الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
(الفصل الأول)
في ذكر ألقابه وكناه ، وتاريخ مولده ، ومبلغ عمره ،
ووقت وفاته ، وموضع قبره
كنيته ، أبو محمد ، ويكنّى بأبي الحسن أيضاً ، وبأبي القاسم.
ولقبه : سيّد العابدين ، وزين العابدين ، والسجّاد ، وذو الثفنات ، وإنّما لقب بذلك لأنّ مواضع السجود منه كانت كثفنة البعير من كثرة سجوده عليهالسلام(١).
ولد صلوات الله عليه بالمدينة يوم الجمعة - ويقال : يوم الخميس - في النصف من جمادى الآخرة (٢) ، وقيل : لتسع خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة (٣) ، وقيل : سنة ستّ وثلاثين (٤) ، وقيل : سنة سبع وثلاثين (٥)
واسم اُمّه شاه زنان ، وقيل : شهربانويه ، وكان أميرالمؤمنين عليهاالسلام ولّى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق فبعث إليه ببنتي يزدجرد
__________________
(١) انظر : ارشاد المفيد ٢ : ١٣٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٥ ، كشف الغمة ٢ : ٧٤ ، العدد القويّة : ٥٨ | ٧٥ ، دلائل الامامة للطبري : ٨٠ ، تذكرة الخواص : ٢٩١ ، الفصول المهمة : ٢٠١.
(٢) انظر : المناقب لابن شهراشوب ٤ : ١٧٥ ، روضة الواعظين : ٢٠١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ١٣ | ٢٧.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٥ ، روضة الواعظين : ٢٠١ ، كشف الغمة ٢ : ٧٣ ، الفصول المهمة : ٢٠١.
(٤) العدد القوية : ٥٥ | ٦٧ ، روضة الواعظين : ٢٠١ ، اقبال الاعمال : ٦٢١.
(٥) المناقب لابن شهراشوب ٤ : ١٧٥ ، تذكرة الخواص : ٢٩١.
ابن شهريار ، فنحل ابنه الحسين عليهالسلام إحداهما فأولدها زين العابدين عليهالسلام ، ونحل الاُخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد ابن أبي بكر ، فهما ابنا خالة (١).
وتوفّي عليهالسلام يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرّم سنة خمس وتسعين من الهجرة ، ودفن بالبقيع مع عمّه الحسن عليهماالسلام (٢).
وكانت مدّة إمامته بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك يزيد بن معاوية ، وملك معاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، وتوفّي عليهالسلام في ملك الوليد بن عبدالملك (٣).
__________________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٣٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٦ أورد قطعة منه ، روضة الواعظين : ٢٠١ ، كشف الغمة ٢ : ٨٣ ، العدد القوية : ٥٦ | ٧٣.
(٢) الكافي ١ : ٣٨٨ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٣٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٥ ، روضة الواعظين : ٢٠١ ، دلائل الإمامة : ٨٠ ، تذكرة الخواص : ٢٩٩.
(٣) انظر : ارشاد المفيد ٢ : ١٣٨ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٥ ، دلائل الامامة : ٨٠.
(الفصل الثاني)
في ذكر النصوص الدالة على إمامته عليه السلام
المعوّل في تصحيح إمامة أكثر أئمّتنا عليهمالسلام النظر والاعتباردون تواتر الأخبار ، لأنّهم عليهمالسلام كانوا في زمان الخوف وشدّة التقية والاضطرار ، ولم يتمكّن شيعتهم من ذكر فضائلهم التي تقتضي إِمامتهم ، فضلاً عن ذكرما يوجب فرض طاعتهم ويبين عن تقدّمهم على جميع الخلائق ورئاستهم.
فمما يدلّ على إمامته عليهالسلام من طريق النظر العقلي ما ثبت من وجوب العصمة ، وأنّ الحقّ لا يخرج عن اُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا أحدٌ يدّعي العصمة لامامه في زمان سيد العابدين عليهالسلام ، إلاّ من قال بإمامته من الامامية ، أو من قال بإمامة محمد بن الحنفيّة وذهب إلى أنّه حيّ لم يمت وهم الكيسانيّة ، وفسد قول الكيسانيّة لأنّهم ادّعوا حياة من علم وفاته كما علم وفاة أبيه وأخيه ، ولعجزهم أيضاً عن إتيان النصّ على محمد بالإمامة ، وبطل قول من قال بإمامة من هو غير معصوم فثبتت إمامته عليهالسلام.
وأما ما روي من النص عليه بالإمامة والإشارة بالإمامة إليه من أبيه وجدّه فكثير.
منها : مارواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد ابن الحسين ، وأحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقر عليهماالسلام قال : «إن الحسين عليهالسلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع
إليها كتاباً ملفوفاً ووصيّة ظاهرة ، وكان عليّ بن الحسين عليهماالسلام مريضاً لا يرون أنّه يبقى بعده ، فلمّا قُتل الحسين عليهالسلام ورجع أهل بيته إلى المدينة دفعت فاطمة الكتاب إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، ثمّ صار ذلك الكتاب والله إلينا يا زياد» (١).
وعنه ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : «إنّ الحسين عليهالسلام لمّا سار إلى العراق استودع اُمّ سلمة رضي الله عنها الكتب والوصيّة ، فلمّا رجع عليّ بن الحسين عليهماالسلام دفعتها إليه » (٢).
وقد ذكرنا فيما تقدّم النصّ والإشارة إليه من جدّه أمير المؤمنين عليهماالسلام في وصيّته إلى الحسن عليهالسلام ، فلا معنى لتكراره هنا
وأمّا الأخبار الواردة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه بالنصّ على الأئمة الاثني عشر من آل محمد عليهمالسلام وتعيينهم ، وحديث اللوح الذي رواه جابر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) ورواه جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر ، عن أبيه ، عن جدْه عن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤) فإنها مشهورة عند
__________________
(١) الكافي ١ : ٢٤١ | ١ ، وكذا في : بصائر الدرجات : ١٦٨ | ٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٢ ، اثبات الوصية : ١٤٢
(٢) الكافي ١ : ٢٤٢ | ٣ ، وكذا في : الغيبة للطوسي : ١٩٥ | ١٥٩ ، والمناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٢.
(٣) الكافي ١ : ٤٤٢ | ٣ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٤٠ | ١ ، الغيبة للنعماني : ٦٢ ، الاختصاص : ٢١٠ ، أمالي الطوسي ١ : ٢٩٧ ، الغيبة للطوسي : ١٤٣ |١٠٨ ، اثبات الوصية : ١٤٣.
(٤) كمال الدين : ٣١١ | ١ ، اثبات الوصية : ٢٢٧.
أهلها ، مذكورة في مظانّها ، ووافقهم أصحاب الحديث العامة على نقل كثير منها على طريق الجملة ، وسنورد أكثرها في الركن الرابع من الكتاب إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
***
(الفصل الثالث)
في ذكر شيء من معجزاته عليه السلام
أما ما يدل على إمامته عليهالسلام من طريق المعجز الخارق للعادة فحديث حبابة الوالبيّة وما جاء فيه من طبعه نقش فصّه في الحجر ، وماثبت من دعائه عليهالسلام وإيمائه إليها حتّى عادت شابّة ولها يومئذ مائة سنة وثلاث عشرة سنة(١).
وكذلك نطق الحجر الأسود له عليهالسلام وقد استشهد به على محمد ابن الحنفية فشهد له بالإمامة ، وكانا يومئذ بمكّة فقال لمحمد : «ابدأ فابتهل إلى الله واسأله أن ينطق لك » فابتهل محمد في الدعاء ثم دعا فلم يجبه فقال عليهالسلام : «أما إنّك يا عم لو كنت إماماً لأجابك ».
فقال له محمد : فادع أنت يا ابن أخي ، فدعا عليهالسلام بما أراد ثمقال : «أسالك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء لما أخبرتنا بلسان عربيّ مبين من الوصيّ والامام بعد الحسين بن عليّ؟» فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه ثمّ انطقه الله بلسان عربيّ مبين فقال : اللهم إن الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن عليّ إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام.
فانصرف محمد وهو يتولى علي بن الحسين عليهماالسلام (٢).
__________________
(١) كمال الدين : ٥٣٧ |ضمن ح ا و ٢ ، وقطعة منه في : المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٣٥.
(٢) أنظر : بصائر الدرجات : ٥٢٢ ، الكافي ا : ٢٨٢ |٥ الامامة والتبصرة : ٦١ و ٦٢ | ٤٩ ، الهداية الكبرى للخصيبي : ٢٢٠ ، روضة الواعظين : ١٩٧ ، الاحتجاج ٢ : ٣١٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٥٧ | ٣ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٧ ، اثبات الوصية : ١٤٧.
وأورد هذا الخبر بإسناده محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادرالحكمة.
وفي هذا المعنى يقول السيد الحميري لما رجع عن القول بالكيسانيّة إلى القول بإمامة الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام :
عجبتُ لكرِّ صروف الزمان |
|
وأمر أبي خالد ذيَ البــيان |
ومِن ردّه الأمر لا يــنثني |
|
إلى الطيّب الطهر نور الجنان |
عــلـيّ وماكان من عمّه |
|
بردّ الأمانة عطـــف البيان |
وتـحــكيمه حجراً أسوداً |
|
وما كان سن بطقـه المستبان |
بـــتسليم عمّ بغير امتراء |
|
إلى ابن أخ منطقاً َباللســان |
شـــهـدت بذلك حقّاً كما |
|
شهدت بتصديق آي القـرآن |
عـلــيّ أمامي ولا أمتري |
|
وخلّيت قولي بكان وكـان (١) |
قال الصادق عليهالسلام : «كان أبو خالد يقول بإمامة محمد بن الحنفية فقدم من كابل شاه إلى المدينة فسمع محمداً يخاطب عليّ بن الحسين عليهالسلام فيقول : يا سيّدي ، فقال له : أتخاطب ابن أخيك بما لايخاطبك مثله؟! فقال : إنّه حاكمني إلى الحجر الأسود فصرت إليه فسمعت الحجر يقول : سلم الأمر إلى ابن أخيك فإنّه أحقّ به منك ، وصار أبو خالد الكابلي إماميّاً» (٢).
وروى عنه أنّه قال : قال لي عليّ بن الحسين عليهالسلام : «يا كنكر» ولا والله ما عرفني بهذا الاسم إلاّ أبي وأمّي (٣).
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٨.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٧.
(٣) انظر : الهداية الكبرى : ٢٢١ ، رجال الكشي ١ : ٣٣٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٦١ | ٦ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٧.
(الفصل الرابع )
في ذكر بعض مناقبه وفضائله عليه السلام
روى الحسين بن علوان ، عن أبي عليّ زياد بن رستم ، عن سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فمدحه بما هو أهله ثمّ قال : «والله ما أطاق عمل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من هذه الأمة غيره ، وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنّة والنار يرجوا ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار ممّا كدّه بيده ورشح منه جبينه ، وما كان لباسه إلاّ الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعا بالجلم(١) فقصّه ، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين ين العابدين عليهمالسلام. ولقد دخل أبو جعفر ابنه عليهالسلام عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحدٌ ، فرآه قد اصفرّ لونه سن السهر ، ورمصت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود ، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : فلك أملك حين رأيته بتلك الحال من ان بكاء ، فبكيت رحمة له ، وإذا هو يفكّر فالتفت إليّ بعد هنيئة من دخولي ، فقال يا بنيّ : أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ عليهالسلام ، فأعطيته فقرأ فيها يسيراً ثمّ تركها من يده تضجّراً وقال : من يقوى على عبادة عليّ بن أبي
__________________
(١) الجَلَم : ما يقص به الشعر والصوف ، وهو كالمقص. «أنظر : مجمع البحرين ٦ : ٣٠».
طالب عليهالسلام (١).
وكان عليّ بن الحسين عليهماالسلام إذا توضّأ اصفرّ لونه فقيل له : ما هذا الذي يغشاك ، فقال : «أتدرون من أتأهّب للقيام بين يديه؟» (٢).
وروي : أنّه عليهالسلام كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة (٣).
وعن سفيان الثوري قال : ذكر لعليّ بن الحسين عليهماالسلام فضله قال : «حسبنا أن نكون من صالحي قومنا» (٤).
وعن الزهري قال : لم ادرك أحداً من هذا البيت أفضل من عليّ بن الحسين عليهالسلام (٥).
ورويَ أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام رأى يوماً الحسن البصري وهو يقصّ عند الحجر الأسود فقال له عليهالسلام : «أترضى يا حسن نفسك للموت؟».
قال : لا.
قال : «فعملك للحساب؟ ».
__________________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٢ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٩ ، كشف الغمة ٢ : ٨٥.
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٢ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٨ ، كشف الغمة ٢ : ٨٦ ، الطبقات الكبرى ٥ : ٢١٦ ، حلية الأولياء ٣ : ١٣٣ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٦ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٢ ٣٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٧٣ | ٦١.
(٣) انظر : الخصال : ٥١٧ | ٤ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٤٣ ، روضة الواعظين : ١٩٨ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٤٩ ، كشف الغمة ٢ : ٨٦ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٩٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٦ : ٧٤ | ٦٢.
(٤) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٣ ، روضة الواعظين : ١٩٨ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٦٤ ، كشف الغمة ٢ : ٨٦ ، الطبقات الكبرى ٥ : ٢١٤ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٥.
(٥) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٤ ، الجرح والتعديل ٦ : ١٧٩ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ١٨٩.
قال : لا.
قال : «فثمّ دار للعمل غير هذه الدار؟».
قال : لا.
قال : «فللّه في أرضه معاذ غير هذا البيت؟».
قال : لا.
قال : «فلم تشغل الناس عن الطواف؟» (١).
وقيل له : يوماً : إنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممّن هلك كيف هلك وإنّما العجب ممّن نجا كيف نجا ، فقال عليهالسلام : «أنا أقول : ليس العجب ممّن نجا كيف نجا ، وإنّما العجب ممّن هلك كيف هلك معسعة رحمة الله تعالى» (٢).
ورويَ عن طاووس اليمانيّ قال : دخلت الحجر في الليل فإذا عليّ ابن الحسين عليهماالسلام قد دخل فقام يصلّي ، فصلى ما شاء الله ثمّ سجد فقلت : رجل صالح من أهل بيت النبوّة لأستمعن إلى دعائه ، فسمعته يقول في سجوده : «عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك ».
قال طاووس : فما دعوت بهنّ في كرب إلاّ فرّج عنّي (٣).
وروى أحمد بن محمد الرافعي ، عن إبراهيم بن عليّ ، عن أبيه قال :
____________
(١) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٧٨ : ١٥٣ |١٧.
(٢) نقله المجلسي في بحار الأنور ٧٨ : ١٥٣ | ١٧.
(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٣ ، روضة الواعظين : ١٩٨ ، كشف الغمة : ٢٠١ ، تذكرة الخواص.٢٩٧ ، كفاية الطالب ج ٤٠١ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٥ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٩٣ ، الفصول المهمة : ٢٠١.
حججت مع عليّ بن الحسين عليهماالسلام فالتاثت (١) الناقة عليه في مسيرها فاشار إليها بالقضيب ، ثم قال : «آه لولا القصاص» وردّ يده عنها (٢)
وعنه قال : حجّ عليّ بن الحسين عليهماالسلام ماشياً ، فسار عشرين يوماً من المدينة إلى مكّة (٣).
وروى أبو محمد الحسن بن محمد العلوي بإسناده قال : وقف على عليّ بن الحسين عليهماالسلام رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه ، فلم يكلّمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه : «قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا اُحبّ أن تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه» ، قالوا : نفعل.
فاخذ نعليه ومشى وهو يقول : (والكاظِمِينَ الغَيْظَ )(٤) الاية ـ فعملوا أنّه لا يقول شيئاً ، قال : فاتى منزل الرجل وصرخ به فخرج الرجل متوثّباً للشرّ فقال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : «يا أخي ، إن كنت قد قلت ما فيّ فاستغفر الله منه ، لان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك ».
قال : فقبّل الرجل بين عينيه وقال : بل قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحق به.
قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام (٥).
__________________
(١) التأثت الناقة : أي أبطات في سيرها. «مجمع البحرين ـ لوث ـ ٢ : ٢٦٢».
(٢) أرشاد المفيد ٢ : ١٤٤ ، روضة الواعظين : ١٩٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٥ ، كشف الغمة ٢ : ٨٦ ، الفصول المهمة : ٢٠٣.
(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٤ ، روضة الواعظين : ١٩٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٥ ، كشف الغمة ٢ : ٨٦.
(٤) آل عمران ٣ : ١٣٤.
(٥) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٦ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٧ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٤٠ ، سيرأعلام النبلاء ٤ : ٣٩٧ وفيها مختصراً.
وروى عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام : أنّه دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه ثمّ أجابه في الثالثة ، فقال له : «يا بنيّ ، أما سمعت صوتي؟».
قال : بلى.
قال : «فما بالك لم تجبني؟».
قال : أمنتك.
قال : «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني» (١).
وكانت جارية لعليّ بن الحسين عليهماالسلام تسكب عليه الماء فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها فقالت الجارية : إنّ الله تعالى يقول : (والكاظِمِينَ الغَيْظَ ) (٢).
فقال : «كظمت غيظي ».
قالت : (والعافينَ عَنِ النّاسِ ) (٣).
قال : «عفَوت عنك ».
قالت : (وَاللهُ يُحِبّ المُحسِنِين ) (٤).
قال : «إذهبي فانت حرّة لوجه الله تعالى» (٥).
وروى عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه ، لا يدرون من أين يأتيهم ، فلمّا
__________________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٧ ، كشف الغمة ٢ : ٨٧ ، مختصر تاريح دمشق ١٧ : ٢٤٠.
(٢) آل عمران س : ١٣٤.
(٣) أل عمران ٣ : ١٣٤
(٤) آل عمران ٣ : ١٣٤.
(٥) ، أمالي الصدوق : ١٦٨ | ١٢ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٤٧ ، ررضة الواعظين : ١٩٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، كشف الغمة : ٢ : ٨٧ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ :
=
مات عليّ بن الحسين عليهماالسلام فقدوا ذلك (١).
والأخبار في هذا المعنى وفيما روي عنه من أنواع العلوم أكثر من أن تحصى ، فلنقتصر على ما ذكرناه.
__________________
=
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٤٩ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٥٣ ، كشف الغمة ٢ : ٨٧ ، حلية الأولياء ٣ : ١٣٦ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٧٠ ، مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٢٣٨ ، سير اعلام النبلاء ٤ : ٣٩٣.
(الفصل الخامس )
في ذكر أولاده عليه السلام ونبذ من أخبارهم
له خمسة عشر ولداً : محمّد الباقر عليهالسلام ، اُمّه اُمّ عبدالله بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
وأبو الحسين زيد ، وعمر ، اُمّهما أمّ ولد.
وعبدالله ، والحسن ، والحسين ، اُمّهما أّم ولد.
والحسين الأصغر ، وعبدالرحمن ، وسليمان ، لاٌمّ ولد.
وعليّ ـ وكان أصغر ولده عليهالسلام ـ وخديجة ، اُمّهما اُمّ ولد.
ومحمّد الأصغر ، أمّه أمّ ولد.
وفاطمة ، وعليّة ، واُمّ كلثوم ، [اُمهم اُم ولد] (١).
وكان زيد بن عليّ بن الحسين أفضل إخوته بعد أبي جعفر الباقر عليهالسلام ، وكان عابداً ورعاً شخياً شجاعاً ، وظهر بالسيف يطلب بثارات الحسين عليهالسلام ويدعو إلى الرضا من ال محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فظنّ الناس أنّه يريد بذلك نفسه ، ولم يكن يريدها به ؛ لمعرفته بإستحقاق أخيه الباقر عليهالسلام الإمامة من قبله ، ووصيّته عند وفاته إلىأبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام.
وجاءت الرواية أنّ سبب خروجه ـ بعد الذي ذكرناه ـ : أنّه دخل على هشام بن عبدالملك ، وقد جمع هشام له أهل الشام وأمر أن يتضايقوا له في
__________________
(١) انظر ارشاد المفيد ٢ : ١٥٥ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ١٧٦ ، كشف الغمة ٢ : ٩١ ، تذكرة الخواص : ٢٩٩ ، الفصول المهمة : ٢٠٩ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من الارشاد.
المجلس حتّى لا يتمكن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد : إنّه ليس من عباد الئه أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا اُوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتّقه.
فقال له هشام : أنت المؤهل نفسك للخلافة ، وما أنت وذاك لا أمَّ لك ، وإنّما أنت ابن أمة.
فقال له زيد : إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبيّ بعثه وهو ابن أمة ، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يُبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام ، فالنبوّة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو ابن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام؟
فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال : لا يبيتنّ هذا في عسكري.
فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قوم قطّ حرّ السيوف إلاّ ذلّوا (١).
وذكر ابن قتيبة بإسناده في كتاب عيون الأخبار : أنّ هشاماً قال لزيد بن عليّ لمّا دخل عليه : ما فعل أخوك البقرة.
فقال زيد : سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم باقر العلم وأنت تسمّيه بقرة لقد اختلفتما إذاً (٢).
قال (٣) : فلمّا وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها ، فلم يزالوا به حتّى بايعوه
__________________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٧٢ ، وانظر : عيون الاخبار لابن قتيبة ١ : ٣١٢.
(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١٢.
(٣) يظهر ان القائل هو الشيخ المفيد رحمهالله تعالى ، لان المؤلف أورد عين العبارات الواردة في الارشاد هنا كما فعل في المقطع السابق لرواية ابن قتيبة المشار إليها والمنتهية عند
الهامش السابق.
على الحرب ، ثمّ نقضوا بيعته وأسلموه ، فقتل وصُلب بينهم أربع سنين لاينكره أحد منهم ولم يغيّره بيد ولا لسان ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة ، وكان سنّه يوم قتل إثنين وأربعين سنة ، ولمّا قتل بلغ ذلك من الصادق عليهالسلام كلّ مبلغ ، وحزن عليه حزناً عظيماً ، وفرّق من ماله في عيال من اُصيب معه من أصحابه ألف دينار(١).
وكان عبدالله بن عليّ بن الحسين فقيهاً فاضلاً ، وكان يلي صدقات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدقات أميرالمؤمنين عليهالسلام (٢).
وكان عمر بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام فاضلاً جليلاً ورعاً ، وكان أيضاً يلي صدقات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدقات أمير المؤمنين عليهالسلام.
وكان الحسين بن علي بن الحسين فاضلاً ورعاً ، وروى أخباراً كثيرةعن أبيه عليّ بن الحسين وعن أخيه أبي جعفر وعن عمته فاطمة بنت الحسين عليهمالسلام (٣).
وروي عنه أنّه قال : كان إبراهيم بن هشام المخزوميّ والياً على المدينة ، وكان يجمعنا يوم الجمعة قريباً من المنبر ، ثمّ يقع في عليّ ويشتمه ، قال : فحضرت يوماً وقد امتلأ ذلك المكان فلصقت بالمنبر فأغفيت فرأيت القبر قد انفرج وخرج منه رجلٌ وعليه ثياب بياض فقال لي : يا أباعبدالله ألا يحزنك ما يقول هذا؟ قلت : بلى والله.
قال : افتح عينك وانظر ما يصنع الله به.
__________________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٧٣.
(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٦٩
(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٧٠
فإذا هو قد ذكر علياً عليهالسلام فرمي به من فوق المنبر فمات لعنه الله (١).
__________________
(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٧٤.
( الباب الرابع )
في ذكر الامام الباقر والنور الباهر
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام
وهو خمسة فصولا :
(الفصل الأول)
في ذكر تاريخ مولده ، ومبلغ عمره ،
ومدة إمامته ، ووقت وفاته ، وموضع قبره
ولد عليهالسلام بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة يوم الجمعة غرّة رجب (١) ، وقيل : الثالث من صفر(٢). وقُبض عليهالسلام سنة أربع عشرة ومائة من ذي الحجّة(٣) ، وقيل : في شهر ربيع الأول (٤) ، وقد تمّ عمره سبعاً وخمسين سنة.
وأمّه أمّ عبداللهّ فاطمة بنت الحسن عليهالسلام ، فهو هاشميّ من هاشميّين وعلويّ من علويّين.
وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جانب أبيه زين العابدين عليهالسلام وعمّ أبيه الحسن بن عليّ عليهماالسلام (٥).
فعاش عليهالسلام مع جدّه الحسين عليهالسلام أربع سنين ، ومع أبيه تسعاً وثلاثين سنة ، وكانت مدّة إمامته ثماني عشرة سنة.
وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك الوليد بن عبدالملك ، وملك سليمان بن عبدالملك ، وعمر بن عبدالعزيز ، ويزيد بن عبدالملك ، وهشام بن
__________________
(١) انظر : الكافي ١ : ٣٩٠ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٥٨. مصباح المتهجد : ٧٣٧ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٥ ، دلائل الامامة : ٩٤
(٢) انظر : المناتب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٠ ، الفصول المهمة : ٢١١.
(٣) انظر : الكافي ١ : ٠ ٣٩ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٥٨ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٠.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٠ ، دلائل الامامة : ٩٤.
(٥) انظر : الكافي ١ : ٣٩٥ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٥٨ ، دلائل الامامة : ٤ ٩.
عبدالملك ، وتوفي عليهالسلام في ملكه (١).
__________________
(١) انظر : المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٢١٠ ، دلائل الامامة : ٩٤.