بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

عرف الناس بعضهم بعضاً ، وكانوا على صورة واحدة . قال : فلهم في الدنيا مثل ؟ قال : التراب فيه أبيض ، وفيه أخضر ، وفيه أشقر ، وفيه أغبر ، وفيه أحمر ، وفيه أزرق ، وفيه عذب ، وفيه ملح ، وفيه خشن ، وفيه لين ، وفيه أصهب ، فلذلك صار الناس فيهم لين ، وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر ، وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب (١) .

بيان : قال الفيروز آباديّ الأشقر من الدوابّ الأحمر في مُغرة (٢) ، ومن الناس من تعلو بياضه حمرة . وقال : الصهب ـ محرّكة ـ : حمرة أو شقرة في الشعر كالصّهبة بالضمّ . والأصهب بعير ليس بشديد البياض ، وشعر يخالط بياضه حمرة .

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ١٥٦ .

(٢) المغرة كالحمرة ، وهي هي الا انها ليست بناصعة .

٦١
 &

( أبواب )

* ( الطب ومعالجة الامراض وخواص الادوية ) *

٥٠

( باب )

* ( أنه لم سمى الطبيب طبيباً وما ورد في عمل الطب ) *

* ( والرجوع الى الطبيب ) *

١ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان يسمّى الطبيب « المعالج » فقال موسى بن عمران : يا ربّ ممّن الداء ؟ قال : منّي . قال فممّن الدواء ؟ قال : منّي . قال : فما يصنع الناس بالمعالج ؟ قال : يطيب بذلك أنفسهم فسمّي الطبيب لذلك (١) .

٢ ـ الكافي : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال موسى بن عمران : يا ربّ من أين الداء ؟ قال : منّي . قال : فالشفاء ؟ قال : منّي . قال : فما يصنع عبادك بالمعالج ؟ قال : يطيب بأنفسهم . فيومئذ سمّي المعالج الطبيب (٢) .

بيان : « يطبب بأنفسهم » في بعض النسخ بالباء الموحّدة ، وفي بعضها بالياء المثنّاة من تحت . قال الفيروز آباديّ : طبّ تأنّى للاُمور وتلطّف . أي إنّما سّموا بالطبيب لرفعهم الهمّ عن النفوس المرضى بالرفق ولطف التدبير ، وليس شفاء الأبدان منهم .

وأمّا على الثاني فليس المراد أنّ مبدء اشتقاق الطبيب الطيب والتطييب ، فإنّ

__________________

(١) العلل : ج ٢ ، ص ٢١٢ .

(٢) روضة الكافي : ٨٨ .

٦٢
 &

أحدهما من المضاعف والآخر من المعتلّ .

بل المراد أنّ تسميتهم بالطبيب ليست لتداوي الأبدان عن الأمراض بل لتداوي النفوس عن الهموم والأحزان فتطيب بذلك . قال الفيروز آباديّ الطبّ ـ مثلّثة الفاء ـ علاج الجسم والنفس .

٣ ـ قرب الاسناد : عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : أرأيت إن احتجت إلى طبيب وهو نصرانيّ اُسلّم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم ، لأنّه لا ينفعه دعاؤك (١) .

العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهديّ ، عن ابن محبوب مثله (٢) .

السرائر : نقلاً من كتاب السيّاريّ عنه عليه‌السلام مثله .

بيان : يدلّ على جواز العمل بقول الطبيب الذّميّ والرجوع إليه والتسليم عليه والدعاء ، ولعلّ الأخيرين محمولان على الضرورة بل الجميع ، ولو كان فيجب أن لا يكون على جهة الموادّة للنهي عنها . وقد روى الكلينيّ في الموثّق عن أبي عبد الله ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم فقولوا « وعليكم » (٣) .

وروى هذا الخبر أيضاً عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد .

٤ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن الجعفريّ ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام وهو يقول : ادفعوا معالجة الأطبّاء ما اندفع المداواة (٤) عنكم فإنّه بمنزلة البناء قليله يجرّ إلى كثيره . (٥)

__________________

(١) قرب الاسناد : ١٧٥ .

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ٢٨٢ .

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٦٤٩ .

(٤) في المصدر : الداء .

(٥) العلل : ج ٢ ، ص ١٥١ .

٦٣
 &

بيان : أي الشروع في المداواة لقليل الداء يوجب زيادة المرض والاحتياج إلى دواء أعظم .

٥ ـ الخصال : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن سهل ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من ظهرت صحّته على سقمه فيعالج [ نفسه ] بشيء فمات فأنا إلى الله بريء منه . (١)

بيان : ظاهره حرمة التداوي بدون شدّة المرض والحاجة الشديدة إليه . لكنّ الخبر ضعيف فيمكن الحمل على الكراهة لمعارضة إطلاق بعض الأخبار ، وإن كان الأحوط العمل به .

٦ ـ طب الائمة : [ عن ] محمّد بن إبراهيم العلويّ الموسويّ ، عن إبراهيم بن محمّد ـ يعني أباه ـ . عن أبي الحسن العسكريّ قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يحدّث عن أبيه ، قال : سأل يونس بن يعقوب الرجل الصادق ـ يعني جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : يا ابن رسول الله ، الرّجل يكتوي (٢) بالنار وربما قتل وربما تخلّص . قال : [ قد ] اكتوى رجل من أصحاب رسول الله على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم على رأسه . (٣)

٧ ـ ومنه ، عن جعفر بن عبد الواحد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : هل يعالج بالكيّ ؟ قال : نعم ، إنَّ الله تعالى جعل في الدواء بركة وشفاءً وخيراً كثيراً ، وما على الرّجل أن يتداوى وإن لا بأس به .

بيان : « وإن لا بأس به » الظاهر أنّه بالكسر للوصل ، أي وإن كان غير مضطرّ إلى التداوي ، أو مخفّفة فالضمير راجع إلى مصدر يتداوى ، أو الواو للحال فيرجع إلى الأوّل . وفي بعض النسخ « ولا بأس به » وهو أظهر .

__________________

(١) الخصال : ١٣ .

(٢) أي يحرق جلده بحديده ونحوها .

(٣) طب الائمة : ٥٣ .

٦٤
 &

٨ ـ الطب : عن المظفّر بن عبد الله اليمانيّ ، عن محمّد بن يزيد الأشهليّ ، عن سالم بن أبي خيثمة عن الصادق عليه‌السلام قال : من ظهرت صحّته على سقمه فشرب الدواء فقد أعان على نفسه . (١)

٩ ـ ومنه : عن مرزوق بن محمّد الطائيّ ، عن فضالة ، عن العلا ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام عن الرجل يداويه النصرانيّ واليهوديّ ويتّخذ له الأدوية . فقال : لا بأس بذلك ، إنّما الشفاء بيد الله تعالى . (٢)

بيانٌ : قال ابن ادريس ( ره ) في السرائر : قد ورد الأمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووردت الأخبار عن الأئمّة من ذريّته عليه‌السلام بالتداوي ، فقالوا : (٣) تداووا ، فما أنزل الله داءاً إلّا أنزل معه دواءً إلّا السّام ، فإنّه لا دواء له (٤) ـ يعني الموت ـ ويجب على الطبيب أن يتّقي الله سبحانه فيما يفعله بالمريض ، وينصح فيه . ولا بأس بمداواة اليهوديّ والنصرانيّ للمسلمين عند الحاجة إلى ذلك . وإذا أصاب المرأة علّة في جسدها واضطرّت إلى مداواة الرجال لها كان جائزاً .

وقال الشهيد ـ ره ـ في الدروس : يجوز المعالجة بالطبيب الكتابيّ وقدح (٥) العين عند نزول الماء .

وقال العلّامة ـ قدّس‌ سرّه ـ في المنتهى : يجوز الاستيجار للختان وخفض الجواري والمداواة وقطع السلع وأخذ الاجرة عليه لا نعلم فيه خلافا لانّه فعل مأذون فيه شرعا ، يحتاج إليه ويضطرّ إلى فعله فجاز الاستيجار عليه كسائر الأفعال المباحة وكذا عقد الاستيجار للكحل سواء كان الكحل من العليل أو الطبيب وقال بعض الجمهور إن شرط على الطبيب لم يجز .

__________________

(١) المصدر : ٦١ .

(٢) المصدر : ٦٣ .

(٣) في المصدر : فقال .

(٤) في المصدر : لا دواء معه .

(٥) قدح الطبيب العين : أخرج منها ماءها المنصب إليها من داخل .

٦٥
 &

١٠ ـ الطب : عن إبراهيم بن مسلم ، عن ابن أبي نجران ، عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشرب الدواء وربما قتله وربما يسلم منه وما يسلم أكثر . قال : فقال : أنزل الله الداء وأنزل الشفاء ، وما خلق الله داءً إلّا جعل له دواء . فاشرب وسمّ الله تعالى . (١)

١١ ـ العياشي : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في المرأة أو الرجل (٢) يذهب بصره ، فتأتيه (٣) الأطبّاء فيقولون : نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلّي ، فرجعت إليه له . فقال :« فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ » . (٤)

١٢ ـ المكارم : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تداووا ، فإنّ الله عزّ وجلّ لم ينزل داءً إلّا وأنزل له شفاءً . (٥)

١٣ ـ وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اثنان عليلان :صحيحٌ محتمٍ ، وعليل مخلّط . (٦)

١٤ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تجنّب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء . (٧)

١٥ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ نبيّاً من الأنبياء مرض ، فقال : لا أتداوى حتّى يكون الّذي أمرضني هو الّذي يشفيني . فأوحى الله تعالى إليه : لا أشفيك حتّى تتداوى ، فإنّ الشفاء منّي . (٨)

١٦ ـ الكافي : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن يحيى ، عن أخيه العلا ، عن إسمعيل بن الحسن المتطبّب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) المصدر : ٦٣ .

(٢) في بعض النسخ : في الرجل أو المرأة .

(٣) في المصدر : فيأتيه .

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٧٤ .

(٥ و ٦ و ٧) المكارم : ٤١٨ .

(٨) المكارم : ٤١٩ ، زاد فيه « والدواء مني . فجعل يتداوى فاتى الشفاء » .

٦٦
 &

إنّي رجل من العرب ، ولي بالطبّ بصر ، وطبّي طبٌّ عربيٌّ ولست آخذ عليه صفَداً . فقال : لا بأس . قلت : إنّا نبطّ الجرح ونكوي بالنار . قال : لا بأس . قلت : ونسقي هذه السموم : الإسمحيقون ، والغاريقون . قال لا بأس . قلت : إنّه ربما مات . قال : وإن مات قلت : نسقي عليه النبيذ . قال ليس في الحرام (١) شفاء . قد اشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت له عائشة : بك ذات الجنب . فقال أنا أكرم على الله من أن يبتليني بذات الجنب . قال فأمر فلدَّ بصبر . (٢)

بيان : قال في القاموس : الصفد ـ محرّكة ـ : العطاء . وقال : بطّ الجرح والصرّة : شقّه .

وأقول : « الاسمحيقون » لم أجده في كتب اللغة ولا الطّبّ والّذي وجدته في كتب الطّبّ هو « إصطمخيقون » ذكروا أنّه حبّ مسهل للسوداء والبلغم . وكأنّه كان كذا فصحّف . قوله « ليس في الحرام شفاۤء » يدلّ على عدم جواز التداوي بالحرام مطلقاً ، كما هو ظاهر أكثر الأخبار ، وهو خلاف المشهور ، وحملوا على ما إذا لم يضطرّ إليه ، ولا اضطرار إليه .

وقوله « قد اشتكى » لعلّه استشهاد للتداوي بالدواء المرّ . « أنا أكرم على الله » كأنّه لاستلزام هذا المرض اختلال العقل وتشويش الدماغ غالباً وقال الفيروز اباديّ : اللّدود ـ كصبور ـ : ما يصبّ بالمسعط من الدواء في أحد شقّي الفم . وقد لدّه لدّاً ولدوداً ولدّه إيّاه وألدّه ولدّ فهو ملدود :

١٧ ـ الكافي : عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرّجل يشرب الدواء ويقطع العرق ، وربّما انتفع به وربّما قتله . قال : يقطع ويشرب . (٣)

__________________

(١) في المصدر : حرام .

(٢) روضة الكافي : ١٩٣ ـ ١٩٤ .

(٣) روضة الكافي : ١٩٤ .

٦٧
 &

١٨ ـ ومنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن ، عن معاوية بن حكيم عن عثمان الأحول قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : ليس من دواء إلّا وهو يهيّج داءً ، وليس شيءٌ في البدن أنفع من إمساك اليد إلّا عمّا يحتاج إليه . (١)

بيان : « إلّا وهو » أي نفسه أو معالجته . « إلّا عّما يحتاج إليه » من الأكل بأن يحتمي عن الأشياء المضرّة ولا يأكل أزيد من الشبع ، أو من المعالجة ، أو منهما .

١٩ ـ النهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : امش بدائك ما مشى بك . (٢)

٢٠ ـ دعوات الراوندي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تداووا ، فإنّ الّذي أنزل الدّاء أنزل الدواء .

٢١ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءًا .

٢٢ ـ الكافي : عن محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن إبراهيم الجعفريّ ، عن حمدان بن إسحاق قال : كان لي ابن ، وكان تصيبه الحصاة . فقيل لي : ليس له علاج إلّا أن تبطّه ، فبططته ، فمات . فقالت الشيعة : شركت في دم ابنك . قال : فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر ، فوقّع ـ صلوات الله عليه ـ يا أحمد ، ليس عليك فيما فعلت شيء ، إنّما التمست الدواء ، وكان أجله فيما فعلت . (٣)

٢٣ ـ قرب الاسناد : عن عبد الله بن الحسن العلويّ عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المريض ، يكوي أو يسترقي ؟ قال : لا بأس إذا استرقى بما يعرفه .

توضيح : في القاموس : « كواه يكويه كيّاً : أحرق جلده بحديدةٍ ونحوها . وقال : الرقية ـ بالضمّ ـ : العوذة ، والجمع : رقى . ورقاه رقياً ورقياً ورقية فهو رقّاء : نفث في عوذته ( انتهى ) . قوله عليه‌السلام « بما يعرفه » أي بما يعرف معناه من القرآن والأدعية والأذكار ، لا بما لا يعرفه من الأسماء السريانيّة والعربيّة

__________________

(١) المصدر : ٢٧٣ .

(٢) النهج : ج ٢ ، ص ١٤٣ .

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣ .

٦٨
 &

والهنديّة وأمثالها كالمناطر المعروفة في الهند ، إذ لعلّها يكون كفراً وهذياناً .

أو المعنى : ما يعرف حسنه بخبر أو أثر ورد فيه ، والأوّل أظهر . والأحوط أن لا يكون معه نفث لا سيّما إذا كان في عقدةٍ ، وتمام القول فيه في كتاب الدعاء .

قال في النهاية : قد تكرّر ذكر الرقية والرُّقى والرَّقي والاسترقاۤء في الحديث ، والرقية : العوذة الّتي يرقى بها صاحب الآفة كالحمّى والصرع وغير ذلك من الآفات :

وقد جاۤء في بعض الأحاديث جوازها ، وفي بعضها النهي عنها . فمن الجواز قوله « استرقوا لها فإنّ بها النظرة » أي اطلبوا لها من يرقيها ، ومن النهي قوله « لا يسترقون ولا يكتوون » والأحاديث في القسمين كثيرة ، ووجه الجمع بينهما أنّ الرُّقى يكره منها ما كان بغير اللسان العربيّ وبغير أسماۤء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة ، وأن يعتقد أنّ الرقيا نافعة لا محالة فيتّكل عليها . وإيّاه أراد بقوله « ما توكّل من استرقى » ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك ، كالتعوّذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرُّقى المرويّة . ولذلك قال للّذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجراً : « من أخذه برقية باطل فقد أخذت برقية حقّ » .

وكقوله في حديث جابر أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اعرضوها عليّ ، فعرضناها فقال : لا بأس بها ، إنّما هي مواثيق . كأنّه خاف أن يقع فيها شيء ممّا كانوا يتلفّظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهليّة . وما كان بغير اللسان العربيّ ممّا لا يعرف له ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله . فأمّا (١) قوله « لا رقية إلّا من عين أو حمّة » فمعناه لا رقية أولى وأنفع (٢) من أحدهما ، هذا كما قيل « لا فتى إلّا عليّ » وقد أمر صلّى ‌الله ‌عليه ‌وآله‌ غير واحد من أصحابه بالرقية ، وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم .

__________________

(١) في المصدر : وأما .

(٢) في المصدر : « وأنفع ، وهذا كما قيل » وهو الصواب .

٦٩
 &

وأمّا الحديث الآخر في صفة أهل الجنّة الّذين يدخلونها بغير حساب « هم الّذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربّهم يتوكّلون » فهذا من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا ، لا يلتفتون إلى شيء من علايقها ، وتلك درجة الخواصّ لا يبلغها غيرهم ، فأمّا العوامّ فمرخّص لهم في التداوي والمعالجات ، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله تعالى بالدعاء كان من جملة الخواصّ والأولياء ، ومن لم يصبر رخّص له في الرقية والعلاج والدواء (١) ـ انتهى ـ .

وعدّ الشهيد ـ قدّس‌ سرّه ـ من المحرّمات الأقسام والعزائم بما لا يفهم معناه ويضرّ بالغير فعله .

٢٤ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطينيّ عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ، عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يتداوى المسلم حتّى يغلب مرضه صحّته (٢) .

٢٥ ـ الشهاب : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تداووا ، فإنّ الّذي أنزل الداء أنزل الدواء . وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءً .

الضوء : لفظ الإنزال هنا يفيد رفعة الفاعل ، لا الإنزال من فوق إلى أسفل كما قال تعالى « وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ » (٣) أي كان تكوين ذلك وخلقه وإيجاده برفعة وقوّة . والداء المرض ، وأصله « دوء » وقد داء يداء داءً إذا مرض ، مثل خاف يخاف . والدواء ما يتعالج به ، وربما يكسر فاؤه ، وهو بمصدر « داويته » أشبه . والدوّي ـ مقصوراً ـ أيضاً المرض . وقد دوي يدوى دوىً ، تقول منه « هو يدوي و

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ، ص ٩٨ .

(٢) الخصال : ١٦١ .

(٣) الحديد : ٢٥ .

٧٠
 &

يداوي » يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعالجوا ولا تتكلّموا (١) ، فإنّ الله الّذي أمرض قد خلق الأدوية المتعالج بها بلطيف صنعه ، وجعل بعض الحشائش والخشب والصموغ والأحجار أسباباً للشفاء من العلل والأدواء ، فهي تدلّ على عظيم قدرته وواسع رحمته .

وهذا الحديث يدلّ على خطاء من ادّعى التوكّل في الأمراض ولم يتعالج . ووصف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الشّبرم » (٢) بأنّه حارٌّ يارٌّ . فلو لا أنّ التعالج بالأدوية صحيح لما وصف الشّبرم بذلك . وفائدة الحديث الحثُّ على معالجة الأمراض بالأدوية . وراوي الحديث أبو هريرة .

وقال : الشفاء البرء من الداء ، وقد شفاه الله . فهو مصدر سمى (٣) كما ترى يقول : كما أنّ الداء من الله تعالى فكذلك الشفاء منه ، بخلاف ما يقوله الطبيعيّون من أنّ الداء من الأغذية والشفاء من الأدوية . ولئن قيل : إنّ الله تعالى قد أجرى العادة بأنّه يستضرُّ بعض الناس ببعض الأغذية وفي بعض الأحوال فلعمري إنّه لصحيح ولكنّه من فعل الله تعالى ، وإن كان تناول تلك الطعام السبب في ذلك .

وسئل طبيب العرب « الحارث بن كلدة » عن إدخال الطعام على الطعام ، فقال : هو الّذي أهلك البريّة ، وأهلك السباع في البريّة . فجعل إدخال الطعام على الطعام الّذي لم ينضج في المعدة ولم ينزل منها ، داءً مهلكاً . وهذا على عادة أكثريّةٍ أجراها

__________________

(١) كذا ، والظاهر انه مصحف والصواب « ولا تتكلوا » من الاتكال ، اي لا تتركوا الداء بلا علاج .

(٢) قال في النهاية : في حديث أم سلمة انها شربت الشبرم ، فقال انه حار جار ( بالجيم في الثاني ) الشبرم حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوى وقيل انه نوع من الشيح . وقال في مادة « جر » جار اتباع لحار ، ومنهم من يرويه « بار » وهو اتباع أيضاً .

(٣) كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها « ميمى » وهو كما ترى ، والظاهر أنه مصحف « شفى » ذكره تنبيهاً على أنه ليس بمعنى الدواء .

٧١
 &

الله تعالى ، وقد تنخرم بأصحاب المعد الناريّة الملتهبة الّتي تهضم ما اُلقي فيها ، وكلّه متعلّق بقدرة الله جلّت عظمته .

وروي في سبب هذا الحديث أنّ رجلاً جرح على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ادعوا له الطبيب ، فقالوا : يا رسول الله ، وهل يغني الطبيب من شيء ؟ فقال نعم ، ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له شفاءً . وفائدة الحديث الحثُّ على التداوي والتشفّي بالمعالجة ومراجعة الطّبّ وأهل العلم بذلك والممارسة ، وراوي الحديث هلال بن يساف (١) .

٢٦ ـ التهذيب : بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً قال : لا بأس (٢) .

٢٧ ـ طب النبى : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما خلق الله داءً إلّا وخلق له دواءً إلّا السام (٣) .

بيان : السّام الموت ، أي المرض الّذي حتم فيه الموت .

دعائم الاسلام : روينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الأئمّة الصادقين من أهل بيته عليهم‌السلام آثارا في التعالج والتداوي وما يحلّ من ذلك وما يحرم . وفيما جاء عنهم عليهم‌السلام لمن تلقّاه بالقبول وأخذه بالتصديق بركةٌ وشفاءٌ إنشاء الله تعالى ، لا لمن لم يصدّق في ذلك وأخذه على وجه التجربة .

٢٨ ـ وقد روينا عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه حضر يوماً عند محمّد بن خالد أمير المدينة ، فشكى محمّد إليه وجعاً يجده في جوفه ، فقال حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام أنّ رجلاً شكى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعاً يجده في جوفه ، فقال :

__________________

(١) بفتح المثناة التحتانية والسين المهملة ، وعن القاموس أنه بالكسر ، من رواة العامة ، وثقه ابن معين منهم .

(٢) التهذيب :

(٣) طب النبي : ١٩ .

٧٢
 &

خذ شربة عسل وألق فيها ثلاث حبّات شونيز (١) ، أو خمساً أو سبعاً ، واشربه تبرأ بإذن الله . ففعل ذلك الرجل فبرىء ، فخذ أنت ذلك .

فاعترض عليه رجل من أهل المدينة كان حاضراً فقال : يا أبا عبد الله قد بلغنا هذا وفعلناه فلم ينفعنا ، فغضب أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : إنّما ينفع الله بهذا أهل الإيمان به والتصديق لرسوله ، ولا ينتفع به أهل النفاق ومن أخذه على غير تصديق منه للرّسول . فأطرق الرجل .

٢٩ ـ ومنه : عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : تداووا ، فما أنزل الله داءً إلّا أنزل معه دواءً إلّا السّام ـ يعني الموت ـ فإنّه لا دواء له .

٣٠ ـ وعنه عليه‌السلام أنّ قوماً من الأنصار قالوا له : يا رسول الله ، إنّ لنا جاراً اشتكى بطنه ، أفتأذن لنا أن نداويه ؟ قال : بماذا تداوونه ؟ قالوا : يهوديٌّ ههنا يعالج من هذه العلّة قال : بماذا ؟ قالوا : بشقّ البطن فيستخرج منه شيئاً ، فكره ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فعاودوه مرّتين أو ثلاثاً ، فقال : افعلوا ما شئتم . فدعوا اليهوديَّ فشقَّ بطنه ونزع منه رجرجاً كثيراً ثمّ غسل بطنه ثمّ خاطه وداواه فصحّ . واُخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ فقال : إنّ الّذي خلق الأدواء جعل لها دواءً ، وإنّ خير الدواء الحجامة والفصاد والحبّة السوداء ـ يعني الشونيز ـ .

بيان : « رجرجاً » كذا في النسخ ، ولعلّ المراد القيح ونحوها مجازاً . قال في القاموس : الرّجرجة ـ بكسرتين ـ بقيّة الماء في الحوض والجماعة الكثيرة في الحرب والبزاق ، وكفلفل نبت ـ انتهى ـ .

ولا يبعد أن يكون أصله « رجزاً » يعني القذر . والفصد ـ بالفتح ـ والفصاد ـ بالكسر ـ شقّ العرق .

٣١ ـ الدعائم : عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه سئل عن الرجل يداويه اليهوديّ والنصرانيّ ، قال : لا بأس ، إنّما الشفاء بيد الله .

__________________

(١) الشونيز والشينيز : الحبة السوداء .

٧٣
 &

٣٢ ـ وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام أنّه سئل عن المرأة تصيبها العلل في جسدها ، أيصلح أن يعالجها الرجل ؟ قال عليه‌السلام : إذا اضطرّت إلى ذلك فلا بأس .

٣٣ ـ وعن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : من تطبّب فليتّق الله ولينصح وليجتهد .

٣٤ ـ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نهى عن الكيّ .

٣٥ ـ وعن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه رخّص في الكيّ فيما لا يتخوّف فيه الهلاك ولا يكون فيه تشويه .

العقايد للصدوق : قال ـ رضي الله عنه ـ : اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه : منها ما قيل على هواء مكّة والمدينة فلا يجوز (١) استعماله في سائر الأهوية . ومنها ما أخبر به العالم على ما عرف من طبع السائل ، ولم يعتبر بوصفه ، إذ كان أعرف بطبعه منه . ومنها ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس . ومنها ما وقع فيه سهو من ناقله . ومنها ما حفظ بعضه ونسى بعضه .

وما روي في العسل أنّه شفاء من كلّ داء فهو صحيح ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد .

وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من الحرارة .

وما روي في الباذنجان من الشفاء فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب دون غيره من سائر الأوقات ، فأدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة عليهم‌السلام هي الأدعية وآيات القرآن وسوره على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القويّة والطرق الصحيحة .

فقال الصادق عليه‌السلام : كان فيما مضى يسمّى الطبيب « المعالج » فقال موسى بن عمران : يا ربّ ، ممّن الداء ؟ قال منّي . قال فممّن الدواء ؟ قال : منّي قال :

__________________

(١) ولا يجوز ( خ ) .

٧٤
 &

فما يصنع الناس (١) بالمعالج ؟ فقال : تطيب بذلك نفوسهم فسمّي الطبيب طبيباً لذلك . وأصل الطبيب المداوي .

وكان داود عليه‌السلام تنبت في محرابه كلَّ يوم حشيشة ، فتقول : خذني ، فإنّي أصلح لكذا وكذا . فرأى في آخر عمره حشيشة نبتت في محرابه ، فقال له : ما اسمك قالت : أنا الخرنوبة . فقال داود عليه‌السلام : خرب المحراب . ولم ينبت فيه شيء بعد ذلك .

وقال النبيّ عليه‌السلام : من لم يشفه الحمد فلا شفاه الله .

وقال الشيخ المفيد ـ قدّس الله روحه ـ في شرحه عليها : الطبُّ صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه الوحي ، وإنّما أخذه العلماء به عن الأنبياء . وذلك أنّه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلّا بالسمع ، ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلّا بالتوفيق فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيّات تعالى . والأخبار عن الصادقين عليهم‌السلام مفسّرة بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام « المعدة بيت الأدواء (٢) والحمية رأس الدواء . وعوّد كلّ بدن ما اعتاد » .

وقد ينجع في بعض أهل البلاد من الدواء من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد ، ويصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة .

وكان الصادقون عليهم‌السلام يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يضرّ بمن كان به المرض فلا يضرّه ، وذلك لعلمهم عليهم‌السلام بانقطاع سبب المرض فإذا استعمل الإنسان ما يستعمله كان مستعملاً له مع الصحّة من حيث لا يشعر بذلك ، وكان علمهم بذلك من قبل الله تعالى على سبيل المعجز لهم والبرهان لتخصيصهم به وخرق العادة بمعناه ، فظنّ قوم أنّ ذلك الاستعمال إذا حصل مع مادّة المرض نفع ، فغلطوا فيه واستضرّوا به وهذا قسم لم يورده أبو جعفر ، وهو معتمد في هذا الباب . والوجوه الّتي ذكرناها من

__________________

(١) عبيدك ( خ ) .

(٢) الداء ( خ ) .

٧٥
 &

بعد هي على ما ذكره ، والأحاديث محتملة لما وصفه حسب ما ذكرناه ( انتهى ) .

وأقول : يحتمل بعضها وجهاً آخر ، وهو أن يكون ذكر بعض الأدوية الّتي لا مناسبة لها بالمرض على سبيل الافتنان والامتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القويّ الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيقان ، فإذا استعمله الأوّل انتفع به لا لخاصيّته وطبعه بل لتوسّله بمن صدر عنه ، ويقينه وخلوص متابعته ، كالانتفاع بتربة الحسين عليه ‌السّلام (١) وبالعوذات والأدعية .

ويؤيّد ذلك أنّا ألفينا جماعة من الشيعة المخلصين كان مدار علمهم ومعالجتهم على الأخبار المرويّة عنهم عليهم‌السلام ، ولم يكونوا يرجعون إلى طبيب ، وكانوا أصحَّ أبداناً وأطول أعماراً من الّذين يرجعون إلى الأطبّاء والمعالجين .

ونظير ذلك أنّ الّذين لا يبالون بالساعات النجوميّة ولا يرجعون إلى أصحابها ولا يعتمدون عليها بل يتوكّلون على ربّهم ويستعيذون من الساعات المنحوسة ومن شرّ البلايا والأعادي بالآيات والأدعية أحسن أحوالاً وأثرى أموالاً وأبلغ آمالاً من الّذين يرجعون في دقيق الاُمور وجليلها إلى اختيار الساعات ، وبذلك يستعيذون من الشرور والآفات ، كما مرّ في باب النجوم ، والتكلان على الحيّ القيّوم .

فائدة

روى المخالفون عن أبي الدرداء أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فتداووا ولا تتداووا بحرام . وعن جابر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ لكلّ داء دواءً : فإذا اُصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى . وعن اُسامة بن شريك قال : قالت الأعراب : يا رسول الله ، ألا نتداوى ؟ قال : نعم يا عباد الله تداووا ، فإنّ الله لم يضع داءً إلّا وضع له شفاءً ودواءً إلّا داءً واحداً ، قالوا : يا رسول الله ، وما هو ؟ قال الهرم . وعن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) صلوات الله عليه ( خ ) .

٧٦
 &

ما أنزل الله من داء إلّا أنزل له دواءً . وفي حديث ابن مسعود بعد ذلك : علمه من علمه وجهله من جهله .

أقول : قال بعضهم : المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبيّ مثلاً ، أو عبّر بالإنزال عن التقدير . وفي بعض الأخبار التقييد بالحلال ، فلا يجوز التداوي بالحرام . وفي حديث جابر الإشارة إلى أنّ الشفاء متوقّف على الإصابة بإذن الله تعالى ، وذلك أنّ الدواء قد تحصل له مجاوزة الحدّ في الكيفيّة أم الكميّة فلا ينجع ، بل ربما أحدث داءً آخر . وفيها كلّها إثبات الأسباب ، وأنّ ذلك لا ينافي التوكّل على الله لمن اعتقد أنّها بإذن الله وبتقديره ، وأنّها لا تنجع بدوائها بل بما قدّره الله تعالى فيها ، وأنّ الدواء قد ينقلب داءً إذا قدّر الله تعالى . وإليه الإشارة في حديث جابر « بإذن الله » فمدار ذلك كلّه على تقدير الله وإرادته .

والتداوي لا ينافي التوكّل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنّب المهلكات ، والدعاء لطلب العافية ورفع المضارّ وغير ذلك . ويدخل في عمومه أيضاً الداء القاتل الّذي اعترف حذّاق الأطبّاء بأن لا دواء له وبالعجز عن مداواته .

ولعلّ الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله « وجهله من جهله » إلى ذلك ، فتكون باقية على عمومها . ويحتمل أن يكون في الخبر حذف ، تقديره : لم ينزل داء يقبل الدواء إلّا أنزل له شفاءً . والأوّل أولى . وممّا يدخل في قوله « جهله من جهله » ما يقع لبعض المرضى أنّه يداوي من داء بدواء فيبرأ ، ثمّ يعتريه ذلك الداء بعينه ، فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع . والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فربّ مرضين تشابها ويكون أحدهما مركّباً لا ينجع فيه ما ينجع في الّذي ليس مركّباً فيقع الخطاء من هناك ، وقد يكون متّحداً لكن يريد الله أن لا ينجع ، فلا ينجع وهناك تخضع رقاب الأطبّاء .

وقد روي أنّه قيل : يا رسول الله ، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به ، هل يردّ من قضاء الله شيئاً ؟ قال : هي من أقدار الله تعالى . والحاصل أنّ حصول

٧٧
 &

الشفاۤء بالدواء إنّما هو كدفع الجوع بالأكل ، والعطش بالشرب ، فهو ينجع في ذلك في الغالب ، وقد يتخلّف لمانع ، والله أعلم .

واستثناء الموت في بعض الأحاديث واضح ، ولعلّ التقدير : إلّا داء الموت ، أي المرض الّذي قدّر على صاحبه الموت . واستثناء الهرم في الرواية الاُخرى إمّا لأنّه جعله شبيهاً بالموت ، والجامع بينهما نقص الصحّة ، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه . ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً ، والتقدير : لكنّ الهرم لا دواء له .

تتمة

قال بعض المحقّقين : الطبيب الحاذق في كلّ شيء ، وخصّ المعالج به عرفاً . والطبّ نوعان : نوع طبّ جسد ، وهو المراد هنا ، وطبّ قلب ومعالجته خاصّة بما جاء به رسول الله عن ربّه تعالى . وأمّا طبّ الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنه ما جاء عن غيره ، وغالبه راجع إلى التجربة .

ثمّ هو نوعان : نوع لا يحتاج إلى فكر ونظر ، بل فطر الله عليه الحيوانات ، مثل ما يدفع الجوع والعطش ، ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث في البدن ممّا يخرجه عن الاعتدال ، وهو إمّا إلى حرارة أو برودة ، وكلٌّ منهما إمّا إلى رطوبة أو يبوسة ، أو إلى ما يتركّب منهما . والدفع قد يقع من خارج البدن وقد يقع من داخله ، وهو أعسرهما والطريق إلى معرفته بتحقيق السبب والعلامة . والطبيب الحاذق هو الّذي يسعى في تفريق ما يضرّ بالبدن جمعه أو عكسه ، وفي تنقيص ما يضرّ بالبدن زيادته أو عكسه .

ومدار ذلك على ثلاثة أشياء : حفظ الصحّة ، والاحتماء عن المؤذي ، واستفراغ المادّة الفاسدة . وقد اُشير إلى الثلاثة في القرآن : فالأوّل من قوله تعالى في القرآن « فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ » (١) وذلك أنّ السفر مظنّة

__________________

(١) البقرة : ١٨٤ .

٧٨
 &

النصب ، وهو من مغيّرات الصحّة ، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فاُبيح الفطر إبقاء على الجسد ، وكذا القول في المرض . والثاني وهو الحمية من قوله تعالى « وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ » وإنّه استنبط منه جواز التيمّم عند خوف استعمال الماء البارد . والثالث عن قوله « أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ » (٢) وإنّه اُشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الّذي منع منه المحرم ، لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس .

٥٢

( باب التداوى بالحرام )

الايات :

البقرة : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . (٣)

المائدة : فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . (٤)

الأنعام : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . (٥)

وقال تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ . (٦)

النحل : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .(٧)

تفسير : تدلّ هذه الآيات على جواز الأكل والشرب من المحرّم عند الضرورة إذا لم يكن باغياً أو عادياً . وفسّر الباغي بوجوه : منها الخارج على إمام زمانه . ومنها الاۤخذ عن مضطرّ مثله ، بأن يكون لمضطرّ آخر شيء يسدّ به رمقه فيأخذه

__________________

(١) النساء : ٢٩ .

(٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) البقرة : ١٧٣ .

(٤) المائدة : ٣ .

(٥) الانعام : ١٤٥ .

(٦) الانعام : ١١٩ .

(٧) النحل : ١١٥ .

٧٩
 &

منه ، وذلك غير جائز ، بل يترك نفسه حتّى يموت ولا يميت الغير . ومنها الطّالب للّذّة ، كما ذهب إليه جمع من الأصحاب .

وأمّا العادي فقيل : هو الّذي يقطع الطريق ، وقيل : [ هو ] الّذي يتجاوز مقدار الضرورة ، وقيل : الّذي يتجاوز مقدار الشبع . وفي بعض الروايات عن الصادق عليه‌ السّلام أنّه قال : الباغي الّذي يخرج على الامام ، والعادي الّذي يقطع الطريق لا تحلّ لهما الميتة . وستأتي الأخبار في ذلك وغيره .

وقوله سبحانه « غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ » أي غير مائل إلى إثم ، بأن يأكل زيادة على الحاجة ، أو للتلذّذ ، أو غير متعمّد لذلك ولا مستحلّ ، أو غير عاص بأن يكون باغياً على الإمام أو عادياً متجاوزاً عن قدر الضرورة ، أو عمّا شرع الله بأن يقصد اللذّة لا سدَّ الرمق . وسيأتي تمام القول في ذلك في محلّه إنشاء الله .

واختلف فيما إذا كانت الضرورة من جهة التداوي هل هي داخلة في عموم تلك الآيات ؟ وهل يجوز التداوي بالحرام عند انحصار الدواء فيه ؟ فذهب بعض الأصحاب إلى عدم جواز التداوي بالحرام مطلقاً ، وبعضهم إلى عدم جواز التداوي بالخمر وسائر المسكرات وجواز التداوي بسائر المحرّمات ، وبعضهم إلى جواز التداوي بكلّ محرّم عند انحصار الدواء فيه .

قال المحقق ـ قدّس الله روحه ـ في الشرائع : ولو اضطرّ إلى خمر وبول قدّم البول ، ولو لم يوجد إلّا الخمر قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز دفع الضرورة بها ، وفي النهاية : يجوز ، وهو الأشبه . ولا يجوز التداوي بها ولا بشيء من الأنبذة ولا بشيء من الأدوية معها شيء من المسكر أكلاً وشرباً ، ويجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين .

وقال الشهيد الثاني ـ رفع الله درجته هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعى عليه في الخلاف الإجماع ، وأطلق ابن البرّاج جواز التداوي به إذا لم يكن له عنه مندوحة ، وجعل الأحوط تركه . وكذا أطلق في الدروس جوازه للعلاج كالترياق والأقوى الجواز مع خوف التلف بدونه وتحريمه بدون ذلك . وهو اختيار العلّامة

٨٠