إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

(الفصل الأول)

في ذكر تاريخ مولده ومبلغ سنه

ولد عليه‌السلام بالمدينة يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان (١) ، وقيل : لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة(٢) ، وقيل : ولد اخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة(٣) ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن عليهما‌السلام إلاّ الحمل والحمل ستّة.

وجاءت به فاطمة الزهراء أمه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّاه حسيناً وعقّ عنه كبشاً.

وعاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر ، كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أمير المؤمنين سبعاً وثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن عليه‌السلام سبعاً وأربعين سنة ، وكانت مدّة خلافته عشر سنين وأشهراً.

وقتل صلوات اللهّ عليه يوم عاشوراء يوم السبت ، وقيل : يوم الاثنين (٤) ، وقيل : يوم الجمعة سنة إحدى وستّين من الهجرة(٥).

_________

(١) مسار الشيعة : ٦١ ، مصباح المتهجد : ٧٥٨.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ٢٧ ، مناقب ابن شهراشوب ٤ : ٧٦ ، مقاتل الطالبيين : ٧٨ ، اُسد الغابة ٢ : ١٨.

(٣) المقنعة : ٤٦٧ ، التهذيب للطوسي ٦ : ٤١.

(٤) الكافي ا : ٣٨٥ | ب ١١٥ ، التهذيب للطوسي ٦ : ٤٢ ، مقاتل الطالبيين : ٧٨.

(٥) التهذيب للطوسي ٦ : ٤٢ ، مقاتل الطالبيين : ٧٨.

٤٢١

(الفصل الثاني)

في ذكر الدلائل على إمامته

وأنه المنصوص عليه من جهة أبيه وأخيه

تدلّ على إمامته عليه‌السلام جميع الطرق الاعتبارية والإخباريّة التيذكرناها في إمامة الحسن عليه‌السلام بعينها ، فإن جميعها كما تدلّ على إمامته تدلّ على إمامة أبي عبدالله الحسين عليه‌السلام من بعده مثلاً بمثل ، وقد صرّح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامته أيضاً بقوله : «إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا»(١).

وأيضاً فإنّ وصيّة الحسن عليه‌السلام إليه تدلّ على إمامته كما دنت وصيّة أميرالمؤمنين عليه‌السلام إلى الحسن عليه‌السلام على إمامته ، بحسب ما دلّت وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام على إمامته من بعده.

وممّا جاء من الأخبار في وصيّة الحسن عليه‌السلام إليه ما رواه محمد ابن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن محمد ابن سليمان الديلميّ ، عن هارون بن الجهم ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام يقول : «لمّا احتضر الحسن عليه‌السلام قال للحسين : يا أخي إنّي اُوصيك بوصيّة (فاحفظها)(٢) إذا أنا متّ فهيئني ووجّهني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحدث به

_________

(١) تقدّم في صفحة : ٤٠٧ هامش (٣).

(٢) أثبتناها من المصدر.

٤٢٢

عهداً ، ثمّ اصرفني إلى اُمّي فاطمة عليها‌السلام ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع »(١) إلى آخر الخبر.

وروى محمد بن يعقوب بإسناده ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «لمّا حضرت الحسن الوفاة قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد؟ فقال : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : امض فادع لي محمد بن علي (٢).

قال : فاتيته ، فلمّا دخلت عليه قال : هل حدث إلاّ خير؟ قلت : أجب أبا محمد.

فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه ، فخرج معي يعدو ، فلمّا قام بين يديه سلّم فقال له الحسن عليه‌السلام : إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء ، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى ، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمة وفضّل بعضهم على بعض وآتى داود زبوراً ، وقد علمت بما استأثر [به] محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

يا محمد بن علي ، إنّي أخاف عليك الحسد ، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال : ( كفّاراً حَسَداً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ فاتَبيَّنَ لَهُم الحقّ ) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً.

يا محمد بن عليّ ، ألا اُخبرك بما سمعت من أبيك عليه‌السلام فيك؟

قال : بلى.

قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني في الدنيا

_________

(١) الكافي ١ : ٣٠ | ٢٤ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٤ : ١٧٤ |١.

(٢) هو أخوه محمّد بن الحنفية.

٤٢٣

والآخرة فليبر محمداً ولدي.

يا محمّد بن عليّ ، لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهرأبيك لأخبرتك.

يا محمّد بن عليّ ، أما علمت أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند الله في الكتاب وراثة من النبيّ أضافها الله له في وراثة أبيه واُمّه ، علم الله أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّدٌ عليّاً واختارني عليّ للإمامة واخترت أنا الحسين.

فقال له محمّد بن عليّ : أنت إمامي وسيّدي ألا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ، ولا تغيّره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل ، وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ، حتّى لا يجد قلماً ، ويؤتوا بالقرطاس حمماً ولا يبلغ فضلك ، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوّة إلاّ بالله ، الحسين أعلمنا علماً ، وأثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله رحماً ، كان إماماً قبل أن يُخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله أنّ أحداً خيراً منّا ما اصطفى محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما اختار محمداً اختار محمد عليّاً إماماً واختارك عليٌّ بعده واخترتَ الحسين عليه‌السلام بعدك ، سلّمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات » (١).

وفي حديث حبابة الوالبيّة الذي رويناه هناك (٢) ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالّة على إمامته فلا معنى لتكريره وإعادته.

فكانت إمامته عليه‌السلام ثابتة بعد أخيه الحسن عليه‌السلام وإن لم

_________

(١) الكافي ١ : ٢٣٩| ٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٤ : ١٧٤ |٢.

(٢) تقدم في صفحة : ٤٥٨.

٤٢٤

يدع إلى نفسه ؛ للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وجرى فيذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله السلام مع الكفّ والصموت ، ومجرى أخيه عليه‌السلام في زمان الهدنة والسكوت ، فلمّا انقضى زمان الهدنة بهلاك معاوية ، واجتمع له في الظاهر الأنصار ، أظهر أمره بعض الإظهار ، وتشمّر للقتال ، وقدّم إلى العراق ابن عمّه عليه‌السلام مسلماً للاستنصار.

فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة ، ثمّ نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه ، وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه شهيداً كما استشهد أبوه وأخوه عليهم‌السلام.

***

٤٢٥

(الفصل الثالث )

في ذكر بعض خصائصه ومناقبه

وفضائله صلوات الله عليه

كان عليه‌السلام يشبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه‌السلام يشبهه من صدره إلى رأسه كما تقدم (١).

وروى سعيد بن راشد ، عن يعلى بن مرّة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط »(٢).

وروى عبدالله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : «إصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إيهاً (٣) حسن خذ حسيناً ،

_________

(١) تقدم في صفحة : ٤١٣

(٢) كامل الزيارات : ٥٢ و ٥٣ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٢٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١٢ : ١٠٢ | ١٢٢٤٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥١ ، الأدب المفرد للبخاري ١ : ٣٦٤ | ٤٥٥ ، والتاريخ الكبير ٨ : ٤١٤ | ٣٥٣٦ ، مسند أحمد ٤ : ١٧٢ ، صحيح الترمذي ٥ : ٦٥٨ | ٣٧٧٥ ، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٢٠ | ٢٥٨٦ و ٢٥٨٧ و ٢٥٨٩ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٧ ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : ٧٩ | ١١٢ ، اُسد الغابة ٢ : ١٩ ، جامع الأصول ٩ : ٢٩ ، ذخائر العقبى : ٣٣ ١ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ١٩٠ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٣ ٤ : ٢٧٠ | ٣٥.

(٣) إيهِ : اسم سُميَ به الفعل ، لأن معناه الأمر. تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل : إيهِ (بكسر الهاء). قال ابن السكيت : فإن وصلت نؤنت فقلت : إيهٍ حدثنا. »الصحاح ـ أيه ـ ٦ : ٢٢٢٦».

٤٢٦

فقالت فاطمة عليها‌السلام : يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا جبرئيل يقول للحسين : ايهاً حسين خذ حسناً»(١).

وروى الأوزاعي ، عن عبدالله بن شدّاد ، عن اُمّ الفضل ، أنّها دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حُلماً منكراً.

قال : «وما رأيت؟».

فقالت : إنّه شديد.

قال : «وما هو؟».

قالت : رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك ».

فولدت الحسين عليه‌السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله.

قالت : فدخلت به يوماً على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول اللهّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهرقان بالدموع ، فقلت : بابي أنت واُمّي يا رسول الله مالك؟

قال : «أتاني جبرئيل فاخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة

_________

(١) قرب الاسناد : ١٠١ | ٣٣٩ ، أمالي الصدوق : ٣٦١ ، ارشاد المفيد ٢ : ١٢٨ ، أمالي الطوسي ٢ : ١٧٢ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٣ ، مقتل الخوارزمي : ١٠٥ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ ١١٦ ـ ١١٧ |١٥٤ ـ ١٥٦ ، أسد الغابة ٢ : ١٩ ، ذخائر العقبى : ١٣٤ ، الاصابة : ١ : ٣٣٢ ، وفي بعضها باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار٤٣ : ٢٧٦ | ٤٥.

٤٢٧

من تربته حمراء» (١).

وفي مسند الرضا عليه‌السلام : عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت : لمّا كان بعد حول من مولد الحسن عليه‌السلام ولد الحسين عليه‌السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.

قالت أسماء : فداك أبي واُمّي ممّ بكاؤك؟

قال : من ابني هذا.

قلت : إنّه ولد الساعة!

قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي ، ثمّ قال : يا أسماء ، لا تخبري فاطمة فإنّها حديث عهد بولادته ، ثمّ قال لعليّ : أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا؟

قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً.

فقال رسول الله : ما كنت لأسبق باسمه ربّي.

فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرئك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون.

فقال : وما اسم ابن هارون؟

قال : شبير.

_________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٢٩ ، دلائل الامامة : ٧٢ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٦ ، دلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٤٦٨ ، مقتل الخوارزمي ١ : ١٥٨ ، البداية والنهاية ٦ : ٢٣٠.

٤٢٨

قال : لساني عربيّ.

قال : سمّه الحسين.

فسمّاه الحسين ، ثمّ عقّ عنه يوم سابعه بكبشين أملحين ، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره وَرِقاً ، وطلى رأسه بالخلوق وقال : الدم فعل الجاهليّة ، وأعطى القابلة فخذ كبش »(١).

وروى الضحّاك ، عن ابن المخارق ، عن اُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالس والحسين عليه‌السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت : يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك؟

قال : «جاءني جبرئيل عليه‌السلام فعزّاني بابني الحسين ، وأخبرني أنّ طائفة من اُمّتي ستقتله ، لا أنالهم الله شفاعتي »(٢).

وروي بإسناد آخر عن اُمّ سلمة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنّا طويلاً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله ، ما لي أراك شَعِثاً مغبرّاً؟

فقال : «اُسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي » وبسطها فقال : «خذيه واحتفظي به ».

فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها ، فلمّا خرج الحسين عليه‌السلام متوجّها نحو العراق كنت اُخرج تلك القارورة في كلّ يوم وليلة فاشمّها وأنظر إليها ثمّ أبكي لمصابه ،

_________

(١) عيون أخبار الرضا (ع ) ٢ : ٢٥ | ضمن حديث ٥.

(٢) ارشاد المفيد ٢ : ١٣٠ ، كشف الغمة ٢ : ٧.

٤٢٩

فلمّا كان يوم العاشر من المحرّم ـ وهو اليوم الذي قُتل فيه ـ أخرجتها في أوّل النهار وهي بحالها ثمّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط ، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتّى جاء الناعي ينعاه ، فحقّق مارأيت (١).

وعن ابن عبّاس رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «قال لي جبرئيل عليه‌السلام : إنّ الله جلّ جلاله قتل بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفاً ، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً»(٢).

وروى سفيان بن عيينة ، عن عليّ بن زيد ، عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : «خرجنا مع الحسين عليه‌السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ ذكر يحيى بن زكريّا ، وقال يوماً : من هوان الدنيا على الله عزّ وجلّ أنّ رأس يحيى بن زكريّا اُهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل »(٣).

وروى يوسف بن عبدة قال : سمعت محمّد بن سيرين يقول : لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلاّ بعد قتل الحسين عليه‌السلام (٤).

_________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ١٣٠ ، كشف الغمة ٢ : ٨ ، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه ٢ : ٢٤٥.

(٢) تاريخ بغداد ا : ٢ ٤ ١ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين (ع) ـ ٢٤١ | ٢٨٦ ، الفردوس لابن شيرويه ٣ : ١٨٧ | ٤٥١٥.

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ٣٢ ١ ، مجمع البيان ٣ : ٥٠٢ ، كشف الغمة ٢ : ٩.

(٤) ارشاد المفيد ٢ : ١٣٢ ، كشف الغمة ٢ : ٩ ، طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين

(ع) ـ ج ٨ انظر : مجلة تراثنا العدد ١٠ : ص ٢٠٠ ح ٣٢٦ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام

علي (ع) ـ : ٢٤٥ | ٢٩٨ ، وباختلاف يسير في : المعجم الكبير للطبراني ٣ : ١٢٢ | ٢٨٤٠ ، ونحوه في : سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١٢ ، وتاريخ الاسلام للذهبي : ص ١٥حوادث سنة ٦١.

٤٣٠

وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال : أخبرنا القطّان : حدّثنا عبدالله بن جعفر ، حدّثنا يعقوب بن سفيان ، حدّثنا سليمان ابن حرب ، حدّثنا حمّاد بن زيد ، عن معمر قال : أوّل ما عُرف الزهري تكلّم في مجلس الوليد بن عبد الملك ، فقال الوليد : أيّكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن عليّ؟

فقال الزهري : بلغني أنّه لم يُقلب حجرٌ إلاّ وجد تحته دمٌ عبيط (١).

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن عليّ بن مسهر قال : حدّثتني جدّتي قالت : كنت أيّام الحسين عليه‌السلام جارية شابّة فكانت السماء أيّاماً علقة(٢).

قال : وأخبرنا القطّان بإسناده ، عن جميل بن مرّة قال : أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه‌السلام يوم قُتل فنحروها وطبخوها ، قال : فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً(٣).

وعن ابن عبّاس قال : رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر ، بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ما هذه؟

_________

(١) دلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٤٧١ ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٣ : ١٢٧ |٢٨٥٦ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١٤ ، وتاريخ الاسلام : ص ١٦ حوادث سنة ٦١ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٩٧.

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٤٧٢ ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير ٣ : ١٢٠ | ٢٨٣٦ ، وابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : ٢٤٢ | ٢٨٩ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٩٦.

(٣) دلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٤٧٢ ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١٣ ، وتاريخ الاسلام : ص ١٥ حوادث سنة ٦١.

٤٣١

قال : «هذا دم الحسين عليه‌السلام وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ».

فاُحصي بذلك الوقت فوجد [قد] قتل ذلك اليوم (١).

وعن نضرة الأزديّة : لمّا قتل الحسين بن علي عليهما‌السلام مطرت السماء دماً ، فأصبحت وكلّ شيء لنا ملء دم (٢)!!

وروى محمد بن مسلم ، عن السيدين الباقر والصادق عليهما‌السلام قال : سمعتهما يقولان : «إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه‌السلام من قتله : أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولاتُعدّ أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره ».

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه؟

قال : «إنّ الله تعالى ألحقه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان معه في درجته ومنزلته » ثمّ تلا أبو عبدالله عليه‌السلام : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأتبَعَتهُم ذُرِيّتهُم بإيفانٍ أَلحَقتا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم )(٣) (٤).

وَالأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.

_________

(١) مسند أحمد ١ : ٢٤٢ و ٢٨٣ ، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ١١٦ | ٢٨٢٢ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٣٩٧ ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، دلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٤٧١ ، تاريخ بغداد ١ : ١٤٢ ، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الامام الحسين (ع) - : ٢٦١ | ٣٢٥ ، اُسد الغابة ٢ : ٢٣ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١٥ ، تاريخ الاسلام للذهبي : ص ١٧ حوادث سنة ٦١ ، البداية والنهاية ٦ : ٢٣١ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٣٥٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٩٤.

(٢) طبقات ابن سعد ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ ج ٨ انظر : مجلة تراثنا العدد ١٠ : ص ١٩٩ح ٣٢١ ، دلائل النبوة للبيهقي ٦ : ٤٧١ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ٢٤٤ |٢٩٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١٢.

(٣) الطور ٥٢ : ٢١.

(٤) أمالي الطوسي ا : ٣٢٤.

٤٣٢

وممّا روي في السبطين عليهما‌السلام : ما رواه عتبة بن غزوان قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي فجاء الحسن والحسين يركبان ظهره ، فانصرف فوضعهما في حجره وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة ، فقالقوم : أتحبّهما يا رسول الله؟

فقال : «ما لي لا اُحبّ ريحانتيّ من الدنيا»(١).

وروى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «الحسن والحسين ابنيّ من أحبّهما أحبّني ، ومن أحبّني أحبّه الله ، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه »(٢).

وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ الحسن والحسين شنفا (٣) العرش ، وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ اسكنتني الضعفاء والمساكين ، فقال لها الله تعالى : «ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، قال : فماست كما تميس (٤) العروس فرحاً»(٥).

وروى عبدالله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول : كان رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما‌السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

_________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٨٣.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٦ ، وباختلاف يسير في : إرشاد المفيد ٢ : ٢٨ ، وتاريخ ا بن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع ) ـ : ٩٧ - ٩٨ | ١٣١ و ١٣٢ ، كفاية الطالب : ٤٢٢.

(٣) الشنف : القرط الأعلى. « الصحاح ـ شنف ـ ٤ : ١٣٨٣ ».

(٤) الميس : ضرب من الميسان ، أي ضرب من المشي في تبختر وتهاد ، كما تميس الجارية العروس «العين ٧ : ٣٢٣».

(٥) ارشاد المفيد ٢ : ١٢٧ ، مناقب ابن شهرآشوب : ٣٩٥ ، وقطعة منه في : تاريخ بغداد ٢ : ٢٣٨ ، ومجمع الزوائد ٩ : ١٨٤ ، وكنز العمال ١٢ : ١٢١.

٤٣٣

من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثمّ قال : «صدق الله تعالى : (اِنّما اَموالُكُم وَاَولأدُكُم فِتنَةٌ )(١) نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما» (٢)

وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته ، وفضل تربته ، وكيفيّة أخذها ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بجلال رتبته ، وعلوّ منزلته عند الله فكثيرة ، وما ذكرناه كاف في هذا الباب.

_________

(١) الأنفال ٨ : ٢٨ ، التغابن ٦٤ : ١٥.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٤ ٣٥ ، صحيح الترمذي ٥ : ٦٥٨ | ٣٧٧٤ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام الحسين (ع) ـ : ١٠٧ | ١٤٤ و ١٤٥.

٤٣٤

(الفصل الرابع)

في ذكر جملة مختصرة من أخبار خروجه

ومقتله عليه السلام

ذكر الثقات من أصحاب السير : أنّه لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما‌السلام تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه‌السلام في خلع معاوية ، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية ، فلمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أن يأخذ الحسين عليه‌السلام بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه‌السلام فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : «إجلسوا على الباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني ».

وصار عليه‌السلام إلى الوليد ، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه‌السلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد ، فقال الحسين عليه‌السلام : «إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً».

فقال الوليد : أجل.

فقال الحسين عليه‌السلام : «فنصبح ونرى في ذلك ».

فقال الوليد : إنصرف على اسم الله تعالى.

فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلايخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب عند ذلك الحسين عليه‌السلام وقال : «أنت يا ابن الزرقاء تقتلني

٤٣٥

أو هو؟ كذبت والله وأثمت » فخرج.

فقال مروان للوليد : عصيتني.

فقال : ويح غيرك يا مروان ، والله ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وأنّي قتلت حسيناً ، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال : لا اُبايع ، والله إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة.

فقال مروان : إن كان هذا رأيك فقد أصبت.

وأقام الحسين تلك الليلة في منزله ، واشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه ، وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّهاً إلى مكّة ، وسرّح الوليد في إثره الرجال فطلبوه فلم يدركوه.

فلمّا كان آخر النهار بعث إلى الحسين عليه‌السلام ليبايع فقال عليه‌السلام : «اصبحوا وترون ونرى» فكفّوا تلك الليلة عنه ، فخرج عليه‌السلام ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة فإنّه لم يدر أين يتوجّه ، وشيّعه وودعه.

وخرج الحسين عليه‌السلام وهو يقول : (فَخَرَج مِنْها خائِفاً يَتَرَقّبُ قال َرَبّ نَجّني مِنَ الْقَوْم الظّالِمِينَ) (١) فلمّا دخل مكّة دخلها لثلاث مضين من شعبان وهو يقول : (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسف رَبّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السّبِيل )(٢).

وأقبل أهل مكّة يختلفون إليه ، ويأتيه ابن الزبير فيمن يأتيه بين كلّ يومين مرّة ، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا

_________

(١ و ٢) القصص ٢٨ : ٢١ ـ ٢٢.

٤٣٦

يبايعونه مادام الحسين عليه‌السلام بالبلد.

وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، وعرفوا خبر الحسين ، فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : إن معاوية قد هلك ، وإنّ الحسين قد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه. فكتبوا إليه كتباً كثيرة ، وأنفذوا إليه الرسل إرسالاً ، ذكروا فيها : أن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل(١).

فكتب إليه اُمراء القبائل : أمّا بعد : فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة.

«من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين.

أمّا بعد : فإنّ (فلاناً وفلانأ)(٢) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا اخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».

ودعا بمسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة

_________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٣٢ ، روضة الواعظين : ١٧١ ، ورواه مقطعاً الطبري في تاريخه ٥ : ٣٣٩ و ٣٤٣ و ٣٥١ باختلاف ، ونحوه في : مقتل أبي مخنف : ٢٧ ، ومقتل ابن طاووس : ١٤ وتذكرة الخواص : ٢١٣ و ٢٢٠.

(٢) في الارشاد : هانئاً وسعيداً.

٤٣٧

ابن عبدالله السلولي ، وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي.

فاقبل مسلم حتّى دخل الكوفة ، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه‌السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد(١).

وكتب عبدالله بن مسلم الحضرمي إلى يزيد بن معاوية : أنّ مسلم بن عقيل قدم إلى الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ ، فإن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ. وكتب إليه عمر بن سعد وغيره بمثل ذلك.

فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا بسرجون ـ مولى معاوية ـ وشاوره في ذلك ـ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو يشير لك ما كنت آخذاً برأيه؟ قال : نعم.

فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد على الكوفة وقال : إنّ معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضمّ المصرين إلى عبيدالله ، فقال يزيد : إبعث بعهد ابن زياد إليه ، وكتب إليه : أن سر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أوتنفيه والسلام.

فلمّا وصل العهد والكتاب إلى عبيدالله أمر بالجهاز من وقته والمسير إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي ، وشريك بن الأعور الحارثي ، وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد

_________

(١) وقعة الطف لأبي مخنف : ٢٢٠ ، ارشاد المفيد ٢ : ٣٩ ، مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ٩٠ ، مقتل ابن طاووس : ١٦ ، روضة الواعظين : ١٧٣ ، تاريخ الطبري ٥ : ٣٥٣ ، تذكرة الخواص : ٢٢٠.

٤٣٨

بلغهم إِقبال الحسين عليه‌السلام ، فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا أنّه الحسين عليه‌السلام ، فكان لا يمرّ على ملأ من الناس إلاّ سلّموا عليه وقالوا : مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين عليه‌السلام ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخّروا ، هذا الأمير عبيدالله بن زياد ، وسار حتّى وافى قصر الأمارة فأغلق النعمان بن بشير عليه حتّى علم أنّه عبيدالله ففتح له الباب (١).

فلمّا أصلح نادى في الناس الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فخطب وقال :

أمّا بعد : فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبقِ امرؤٌ على نفسه (الصدق ينبىء عنك لا الوعيد)(٢).

ثمّ نزل وأخذ الناس أخذاً شديداً.

ولمّا سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرّاً.

ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة أيضاً ، ومرض فاُخبر بأن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده ، فقال لمسلم بن عقيل : اُدخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين وتمكّن جالساً فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي

_________

(١) ارشاد المفيد ٢ : ٤٢ ، روضة الواعظين : ١٧٣ ، ونحوه في مقتل الحسين للخوارزمي : ١٩٨ ، وتهذيب التهذيب ٢ : ٣٠٢.

(٢) قال الجوهري في الصحاح (٦ : ٢٥٠٠) : في المثل «الصدق ينبىء عنك لا الوعيد» : أيأن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد.

٤٣٩

عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد ، ولو منّ الله عليّ بالصحّة ضمنت لك استقامة أمر البصرة.

فلمّا دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ، واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأنّ ذلك كان يكون فتكاً وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الإيمان قيد الفتك ».

فقال : أما والله لو قد قتلته لقتلت غادراً فاجراً كافراً. ثمّ مات شريك من تلك العلّة رحمه‌الله.

ودعا عبيدالله بن زياد مولى له يقال له : معقل ، وقال : خذ ثلاثمائة درهم (١) ثمّ اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم وقل : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، فإذا اطمأنّوا إليك ووثقوا بك لم يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورححتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل.

ففعل ذلك ، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وقال : يا عبدالله إنّي امرؤٌ من أهل الشام ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، فقال له مسلم : أحمد الله على لقائك ، فقد سرّني ذلك ، وقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية ، فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيراً ، فخذ منّي البيعة.

فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، ثمّ قال : اختلف إليّ ايّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بيعته ، ثمّ أمر قابض الأموال فقبض المال منه ، وأقبل ذلك اللعين يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى علم ما احتاج إليه ابن زياد ، وكان

_________

(١) في المصادر : ثلاثة آلاف درهم.

٤٤٠