إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي

إعلام الورى بأعلام الهدى - ج ١

المؤلف:

الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-010-2
الصفحات: ٥٥٥
الجزء ١ الجزء ٢

( الفصل الأول )

في ذكر نبذ من خصائصه

التي لم يشركه فيها غيره

وهي فنون كثيرة ، وفوائدها جمّة غزيرة ، وبينونته عليه‌السلام بها عن جميع البشر واضحة منيرة.

فمنها : سبقه كافّة الخلق إلى الايمان.

فقد صحّ عنه عليه‌السلام أنّه قال : «أنا عبدالله وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين »(١).

وعن أبي ذرّ : أنّه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في عليّ : «أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين».(٢)

_________

(١) انظر : الخصال : ٤٠١ | ١١٠ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٦ ، العمدة لابن بطريق : ٦٤ | ٧٦ ، الطرائف لابن طاووس ٢٠ | ١٢ ، المصنف لابن أبي شيبة ١٢ : ٦٥ | ١٢١٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤ ٤ | ١٢٠ ، السنة لابن أبي عاصم ٢ : ٥٩٨ ، فضائلأحمد : ٧٨ | ١١٧ ، خصائص النسائي ٢٤ : ٧ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢١٢ ، الأوائل لأبي هلال العسكري ١ : ١٩٤ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٣ ، نقض العثمانية للاسكافي : ٢٩٠ ، فرائد السمطين ١ : ٢٤٨ | ١٩٢ ، ميزان الاعتدال ٣ : ١٠١ و ١٠٢.

(٢) انظر : أمالي الصدوق : ١٧١ | ٥ ، ارشاد المفيد ا : ٣١ و ٣٢ ، امالي الطوسي ١ : ١٤٧ ، اختيار معرفة الرجال ١ : ١١٣ | ٥١ ، مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٦ ، اليقين لابن طاووس : ١٩٥ ، انساب الأشراف للبلاذري٢ : ١١٨ | ٧٤ ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي

=

٣٦١

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله إلاّ منّي ومن علي» (١).

وعن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره»(٢).

وعن أبي رافع قال : صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة الاثنين ، وصلّت خديجة يوم الاثنين اخر النهار ، وصلى علي يوم الثلاثاء صلاة الغداة(٣).

وقال عليّ عليه‌السلام : «فكنت اُصلّي سبع سنين قبل الناس(٤).

وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :

إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا

أبوحسن ممّا نخاف من الفتن

وجدناه أولى الناس بالناس أنّه

أطبّ قريش بالكتاب وبالسنن

_________

=

(ع) - ١ : ٨٧ | ١١٩ ونقله المجلسي في بحار الأنوار٣٨ : ٢٢٧ | ٣٣.

(١) الفصول المختارة : ٢١٥ ، ارشاد المفيد ا : ٣١ ، العمدة لابن بطريق : ٦٥ | ٧٩ ، طرائف ابن طاووس : ١٩ | ٨ ، شواهد التنزيل للحسكاني ٢ : ١٢٥ | ٨١٩ ، مناقب ابن المغازلي : ١٤ | ١٩ ، مناقب الخوارزمي : ١٩ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ ١ : ١٤ | ١٩ نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٨ : ٢٢٦ | ٣١

(٢) الفصول المختارة : ٢١١ مناقب ابن شهرآشوب : ٢ | ١٦ ، العمدة لابن بطريق : ٦٥ | ٧٨ ، طرائف ابن طاووس : ١٩ | ٧ ، مناقب ابن المغازلي : ١٣ | ١٧ ، تاريخ ابنعساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع ) ـ ١ : ٨٠ | ١١٣ ، اُسد الغابة ٤ : ١٨ ، ذخائر العقبى : ٦٤.

(٣) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٥ ، وباختلاف يسير في تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع) ـ١ : ٤٨ | ٧٠ و ٧١ ، مناقب الخوارزمي : ٢١ ، ذخائر العقبى : ٥٩.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب٢ : ٧ و ١٦ و ١٧ ، مسند الإمام علي (ع) للسيوطي : ١٨ /٥٨ ، وفيهما نحوه.

٣٦٢

ففيه الذي فيهم من الخير كلّه

وما فيه مثل الذي فيهم من حسن

وصيّ رسول الله من دون أهله

وفارسه قد كان في سالف الزمن

وأول من صلّى من الناس كلّهم

سوى خيرة النسوان والله ذو منن (١)

وفيه يقول ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب :

ما كنتُ أحسبُ أن الأمر (منصرف ) (٢)

من هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى بقبلتهم

وأعرف الناس بالأثار والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومن

جبرئيلُ عونٌ له في الغسلِ والكَفنِ (٣)

ومنها : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمله حتى طرح الأصنام من الكعبة.

فروى عبد الله بن داود ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي مريم ، عن عليّ عليه‌السلام قال : «قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت ان أتناول السماء فعلت» (٤).

_________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١١٤ ، وأورد الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ١٢٧ البيت الأول ولأخير.

(٢) في نسخة«ط» : منتقل.

(٣) الفصول المختارة : ٢١٦ ، وسليم بن قيس في كتابه : ٧٨ عن العباس ، وارشاد المفيد ا : ٣٢ عن خزيمة بن ثابت الأنصاريَ ، والجمل : ٥٨عن عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ، وفي تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٢٤ عن عتبة بن أبي لهب ، ومناقب الخوارزمي : ٨ عن العباس بن عبدالمطلب.

(٤) تاريخ ابن أبي شيبة : ٧٩ ل ، مسند أحمد ا : ٤ ٨ و ١٥١ ، خصائص النسائي : ١٣٤ | ١٢٢ ، المقصد العلي لأبي يعلى الموصلي : ق ١٢١ | ٢ ، تهذيب الأثار لابن جرير : ٤٠٥ و ٤٠٦ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٣٦٦ و ٣ : ٥ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠٢ ، مناقب ابن المغازلي : ٢٠٢ | ٢٤٠ ، مناقب الخوارزمي : ٧١ ، كفاية الطالب : ٢٥٧ ، ذخائر العقبى : ٨٥ ، الرياض النضرة ٣ : ١٧٠ ، فرائد السمطين ١ : ٢٤٩ ونقله المجلسي في بحار الأنوار

=

٣٦٣

وفي حديث آخر طويل قال عليّ : «فحملني النبيّ عليه‌السلام فعالجت ذلك حتّى قذفت به ونزلت - أو قال : نزوت - » الشكّ من الراوي(١).

ومنها : حديث المؤاخاة.

فقد اشتهرفي الرواية : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين المقداد وعمّار بن ياسر ، وبين حمزة بن عبدالمطّلب وزيد بن حارثة ، وضرب بيده على علي فقال : «أنا أخوك وأنت أخي»(٢).

فكان عليّ إذا أعجبه الشيء قال : «أنا عبدالله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب»(٣).

وعن أبي هريرة - في حديث طويل - : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين أصحابه وبين الأنصار والمهاجرين ، فبدأ بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام فاخذ بيده وقال : «هذا أخي (٤) ـ وفي خبر آخر : أنت أخي (٥) ـ في الدنيا والأخرة» فكان رسول الله وعلي أخوين.

_________

=

-٣٨ : ٨٤ / ٣.

(١) نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٨ : ٨٤ / ٣.

(٢ ) فضائل احمد : ٩٤ | ١٤١ و ١٢٠ | ١١٧ ، تاريخ ابن عساكر- ترجمة الامام علي (ع) ـ ١ : ١٣٥ | ١٦٧ ، كفاية الطالب ، الرياض النضرة ٣ : ١٢٥ ، فرائد السمطين ١ : ١١٧ | ٨٢.

(٣) المصنف لابن أبي شيبة ١٢ : ٦٢ | ١٢١٢٨ ، خصائص النسائي : ٨٥ | ٦٧ ، الاستيعاب لابن عبدالبر ٣ : ٣٥ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ ١ : ١٣٦ | ١٦٨.

(٤) سيرة ابن هشام ٢ : ١٥٠ ، مناقب ابن المغازلي : ٣٨ | ٦٠ ، اسد الغابة ٣١٧ ، : الاصابة ٢ : ٥٠١ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٨ : ٣٤١ | ١٦.

(٥) صحيح الترمذي ٥ : ٦٣٦ | ٣٧٢٠ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٤ ، الاستيعاب لابن عبدالبر

=

٣٦٤

ومنها : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفل في عينيه يوم خيبر ودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ ، فكان عليه‌السلام بعد ذلك لا يجد حرّاً ولا قرّاً ، ولا ترمد عينه ، ولا يصدع ، فكفى بهذه الخصلة شرفاً وفضلاً.

فروي عن عبدالرحمن بن أبي ليلى : أنّ الناس قالوا له : قد أنكرنا من أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشوّ ، فهل سمعت أباك يذكر أنّه سمع من أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك شيئاً؟ قال : لا ، قال : وكان أبي يسمر مع علي بالليل ، فسألته قال : فسأله عن ذلك فقال : يا أميرالمؤمنين إنّ الناس قد أنكروا ، وأخبره بالذي قالوا.

فقال : «أوما كنت معنا بخيبر؟» قال : بلى.

قال : «فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أبا بكر وعقد له لواء ، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه. ثمّ عقد لعمر فرجع منهزماً بالناس.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يده ، فارسل إليّ وأنا أرمد فتفل في عيني ، وقال : اللهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد ، فما وجدتُ حرّاً بعد ُولا برداً»(١).

_________

=

٣ : ٣٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٥٧ | ٣٧ و ٣٨ | ٥٩ ، مصابيح البغوي ٤ : ١٧٣ | ٤٧٦٩ ، مقتل الخوارزمي : ٤٨ ، اُسد الغابة ٤ : ٢٩ ، الاصابة ٢ : ٥٠٧ | ٥٦٨٨ ، لسان الميزان ٣ : ٩.

(١) المصنف لابن أبي شيبة ١٢ : ٦٢ | ١٢١٢٩ ، خصائص النسائي : ٣٩ | ١٤ و ١٥٩ | ١٥١ ، تاريخ ابن عساكرـ ترجمة الامام علي (ع ) ـ١ : ٢١٧ | ٢٦١ و ٢٦٢ ، دلائل النبوة للبيهقي٤ : ٢١٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٢٢ ، ومختصراً في سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ ، ومسند أحمد١ : ٩٩ و ١٣٣ ، ومسند البزاز : ق ١٠٥ | ١ ، وزوائد الفضائل للقطيعي : ١٠٨٤ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ٣٧ ، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، ودلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهاني

=

٣٦٥

وفي رواية اُخرى : «فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد ، وهزّ لي الراية فدفعها إليّ ، فانطلقت ، ففتح لي ، ودعا لي أن لا يضرّني حرّ ولا قر»(١).

وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :

وَكانَ عليّ أرمدَ العينِ يَبتغي

دواءً فَلَمّالم يحسن مُداويا

شفاهُ رسولُ اللهِ منهُ بتفلةٍ

فبوركَ مَرقيّاً ويُورك راقيا

وقال ساُعطي الراية اليومَ صارماً

كميّا مُحبّاً للرّسولِ مُواليا

يُحبّ إلهي والإلهُ يُحبّهُ

بهِ يفتحُ الله الحصونَ الأوابيا

فَاصفى بها دونَ البريّةِ كلّها

عليّاً وسمّاه الوزيرَ المؤاخيا (٢)

وروى حبيب بن أبي ثابت ، عن الجعد مولى سويد بن غفلة ، عن سويد بن غفلة قال : لقينا عليّاً في ثوبين في شدّة الشتاء ، فقلنا له : لا تغترب ارضنا هذه ، فإنّها أرض مقرّة ليست مثل أرضك.

قال : «أما إنّي قد كنت مقروراً ، فلمّا بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خيبر قلت له : إنّي أرمد ، فتفل في عيني ودعا لي ، فما وجدت برداً ولا حرّاً بعد ، ولا رمدت عيناي »(٣).

ومنها : ما قاله فيه يوم خيبر ، ممّا لم يقله في أحد غيره ، ولا يوازيه إنسان ، ولا يقارنه فيه ، فقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفيّ في كتاب المعرفة : حدّثني الحسن بن الحسين العرفي -وكان صالحاً- قال : حدّثنا

_________

=

٢ : ٩٥٦ | ٣٩١ ، وحلية الأولياء ٤ : ٣٥٦ ، ومناقب أبن المغازلي : ٧٤ | ١١٠.

(١) نقله المجلسي في بحار الأنوار٤١ : ٢٨٢ | ذيل ح ٥.

(٢) ارشاد المفيد ١ : ١٢٨ ، العمدة لابن بطريق : ١٥٥ | ٢٣٨ ، مناقب ابن المغازلي : ١٨٥كفاية الطالب : ١٠٤ ، الفصول المهمة : ٣٧.

(٣) فرائد السمطين ١ : ٢٦٤ | ٢٠٦ ، مجمع الزوائد٩ : ١٢٢.

٣٦٦

كادح بن جعفر البجلي ـ وكان من الأبدال (١) ـ عن ابن لهيعة ، عن عبدالرحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار ، عن جابر بن عبد الله الأنصار يقال : لمّا قدم عليّ عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفتح خيبر قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لولا أن يقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنك منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنّك تؤدّي ذمتي ، وتقاتل على سنّتي ، وأنّك في الآخرة غداً أقرب الناس منّي ، وأنّك غداً على الحوض خليفتي ، وأنّك أوّل من يرد عليّ الحوض غداً ، وأنك أول من يكسى معي ، وأنّك أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي ، وأنّ شيعتك على منابر من نور ، مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، ويكونون في الجنّة جيراني ، وأنّ حربك حربي ، وأنّ سلمك سلمي ، وأنّ سرّك سرّي ، وأنّ علانيتك علانيتي ، وأنّ سريرة صدر ككسريرة صدري ، وأنّ ولدك ولدي ، وأنّك منجز عدتي ، وأنّ الحقّ معك ، وأنّ الحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وأنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنّه لا يرد على الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محبّ لك غداً حتّى يردوا الحوض معك ».

فخرّ عليّ عليه‌السلام لله ساجداً ، ثمّ قال : «الحمد لله الذي منّ عليّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، إحساناً منه إليّ ، وفضلاً منه عليّ».

_________

(١) الابدال : المبرّزون في الصلاح ، وسموا أبدالاً لأنّهم كلما مات منهم واحد اُبدل بآخر.«انظر : لسان العرب ١١ : ٤٩».

٣٦٧

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك : «لولا أنت يا عليّ لم يعرف المؤمنون بعدي»(١).

وهذا الخبر بما تضمنه من مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام لو قسّم على الخلائق كلّهم من أوّل الدهر إلى آخره لاكتفوا به شرفاً ومكرمة وفخراً.

ومنها : أن شرّفه الله تعالى بطاعة النار له عليه‌السلام.

روى الأعمش ، عن خيثمة ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول : «أنا قسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك »(٢).

قال : وحدّثني موسى بن طريف ، عن عباية بن ربعي قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لقسيم النار ، أقول : هذا لي وهذا لك ».

قال : فذكرته لمحمّد بن أبي ليلى فقال : يعني : أنّ وليّي في الجنّة

_________

(١) أمالي الصدوق : ٨٦ ، كنز الفوائد ٢ : ١٧٩ ، مناقب ابن المغازلي : ٢٣٧ | ٢٨٥ ، كفاية الطالب : ٢٦٤ ، وقطعه منه في مناقب الخوارزمي : ٢٢٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣١.

(٢) لم يعد بمستغرب ان تجد. جملة كبيرة من الاحاديث الصحيحة والمشهورة تتعرض للتكذيب والطعن من قبل الامويين أو ممّن تشبع بروحهم المناصبة العداء لاهل البيت عليهم‌السلام. ، فهذا هو ديدنهم ، وتلك هي شمائلهم ، منذ بدء الدعوة الاسلامية المباركة والى يومنا هذا ، والامر لا يحتاج الى سرد وتوضيح ، فهو اجلى من الشمس فيرابعة النهار ، ولنا على صحة قولنا الف شاهد والف دليل.

ولعل من الاحاديث التي نالها بغض الامويين لاهل البيت عليهم‌السلام ، ولا سيماأمير المؤمنين عليه‌السلام حديث (قسيم النار) المشهور الذي حدث به الاعمش وغيره ، وحيث تجد إلى جانب ذلك الحديث كلام ممجوج يحاول الطعن بهذا الحديث دون حجة أو دليل.

نعم ، بل وتجد اشارات واضحة إلى محاولة ذلك البعض المنحرف لثني الاعمش عن رواية هذا الحديث أو تكذيبه ، على ما ذكر ذلك الذهبي في لسان الميزان (٣ : ٣٤٧) حيث ذكر عن عيسى بن يونس انه قال : ما رأيت الاعمش خضع إلآ مرة واحدة ، فأنّه

=

٣٦٨

وعدوّي في النار. قلت : سمعته؟ قال : نعم (١).

وروى جابر الجعفي قال : أخبرني وصيّ الأوصياء قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة : لا تؤذيني في عليّ ، فإنه أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، يقعده الله غداً يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار» (٢).

ومنها : ما رواه عباد بن يعقوب ، ويحيى بن عبدالحميد الحماني قالا : حدّثنا عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عبيدالله ، عن أبيه عبيداللهّ بن أبيرافع ، عن جدّه ابي رافع قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جلس ثمّ أراد أن يقوم لا يأخذ بيده غير عليّ عليه‌السلام ، وإنّ أصحاب

_________

=

حدثنا بهذا الحديث ـ أنا قسيم النارـ فبلغ ذلك أهل السنة فجاءوا فقالوا : التحديث بهذا يقوي الرافضية والزيدية والشيعة ، فقال [ اي الاعمش ] : سمعته فحدًثت به.

قال : فرأيته خضع ذلك اليوم.

بل وروى القاضي ابن ابي يعلى في طبقات الحنابلة ما هذا لفظه : سمعت محمّد بن منصور يقول : كنّا عند احمد بن حنبل فقال رجل : يا أبا عبدالله ، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى ان علياً قال : «انا قسيم النار».

فقال : وما تنكرون من ذا؟ أليس قد روينا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : «لايحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟» قلنا : بلى.

قال : فاين المؤمن؟ قلنا : في الجنة.

قال : واين المنافق؟ قلنا : في النار.

قال : فعلي قسيم النار.

(١) أمالي الطوسي ٢ : ٢٤١ ، مناقب ابن شهراشوب ٢ : ١٥٧ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ ٢ : ٢٤٤ | ٧٥٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ ، فرائد السمطين ١ : ٢٥٤ | ٣٢٥ ، ولم يرد فيها ذيل الرواية.

(٢) كتاب سليم بن قيس : ١٤١ | ذيل حديث ٣٠ ، أمالي الطوسي ١ : ٢٩٦ ، بشارة المصطفى : ١٤٨ ، اليقين : ٥٤١.

٣٦٩

النبيّ كانوا يعرفون ذلك له فلا يأخذ بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد غيره.

وقال الحماني في حديثه : كان إذا جلس اتّكأ على عليّ ، وإذا قام وضع يده على عليّ عليه‌السلام(١).

ومنها : أنّه صاحب حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة.

روى محمّد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كأنّي أنظر إلى تدافع مناكب اُمّتي على الحوض ، فيقول الوارد للصادر : هل شربت؟ فيقول : نعم واللهّ لقد شربت ، ويقول بعضهم : لا واللهّ ما شربت فيا طول عطشاه »(٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلّي عليه‌السلام : «والذي نبّأ محمّداً وأكرمه ، إنّك لذائد عن حوضي ، تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء ، بيدك عصا من عوسج ، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي» (٣).

وعن طارق عن عليّ عليه‌السلام قال : «ربّ العباد والبلاد ، والسبع الشداد ، لأذودنّ يوم القيامة عن الحوض بيديّ هاتين القصيرتين» قال : وبسط يديه(٤).

_________

(١) مناقب ابن شهراشوب ٢ : ٢١٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٨ : ٣٠٦ | ٨.(٢) نقله المجلسي في بحار الأنوار٣٩ : ٢١٦ | ٦.

(٣) مناقب الخوارزمي : ٦٠ ، ونحوه في مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ١٦٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٩ : ٢١٦ | ٦.

(٤) أمالي الطوسي ١ : ١٧٥ ، فضائل أحمد : ٢٠٠ | ٢٧٩ الرياض النضرة ٣ : ١٨٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٥ ، وفيها نحوه.

٣٧٠

وفي رواية اُخرى : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لاقمعنّ بيديّ هاتين عن الحوض أعداءنا ، ولا وردنّ أحبّاءنا»(١).

ومنها : اختصاصه عليه‌السلام بالمناجاة يوم الطائف.

فروي عن جابر بن عبدالله : أن النبي عليه وآله السلام لما خلا بعلي يوم الطائف وناجاه طويلاً قال أحد الرجلين لصاحبه : لقد طالت مناجاته لابن عمّه ، فبلغ ذلك النبيّ فقال : «ما أنا ناجيته ، بل الله انتجاه »(٢).

ومنها : تفرّده عليه‌السلام بآية النجوى والعمل بها.

فروي عن مجاهد قال : قال عليّ عليه‌السلام : «آية من القران لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى ، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلّما أردت أن اُناجي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصدّقت بدرهم ثمّ نسخت بقوله : (فَاِن لَم تَجدوا فَاِنّ اللهَ غَفُور رَحيم ) (٣) (٤).

_________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ١٦٢ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار٣٩ : ٢١٦ | ٦.

(٢) بصائر الدرجات : ٨١ | ٤٣ ، الأختصاص : ٢٠٠ ، أمالي الطوسي ١ : ٢٦٦ و ٣٤٠ ، العمدة لابن بطريق : ٣٦٢ | ٧٠٣ ، مناقب ابن المغازلي : ١٢٥ | ١٦٤ ، ورواه الترمذي في صحيحه ٥ : ٦٣٩ | ٣٧٢٦ ، الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٣٢٧ و ٣٢٨ ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى : ٨٥ ، والرياض النضرة ٣ : ١٧٠ ، إلا أن فيها «فقال الناس» بدل «فقال أحد الرجلين» ، وكذا رواه الخطيب في تاريخ بغداد ٧ : ٤٠٢ وفيه : «فقالوا» ، وابن الأثيرفي اُسد الغابة ٤ : ٢٧ وفيه «فقال بعض الصحابة».

(٣) المجادلة ٥٨ : ١٣.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٥٧ ، المصنف لابن أبي شيبة ١٢ : ٨١ | ١٢١٧٤ ، تفسير الطبري ٢٨ : ١٤ ، أحكام القرآن للجصاص٣ : ٤٢٨ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٨١ ، المناقب لابن ألمغازلي : ٣٢٦ | ٣٧٣ ، شواهد التنزيل للحسكاني ٢ : ٢٣١ | ٩٥١ و ٢٣٧ | ٩٦٠ و ٩٦١ ، الرياض النضرة ٣ : ١٧٠ ، تفسير ابن كثير ٤ : ٣٤٩.

٣٧١

وفي رواية اُخرى : «بي خفّف الله عن هذه الاُمّة ، فلم تنزل في أحد قبلي ولا تنزل في أحد بعدي»(١).

وروى السندي ، عن ابن عبّاس قال : كان الناس يناجون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلاء إذا كانت لأحدهم حاجة ، فشقّ ذلك على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففرض الله على من ناجاه سرّاً أن يتصدّق بصدقة ، فكفّوا عنه وشقّ ذلك عليهم (٢).

ومنها : أنّ حبّه إيمان وبغضه نفاق ..

فقد اشتهر عنه عليه‌السلام أنّه قال : «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق أن يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضي فانقض على لسان النبيّ الاُمّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه لا يبغضك مؤمن ولا يحبّك منافق »(٣).

ومنها : ما قاله فيه يوم الحديبية لمّا كتب عليه‌السلام كتاب الصلح بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل مكّة فكتب : «بسم الله الرحمن الرحيم».

فقال سهيل بن عمرو : هذا كتاب بيننا وبينك يا محمّد ، فافتتحه بما

_________

(١) العمدة لابن بطربق : ١٨٥| ٢٨٣ ، صحيح الترمذي ٥ : ٤٠٦| ذيل حديث ٣٣٠٠ ، خصائص النسائي : ١٦١| ذيل حديث ١٥٢ ، مسند أبي يعلى الموصلي ١ : ٣٢٢ | ذيل حديث ٤٠٠ ، تفسير الطبري ٢٨ : ١٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٣٢٥| ذيل الحديث٣٧٢ ، شواهد التنزيل للحسكاني ٢ : ٢٣٢ | ذيل حديث ٩٥٣ و ٢٣٤| ذيل حديث ٩٥٤ و ٩٥٥ ، كفاية الطالب : ١٣٦ ، ميزان الاعتدال ٣ : ١٤٦.

(٢) أحكام القران للجصاص ٣ : ٤٢٨ ، تفسير ابن كثير ٤ : ٣٥٠ ، وفيهما عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

(٣) نهج البلاغة ٣ : ١٦٣ | ٤٥ ، أمالي الطوسي : ٢٠٩ ، ربيع الأبرار للزمخشري ١ : ٤٨٨.

٣٧٢

نعرفه واكتب باسمك اللهم.

فقال : «اُكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت».

فقال عليه‌السلام : «لولا طاعتك يا رسول اللهّ لما محوت».

فقال النبيّ عليه واله السلام : «اكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللهّ سهيل بن عمرو».

فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة ، فامح هذا الاسم واكتب محمّد بن عبدالله.

فقال له عليّ عليه‌السلام : «إنّه واللهّ لرسول اللهّ على رغم أنفك».

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «امحها يا عليّ».

فقال له : «يا رسول الله ، إنّ يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوّة».

قال : فضع يدي عليها. فمحاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال لعليّ : « ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض (١) » (٢).

ومنها : ما رواه ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

«أقبل سهيل بن عمر ورجلان - أوثلاثة - معه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية فقالوا له : إنّه ياتيك قوم من سفلنا وعبداننا فارددهم علينا ، فغضب حتّى احمارّ وجهه ، وكان إذا غضب عليه‌السلام يحمارّ وجهه ثمّ قال : لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للايمان ، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين. فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : «لا». قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا ، ولكنّه ذلكم خاصف النعل في الحجرة. وأنا أخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

_________

(١) المضض : وجع المصيبة. «لسان العرب ٧ : ٢٣٣».

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣١٢ ارشاد المفيد١ : ١١٩ ونحوه في : صحيح مسلم ٣ : ١٤٠٩ | ٩٠ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ٣٦٢ | ١٠.

٣٧٣

وسلّم في الحجرة».

ثمّ قام وقال علي عليه‌السلام : "اما انه قد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كذّب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار»(١).

_________

(١) ارشاد المفيد ١ : ١٢٢ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٤٤ ، العمدة : ٢٢٤ | ٣٥٣ ، الترمذي٥ : ٦٣٤ | ٣٧١٥ ، مناقب ابن المغازلي : ٤٣٩ | ٢٤ ، كفاية الطالب : ٩٧ ، ذخائر العقبى : ٧٦ ، وفيها باختلاف يسير ، ونحوه في : مستدرك الحاكم ٤ : ٢٩٨ ، ودون ذيله في : تاريخ بغداد ١ : ١٣٣ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ٣٦٤ | ١١.

٣٧٤

(الفصل الثاني)

في ذكر مقاماته في الجهاد مع النبي

صلى الله عليه وآله وسلّم ومواقفه ومشاهده

على سبيل الجملة والاختصار

الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عبّاس قال : كانت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عليّ عليه‌السلام في المواقف كلّها : يوم بدر ، ويوم اُحد ، ويوم حنين ، ويوم الأحزاب ، ويوم فتح مكّة وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة في المواطن كلّها ويوم فتح مكّة ، وراية المهاجرين مع عليّ عليه‌السلام(١).

ومن مقاماته الجليلة : مواساته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الفراش وبذله مهجته دونه ، قال ابن عبّاس : لمّا انطلق النبيّ إلى الغار أنام عليّاً عليه‌السلام في مكانه وألبسه برده ، فجاءت قريش تريد أن تقتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلوا يرمون عليّاً وهم يرون أنّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعل يتضوّر(٢) فلمّا نظروا إذا هو عليّ عليه‌السلام (٣).

وروى علي بن هاشم ، عن محمّد بن عبدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه أبي رافع قال : كان عليّ يجهّز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان في الغار ياتيه بالطعام والشراب ، واستاجر له ثلاث رواحل ، للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولأبي بكر ولدليلهم ، وقيل : وخلّفه النبيّ صلّى الله عليه

_________

(١) انظر : كفاية الطالب : ٣٣٥ ، وذخائر العقبى : ٧٥.

(٢) التضوّر : التلوي من وجع الضرب. «القاموس المحيط ٢ : ٧٧».

(٣) تفسير فرات الكوفي : ١٠ ، مستدرك الحاكم ٣ : ٤ ، وفيهما نحوه ، ونقله المجلسي في

=

٣٧٥

وآله وسلّم يخرج إليه أهله فاخرجهم ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصاياه وماكان يؤتمن عليه من مال ، فادّى عليّ عليه‌السلام أماناته كلّها.

وقال له النبيّ عليه واله السلام : «إنّ قريشاً لن يفتقدوني ما رأوك» فاضْطَجع على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكانت قريش ترى رجلاً على فراش النبيّ فيقولون : هو محمّد ، فحبسهم الله عن طلبه ، وخرج عليّ إلى المدينة ماشياً على رجليه فتورمت قدماه ، فلمّا قدم المدينة رآه النبيّ فاعتنقه وبكى رحمة له ممّا رأى بقدميه من الورم ، وأنّهما يقطران دماً ، فدعا له بالعافية ومسح رجليه ، فلم يشكهما بعد ذلك (١).

ومن مقاماته في غزوة بدر : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه ليلة بدر أن يأتيه بالماء حين قال لأصحابه : «من يلتمس لنا الماء» فسكتوا عنه فقال عليّ عليه‌السلام : «أنا يا رسول الله ».

فاخذ القربة وأتى القليب فملأها ، فلما أخرجها جاءت ريح فاهرقته ثمّ عاد إلى القليب فملأها فجاءت ريح فاهرقته ، فلمّا كانت الرابعة ملأها فاتى بها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاخبره بخبره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا الريح الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثانية فميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الريح الثالثة فإسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ».

رواه محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه أبي رافع (٢).

ومنها : أنّه عليه‌السلام بارز الوليد بن عتبة فقتله ، وبارز عتبة حمزة بن

_________

=

بحار الأنوار ١٩ : ٨٤ | ٣٥.

(١) تاريخ ابن عساكر- ترجمة الإمام علي (ع ) - ١ : ١٥٤ ، ودون صدره في : اُسد الغابة ٤ : ١٩ ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار ١٩ : ٨٤ | ٣٥.

(٢) نحوه في : قرب الاسناد : ١١١ | ٣٨٧ ، تفسير العياشي ٢ : ٦٥ | ٧٠ ، ونقله المجلسي في

=

٣٧٦

عبدالمطّلب فقتله حمزة ، وبارز شيبة عبيدة بن الحارث فاختلفت بينهما ضربتان قطعت إحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه عليّ عليه‌السلام بضربة بدربها شيبة فقتله ، وشركه في ذلك حمزة ، وكان قتل هؤلاء أوّل وهن لحق المشركين وذل دخل عليهم ، ونصرة وعزّ للمؤمنين.

وقتل أيضاً بعده العاص بن سعيد بن العاص.

وقتل حنظلة بن أبي سفيان ، وطعيمة بن عدي ، ونوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش ، ولمّا عرف النبيّ عليه‌السلام حضوره يوم بدر قال :

«اللهم اكفني نوفل بن خويلد».

ولم يزل عليه‌السلام يقتل منهم واحداً بعد واحد حتّى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً ، وختم الأمر بمناولته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّاً من الحصى ، فرمى بها في وجوههم وقال لهم : «شاهت الوجوه» فولّوا على أدبارهم منهزمين وكفى الله المؤمنين شرّهم (١). ومن مقاماته عليه‌السلام في غزوة اُحد : أنّ الفتح كان له في هذه الغزاة كما كان بيده يوم بدر ، واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر.

قال أبو البختري القرشيّ : كانت راية قريش ولواؤها جميعاً بيد قصيّ ابن كلاب ، ثمّ لم تزل الراية في يد ولد عبدالمطّلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصارت راية قريش وغير ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاقرّها في بني هاشم ، وأعطاها علي بن أبي طالب في غزوة ودّان ، وهي أوّل غزوة حمل فيها راية في الإسلام مع النبيّ ، ثمّ لم تزل معه في المشاهد : ببدر وهي البطشة الكبرى ، وفي يوم اُحد وكان اللواء يومئذ في بني عبدالدار فاعطاها رسول الله صلّى الله عليه

ــــــــــــــــــ

=

بحار الأنوار ١٩ : ٢٩٣ | ٣٦.

(١) انظر : ارشاد المفيد ١ : ٧٠.

٣٧٧

وآله وسلّم مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده ، فتشوّفته القبائل ، فاخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فجمع له الراية واللواء ، فهما إلى اليوم في بني هاشم.

وكان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة - وكان يدعى كبش الكتيبة - فتقدّم وتقدّم عليّ عليه‌السلام ، وتقاربا فضربه عليّ ضربة على مقدّم رأسه فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يسمع مثلها وسقط اللواء من يده ، فاخذه أخ له يقال له : مصعب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخٌ له يقال له : عثمان ، فرماه عاصم أيضاً بسهم فقتله ، فاخذه عبدٌ لهم يقال له : صواب ، وكان من أشدّ الناس فضربه عليّ عليه‌السلام فقطع يمينه ، فاخذ اللواء بيده اليسرى فضرب عليّ يده فقطعها ، فأخذ اللواء على صدره وجمع يديه المقطوعتين عليه فضربه عليّ عليه‌السلام على اُمّ رأسه فسقط صريعاً وانهزم القوم.

وأكبّ المسلمون على الغنائم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام على الشعب خمسين رجلاً من الأنصار وأمّر عليهم رجلاً منهم ، وقال لهم : «لا تبرحوا مكانكم وإن قتلنا عن آخرنا» فلمّا رأى أصحاب الشعب الناس يغتنمون قالوا لأميرهم : نريد أن نغتنم كما غنم الناس ، فقال : إنّ رسول الله قد أمرني أن لا أبرح من موضعي هذا ، فقالوا له : إنّه أمرك بهذا وهو لا يدري أنّ الأمر ، يبلغ إلى ما نرى ، ومالوا إلى الغنائم وتركوه.

فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله ، وجاء من ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريده ، وقُتل من ، أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعون رجلاً وانهزموا هزيمة عظيمة ، وأقبلوا يصعدون الجبال وفي كلّ وجه ، ولم يبق معه إلاّ أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكلّما حملت طائفة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٧٨

استقبلهم أمير المؤمنين عليه‌السلام فدفعهم عنه حتّى انقطع سيفه ، فلمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال : «إليّ أنا رسول الله ، إلى أين تفرّون عن الله وعن رسوله»؟!!

وثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلاً ، منهم : طلحة بن عبيدالله وعاصم بن ثابت ، وصد الباقون الجبل ، وصاح صائح بالمدينة : قُتل رسول الله ، فانخلعت القلوب لذلك ، وتحيّر المنهزمون فاخذوا يميناً وشمالاً.

وروى عكرمة قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول : «لمّا انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحقني من الجزع عليه مالم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه ، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت : ما كان رسول الله ليفرّ وما رأيته في القتلى فاظنّه رُفع من بيننا ، فكسّرت جفن سيفي وقلت في نفسي : لاُقاتلنّ به عنه حتّى أقتل ، وحملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد وقع على الأرض مغشيّاً عليه ، فقمت على رأسه فنظر إليّ فقال : ما صنع الناسيا عليّ؟ فقلت : كفروا يا رسول الله وولّوا الدبر واسلموك ، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ردّ عني يا عليّ هذه الكتيبة ، فحملتعليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتّى ولّوا الأدبار فقال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما تسمع مديحك في السماء ، أنّ ملكاً يقال له : رضوان ينادي : «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ» فبكيت سروراً وحمدت الله على نعمه ».

وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانصرف المشركون إلى مكّة ، وانصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة فاستقبلته فاطمة عليها‌السلام ومعها إِناء فيه ماء فغسلت به وجهه

٣٧٩

ولحقه أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه ذو الفقار وقد خضب الدم يده إلى كتفه فقال لفاطمة عليها‌السلام : «خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم ، وقال :

أفاطم هاك السيف غير ذميم

فلست برعديد ولا بمليم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد

وطاعة ربٍّ بالعباد عليم »

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خذيه يا فاطمة ، فقد أدّى بعلك ما عليه ، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش»(١).

ومن مقاماته المشهورة في غزوة الأحزاب : قتله عمرو بن عبد ود ، فروى ربيعة السعدي قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبدالله ، إنّا لنتحدّث عن عليّ عليه‌السلام ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة : إنّكم تفرطون في عليّ عليه‌السلام ، فهل أنت محدّثي بحديث فيه؟

فقال حذيفة : يا ربيعة ، والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد في كفّة الميزان منذ بعث الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم الناس هذا ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الاُخرى لرجّح عمل عليّ عليه‌السلام على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة : هذا الذي لا يُقام له ولا يُقعد!

فقال حذيفة : يا لكع (٢) وكيف لا يحمل ، وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عمرو بن عبد ود وقد دعا إلى المبارزة فاحجم الناس كلّهم ما خلا علياً فإنّه برز إليه فقتله الله على يده ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل

_________

(١) ارشاد المفيد ١ : ٧٩ ، وأورد منه القمي في تفسيره ١ : ١١٢قطعاً متفرقة ، وكذا في : مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١٢٣ و ١٢٥ و ٢٩٩.

(٢) اللكع : اللئيم والعبد الذليل النفس : «الصحاح - لكع - ٣ : ١٢٨٠»

٣٨٠