الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٨
٤٦ ـ ومنه : عن عبد الله بن موسى الطبريّ ، عن إسحاق بن أبي الحسن ، عن اُمّ أحمد (١) ، قالت : قال سيّديّ عليهالسلام : من نظر إلى أوّل محجمة من دمه أمن (٢) الواهنة إلى الحجامة الاُخرى . فسألت سيّدي : ما الواهنة ؟ فقال : وجع العنق .
بيان : قال في النهاية : في حديث عمران بن حصين : إنّ فلاناً دخل عليه وفي عضده حلقة من صفر ـ وفي رواية : وفي يده خاتم من صفر ـ فقال : ما هذا ؟ قال هذا من الواهنة . قال : أما إنّها لا تزيدك إلّا وهنًا ! » الواهنة عرق يأخذ في المنكب ، وفي اليد كلّها فيرقى منها . وقيل : هو مرض يأخذ في العضد ، وربما علق عليها جنس من الخرز يقال لها « خرز الواهنة » وهي تأخذ الرجال دون النساء ، وإنّما نهاه عنها لأنّه إنّما اتّخذها على أنّها تعصمه من الألم ، فكان عنده في معنى التمائم (٣) المنهيّ عنها ـ انتهى ـ .
وفي القاموس : الواهنة ريح تأخذ في المنكبين أو في العضد أو في الأخدعين (٤) عند الكبر ، والقصيراء ، وفقرة في القفا والعضد .
وفي بعض النسخ « الواهية » بالياء المثنّاة التحتانيّة والأوّل أظهر ، ويدلّ على أنّها تطلق على وجع العنق أيضاً ، أو فسّرت به لأنّه يلزمها غالباً .
٤٧ ـ الطب : عن إبراهيم بن عبد الله الخزامي ، عن الحسين بن سيف بن عميرة عن أخيه ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفيّ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام قال : ومن احتجم فنظر إلى أوّل محجمة من دمه أمن من الرمد إلى الحجامة الاُخرى (٥) .
__________________
(١) في المصدر : عن امه ام أحمد .
(٢) فيه : أمن من الواهنة .
(٣) وقال : التمائم خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فابطلها الاسلام .
(٤) الاخدعان : عرقان في صفحة العنق قد خفيا وبطنا .
(٥) الطب : ٥٨ .
٤٨ ـ ومنه : عن أبي زكريّا يحيى بن آدم ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن بكير ، عن شعيب العقرقوفيّ ، عن أبي إسحاق الأزديّ ، عن أبي إسحاق السبيعيّ ، عمّن ذكره أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان يغتسل من الحجامة والحمّام قال شعيب : فذكرته لأبي عبد الله الصادق عليهالسلام فقال : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا احتجم هاج به الدم وتبيّغ فاغتسل بالماء البارد ليسكن (١) عنه حرارة الدّم . وإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان إذا دخل الحمّام هاجت به الحرارة صبّ عليها الماء البارد فتسكن عنه الحرارة (٢) .
٤٩ ـ ومنه : عن الحارث بن محمّد بن الحارث من ولد الحارث الأعور الهمدانيّ عن سعيد بن محمّد ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : كان النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يحتجم في الأخدعين ، فأتاه جبرئيل عن الله تبارك وتعالى بحجامة الكاهل (٣) .
بيان : في القاموس : الأخدع عرق في المحجمتين ، وهو شعبة من الوريد . وفي المصباح : الأخدعان عرقان في موضع الحجامة وفي النهاية : الأخدعان عرقان في جانب العنق . والكاهل مقدّم أعلى الظهر . وفي القاموس : الكاهل ـ كصاحب ـ : الحارك ، أو مقدّم أعلى الظهر ممّا يلي العنق . وهو الثلث الأعلى ، وفيه ستّ فقر ، أو ما بين الكتفين ، أو موصل العنق في الصلب .
٥٠ ـ الطب : عن داود بن سليمان البصريّ الجوهريّ ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبيه قال : قال أبو بصير : سألت الصادق عليهالسلام عن الحجامة يوم الأربعاۤء فقال : من احتجم يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة عوفي من كلّ عاهة ، ووقي من كلّ آفة (٤) .
٥١ ـ ومنه : عن إبراهيم بن سنان ، عن أحمد بن محمّد الدارمي ، عن زرارة عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام أنّه احتجم فقال : يا جارية هلمّي ثلاث
__________________
(١) فتسكن ( خ ) .
(٢) الطب : ٥٨ .
(٣ و ٤) الطب : ٥٨ .
سكّرات . ثمّ قال : إنّ السكّر بعد الحجامة يورد الدم الصافي ، ويقطع الحرارة (١) .
٥٢ ـ وعن أبي الحسن العسكريّ عليهالسلام : كل الرّمان بعد الحجامة ، رمّاناً حلواً ، فانّه يسكن الدم ، ويصفّي الدم في الجوف (٢) .
٥٣ ـ ومنه : عن جعفر بن منصور ، عن الحسين بن عليّ بن يقطين ، عن محمّد بن فضيل . عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : من تقيّأ قبل أن يتقيّأ كان أفضل من سبعين دواء ، ويخرج القيء على هذا السبيل كلّ داء وعلّة (٣) .
بيانٌ : « قبل أن يتقيّأ » أي قبل أن يسبقه القيء بغير اختياره ، أو المراد به أوّل ما يتقيّأ في تلك العلّة .
٥٤ ـ الطب : عن الرضا عليهالسلام قال : حجامة الاثنين لنا ، والثلثاء لبني اُميّة (٤) .
٥٥ ـ ومنه : عن الأشعث بن عبد الله ، عن إبراهيم بن المختار ، عن محمّد بن سنان عن طلحة بن زيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحجامة يوم السبت ، قال : يضعّف (٥) .
٥٦ ـ المكارم : روى الأنصاريّ قال : كان الرضا عليهالسلام ربما تبيّغه الدم فاحتجم في جوف الليل (٦) .
٥٧ ـ عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : يحتجم الصائم في غير شهر رمضان متى شاء فأمّا في شهر رمضان فلا يغرّر (٧) بنفسه ، ولا يخرج الدم إلّا أن يتبيّغ به . فأمّا (٨)
__________________
(١ و ٢) المصدر : ٥٩ .
(٣) المصدر : ٦٧ .
(٤) المصدر : ١٢٩ .
(٥) الطب : ١٣٦ .
(٦) المكارم : ٨١ .
(٧) أي لا يعرض نفسه للهلاك ، وفي المصدر « لا يغدر » .
(٨) في المصدر : وأما .
نحن فحجامتنا في شهر رمضان بالليل ، وحجامتنا يوم الأحد ، وحجامة موالينا يوم الاثنين (١) .
٥٨ ـ وعن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إيّاك والحجامة على الريق (٢) .
٥٩ ـ عنه عليهالسلام قال في الحمّام : لا تدخله وأنت ممتلىء من الطعام ، ولا تحتجم حتّى تأكل شيئاً ، فانّه أدرّ للعروق (٣) ، وأسهل لخروجه ، وأقوى للبدن .
٦٠ ـ وروي عن العالم عليهالسلام أنّه قال : الحجامة بعد الأكل ، لأنّه إذا شبع الرّجل ثمّ احتجم اجتمع الدم وأخرج الداء ، وإذا احتجم قبل الأكل خرج الدم وبقي الداء (٤) .
٦١ ـ وعن زيد الشحّام ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فدعا بالحجّام ، [ فـ ] ـﻘال له : اغسل محاجمك وعلّقها ، ودعا برمّانة فأكلها ، فلمّا فرغ من الحجامة دعا برمّانة اُخرى فأكلها فقال : هذا يطفىء المرار (٥) .
٦٢ ـ وعن أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : أيّ شيء يأكلون (٦) بعد الحجامة ؟ فقلت الهندباء والخلّ . قال (٧) : ليس به بأس (٨) .
٦٣ ـ وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه احتجم فقال : يا جارية هلمّي ثلاث سكّرات ، ثمّ قال : إنّ السكّر بعد الحجامة يردّ الدم الطريّ (٩) ، ويزيد في القوّة (١٠) .
__________________
(١ و ٢) المكارم : ٨١ .
(٣) في المصدر : للعرق .
(٤ و ٥) المكارم : ٨٢ .
(٦) في المصدر : تأكلون .
(٧) فيه : فقال .
(٨) المكارم : ٨٢ .
(٩) فيه : الطمى .
(١٠) المكارم : ٨٢ .
٦٣ ـ عن الكاظم عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كان منكم محتجماً فليحتجم يوم السبت (١) .
٦٥ ـ وقال الصادق عليهالسلام الحجامة يوم الأحد فيه شفاء من كلّ داء (٢) .:
٦٦ ـ عنه عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : احتجموا (٣) يوم الاثنين بعد العصر (٤) .
٦٧ ـ عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من احتجم يوم الثلثاء لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو لإحدى وعشرين كان له شفاء من داء السنة (٥) .
٦٨ ـ وقال أيضاً : احتجموا لخمس عشرة وسبع عشرة وإحدى وعشرين ، لا يتبيّغ بكم الدم فيقتلكم (٦) .
٦٩ ـ وفي الحديث أنّه نهى عن الحجامة في الأربعاء إذا كانت الشمس في العقرب (٧) .
٧٠ ـ عن زيد بن عليّ ، عن آبائه عن عليّ عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من احتجم يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومنّ إلّا نفسه (٨) .
٧١ ـ وروى الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : نزل عليّ جبرئيل (٩) بالحجامة واليمين مع الشاهد ويوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ (١٠) .
٧٢ ـ عن الصادق عليهالسلام قال : من احتجم في آخر خميس في الشهر آخر النهار سلّ الداء سلّاً (١١) .
٧٣ ـ وعنه عليهالسلام قال : إنّ الدم يجتمع في موضع الحجامة يوم الخميس فإذا
__________________
(١ و ٢) المكارم : ٨٢ .
(٣) في المصدر : كان رسول الله (ص) يحتجم . . .
(٤ ـ ٨) المكارم : ١٣
(٩) في بعض النسخ المصدر : نزل عليّ جبرئيل بالنهي عن الحجامة يوم الاربعاء وقال : انه يوم نحس مستمر .
(١٠ ـ ١١) المصدر : ٨٣ .
زالت الشمس تفرّق ، فخذ حظّك من الحجامة قبل الزوال (١) .
٧٤ ـ عن المفضّل بن عمر ، قال : دخلت على الصادق عليهالسلام وهو يحتجم يوم الجمعة ، فقال : أو ليس تقرأ آية الكرسيّ ؟ ونهى الحجامة مع الزوال في يوم الجمعة (٢) .
٧٥ ـ عن أبي الحسن عليهالسلام قال : لا تدع الحجامة في سبع من حزيران ، فإن فاتك فالأربع عشرة (٣) .
٧٦ ـ عن الصادق عليهالسلام قال : اقرأ آية الكرسيّ واحتجم أيّ وقت شئت (٤) .
٧٧ ـ عن شعيب العقرقوفيّ قال : دخلت على أبي الحسن عليهالسلام وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس . فقلت إنّ هذا يوم يقول الناس من احتجم فيه فأصابه البرص فقال : إنّما يخاف ذلك على من حملته أمّه في حيضها (٥) .
٧٨ ـ عن الصادق عليهالسلام قال : إذا ثار بأحدكم (٦) الدم فليحتجم ، لا يتبيّغ به فيقتله . وإذا أراد أحدكم ذلك فليكن من آخر النهار (٧) .
٧٩ ـ من الفردوس عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الحجامة على الريق دواء ، وعلى الشبع داء ، وفي سبع وعشر من الشهر شفاء ، ويوم الثلاثاء صحّة للبدن ولقد أوصاني جبرئيل بالحجم حتّى ظننت أنّه لا بدّ منه (٨) .
٨٠ ـ وقال عليهالسلام : الحجامة يوم الثلثاء لسبع عشرة يمضي من الشهر دواء لداء سنة (٩) .
٨١ ـ وقال عليهالسلام : الحجامة في الرأس شفاء من سبع : من الجنون ، والجذام والبرص ، والنعاس ، ووجع الضرس ، وظلمة العين ، والصداع (١٠) .
٨٢ ـ وعنه عليهالسلام قال : الحجامة تزيد العقل وتزيد الحافظ حفظاً (١١) .
__________________
(١ ـ ٣) المكارم : ٨٣ وفيه « فلا ربع عشرة » .
(٤ و ٥) المصدر : ٨٤ .
(٦) فيه : اذا ثار الدم بأحدكم .
(٧ ـ ١١) المكارم : ٨٤ .
٨٣ ـ وعنه عليهالسلام قال : الحجامة في النقرة (١) تورث النسيان (٢) .
٨٤ ـ وعنه عليهالسلام قال : احتجم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في رأسه وبين كتفيه وقفاه وسمّى الواحدة « النافعة » : والاُخرى « المغيثة » والثالثة « المنقذة » .
وفي غير هذا الحديث : الّتي في الرأس المنقذة ، والّتي في النقرة المغيثة ، والّتي في الكاهل النافعة ، وروي : المغيثة (٣) .
٨٥ ـ وعن الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأشار بيده إلى رأسه ـ : عليكم بالمغيثة ، فانّها تنفع من الجنون والجذام والبرص والأكلة ووجع الأضراس . (٤)
٨٦ ـ عنه عليهالسلام قال : إذا بلغ الصبيُّ أربعة أشهر فاحتجموه في كلّ شهر مرّة في النقرة فإنّه يجفّف لعابه ويهبط بالحرّ من رأسه وجسده . (٥)
٨٧ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الداء ثلاث ، والدواء ثلاث . فالدّاء : المرّة والبلغم ، والدم . فدواء الدّم الحجامة ، ودواء المرّة المشي ، ودواء البلغم الحمّام . (٦)
عن معاوية بن حكم ، قال : إنّ أبا جعفر عليهالسلام دعا طبيبا ففصد عرقاً من بطن كفّه . (٧)
٨٩ ـ عن محسن الوشّاء قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام وجع الكبد فدعى بالفاصد ففصدني من قدمي وقال : اشربوا الكاشم لوجع الخاصرة . (٨)
٩٠ ـ روى عن الصادق عليهالسلام أنّه شكى إليه رجل الحكّة ، فقال : احتجم ثلاث مرّات في الرجلين جميعاً فيما بين العرقوب والكعب . ففعل الرجل ذلك ، فذهب عنه . وشكى إليه آخر فقال : احتجم في واحد عقبيك أو من الرجلين جميعاً ثلاث
__________________
(١) فيه : نقرة الرأس .
(٢ و ٣) المكارم : ٨٤ .
(٤ ـ ٨) المكارم : ٨٥ .
مرّات تبرء إنشاء الله . قال وشكى بعضهم إلى أبي الحسن عليهالسلام كثرة ما يصيبه من الجرب ، فقال : إنّ الجرب من بخار الكبد ، فاذهب وافتصد من قدمك اليمنى والزم أخذ درهمين من دهن اللوز الحلو على ماء الكشك ، واتّق الحيتان والخلّ . ففعل فبرىء بإذن الله . (١)
٩١ ـ عن المفضّل بن عمر ، قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام الجرب على جسدي والحرارة ، فقال : عليكم بالافتصاد من الأكحل ، ففعلت فذهب عنّي ، و الحمد لله شكراً . (٢)
٩٢ ـ وروي أنَّ رجلاً شكى إلى أبي عبد الله عليهالسلام الحكّة ، فقال له : شربت الدواء ؟ فقال : نعم ، فقال فصدتَ العرقَ ؟ فقال : نعم فلم أنتفع به ، فقال : احتجم ثلاث مرّات في الرجلين جميعاً فيما بين العرقوب والكعب . ففعل فذهب عنه . (٣)
بيان : في القاموس : غرّر بنفسه تغريراً وتغرّة ـ كتحلّة ـ عرَّضها للهلكة والاسم الغرر . وقال : النّقرة منقطع القَمحدُوة من القفا . وقال الإكلة ـ بالكسر ـ الحكّة ، كالأكال والأكلة كغراب وفرحة . وكفرحة داء في العضو يأتكل منه ـ انتهى ـ .
والمرّة ـ بالكسر وشدّ الرّاء ـ : تشمل السوداء والصفراء . وقال في النهاية : فيه « خير ما تداويتم به المشي » يقال : شربت مشيّاً ومشوّاً وهو الدّواء المسهل لأنّه يحمل شاربه على المشي والتردّد إلى الخلاء . وفي القاموس : العرقوب عصب غليظ فوق عقب الإنسان ـ انتهى ـ . والمراد بالكعب هنا الّذي بين الساق والقدم أو النابتين عن يمين القدم وشماله ، لا الّذي في ظهر القدم .
قوله عليهالسلام « في واحد عقبيك » لعلّ المعنى : احتجم على التناوب : مرّة في هذا ومرَّة في الاُخرى ، والمراد بالعقب الكعب بالمعنى الثاني مجازاً . وفي القاموس : الكشك ماء الشعير .
__________________
(١) المكارم : ٨٥ .
(٢ و ٣) المصدر : ٨٦ .
٩٣ ـ الكافي : عن عدّة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الحجامة في الرأس هي المغيثة تنفع من كلّ داء إلّا السام ، وشبر من الحاجبين إلى حيث بلغ إبهامه . ثمّ قال : ههنا . (١)
بيان : هي المغيثة ، أي يغيث المرء « وشبر من الحاجبين » أي من بين الحاجبين إلى حيث انتهت من مقدّم الرأس كما مرّ .
٩٤ ـ الكافي : عن الحسين بن محمّد ، عن المعلّى ، عن محمّد بن جمهور ، عن حمران قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : فيم يختلف الناس ؟ قلت : يزعمون أنّ الحجامة في يوم الثلثاء أصلح ، قال : فقال : وإلى ما يذهبون في ذلك ؟ قلت : يزعمون أنّه يوم الدم . قال فقال : صدقوا فأحرى أن لا يهيّجوه في يومه ، أما علموا أنّ في يوم الثلثاء ساعةً من وافقها لم يرق دمه حتّى يموت أو ما شاء الله ! (٣)
بيان : « يوم الدّم »أي يوم هيجانه ، أو يوم سفكه ، لما مرّ من أنّ المنجّمين ينسبونه إلى المرّيخ فيناسبه سفك الدم . والأخبار في ذلك مختلفة ، وقد مرّ في باب سعادة أيّام الاسبوع نقلاً عن ديوان أميرالمؤمنين عليهالسلام :
ومن يرد الحجامة فالثلثاء |
|
ففي ساعاته هرق الدماء . |
وإن شرب امرء يوماً دواء |
|
فنعم اليوم يوم الأربعاء |
ويمكن الجمع بينهما بحمل النهي على ساعة من ساعاته وهي الساعة المنسوبة إلى المرّيخ أيضاً وهي الساعة الثامنة ، وإن كان ظاهر الخبر عدم ارتكابه في جميع اليوم لإمكان مصادفته تلك الساعة ، إمّا لكون الساعة غير منضبطة ، أو لعدم المصلحة في بيانها ، فتأمّل .
قوله عليهالسلام « لم يرق دمه » أي لم يجفّ ولم يسكن ، وهو في الأصل مهموز
__________________
(١) روضة الكافي : ١٦٠ .
(٢) في المصدر : فقال لي : والى . . .
(٣) روضة الكافي : ١٩١ .
والظاهر أنّ المراد عدم انقطاع الدم حتّى يموت بكثرة سيلانه ، ويحتمل على بعد أن يكون المعنى سرعة ورود الموت عليه بسبب ذلك أي يموت في أثناء الحجامة . قوله عليهالسلام « أو ما شاء الله » أي من بلاء عظيم ومرض شديد يعسر علاجه ، ويمكن حمل هذا الخبر على التقيّة لورود مضمونه في روايات العامّة كما سيأتي إنشاء الله .
٩٥ ـ الكافي : عن عدّة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد عن رجل من الكوفيّين ، عن أبي عروة أخي شعيب ـ أو عن شعيب العقرقوفيّ ـ قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل عليهالسلام وهو يحتجم يوم الأربعاء في الحبس ، فقلت له : إنّ هذا يوم يقول الناس من احتجم فيه أصابه البرص ، فقال : إنّما يخاف ذلك على من حملته اُمّه في حيضها (١) .
بيان : « إنّما يخاف ذلك » أي البرص مطلقاً لا مع الحجامة في ذلك اليوم .
٩٦ ـ الكافي : عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوال ، فإنّ من احتجم مع الزوال في يوم الجمعة فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه (٢) .
٩٧ ـ ومنه : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن أبي سلمة ، عن معتب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الدواء أربعة : السعوط ، والحجامة والنورة . والحقنة (٣) .
٩٨ ـ ومنه : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن ثعلبة ، عن عمّار الساباطيّ ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما يقول من قبلكم في الحجامة قلت : يزعمون أنّها على الريق أفضل منها على الطعام قال : لا ، هي على الطعام أدرّ للعرق وأقوى للبدن (٤) .
__________________
(١ ـ ٣) روضة الكافي : ١٩٢ .
(٤) المصدر : ٢٧٣ .
٩٩ ـ ومنه : عن محمّد بن يحيى (١) عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اقرأ آية الكرسيّ واحتجم أيَّ يوم شئت ، وتصدّق واخرج أيَّ يوم شئت (٢) .
١٠٠ ـ ومنه : عن العدّة ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السمط ، قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : إذا بلغ الصبيّ أربعة أشهر فاحجمه في كلّ شهر في النقرة ، فإنّها تجفّف لعابه ، وتهبط الحرارة من رأسه وجسده (٣) .
١٠١ ـ ومنه : عن عليّ بن محمّد ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمّد بن الحسن المكفوف ، قال : حدّثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر من النصارى أنّ أبا محمّد عليهالسلام بعث (٤) إليه يوماً في وقت صلوة الظهر ، فقال لي : افصد هذا العرق ، قال : وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق الّتي تفصد . فقلت في نفسي ما رأيت أمراً أعجب من هذا ، يأمرني أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد ، والثانية عرق لا أفهمه ! ثمّ قال لي : انتظر وكن في الدار ، فلمّا أمسى دعاني وقال : سرّح الدم ، فسرّحت ، ثمّ قال لي : أمسك فأمسكت ، ثمّ قال لي : كن في الدار ، فلمّا كان نصف الليل أرسل إليّ وقال لي : سرّح الدم ، قال فتعجّبت أكثر من عجبي الأوّل وكرهت أن أسأله . قال : فسرّحت ، فخرج دم أبيض كأنّه الملح . قال : ثمّ قال لي : احبس ، قال : فحبست قال : ثمّ قال : كن في الدار ، فلمّا أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير ، فأخذتها وخرجت حتّى أتيت ابن بختيشوع النصرانّي ، فقصصت عليه القصّة . قال : فقال لي : والله ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شيء من الطبّ ولا قرأته في كتاب ، ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانيّة من فلان الفارسيّ فاخرج إليه . قال : فاكتريت
__________________
(١) في المصدر : عن محمد بن يحيى عن ابن محبوب .
(٢) روضة الكافي : ٢٧٣ .
(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٣ .
(٤) في المصدر : الى .
زورقاً إلى البصرة وأتيت الأهواز ثمّ صرت إلى فارس إلى صاحبي ، فأخبرته الخبر قال : فقال لي : أنظرني أيّاماً ، فأنظرته ثمّ أتيته متقاضياً ، قال : فقال لي : إنّ هذا الّذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرّة (١) .
١٠٢ ـ الخرائج : قال : حدّث (٢) نصرانيّ ، متطبّب بالريّ ـ وقد أتى عليه مائة سنة ونيّف ـ وقال : كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكّل ، وكان يصطفيني فبعث إليه الحسن (٣) بن عليّ بن محمّد بن الرضا عليهم السلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده ، فاختارني وقال : قد طلب منّي ابن (٤) الرضا من يفصده ، فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا ممّن (٥) هو تحت السماۤء ، فاحذر أن لا تعترض فيما يأمرك به . فمضيت إليه فأمر بي (٦) إلى حجرة وقال : كن (٧) إلى أن أطلبك . قال : وكان الوقت الّذي دخلت إليه فيه عندي جيّداً محموداً للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود (٨) له ، وأحضر طشتاً عظيماً ، ففصدت الأكحل ، فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطّشت . ثمّ قال لي : اقطع (٩) ، فقطعت وغسل يده وشدّها (١٠) وردّني إلى الحجرة ، وقدّم من الطعام الحارّ و البارد شيء كثير وبقيت إلى العصر ، ثمّ دعاني فقال : سرّح ، ودعا بذلك الطشت ،
__________________
(١) الكافي : ج ١ ، ص ٥١٢ ، ٥١٣ .
(٢) في المصدر : حدث فطرس رجل متطبب قد اتى عليه مائة سنة ونيف فقال كنت تلميذ بختيوش طبيب المتوكل .
(٣) فيه : الحسن العسكري .
(٤) فيه : الحسن .
(٥) فيه : بمن تحت السماء فاحذر ان تتعرض عليه فيما يأمرك به .
(٦) فيه وفي بعض نسخ الكتاب : امرني .
(٧) فيه : كن ههنا الى ان اطلبك .
(٨) غير محمود واحضر طستا كبيراً عظيماً .
(٩) في المصدر : اقطع الدم .
(١٠) فيه : شده .
فسرَّحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت ، فقال : اقطع ، فقطعت وشدّ يده وردّني إلى الحجرة فبتُّ فيها ، فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال : (١) سرِّح ، فسرَّحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت ثمّ قال : اقطع فقطعت وشدّ يده ، وقدَّم (٢) إليّ تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال : خذ هذا واعذر وانصرف ، فأخذت (٣) وقلت : يأمرني السيّد بخدمة ؟ قال : نعم ، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول .
فصرت إلى بختيشوع وقلت له القّصة ، فقال : أجمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان (٤) سبعة أمنان من الدم ، وهذا الّذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً (٥) ، وأعجب ما فيه اللبن ! ففكّر ساعة ثمّ مكثنا (٦) ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه الفصدة ذكراً في العالم فلم نجد . ثمّ قال : لم يبق اليوم في النصرانيّة أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى .
فخرجت وناديته ، فأشرف عليَّ فقال : من أنت ؟ قلت : صاحب بختيشوع . قال : معك كتابه ؟ قلت : نعم ، فأرخى لي زنبيلاً (٧) فجعلت الكتاب فيه ، فرفعه وقرأ الكتاب ونزل من ساعته . فقال : أنت الّذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم ، قال طوبى
__________________
(١) فيه : فقال .
(٢) فيه : « ويقدم لي بنجب وثياب » وهو تصحيف .
(٣) فيه : فاخذت ذلك .
(٤) فيه : من الدم سبعة امنان .
(٥) فيه : عجيباً .
(٦) فيه : ثم مكث ثلاثة ايام يقرأ الكتب : على ان يجد من هذه القصة ذكراً في العالم فلم يجد .
(٧) في المصدر « زبيلا » . قال : في القاموس : الزبيل كامير وسكين وقد يفتح : القفة او الجراب او الوعاء .
لاُمّك ! وركب بغلاً وسرنا فوافينا سرَّ من رأى وقد بقي من اللّيل ثلثه ، قلت : أين تحبّ ؟ دار اُستاذنا أم دار الرجل ؟ قال دار الرجل ، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأوّل (١) .
ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال : أيّكما راهب (٢) دير العاقول ؟ فقال (٣) : أنا ، جعلت فداك . فقال : انزل ، وقال لي الخادم : احتفظ بالبغلين (٤) ، وأخذ بيده ودخلا .
فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ، ثمّ خرج الراهب وقد رمى ثياب النصرانيّة (٥) ولبس ثياب بياض وأسلم (٦) . فقال : خذ بي إلى دار اُستاذك ، فصرنا إلى باب بختيشوع ، فلمّا رآه بادر يعدو (٧) إليه ، فقال : ما الّذي أزالك عن دينك ؟ قال : وجدت المسيح فأسلمت على يده . قال : وجدت المسيح ؟! قال : (٨) ونظيره فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلّا المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثمّ انصرف (٩) إليه ولزم خدمته إلى أن مات .
١٠٣ ـ الدعائم : عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : لا بأس بالحقنة لو لا أنّها تعظم البطن .
١٠٤ ـ وعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من احتجم يوم أربعاء أو يوم سبت وأصابه
__________________
(١) ليس في المصدر كلمة « الاول » .
(٢) فيه : صاحب .
(٣) فيه : فقال الراهب .
(٤) فيه : احفظ البغلين .
(٥) فيه : ثياب الرهابين .
(٦) فيه : وقد اسلم وقال خذ بي الان الى دار استادك .
(٧) فيه : يغدو .
(٨) فيه : « قال نعم او نظيره » والظاهر انه هو الصواب .
(٩) في المصدر : الى الامام .
وضح فلا يلم إلّا نفسه . والحجامة في الرأس شفاء من كلّ داء . والدواء في أربعة : الحجامة والحقنة . والنورة ، والقيء ، فإذا تبيّغ الدم بأحدكم فليحتجم في أيّ الأيّام كان ، وليقرأ آية الكرسيّ وليستخر الله ويصلّي على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
١٠٥ ـ وقال : لا تعادوا الأيّام فتعاديكم ، وإذا تبيّغ الدم بأحدكم فليهرقه ولو بمشقص .
قوله « تبيّغ » يعني تبغّى من البغي .
١٠٦ ـ الفردوس : عن الحسين بن عليّ عليهماالسلام قال : في الجمعة ساعة لا يوافقها رجل يحتجم فيها إلّا مات .
١٠٧ ـ وعن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : في الحجم شفاء .
فوائد
الاولى : روى الخطابيّ في كتاب « أعلام الحديث » باسناده عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « الشفاء في ثلاثة : شربة عسل ، وشرطة محجم ، وكيّة بنار . وأنهى أمّتي عن الكيّ » . وقال : هذه القسمة في التداوي منتظمة جملة ما يتداوى به الناس .
وذلك أنّ الحجم يستفرغ الدم ، وهو أعظم الأخلاط وأنجحها شفاءً عند الحاجة إليه ، والعسل مسهل وقد يدخل أيضاً في المعجونات المسهلة ليحفظ على تلك الأدوية قواها فيسهل الأخلاط الّتي في البدن ، وأمّا الكيُّ إنّما (١) هو للداء العضال والخلط الباغي الّذي لا يقدر على حسم مادّته إلّا به ، وقد وصفه النبيُّ صلىاللهعليهوآله ثمّ نهى عنه نهي كراهة ، لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم ، ولذلك قالت العرب في أمثالها « آخر الدواء الكيّ » وقد كوى صلىاللهعليهوآله سعد بن معاذ على الكحلة ، واكتوى غير واحد من الصحابة بعد .
__________________
(١) فانما ( ظ ) .
وقال ابن حجر في فتح الباري : لم يرد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الحصر في الثلاثة ، فإنّ الشفاء قد يكون في غيرها ، وإنّما نبّه على اُصول العلاج وذلك أنّ الأمراض الامتلائيّة تكون دمويّة ، وصفراويّة ، وبلغميّة ، وسوداويّة . وشفاء الدمويّة بإخراج الدم وإنّما خصّ الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب واُلفتهم له بخلاف الفصد ، وإن كان في معنى الحجم لكنّه لم يكن معهوداً لها غالباً على أنّ في التعبير بقوله « شرطة محجم » ما قد يتناول الفصد أيضاً ، فالحجم في البلاد الحارّة أنجح من الفصد ، والفصد في الباردة أنجح من الحجم .
وأمّا الامتلاۤء الصفراويّ وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل ، وقد نبّه عليه بذكر العسل . وأمّا الكيّ فإنّه يقع أخيراً لإخراج ما يتعسّر إخراجه من الفضلات ، وما نهى عنه مع إثبات الشفاء فيه إمّا لكونهم كانوا يرون أنّه يحسم الداء بطبعه وكرهه لذلك ، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء ، لظنّهم أنّه يحسم الداء فيتعجّل الّذي يكتوى التعذيب بالنار لأمر مظنون ، وقد لا يتّفق أن يقع له ذلك المرض الّذي يقطعه الكيّ . ويؤخذ من الجمع بين كراهيته صلىاللهعليهوآلهوسلم للكيّ وبين استعماله أنّه لا يترك مطلقاً ولا يستعمل مطلقاً ، بل يستعمل عند تعيّنه طريقاً إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أنّ الشفاء بإذن الله تعالى .
وقد قيل : إنّ المراد بالشفاء في هذا الحديث الشفاء من أحد قسمي المرض ، لأنّ الأمراض كلّها إمّا ماديّة أو غيرها ، والمادّة كما تقدّم حارّة أو باردة ، وكلٌّ منهما وإن انقسم إلى رطبة ويابسة ومركّبة فالأصل الحرارة والبرودة ، فالحارّ يعالج بإخراج الدم ، لما فيه من استفراغ المادّة وتبريد المزاج ، والبارد بتناول العسل لما فيه من التسخين والإنضاج والتقطيع والتلطيف والجلاء والتليين ، فيحصل بذلك استفراغ المادّة برفق ، وأمّا الكيّ فخاصٌّ بالمرض المزمن ، لأنّه يكون عن مادّة باردة قد تغير مزاج العضو ، فإذا كوي خرجت منه وأمّا الأمراض الّتي ليست بمادّية فقد أشير إلى علاجها بحديث « الحمّى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء » انتهى .
وقال الجزريّ في
النهاية : الكيّ بالنار من العلاج المعروف في كثير من الأمراض
وقد جاء في أحاديث كثيرة النهي عن الكيّ ، فقيل : إنّما نهي عنه من أجل أنّهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنّه يحسم الداء ، وإذا لم يُكوَ العضو عطب وبطل . فنهاهم إذا كان على هذا الوجه ، وأباحه إذا جعل سبباً للشفاء لا علّة له ، فإنّ الله تعالى هو الّذي يبرئه ويشفيه لا الكيّ والدواء ، وهذا أمر تكثر فيه شكوك الناس ، يقولون : لو شرب الدواء لم يمت ، ولو أقام ببلده لم يقتل ، وقيل : يحتمل أن يكون نهيه عن الكيّ إذا استعمل على سبيل الاحتراز من حدوث المرض وقبل الحاجة إليه ، وذلك مكروه ، وإنّما أبيح للتداوي والعلاج عند الحاجة ، ويجوز أن يكون النهي عنه من قبيل التوكّل ، كقوله « هم الّذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربّهم يتوكّلون » والتوكّل درجة اُخرى غير الجواز ، والله أعلم .
الثانية : روى الخطابي أيضاً عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة حجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحبّ أن أكتوي .
ثمّ قال : الطبّ على نوعين : الطبّ القياسيّ ، وهو طبّ اليونانيّين الّذي يستعمله أكثر الناس في أوسط بلدان أقاليم الأرض ، وطبّ العرب والهند . وهو الطبّ التجاربيّ .
وإذا تأمّلت أكثر ما يصفه النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من الدواء إنّما هو على مذهب العرب إلّا ما خّص به من العلم النبويّ الّذي طريقه الوحي ، فإنّ ذلك فوق كلّ ما يدركه الأطبّاء أو يحيط به حكمة الحكماء والألبّاء ، وقد يكون بعض تلك الأشفية من ناحية التبرّك بدعائه وتعويذه ونفثه ، وكلّ ما قاله من ذلك وفعل صواب ، وحسن جميل ، يعصمه الله أن يقول إلّا صدقاً وأن يفعل إلّا حقّاً ـ انتهى ـ .
وقد أومأنا إلى علّة
تخصيص الحجامة في أكثر الأخبار بالذكر وعدم التعرّض للفصد فيها ، لكون الحجامة في تلك البلاد أنفع وأنجح من الفصد ، وإنّما ذكر الفصد في بعض الأخبار عن بعضهم عليهمالسلام بعد تحوّلهم عن بلاد الحجاز إلى البلاد
الّتي الفصد
فيها أوفق وأليق .
قال الموفّق البغداديّ : الحجامة تنقّي سطح البدن أكثر من الفصد ، والفصد لأعماق البدن والحجامة للصبيان وفي البلاد الحارّة أولى من الفصد ، وآمن غائلة ، وقد يغني عن كثير من الأدوية ، ولهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد ، لأنّ العرب غالباً ما كانت تعرف إلّا الحجامة .
وقال صاحب الهداية : التحقيق في أمر الفصد والحجامة أنّهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والمزاج ، فالحجامة في الأزمان الحارّة والأمكنة الحارّة والأبدان الحارّة الّتي دم أصحابها في غاية النضج أنفع ، والفصد بالعكس ، ولهذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ، ولمن لا يقوى على الفصد .
والثالثة : ظهر من الأخبار المتقدّمة رجحان الحجامة يوم الخميس والأحد بلا معارض ، وأكثر الأخبار تدلّ على رجحانه في يوم الثلثاء لا سيّما إذا صادف بعض الأيّام المخصوصة من الشهور العربيّة أو الرومية ، ويعارضه بعض الأخبار . ويظهر من أكثر الأخبار رجحان الحجامة يوم الاثنين ، ويعارضه ما مرّ من شؤمه مطلقاً في أخبار كثيرة ، وتوهّم التقيّة لتبرّك المخالفين به في أكثر الأمور . وأمّا الأربعاء فأكثر الأخبار تدلّ على مرجوحيّة الحجامة فيها ، ويعارضها بعض الأخبار ، ويمكن حملها على الضرورة . والسبت أيضاً الأخبار فيه متعارضة ، ولعلّ الرجحان أقوى . و كذا الجمعة ، ولعلّ المنع فيه أقوى . ثمّ جميع ذلك إنّما هو مع عدم الضرورة ، فأمّا معها يجوز (١) في أيّ وقت كان لا سيّما إذا قرأ آية الكرسيّ .
وهل الفصد حكمه حكم الحجامة ؟ يحتمل ذلك ، لكنّ الظاهر الاختصاص بالفصد .
وقال الشهيد ـ رحمه الله ـ في الدروس : يستحبّ الحجامة في الرأس ، فإنّ فيها شفاءً من كلّ داء ، وتكره الحجامة في الأربعاء والسبت خوفاً من الوضح ، إلّا أن يتبيّغ به الدم أي يهيج ، فيحتجم متى شاء ويقرأ آية الكرسيّ ويستخير الله ويصلّي
__________________
(١) فيجوز ( ظ ) .
على النبيّ وآله . وروي أنّ الدواء في الحجامة والنورة والحقنة والقيء . وروي مداواة الحمّى بصبّ الماء ، فإن شقَّ فليدخل يده في ماء بارد ـ انتهى ـ .
وقال في فتح الباري : عند الأطبّاء أنّ أنفع الحجامة ما يقع في السّاعة الثانية أو الثالثة ، وأن لا تقع عقيب استفراغ عن حمّام أو جماع أو غيرهما ، ولا عقيب شبع ولا جوع وقد وقع في تعيين أيّام الحجامة حديث لابن عمر في أثناء حديث « فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس ، واحتجموا يوم الاثنين والثلثاء ، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاۤء والجمعة والسبت والأحد » ونقل الحلال عن أحمد أنّه كره الحجامة في الأيّام المذكورة ، و إن كان الحديث لم يثبت .
وحكي أنّ رجلاً احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لتهاونه بالحديث وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنّه كان يكره الحجامة يوم الثلثاء ، وقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يوم الثلثاء يوم الدم ، وفيه ساعة لا يرقا فيها .
وورد في عدد من الشهر أحاديث ، منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه « من احتجم بسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاءً لكلّ داء » وقد اتّفق الأطبّاء على أنّ الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثمّ في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوّله وآخره . وقال الموفّق البغداديّ ، وذلك أنّ الأخلاط في أوّل الشهر تهيج .
٥٥
( باب الحمية )
١ ـ معاني الاخبار والعيون : عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن أحمد ، عن إسماعيل الخراسانيّ ، عن الرضا عليهالسلام قال : ليس الحمية من الشيء تركه . إنّما الحمية من الشيء الإقلال منه (١) .
٢ ـ العلل : عن محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن اُورمة ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن الفيض ، قال : قلت : جعلت فداك ، يمرض منّا المريض فيأمره المعالجون بالحمية قال : لا ، ولكنّا (٢) أهل البيت لا نتحمّى إلّا من التمر ، ونتداوى بالتفّاح والماء البارد . قال قلت : ولم تحتمون من التمر ؟ قال لأنّ نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حمى عليّاً عليه السلام منه في مرضه (٣) .
الكافي : عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الرحمان بن حمّاد ، عن محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن الفيض ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : يمرض منّا المريض ـ وذكر مثله ـ (٤) .
الطب : عن إسحاق بن يوسف ، عن محمّد بن الفيض مثله ، وزاد في آخره : و قال : لا يضرّ المريض ما حميت عنه الطعام (٥) .
__________________
(١) معاني الاخبار : ٢٣٨ ، العيون : ج ١ ، ص ٣٠٩ .
(٢) في الكافي : فقال : لكنا .
(٣) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ١٤٩ .
(٤) روضة الكافي : ٢٩١ .
(٥) الطب : ٥٩ .