إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

ثمّ إنّه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ، وأقبلوا يزحفون نحوه.

فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليها‌السلام قال : لعمر بن سعد : اي عمر ، أتقاتل الحسين؟! قال : إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح فيه الأيدي ، قال : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قال : لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى.

فاقبل الحرّ ومعه رجل من قومه يقال له : قرّة بن قيس فقال له : يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا. قال قرّة : فظننت أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، ولو أنّه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليه‌السلام ، فاخذ يدنو من الحسين عليه‌السلام قليلاً قليلاً فقال له رجلٌ : ماهذا الذي أرى منك؟ فقال : إني والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، فوالله ماأختارعلى الجنّة شيئاً ولو قُطعتُ وحُرّقتُ ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه‌السلام فقال له : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي جعجعت بك في هذا المكان ، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، والله لو علمت أنّ القوم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت ، وإنّي تائب إلى الله تعالى ممّا صنعت ، فترى لي من ذلك توبة؟

فقال الحسين عليه‌السلام : «نعم يتوب الله عليك فانزل » قال : فانا لك فارساً خيرٌ منّي راجلاً ، اُقاتلهم لك على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري ، فقال له الحسين عليه‌السلام : «فاصنع ـ يرحمك الله ـ مابدا لك ».

فاستقدم أمام الحسين عليه‌السلام فقال : يا أهل الكوفة لاُمّكم الهبل والعبر ، دعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم

٤٦١

قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أخذتم بكظمه (١) ، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه إلى بلاد الله العريضة ، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ، ولايدفع عنها ضرّاً ، وحلأتموه (٢) ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش ، بئس ما خلّفتم محمّداً في ذرّيّته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ. فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين عليه‌السلام.

ورمى عمر بن سعد بسهم وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى ، ثمّ ارتمى الناس وتبارزوا ، فبرز يسار مولى زياد بن أبيه ، فبرز إليه عبدالله بن عمير فضربه بسيفه فقتله ، فشدّ عليه سالم مولى عبيدالله بن زياد فصاحوا به : قد رهقك العبد ، فلم يشعر حتّى غشيه فبدره بضربة اتّقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفّه ، ثمّ شدّ عليه فضربه حتّى قتله ، وأقبل وقد قتلهما وهو يرتجز ويقول :

إنْ تَنكروني فأنا ابنُ الكلب

ّي امرؤٌ ذو مرة وَعضب (٣)

ولستُ بالَخوّار عندَ النكب

وحمل عمرو بن الحجّاج على ميمنة أصحَاب الحسين عليه‌السلام بمن كان معه من أهل الكوفة ، فلمّا دنا من الحسين عليه‌السلام جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليه‌السلام بالنبل فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا آخرين.

__________________

(١) أخذتم بكظمه : أي بمخرج نفسه. «الصحاح ـ كظم ـ ٥ : ٢٠٢٣».

(٢) حلأه عن الماء : طرده ولم يدعه يشرب. «الصحاح ـ حلأ ـ ١ : ٤٥».

(٣) العضب : السيف القاطع. «العين ١ : ٢٨٣».

٤٦٢

وجاء رجل من بني تميم يقال له : عبدالله بن حوزة إلى عسكر الحسين عليه‌السلام فناداه القوم : إلى أين ثكلتك اُمّك؟ فقال : إنّي أقدم على ربّ كريم وشفيع مطاع ، فقال الحسين عليه‌السلام لأصحابه : « من هذا؟ » فقيل : ابن حوزة ، فقال : «اللهم حزه إلى النار» فاضطربت به فرسه فيجدول فوقع وتعلّقت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى ، وشدّ عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت ، وعدا به فرسه فضرب رأسه كلّ حجر وكلّ شجر حتى مات وعجّل الله بروحه إلى النار.

ونشب القتال ، فقتل من الجميع جماعة ، وحمل الحرّ بن يزيد على أصحاب عمر بن سعد وهو يتمثّل بقول عنترة :

مازلتُ أرميهم بغُرّةِ وجههِ

بانِهِ (١)حتّى تسربلَ بالدم

فبرزإليه رجل من بني الحارث فقتله الحرّ.

وبرز نافع بن هلال وهو يقول :

أنا ابنُ هلالِ البجلي

ا على دينِ علي

فبرز إليه مزاحم بن حريث وهو يقول : أنا على دين عثمان ، فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، وحمل عليه فقتله.

فصاح عمر بن الحجّاج بالناس : يا حمقى ، أتدرون من تبارزون ومن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر ، تقاتلون قوماً مستميتين ، لا يبرز إليهم منكم أحدٌ فإنّهم قليل وقلّما يبقون ، واللهّ لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد : صدقت الرأي ما رأيت ، فأرسل في الناس واعرض عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلاً منهم.

ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج في أصحابه على أصحاب الحسين عليه

__________________

(١) لبانة : صدره. «الصحاح ـ لبن ـ ٦ : ٢١٩٣ ».

٤٦٣

السلام من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسديَ رحمه‌الله وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلماً صريعاً ، فسعى إليه الحسين عليه‌السلام فإذا به رمق فقال له : «رحمك الله يا مسلم مِنهُم مَن قَضى نحبَة (وَمنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدّلوا تَبدِيلا)(١).

وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة ، وحمل على الحسين عليه‌السلام وأصحابه من كلّ جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليه‌السلام قتالاً شديداً ، وأخذت خيلهم تحمل ـ وإنّما هي اثنان وثلاثون فارساً ـ فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلاّ كشفته.

فلما رأى ذلك عروة بن قيس ـ وهو على خيل الكوفة ـ بعث إلى عمر ابن سعد : أما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، فابعث إليهم الرجال الرماة ، فبعث إليهم بالرماة ، فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه فنزل عنه وهو يقول :

إن تَعقروا بي فآنا ابنُ الحُرّ

أشجَعُ مِن ذِي لِبَدٍ هِزبَرِ

فجعل يضربهم بسيفه ، وتكاثروا عليه حتّى قتلوه.

وقاتل أصحاب الحسين عليه‌السلام أشدّ قتال ، حتّى أنتصف النهار فلمّا رأى الحصين بن نمير ـ وكأن على الرماة ـ صبر أصحاب الحسين عليه‌السلام تقدّم إلى أصحابه ـ وكانوا خمسمائة نابل ـ : أن يرشقوا أصحاب الحسين عليه‌السلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال حتى ارجلوهم ، واشتدّ القتال بينهم ساعة.

وجاءهم شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في اصحابه ، فحمل عليهم

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٢٣.

٤٦٤

زهير بن القين في عشرة رجال وكشفوهم عن البيوت ، وعطف عليهم شمر فقتل من القوم وردّ الباقين إلى مواضعهم ، وكان القتل يبين في أصحاب الحسين عليه‌السلام لقلّة عددهم ولا يبين في أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم.

واشتدّ القتال ، وكثر القتل في أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام إلى أن زالت الشمس فصلّى الحسين عليه‌السلام بأصحابه صلاة الخوف.

وتقدم حنظلة بن سعد الشامي بين يدي الحسين عليه‌السلام فنادى أهل الكوفة : يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ، يا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التناد ، يا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى ، ثمّ تقدّم فقاتل حتّى قتل ـ رحمه‌الله ـ.

وتقدم بعده شوذب مولى شاكر فقال : السلام عليك يا أبا عبدالله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله ، ثمّ قاتل حتّى قتل ، ولم يزل يتقدّم رجلٌ بعد رجل من أصحابه فيقتل حتّى لم يبق مع الحسين عليه‌السلام إلاّ أهل بيته خاصّة.

فتقدم ابنه عليّ بن الحسين عليهما‌السلام وكان من أصبح الناس وجهاً وله يومئذ بضع عشرة سنة ، فشدّ على الناس وهو يقول :

أنا عليّ بنُ الحسينِ بنِ عليّ

نحن وبيتِ اللهِ أولى بالنَّبيّ

تاللهِ لا يحكم فِينا ابنُ الدعي

ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتّقون قتله ، فبصر به مُرّة بن منقذ العبد يلعنه الله ، فطعنه فصرعه ، واحتواه القوم فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين عليه‌السلام حتّى وقف عليه فقال : «قتل اللهّ قوماً قتلوك يا بُنيّ ، ما أجرأهم على اللهّ وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وانهملت عيناه بالدّموع ، ثم قال : «على الدنيا بعدك العفاء» ، وخرجت زينب اُخت

٤٦٥

الحسين مسرعة تنادي : يا اُخيّاه وابن اُخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه ، وأخذ الحسين عليه‌السلام برأسها فردها إلى الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

ثمّ رمى رجلٌ من أصحاب عمر بن سعد يقال له : عمرو بن صبيح عبدالله بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع عبدالله يده على جبهته يتقيه فاصاب السهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها بها فلم يستطيع تحريكاً ، ثمّ انتحى عليه اخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.

وحمل عبدالله بن قطبة الطائي على عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام فقتله.

وحمل عامر بن نهشل التيمي على محمّد بن عبداللهّ بن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام فقتله.

قال حميد بن مسلم : فأنا كذلك إذ خرج علينا غلام كأنّ وجهه فلقة قمر ، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسعع إحداهما ، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ : والله لأشدّنّ عليه ، فقلت : سبحان الله ، وماذا تريد منه؟! دعه يكفيكه هؤلاء القوم ، فشد عليه فقتله ، ووقع الغلام لوجهه فقال : يا عمّاه ، فجلى (١) الحسين عليه‌السلام كما يجلي الصقر ، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمر بن سعيد بالسيف فاتّقاها بالساعد فأطنّها (٢) من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثمّ تنحّى عنه الحسين وحملت خيل أهل الكوفة ليستنفذوه فتوطّأته بأرجلها حتّى مات لعنه الله ، وانجلت الغبرة فرأيت الحسين عليه‌السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين عليه‌السلام يقول : «بعداً لقوم قتلوك

__________________

(١) جلى ببصره : إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد. «الصحاح ـ جلا ـ ٦ : ٢٣٠٥».

(٢) اطنها : أي قطعها ، ويراد بذلك صوت القطع. «الصحاح ـ ضنن ـ ٦ : ٢١٥٩».

٤٦٦

ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك» ثمّ قال : «عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت ـ والله ـ كثر واتره وقلّ ناصره» ثمّ حمله على صدره ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان الأرض ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته ، فسألت عنه فقيل : هو القّاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام.

ثمّ جلس الحسين عليه‌السلام أمام الفسطاط ، فأُتي بابنه عبداللهّ بن الحسين وهو طفلٌ فأجلسه في حجره ، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين من دمه ملء كفّه وصبّه في الأرض ثمّ قال : «ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء ، فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين » ، ثمّ حوّله حتّى وضعه مع قتلى أهله.

ورمى عبدالله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام فقتله.

فلما رأى العبّاس بن عليّ كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من أمّه ـ وهم عبداللهّ وجعفر وعثمان ـ : يا بني اُمّي تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله ، وإنّه لا ولد لكم ، فتقدّم عبداللهّ فقاتل قتالاًَ شديداً فاختلف هو وهانئ بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هانئ ، وتقدّم بعده جعفر بن عليّ عليه‌السلام فقتله أيضاً هانئ ، وتعمّد خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن عليّ ـ وقد قام مقام إخوته ـ فرماه فصرعه ، وشدّ عليه رجل من بني دارم فاحتزّ رأسه.

وحملت الجماعة على الحسين عليه‌السلام فغلبوه على عسكره ، واشتدّ به العطش فركب المسنّاة يريد الفرات وبين يده أخوه العبّاس ، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجلٌ من بني دارم ، فقال لهم : ويلكم حولوا بينه وبين ماءِ الفرات ولا تمكنوه من الماء ، فقال الحسين عليه‌السلام :

٤٦٧

«اللهم اظمأه » فغضب الدارمي فرماه بسهم فاثبته في حنكه (١) ، فانتزع الحسين عليه‌السلام السهم وبسط يده تحت حنكه (٢) فامتلأت راحتاه بالدم فرماه ثمّ قال : «اللهم إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبّيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ثمّ رجع إلى مكانه واشتدّ به العطش ، وأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه عنه ، فجعل يقاتلهم وحده حتّى قُتل رحمه‌الله.

ولمّا رجع الحسين عليه‌السلام من المسنّاة تقدّم إليه شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في جماعة من أصحابه ، وضربه رجل يقال له : مالك الكنديّ على رأسه بالسيف ، وكان عليه قلنسوة فقطعها حتّى وصل إلى رأسة فادماه وامتلأت القلنسوة دماً ، فقال له الحسين عليه‌السلام : «لا أكلت بيمينك ، ولا شربت بها ، وحشرك الله مع الظالمين » ثمّ ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى قلنسوة اُخرى فلبسها واعتمَ عليها ، ورجع عنه شمر ومن كان معه إلى مواضعهم ، مكث هنيهة ثمّ عاد وعادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج إليه عبدالله بن الحسن ـ وهو غلامٌ لم يراهق ـ من عند النساء يشتد حتّى وقف إلى جنب الحسين عليه‌السلام فلحقته زينب بنت علي عليه‌السلام لتحبسه فقال لها الحسين عليه‌السلام : «احبسيه يا أختي » فابى وامتنع عليها إمتناعاً شديداً وقال : والله لا اُفارق عمّي ، فأهوى ابجر بن كعب إلى الحسين بالسيف فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمّي؟ فضربه ابجر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده فاطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة ، فنادى الغلام : يا اُمّاه ، فأخذه الحسين عليه‌السلام فضمّه إلى صدره وقال

__________________

(١) في نسختي «ق » و«ط» : جبينه.

(٢) في نسختي «ق» و«ط» : جبينه.

٤٦٨

له : «يا بنيّ اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإنَ الله يلحقك بآبائك الصالحين ».

ثم رفع الحسين عليه‌السلام يده وقال : «اللهم إن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا فقتلونا».

وحملت الرجّالة يميناً وشمالاً على من كان بقي معه ، فقتلوهم حتّى لم يبق معه إلاّ ثلاثة نفر أو أربعة ، فلمّا رأى الحسين عليه‌السلام ذلك دعا بسراويل (١) يلمع فيها البصر ففزرها (٢) ثمّ لبسها ، وإنّما فزرها لكي لا يسلب بعد قتله ، فلمّا قتل عليه‌السلام عمد أبجر بن كعب ـ لعنه الله ـ إليه فسلبه السراويل وتركه مجرّداً ، فكانت يدا أبجر بن كعب بعد ذلك تتيبّسان في الصيف كأنّهما عودان ، وتترطّبان في الشتاء فتنضحان دماً وقيحاً إلى أن أهلكه الله.

ولما لم يبق معه إلاّ ثلاثة رهط من أهله أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه وعن الثلاثة والثلاثة يحمونه ، حتّى قتل الثلاثة وأثخن بالجراح في رأسه وبدنه ، وجعل يضاربهم بسيفه وهم يتفرّقون عنه يميناً وشمالاً.

قال حميد بن مسلم : فوالله ما رأيت مكثوراً قطَ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه ، إن كانت الرجالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتدّ عليها الذئب.

فلمّا رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن أمر الرماة أن يرموه ، فرشقوه

__________________

(١) في الإرشاد : بسراويل يمانية.

(٢) الفزر : الفسخ في الثوب ، يقال : لقد تفزّر الثوب ، اذا تقظع وبلى. «الصحاح ـ فزر ـ ٢ : ٧٨١ ».

٤٦٩

بالسهام حتّى صار كالقنفذ ، فأحجم عنهم ، فوقفوا بإزائه ، ونادى شمر : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ثكلتكم اُمّهاتكم.

ـ فحُمل عليه من كلّ جانب ، فضرِبه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وطعنه سنان بن أنس بالرّمح فصرعه ، ونزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله ليحز رأسه فاُرعد ، فقال له شمر : فتّ الله (١) في عضدك ، ما لك ترعد؟

ونزل إليه شمر لعنه الله فذبحه ثمّ دفع رأسه إلى خولي بن يزيد الأصبحي ، فقال له : إحمله إلى الأمير عمر بن سعد.

ثمّ أقبلوا على سلب الحسين عليه‌السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وأخذ سراويله أبجر بن كعب ، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد ، وأخذ سيفه رجلٌ من بني دارم. وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه.

قال حميد بن مسلم : فوالله لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تُغلب عليه فيذهب به منها.

قال : ثمّ انتهينا إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام وهو منبسط على فراشه مريض ، ومع شمر جماعة من الرجّالة ، فقالوا : ألا نقتل هذا العليل ، فقلت : سبحان الله أتقتل الصبيان ! إنما هذا صبيّ ، وإنّه لما به ، فلم أزل بهم حتَى دفعتهم عنه.

وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه : لايدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء ، ولا تتعرّضوا لهذا الغلام المريض ، فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهنّ ليستترن به ، فقال : من أخذ من

____________

(١) فتّ الشيء : أي كسره. «الصحاح ـ فتت ـ ١ : ٢٥٩».

٤٧٠

متاعهنّ شيئاً فليردّه ، فوالله ما ردّ أحدٌ منهم شيئأ ، فوكّل بالفسطاط وبيوت النساء وعليّ بن الحسين عليهما‌السلام جماعة ممّن كانوا معه ، فقال : احفظوهم.

ثمّ عاد إلى مضربه ونادى في عسكره : من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة ، منهم : إسحاق بن حيوة ، وأخنس بن مرثد ، فداسوا الحسين عليه‌السلام بخيولهم حتّى رضّوا ظهره لعنهم الله.

وسرح عمر بن سعد لعنه الله برأس الحسين عليه‌السلام من يومه ـ وهو يوم عاشوراء ـ مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيدالله بن زياد لعنه الله ، وأمر برؤوس الباقين فقطعت وكانت إثنين وسبعين رأساً ، فسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو ابن الحجاج لعنهم الله ، فاقبلوا حتّى قدموا بها على ابن زياد لعنه الله ، وأقامه وبقيّة يومه واليوم الثّاني إلى الزوال ، ثمّ نادى في الناس بالرحيل ، وتوجّه نحو الكوفة ومعه بنات الحسين عليه‌السلام وأخواته ومن كان معه من النساء والصبيان ، وعليّ بن الحسين عليه‌السلام فيهم وهو مريض بالذّرَب (١) وقد أشفى(٢).

فلما رحل إبن سعد خرج قوم من بني أسد ـ كانوا نزولاً بالغاضريّة ـ إلى الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فصلّوا عليهم ، ودفنوا الحسين عليه‌السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه عليّ بن الحسين الأصغر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صُرعوا حوله حفيرة ممّا يلي رجله

__________________

(١) الترَب : الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه. «لسان العرب ١ : ٣٨٥».

(٢) اشفى : قرب من الموت. «الصحاح ـ شفا ـ ٦ : ٤ ٢٣٩».

٤٧١

وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً ودفنوا العبّاس بن عليَ في موضعه الذي قتلفيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الأن.

فلما وصل رأس الحسين عليه‌السلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله جلس ابن زياد في قصر الإمارة وأذن للناس إذناً عاماً ، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسّم وبيده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان إِلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو شيخ كبيرٌ ـ فقال : إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا اُحصيه تترشفهما. ثمّ انتحب باكياً ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك ، أتبكي لفتح الله ، والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فنهض زيد بن أرقم وصار إلى منزله.

واُدخل عيال الحسين عليه‌السلام على ابن زياد ، فدخلت زينب اُخت الحسين في جملتهم متنكّرة وعليها أرذل ثيابها ، فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفّ بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذه التي انحازت ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب ، فأعاد ثانية وثالثة فقال له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاقبل عليها ابن زياد لعنه الله وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم.

فقالت زينب : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا.

فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله باهل بيتك؟

قالت : كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتختصمون عنده.

٤٧٢

فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، والمرأةلاتؤاخذ بشيء من منطقها.

فقال لها ابن زياد : قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك.

فرقّت زينب وبكت ، وقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، واجتثثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت.

فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعاً.

فقالت : ما للمرأة والسجاعة ، إنّ لي عن السجاعة لشغلاً ، ولكن صدري نفث بما قلت.

وعرض عليه عليّ بن الحسين عليهما‌السلام فقال له : من أنت؟

قاك : «أنا عليّ بن الحسين ».

قال : أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟

فقال : «كان لي أخِّ يسمّى عليّاً ، فقتله الناس ».

قال ابن زياد : بل الله قتله.

فقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : « (اللهً يَتَوفّى الأنفُسَ حينَ مَوِتها)(١).

فغضب ابن زياد وقال : بك جرأة لجوابي ، وفيك بقيّة للردّ عليّ ، إذهبوا به فاضربوا عنقه.

فتعلَقت به زينب عمّته وقالت : يا ابن زياد ، حسبك من دمائنا ، واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه.

فنظر ابن زياد إليها ساعة وقال : عجباً للرحم ، والله اني لأظنّها ودت

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ٤٢.

٤٧٣

أنّي قتلتها معه ، دعوه فإنّي أراه لما به مشغول ، ثمّ قام من مجلسه.

ولما أصبح ابن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه‌السلام فدير به في سكك الكوفة وقبائلها.

فروي عن زيد بن أرقم أنّه قال : مرّ به عليّ وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلمّا حاذاني سمعته يقرأ : (اَمْ حَسِبْتَ اَنَ اَصحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِنْ اياتِنا عَجَباً) وقف والله شعري وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب.

ولما فرغ القوم من التطواف به ردّوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رؤوس أصحابه وسرّحه إلى يزيد بن معاوية وأنفذ معه جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها إلى يزيد بن معاويةبدمشق ، فقال يزيد : قد كنت اقنع وأرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أنّي صاحبه لعفوت عنه.

ثم إنّ عبيدالله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين أمر بنسائه وصبيانه فجهّزوا وأمر بعليّ بن الحسين عليه‌السلام فغلّ بغلّ إلى عنقه ثمّ سرّح به فيأثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذيّ وشمر بن ذي الجوشن لعنهما الله فانطلقا بهم حتّى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس ولم يكن عليّ بن الحسين عليه‌السلام يكلّم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتّى بلغوا باب يزيد فرفع مجفر بن ثعلبة صوته فقال : هذا مجفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة ، فأجابه عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «ما ولدت أمّ مجفر أشر وألأَم ».

ولمّا وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين عليه‌السلام قال يزيد :

٤٧٤

نفلّقُ هاماً مِن رجالٍ أعِزة

عَلينا وَهُم كانُوا أعَقّ وأظلما(١)

فقال يحيى بن الحكم ـ أخو مروان بن الحكم ـ وكان جالساً مع يزيد :

لَهامٌ بـأدنى الطَفّ أدنى قَرابة

من ابنِ زياد العبدِي ذي الحَسَب الرَّذلِ(٢)

أميّةُ أمسى نسلها عددَ الحَصى

وبــنتُ رســولِ اللهِ لَيسَ لها نسلُ

فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم وقال : اُسكت.

ثمَ قال لعليّ بن الحسين عليهما‌السلام : يا ابن حسينٍ أبوك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.

فقال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : (ما أَصابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلأ فِي أَنفُسِكم إلاّ في كتاب من قبل أَن نَّبرَأَها إِنّ ذلِكَ عَلَى الله يسير)(٣)

فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد : قل : (ما أَصابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبما كَسَبَت أَيدِيكُم ويَعفو عَن كَثيرٍ )(٤).

ثمّ دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال : قبّح الله ابن مرجانة ، لوكانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا.

قالت فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام : فلمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا ، فقام رجل من أهل الشام أحمر فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه

__________________

(١) البيت من قصيدة للحصين بن الحمام من شعراء الجاهلية. أنظر : الأغاني ١٤ : ٧ ، شرح إختيارات المفضل : ٣٢٥.

(٢) في نسخة «م» : الوغل.

(٣) الحديد ٥٧ : ٢٢.

(٤) الشورى ٤٢ : ٣٥.

٤٧٥

الجارية ـ يعنيني ـ وكنت جارية وضيئة ، فاٌرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم فاخذت بثياب عمّتي زينب وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت عمّتي للشامي : كذبت والله ولؤمت ، ما ذلك لك ولا له.

فغضب يزيد وقال : كذبتِ ، إنّ ذلك لي ولو شئت لفعلت.

قالت : كلاّ والله ما جعل الله ذلك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.

فاستطار يزيد غضباً وقال : إياي تستقبلين بهذا ، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك.

قالت زينب : بدين الله ودين أبي وأخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلماً.

قال : كذبتِ يا عدوّة الله.

قالت له : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك.

فكأنّه استحيا وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب ، وهب الله لك حتفاً قاضياً.

ثم امر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهنّ عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام ، فافرد لهم داراً تتّصل بدار يزيد ، فاقاموا أيّاماً ، ثمّ ندب يزيد النعمان بن بشير وقال له : تجهّز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة ، ولمّا أراد أن يجهّزهم دعا عليّ بن الحسين عليه‌السلام فاستخلاه؟ قال له : لعن الله ابن مرجانة ، أم والله لو أنّي صاحب أبيك ما سألني خصلة إلاّ أعطيته ايّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولكن الله قض بما رأيت (١) ،

__________________

(١) لست أدري بأي عبارة اُجيب يزيد على أكاذيبه هذهِ ، ودعاواه الباطلة السقيمة الي لا تنطلي إلاّ على السذج والبسطاء الذين لا يعرفون قطعاً من هو يزيد بن معاوية بن هند ، وما هي أفعاله سواء في كربلاء أو المدينة أو غيرهما.

٤٧٦

كاتبني من المدينة وأنه كلَ حاجة تكون لك. وتقدّم بكسوته وكسوة أهله ، وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولاً تقدّم إليه أن يسير بهم في الليل ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفة عين ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هو وأصحابه حولهمِ كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم حيث لو أراد إنسان من جماعتهم وضوءاًَ أو قضاء حاجة لم يحتشم ، فسار معهم في جملة النعمان ابن بشير ، فلم يزل يرفق بهم في الطريق حتى وصلوا إلى المدينة

فجميع من قتل مع الحسين عليه‌السلام من أهل بيته بطفّ كربلاء ثمانية عشر نفساً ، هو صلوات الله عليه تاسع عشرهم ، منهم : العبّاس ، وعبدالله ، وجعفر ، وعثمان بنو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أمّهم اُمّ البنين.

وعبيدالله ، وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، اُمّهما ليلى بنت مسعود الثقفيّة.

وعليّ ، وعبدالله ابنا الحسين عليه‌السلام.

والقاسم ، وعبدالله ، وأبو بكر بنو الحسن بن عليّ عليهما‌السلام.

ومحمّد ، وعون ابنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب.

وعبدالله ، وجعفر ، وعقيل (١) ، وعبدالرحمن بنو عقيل بن أبي طالب.

__________________

=

نعم إنَ هذا القول ـ إن صح صدوره عنه ـ فإنّه والله تعالى من مهازل الدهر التي تبقى شاهدة على أحابيل الطغاة ، وأكاذيب الفراعنة الفاسقين ، وإلاّ فمَنْ كان ابن زياد ، وابنسعد ، وابن الجوشن وغيرهم من شذاذ الآفاق ومزابل التأريخ ، هل كانوا إلاّ سيوف يزيد التي تنقاد لإرادته ، وتستجيب مذعنة لمشيئته؟ بل وهل يخفى على أحد تسلسل الأحداث منذ أنهلك معاوية وحتى العاشر من محرم ، وكيف كان الأمر يدور برمًته بين أصابع يزيد القذرة ، ولا ينطلق إلاّ منه؟

إنها دعوة صادقة للتأمل والتدبر مرة بعد اُخرى في هذهِ الأحداث برمتها ، ثم الحكم بعدذلك على مثل هذه الاقوال وفق هذا الفهم السليم.

(١) كذا ، وهو اشتباه واضح ، حيث لم تذكر المصادر التاريخية وجود من يسمى بعقيل في ولد

=

٤٧٧

ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب.

وهم كلّهم قد دفنوا ممّا يلي رجلي الحسين عليه‌السلام حفر لهم حفيرة واُلقوا جميعاً فيها وسوّي عليهم التراب إلاّ العبّاس بن عليّ بن أبي طالب فإنّ قبره ظاهر(١).

وقال الشيخ المفيد أبو عبدالله ـ قدّس الله روحه ـ : فأمّا أصحاب الحسين عليه‌السلام فإنّهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق ، إلاّ أنّنا لا نشكّ أنّ الحائر محيط بهم (٢).

وذكر ـ السيد الأجلّ المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ في بعض مسائله : أنّ رأس الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام وضمّ إليه (٣). والله أعلم.

__________________

عقيل ابن أبي طالب. «أنظر : الارشاد للمفيد ٢ : ١٢٥ ، مقاتل الطالبيين : ٩٢ ، تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٩ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٩٢».

(١) اُنظر ارشاد المفيد ٢ : ١٢٥.

(٢) أرشاد المفيد ٢ : ١٢٦.

(٣) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ١٣٠.

٤٧٨

(الفصل الخامس )

في ذكر عدد أولاد الحسين عليهم السلام

كان له عليه‌السلام ستّة أولاد : علي بن الحسين الأكبر زين العابدين عليهما‌السلام ، اُمّه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار.

وعلي الأصغر ، قُتل مع أبيه ، اُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّة ، والناس يغلطون ويقولون : إنه علي الأكبر.

وجعفر بن الحسين ، واُمّه قضاعية ، ومات في حياة أبيه ولا بقيَة له.

وعبدالله ، قُتل مع أبيه صغيراً وهو في حجر أبيه ، وقد مرّ ذكره فيما تقدّم.

وسكينة بنت الحسين ، واُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عديّ بن أوس ، وهي اُمّ عبدالله بن الحسين عليه‌السلام.

وفاطمة بنت الحسين ، واُمها اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله تيميّة (١).

__________________

(١) انظر ارشاد المفيد ٢ : ١٣٥ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٧٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣٨ الفصول المهمة : ١٩٩.

٤٧٩

(الباب الثالث)

في ذكر الإمام الرابع سيّد العابدين

عليّ بن الحسين عليه‌السلام

وفيه خمسة فصول :

٤٨٠