنه لا بقاء لما في الدنيا وأن نعيمها زائل.

وأما ما يذكر من أن العائن ينظر إلى الشيء فيتصل به شعاع هو المؤثر فيه فلا تلتفت إليه لأنا نعلم قطعا أن الشعاع اللطيف لا يعمل في الحديد والحجر وغير

__________________

(١) عن ( خ ).

١٩

ذلك بل ذلك كله من فعل الله تعالى على سبيل اللطف والإعلام بأن نعيم الدنيا إلى انقراض والرقية (١) التي فيها اسم الله تعالى أو اسم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو آية من كتاب الله تعالى يشفيه وكذلك من السموم التي يستضر بها الإنسان من لسع الهوام وهذا غير مدفوع وما سوى ذلك فمخاريق يجلبون بها أموال الناس وليس قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا رقية إلى آخره قطعا لأن تكون رقية الحق ناجعة في غير ذلك من الأدواء بل المعنى أن الرقية لها تأثير قوي فيهما كما في قوله لا سيف إلا ذو الفقار.

وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك. وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمنا من الأوجاع كلها أن نقول بسم الله الأكبر أعوذ بالله العظيم من شر عرق نعار (٢) ومن شر حر النار وفائدة الحديث أن الرقية في غير العين والحمة لا تنجع وراوي الحديث جابر رضي الله عنه.

١٣ ـ الشهاب : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل (٣) القدر.

الضوء قد تقدم الكلام فيه وأن المؤثر فيما يعينه العائن قدرة الله عز وجل الذي « يَفْعَلُ ما يَشاءُ » ويغير المستحسن من الأشياء عن حاله اعتبارا للناظر وإعلاما أن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا يبقى ما فيها على وتيرة واحدة والعين ما ذا تكاد تفعل بنظرها ليت شعري ولو كان للعين نفسها أثر لكان يصح أن ينظر العائن إلى بعض أعدائه الذين يريد إهلاكهم وقلعهم فيهلكهم بالنظر وهذا باطل والعين كالجماد إذا انفردت عن الجملة فما ذا تصنع وللفلاسفة في هذا كلام لا أريد أن أطويه وفائدة الحديث إعلام أن الله تعالى قد يغير بعض ما يستحسنه الإنسان إظهارا

__________________

(١) فالرقبة ( خ ).

(٢) النعار. العرق الذي يفور منه الدم.

(٣) في بعض النسخ « وتدخل الجمل ».

٢٠