إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

(الفصل الثاني)

في ذكر دلائل إمامته عليه السلام

الدليل على إمامته عليه‌السلام ما قدّمناه بعينه في إمامة أبيه عليه‌السلام من اعتبار وجوب العصمة وبطلان قول كل من ادّعى حياة الأموات ، على الترتيب الذي تقدّم في الاستدلال ، ودلائل العقول أوكد من دلائل الأخبار لبعدها عن التأويل والاحتمال.

فأمّا النصوص الدالة على إمامته ، والأثار الواردة في الإشارة إليه ، فمن ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد ابن عبدالجبّار ، عن أبي القاسم الكوفي ، عن محمد بن سهل ، عن إبراهيم ابن أبي البلاد ، عن إسماعيل بن محمد بن عبدالله بن عليّ بن الحسين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لمّا حضرت عليّ بن الحسين عليهما‌السلام الوفاة أخرج سفطاً أو صندوقاً عنده فقال : يا محمد احمل هذا الصندوق ، قال : فحمل بين أربعة ، فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون في الصندوق سهماً ، قال : واللهّ مالكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتبه »(١).

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبدالله بن عيسى عن أبيه عبدالله عن أبيه عيسى ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٢ | ١ ، وكذا في بصائر الدرجات : ٢٠٠ | ١٨ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٢٣٠ | ٤.

٥٠١

عن جدّه قال : نظر عليّ بن الحسين عليهما‌السلام إلى ولده وهو يجود بنفسه وهم مجتمعون عنده ، ثمّ نظر إلى محمد بن عليّ فقال : «يا محمّد ، خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ».

وقال : أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءاً علماً(١).

وعنه ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «إنّ عمر بن عبدالعزيز كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه بصدقة عليّ وعمر وعثمان ، وإنّ ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم فسأله الصدقة ، فقال زيد : إنّ الوليّ كان بعد علي الحسن ، وبعد الحسن الحسين ، وبعد الحسين عليّ بن الحسين ، وبعد عليّ بن الحسين محمد بن علي ، فابعث إليه ، فبعث ابن حزم إلى أبي فارسلني أبي بالكتاب فدفعته إلى ابن حزم ، فقال له بعضنا : يعرف هذا ولد الحسن؟ قال : نعم كما تعرفون أنّ هذا ليل ، ولكن يحملهم الحسد ، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم ولكنّهم يطلبون الدنيا»(٢).

وأما النصوص المرويّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جملة الاثني عشر فكثيرة ، مثل خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجنّة فأعطاه فاطمة عليها‌السلام (٣)

ومثل ما روي : أنّ الله تعالى أنزل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الكافي ١ : ١٢ | ٢٤ ، وكذا في : بصائر الدرجات : ١٨٥ | ١٣ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢٩ | ٢.

(٢) الكافي ١ : ٢٤٣ | ٣ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٢٣٠ | ٦.

(٣) تقدمت الإشارة إليه في صفحة : ٤٨٣.

٥٠٢

كتاباً مختوماً باثني عشر خاتماً وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ويأمره بان يفضّ أول خاتم فيه فيعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند وفاته إلىالحسن عليه‌السلام ويأمره بفص الخاتم الثاني ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى الحسين عليه‌السلام فيفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ، ثمّ يدفعه الحسين عند وفاته إلى عليّ بن الحسين ويأمره بمثل ذلك ، ثمّ يدفعه عند وفاته إلى ابنه محمد بن عليّ ويأمره بمثل ذلك ، ثم يدفعه إلى ولده حتّى ينتهي إلى آخر الأئمة عليهم‌السلام (١).

وسنورد أكثر ما ورد في هذا النوع فيما بعد ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الكافي ١ : ١٢٢ | ١. أمالي الصدوق : ٢ | ٣٢٨ ، كمال الدين : ٢٣١ | ٣٥ ، الغيبة للنعماني : ٥٢ |٣ و ٤ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٦٠ ، أمالي الطوسي ٢ : ٥٦ ، كشف الغمة ٢ : ١٢٤.

٥٠٣

(الفصل الثالث)

في ذكر بعض دلائله عليه السلام

قد روت الشيعة من دلالاته أشياء سوى ما تقدم ذكره من خبر حبابة الوالبيّة منها :

ما رواه شعيب العقرقوفي ، عن أبي عروة قال دخلت مع أبي بصير(١)إلى منزل أبي جعفراً وأبي عبدالله عليهما‌السلام قال : فقال لي : أترى في البيت كوّة قريباً من السقف؟ قال : قلت : نعم ، وما علمك بها؟ قال : أرانيها أبو جعفر عليه‌السلام (٢).

وروى أحمد بن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقلت له : أنتم ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : «نعم ».

قلت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارث الأنبياء ، علم كلَ ما علموا؟

__________________

(١) وهو يحيى بن أبي القاسم الكوفي الأسدي ، ولد مكفوفاً ، وكان يُعد من اصحاب الامام الصادق عليه‌السلام ، ثقة وجيه ، له كتاب ، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام.

وذكر العلامة أنه رأى الدنيا مرتين ، حيث مسح أبو عبدالله عليه‌السلام على عينيه وقال : أنظر ما ترى ، قال : أرى كوّة في البيت وقد أرانيها أبوك قبلك.

اُنظر : رجال النجاشي : ٤٤٠ | ١١٨٧ ، رجال الطوسي : ٣٣٠ | ٩ ، الخلاصة : ٢٦٤ |٣.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٨٤ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٢٦٨ | ٦٦.

٥٠٤

قال لي : «نعم ».

قلت : فانتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤوا الأكمه والأبرص؟

فقال : «بلى بإذن الله » ثمّ قال : «ادن منّي يا أبا محمد» فمسح على وجهي وعلى عيني فابصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار ، فقال : «أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة ، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً؟»

قلت : أعود كما كنت. قال : فمسح على عيني فعدت كما كنت.

قال الراوي : فحدّثت به ابن أبي عمير فقّال : أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حق (١).

وروى حمّاد بن عثمان ، عن عبدالله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «ان أبي قال ذات يوم : إنّما بقي من أجلي خمس سنين ، فحسبت فما زاد ولا نقص »(٢).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٢٨٩ | ١ ، الكافي ١ : ٣٩١ | ٣ ، الهداية الكبرى : ٢٤٣ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧٤ | ٥ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٨٤ ، دلائل الامامة : ١٠٠ ، الفصول المهمة : ٢١٧ و ٢١٨ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٢٣٧ |١٤.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٨٦ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٦٧ | ٢٦٨.

٥٠٥

(الفصل الرابع )

في ذكر طرف من مناقبه وخصائصه ،

ونبذ من أخباره عليه السلام

قد اشتهر في العالم تبريزه على الخلق في العلم والزهد والشرف ، فلم يؤثرعن أحد من أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبله من علم القرآن والآثار والسنن وأنواع العلوم والحكم والأداب ما اُثر عنه صلوات الله عليه واختلف إليه بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وعرّفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بباقر العلم على ما رواه نقلة الاثار.

عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له : محمد يبقر علم الدين بقراً ، فإذا لقيته فاقرئه منّي السلام (١).

وروى أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله قال : «إن جابر بن عبدالله الأنصاري [كان] يقعد في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو معتجر (٢) بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، وكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لا والله ما أهجر ولكنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّك ستدرك رجلاً منّي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً. فذاك

__________________

(١) أمالي الصدوق ٢٨٩ | ٩ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٥٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٩٧ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ : ٧٨ ، الفصول المهمة : ٢١١.

(٢) الاعتجار : لف العمامة على الرأس. «الصحاح ـ عجر ـ ٢ : ٧٣٧».

٥٠٦

الذي دعاني إلى ما أقول (١).

قال : فكان جابر يأتيه طرفي النهار وكان أهل المدينة يقولون : واعجباً لجابر ياتي هذا الغلام طرفي النهار وهو أحد من بقي من أصحاب رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وروى ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : «دخلت على جابر بن عبدالله فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وقال لي : من أنت؟ ـ وذلك بعد ما كفّ بصره ـ فقلتَ : محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، فقال : يا بنيّ ادن منّي ، فدنوت منه فقبّل يدي ثمّ أهوى إلى رجلي يقبّلها فتنحّيت عنه ، ثمّ قال لي : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرئك السلام ، فقلت : وعلى رسول اللهّ السلام ورحمة اللهّ وبركاته ، وكيف ذاك يا جابر؟ فقال : كنت معه ذات يوم فقال لي : يا جابر ، لعلّك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له : محمد بن عليّ بن الحسين يهب الله له النور والحكمة ، فأقرئه منّي السلام » (٣).

__________________

(١) تجاوز المؤلف عند نقله لهذهِ الرواية مقطعاً وسطياً بين هذين المقطعين روماً للاختصار ، واتكالاً منه على شهرة الرواية ، نورده نحن لما فيه من توضيح وربط بين هذين المقطعين :

قال : فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذلك الطريق كتّاب فيه محمد بن علي عليه‌السلام ، فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبلْ ، فاقبَلَ ، ثم قال له : أدبِرْ فادبَرَ ، ثم قال : شمائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفسي بيده ، يا غلام ما اسمك؟ قال : اسمي محمد بن علي بن الحسين. فاقبل عليه يُقبل رأسه ويقول بابي انت واُمي أبوك يقرئك السلام ويقول ذلك.

فرجع محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام إلى أبيه وهو ذعر فاخبره الخبر ، فقال له : يا بني وقد فعلها جابر؟ قال : نعم. قال : الزم بيتك يا بني.

(٢) الكافي ١ : ٥ ٣٩ | ٢ ، الاختصاص : ٦٢ ، روضة الواعظين : ٢٠٦ ، الخرائج والجرائح ١٢ | ٢٧٩ ١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٩٦.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٥٨.

٥٠٧

وروي عن أبي مالك ، عن عبدالله بن عطاء المكّي قال : ما رأيت العلماء عند أحد قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه (١).

وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عنه قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام (٢).

وروى محمد بن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إنّ محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أنّ مثل عليّ بن الحسين عليهما‌السلام يدع خلفاً لفضل عليّ بن الحسين حتّى رأيت ابنه محمداً ، فأردت أن أعظه فوعظني.

فقال له أصحابه : بأيّ شيء وعظك؟

قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمد ابن عليّ عليهما‌السلام ـ وكان رجلاً بدينا ـ وهو متّكى على غلامين له أسودين ـ أو موليين له ـ فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ! أشهد لأعظنّه ، فدنوت منه فسلّمت عليه فسلّم عليّ ببهر(٣) وقد تصبب عرقآً ، فقلت : أصلحك اللهّ ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال. في طلب الدنيا؟! لو جاء كالموت وأنت على هذه الحال؟

قال : فخلّى عن الغلامين من يده وتساند فقال : لوجاءني والله

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٠ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٠٤ ، حلية الأولياء ٣ : ١٨٦ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ : ٧٩.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٥ ،. المناقب لابن شهر اشوب ٤ : ١٨٠.

(٣) البُهر (با لضم ) : تتابع النفَس. «الصحاح ـ بهر ـ ٢ : ٨٩٥».

٥٠٨

الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عزّ وجلّ أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله عزّ وجلّ

فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني» (١).

وكان عليه‌السلام يقول : «ما ينقم الناس منّا إلاّ أنّا أهل بيت الرحمة ، وشجرة النبوّة ، ومعدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي»(٢).

وكان عليه‌السلام يقول : «بليّة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا»(٣).

وكان عليه‌السلام يقول : «نحن خزنة علم الله ، ونحن ولاة أمر الله ، وبنا فتح الله الإسلام ، وبنا يختمه ، فمنا يتعلّموا ، فوالله الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما علم الله في أحد إلاّ فينا ، وما يدرك ما عند الله إلاّ بنا»(٤).

وروى ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن الفضيل ، عنه عليه‌السلام قال : «لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبيّنها لنا»(٥).

وسئل عليه‌السلام عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال : «إذا حدّثت

__________________

(١) الكافي ٥ : ٧٣ | ١ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٦١ ، تهذيب التهذيب ٦ : ٣٢٥ | ٨٩٤ ، الفصول المهمة : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٨ ، وباختلاف يسير في : بصائر الدرجات ٧٧ | ٥ ، الكافي ١ : ١٧٢ | ١.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٨ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٠٦ ، واورد صدر الحديث الصفار في : بصائر الدرجات : ٧٦ | ٢.

(٤) نحوه في بصائر الدرجات : ٨٢ | ١٠

(٥) بصائر الدرجات : ٣١٩ | ٢.

٥٠٩

بالحديث فلم اُسنده فسندي فيه أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين الشهيد ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عن جبرئيل ، عن الله عزّ وجل »(١).

وروى عنه معروف بن خربوذ قال : سمعته يقول : «إنّ حديثنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسلٌ ، أوعبد امتحن الله قلبه للإيمان » (٢).

وروى سدير الصيرفي عنه عليه‌السلام أنّه قال : «إنّما كلف الله سبحانه الناس معرفة الأئمّة والتسليم لهم في ما أوردوا عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه »(٣).

وروى سورة بن كليب الأسدي عنه عليه‌السلام قال : «والله إنّا لخزّان الله في سمائه وفي أرضه ، لا على ذهب ولا فضّة إلاّ على علمه »(٤).

وروي عن عبيدالله بن زرارة ، عن أبيه قال : كنّا عند أبي جعفر عليه‌السلام فجاء الكميت (٥) فاستأذن عليه فأذن له فأنشده :

من لقلب متيَّم مستهام


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فلمّا فرغ منها قال له أبو جعفر عليه‌السلام : «يا كميت ، لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، وقلت فينا».

____________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٧ ، ونقلة المجلسي في جار الأنوار ٤٦ : ٢٨٨ | ١.

(٢) بصائر الدرجات : ٤١ | ٤ ، الكافي ١ : ٣٣٠ | ١ ، روضة الواعظين : ٢١١ ، المناقب لابن شهرآشوب ٢٠٦ : ٤.

(٣) الكافي ١ : ٣٢١ | ١.

(٤) بصائر الدرجات : ١٢٣ | ١ ، الكافي ١ : ١٤٨ | ١.

(٥) الكميت بن زيد ، شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بايامها ، من شعراء مضر وألسنتها ، كان معروفا بتشيعه لأهل البيت عليهم‌السلام ، لقي ألكثير من الأمويين نتيجة ولائه وموقفه هذا.

٥١٠

وقال الكميت في حديث آخر : فلمّا بلغت إلى قولي :

أخلص الله لي هواي فما

اُغرق نزعاً ولا تطيش سهامي (١)

قال عليه‌السلام : ...

«وقد اُغرق نزعاً وما تطيش سهامي ».

فقلت : يا مولاي أنت أشعر منّي في هذا المعنى(٢).

__________________

(١) من قصيدة يقول في مطلعها :

من لقلبٍ متيمٍ مستهام

غير ما صبوة ولا احلام

طارقاتٍ ولا ادكار غوانَ

واضحاتِ الخدود كالارامَ

بل هواي الذي اجِن واُبدي

لبني هاشمً فروع الانام

للقريبين من ندىً والبعيديـ

ـن من الجور في عرى الاحكام

والمصيبين باب ما احطأ النا

سُ ومرسي قواعد الاسلامَ

والحماة الكفاةِ في الحرب ان

لف ضِرامأ وقودُها بضرامَ

والغيوثِ الذينَ أن امحلَ الَنا

سُ فمأوى حواضن الايتامِ

«انظر : شرح هاشميات للكميت : ١١ ».

(٢) الكافي ٨ : ٢١٥ | ٢٦٢.

٥١١

( الفصل الخامس )

في ذكر أولاده عليه السلام

وهم سبعة :

أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ـ وكان يكنى به ـ وعبدالله بن محمد ، واُمّهما اُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

وإبراهيم وعبيدالله ، درجا (١) ، اُمّهما اُمّ حكيم بنت اُسيد بن المغيرة الثقفيّة.

وعليّ وزينب ، لاُمّ ولد.

واُمّ سلمة ، لاُمّ ولد(٢).

وقيل : إنّ لأبي جعفر عليه‌السلام ابنة واحدة فقط : اُمّ سلمة ، واسمها زينب (٣).

__________________

(١) درج الرجل : إذا لم يخلف نسلاً. «الصحاح ـ درج ـ ١ : ٣١٣».

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٧٦ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٠ ، الطبقات الكبرى ٥ : ٣٢٠ ، تذكرة الخواص : ٣٠٦.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٠.

٥١٢
٥١٣

( الباب الخامس )

في ذكر الامام الصادق والعلم الناطق

أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام

وهو خمسة فصول :

٥١٤

( الفصل الأول )

في ذكر تاريخ مولده ، ومبلغ سنه ،

ومدة إمامته ، ووقت وفاته عليه السلام

ولد عليه‌السلام بالمدينة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة (١).

ومضى في النصف من رجب (٢) ، ويقال : في شوّال (٣) ، سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة.

أقام فيها مع جدّه وأبيه إثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أيّام إمامته أربعاً وثلاثين سنة ، وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك هشام بن عبدالملك ، وملك الوليد بن يزيد بن عبدالملك ، وملك يزيد بن الوليد بن عبدالملك الملقّب بالناقص ، وملك إبراهيم بن الوليد ، وملك مروان ابن محمد الحمار ، ثمّ صارت المسوّدة من أهل خراسان مع أبي مسلم سنة اثنين وثلاثين ومائة ، فملك أبو العبّاس عبدالله بن محمد بن عليّ بن عبدالله ابن عبّاس الملقّب بالسفّاح أربع سنين وثمانية أشهر ، ثمّ ملك أخوه أبو جعفرعبدالله الملقّب بالمنصور إحدى وعشرين سنة وإحدى عشر شهراً (٤).

وتوفّي الصادق عليه‌السلام بعد عشر سنين من ملكه ، ودفن بالبقيع مع

__________________

(١) تاريخ الأئمة (ضمن مجموعة نفيسة) : ١٠ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٧٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٧٩ - ٢٨٠.

(٢) روضة الواعظين : ٢١٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٩٣ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٨٠.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٨٠ ، دلائل الامامة : ١١١.

٥١٥

أبيه وجدّه وعمّه الحسن عليهم‌السلام (١).

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٨٠ ، دلائل الامامة : ١١١.

٥١٦

(الفصل الثاني)

في ذكر النص على إمامته عليه السلام

أما طريقة الاعتبار فمثل ما تقدم ذكره في إمامة آبائه عليهم‌السلام فانّا إذا اعتبرنا إمامة من اختلف في إمامته في عصره عليه‌السلام وجدنا الاُمّة بين أقوال :

قائل يقول : لا إمام في الوقت ، وقوله يبطل بما دلّ على وجوب الإمامة في كل عصر.

وقائل يقول : بإمامة من لا يقطع على عصمته ، وقوله يبطل بمّا دلّ على وجوب العصمة للامام.

ومن ادّعى العصمة ولم يقل بالنْص من متأخري الزيدية فقوله يبطل بما دلّلنا عليه من أن العصمة لا يمكن أن تعلم إلآ بالنص أو المعجز.

ومن اعتبر الحياة ـ من الكيسانية ـ فقوله يبطل بما علمانه من موت من ادّعي حياته ، وأيضاً فإنَ هذه الفرقة قد انقرضت وخلا الزمان من القائلين بقولها وانعقد الإجماع على خلافها.

فإذا بطلت هذه الاقوال ثبتت إمامته عليه‌السلام ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحق عن أقوال الأمّة.

وأما طريقة التواتر فمثل ما ذكرناه فيما تقدم فإن الشيعة قد تواتر تخلفاً عن سلف إلى أنّ اتصل نقلهم بالباقر عليه‌السلام أنه نصّ على الصادق عليه‌السلام ، كما تواترت على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام نصّ على الحسن ، ونصَ الحسن على الحسين عليهما‌السلام ، وكذلك كلّ إمام على الإمام الذي يليه ، ثم هكذا إلى أن ينتهى إلى صاحب الزمان ، وكلّ سؤال

٥١٧

يٌسئل على هذا الدليل فالجواب عنه مذكور في تصحيح التواتر لنصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا يحتمل ذكره هذا الموضع.

فأما مما جاء في الأخبار من النص بالإمامة عليه والإشارة بذلك من أبيه إليه فمن ذلك :

ما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفرمحمد بن عليّ عليهما‌السلام إلى أبي عبدالله عليه‌السلام يمشي فقال : «ترى هذا ، هذا من الذين قال الله سبحانه : (وَنُرِيدُ اَن نَمُنّ علَى الذِينَ أستُضعوا فِي الإرضِ وَنَجعَلَهُم اَئِمّةَ وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ) (١) (٢).

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله قال : «لمّا حضرت أبي الوفاة قال : يا جعفر اُوصيك بأصحابي خيراً.

قلت : جعلت فداك ، والله لأدعنّهم والرجل منهم يكون في المصر فلا لسال أحداً » (٣).

وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه سئل عن القائم فضرب بيده على أبي عبدالله عليه‌السلام ثمّ قال : «هذا

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٥.

(٢) الكافي ١ : ٢٤٣ | ١ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ١٨٠ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٤ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٧ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٣ | ٥

(٣) الكافي ١ : ٢٤٤ | ٢ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ١٨٠ ، روضة الواعظين : ٢٠٧ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٦ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٢ | ٣.

٥١٨

والله قائم آل محمد».

قال عنبسة بن مصعب : فلمّا قبض أبو جعفر عليه‌السلام دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام فاخبرته بذلك ، فقال : «صدق جابر على أبي » ثمّ قال عليه‌السلام : «لعلّكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله »(١).

وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن طاهر قال : كنت قاعداً عند أبي جعفر عليه‌السلام فاقبل جعفر عليه‌السلام فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هذا خير البريّة»(٢).

وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إنّ أبي استودعني ما هناك ، فلمّا حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً ، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبدالله بن عمر ، فقال : اُكتب اُوصيك بما أوصى به يعقوب بنيه : (يا بُنَيَّ إِنَّ اللهَ أصطفَى لَكُمُ الدّينَ فلا تَمُوتُنَّ إلاّ وَاَنتُم مُّسلِمُونَ)(٣) أوصى أبو جعفر محمد بن عليّ إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفّنه في بُرْدِه الذي كان يصلّي فيه الجمعة ، وأن بعمّمه بعمامته ، وأن يربّع قبره ويرفعه أربع أصابع ، ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت بعدما انصرفوا : ما كان لك في هذا بان تشهد عليه؟

__________________

(١) الكافي ١ : ٧٤ | ٢٤ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ١٨١ ، روضة الواعظين : ٠٧ ٢ ، كشف الغمة ٢ : ١٦٧ ، اثبات الوصية : ١٥٥ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار٤٧ : ١٤ | ١١.

(٢) الكافي ١ : ٢٤٤ | ٤ ، وكذا في : الامامة والتبصرة : ١٩٩ | ٥٥ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٨١كشف الغمة ٢ : ١٦٧ ، في اثبات الوصية : ١٥٥ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٣ | ٧ ضمن ح ٧.

(٣) البقرة ٢ : ١٣٢.

٥١٩

فقال : إنّي كرهت أن تُغلب وأن يقال : إنّه لم يُوصِ إليه ، فاردت أن تكون لك الحجّة»(١).

وأشباه هذه الأخبار كثيرة.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٤ | ٨ ، وكذا في : ارشاد المفيد ٢ : ١٨١ ، روضة الواعظين : ٢٠٨ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، كثسف الغمة ٢ : ١٦٧ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٧ : ١٤ | ١٠.

٥٢٠