إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

(الفصل الثالث)

في ذكر طرف مما ظهر منه من المعجزات

والأخبار بالغائبات

ما روي من آيات الله الظاهرة على يده والمعجزات المؤيّدة له ، الدالّة على بطلان قول من ادّعى الإمامة لغيره كثيرة ، نحن نذكر منها ما اشتهرت به الرواية فمن ذلك :

ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب (نوادر الحكمة) بإسناده ، عن عائذ بن نباتة الأحمسيّ قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام وأنا اُريد أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت ، فقلت : السلام عليك يا ابن رسول الله.

فقال : «أجل والله أنا ولده ، وما نحن بذي قرابة ، من أتي الله بالصلوات الخمس المفروضات لم يُسئل عمّا سوى ذلك » فاكتفيت بذلك (١).

وعنه ، بإسناده ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن مهزم قال : كنّا نزولاً بالمدينة ، وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني ، وإنّي أتيت الباب فاستفتحت ففتحت الجارية فغمزت ثديها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فقال لي : «يا مهزم ، أين كان أقصى أثرك اليوم؟» (٢)

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٥ ، كشف الغمة ٢ : ١٩٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٥٠ |٢٠٧.

(٢) قال العلامة المجلسي رحمه‌الله في البحار (٤٧ : ١٥٠ | ٢٠٧) تعليقاً على هذا القول :

٥٢١

فقلت له : «ما برحت المسجد».

فقال عليه‌السلام : «أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلآ بالورع » (١).

وروى غيره عن أبي بصير قال : دخلت المدينة وكانت معي جويرة لي فاصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى أبي عبدالله عليه‌السلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه ، فمشيت معهم حتّى دخلت الدار معهم ، فلمّا مثلت بين يدي أبي عبدالله عليه‌السلام نظر إليّ ثمّ قال لي : «يا أبا بصير ، أما علمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب؟» فاستحييت وقلت : يا ابن رسول الله إنّي لقيت أصحابنا فخفت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود إلى مثلها ، وخرجت (٢).

ومن كتاب (نوادر الحكمة) : عن محمد بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : دخل شعيب العقرقوفي على أبي عبدالله عليه‌السلام ومعه صرّة فيها دنانير فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : « أزكاة أم صلة؟ »

فسكت ثمّ قال : زكاة وصلة.

قال : «فلا حاجة لنا في الزكاة».

__________________

=

لعل المعنى : أين كان في الليل اقصى اثرك ، ومنتهى عملك في هذا اليوم ، من التقوى والعبادة ، أو أين كان اليوم آخر فعلك البارحة ، ومهزم لم يفهم كلامه عليه‌السلام إلآ بعد إتمامه.

ويحتمل أن يكون قوله اقصى اثرك سؤالاً عن فعله في هذا اليوم ثم أشار إلى ما فعله في الليلة الماضية بقوله : أما تعلم.

(١) بصائر الدرجات : ٢٦٣ | ٢ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٦ ، دلائل الامامة : ١١٦ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ٧٢| ٣١.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٨٥ ، روضة الواعظين : ٢٠٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٦ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٩.

٥٢٢

قال : فقبض أبو عبدالله عليه‌السلام قبضة فدفعها إليه ، فلمّا خرج قال أبو بصير : قلت له : كم كانت الزكاة من هذه؟ قال : بقدر ما أعطاني ، والله لم يزد حبّة ولم ينقص حبّة(١).

وعن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قاِل : خرجت إلى قبا(٢) لأشتري نخلاً فلقيته وقد دخل المدينة فقال : «أين تريد؟»

فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً.

فقال : «أوقد أمنتم الجراد؟ ».

فقلت : لا والله لا أشتري نخلة ، فوالله ما لبثنا إلاّ خمساً حتّى جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً (٣).

علي بن الحكم ، عن عروة بن موسى الجعفي قال : قال لنا يوماً ونحن نتحدّث : «الساعة انفقأت عين هشام في قبره ».

قلنا : ومتى مات؟

قال : « اليوم الثالث ».

قال : فحسبنا موته وسألنا عنه فكان كذلك (٤).

أحمد بن محمد ، عن محمد بن فضيل ، عن شهاب بن عبدربه قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : «كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟».

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٧ ٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ٠ ٥ ١ |٥ ٠ ٢.

(٢) قبا : اسم بئر هناك عرفت القرية بها ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الانصار ، وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة. «معجم البلدان ٤ : ٣٠٢».

(٣) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٨ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٣١ | ١٨٠.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٦ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٥١ | ذيل حديث ٢٠٧.

٥٢٣

قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان ، ولا علمت من هو؟ قال : ثمّ كثر مالي وعرضت تجارتي بالكوفة والبصرة ، فإني يوماً بالبصرة عند محمد ابن سليمان وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً وقال لي : يا شهاب ، أعظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد ، قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة ، فخرجت فاتيت منزلي وجعلت أبكي على أبي عبدالله عليه‌السلام (١).

وروىَ عليّ بن إِسماعيل بن عمّار ، عن إِسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام إنّ لنا أموالاً ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا.

قال : فقال : «إجمع مالك في كلّ شهر ربيع ».

قال عليّ بن إسماعيل : فمات إسحاق في شهر ربيع (٢).

وأحمد بن قابوس ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دخل عليه قوم من أهل خراسان فقال إبتداء من غير مسألة : «من جمع مالاً من مهاوش (٣) أذهبه الله في نهابر»(٤).

فقالوا له : جعلنا الله فداك لا نفهم هذا الكلام.

فقال عليه‌السلام : «از باد آيد به دم بشود»(٥) (٦).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٢ ، دلاثل الامامة : ١٣٨ ، رجال الكشي ٢ : ١٧٢ | ٧٨١ ، وباختلاف يسير في : بحار الأنوار ٤٧ : ١٥٠ | ٢٠٥.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٠٩ | ٧٦٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٤٣ ، كشف الغمة ٢ : ١٩٧ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٤٠ | ١٩٠

(٣) مهاوش : ما غُصب وسُرق «القاموس المحيط ٢ : ٤ ٢٩)).

(٤) النهابر : المهالك. «القاموس المحيط ٢ : ١٥١ ».

(٥) كلام بالفارسية معناه ان الذي يأتي به الهواء يذهب به النسيم.

(٦) بصائر الدرجات ٣٥٦ : ١٤ ، المناقب لابن شهراشوب ٤ : ٢١٨ ، ونقله المجلسي في

=

٥٢٤

وروي : أنّ داود بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس قتل المعلّى بن خنيس ـ مولى الصادق عليه‌السلام ـ وأخذ ماله ، فدخل عليه وهو يجرّ رداءه فقال له : «قتلت مولاي وأخذت ماله ، أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ، أما والله لأدعونّ الله عليك ».

فقال له داود : تهددنا بدعائك. كالمستهزئ بقوله.

فرجع أبو عبدالله عليه‌السلام إلى داره ، ولم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً حتّى إذا كان السحر سُمع وهو يقول في مناجاته : «يا ذا القوّة القولّة ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزّة التي كلّ خلقك لها ذليل اكفني. هذا الطاغية ، وانتقم لي منه ».

فما كان إلاّ ساعة حتّى ارتفعت الأصوات بالصّياح وقيل : قد مات داود ابن عليّ الساعة(١).

واشتهر في الرواية : أن المنصور أمر الربيع بإحضار أبي عبدالله عليه‌السلام ، فاحضره ، فلمّا بصر به قال : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل؟

فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : «والله ما فعلت ولا أردت ، فإن كان بلغك فمن كاذب ، ولو كنت فعلت لقد ظُلم يوسف فغفر وابتُلي أيّوب فصبر واُعطي سليمان فشكر ، فهؤلاء أنبياء الله تعالى وإليهم يرجع نسبك ».

فقال له المنصور : أجل ارتفع هاهنا ، فارتفع فقال له : ان فلان بن فلان

__________________

=

بحار الأنوار ٤٧ : ٨٤ | ٧٨.

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٨٤ ، روضة الواعظين : ٢٠٩ ، ومختصراً في : الفصول المهمة : ٢٢٦ ، وباختلاف في ذيل الحديث في : المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٣٠ ، ونحوه في : الكافي٢ : ٣٧٢ | ٥.

٥٢٥

أخبرني عنك بما ذكرت.

فقال : «أحضره يا أمير المؤمنين ليواقفني على ذلك ».

فأحضر الرجل المذكور ، فقال له المنصور : أنت سمعت ما حكيت عن جعفر؟.

قال : نعم.

قال له أبو عبدالله عليه‌السلام : «فاستحلفه على ذلك ».

فقال له المنصور : أتحلف؟

قال : نعم. فابتدأ باليمين.

فقال أبو عبدالله : «دعني يا أمير المؤمنين اُحلِّفه أنا».

فقال له : افعل.

فقال أبو عبدالله عليه‌السلام للساعي : «قل : برئت من حول اللهّ وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي لقد فعل كذا وكذا جعفر».

فامتنع منها هنيهة ثمّ حلف بها ، فما برح حتّى اضطرب برجله ، فقال أبو جعفر : جرّوا برجله ، فاخرجوه لعنه الله (١).

قال الربيع : وكنت رأيت جعفر بن محمد عليه‌السلام حين دخل على المنصور يحرّك شفتيه ، فكلّما حرّكهما سكن غضب المنصور حتّى أدناه منه ورضي عنه ، فلمّا خرج أبو عبدالله عليه‌السلام من عند أبي جعفر اتبعته فقلت له : إنّ هذا الرجل كان أشدّ الناس غضباً عليك ، فلمّا دخلت عليه وحرّكت شفتيك سكن غضبه ، فبأيّ شيء كنت تحركهما؟

قال : «بدعاء جدّي الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ».

فقلت : جعلت فداك ، وما هذا الدعاء؟

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٨٣ ، روضة الواعظين : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٨

٥٢٦

قال : «يا عدّتي عند شدّتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لايرام ».

قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء ، فما نزلت بي شدّة قطّ فدعوت بهإ لاّ فرّج الله عنّي.

قال : وقلت لجعفر بن محمد : لم منعت الساعي أن يحلف بالله تعالى؟

قال : «كرهت أن يراه الله تعالى يوحّده ويمجّده فيحلم عنه ويؤخّر عقوبته ، فاستحلفته بما سمعت فاخذه الله أخذة رابية (١) » (٢).

وأمثال ما ذكرناه من الأخبار في آياته ودلالته وإخباره بالغيوب كثيرة يطول تعداده

فمن ذلك : ما أورده أبو الفرج عليّ بن الحسين الاصفهاني في كتاب (مقاتل الطالبيّين ) : ورواه بالأسانيد المتّصلة عن رجاله : أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء ، منهم : إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبدالله بن عبّاس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن عليّ ، وعبدالله بن الحسن بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ، فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي ، فهلمّ نبايعه ، فقال أبو جعفر : لأي شيء تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصوَر(٣) أعناقاً ولا أسرع إجابة

__________________

(١) أخذة رابية : أي أخذة تزيد على الأخذات. «لسان العرب ١٤ : ٣٠٥».

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٨٤ ، روضة الواعظين : ٢٠٩ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٨ ، وباختلاف يسير في الفصول المهمة : ٢٢٥ ، وباختصار في : تذكرة الخواص : ٣٠٩ ، وكفاية الطالب : ٤٥٥.

(٣) أصوَر : أميل. «اُنظر الصحاح ـ صور ـ ٢ : ٧١٦».

٥٢٧

منهم إلى هذا الفتى ـ يريد به محمد بن عبدالله ـ. فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يده.

وأرسل إلى جعفر بن محمد بن عليّ الصادق عليهم‌السلام فجاء وأوسع له عبدالله بن الحسن إلى جنبه ثمّ تكلّم بمثل كلامه فقال جعفر : «لاتفعلوا ، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى ـ يعني عبدالله ـ أنّ ابنك هذا هو المهديّ فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر».

فغضب عبدالله وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ووالله ما اطلعك الله على غيبه ولكنّه يحملك على هذا الحسد لابني.

فقال : «والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وابناؤهم دونكم » وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس ، ثمّ ضرب بيده على كتف عبدالله بن الحسن وقال : «إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ، وإنّ ابنيك لمقتولان » ثمّ نهض وتوكّأ على يد عبدالعزيز بن عمران الزهريّ فقال : «أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟» يعني أبا جعفر.

فقال له : نعم.

فقال : «أنّا والله نجده يقتله ».

قال له عبدالعزيز : أيقتل محمداً؟

قال : « نعم ».

قال : فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة ، قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتّى رأيته قتلهما.

قال : فلمّا قال جعفر ذلك نهض القوم فافترقوا وتبعه عبدالصمد وأبو جعفر فقالا : يا ابا عبدالله أتقول هذا؟

٥٢٨

قال : «نعم ، أقر له والله وأعلمه ».

قال أبو الفرج : وحدّثني علي بن العبّاس قال : أخبرنا بكار بن أحمد قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن عنبسة بن بجاد العابد قال : كان جعفر ابن محمد إذا رأى محمد بن عبدالله تغرغرت عيناه وقال : «بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون فيه إنّه المهديّ وإنّه لمقتول ، ليس في كتاب عليّ من خلفاء هذه الاُمّة» (١).

ومن ذلك : ما رواه صاحب كتاب (نوادر الحكمة) : عن أحمد بن أبي عبداللهّ ، عن أبي محمد الحميري ، عن الوليد بن العلاء بن سيابة ، عن زكار ابن أبي زكار الواسطي قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام إذ أقبل رجل فسلّم ثمّ قبّل رأس أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فمسّ أبو عبدالله ثيابه وقال : «ما رأيت كاليوم ثياباً أشدّ بياضاً ولا أحسن منها».

فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه.

قال : فقال : «يا معتّب اقبضها منه ».

ثمّ خرج الرجل فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : «صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان » ثمّ قال : «يا معتّب ، ألحقه فسله ما اسمه؟» ثمّ قال لي : «إن كان عبدالرحمن فهو والله هو».

قال : فرجع معتب فقال : قال : اسمي عبدالرحمن.

قال زكار بن أبي زكار : فمكثت زماناً ، فلمّا ولي ولد العبّاس نظرت إليه وهو يعطي الجند فقلت لأصحابه : من هذا الرجل؟ فقالوا : هذا

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٢٠٦.

٥٢٩

عبد الرحمن ، أبو مسلم (١).

ـ وذكر ابن جمهور العمّي في كتاب (الواحدة) قال : حدّث أصحابنا : أنّ محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن قال لأبي عبدالله : والله إنّي لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك.

فقال : «أمّا ما قلت : إنّك أعلم منّي ، فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده فسمّهم لي ، وإن أحببت أن اُسمّهم لك إلى آدم فعلت.

وأما ما قلت : إنّك أسخى منّي ، فوالله ما بتّ ليلة ولله عليّ حقّ يطالبني به.

وأما ما قلت : إنّك أشجع منّي فكأني أرى رأسك وقد جيءَ به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا».

قال : فصار إلى أبيه فقال : يا أبه كلّمت جعفر بن محمد بكذا فردّ عليّ كذا فقال أبوه : يا بنيّ آجرني الله فيك ، إنّ جعفراً أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير(٢).

ومن الأخبار الصريحة الدالة على إمامته :

ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن جماعة من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجلٌ صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك.

فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : «كلامك هذا من كلام رسول الله

____________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ٢٧٤ | ١٥.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٢٨ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ٢٧٥ | ١٥.

٥٣٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من عندك؟»

فقال : من كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضه ومن عندي بعضه.

فقال له أبو عبدالله : «فأنت شريك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟»

قال : لا.

قال : «فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك؟»

قال : لا.

قال : «فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟»

قال : لا.

فالتفت أبو عبدالله عليه‌السلام إليّ فقال : «يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم » ثمّ قال : «يا يونس ، لو كنت تحسن الكلام كلّمته ».

قال يونس : فيا لها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ، يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله؟

فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّما قلت : ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون ».

ثمّ قال : «اُخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فادخله ».

قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ ومحمد بن النعمان الأحول ـ وكان متكلّماً ـ وهشام بن سالم وقيس الماصرـ وكانا متكلّمين ـ فأدخلتهم عليه ، فلمّا استقرّ بنا المجلس ـ وكنّا في خيمة

٥٣١

لأبي عبدالله على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل الحجّ بأيّام ـ أخرج أبو عبدالله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ (١) فقال : «هشام وربّ الكعبة».

قال : فظنّنا أنّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل كان شديد المحبّة لأبي عبدالله عليه‌السلام ، فإذا هو هشام بن الحكم قد ورد ـ وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّاً منه ـ فوسّع له أبو عبدالله عليه‌السلام وقال : «هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ثمّ قال لحمران : «كلّم الرجل » ـ يعني الشامي ـ فكلّمه حمران فظهر عليه.

ثمّ قال : « يا طاقي ، كلمه » فكلمه فظهرعليه محمد بن النعمان.

ثمّ قال : «يا هشام بن سالم كلّمه » فتعارفا.

ثمّ قال لقيس الماصر : لأكلّمه » فكلّمه.

وأقبل أبو عبدالله عليه‌السلام يتبسّم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ، ثمّ قال للشامي : «كلّم هذا الغلام» يعني هشام بن الحكم.

فقال : نعم.

ثمّ قال الشامي لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ـ يعني أبا عبدالله عليه‌السلام ـ فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثم قال له : خبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم؟

قال : بل ربّي أنظر لخلقه.

قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟

قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم.

__________________

(١) الخبب : ضرب من العدو. «الصحاح ـ خبب ـ ١ : ١١٧ ».

٥٣٢

فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟

قال الشامي : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال له هشام : فبعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من؟

قال : الكتاب والسنّة.

قال له هشام : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف ويمكّنا من الاتّفاق؟

قال الشامي : نعم.

قال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقر بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين؟

فسكت الشامي كالمفكر ، فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : «ما لك لاتتكلّم؟»

قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك.

فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام : «سله تجده مليّاً».

فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسَهم؟

قال هشام : بل ربّهم أنظر لهم.

فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع إختلافهم ويبيّن لهم حقّهم من باطلهم؟

قال هشام : نعم.

قال الشاميّ : من هو؟

قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٥٣٣

وسلّم ، وأمّا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغيره.

قال الشاميّ : ومن هو غير النبيّ القائم مقامه في حجّته.

قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله؟

قال الشامي : بل في وقتنا هذا.

فقال هشام : هذا الجالس ـ يعني أبا عبدالله عليه‌السلام ـ الذي تشدّ إليه الرّحال ، ويخبرنا عن أخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ.

قال الشامي : فكيف لي بعلم ذلك؟

قال هشام : سله عمّا بدا لك.

قال الشامي : قطعت عذري ، فعليّ السؤال..

فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : «أنا أكفيك المسالة يا شامي ، اُخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا».

فاقبل الشامي كلّما وصف له شيئاً من أمره يقول : صدقت والله ، ثم قال الشامي : أسلمت الساعة.

فقال له أبو عبدالله عليه‌السلام : «إنّك امنت بالله الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان ، وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون ».

قال الشامي : صدقت ، فانا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء.

قال : فاقبل أبو عبدالله عليه‌السلام على حمران فقال : « يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب ».

والتفت إلى هشام بن سالم فقال : «تريد الأثر ولا تعرف ».

ثمّ التفت إلى الأحول فقال : «قيّاس روّاغ تكسر باطلاً بباطل ، إلاّ أنّ باطلك أظهر».

٥٣٤

ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبرعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبعد ما تكون منه ، تمزج الحقّ بالباطل ، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، أنت والأحول قفّازان حاذقان ».

قال يونس بن يعقوب : فظننت والله أنّه يقول لهشام قريباً مما قال لهما ، فقال : « يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إِذا هممت بالأرض طرت ، مثلك فليكلّم الناس ، اتق الزلّة والشفاعة من ورائك »(١).

وهذا الخبر مع ما فيه من المعجز الدالّ على إمامة أبي عبدالله عليه‌السلام يتضمّن إثبات حجة النظر ودلالة الإِمامة من طريق النظر والاستدلال.

__________________

(١) الكافي ١ : ١٣٠ | ٤ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ١٩٤ ، وباختصار في المنافب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٤٣.

٥٣٥

(الفصل الرابع )

في ذكر طرف من مناقبه ومختصر من

أخباره ومآثره عليه السلام

كان عليه‌السلام أعلم أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمانه بالاتّفاق ، وأنبههم ذكراً ، وأعلاهم قدراً ، وأعظمهم منزلة عند العامّة والخاصة ، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل.

روى أبو محمد الحسن بن حمزة الحسيني في كتاب ( التفهيم ) : بإسناده ، عن سدير الصيرفي قال : قال الصادق عليه‌السلام : «نحن تراجمة وحي الله ، نحن خزّان علم الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ونهىعن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض » (١).

وفيه أيضاً : بإسناده ، عن جميل قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «الناس ثلاثة : عالم ، ومتعلّم ، وغثاء ، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلّمون ، وسائر الناس غثاء» (٢).

وكان يقول : عليه‌السلام «علمنا غابر ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقرٌ في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة عليها‌السلام ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه ،.

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٢٤ | ٦ ، الكافي ١ : ٢١٢ ذيل الحديث ٦.

(٢) بصائر الدرجات : ٢٨ |ح ١ ـ ٥ ، الكافي ١ : ٤ | ٢٦ ، الخصال ١ : ١٢٣ | ١١٥.

٥٣٦

فسئل عن تفسير كلامه عليه‌السلام ، فقال : «أمّا الغابر : فالعلم بما يكون.

وأمّا المزبور : فالعلم بما كان.

وأمّا النكت في القلوب : فهو الإلهام.

وأمّا النقر في الأسماع : فحديث الملائكة عليهم‌السلام نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم.

وأمّا الجفر الأحمر : فوعاء فيه سلاح رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت.

وأمّا الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وزبور داود عليهم‌السلام ، وكتب الله المنزلة.

وأمّا مصحف فاطمة : عليها‌السلام ففيه ما يكون من حادثٍ ، وأسماء كلّ من يملك إلى أنّ تقوم الساعة.

وأمّا الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً ، إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بيده ، فيه والله جميعما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، وفيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة » (١).

وكان عليه‌السلام يقول : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحديث رسول الله

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٨٦ ، الاحتجاج ٢ : ٣٧٢ ، روضة الواعظين : ٢١٠ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٩ ، وباختلاف يسير في : الكافي ١ : ٣٠٧ | ٣.

٥٣٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث الله عزّ وجلّ » (١).

وروى عنه محمد بن شريح أنه قال : «لولا أن الله تعالى فرض ولايتنا وأمر بمودّتنا ما وقفناكم على أبوابنا ، ولا أدخلناكم بيوتنا ، والله ما نقول باهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا ، اُصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم »(٢).

وروى عنه أبو حمزة الثمالي أنه قال : «ألواح موسى عليه‌السلام عندنا ، وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين » (٣).

وروى معاوية بن وهب ، عن سعيد السمّان قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة؟

قال : فقال : «لا».

فقالا : قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تقول به؟ وسمّوا قوماً.

فغضب عليه‌السلام وقال : «ما أمرتهم بهذا».

فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا ، فقال لي : «أتعرف هذين؟»

قلت : نعم ، هما من أهل سوقنا ، وهما من الزيديّة ، وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عبدالله بن الحسن.

فقال : «كذبا لعنهما الله ، والله ما رآه عبدالله بن الحسن بعينيه ولابواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين ، فإن كانا

__________________

(١) الكافي١ : ٤٢ | ١٤ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٨٦ ، روضة الواعظين : ٢١١ ، كشف الغمة ٢ : ١٧٠.

(٢) بصائر الدرجات : ٣٢١ | ١٠ وباختلاف يسير في ٣٢٠ | ٥ و ٧.

(٣) بصائر الدرجات ١٦٠ |ذيل ح ٤ ، الكافي ١ : ١٨٠ | ٢ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٨٧ ، روضة الواعظين : ٢١٠ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٧٦ ، كشف الغمة ٢ : ١٧٠.

٥٣٨

صادقين فما علامة فى مقبضه؟ وما أثر في موضع مضربه؟ وإنّ عندي لسيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورايته ودرعه ولامته (١) ومغفره (٢) ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن عندي لراية رسول الله المغلّبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصا موسى ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست التي كان موسى يقرب بها القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة ، وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت فيبني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اُوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منّا اُوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخطّت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله»(٣).

ووجدت في كتاب (كمال الدين ) للشيخ أبي جعفر بن بابويه ـ رضي الله عنه ـ : حدّثنا عبدالواحد بن محمد العطّار قال : حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن حيّان السراج قال : سمعت السيد إسماعيل بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن الحنفيّة زماناً ، فمنّ

__________________

(١) اللأمة : الدرع ، وقيل : السلاح ، ولأمة الحرب : أداتها ، وقد يترك الهمز تخفيفاً. ويقال للسيف لأمة ، وللرمح لأمة ، وإنما سمي لأمة لأنها تلائم الجسد وتلازمه. «لسان العرب ١٢ : ٥٣٢.

(٢) المغفر : زرد يخج من الدروع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة. «الصحاح ـ غفر ـ ٢ : ٧٧١ ».

(٣) بصائر الدرجات : ١٩٤ | ٢ ، الكافي ١ : ١٨١ | ١ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٨٧.

٥٣٩

الله عليّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام فانقذني من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته ـ بعد ما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة الله على خلقه وأنّه الإمام الذي افترض الله طاعته ـ فقلت له : يا ابن رسول الله ، قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم‌السلام في الغيبة وصحّة كونها ، فاخبرني بمن تقع؟

فقال عليه‌السلام : «إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق عليه‌السلام تبت إلى الله تعالى على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :

تجعفرتُ باسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ

يقنتُ أن اللهَ يعفو ويغفرُ

ودنتُ بدينِ غير ما كنتُ دائناً

ونهاني سيّدُ الناس جعفرُ

فقلتُ هب إنّي قد تهوّدت برهة

لاّ فديني دين من يتنصّرُ

فإنّي إلى الرحمن من ذاكَ تائبٌ

نّي قد أسلمتُ واللهُ أكبرُ

فلستُ بغال ماحييتُ وراجع

لى ما عليه كنتُ اُخفي واُضمرُ

ولا قائلاً حيّ برضوى محمد

ن عاب جهّالٌ مقالي وأكثروا

ولكنّه ممّن مضى لسبيله

لى أفضل الحالاتِ يقفي ويخبرُ

مع الطيّبين الطاهرين الأولى لهم

ن المصطفى فرع زكيّ وعنصرُ

إلى آخرها ، وقلت بعد ذلك أيضاً أبيات شعر وهي :

٥٤٠